النمو الديمغرافي بالمغرب والآفاق المستقبلية للظاهرة الحضرية .
بوشعيب أعلاوي، طالب باحث في سلك الدكتوراه بكلية الحقوق اكدال الرباط
مقدمة :
وفق النهج الاستراتيجي للتحضر الذي تبنته منظمة الأمم المتحدة للمستوطنات البشرية لفترة السنتين 2016-2017 وفي إطار الخطة الإستراتيجية لفترة 2014-2019 ،اعتمدت المنظمة نهجا أكثر اتساما بالطابع الاستراتيجي والتكاملي في معالجة التحديات والفرص التي تطرحها المدن والمستوطنات البشرية في القرن الحادي والعشرين وذلك بالاستناد إلى افتراضين:
الأول : هو الارتباط الإيجابي الذي تم التحقق منه تجريبيا بين التحضر والتنمية، والذي يبين بوضوح أنه يمكن استخدام التحضر كأداة قوية لتحويل القدرات الإنتاجية ومستويات الدخل في البلدان النامية ،غير أن هذا يتطلب تحولا في عقلية مقرري السياسات العمومية من رؤية التحضر كمشكلة إلى رؤيته كأهداف للتنمية.
الثاني : و يتمثل هذا الافتراض في أن التحديات الرئيسة التي تواجه المدن والمستوطنات البشرية اليوم تعزى إلى قصور في النظم الأساسية التي ينهض عليها الأداء الكفء والفعال للمدن والمستوطنات البشرية، ولاسيما النظم التشريعية والمالية الحضرية. وتشمل هذه التحديات البطالة، ولاسيما بين الشباب، وأوجه عدم المساواة الاجتماعية والاقتصادية ، التي تتجلى أحيانا كثيرة في نشوء الأحياء الفقيرة وتضخم القطاع غير الرسمي ، والأنماط غير المستدامة لاستهلاك الطاقة، والزحف الحضري العشوائي وتزايد انبعاث غازات الاحتباس الحراري.[1]
ولقد ساهم النمو الديمغرافي والهجرة القروية كما سنتطرق إلى ذلك لاحقا وكذا توسيع المدن وظهور مراكز حضرية إلى التطور السريع لظاهرة التمدين التي وصلت إلى 51% سنة 1964 لتقفز إلى65% سنة 2013 يتوقع أن تبلغ نسبة الساكنة الحضرية حوالي 75% سنة 2025 هذا مع العلم أن المدن بالمغرب لا تشكل سوى 2% من مجموع التراب الوطني.[2]
نتيجة لكل ما تم ذكره عرفت التكتلات الحضرية الكبرى التي تمت الإشارة إليها بالإضافة إلى مدن أخرى كتمارة، أكادير وتطوان أعلى نسبة للتمدين، الشيء الذي مثل تحديا كبيرا أمام توفير مناصب الشغل والسكن والتجهيزات الحضرية، مما تطلب إيجاد مدن ملائمة لاحتضان الأعداد المتزايدة من السكان وتجهيزها بكل المرافق الأساسية كالمدارس والمستشفيات والأنشطة المنتجة للثروات.
و لعل ما يمكن ملاحظته بهذا الخصوص ، هو أن ظاهرة التمركز بالمدن بالمغرب و تطور التجمعات الحضرية ، لم تأت نتيجة تقدم عرفته الهياكل الاقتصادية و الاجتماعية ، كما حدث ذلك فعلا في المجتمعات المتقدمة لكنها جاءت كنتيجة لسلبية الاختيارات الاقتصادية ، و عجز مخططات التنمية لسنوات ما بعد الاستقلال عن الحد من عدم التوازن بين المجالين القروي و الحضري و امتصاص العجز العمراني [3] ، لذا كان لابد من نهج سياسة نشيطة وحكيمة للتنمية الحضرية المتوازنة وتوزيع جيد وعادل للاستثمارات الاقتصادية والاجتماعية، فإذا كانت الاختلالات والفوارق بين المدن المغربية لا مفر منها بسبب التباين في الموارد الطبيعية المتوفرة على صعيد كل جهة أو مدينة زيادة على التوزيع الجغرافي للسكان والأنشطة التي يواكبها بشكل طبيعي كلما ازداد نموها، فإنه مع ذلك يتعين على الدولة السهر على إعداد وتنفيذ عدة تدابير ترمي إلى توجيه الاستثمارات بشقيها العمومية والخاصة، نحو المدن الأقل ازدهارا ومنح تشجيعات هامة في إطار قوانين الاستمارات و إذا ما حاولنا قراءة واقع الحواضر المغربية سنكشف عن النظرة الضيقة لأساليب التوزيع المجالي للمشاريع القطاعية المقررة والمنفذة دون مقاربة شمولية للنسق الاقتصادي والاجتماعي والمجالي الجهوي. فلم يستطع المجال الحضري أن يستوعب التضخم الذي عرفه عدد سكان الحضريين، حيث انتقل عدد السكان بالمدن ما بين سنتي 1960 و 1970 من 3.411.000 إلى 5.360.000 نسمة و غدت نسبة التمدن تقارب 36 في المائة حسب إحصائيات 1971 ليتجاوز 26 مليون نسمة من خلال إحصائيات 1994 ،فبفعل هذا التزايد في بلد لازال ينعت بالبلد الفلاحي ، تولد إحساس لدى السلطات نتيجة عجزها عن معالجة مشاكل التعمير ، بعدم إمكانية تناول هذه المشاكل في معزل عن باقي القطاعات الاقتصادية و الاجتماعية الأخرى لكن مجهوداتها في هذا الباب ضلت محدودة بسبب قلة الإمكانيات و غياب سياسة فعالة على مختلف المستويات .
و قد عرفت المناطق الحضرية ، تحث ضغط النمو الديموغرافي السريع و استفحال المضاربات العقارية ، و تزايد عمليات البناء السري و العشوائي ، ظهور مجموعة من المشاكل كان أهمها اتساع رقعة المجال الحضري في غياب أي تخطيط مستقبلي [4] وللوقوف على هذه الاختلالات سأحاول من خلال هذا الموضوع تسليط الضوء على بعض تجليات عدم التوازن والكشف عن الأساليب التي أدت إلى ذلك من خلال الوقوف على بعض سلبيات هذا التوجه وذلك من خلال تقسيم هذا الموضوع إلى ثلاثة محاور رئيسية استدعتها ضرورة البحث في الموضوع ، حيث سأتطرق في المبحث الأول إلى الحقائق القانونية والمؤسساتية للنمو الديمغرافي داخل المدن بالمغرب وفي مبحث ثاني إلى الانعكاسات الاجتماعية والاقتصادية والبيئية للنمو الديمغرافي على الظاهرة الحضرية بالمغرب على أن أتطرق في المبحث الثالث إلى الإسقاطات السكانية وآفاق مستقبل الظاهرة الحضرية بالمغرب.
المبحث الأول: الحقائق القانونية والمؤسساتية للنمو الديمغرافي داخل المدن.
يمكن القول أن الاهتمام بالنمو الديمغرافي وبالسكان وأعدادهم يرجع إلى العصور القديمة، إذ توجد دلائل تشير إلى إحصائيات أنجزت عشرات السنين قبل الميلاد، رغم عدم شموليتها، إذ غالبا ما كانت تقتصر على شريحة اجتماعية معينة أو تنحصر في رقعة جغرافية دون غيرها ، وكان ذلك حسب الغرض من العملية، ومع مرور الزمن وتكاثر السكان، ابتدأ التفكير في المشاكل الناتجة عن هذا التكاثر ونمط توزيع السكان الجغرافي.
إن عدد سكان العالم يتزايد بوتيرة لم يسبق لها مثيل، فنموهم خلال الأربعين سنة الأخيرة يوازي مجموع الزيادات السكانية التي تمت خلال نصف مليون سنة خلت، فلقد كان على البشرية أن تحتفل بالمليار الأول لعدد سكانها في حدود سنة1830، ثم مر بعد ذلك قرن من الزمان 1830-1930 لتحقيق المليار الثاني ، ثم ثلاثون سنة 1930-1960 لبلوغ المليار الثالث،15 سنة فقط 1960-1975 لإضافة المليار الرابع، و12 سنة فقط للانتقال من 4 ملايير إلى 5 ملايير نسمة، ويتوقع أن يتحقق المليار السادس بعد 11 سنة ،ثم 8،5 ملايير في عام 2025، ولا ينتظر أن يتوقف النمو السكاني حتى يستقر عدد السكان في العالم عند حوالي 11،6 مليار نسمة.[5]
لقد توالت النظريات السكانية في هذا المضمار حيث تعرضت للعلاقة بين تزايد السكان ومشكلات غذائية واجتماعية واقتصادية، إلا أن رواد هذه النظريات لم يكونوا مختصين بمجال علم السكان حيث لم يكن هناك أصلا علم بهذا الاسم.
إن المسألة السكانية كانت موضع اهتمام العلماء والفلاسفة منذ أن وجدت تلك المجتمعات، فأي فكر كان هدفه تحقيق مستوى أفضل من الحياة للعنصر البشري، وقد تنبه الفلاسفة إلى أهمية الدراسات المتعلقة بالسكان، فكتبوا عنها منذ أقدم العصور وفلسفة أفلاطون في المدينة الفاضلة لا تخرج في مجموعها عن دراسة سكانية للمجتمع اللاتيني ولا تختلف منهجيا كثيرا عن الدراسات السكانية في الوقت الحاضر إلا من ناحية تغليب الطابع الفلسفي المثالي عليها وخلودها مما جعل فيها في النهاية نوعا من الفلسفة الاجتماعية التي تدور حول السكان وتخطيط المدن ، وهذا واضح في فلسفة أرسطو أيضا وجاء العلامة ابن خلدون بعد ذلك بمئات السنين بدراسات فلسفية تدور هي الأخرى في موضوع السكان.[6]
وقد وضع روبرت مالثوس( Thomas Robert Malthus 1766-1834) أسلوبا في النظريات السكانية الحديثة اتبعه أغلب المنظرين الذين ظهروا من بعده لتفسير الزيادات السكانية، وتميزت بأنها أكثر تفاؤلا في تفسيراتها من الفكر المالثوسي،هذه النظريات أخذت تفسيرات متباينة للظواهر السكانية،فضلا عن أنها ربطت بين المتغيرات البيولوجية،والاقتصادية،والاجتماعية من جانب، والمتغيرات السكانية من جانب آخر، تمثلت في نظريات العلماء والمفكرين الذين وظفوا كتاباتهم لتفسير الظواهر السكانية تفسيرا علميا يتناسب وأهمية الموضوع ونخص بالذكر هنا الاتجاه الحديث للنظرية السكانية، حيث ظهرت نظرية التحول الديموغرافي وهي أكثر النظريات السكانية حداثة وشيوعا واستخداما في الدراسات السكانية، ويعود السبب لذلك أن هذه النظرية تعطي في طياتها إطارا نظريا يساعد على فهم اتجاهات السكان والتغيرات السكانية في العالم ولقد ظهر هذا التصور النظري في بداية القرن العشرين مسلطا الضوء في محتواه إلى أبعاد معدلات المواليد والوفيات على السكان وعلى التركيب الفئوي للهرم السكاني في المجتمعات، فضلا عن التركيب النوعي فيها، وتسمى نظرية التحول الديمغرافي بنظرية الانتقال الديمغرافي ويعني التحول التاريخي في معدلات الولادات والوفيات من مستويات عالية إلى مستويات منخفضة، وهو يسبق انخفاض الولادات مما ينجز عنه نموا سريعا يسمى نموا انتقاليا، وهو أشد من النمو قبل الانتقال وبعده.
إن التطور العلمي في كافة فروع المعرفة بشكل عام، والعلوم الإنسانية بشكل خاص ألقى بظلاله على تطور النظرية السكانية، وأصبحت أكثر شمولية في تفسيرها للقضايا السكانية إذ أنها لم تعتمد العامل الواحد في تفسير الظواهر الديمغرافية مؤكدة أن مجموعة من العوامل والمتغيرات تلعب دورا مؤثرا في نشوء الظواهر السكانية.[7]
ولقد شهد النمو السكاني على الصعيد العالمي زيادة كبيرة منذ نهاية الحرب العالمية الثانية وخاصة في بلدان العالم الثالث ومن بين ذلك المنطقة العربية، حيث تشير دراسات صندوق الأمم المتحدة للأنشطة السكانية أن جزءا من العالم العربي على غرار جهات أخرى من العالم ،يشهد أرفع المعدلات العالمية في النمو السكاني، سواء على الصعيد القطري وذلك بدراسة كل قطر على حدى، أو على صعيد نسبة النمو السكاني في العالم للمنطقة العربية عند مقارنتها ببقية العالم التي تعرف تطورا سكانيا معتدلا.[8]
ولقد تحسنت مؤشرات التنمية البشرية، بإدخال الطب الوقائي إلى المنطقة المغاربية إبان الحقبة الاستعمارية و ما بعدها إبان بناء الدولة الوطنية حيث اختل التوازن التقليدي بين ظاهرتي، الولادات و الوفيات الذي كان سائدا، و كان من نتائج ذلك، ارتفاع معدل النمو السكاني بسبب تراجع الوفيات فيما بقيت الولادات مرتفعة و تعرف هذه الحقبة بالتحول الديمغرافي وتعمل الحكومات المغاربية اليوم على التقليل من الولادات قدر الممكن تمهيدا لدخولها مرحلة النضج الديمغرافي و هي المرحلة الثانية من مراحل هذا التحول.
إن ما عرفته المنطقة المغاربية والعالم الثالث من تحول ديمغرافي لم تصاحبه تنمية اقتصادية بشكل تناسبي، بحيث أن الزيادة السكانية ظلت تنمو بنسق يفوق النمو الاقتصادي لهذه الدول. و هذا الاختلال بين السكان و موارد الدول خلف وضعا ديمغرافيا متفردا، لم تعرفه أوربا إبان تحولها الديمغرافي.
و سوف نحاول من خلال هذه الدراسة إثبات هذه الخصوصية مقارنة بالتجربة الأوروبية[9]ذلك في محاولة الإجابة عن التساؤل، لماذا فشلنا في العبور إلى مرحلة النضج الديمغرافي في حين نجح الغرب في ذلك؟ و ما هي العوامل التي ساعدت الغرب على الوصول إلى مرحلة النضج؟ و ما هي العلاقة الناشئة بين العامل الديمغرافي و العامل الاقتصادي.
فعندما دخل الاستعمار العالم الثالث وجد به العديد من الأمراض و الأوبئة التي كانت تمثل بالنسبة للمستعمر عدوا شرسا، مثل حالة الجزائر مع الاستعمار الفرنسي سنوات 1830 و حتى 1845، حيث لم تفلح الحملات الفرنسية العسكرية للسيطرة على الجزائر إلا بعد وضع برنامج لمقاومة الأمراض و الأوبئة التي فتكت بجندها، حيث مات من الأمراض حوالي 14.032 ألف جندي فرنسي خلال ثلاثة سنوات من 1840 إلى 1843، في حين قتل في المعارك في نفس الفترة حوالي 311 جندي فقط.[10]فكان لا بد من القضاء على هذه الأمراض في أسرع وقت، فاختارت الإدارة الاستعمارية الطريقة الأسرع في النتائج و هي ما يسميها Alfred Sauvy التقنية المناهضة للموت، و هي تقنية جماهيرية تتمثل خاصة في التلاقيح و توفير الماء الصالح للشرب في المدن، و هي طريقة غير مكلفة و غير مجهدة باعتبار أنها لا تستوجب تعاون الشعوب أو مستوى من التأهيل المرتفع للسكان. و نتيجة لهذه السياسة الاستعمارية تراجعت الوفيات بصفة كبيرة و ملحوظة، في حين ظلت نسب الولادات جد مرتفعة في ظل بقاء البنية التقليدية للمجتمعات المستعمرة، و هي تقاليد تمجد الكثرة، حيث أن اقتصادها يقوم على الزراعة أساسا.
إن هذه الزيادة المتسارعة للسكان قد تزامنت في معظم دول العالم الثالث مع حصول هذه الأخيرة على استقلالها، و إن كانت قد بدأت تعرف الظاهرة منذ الحقبة الاستعمارية كما أسلفنا للأسباب المذكورة أعلاه، و قد سارعت الكثير من الدول إثر استقلالها إلى تطبيق سياسة تنظيم النسل، مثل تونس و المغرب، غير أن هذه السياسات الوطنية المدعومة من قبل منظمات دولية، مثل صندوق الأمم المتحدة للسكان، قد واجهت صعوبات جمة جعلت نتائجها تبقى محدودة رغم المجهودات المبذولة و من أسباب ذلك أن غالبية هذه الشعوب هي شعوب متخلفة تطغى عليها ظاهرة الأمية، يعيش معظمها في الأرياف النائية و المنعزلة، و هي مجتمعات لا تزال مترسخة فيها عادات و تقاليد المجتمع الزراعي الذي يرغب في الكثرة و يعتبر العدد نعمة و ليس نقمة. كل هذه العوامل لا تجعل من السهل تطبيق البرامج الوطنية لتحديد النسل أمرا سهلا و ممكنا، خاصة إذا لم تكن إرادة ذاتية الدفع من قبل السكان.
و الحال هذه فإن الوصول إلى هدف طفلين لكل امرأة في العالم الثالث يمكن أن يمر عليه 80 سنة قبل تحقيقه أي حوالي ثلاثة أجيال، هذا باعتبار أنه توجد بعض الدول التي يمكن لها أن تستغرق وقتا أطول من ذلك مثل بلدان عربية كما يذكر ذلك Alfred Sauvy في كتابه : Eléments de démographie.[11]
ولعل هذه الوضعية هي التي دفعت الحكومات في المنطقة المغاربية مدعومة بالأفكار المالتوسية إلى إنجاز برامج لتحديد النسل، و ذلك بالاعتماد على أقل المبادئ المالتوسية تطرفا و المتمثلة خاصة في تنظيم الأسرة و تأمين موانع الحمل الفعالة بوسائلها المختلفة و مدعومة ببعض التشريعات كإجازة الإجهاض في المؤسسات العامة الاستشفائية.
ولمجابهة تواصل الزيادة الطبيعية المرتفعة للسكان في المنطقة المغاربية التجأت الحكومات إلى التدخل بسياساتها في مجال تنظيم الأسرة. ففي الوقت الذي كان تراجع الولادات ونسب الزيادة الطبيعية للسكان في أوروبا نتيجة لتحولات اقتصادية و ثقافية في المجتمع، كان تراجع الولادات في المغرب العربي بنسب متواضعة نتيجة لتدخل الدولة من خلال برامج تنظيم النسل و ليس نتيجة لقناعة الأسر و عمل تلقائي.
ولكن هذا لا ينفي مطلقا كون تراجع المواليد في المنطقة هو نتيجة لتدخل الدولة. فمعدل المواليد لا يتأثر فقط بالعوامل البيولوجية مثل نسب المواليد و موانع الحمل و لكنه يتأثر أيضا بالعوامل و الأوضاع الاجتماعية و الاقتصادية و هو ما يذهب إليه الديمغرافيون.[12]
وعند دراستنا لتاريخ التحول الديمغرافي التي عرفته أوروبا منذ النصف الثاني من القرن التاسع عشر نلاحظ أن للعامل الاقتصادي دورا فعالا في المساعدة على إنجاز و تحقيق مختلف المراحل الديمغرافية، ففي المجتمع الزراعي السابق عن المجتمع الصناعي في أوروبا كانت مستويات المعيشة للسكان جد منخفضة و كان النشاط الزراعي هو النشاط الاقتصادي الطاغي داخل هذا المجتمع، و في ظله كان الأطفال يمثلون سلعة مرغوب فيها نظرا لدورهم الاقتصادي الفعال داخل الأسرة، لذلك كانت نسبة الولادات مرتفعة في ذلك العصر، و كان الذي يعدل من هذه الولادات النظام الديمغرافي التقليدي، و عندما تحول المجتمع الأوروبي إلى مجتمع صناعي أدخل هذا النظام نسقا جديدا للحياة من قيم و معايير ثقافية لم يعهدها في المجتمع الزراعي. فكان أن ظهرت الصناعة كإطار جديد للنشاط الاقتصادي و قد فرض هذا النشاط الجديد ظهور ما يسمى بالتخصص نتيجة لتعقد وسائل الإنتاج و طرقه و ما يتطلبه ذلك من تعلم و معرفة للسيطرة على الآلة كوسيلة إنتاج، فظهرت المدرسة و استقلت عن العائلة، فخرج التعلم من إطار الأسرة إلى المجتمع، و بعد أن كان التعلم مجانيا داخل العائلة أصبح التعلم في إطار المجتمع الصناعي مكلفا و مرهقا للعائلة، كما أن فترة الدراسة طالت و أصبحت تتطلب وقتا أطول لدراسة المعارف و العلوم، و بالتالي خروج الأطفال و كذا الشباب من دائرة الإنتاج في إطار المجتمع الزراعي إلى دائرة الاستهلاك في إطار المجتمع الصناعي و أصبح الأطفال في ظل هذا النسق الجديد عبئا على العائلة. تتطلب رعايتهم و تكوينهم موارد كبيرة و مجهودا مضنيا يحول دون طموحات العائلة.
ولكي تتمكن الدول النامية من حل المشكلة السكانية لديها لا بد من إيجاد نظام دولي جديد يعطي التوازن بين الدول المنتجة للثروات الطبيعية و البلدان الصناعية الموردة لها بالرفع في أثمان هذه الموارد الطبيعية و إعطاء الفرصة للدول السائرة في طريق النمو لنقل التكنولوجيا بما يتلاءم مع ثقافتها و إمكانياتها و متطلباتها، و باختصار إن إزالة الفقر و العمل على ذلك بالتنمية الاقتصادية هي الكفيلة وحدها لتحقيق المرحلة الثانية من التحول الديمغرافي.
المطلب الأول: الخصائص والمقومات الديمغرافية للمدن المغربية.
ساهم النمو الديمغرافي والهجرة القروية وتوسع المدن وظهور مراكز حضرية جديدة إلى التطور السريع لظاهرة التمدين بالمغرب ، التي وصلت إلى 51% سنة 1994 لتقفز إلى 65% سنة 2013، ويتوقع أن تبلغ نسبة الساكنة الحضرية حوالي 75% سنة 2025. هذا مع العلم أن المدن لا تشكل سوى نسبة 2% من مجموع التراب الوطن.[13]
لقد ظلت أعداد الساكنة المغربية مستقرة حتى بداية القرن 20 بمجموع يتراوح ما بين 5 و6م نسمة، وتطورت أعداد الساكنة بشكل بطيء لذلك ظلت طبيعة النمو الديمغرافي “بدائية”، مطبوعة بمعدلات ولادة ومعدلات وفيات مرتفعة، وقد كان لفترات الكوارث والجفاف والمجاعات والأوبئة التي ضربت البلاد دور في انخفاض نسبي لعدد السكان خاصة في نهاية القرن 19م. وفي المجموع حوالي سنة 1900 قدرت الساكنة بـ 5 إلى 5,5 مليون نسمة. وعلى مستوى آخر، يمكن تسجيل أنه خلال فترة الحماية الفرنسية والاسبانية، بلغ عدد الأجانب حوالي 400 ألف نسمة ( سنة 1956) : *
غالبية فرنسية وجزائرية وإسبانية وقدر في المقابل عدد اليهود ب 218000 سنة 1954. ومع استقلال المغرب تراجع عدد الأجانب وكذا اليهود إلى 111900 أجنبي سنة 1971 و 45000 نسمة سنة 1994 و 47 % منهم من أصول عربية ومغاربية. وتراجع عدد اليهود المغاربة إلى 31000 نسمة سنة 1971 وإلى 2000 نسمة فقط حاليا، وذلك نتيجة الهجرة نحو أوربا وكندا وإسرائيل.
لقد تضاعفت الساكنة المغربية 5 مرات ما بين 1900 و 2000 حيث انتقلت من 6 إلى 29 مليون نسمة. و بفعل الانفجار الديمغرافي غير المسبوق خاصة بعد الاستقلال، والذي استمر إلى منتصف الثمانينات، فمعدل التزايد السنوي للسكان بقي مرتفعا : كان أقل من 1% ، ثم ارتفع ليصل إلى معدل % 2,8 ما بين 1960 و 1971. انطلاقا من الثمانينات، عرف النمو الديمغرافي فترة تحول واضحة وسريعة حيث تراجعت الولادات خاصة في الوسط الحضري، و حاليا لا يتعدى معدل التزايد 1,4% .
وعلى مستوى آخر، وفي نفس السياق، عرف المغرب فترة تمدين سريعة : فالساكنة الحضرية التي كانت تشكل 29,2% سنة 1960 انتقلت لتمثل 56% سنة 2002، وأثر ذلك على البنايات الاقتصادية والاجتماعية وخاصة ظاهرة الهجرة القروية، كما أن تحول بعض المراكز القروية إداريا إلى مدن ساهم في تسارع وتيرة التمدين.
إذن فتراجع الوفيات ومعدلات الخصوبة منذ الاستقلال من السمات التي تطبع ديمغرافية المغرب حاليا : فمعدل الوفيات انتقل من 1,9% سنة 1962 إلى 0,6% سنة 2000 وهذا التراجع ارتبط بانخفاض في نسبة وفيات الأطفال حيث انتقل من 14,9% سنة 1962 إلى 3,6% سنة 1997 وارتبط تراجع الوفيات بالتحسن الذي عرفته ظروف الوقاية الصحية، وبخصوص الولوج إلى الخدمات الصحية وكذا حماية صحة الأطفال، وموازاة لذلك ازداد أمد الحياة، حيث انتقل من 47 سنة 1960 إلى 73 سنة 2003.
و تضم الساكنة المغربية تقريبا عدداً مماثلاً من الرجال والنساء لكن معدل الذكورة (عدد الرجال بالنسبة لكل 100 امرأة) يتفاوت حسب السن ومكان الإقامة فبسبب ارتفاع معدلات الوفيات في صفوف الرجال، نجد بالنسبة للذين تتعدى أعمارهم 60 سنة معدل الذكورة يصل إلى 86,1 في الوسط الحضري و101,6 بالنسبة للوسط القروي، وهذا المؤشر الأخير يسجل معدلات الأنوثة المرتبطة بالهجرة القروية،أما بالنسبة للبنية حسب السن فالملاحظ أن الساكنة المغربية شابة، لكن يلاحظ تراجع لهذه الفئة في الآونة الأخيرة بالنسبة لمجموع السكان ارتباطا بالتحولات الديمغرافية التي يعرفها المغرب فثلث المغاربة تقل أعمارهم عن 15 سنة (مقابل 44,4% سنة 1960) أما الساكنة التي يتجاوز عمرها 60 سنة فقد ارتفعت من نسبة 4% سنة 1960 إلى 8% اليوم. * بنية الساكنة النشيطة: معدل الساكنة النشيطة ( 15-59 سنة) جد مرتفع ( 56% ) والمعدل الخام للنشاط انتقل من 26,6% سنة 1982 إلى 38% سنة 1994. أما معدل البطالة فمتفاوت حسب عدة معطيات، حيث يتراوح ما بين 16% و 20% وهو أكبر في صفوف الشباب (من 15 إلى 24 سنة). ومن التحديات الاقتصادية والاجتماعية الكبرى التي يواجهها المغرب مشكل الشغل ، ويأتي توزيع السكان بالمغرب، بمساحة تقدر ب 711000 كلم2 و29 مليون نسمة، يعرف المغرب كثافة متوسطة تحوم حول معدل 40 نسمة/كلم2. وتوزيع السكان على مستوى المجال يعرف تباينا حيث التفاوت الكبير بين المناطق جنوب السلسلة الأطلسية والمناطق الشمالية الغربية التي تعرف تمركزا سكانيا مهما خاصة الساكنة الحضرية منها. والكثافة الكبرى مركزة على الساحل الأطلسي بين طنجة وأكادير( خاصة محور الدار البيضاء القنيطرة حيث تتراوح الكثافة حوالي 1000 نسمة/كلم2)، وكذا في المغرب الداخلي مناطق مكناس، فاس، مراكش.
لقد دخل المغرب في تحولات اجتماعية، مجالية ذات أبعاد كبيرة منذ الاحتلال الفرنسي الاسباني، فاختلال التوازن على مستوى البنيات التقليدية في مجال الفلاحة والحرف، ارتبط كذلك بالتحولات على مستوى الديمغرافي (مثلا التباين بين السهول والجبال ؛ والساحل والداخل؛ بين المدن والأرياف، بين المغرب ” النافع” والمغرب “غير النافع”). [14] وما يفسر أصول الحركية الأفقية الكبرى للسكان كون هذه الهجرات ترتبط أساسا بعوامل اقتصادية وكذا اعتبارات أخرى معقدة : البحث عن الشغل، احتياجات دراسية، البحث عن ظروف أحسن. ويمكن تسجيل على سبيل المثال أنه بسبب أشغال التهيئة الفلاحية العصرية صارت الهجرة بين مختلف المناطق القروية كثيفة (مثال في اتجاه الدوائر السقوية الكبرى ومجالات المزروعات التسويقية) ولكن الهجرة نحو المدن هي الظاهرة الملفتة للانتباه. فعدد المهاجرين القرويين نحو المدن انتقل من 45 ألف سنويا في الخمسينات إلى 113000 شخص سنويا خلال السبعينات و 195000 بين 1982 و2002. أما الهجرة الخارجية فهي واجهة أخرى لحركية سكان المغرب إذ تهم حاليا حوالي 3 مليون مغربي (مقابل 11 م سنة 1984). انطلقت هذه الهجرة مبكرا حيث كانت احتياجات المتروبول لليد العاملة الرخيصة لتعمل في القطاع الفلاحي وكذا قطاع المعادن. انطلاقا من 1960 و أمام التطور الاقتصادي القوي لدول أوروبا الغربية وأمام التحدي المزمن للخصاص في اليد العاملة وقعت عدة بروتوكولات تتعلق بالهجرة القانونية. فبين 1962 و 1974، نجد 300000 عامل مغربي اتجهوا نحو أوربا وبشكل رئيسي نحو فرنسا وكذا و بلجيكا وهولندا. ومند 1975 تنامت السياسات الرسمية الراغبة في الحد من الهجرة . لكنها أعطت نتائج عكسية عما هو متوقع، حيث تقوت هذه الهجرة بسبب مظاهر التجمع العائلي وكذا الهجرة السرية،كما طالت الهجرة العنصر الشاب والعنصر النسوي وتعددت وجهات المهاجرين سواء نحو دول جنوب أوروبا كإيطاليا واسبانيا أو نحو حدود أخرى ككندا والولايات المتحدة الأمريكية وفي الوقت الراهن صارت الهجرة أشمل العناصر المؤهلة وذات كفاءات عالية (هجرة الأدمغة).
في أفق 2010 وصل عدد سكان المغرب إلى 33 مليون نسمة بمعدل سنوي للزيادة يصل إلى 1,6% بالنسبة لفترة 1994- 2010 مقابل 2,06% لفترة 1982- 1994 . وانخفاض معدلات الخصوبة سيستمر: فمؤشر الخصوبة سيتراوح ما بين 2,2 طفل بالنسبة للمرأة الواحدة ( 1,96 في الوسط الحضري) ورغم هذا التراجع، فإن الساكنة ستستمر في الارتفاع عموما بمعدل 455000 نسمة سنويا خلال هذه الفترة سيتراجع في أفق 2050 المعدل إلى طفلين فقط للأنثى الواحدة و هو الحد الأدنى لضمان تجدد الأجيال. وهذا ما سيؤدي إلى استقرار ساكنة المغرب في حدود 45 مليون نسمة. اعتبارا لانخفاض الولادات، فإن نسبة الأطفال الذين يقل عمرهم عن 15 سنة ستتراجع من 37% سنة 1994 إلى 26,6% سنة 2010، بينما من 15 إلى 19 سنة سترتفع لتصل إلى 65,2% مقابل 56% سنة 1994 في نفس الوقت الذين يزيد عمرهم عن 60 سنة سيمثلون 8,2 % مقابل 7,1% ،سيصل استمرار التمدين إلى 62,3% بدل 51,2% و ستنتقل الساكنة الحضرية من 13,3 مليون نسمة سنة 1994 إلى 20,7 سنة 2010 بمعدل نمو يصل 2,8% سنويا، وهذا سيصاحبه انعكاسات على مستوى توفير مناصب الشغل والخدمات الاجتماعية.
ولقد أظهرت إحصائيات المندوبية السامية للتخطيط، الجهاز الرسمي للإحصاء في المغرب، أن وثيرة النمو الديمغرافي في المغرب سجلت خلال السنوات العشر ما بين 1998-2008، تراجعا كبيرا بمعدل 30% فبعد أن كان عدد المواليد 55 شخصا في الساعة سنة 1998 أصبح بعد عشر سنوات 39 شخصا،واستنادا إلى نفس المصدر، فإن عدد سكان المغرب ازداد خلال السنوات العشر الأخيرة ب350 ألف نسمة سنويا ومن المتوقع أن لا يتجاوز 300 ألف نسمة كل عام إلى غاية2030.
وحسب دراسة أنجزتها مندوبية الإحصاء على مستوى وطني في المغرب خلال سني2009-2010 فقد تبين أن أمل الحياة في المغرب في تحسن بزيادة 28 سنة مقارنة مع فترة الستينات، ومرد ذلك حسب نفس المصدر إلى تحسن الظروف الصحية ومستوى العيش، لكن الدراسات أشارت بأن مستوى وفيات الأطفال والأمهات يظل مرتفعا نسبيا، رغم اتجاهه إلى التراجع ، فقد انتقل معدل وفيات الأطفال من 149 في الألف سنة 1964 إلى 30 في الألف سنة 2010.
إن المؤشرات المشار إليها تدل على تحسن ملحوظ في سياسة النمو السكاني بالمغرب، وتجاوب منه مع توصيات عدد من المؤسسات الإنمائية والاقتصادية الدولية التي كانت تحثه على التحكم في نموه الديمغرافي، بهدف السيطرة على المشاكل الاجتماعية والاقتصادية وخصوصا الهجرة والبطالة وتفشي مظاهر الإقصاء الاجتماعي، بيد أن خبراء يحذرون من المبالغة والتسرع في استنتاج هذه المؤشرات ،ويذهبون إلى القول أن معضلات اجتماعية كبيرة مازالت تواجه البلد.
ويؤدي هذا الأمر إلى تغير البنية السكانية للمغاربة، فنسبة السكان من 15 إلى 49 في ارتفاع مقابل انخفاض في عدد الأطفال وبالتالي فان المغرب، كما يقول سعيد أزمام، عن المندوبية السامية للتخطيط، يعتبر في مرحلة الانتقال الديموغرافي، الأمر الذي يتطلب نهج سياسات موازية لهذه الفئات الاجتماعية من توفير ظروف الدراسة للأطفال، ومناصب العمل وخلق استثمارات. وقال الخبير المغربي أن البلد يتوفر حاليا على ثروة بشرية يجب الاستفادة منها من أجل النهوض بالمستوى الاقتصادي والاجتماعي.
ومن جهته يتساءل أستاذ الاقتصاد الاجتماعي بجامعة محمد الخامس في الرباط، عمر الكتاني، عن أسباب انخفاض النمو الديمغرافي بالمغرب في فترة وجيزة، ويضيف أن الانخفاض النسبي مقبول، ولكن ارتفاع مستواه يعتبر خطيرا، وقال الكتاني: “الخبراء يقولون إن عملية التعويض عن القوة العاملة بعد سنوات تكون صعبة، لأن الخلف في الزيادة السكانية لن يعوض خسارة السكان النشيطين ما سينعكس سلبا على الاقتصاد المغربي”.
وأضاف الخبير الاقتصادي المغربي أن هنالك شكوكا حول وسائل منع الحمل التي استعملت في المغرب من أجل تحديد السكان وأنه قد مورست ضغوط من أجل منع بحث حول هذا الموضوع من طرف بعض الأطباء. ومن بين الأسباب التي يراها الأستاذ الكتاني وراء هذا الانخفاض هي الضائقة الاقتصادية التي تجعل مداخيل الأسر لا يكفي لسد رمق العيش، بالإضافة إلى انتشار ظاهرة العزوبة والعدول عن الزواج مقابل الاتجاه نحو حياة فردية.
وقد أظهرت دراسة حديثة حول النمو في المغرب، أن ارتباط التراجع الشديد للخصوبة بتراجع سن الزواج سواء لدى الرجال أو النساء على حد سواء، يؤشر إلى تحولات عميقة تعرفها منظومة القيم والسلوكيات المجتمعية ومن أبرز علاماتها ظاهرة الهجرة ، كما أن المراقبة المتزايدة للخصوبة، التي تعكس اختيارات للزوجين، قطيعة مع قيم المجتمع التقليدي. وبهذا فإن الانخفاض الشديد للخصوبة يشكل في هذا الجانب مؤشرا على بروز نزعة فردية في المجتمع مع ما لها من تداعيات اقتصادية ومجتمعية بل وسياسية أيضا.
وفي تعليق على هذه النقطة قال سعيد أزمام، عن المندوبية السامية للتخطيط ، إن انخفاض مستوى الخصوبة سبب رئيسي في تراجع النمو الديموغرافي حيث أظهرت نتائج أحد البحوث أن مغربية واحدة كانت تنجب في بداية الستينات 7،2 من الأطفال في حياتها، أما اليوم فان هذا العدد لا يزيد عن 2،19 من الولادات الحية أي 5 أطفال اقل عما كان عليه الحال منذ خمسين سنة.
ويستنتج خبراء المندوبية السامية للتخطيط في المغرب بأن هذه المعطيات ستقود حتما إلى شيخوخة الهرم السكاني. الأمر الذي يؤكده كذلك عمر الكتاني، أستاذ الاقتصاد الاجتماعي، موضحا أن الأمر له بعد اجتماعي آخر مرتبط بالضمان الاجتماعي، لأنه إذا كثرت نسبة المتقاعدين فيجب أن توازيها نسبة الفئة النشيطة حتى تعوض بدخلها الضمان الاجتماعي. وأوضح أنه إذا وقع نقص في عدد السكان النشيطين لن يكون دخلهم كاف من أجل تغطية الضمان الاجتماعي للسكان المتقاعدين” وبالتالي، يضيف الكتاني فالأمر ليس بهذه البساطة التي تتناولها السياسة الاقتصادية الرسمية بالمغرب،خاصة وأن النمو الديمغرافي وصل “مستوى خطيرا”، فالأسرة صارت لا تلد أكثر من اثنين وفي بعض الأحيان تكتفي بواحد فقط ولذلك فهي لا تعوض حتى نفسها حسب نفس المصدر.[15]
وناهيك عن النتائج الايجابية لإستراتيجية التنمية البشرية التي اعتمدها المغرب منذ سنوات، في مجال التحكم في النمو الديمغرافي، يطرح خبراء المندوبية السامية للتخطيط عوامل ظرفية قد تكون مؤثرة في معادلة النمو الديمغرافي والتحديات الاجتماعية. إذ يقول خبراء مندوبية التخطيط :”إن تنامي ظاهرة الهجرة في العالم، ساعدت إلى حد الآن على التخفيف من الضغط على سوق العمل المحلي، لكن من المحتمل أن تعرف تراجعا تحت تأثير الأزمة الاقتصادية العالمية. وهم يقترحون “تعبئة أكبر للادخار من أجل الاستثمار باعتباره السبيل الوحيد لرفع التحديات الحالية بالمغرب“.
المطلب الثاني: معادلة النمو الديمغرافي في علاقته بالتنمية الاقتصادية.
لعل السائد في التفكير القديم حول الفكرة العامة وكذا الكتابات التي تناولت مسألة النمو الديمغرافي في علاقته بالنمو الاقتصادي من طرف الساسة والمفكرين هي أن التناسب أمر ضروري بين السكان والموارد الطبيعية أو بعبارة أخرى هي تصور علاقة مثالية نموذجية بين الأرض ومواردها وبين السكان بحيث أن الانحراف عن هذه العلاقة يؤدي في نهاية المطاف إلى تدهور الاقتصاد وكان حكماء الصين وعلى رأسهم كونفوشيوس أول من أشاروا إلى فكرة الحجم الأمثل للسكان.[16]
إلا أن الملاحظ من خلال اكتشافنا وتحليلنا للكتابات الصينية القديمة هو الوعي المتزايد بتأثير العوامل الاقتصادية البيولوجية في تشكيل أو تحديد حجم السكان وبالطبع كانت هذه المحاولات ذات طابع تأملي وغير علمي إذ لانجد في هذه الكتابات القديمة ما يشير إلى دراسات إحصائية للتحقيق من هذه العلاقة المفترضة.[17]
وفي نفس السياق نجد كل من أفلاطون وأرسطو انشغلا بمشكلة حجم السكان حيث قررا أن المجتمع يجب أن يبلغ حجمه من الكبر بالدرجة التي تجعله مكتفي بذاته اقتصاديا وقادرا على الدفاع عن نفسه ولكن يجب أن يبلغ حجما يجعل مهمة الحكومة صعبة ومن هنا كان موضوع الحجم الأمثل لسكان (الدولة المدينة) هو الشغل الشاغل لفلاسفة اليونان، La population optimal في الوحدة السياسية اليونانية ونعني كما أشرت المدينة الدولة بالمعنى الذي تقوم فيه الحكومة بالمحافظة على رفاهية وأمن المواطنين من خلال ما تمارسه من إدارة في هذا الصدد هو المحور الذي دارت حوله كل الأفكار التي تركها لنا أفلاطون في مؤلفيه ” الجمهورية” و ” القوانين” فيما يتعلق بدراسة السكان.[18]
لقد شغلت الظاهرة السكانية بال الإغريق فنجدهم يقرون أن زيادة السكان كانت سببا في حرب طروادة كما ذكر مالتيس أن فلاسفة الإغريق كانوا يعتقدون خطر زيادة السكان ولذلك برغم توسعهم في الاستعمار يخشون كثرة النسل فيعمدون إلى قتل أطفالهم وهذا ما كانت تفعله بعض قبائل العرب التي ساد بينهما وأد الأطفال لاعتبارات كثيرة كالفقر ومسؤولية تربية الإناث.[19]
لقد كان العرب في الجاهلية كثيري النسل والأولاد وكانت هذه الكثرة عندهم تتبعها قتل الأولاد والبنات والتنازع والإغارة واستمر ذلك إلى أن جاء الإسلام فمنع قتل النفس” التي حرم الله إلا بالحق” ومنع قتل الأولاد والبنات ونظم الزواج تنظيما جيدا بعد اختلاله في الجاهلية.[20]
ويظهر أن ضبط النسل بدأ في بغداد قبل البلدان العربية الأخرى ويدل على ذلك هذه النادرة التي نجدها في كتاب سيبويه فقد قال يوما للمصريين :” يا أهل مصر أصحابنا البغداديون أحزم منكم لا يقولون باتخاذ الولد حتى يقتد له العقد والعدد منهم أبدا يعزبون ولا يقولون باتخاذ الدار خزفا أن يملكهم ستر الجار فهم أبدا يكترون ولا يقولون بإظهار الغنى في وضع عرفوا فيه الفقر فهم أبدا يسافرون“.[21]
إن مفكري العصور الوسطى لم يسهموا كثيرا في موضوع علم السكان وأن معظم ما كتبه الفلاسفة منهم كان يتسم بالطابع الديني والأخلاقي وأبعد ما يكون عن طابع البحث العلمي سياسيا كان أو اجتماعيا،ففي القرن الرابع عشر جاء ابن خلدون ليوجهه مزيدا من العناية إلى مظاهر التفاعل بين الإنسان والبيئة الطبيعية، وفسر كثرة العمران وازدياد السكان بالظروف المناخية والتأثير المعتدل ويذهب إلى أن المجتمعات تمر خلال مراحل تطويرية محددة تؤثر على عدد من المواليد والوافيات في كل مرحلة إذ يشهد المجتمع في المرحلة الأولى من تطويره زيادة عددهم وعندما ينتقل المجتمع إلى المرحلة الأخيرة من تطوره يشهد ظروفا ديمغرافية مخالفة تماما حيث ينخفض فيها معدل الخصوبة والمواليد ويرتفع معدل الوفيات ويوضح ابن خلدون تأثير كل مرحلة من تطور المجتمع على المواليد والوفيات وذلك باعتقاد أن الخصوبة العالية في المرحلة الأولى من تطور المجتمع ترجع إلى نشاط السكان وثقتهم ومقدرتهم أما في المرحلة الأخيرة من تطور المجتمع فتظهر المجاعات والأوبئة والثورات مما يقلل من نشاط السكان ويقل من نسلهم ، لقد تبنى ابن خلدون فكرة أن الكثرة السكانية المناسبة تعتبر عائقا لمتوسط دخل فردي مرتفع وفي هذا السياق يقول ” أن تفاضل الأمصار والمدن في كثرة الرزق لأهلها ونفاق الأسواق إنما هو تفاضل عمرانها في الكثرة والقلة” ، وينبغي من تفاضل العمران تفاوت عدد السكان الذين يعمرون تلك البلدان وحسب رأيه أن الزيادة السكانية تسمح أكثر بتقسيم العمل وتنوع أكبر للمهن وشعور بالأمن سياسيا وعسكريا .[22]
ولقد ذهب فلاسفة المركنتيلية إلى أن الحجم الكبير والمتنامي للسكان يؤدي إلى العديد من المزايا الاقتصادية والعسكرية للدولة ذلك لأن تراكم الثروة والقوة في نظرهم ونجاعة قدرة الدولة على امتلاك المعادن النفيسة أمر لا يتحقق إلا بزيادة عدد السكان وفي هذا لم يهدف المركنتليون إلى زيادة الدخل الفردي بل كان هدفهم موجها إلى زيادة الدخل الوطني للمجموعات السكانية بما يفوق تكاليف الإنتاج والأجور وأن زيادة عدد السكان تؤدي في نظرهم بالضرورة إلى القوة العاملة من تم تؤدي إلى انخفاض الأجور مما يترتب عليه زيادة حدة المنافسة وبالتالي اتساع الفجوة بين تكاليف الأجور وزيادة الدخل وإتباعا لهذا الخط الفكري نادت المركنتيلية بضرورة ارتفاع معدلات النمو السكاني ضمانا لتحقيق الأهداف الاقتصادية.[23]
إن الأفكار المتداولة في العالم اليوم حول السكان والتنمية تتلخص في المبادئ المعلنة خلال المؤتمرات العالمية للسكان والتنمية، ففي مؤتمر السكان العالمي الذي عقد في روما سنة 1964 تمت الإشارة إلى أن الاتجاهات المصاحبة للنمو الاقتصادي في عدد من دول الشرق الأوسط كفيلة بالتغلب على التوقعات المتشائمة المتعلقة بمستقبل النمو في المنطقة كما تم التأكيد في نفس المؤتمر على أهمية الدور الديناميكي للسكان الذي يصاحب ديناميكية في الإنتاج أي إمكانية زيادة الإنتاج المصاحبة لنمو السكان.[24]
وخلال المؤتمر العالمي للسكان المنعقد ببوخارست سنة 1974 فقد تم إعداد مسودة لخطة عمل لمواجهة المشكلة السكانية العالمية مؤداها ، أن الزيادة السكانية تمثل إعاقة خطيرة للتنمية الاقتصادية وانتهت التوصيات في هذا المؤتمر إلى تأكيد الحاجة الماسة إلى دفع عجلة التنمية الاقتصادية وإلى التوزيع العادل للموارد الاقتصادية على المستوى العالمي بدلا من تأكيد الحاجة إلى تنظيم الأسرة واختتمت المناقشات خلال هذا المؤتمر بين جناحين متعارضين الأول تمثله مجموعة من الدول التي ترى في الزيادة السكانية عائقا لكل تنمية اقتصادية ومن ثم نادت بضرورة خفض معدلات النمو السكاني وهي: الولايات المتحدة الأمريكية ، بريطانيا ، وكندا أما الجناح الثاني فتمثله مجموعة من الدول المتخلفة اقتصاديا والتي رأت في هذا التخلف سببا رئيسيا في خلق المشكلات السكانية ومن ثم أفضل الطرق لتحقيق التنمية الاقتصادية على المستوى العالمي أو ما يعرف بالنظام الاقتصادي العالمي الجديد ،في حين لوحظ في مؤتمر مكسيكو لسنة 1984 سيطرت وجهة نظر الدول المصنعة التي شجعت على تحديد النسل ولاسيما في الدول النامية، وخلال انعقاد مؤتمر القاهرة للسكان سنة 1994 تم التأكيد على ضرورة الربط بين السكان والتنمية الاقتصادية واعتبار التنمية المستدامة كمنطلق لأي سياسة سكانية مع التشديد على دور التكنولوجيا والبحث والتطوير لإيجاد علاقة أفضل بين السكان والموارد البشرية والبيئية على اعتبار أن ذلك يوفر خيارا لخفض حجم الأسرة.[25]
إن معادلة النمو الديمغرافي في علاقته بالتنمية الاقتصادية معادلة صعبة حاول بعض الديمغرافيين البرهنة عليها باحتساب جملة من التغيرات التي كانوا يعتبرونها هامة في قياس الأثر الديمغرافي على الاقتصادي، و من هذه المتغيرات أو المؤشرات الاقتصادية يذكرون نسبة السكان و القدرة على الادخار من نسبة الإنتاج و الاستثمار الصافي و الاستثمار الديمغرافي و الاستثمار الاقتصادي و حاصل نمو الدخل السنوي. فلاحظوا أن البلدان التي ينمو سكانها بمعدل 2,3 % سنويا – و هو حاصل نمو المنطقة المغاربية – فإن قدرتها على الادخار من نسبة إنتاجها هي في حدود 21,8 % في حين أن البلدان التي ينمو سكانها بمعدل سنوي حوالي 0 % فان قدرتها على الادخار من نسبة إنتاجها هو ما يعادل 31,3 % كما أن صافي الاستثمارات في البلدان التي ينموا سكانها بمعدل 2,3 % ببلدان العالم الثالث هو في مستوى 9,8 % في حين أن هذه النسبة في البلدان الصناعية تبلغ 19,3 % و هذا نتيجة لكون أن البلدان المتقدمة ليست لها استثمارات ديمغرافية ترهق موازنتها و تقلل من نسبة استثماراتها المنتجة، في حين أن استثمارات بلدان العالم الثالث الديمغرافية تصل إلى حوالي 6,9 %، فلو أن هذه الاستثمارات غير المنتجة في بلدان العالم الثالث حولت إلى استثمارات منتجة للرفع من قيمة هذه الاستثمارات إلى حدود 16,7 % عوضا عن 9,8 % حاليا، و هذا يبرز أهمية التحول الديمغرافي في تحسن الأداء الاقتصادي ككل لأي دولة من الدول.[26]
و المقارنة تتواصل على مستوى قيمة الاستثمارات الاقتصادية في كلا المجموعتين الدوليتين، ففي العالم الثالث تبلغ قيمة هذه الاستثمارات 2,9 % في حين أنها تبلغ ذروتها في البلدان الصناعية بنسبة تقارب 20 %. هذه الوضعية الاقتصادية سوف تنعكس على حاصل نمو الدخل السنوي، حيث يبلغ حوالي 1 % في البلدان المتخلفة في العالم الثالث لتصل إلى حوالي 5 % في البلدان المصنعة.[27]
في هذا المستوى برزت الظاهرة السكانية في بلدان العالم الثالث و المنطقة المغاربية كإشكالية سياسية و اقتصادية مما جعل الحكومات المغاربية تدق نواقيس الخطر و تضبط برامج و سياسات سكانية لمواجهة الوضع الـمتـفجر للسكان، الذي أصبحت زيادتهم الطبيعية السريعة تمثل هاجسا مقلقا للحكومات باعتباره سابقة تاريخية في المنطقة التي عرفت لحقب متعاقبة استقرارا لعدد سكانها يحكمه التوازن الطبيعي بين النسب المرتفعة للولادات مقابل نسب مرتفع للوفيات، و ما صاحب ذلك من إشكالية التخلف على كل صعيد اقتصادي و اجتماعي و علمي و معرفي، مع أكثر من نصف سكانه من الأميين. يؤكد خبراء الاقتصاد أن كثرة النسل ليست هي المسؤولة عن التخلف الاقتصادي للدول، بل كانت الانطلاقة المادية في العالم الغربي مرتكزة على كثرة النسل، أو ما يسمونه بتوفر القوى العاملة والسوق الاستهلاكية. وللتأكد من هذه الحقائق يُرجع إلى تاريخ أوربا إبان عصر النهضة. فإذا توجهت الجهود بصدق للاستزادة من العلوم التجريبية ولاستخراج كنوز الأرض وذخائرها، وتوزيعها بعدل وأمانة؛ فإن كثرة النسل تصبح ضرورة لتحريك العمليات الاقتصادية. وهو ما وقع بالضبط، أوائل القرن العشرين، حينما لم تكتف الدول الأوربية بسكانها؛ وفتحت أبوابها أمام الأيدي العاملة من كل أقطار الأرض.
كيف يعقل أن تعاني دول المغرب العربي؛ مثلا؛ من كثرة سكانها وهم لايتجاوزون 100 مليون نسمة ؟ في حين تتوفر الصين مثلا على 1600 مليون نسمة، يتكاثرون بحوالي 16 مليون نسمة سنويا!!! بمعنى أن الصين لوحدها تضاعف المغرب العربي بأكمله 16 مرة!!! مع الفوارق الكبيرة بين المثالين من حيث التضاريس والمواد الأولية ومصادر الطاقة.
ماذا يقول محددو النسل أمام ماوتسيتونغ مؤسس الصين؛ الذي كان يشجع شعبه على الإنجاب ويقول: إذا كان لكل مولود فم واحد يستهلك به فله يدان يُنْتِجان!!!
ودائما ما يثور التساؤل حول ما إذا كان التحكم في النمو السكاني يعتبر شرطا ضروريا لعملية التنمية الاقتصادية؟. إن هناك ادعاءات في الدول الرأسمالية المتقدمة بأن الدول المتخلفة لن تخرج من دائرة الفقر الخبيثة ما لم يتم التحكم في النمو السكاني. بينما كانت وجهه النظر الاشتراكية حول السكان أنه عند الحديث على التنمية لابد وأن نضع قضية السكان جانبا. ذلك أن الفقر الذي تعاني منه الدول المتخلفة إنما يرجع إلى الاستغلال الاقتصادي لهذه الدول من جانب الدول المتقدمة والسيطرة السياسية على هذه الدول، وهذا هو السبب الرئيسي في الفقر النسبي لهذه الدول من وجهه النظر الاشتراكية. ومن الأمور الملفتة للنظر أنه حينما عقد المؤتمر العالمي للسكان في عام 1974، أنتهي المؤتمر إلى خطة عمل تدعو الدول المتقدمة إلى إعطاء أولوية أساسية لبرامج تنظيم الأسرة للسيطرة على الخطر الأكبر الذي يهدد التنمية الاقتصادية فى هذه الدول وهو النمو السكاني. وفي عام 1984 حينما عقد في المكسيك المؤتمر العالمي للسكان خرجت الولايات المتحدة بفكرة جديدة مخالفة لتلك التي تبنتها في مؤتمر بوخارست عام 1974، فقد رأت الولايات المتحدة أن النمو السكاني ليس بالضرورة أمرا سيئا، وأن المناخ الاقتصادي الحر هو المكون السحري لكل من التنمية الاقتصادية والتحكم في الخصوبة. فبالرغم من أن العالم كان متفقا على وجهه النظر القائلة بأن النمو السكاني يعد عاملا مقيدا للتنمية الاقتصادية عام 1974، فانه في عام 1984 كان هناك شبه إنفاق حول وجهه النظر الأمريكية بأن القضيتان (التنمية والسكان) ليستا متناقضتان بهذه الصورة.
وهكذا من الواضح أن هناك 3 وجهات للنظر متعلقة بالعلاقة بين النمو السكاني والتنمية كالأتي:
1- أن النمو السكاني عامل مشجع للتنمية الاقتصادية.
2-أن النمو السكاني ليس عاملاً ذو أهمية لعملية التنمية الاقتصادية.
3-أن النمو السكاني عامل مقيد للتنمية الاقتصادية.
إن فكرة أن النمو السكاني مشجع لعملية التنمية له أسس من الناحية التطبيقية، وليس فقط من الناحية النظرية. ففي أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية هناك بعض الدلائل التي تشير إلى أن النمو السكاني كان عاملا مشجعا على التنمية، بل أن بعض دراسي التاريخ يرون أن الانخفاض في معدلات الوفيات الذي سبق الثورة الصناعية بسبب السيطرة على الطاعون هو العامل الذي أدى إلى أحداث الثورة الصناعية والسبب في ذلك كما يوضح كلارك أن انخفاض الوفيات أدى إلى زيادة في معدلات النمو السكاني والذي أدى بعد ذلك إلى زيادة الطلب على الموارد الأخرى، أما في الولايات المتحدة الأمريكية فان إنشاء خطوط المواصلات الحديدية أدى إلى فتح الحدود بين الولايات ومن ثم إلى زيادة مستوى التنمية الاقتصادية.فقد أدت سكك المواصلات الحديدية إلى الإسراع بمعدلات النمو في الولايات الغربية بسبب تدفق المهاجرين إلى هذه الولايات.
وعلى الرغم من أن التاريخ يثبت أن النمو السكاني كان عنصرا مشجعا على التنمية الاقتصادية في الدول الصناعية، فان الإحصاءات تشير إلى وجود فارق جوهري بين الدول المتقدمة في بأوروبا وأمريكا والدول المتخلفة في باقي دول العالم، فالدول المتخلفة الآن لا تقوم بإتباع نفس الخطوات التي أتبعتها الدول المتقدمة في سبيل نموها، على سبيل المثال فان الدول المتخلفة تبدأ بناءها الاقتصادي على أسس أقل كثيرا من تلك الأسس التي قام عليها البناء الاقتصادي في الدول المتقدمة، من ناحية أخرى فانه بالرغم أن بعض الدول المتخلفة قد حققت معدلات نمو أعلى من تلك التي حققتها الدول الصناعية في مراحلها الأولى، إلا أن معدلات النمو السكاني بها أعلى أيضا وبصورة جوهرية. فمعدلات النمو السكاني بهذه الدول أعلى من تلك الخاصة بأوروبا والولايات المتحدة بل إن معدلات النمو السكاني في الدول المتخلفة ليس لها مثيل في التاريخ الإنساني السابق،ومن الواضح أن النمو السكاني ربما كان عاملا مشجعا على النمو الاقتصادي في الدول المتقدمة وذلك من خلال إجبار السكان على تغيير النمط الذي اعتادوا عليه في المعيشة، ودفعهم نحو الاختراعات الجديدة أو أدى إلى زيادة سرعة عملية إحلال قوة العمل بعمالة أكثر تعليماً وتدريباً.
إن الدراسات التطبيقية الحديثة أثبتت أن العلاقة بين النمو السكاني والنمو الاقتصادي علاقة ضعيفة للغاية، على سبيل المثال قام بلوم وفريمان Bloom & Freeman بتجميع بيانات عن الدول النامية في الفترة من 1965 – 1984، وتوصلا إلى نتيجة مؤيدة لوجهه النظر القائلة بضعف العلاقة بين النمو السكاني والتنمية الاقتصادية، فقد توصل الباحثان إلى أنه بالرغم من ارتفاع معدلات النمو السكاني في هذه الدول فان أسواق العمل بها كانت قادرة على استيعاب الزيادة الكبيرة في السكان مع الزيادة زادت دخول العمال وكذلك إنتاجيتهم. وبمعنى آخر فكما أشار ديفز في نظريته عن التغير السكاني والاستجابة، فان الاستجابة المبدئية للزيادة السكانية من جانب المجتمع هي العمل بشكل أكبر بهدف توفير الدعم للمواليد الجدد. ولكن هل يمكن للمجتمع الاستمرار في هذه العملية إلى ما لانهاية،[28] فالدول النفطية استطاعت أن ترفع متوسط نصيب الفرد من الدخل بشكل واضح من خلال عمليات بيع النفط ولقد فعلت ذلك دون الالتفات إلى معدلات النمو السكاني المرتفعة بها، على الجانب الأخر نجد أن هناك دولا تقل فيها الموارد الطبيعية بشكل واضح بما يجعل إضافة شخص جديدة إلى القاعدة السكانية بها يؤثر على المستوى العام للمعيشة لكافة السكان في المجتمع، ففي بنجلاديش على سبيل المثال نجد أن معدلات الأجور الحقيقية في الزراعة عام 1970 تقل المستوى الفعلي للأجور الحقيقية عام 1830، في مثل هذه الحالات من السهل الإدعاء بأن النمو السكاني عامل محدد للتنمية الاقتصادية بهذه الدول.
وتتوافق الآراء في الدول المتقدمة مع النظرة المالتوسية الجديدة بأن النمو السكاني يعد عاملا معوقا للتنمية الاقتصادية،فبغض النظر عن السبب المبدئي للنمو الاقتصادي، فان هذا النمو لن ينعكس في شكل تنمية إلا إذا تم التحكم في النمو السكاني، فالزيادة في السكان سوف تعني أعباء إضافية في صورة توفير الغذاء والكساء والمأوى ونفقات التعليم، وإذا لم يتزايد الناتج القومي بالقدر الذي يكفي لمواجهة هذه الأعباء فإن مستويات المعيشة للسكان لن تتحسن.
إن هذه المشكلة تتعقد بشكل واضح إذا علمنا أنه في عالمنا الحالي الذي يتميز بارتفاع معدلات النمو السكاني نجد أن الفقر منتشر بصورة واضحة بالشكل الذي سيحول دون قدرة الدول المتخلفة على ادخار الأموال اللازمة لدفع الاستثمار إلى المستويات الكفيلة بدفع الاقتصاد نحو النمو الاقتصادي السريع، مما يستدعى ضرورة اعتماد اقتصاديات الدول النامية على الاقتراض من مدخرات الدول المتقدمة.
فكلما زاد النمو السكاني بشكل أكبر كلما قلت القدرة على تجميع الموارد اللازمة للتنمية الاقتصادية، ولكن السؤال الذي يطرح نفسه بأي قدر تتأثر قدرة المجتمع على تجميع الموارد نتيجة للنمو السكاني، لقد أدى هذا السؤال إلى محاولة البحث عن التكاليف الاقتصادية للانفجار السكاني وهذا ما سنتطرق إليه في الفقرة اللاحقة وكذا عن مفهوم الحجم الأمثل للسكان في العالم ،ذلك أن محاولة تحديد الحجم الأمثل للسكان تجعلنا نتساءل حول ماهية حجم السكان الذي بعده تبدأ مستويات المعيشة في الانخفاض.
وتجدر الإشارة في هذا الصدد أن المركز المغربي للظرفية أصدر مؤخرا نشرته الشهرية “المغرب ظرفية” التي خصصها لموضوع “السكان والنمو الاقتصادي: أية علاقة؟”، حيث عالج هذا العدد العلاقة القائمة بين الانتقال الديمغرافي والنمو الاقتصادي بالمغرب، فضلا عن التفكير بشأن تحولات الاقتصاد والمجتمع بمناسبة الإحصاء العام الجديد للسكان والسكنى 2014.
واعتبر المركز أن العامل الديمغرافي يظل حاسما في تطور الحاجيات الاجتماعية،مشيرا إلى أن “الأسر الجديدة تحدث عموما حاجيات إضافية بالنسبة لمجموع القطاعات الاجتماعية، خاصة في السكن والصحة والتعليم” ،كما أبرز المركز أن المغرب، الذي يعرف حاليا “تحولا ديمغرافيا”، أهم مظاهره تسارع وتيرة شيخوخة ساكنته، مدعو لمواجهة تحد جديد يتمثل في التحكم في التداعيات الاقتصادية والاجتماعية لشيخوخة السكان ومعالجتها.
وبخصوص موضوع الفقر في المغرب، أشارت نشرة المركز إلى أن غياب التوازن الهيكلي بين النمو الديمغرافي والنمو الاقتصادي يشكل عاملا رئيسيا ساهم في انتشار الفقر بالمغرب ،كما أبرز المركز المغربي للظرفية أن التزايد الديمغرافي في المغرب أدى إلى إعادة هيكلة فضاءات تمركز السكان وكذا التوازنات الحضرية .
المبحث الثاني : الانعكاسات الاجتماعية والاقتصادية والبيئية للنمو الديمغرافي على الظاهرة الحضرية بالمغرب.
من القضايا التي استأثرت ولفترة طويلة انتباه الباحثين والمعنيين بمستوى الاقتصاد الكلي من التحليل، مسألة النمو السكاني وعلاقته بالنمو الاقتصادي وبمستوى الفقر، فمن الباحثين من يرى أن نمو السكان هو عامل محفز يؤثر إيجابا على معدلات نمو الدخل القومي، وهناك آخرون يرون أن النمو السكاني عامل يؤثر سلبا على النمو الاقتصادي ذلك أن ارتفاع عدد السكان يعيق نمو الدخل القومي ، ومع تزايد أعداد السكان يزداد استنزاف الموارد المادية والطبيعية والاقتصادية، وفي ظل اختلاف وجهات النظر حول طبيعة العلاقة بين النمو السكاني والنمو الاقتصادي ، ظهرت فكرة ثالثة اعتبرت أن النمو السكاني عامل محايد في النمو الاقتصادي ويتحدد خارج نماذج النمو القياسية وساعد على ظهور هذه الفكرة ضعف معامل الارتباط الذي تم التوصل إليه بطريقة المقارنات الدولية التي استعملت عند فحص العلاقة الإحصائية بين نمو السكان والنمو الاقتصادي، فقد وجد معامل الارتباط بين الاثنين غير معنوي وإن كانت بعض الشواهد تشير إلى أن الأداء الاقتصادي بطيء في البلدان ذات التزايد السكاني السريع ،إلا أن إدخال عوامل ضبط أخرى مثل المستوى التعليمي في قياس معاملات الارتباط تبين أن العلاقة بين النمو السكاني والاقتصادي تكاد تكون معدومة ، فالنتائج التي نجمت عن وجهات النظر المختلفة لها تبعات كان آخرها وأخطرها بعدا على العامل السكاني وجهة النظر التي تنص على أن نمو السكان عامل محايد في النمو الاقتصادي.[29]
المطلب الأول: الانعكاسات على المستوى الاقتصادي
لقد أصبحت مسألة التصدي للفرضيات التي تجعل من العوامل الديمغرافية عوامل محايدة أمر مهم ومصيري بالنسبة للمغرب ولباقي الدول السائرة في طريق النمو ، فقد رأت هذه الأخيرة أن التقليل من أهمية العلاقة بين السكان والتنمية دفع ويدفع متخذي القرار إلى اعتماد سياسات غير متكاملة تهمل التغيرات الديمغرافية وتروج للنمو الاقتصادي باعتباره الحل الوحيد للتنمية.
ولقد عرف المغرب على مدى الأربعين سنة التي تلت استقلاله ، نموا ديمغرافيا مرتفعا يميل حاليا نحو الاستقرار مما جعله أمام تحدي احتواء هذا النمو ، على المدى البعيد ، وذلك بوضع برامج للتنمية الاقتصادية والخدمات الأساسية ، ولاسيما منها التربوية والاجتماعية ، الكفيلة بأن تكون في مستوى الحاجيات المتزايدة للساكنة، من أجل تحسين مستوى عيشها أو على الأقل للحيلولة دون تدهورها.
وبسبب التطور الذي طرأ على الحياة الأسرية والسلوكات الإنجابية لدى النساء المغربيات، وبفضل ارتفاع مستوى التعليم والتحولات المجتمعية وبرامج التخطيط العائلي، التي انخرطت فيها شرائح كبيرة من الساكنة النسوية، تمكنت البلاد من التحكم في نمو ساكنتها ومن تم توجد بلادنا اليوم في وضعية انتقال ديمغرافي، يتجسد في تباطؤ وتيرة عدد السكان، بفعل الانخفاض المستمر لنسب الوفيات وتراجع معدل الإنجاب، وهكذا انتقل معدل الحياة من 47 سنة في 1962 إلى 71 سنة 2004 [30] ، ولقد بلغ معدل البقاء على قيد الحياة بالنسبة للسكان المتراوحة أعمارهم بين 15 سنة و59 سنة 920 في الألف في سنة 2013 وارتفع بنسبة 9،6 % بين سنة1988 وسنة 2010، وهما السنتين المرجعتين للبحثين الديمغرافيين المتكرري الزيارات وهو معدل، عكس مؤشرات التربية ، مماثل لمتوسط البلدان ذات تنمية بشرية مرتفعة ،حيث بلغ معدل البقاء على قيد الحياة فيها 880 لكل ألف في سنة 2011[31] وذلك نتيجة انخفاض نسبة وفيات الأطفال وتحسين التأطير الطبي، وتحسين شروط التزود بالماء الشروب، وتعميم برامج التلقيح.
فمنذ سنة 2000 تمكن المغرب من الحفاظ على مسار نمو مرتفع، بلغ في المتوسط السنوي 4،4 % بين سنتي 2000و 2014 ومن تقليص البطالة منذ 1999 مع ارتفاع طفيف منذ سنة 2011 لتبلغ حوالي 9،8 % سنة 2014، ونتيجة لذلك ارتفع الدخل الوطني الإجمالي المتاح بنسبة 5% سنويا ، وتحسن الاستهلاك ومع تطور متحكم فيه للأسعار في حدود لا تتعدى 1% تحسنت القدرة الشرائية بمتوسط 4% في السنة ما بين 2009 و 2014.
ولقد شكلت القطاعات الاجتماعية من جهتها موضوع اهتمام لامتصاص العجز المتراكم في البنيات التحتية الأساسية ، خاصة في مجالات التعليم والصحة والولوج إلى الماء الصالح للشرب والكهرباء وقد تعززت هذه الجهود بفضل محاربة الفقر والهشاشة التي تطلبت تعبئة 55% من ميزانية الدولة بالموازاة مع برامج وأنشطة خاصة تحتل فيها المبادرة الوطنية للتنمية البشرية مكانة محورية.[32]
الملاحظ أن ما عرفه المغرب من تحول ديمغرافي لم تصاحبه تنمية اقتصادية بشكل تناسبي ، بحيث أن الزيادة السكانية ظلت تنمو بنسق يفوق النمو الاقتصادي ، وهذا الاختلال بين السكان والموارد خلف وضعا منفردا ، لم تعرفه أوربا إبان تحولها الديمغرافي ، فحسب الدراسات المنجزة من طرف اليونيسف فإن معدلات النمو السكاني بالمغرب جد مرتفعة إذا ما قارناها ببعض الدول الغربية التي بلغت مرحلة متقدمة في تحولها الديمغرافي والذي يوصف من قبل الديمغرافيين بمرحلة النضج الديمغرافي[33]رغم أن المغرب قد دخل في سياسة سكانية تحد من النمو الطبيعي للسكان وكان من نتائج هذه السياسة السكانية الانتقال من المرحلة الديمغرافية البدائية المتميزة بتوازن طبيعي بين نسبة ولادات جد مرتفعة مع نسبة وفيات جد مرتفعة مما يجعل صافي الزيادة السكاني بسيط جدا ويكاد يسمح بعملية تجديد الأجيال وفي صلب المرحلة البدائية تلعب الأوبئة والأمراض دورا سلبيا في الزيادة السكانية.
في ظل هذه الأوضاع اعتمد المغرب سياسات اقتصادية تأخذ بعين الاعتبار هاجس الاستدامة حيث تكشف الإنجازات المحققة في مجال تدبير المالية العمومية، وتحسين نوعية برامج التنمية الجهوية، وتنفيذ سياسة منسجمة لإعادة تأهيل المجال الحضري عن الجهود المتزايدة للحفاظ على التوازنات الماكرو اقتصادية من جهة، مع مراعاة التوازنات الاجتماعية والبيئة من جهة أخرى.[34]
فالتوسع العمراني السريع يتطلب إعمار أراضي شاسعة لإيواء الساكنة الحضرية المتزايدة ، وتزويد المناطق السكنية بما تحتاجه من تجهيزات تحتية وفوقية وما يستلزمه التعمير كذلك من توفير خدمات أساسية كالماء والكهرباء والتطهير الصلب والسائل والمناطق الخضراء، والنقل الحضري، ومن مرافق ضرورية كالتعليم والصحة والثقافة والرياضة.[35]
لقد اعتمد المغرب سياسات اقتصادية تأخذ بعين الاعتبار هاجس الاستدامة وهذا ما تكشف عنه الإنجازات المحققة في مجال تدبير المالية العمومية، وتحسين نوعية برامج التنمية الجهوية، وتنفيذ سياسة منسجمة لإعادة تأهيل المجال الحضري عن الجهود المتزايدة للحفاظ على التوازنات الماكرو اقتصادية من جهة، مع مراعاة التوازنات الاجتماعية والبيئة من جهة أخرى.
فمن خلال متابعة مستوى التنمية الذي عرفه المغرب، يلاحظ بأن تطور النشاط الاقتصادي والتجاري ساهم إلى حد كبير في رفع مستوى النمو الحضري وبالتالي خلق تجمعات سكنية هامة داخل المدن وبالمناطق المجاورة لها.[36]
إن ما يمكن ملاحظته هو أن وتيرة النمو الاقتصادي بالمغرب تميز منذ مدة بالتباطؤ ذلك أن الناتج الداخلي الإجمالي ولسنوات عرف معدلات نمو جد متواضعة بالنظر للحاجيات الاجتماعية المتزايدة الناتجة عن توسع قوي للوسط الحضري وارتفاع مهم للساكنة النشيطة ، خاصة تلك المتوفرة على مستويات عالية من التعليم.
لقد ظل الاقتصاد المغربي بعيدا عن بلوغ هدف توظيف جميع إمكاناته ، خلال الخمسين سنة الفارطة ، حيث اتسم النمو الاقتصادي بالفتور، منذ سنة 1955 وبضعف تطور الدخل الفردي، وهو ما يعزى بالدرجة الأولى، إلى ارتكاز الاقتصاد المغربي، بالأساس، على القطاع الفلاحي، الذي يبقى بدوره رهينا بالتقلبات المناخية، أما بخصوص القطاعات الاقتصادية الأخرى فلم تستطع تحقيق مستوى كاف من النمو.
فلم يفض النظام الحالي لتوزيع ثمار النمو إلى تبلور طبقة متوسطة فاعلة، وقادرة على التأثير في الإصلاحات وفي تيسير إدخال التكنولوجيا وقيم التقدم، ومن ثم ، فقد كان تراكم مواطن العجز الاجتماعي الطابع المميز لهذا التطور.[37]
المفروض ، هو أن يعرف كل مجال حضري نموا ديمغرافيا توازيه تنمية اقتصادية واجتماعية ، تعمل على نقل واقع المجال من مستوى أدنى إلى مستوى أعلى نسبيا بناءا على جهد إداري مبذول، هدفها الأساسي الرفع من مستوى معيشة الساكنة وتحقيق رفاهيتهم ، كما أنها ظاهرة متكاملة لا يمكن تحقيقها إلا بتبني منظور تكاملي ينظر إلى أبعادها نظرة واحدة ، إذ ماهي في واقع الأمر إلا حصيلة تفاعل بين البعد الاقتصادي والبعد السوسيولوجي والبعد الديمغرافي والبعد الاجتماعي ، وهذه الأبعاد تصب في اتجاه الاستجابة لإشباع الرغبات المادية وتحقيق التنمية البشرية وتحقيق الثروة ،ذلك أن المجال الحضري بقدر ما يمكن أن يكون أداة للتنمية يمكن أن يكون كذلك أكبر عائق لها ، فالأمر رهين بطبيعة استغلاله وتهيئته.[38]
فجل الحواضر المغربية عرفت نموا ديمغرافيا كبيرا ، تولدت عنه أزمة سكنية مهولة مما أدى إلى تعقد الأوضاع داخل الأنسجة الحضرية وتأزما على مستوى النمو الاقتصادي ، وبالتالي إلى تشويه الجمالية والمنظر العمراني للمدن وبالتالي ظهور التمدن العشوائي والتعمير الفوضوي.[39]
المطلب الثاني : انعكاسات الظاهرة اجتماعيا وبيئا.
شكلت أجندة 21 المتبناة من طرف الأمم المتحدة في مؤتمر رييو في العام 1992 وسيلة فعالة بالنسبة للجماعات الترابية تضع رهن إشارتها استراتيجية محكمة لحماية البيئة، ومخطط شامل يتضمن المبادئ الثلاثة الكبرى لأي تنمية مستدامة ، العدالة الاجتماعية، والنجاعة الاقتصادية وحماية البيئة، إذ شكلت مشروعا استراتيجيا وشموليا وسياسيا، يفرض منهجية وتخطيط الهدف منه تحقيق جودة الحياة عبر التطوير والتقدم المستمر في جل الميادين.[40]
-Iالانعكاسات الاجتماعية.
لقد عرفت المناطق الحضرية بالمغرب وتحت ضغط النمو الديمغرافي السريع واستفحال ظاهرة المضاربات العقارية وتزايد عمليات البناء العشوائي ظهور مجموعة من المشاكل والأوبئة الاجتماعية كالتفكك الأسري والبطالة واستعمال المخدرات والإجرام والتطرف الفكري والديني.
ويرجع المهتمون بشؤون المدينة ظهور هذه المشاكل إلى عجز الحواضر عن توفير الحياة الكريمة من سكن وعمل وترفيه خاصة بالنسبة للوافدين من القرى والذين يعانون أصلا من الأمية والفقر بسبب غياب برامج اجتماعية تعمل على إدماجهم في الحياة المدنية، وتشير التقديرات أن معدل البطالة ارتفع في السنوات الأخيرة بسبب قلة مناصب الشغل.
فالمدن المغربية مدعوة اليوم إلى ليس فقط إلى توفير مناصب الشغل داخل الوسط الحضري ولكن أيضا للاستعداد للتأثيرات الناتجة عن الانتقال الديمغرافي، وإذا كان استفحال ظاهرة السكن العشوائي والحاجة إلى سكن لائق يعودان إلى أسباب كثيرة ومتنوعة ساهم فيها عامل الهجرة القروية المكثفة والناتجة عن عدة عوامل كظروف الجفاف بالقرى وتدني التشغيل، فمشكل الانتشار المهول لأشكال الفقر وظهور أشكال جديدة له، يبقى من دوافع لجوء المواطن إلى سكن غير لائق ، كما أن للفقر انعكاسات وخيمة على المجتمع ويشكل عبئا على الاقتصاد الوطني.[41]
لهذا فالمدن المغربية مدعوة اليوم ليس فقط إلى توفير مناصب شغل للسكان الحضريين ، ولكن أيضا للاستعداد للتأثيرات الناتجة عن الانتقال الديمغرافي وحسب توقعات المندوبية السامية للتخطيط فإن فئة السكان النشيطين الذين تتراوح أعمارهم ما بين 15 و59 سنة ستواصل ارتفاعها إلى غاية سنة 2020 ففي الوقت الذي كانت فيه هذه الفئة لاتمثل سوى 55،15%سنة 1994 وارتفعت هذه النسبة إلى 60،7% ويتوقع أن يصل إلى أقصاها بين 2010 و2020 لتبلغ إلى 65% ومن ثمة تأثيرها على سوق الشغل سيتواصل في الخمسة عشرة سنة القادمة ، ينضاف إلى ذلك ضرورة امتصاص فئة السكان الحضريين الغير النشطين، ويعتبر معدل نشاط السكان الحضريين ضعيفا.[42]
إن من أهم المشاكل التي تواجهها سياسة التعمير في مختلف المجتمعات المعاصرة هي ميول الأفراد إلى العيش بالمدن ، فهم يعتبرون المدينة المكان الأنسب لتحقيق رغباتهم في ميادين الشغل والسكن والتمدرس ومختلف الخدمات التي تقدمها المرافق الاجتماعية، لكن تعدد الوافدين على المدينة يؤدي بالضرورة إلى تعدد الحاجيات والمشاكل.[43]
وتعتبر المشكلة الاجتماعية إحدى الصعوبات الحقيقية التي تواجهها المدينة المغربية، ممثلة في الانحرافات السلوكية مثل انتشار الجريمة وجنوح الأحداث والإدمان على المخدرات والانتحار وعدم التوازن العقلي والفقر والتفكك العائلي والبطالة والعنف ومشاكل الشباب.[44]
إن بناء استراتيجية اجتماعية واقتصادية تفضي إلى توفير الشغل وإلى توزيع عادل للدخل الوطني وإلى إشباع الحاجات الأساسية للأفراد الأكثر احتياجا ، لتتوقف بالضرورة على دراسة معمقة لسوق الشغل، وقد أعار المغرب هذا الموضوع كثيرا من العناية وتم انجاز عدد من الإحصاءات والتحقيقات والدراسات المرتبطة بالشغل وباليد العاملة تتعلق بالظروف الاقتصادية والاستهلاك داخل الأسر مثلا، أو بالساكنة النشيطة أو بالشغل القروي أو بمستوى المعيشة لدى الأسر، ذلك أن هذه التحقيقات حول الشغل والإحصاءات الخاصة بالسكان تعتبر وإلى يومنا هذا مصدرا رئيسيا للمعلومات حول الشغل رغم أنها بحكم طبيعتها لا تقدم أي معلومات إجمالية وتفتقر في بعض الأحيان إلى ما يكفي من الدقة.
لقد أصبحت صحة السكان من أهم مسؤوليات المجتمعات حيث صارت كل الدول تسعى إلى الحد من الأمراض وتقليص معدل الوفيات[45]، و يجب أن ترمي الجهود المقرر بدلها إلى تعزيز البرامج الصحية والوقائية ومكافحة الأمراض وبالخصوص تلك التي تهم الصحة الإنجابية وصحة الأم والطفل بهدف التقليص من وفيات الأطفال على المستوى الوطني وهذا ما سعى إليه المغرب حيث يعتبر نظام المساعدة الطبية المعروف بRAMED نظاما ذا خصوصية سعت من خلاله الدولة تحقيق ضمان حق العلاج لفائدة المواطنين المعوزين الذين لا يتوفرون على دخل أو ذوي الدخل المحدود وفق مبادئ التضامن المجتمعي والتكافل والإنصاف،[46] ويجب أن ترمي الجهود المقرر بذلها في ميدان الصحة إلى تعزيز البرامج الصحية والوقائية ومكافحة الأمراض، وبالخصوص تلك التي تهم الصحة الإنجابية وصحة الأم والطفل بهدف التقليص من وفيات الأطفال على المستوى الوطني، وبالرغم من كل المجهودات والتقدم الذي طرأ في جميع الميادين التي لها علاقة بصحة السكان بالمغرب ، تبقى الحالة الصحية لأعداد هائلة من السكان، وخاصة منهم سكان العالم القروي والمناطق الحضرية المهمشة، متدهورة بشكل خطير.
إن مسألة حماية الإنسان من الأمراض والأوبئة ليست وليدة القرن العشرين، فقد عرفت دول البحر المتوسط على الخصوص- باعتبارها بوابة الإمبراطوريات الأوربية على الشرق خلال القرون السابقة- عدة مبادرات لمواجهة بعض الأمراض الوبائية المنقولة آنذاك عبر الطرق التجارية البرية والبحرية مثل مرض الطاعون ومرض الكوليرا، ويعتبر المؤتمر الدولي حول الصحة الذي دعا لعقده لويس نابليون بونابارت بباريس سنة 1851 بداية لتعزيز التعاون الدولي في مجال الوقاية الصحية ضد الأوبئة.[47]
فمنذ الاستقلال، حقق مستوى الصحة لدى المغاربة، تقدما ملحوظا، تمكنت بلادنا، بفضله من القضاء على العديد من الأمراض والأوبئة، التي كانت تفتك بالبلاد. وهكذا، فقد ارتفع معدل الحياة ليتجاوز حاليا 70 سنة وإن كان هذا المعدل أقل من معدلات الحياة المحققة في الدول المتقدمة، وبعض مؤشرات صحة الطفل والأم ما تزال مبعث قلق ومصدر تأثير سلبي، على مستوى التنمية البشرية للبلاد. ويعرف المغرب حاليا انتقالا ” إيديولوجيا” يتسم بتعايش أنواع قديمة من المرض وأخرى جديدة.
وهكذا، فإن البلاد لم تصل بعد إلى التعامل الأمثل مع “أمراض البلدان الفقيرة”. لتجد نفسها في مواجهة صعود مطرد ل “أمراض الدول الغنية”، التي تعد أكثر صعوبة وتكلفة ، إضافة إلى ذلك، يضل ولوج الخدمات الطبية غير كاف ولا متكافئ، كما أن حالة الوحدات التطبيبية والمستشفيات ظلت تتأرجح بين الاستقرار والتراجع، رغم الإنجازات الرائدة لكن المعزولة التي حققها بعض الأطباء والباحثين المغاربة.[48]
ويعتبر التعليم الأداة الأساسية لتحديث البلاد وذلك من خلال تأمين التكوين الملائم، وتكييفه مع حاجيات التطور، حيث يقول ساكاروبولوسو ودهولPsacharopoulos et Wood hall “إن التعليم على غرار الاستثمارات الأخرى في الرصيد البشري، قادر على المساهمة في النمو الاقتصادي والرفع من مداخيل الفقراء تماما كما هو الشأن في ذلك بالنسبة للرصيد المادي كالنقل والمواصلات والطاقة والري”، فالجميع متفق على أهمية الحفاظ على مستويات مرتفعة للتعليم ومعرفة القراءة والكتابة سواء في الدول المتقدمة والديمقراطية حيث ينتظر من المواطنين أن يتصرفوا بذكاء وعقلانية في مختلف خياراتهم، أو في الدول النامية حيث يعتبر النقص في التكوين أو عدم وجوده في شتى الميادين العلمية والاجتماعية حاجزا للتصنيع والتقدم في مجالات أخرى فحسب هاربسونHarbison أن الطاقة البشرية العلمية والتكنولوجية والمثقفة تشكل الأساس الجوهري لثروات الأمم.[49]
ففي المغرب سجل معدل التمدرس لدى الفئة العمرية 7-12 سنة ارتفاعا ملحوظا خلال العشرية الأخيرة إذ انتقل من 80،4% سنة 2004 إلى 94،5% سنة 2014 وهذه الزيادة همت عل الخصوص الوسط القروي والفتيات .[50]
الملاحظ أنه من الطبيعي أن بلوغ هدف تعميم التعليم في المغرب تطلب مجهودات كبيرة وتكاليف باهظة، فإذا كانت الدول المتقدمة قد عممت تعليمها الأساسي وبلغت نسب عالية جدا في المستويات الموالية ، ولم تعد تهتم إلا بالرفع من مستوى محتويات البرامج التعليمية وتطوير الطرق الناجعة للتبليغ خاصة وأن نسب نموها الديموغرافي ضئيلة جدا ولا تضطرها للزيادة في أعداد المقاعد المدرسية ، فإن المغرب شأنه شأن الدول النامية يجد نفسه أمام مشاكل يستعصي حلها في ميدان التعليم منها:
- أن برامج التعليم أصبحت متجاوزة وغير ملائمة لمتطلبات العصر الحاضر فهي لا تهدف إلى صقل المهارات وتوسيع المعرفة المسايرة للتقدم العلمي والتكنولوجي.
- إن المغرب رغم المجهودات المبذولة يبقى بعيدا كل البعد عن تعميم التعليم ولو على صعيد المستوى الابتدائي وتبقى مستويات التمدرس في المستويات الموالية من إعدادي وثانوي وجامعي هزيلة جدا بالمقارنة مع الدول المتقدمة.
- إن نسب النمو الديمغرافي المرتفعة تعني أن هناك تزايد مستمر في طلب المقاعد المدرسية مما يضطر الدولة لتخصيص موارد أكبر لبناء المدارس والتجهيزات الضرورية لمواجهة هذا الطلب .
- إن التوزيع الجغرافي للمدارس الابتدائية والثانوية غير متوازن مع التوزيع الجغرافي للسكان.
- هناك فوارق اجتماعية بارزة في التمدرس ومن أهمها عدم تكافؤ نسب التمدرس بين الذكور والإناث.[51]
لقد بينت نتائج الإحصاء العام للسكان والسكنى لسنة 2014 حول توزيع السكان البالغين من العمل 25 سنة فما فوق حسب المستوى التعليمي وطنيا أن 45% من هذه الفئة لا يتوفرون على أي مستوى تعليمي في حين أن 21،2% يتوفرون على مستوى التعليم الابتدائي و 12،3% على مستوى التعليم الثانوي الإعدادي و 10،2 % على مستوى التعليم الثانوي التأهيلي و 8% على مستوى تعليمي عالي، بالوسط الحضري بلغت نسبة السكان الذين لا يتوفرون على مستوى تعليمي 32،6% مقابل 66،4 % بالوسط القروي وتلك التي تتوفر على الأقل على مستوى التعليم الثانوي 26،2 %مقابل 4،3 % بالوسط القروي.
ومن حيث عدد سنوات الدراسة ، أظهرت نتائج الإحصاء العام للسكان والسكنى لسنة 2014 أن متوسط عدد السنوات التي قضاها السكان البالغة أعمارهم 25 سنة فما فوق هو 4،4 سنوات ويصل هذا المعدل إلى 5،8 سنوات بالوسط الحضري و1،9 سنة بالنسبة للوسط القروي، أما حسب الجنس، فإن متوسط عدد سنوات الدراسة بلغ 5،3 سنوات بالنسبة للرجال و 3،4 سنوات لدى النساء.
فكما كان عليه الحال سنة 2004، فإن الأمية لازالت أكثر انتشارا بالوسط القروي 47،7%مقارنة مع الوسط الحضري 22،2 % وفي صفوف النساء 41،9 % مقارنو مع الرجال 22،1%، فمعدل الأمية يرتفع بارتفاع السن حيث ينتقل من 3،7 % لدى من لا يتجاوز سنهم 15 سنة ليصل إلى 61،1 في صفوف البالغين من العم 50 سنة أو أكثر ، لكن مع ذلك، فإن معدل الأمية الخاص بكل فئة عمرية عرف سنة 2014 انخفاضا مقارنة مع سنة 2004.
-II الانعكاسات البيئية .
عرفت المدن المغربية جملة من التحولات السياسية والاقتصادية والاجتماعية منذ دخول الحماية سنة 1912، مما كان له الأثر البالغ على النسيج الحضري للمدينة المغربية، حيث ارتفع عدد سكان المدن بفعل الهجرة القروية والنمو الديمغرافي المتسارع، وكان لهذه التحولات نتائج سلبية على مجال المدينة بالمغرب حيث استمر تدهور المجال الحضري وعجزت المدينة عن توفير الخدمات الحضرية من نقل وتطهير والمرافق الاجتماعية والترفيهية، وتأثر المجال البيئي بسبب التلوث وغياب سياسة مجالية محكمة، لقد أصبح الكل يؤمن أن البيئة لا حدود لها ، وأن المشاكل التي تهددها هي مشاكل مشتركة وأن وقايتها من التلوث والأضرار المحدقة بها مسؤولية جماعية.[52]
ولقد قام المغرب من خلال مصالحه المكلفة بالبيئة بدراسة تقييمية شاملة للوضعية البيئية المغربية وقد همت بالخصوص الموارد المائية، التربة، الهواء والطاقة، الوسط الطبيعي، الكوارث الطبيعية والمخاطر التكنولوجية العامة ثم المجالات الحضرية والبيئية .
إن الوثيرة السريعة التي تعرفها حركة التمدن بالمغرب تبقى المسؤولة عن ظهور مجموعة من الملامح السلبية التي تمس البيئة بالسوء، ويعد برنامج الأمم المتحدة للبيئة(P.N.U.E )، المحدث بناء على توصيات مؤتمر ستوكهولم حول البيئة، وأجندة 21 التي أحدثها مؤتمر ريو سنة 1992 من أهم البرامج التي اهتمت بنشر المعلومات والتقارير المتعلقة بقضايا البيئة وتشجيع التعاون والتنسيق الدولي ومساعدة الدول على وضع برامج ومخططات وطنية ومحلية في مجال المحافظة على البيئة والتنمية المستديمة.[53]
ففي المغرب تطرح كمية النفايات الصلبة المنزلية والصناعية والطبية عدة مشاكل ليس فقط على مستوى الجمع بل أيضا على مستوى التفريغ والمطارح نفسه الذي غالبا هي مطارح عشوائية وغير مراقبة ، كما أن الأزبال الصناعية تشكل خطرا كبيرا على البيئة وصحة الإنسان بما تحتويه من مواد سامة وكيماوية، أما على مستوى التطهير السائل في المغرب يلاحظ أن هناك 30%من السكان الحضريين لا يتوفرون على ربط بشبكة التطهير، كما أن مستوى التصفية والمعالجة ضعيف أيضا حيث أن أقل من 10% من المياه العادمة هي التي تستفيد من المعالجة قبل صرفها في الوسط الطبيعي، ولهذه الوضعية انعكاسات سلبية سواء على مستوى صحة المواطنين حيث ارتفعت أمراض الربو والحساسية، أو على مستوى تلوث الفرشة المائية،[54]أو على مستوى انتشار الأزبال بمختلف الشوارع والأزقة مما يعطي نظرة سلبية على جمالية المدينة المغربية، وبالتالي يكون التأثير على جلب الاستثمار والسياح وعليه، فتأثير تلوث المياه على الاقتصاد الوطني يقدر حاليا بما يفوق 4،3 مليار درهم سنويا ، وقد تم تقدير الخسارة الناتجة عن تدهور البيئة على المستوى الوطني سنة 2003 ب 13 مليار درهم أي ما يعادل 3،7 %من الناتج الداخلي الخام.[55]
وما لاشك فيه أنه بالنسبة للمغرب من النتائج المترتبة عن التعدد المؤسساتي المرتبط بتدبير البيئة ما يهم توزيع مسؤولية تدبير البيئة بين عدد من المصالح الخارجية للوزارات والجماعات الترابية مما يولد اختلالات تنظيمية وتنازع في الصلاحيات وهذا ما يؤدي إلى تشتت العمل البيئي المحلي وعدم تجانسه من ناحية وهيمنة النزعة القطاعية في رؤية وتدبير المشاكل البيئية المحلية، مما يترتب عنه ضياع الجهود والإمكانيات، بسبب تكرار نفس المشاريع وضعف التنسيق أثناء تنفيذها ، نظرا لغياب التحديد الدقيق لصلاحيات كل هيئة من هنا تظهر أهمية إحداث هيئة لا ممركزة تكون بمثابة حلقة وصل بين مختلف الهيئات المحلية، من خلال تنسيق تدخلاتها وتتكلف بتنفيذ مختلف البرامج البيئية على الصعيد المحلي.[56]
إن المدينة المغربية، وفي ظل غياب الوعي الضروري بالمشاكل البيئية التي تنجم عن إهمال البيئة، مازالت تفتقد لمخطط متكامل ومنسجم في هذا المجال، ذلك أن مسألة تسيير البيئة وتدبير أمورها أصبح يشكل أحد المهام الصعبة والعويصة بالنسبة للمغرب ، إذ لا يتطلب فقط بذل جهد لمواجهة المخاطر البيئة عن طريق مختلف التدخلات وعلى مختلف التدخلات وعلى المستويات المركزية والترابية، بل يتطلب أيضا إيجاد توازن بين مختلف المصالح خاصة الاقتصادية والإيكولوجية لتحقيق نمو اقتصادي يمشي جنبا إلى جنب مع استعمال رشيد للموارد، وتحقيق وتنسيق وثيق للسياسات بين كافة مؤسسات إدارة البيئة.[57]
وترتبط مسألة الاختلال البيئي وتلوثه بالمجال الحضري عموما بمستوى التطور الحضاري للإنسان، كما يختلف مستواه ومظاهره بنوع ومدى تطور الأنشطة الاقتصادية التي يمارسها سكان المدن، وبوثيرة نمو العمران ومدى خضوعه للضوابط القانونية، وبمستوى النمو الديمغرافي بهذه المدن، كما أن له ارتباط بعوامل أخرى متعددة نذكر منها على سبيل المثال: مدى وعي الجهات المسؤولة من سلطات وهيئات منتخبة، ومصالح تقنية ومؤسسات إنتاجية بمشاكل التلوث ومدى نجاعة الوسائل المستعملة للحد من آثاره، وكذا بمستوى وعي الساكنة بأهمية البيئة وضرورة العمل على الحد من تلوثها.[58]
لعل الزيادة المستمرة في عدد السكان تعتبر من أحد المشاكل الضخمة التي تعاني منها شعوب العالم فمشكلة النمو السكاني المتسارع هي السبب الرئيسي وراء أي مشكلة أخرى، ويؤدي هذا النمو السريع للسكان إلى استغلال الموارد الطبيعية وتدمير البنى نتيجة عدم التوازن بين الاثنين نظرا للتضخم السكاني من جهة يقابله عدم توفر الموارد والغذاء والسكن الملائم من جهة أخرى عوامل مثل النمو والتوزيع السكاني بالإضافة إلى الهجرة العالية بين المدن لأسباب مختلفة مجتمعية مع أنماط الاستهلاك البشري تلقى تبعتها على البيئة التي لها حدود وقدرة لاستيعاب النفايات والاستمرار بتدمير الموارد الطبيعية وقطع الأخشاب.[59]
وتعتبر التوعية البيئة إحدى الدعامات الأساسية لعملية المحافظة على البيئة ، حيث تساهم في تحسيس المواطنين بالأخطار والأضرار التي تهدد حاضر ومستقبل الأوساط البيئة المختلفة وتحفيزهم على اتخاذ التدابير الوقائية لتجنب ذلك ، وقد لعب المدافعون عن البيئة وعلى رأسهم العلماء وأنصار البيئة المنخرطون في المنظمات غير الحكومية والأحزاب السياسية ، دورا حاسما في التحدير من مخاطر المشاكل البيئية على مستقبل البشرية جمعاء، وجاء ذلك بفضل التقارير العلمية وحملات التوعية التي كانت تنظم من حين لآخر من أجل التنديد ببعض الأعمال المهددة للبيئة مثل التجارب النووية واستنزاف بعض الموارد الحيوية والتخلص من النفايات الخطرة والملوثة بعرض المحيطات.[60]
عموما لقد أصبح موضوع البيئة وحمايتها من أهم الأولويات في وقتنا الحضر لكونه يحتل مكانة بارزة في حياتنا اليومية سواء من الناحية العلمية أو الإعلامية أو السياسية، فعندما كان موضوع البيئة والحفاظ على توازنها مقتصرا على الأوساط الحكومية والجهات العلمية ، أصبح اليوم من اهتمام المنتخبين والمجتمع المدني ،ذلك أن الجمعيات يمكن لها أيضا أن تساهم في الدفاع عن البيئة في المساهمة مباشرة في عمل الأجهزة العمومية كما هو الشأن في العديد من التشريعات في مجال إعداد وثائق التعمير مثلا لكن القيام بهذه الوظيفة من طرف الجمعيات البيئية لن يتأتى إلا إذا توفر مناخ عام يتقبل دخول هذا الفاعل في التأثير على مستوى اتخاذ القرار وعلى الحكومات أن تدرك أنها ستكون أكثر فعالية في معالجة القضايا البيئية حين تمارس العمل في إطار شراكات، حيث أصبح العمل على المحافظة على البيئة وحمايتها من أكبر الأولويات، فالبيئة هي الوسط الاجتماعي والاقتصادي والثقافي[61] الذي نشأ فيه الإنسان كما أنها نتيجة تفاعل وتكامل بين مختلف العوامل الطبيعية والعوامل السوسيو اقتصادية، ذلك أن التحولات الكيفية والكمية التي أصبحت تعرفها مدننا والناجمة عن التطور السريع الذي تعرفه في جميع الميادين من شأنها أن تمس بشكل عميق بالتوازن الطبيعي والبيئي على حد سواء.[62]
المبحث الثالث: الإسقاطات السكانية وآفاق المستقبل.
ظل علم المستقبليات وإلى عهد غير بعيد يتناول مجموعة من تحديات الألفية المتعلقة بجملة من المشاكل التي يعاني منها العالم بينما معظم المفكرين العرب أثروا هذا العلم من الناحية الفكرية والثقافية والاقتصادية والاجتماعية وغاب عنها الدراسات العلمية والتقنية ، فكلمة المستقبليات في اللغة الإنجليزية تعني علم المستقبل أو دراسات المستقبل ، أما في اللغة العربية فالبعض لا يعتبرها علما بل فنا ، فسميت استشراف المستقبل والدراسات الإرتيادية والروئ المستقبلية وصناعة المستقبل وغيرها.[63]
إن دراسات المستقبل هي حقل من حقول المعرفة الحديثة ارتبط بالاقتصاد والعلم والتقنية والسياسة والثقافة ونمط الحياة والمجتمع والزمن مما يضفي عليها الشمولية ، ولهذه الدراسات مناهجها مثل المنهج القائم على الحدس ويعتمد على الخبرة والمنهج الاستكشافي القائم على استطلاع المستقبل والمنهج الاستهدافي المعتمد على التدخل والمنهج الشمولي الذي يهتم بكل الظواهر والحركات ، فالدراسات الإستشرافية في مناهجها وتقنياتها الحديثة تختلف عن أسلوب التنبؤ التقليدي في عدد من النقاط منها المدى الزمني ومعدلات التغيير والبدائل وأساليب التحليل أما الدراسات الاستشرافية الحديثة فإنها تستخدم أساليب مستحدثة للتعامل مع المستقبل منها أسلوب الإسقاطات السكانية إلى غير ذلك من الأساليب المتنوعة كأساليب التنبؤ من خلال التناظر وأساليب تتبع الظواهر وتحليل المضمون .[64]
إن مسألة تقدير حجم السكان المستقبلي تعتبر من المتطلبات الأساسية للتخطيط الناجح ،إذ أن استقراء مستقبل السكان والتغيير من حجمه وتركيبه وتوزيعه يعتبر أساس التخطيط الاقتصادي والاجتماعي لأي مجتمع من المجتمعات كما تستعمل الإسقاطات السكانية كأساس لإسقاطات قطاعية متخصصة، ومما لاشك فيه أن حجم السكان في المستقبل هو أحد المعطيات الأساسية في عملية التخطيط التنموي ، ومن المؤكد أن إجمالي عدد السكان فقط لا يفي بأغراض التخطيط التنموي، وإنما من المهم أن تشمل الإسقاطات السكانية خصائص هؤلاء السكان لاسيما من حيث العمر والنوع كما أن التخطيط التنموي لا يجب أن ينظر إليه على أنه تخطيط على المستوى الوطني فحسب، وإنما من المهم أن تكون الإسقاطات السكانية على المستوى الإقليمي أو المحلي قدر الإمكان، وتعتبر الديمغرافيا عاملا مؤثرا في التطور الاقتصادي الاجتماعي والثقافي لكل بلد لذا فإن التوفر على بيانات موثوق بها ومحينة حول حجم وبنيات ودينامية اتجاهات السكان ضروريا لتقييم الاحتياجات الاقتصادية والاجتماعية لمختلف فئاته وكذا أداء السياسات التنموية والتقويمات الضرورية لتحسين نجاعاتها، كما يرتكز على هذه المعطيات من أجل توقع التطورات المجتمعية في مجال القيم والطلبات الاجتماعية المتجددة، فهي تشكل في هذا الإطار المتغيرات الأكثر متانة حيث تدل على الاتجاهات الأكثر تحديدا في الدراسات الاستشرافية التي من شأنها توقع تحديات الغد ولاتخاذ القرارات المناسبة لمواجهتها ،وهنا تتجلى الأهمية التي تكتسيها الإسقاطات الديمغرافية بالنسبة للدول الفتية كما هو الشأن بالنسبة لبلداننا ولقارة كأفريقيا ، فهذه القارة تسجل التطورات الديمغرافية الأكثر إثارة من بين جميع جهات العالم ، حيث سيتضاعف حسب هيئة الأمم المتحدة عدد سكانها في غضون الأربعين سنة المقبلة ، منتقلا من مليار نسمة سنة 2012 إلى 2،2 مليار سنة 2050 وبهذا سينتقل وزنها الديمغرافي في العالم من 15% إلى 24 % مما يشكل تحولا ديمغرافيا هاما.[65]
وبالنسبة للمغرب وبالاستناد إلى الإسقاطات الحالية لعدد السكان ، فإن تسارع الانتقال الديمغرافي بالمجتمع يبدو واضحا إذ سيبلغ تعداد السكان 35 نسمة نهاية عام 2018 ، لينتقل إلى 40 مليون نسمة عام 2039ويظهر معدل السكان في المغرب من خلال عدة مؤشرات ، وطبقا لهاته المؤشرات فإن نسبة النمو الديمغرافي مثلا بلغت 1،0 % سنة 2010 بينما يتوقع تراجعها إلى 0،3 % سنة 2040 وبلغ متوسط السكان المضافين حاليا 347 ألف نسمة سنويا بنسبة أقل بقليل من ألف شخص مضاف في اليوم، وتراجع معدل الخصوبة إلى 2،20 طفل لكل امرأة سنة 2010 ، وتشير تقارير المندوبية إلى قاعدة هرم الأعمار بالمغرب تتجه نحو الضيق ، فبعدما كانت نسبة البالغين ستين سنة فما فوق 7،2 % من إجمالي تعداد السكان سنة 1960 بلغ هذا الرقم خلال سنة 2013 نسبة 93 % وينتظر أن يقفز إلى 24،5 % سنة 2050 ومن المنتظر أن تظهر ملامح المشاخة على الساكنة المغربية ، ابتداء من نهاية العقد القادم إذ من المعلوم أن المشاخة السكانية تثقل كاهل السكان النشطين من جراء تزايد الأعباء الاجتماعية المترتبة عنها ، وتغير نوعية الأمراض ، مما يفرض وضع نظام محكم للحماية الاجتماعية والصحية ، وكنتيجة للتطور الديمغرافي ستتزايد الحاجيات بشكل ملحوظ خاصة في ميادين التربية والتشغيل والصحة والسكن والتغذية والتجهيزات الأساسية.[66]
وقد أكد المندوب السامي للتخطيط حول موضوع ارتفاع نسبة الشيخوخة التي تهدد الهرم السكاني بالمغرب أن التطور الديمغرافي ببلدنا أحدث تحولا جذريا على مستوى بنية وسلوكيات سكانه، وهو ما صاحبته تغيرات ثقافية وسوسيو اقتصادية سيكون أثرها حاسما بالنسبة إلى مستقبل البلاد، واضح المندب أن الإسقاطات الديمغرافية تشير إلى أن السكان النشيطين الذين تتراوح أعمارهم ما بين 15 و59 سنة ستستمر في التزايد إلى حدود 2020 ، وقد كانت تمثل48،4 % 1960 وارتفعت إلى 62 % سنة ومن 2003 ومن المتوقع أن تبلغ ذروتها أي 56 %ما بين 2010 و2020، وهو ما يكون له ضغط على سوق الشغل خلال الخمس عشرة سنة المقبلة خصوصا بالمناطق الحضرية حيث تصل اليوم إلى 19،3 % مقابل 12 % على المستوى الوطني كما تمت الإشارة في نفس الموضوع أن نسبة السكان الذين تقل أعمارهم عن 15 سنة تعرف انخفاضا، حيث كانت في حدود 44،4 % سنة 1960 وانتقلت إلى 30 % سنة 2003 ومن المتوقع أن تصل إلى 23،6 % سنة 2020 ، وأن نسبة الشيخوخة ضلت مستقرة في حدود 7% خلال الفترة ما بين 1960 و2004 ومن المتوقع أن تصل إلى 20% خلال سنة 2020 وهو ما يعادل النسبة التي تعرفها حاليا فرنسا.[67]
ورغم تجاوز المغرب لمرحلة نموه السكاني الانتقالي الطويلة سيبقى يتحمل العبء التاريخي الثقيل لسلوك ساكنته في نفس الوقت الذي يعرف فيه إكراها ناجما عن وضعيته الإقليمية يتمثل من جهة في شيخوخة أوربا وفقدانها لعدد ساكنتها ولجوئها إلى استقدام الهجرة حسب معايير اصطفائية ومن جهة أخرى في كون إفريقيا قارة تعاني من الفقر ومن الانفجار السكاني، وبالفعل تظهر الإسقاطات السكانية حسب المتغيرة المتوسطة للمندوبية السامية للتخطيط أن ساكنة المغرب ستنتقل من 30 مليون نسمة في سنة 2005 إلى 38 مليون نسمة خلال سنة 2030 أي بزيادة سنوية تقدر ب 300 ألف نسمة وهو ما يعادل ساكنة مدينة كبرى مع 13،5 مليون نسمة يبقى عدد الساكنة القروية شبه قار في حين تصبح السمة الرئيسية للتطور السكاني حضرية بفعل الهجرة القروية أساسا وبتحول المناطق القروية إلى مناطق حضرية بحيث سيصل معدل التعمير في أفق سنة 2030 إلى 64 % عوض 55% خلال سنة 2004 أي بالقيمة المطلقة 24،4 مليون نسمة مقابل 16،4 مليون نسمة على التوالي وهو ما سيزيد من حدة الفقر في الحواضر.[68]
على كل حال، يمكن للمغرب أن يستفيد من النتائج العديدة لانتقاله السكاني التي يسببها انخفاض حصة الشباب في ساكنته بحيث سينخفض عدد الأطفال في الفئة العمرية 0 إلى 15 سنة من 8 ملايين طفل في 2005 إلى ما يقرب من 7 ملايين طفل في أفق 2030 أي انخفاض في الثقل السكاني لهؤلاء من 30 إلى 21 % على التوالي، نفس الشيء يجري على نسبة الساكنة القابلة للتمدرس، من التعليم الأولي إلى التعليم العالي، التي تمثلها الفئة العمرية 22-36 سنة والتي ستنخفض إلى28،6 % على التوالي وهو ما يتيح الفرصة إلى مراجعة نظام التربية والتأهيل.
المطلب الأول: حجم النمو السكاني بالمدن والآفاق المستقبلية.
لقد أكدت جل الدراسات الديمغرافية ، أن ساكنة المغرب ظلت إلى حدود سنة 1971 تتسم بالفتوة والشباب ، مهما كان وسط إقامتها وحسب إسقاطات الأمم المتحدة ،فإن البنية السكانية للفئات العمرية الرئيسة ستشهد تغيرات طفيفة تتمثل في تقلص منظم لفئة الشباب الذين تقل أعمارهم عن 15 سنة ويعزى ذلك إلى التراجع الملحوظ في معدل الخصوبة ، الذي أدى إلى بطء في عدد الولادات .
إن ظاهرة التشيخ الديمغرافي الذي بدأت ملامحه تلوح في الأفق ، لن تبرز بجلاء إلا في فترة متأخرة زمنيا ، وهذا لا يمنع من التفكير في انعكاساتها الاجتماعية والاقتصادية ويتضح من خلال الإسقاطات الخاصة بالديمغرافيا النسائية، المنجزة من طرف مركز الدراسات والأبحاث الديمغرافية (CERED) أن 4،5 ملايين امرأة ستنضاف إلى النساء المغربيات فيما بين 1992 و2012 على أن هذه الأعداد ستعرف تراجعا تدريجيا في تطورها. أما بالنسبة لمستوى البنيات العمرية ، فإن الساكنة النسوية الشابة أقل من 20 سنة عرفت انخفاضا من 48% ستنتقل إلى 34% خلال سنة 2012.[69]
تجدر الإشارة أن المندوبية السامية للتخطيط بالمغرب أصدرت كتابا تحت عنوان ” مستقبليات مغرب 2030، أي وضع سكاني؟” ويعتبر عملا علميا يقوم على منهجية المستقبليات السكانية الذي يروم استكشاف مستقبل المغرب السكاني في أفق سنة 2030 بعد انجاز المغرب لمرحلة نموه السكاني الانتقالي ويضع الأصبع على التحديات الكبرى التي عليه أن يرفعها.
إن أصل الفوارق في الموارد البشرية على الصعيد العالمي وبالتالي الفوارق في إمكانات التنافس العالمي يكمن في كون معدلات النمو السكاني للبلدان النامية ضعيفة نسبيا ومتقهقرة بينما الديناميكية السكانية في البلدان السائرة في طريق النمو قوية بالرغم من الانخفاض الذي عرفته وتيرتها في الماضي القريب، ومن الممكن أن تكون لهذا التطور انعكاسات خطيرة على الاستقرار الجيو-سياسي لعالم اليوم والغد.
والمغرب يوجد بحكم موقعه الجغرافي في قلب هذه الإشكالية التي ستطرح على هذين العالمين المتميزين بالتباين في تطورهما السكاني، من جهة من المنتظر أن تستمر أوربا في ركودها السكاني بل ستعرف انحطاطا في ساكنتها التي سيمتد فيها أمل الحياة عند الولادة من 74 سنة في 2005 إلى 79 سنة في أفق سنة2030، وسيبقى المغرب رغم تجاوزه لمرحلة النمو السكاني يتحمل العبء التاريخي الثقيل لسلوك ساكنته في نفس الوقت الذي يعرف فيه إكراها ناجما عن وضعيته الإقليمية يتمثل من جهة في شيخوخة أوروبا وفقدانها لعدد ساكنتها ولجوئها إلى استقدام الهجرة حسب معايير اصطفائية ومن جهة أخرى في كون إفريقيا قارة تعاني من الفقر ومن الانفجار السكاني ، وبالفعل تظهر الإسقاطات السكانية حسب المتغيرة المتوسطة للمندوبية السامية للتخطيط أن ساكنة المغرب ستنتقل من 30 مليون نسمة في 2005 إلى 38 مليون نسمة في أفق2030 أي بتزايد سنوي يقدر ب 300 ألف نسمة وهو ما يعادل ساكنة مدينة كبرى، مع 13،5 مليون نسمة يبقى عدد الساكنة القروية شبه قار في حين تصبح السمة الرئيسة للتطور السكاني حضرية بفعل الهجرة القروية أساسا وبتحول المناطق القروية إلى مناطق حضرية بحيث سيصل معدل التعمير في أفق 2030 إلى 64% عوض55% في سنة 2004 أي بالقيمة المطلقة 24،4 مليون نسمة مقابل 16،4 مليون نسمة على التوالي ، وهو ما سيزيد من حدة الفقر في الحواضر، فكثافة السكان في العالم لاتقدر سوى ب 35 نسمة في الكلم المربع ، فإن التوزيع المجالي للسكان غير متكافئ ، فهناك خلل بين المناطق الحضرية والمناطق القروية، وبين المناطق الخصبة والمناطق الصحراوية أو القاحلة ، وينتظر أن يتركز نصف سكان العالم بالمدن وضواحيها التي ستتحول إلى مدن صفيح عملاقة.[70]
فعلى الرغم من الانخفاض الملموس في المؤشر الإجمالي للخصوبة، فإن إسقاطات الأمم المتحدة، وحسب المتغيرات الثلاثة ، المنخفض ، المتوسط والمرتفع ، تبين بجلاء أن تطور السكان المغاربة سيستمر في خط تصاعدي إلى حدود 2020 تحت تأثير البنية السكانية لهرم الأعمار Effet de structure.
عموما يمكن للمغرب أن يستفيد من النتائج العديدة لانتقاله السكاني التي يسببها انخفاض حصة الشباب في ساكنته بحيث سينخفض عدد الأطفال من الفئة العمرية 0 إلى15 سنة من 8 ملايين طفل إلى 7 ملايين طفل مابين الفترة الممتدة من 2005 إلى غاية سنة 2030 أي انخفاض سكاني لهاته الشريحة من 30 إلى 21 % على التوالي.
الظاهر أن تطور نسبة ووثيرة تزايد سكان المغرب منذ سنة 1900 إلى غاية سنة2014 ، يعبر على المنحى الكلاسيكي للتزايد السكاني الانتقالي ، حيث أنه وإلى غاية منتصف القرن العشرين كان هذا الأخير بطيء السرعة قبل أن ينفجر في الخمسينيات من القرن الماضي حيث بلغ ذروته في الفترة الممتدة من 1952 إلى غاية سنة 1960 مسجلا سنويا 3،3 كمعدل للنمو الطبيعي وهو ما صنف المغرب إلى جانب البرازيل ومصر والمكسيك في خانة البلدان ذات الانتقال السكاني العالي والخرائط وكذا الرسم البيانية التالية تبين معدلات النمو السكاني خلال الفترة الممتدة من 2004-2014 حسب التقييم الجهوي القديم ستة عشرة جهة والجديد إثني عشرة جهة. [71]
وإذا كان المغرب ولمدة طويلة بلدا قرويا على الرغم من تقاليده الحضرية العريقة فإنه تميز خلال القرن الماضي بتسارع وثيرة التمدن بإيقاع متصاعد تضاعفت معه أعداد الساكنة الحضرية بأزيد من 40مرة تقريبا في حوالي قرن من الزمن وقد كان لذلك انعكاسات اجتماعية واقتصادية مما جعل جل المدن المغربية تعاني من اختلالات شتى حتى على ما هو ثقافي وبيئي ما فتئت تؤرق كاهل الدولة وتؤثر سلبا في رفاه السكان الحضريين وفي تنافسية المدن وأدائها الاقتصادي بالرغم من الجهود المبذولة من قبل السلطات العمومية والمجالس الجماعية في تهيئة المجال الحضري وتزويد المدن بالبنيات التحتية والتجهيزات الجماعية ، فإنها لم تستطع التغلب على العجز المهول بالنظر إلى النمو الديمغرافي السريع ، وتمدد رقعة المجالات الحضرية من جهة ، وتدبير الأزمة الحضرية بمقاربات ظلت في مجملها محكومة بهاجس قطاعي صرف مرجحة في الغالب التحكم المجالي والضبط الاجتماعي على متطلبات سياسة المدينة من جهة أخرى.[72]
المطلب الثاني : حدود استيعاب الظاهرة والبنية المجالية الحضرية بالمغرب.
يعتبر التزايد الديموغرافي للمدن ظاهرة عالمية تخص الدول المتقدمة والمتخلفة على حد السواء، والمغرب ليس حديث العهد بالظاهرة الحضرية، فوجود المدينة المغربية حدث قديم إلا أن الأهمية الوظيفية والكمية للمدينة كانت تختلف حسب الحقب الزمنية، ولم تكن المدينة عندئذ تهم سوى جزء قليل من السكان.
فالمجال الاجتماعي كان يتميز بالبساطة، ولم تكن الهياكل الاجتماعية والاقتصادية الضرورية تعرف صيرورة التحضر المفرط، بل كان السكان على قلتهم يعتمدون على قوة تنظيمهم الاجتماعي فالنظام القانوني للأرض والمحتوى الوظيفي للمجال والسكن وتوفر مواد البناء التقليدي، كانت كلها عوامل تبعد شبح الشكل السكني المعاصر وبالتالي لم تكن تدخلات السلطات المركزية (المخزن) في ميدان إنتاج السكن تشكل أدنى ضرورة اجتماعية.
لقد ظل المغرب بلدا قويا متميزا بقلة السكان الحضريين وقلة المراكز الحضرية، والساكنة الحضرية لم تكن تتجاوز حتى بداية القرن العشرين سوى 350.000 نسمة حيث ظلت نسبة الحواضر تمثل 10 % من مجموع السكان أو أقل من ذلك.[73]
ومع دخول الاستعمار وإدخاله عناصر اقتصادية واجتماعية تعبر عن مصالحه وأغراضه، أدى إلى إظهار تحولات عميقة في المجال الاجتماعي المغربي وبالخصوص على مستوى التنظيم السوسيو- اقتصادي للمدينة والقرية، حيث أصبحت تناط بالمدينة عدة وظائف إدارية وسياسية وتجارية زادت من أهميتها وجاذبيتها على حساب البادية وبرز بالتالي السكن الحضري، تعبيرا عن واقع اجتماعي جديد يستلزم التحول إلى مجتمع ذي نظام حضري شبيه بالأنظمة الحضرية الأجنبية.[74].
إلا أن الحالة هو كون النمو الحضري الذي شهده المغرب بعد الدخول الأجنبي، لم يكن يتوافق والأسس السوسيو- اقتصادية للمجتمع المغربي، وبالتالي كانت مظاهر الاختلال وعدم التوازن لهذا النمو عاملا في اختلال المجال الحضري المغربي، لتظهر داخل وخارج المدن المنشأة قديما وحديثا، وقد نتج عن هذه الوضعية ارتفاع في الكثافة السكانية وتدهور ملحوظ للأنسجة الحضرية القديمة، وظهور أحزمة الفقر من المساكن والمباني غير اللائقة وغير المخططة على هامشي المدارات الحضرية والذي ينم عن تدهور الشروط الصحية والبيئية والهندسية لمعظم البنايات المشيدة، وقد تزامن ذلك مع المشاكل التي عرفتها المراكز الحضرية على مستوى التنظيم والتدبير والتجهيز من البنيات التحتية من ماء وكهرباء وصرف صحي ومرافق اجتماعية، واستمرار هذه الوضعية مرتبط ببقاء العوامل الداعية إلى هذا النمو والتي يمكن تلخيصها في تزايد السكان الحضريين وتضاعف المراكز الحضرية بدون أرضية مسبقة للتخطيط العمراني، هذه العوامل التي ترجع بدورها لعدة أسباب أهمها النمو الديموغرافي والهجرة القروية،[75] التي نتج عنها تمدن سريع وعشوائي حيث أن الساكنة القروية أصبحت تشكل تقريبا حوالي 45% من سكان المغرب وهو ما أدى إلى إفراغ العالم القروي من ساكنته النشيطة خاصة الفئات ذات القدرة المهنية من الشباب أدت إلى حرمان الريف من الاستفادة من قدراتهم ، بالمقابل عرفت المدن تزايدا كبيرا في عدد سكانها مما خلق عدة مشاكل واختلالات على مستوى السكن.
وعرف المغرب منذ السنة الأولى من الحماية تزايد في عدد السكان الحضريين، إذ قامت سلطات الحماية ببناء مدن جديدة إما خارج أسوار المدن العتيقة أو في أماكن أخرى فرضتها الضرورة الاستغلالية للمناطق، خاصة بالمدن الساحلية التي أصبحت تكتسي وزنا هاما، وأصبحت المدينة الحديثة بذلك تشكل نواة الحركة الاقتصادية والنشاط التجاري والخدماتي، وبالتالي عرفت كثافة سكانية عالية.[76].
إلى جانب التزايد الملحوظ للسكان الحضريين، شهدت المدن تفاوتا في حجمها بين مدن كبيرة ومتوسطة ومراكز صغرى، وهو تفاوت جاء نتيجة الضغط الديمغرافي السريع، مما جعل التمدين في المغرب ديموغرافيا أكثر منه اقتصاديا، ولقد ساهم في هذا التطور عدة عوامل تتعلق أساسا بالتزايد الطبيعي وبتوسع الدوائر الحضرية وبتصنيف أصغر المراكز القروية إلى تجمعات حضرية وبشكل خاص، الهجرة القروية، حيث يلاحظ تدفق كثير لسكان البوادي نحو المدن، ويرجع توزيع السكان بين الوسطين القروي والحضري لعوامل اجتماعية واقتصادية مختلفة ومتداخلة .
هكذا فالنمو الديموغرافي السريع تولدت عنه أزمة سكنية مهولة، نظرا لتوافد العديد من الريفيين المهاجرين سنويا مما جعل الوضع يزداد تعقدا داخل النسيج الحضري وتأزما في النمو الاقتصادي، فأدى ذلك إلى تشويه الجمالية والمنظر المعماري للمدن وبالتالي ظهور التمدن العشوائي والفوضوي.[77]
وقد شملت الهجرة جميع مناطق المغرب ولا يعرف أغلب المهاجرين متى وأين يستقر بهم المقام، وهذا ما يجعل من الصعب إعطاء أرقام دقيقة عن حجم الهجرة أو ضبط دقيق للهجرة الدائمة والهجرة الموسمية، حيث ظلت الهجرة من الأرياف إلى المدن ملازمة للدينامية الحضرية فمنذ مطلع القرن الماضي ما فتئت قرانا تفقد جزء لايستهان به من سكانها لفائدة المدن ، فانطلاقا من حوالي 8000 شخص سنويا في بداية القرن المنصرم، عرف رصيد الهجرة ارتفاعا تدريجيا مرورا من 45000 سنويا ما بين 1952 و1962 إلى 126800 شخصا سنويا ما بين 1994 و2004 ،[78] ولعل هذا الارتفاع في معدل الهجرة القروية يرجع إلى الأزمات التي شهدتها الأرياف المغربية والتي أثرت على بنيتها الاقتصادية وحطمت مرتكزاتها الاجتماعية ، فإلى جانب سنوات الجفاف وتراجع المردودية الزراعية وضعف عائدات الفلاحين وبالتالي مستواهم المعيشي، فإن ضعف البنيات التحتية الضرورية وحالات العزلة التي شكلت طابعا ملازما للعديد من المناطق الريفية كان له الأثر الواضح على مستوى قرار الهجرة خاصة أن البعض يعتبر أن سبب تخلف البادية يرجع إلى السياسة المتبعة على مستوى التجهيزات والبنيات الضرورية ،حيث لازالت الدولة تعطي الأولوية للتجهيزات الحضرية على حساب التجهيزات القروية ، مما يطرح إشكالية نظرية التنمية المتبعة بالمغرب التي تعتبر أن المدينة هي المحرك الرئيسي للتنمية، وهو ما تنفيه التجارب التاريخية في هذا السياق حيث ثبت أن تحسين الإنتاجية والاعتناء بالبوادي مرتكزان أساسيان للتطور الحضري كل العوامل السابقة ساهمت في تحويل المجالات القروية إلى مجالات طاردة للسكان.[79]
إن الضغط السكاني على المدن وخصوصا الأحياء العتيقة أدى إلى زيادة الطلب على الأرض لاستعمالات عدة ، منها تدبير النمو الحضري الهامشي، مما يؤدي إلى بروز سكن عشوائي وتجزئات سرية غير قانونية وذلك على حساب الأراضي الزراعية بضواحي المدن والتي تتشكل أغلبها من خيرة الأراضي الزراعية خصوصا تلك المتواجدة في السهول ودوائر الري، والتي سبق للدولة أن استثمرت فيها إمكانيات مالية مهمة كما هو الأمر بالنسبة لدائرة الري لملوية السفلى ( بركان) ودائرة الري لسوس ماسة درعة ( أكادير) ودائرة الري للغرب ( سيدي سليمان ) التي ساهم فيها توسيع المدارات الحضرية إلى تقلص الأراضي الزراعية .
وفي مناطق أخرى *كجماعة بوقنادل* يشكل تسارع حركة التعمير وزحف الجبهة التعميرية على الأراضي تهديدا حقيقيا للمجال الممتد من مشارف مطار الرباط سلا إلى ساحل المحيط الأطلسي والتي تمثل أجود الأراضي ويتمثل ذلك في البناء غير القانوني لثلاثة أحياء سكنية عشوائية كبرى وهي ” سيدي موسى” و ” الشيخ المفضل ” و ” الدار الحمراء ” التي احتلت أزيد من 200 هكتار فلاحي، ويقطن بها أزيد من 42000 نسمة جاء معظمهم بفعل الهجرة المباشرة أو غير المباشرة قصد العمل، حيث نجد هناك أزيد من 46 وحدة صناعية، علاوة على الهجرة من مدينة الرباط للبحث عن سكن ملائم مما جعل حمى السكن تتفشى لتحول الأراضي الفلاحية إلى تجزئات سكنية .[80].
إن توسيع المدينة تحت زحف التعمير الفوضوي بالخصوص والذي لا تتحكم فيه القواعد والضوابط القانونية أمام عدم تدخل السلطات المكلفة بالشرطة الإدارية وتساهلها أو عجزها يؤدي إلى ما يسمى ” بتدمير الحدود الفاصلة بين المناطق الحضرية و المناطق القروية “[81] ،وظهور مساكن مؤقتة لا هي بالقروية ولا هي بالحضرية وتكون حول المدن ما أصبح يعرف بأحزمة الفقر.[82].
ويلاحظ أن الأحياء العشوائية أو السرية هي ليست دائما نتاجا للهجرة القروية، ولكن نتاجا للنمو والحركة الحضرية أيضا والذي يسببه الهروب من ضيق السكن والكثافة المرتفعة لساكنة الأحياء العتيقة، ففي الرباط مثلا يشكل الحضريون الغالبية في الأحياء العشوائية كما أكدت ذلك المندوبية الجهوية لوزارة الإسكان سنة 1998-1999 ، وأكدت كذلك أن هذا النوع من الأحياء هو حديث العهد ، فلم يظهر إلا في السبعينات، ويمتاز بغياب التجهيزات الأساسية والمرافق الضرورية، فخلافا لأحياء الصفيح التي ظهرت منذ 1945 في عهد الحماية والتي تتوزع على حوالي 50 نقطة تأوي حوالي 5622 أسرة وهو ما يشكل 4،4 % على الصعيد الوطني.
وإذا كان التمدين بصفة عامة قد حمل معه بعض المزايا على المستوى الاقتصادي والاجتماعي لعيش السكان، فقد نجمت عنه انعكاسات سلبية على التهيئة الحضرية وعلى توازن المناطق وتوزيع الأنشطة، كما خلق هذا النمو المفرط مشاكل تتعلق بالمجال الحضري ومنها ما يتعلق بالتنظيم المعماري، وتدبير المراكز الحضرية وإمدادها بالخدمات والحاجيات الضرورية ويمكن حصر أهم المشاكل التي تعاني منها الوحدات الحضرية والتي شكلت أرضية لانتعاش السكن غير اللائق فيما يلي:
* المشاكل المتعلقة بالمجال: إن التحكم في ظاهرة التمدن السريع كانت تستوجب فتح مناطق ومجالات ترابية جديدة وإعداد مساحات كافية لضمان توسيع مجالات التعمير، لخلق تكتلات عمرانية وتمديد المدارات الحضرية، إلا أن التحكم جعل المراكز الحضرية تعيش مشاكل تتعلق بمجال توسيعها ، وتنذر بالاستفحال.
*مشاكل متعلقة بتدبير الحواضر وتنظيم معماري منسجم: تنجم هذه المشاكل عن عدم التخطيط لتوسيع العمران وتنظيمه وحسن تدبيره بطريقة محكمة، فيظهر في ذلك سوء استعمال المجال واستغلاله بطرق غير عقلانية، ويزداد حجم التكتلات العمرانية بشكل غير مرغوب فيه وتتكون أنسجة سكنية بشكل عشوائي وفوضوي لانعدام أو ضعف البنيات التحتية للتجهيزات الحضرية وغياب التنسيق والجمالية العمرانية، علاوة على سوء استعمال المجال وتشويه النسق العمراني للمدنية مما يؤدي إلى ظهور مشاكل أخرى مستعصية تتعلق بتدبير الحواضر وتجعل من الصعب إنجاح عملية التخطيط والسياسة العمرانية .
وفي الأخير يمكن القول أن هذه الوضعية المتعلقة بالنمو الحضري والهجرة القروية هي نتاج تصادم وتفاعل عدة أسباب منها ما هو اقتصادي ( الفقر- البطالة – نقص العديد من مستلزمات ومقومات الحياة) ومنها ما هو سيكولوجي ( مرتبط بالإحساس بفقدان الهوية الاجتماعية والثقافية) وكذلك تصادم يدور في مجال جغرافي معين بين أشخاص فارين من الفقر والحرمان من أبسط ضروريات الحياة وفوق هذا المجال تقام هذه الأحياء التي تشكل ضواحي المدن لإيواء خليط من المهاجرين القادمين من اتجاهات مختلفة .
خاتمة:
الملاحظ مما سبق أن المدن المغربية عرفت تحت ضغط التزايد الديمغرافي السريع والهجرة من البادية إلى المدينة تطورا تجاوز كل التوقعات، وقد أدت هذه الظاهرة إلى تزايد المشاكل بالمدن وعجز هذه الأخيرة عن تلبية حاجيات النمو الديمغرافي وتزايد الهجرة القروية، فقد عرف المغرب نموا حضريا متزايدا بعد دخول الاستعمار ، هذا النمو لم يستطع مواكبة الأسس السوسيو- اقتصادية للمجتمع المغربي، وبالتالي كانت مظاهر اختلال وعدم التوازن لهذا النمو عاملا مهما في اختلال المجال الحضري المغربي، لتظهر داخل وخارج المدن المنشأة قديما وحديثا وقد نتج عن هذه الوضعية ارتفاع في الكثافة السكانية وتدهور ملحوظ للأنسجة الحضرية القديمة، وظهور أحزمة الفقر من المساكن والمباني غير اللائقة وغير المخططة على هامش المدارات الحضرية والذي ينم عن تدهور الشروط الصحية والبيئية والهندسية لمعظم البنيات المشيدة.[83]
إن الهجرة من القرية إلى المدينة لا يمكن تفسيرها بكون هذه الأخيرة تتمتع بدينامية خاصة تجدب إليها الناس، بل إن الاتجاه نحو المدن يفسر بالطرد من القرى أكثر مما يفسر بجدب المدن، فالتحضر المتسارع هو بالدرجة الأولى عملية تفكيك للمجتمع القروي، انطلاقا من هذا الوضع تتجه حركة الهجرة إلى المدينة علما أن إشكالية التشغيل فيها أقل بكثير من معدل الهجرة وأن آفاق ومستوى العيش ضيقة جدا،[84]ولقد شملت الهجرة جميع مناطق المغرب ولا يعرف أغلب المهاجرين متى وأين يستقر بهم المقام ، وهذا ما يجعل من الصعب إعطاء أرقام دقيقة عن حجم الهجرة أو ضبط دقيق للهجرة الدائمة والهجرة الموسمية.[85]
كما أن الضغط السكاني على المدن وخصوصا الأحياء العتيقة أدى إلى زيادة الطلب على الأرض لاستعمالات عدة منها تدبير النمو الحضري الهامشي ، مما يؤدي إلى بروز سكن عشوائي وتجزئات سرية غير قانونية وذلك على حساب الأراضي الزراعية بضواحي المدن، مما جعل جل المجالات الحضرية بالمغرب تعاني من كثرة المشاريع العمرانية التي في غالبيتها لا تخضع لمنطق التخطيط والإعداد وأصبحت جل المدن تفرز العديد من التناقضات من أبرز تجلياتها نسيج حضري متدهور ومفكك، ينتج الفقر والبطالة وجميع أشكال التخلف والإقصاء الاجتماعي والاقتصادي، وهو ما يعني ضعف آليات قطاع التعمير وسياسة إعداد التراب الوطني بالمغرب كما ساهمت عدم استقرارية وضعف الإطار الأساسي للتخطيط والتدبير العمراني في تفكك المجال الحضري وانفلاته من كل محاولة لضبطه ، وكنتيجة لذلك أصبح بالإمكان أن نتحدث في المغرب عن نوعين من التعمير الأول قانوني أو رسمي، والثاني غير قانوني أو الإرادي العفوي الذي يفرض نفسه ويتم بعيدا عن مراقبة الإدارة.[86]
و تعزيزا للتهيئة الحضرية وتنمية المدن الكبرى والصغرى والناشئة في المجال الاقتصادي والاجتماعي ، نهجت السلطات العليا إستراتيجية جديدة تتجلى في تنمية عدة أقطاب حضرية وإطلاق مشاريع مهيكلة بالعديد من المدن المغربية كمشروع طنجة الكبرى الممتد لسنوات2013-2017 الذي يتوخى الرقي بالمدينة على كل المستويات الاقتصادية والاجتماعية والسياحية والخدماتية ، الأمر الذي سوف يعزز مكانتها ويدفع بها إلى مصاف الحواضر الكبرى. وهناك أيضا مشروع مراكش الذي يسعى إلى تعزيز القطب السياحي للبلاد عبر تحسين بنياتها التحتية والسوسيو ثقافية والرياضية ، إضافة إلى مدن أخرى حظيت ببرامج التأهيل الحضري كمدينة وجدة ومدينة سلا التي حظيت مؤخرا بمخطط يمتد من سنة 2014 إلى غاية سنة 2017 ويهدف أساسا إلى الحفاظ على الموروث الحضاري والثقافي والتاريخي لهذه المدينة وتحسين إطار عيش ساكنتها، إضافة إلى تأهيل البنيات التحتية بها وتطوير قطاعي السياحة والصناعة التقليدية ومحاربة السكن غير اللائق وتدعيم سياسة القرب التي تتجلى في ربط الأحياء بالمرافق الحيوية، وبرنامج تأهيل مدينة قلعة السراغنة الذي يهدف إلى تطوير التنمية البشرية بهذه المدينة عبر النهوض بأوضاع ساكنتها وتوفير الخدمات والتجهيزات الأساسية وتوفير السكن للفئات الاجتماعية ذات الدخل المحدود وخلق المرافق التربوية والصحية والرياضية وتأهيل الفضاءات الخضراء ومحاربة الهشاشة والتهميش الاجتماعي.
وينصب الحديث حاليا حول مدينة الدار البيضاء حيث ينكب المسؤولين على الشأن المحلي على إعداد مخطط استعجالي قصد تصحيح الأوضاع وتقويم الاختلالات الكبيرة التي تعرفها على كل المستويات السكنية، البيئية والاجتماعية، التي من شأنها إنقاذ مدينة الدار البيضاء من أزمتها الحضرية ، بحيث أصبحت العاصمة الاقتصادية للبلاد مدينة للتفاوتات المجالية والاجتماعية الصارخة.[87]
إن المشاكل الحضرية المطروحة اليوم لا يمكن حلها بناء على مقاربة أمنية محضة أو على سياسة ارتجالية بل الحاجة تدعو إلى وضع مقاربة تشاركية ومنسقة وعقلانية بين الفاعلين والقائمين على الشأن المحلي والعمراني أو ما يصطلح عليه اليوم بالتعمير التشاركي “URBANISME PARTICIPATIF” وهو المبني على تعاون كل الأطراف والفاعلين من سلطات محلية ووكالات الحضرية وقطاع خاص .
إن ضرورة إعادة الاعتبار للمدن، لابد أن يتم من خلال ثقافة جديدة ، قوامها التدبير الديمقراطي الشفاف بأدوات ناجعة وبوسائل التقويم والتتبع وإعطاء المشاركة الفعلية للمواطنين أو عن طريق ممثليهم في الأحياء في إطار ما يسمى بالحكامة المحلية” la gouvernance locale” وتدعيم سياسة القرب التي أعلنتها السلطات الحكومية المتجلية في تدعيم الأحياء بالوحدات الإدارية المختلفة ( مرافق تعليمية ،صحية، خدماتية ورياضية….) وفضاءات لخدمة الشباب والأطفال داخل النسيج الحضري.
ويجب أن يبقى التحكم في التمدين والتوسع الحضري الهدف الأساسي بغية التقليل من المشاكل ومخلفات الهجرة القروية والنمو الديمغرافي وتفادي النقص الحاصل في ميدان التجهيزات والبنيات التحتية ، وهذا لن يتأتى إلا بإشراك المختصين والمهتمين وممثلي المواطنين والمجتمع المدني .
عموما شهدت المدن المغربية حالة تمدن جد متسارعة، خاصة بعد الاستقلال، انعكست على تحسين الوضع الصحي والثقافي مما نتج عنه زيادة مرتفعة في النمو الطبيعي للسكان اقترنت هذه الأخيرة بحركة الهجرة من البوادي إلى الحواضر وذلك بسبب التفاوت التنموي لصالح هذه الأخيرة، ذلك أن الواقع الحضري بالمغرب يتضمن مجموعة من المؤشرات الديمغرافية والمعطيات العمرانية التي صارت تنذر بخطورة الاستغلال السافر للفضاءات الحضرية، فالاستغلال المفرط للمجال أفقيا، ساهم بشكل كبير في تقليص الرصيد العقاري وعدم توظيفه في الأهداف التنموية والتنظيمية للوسط الحضري ، كما أن الامتداد الأفقي للعمران صار يهدد الأراضي الفلاحية المحيطة بالمجال، بل أدى إلى تدمير الحدود الفاصلة بين المناطق الحضرية والمناطق القروية، فالتوسع الحضري الذي تعرفه المدن ، تحت ضغط الأزمة السكنية، وضعف القدرة الشرائية، يقابله قضاء على المناطق الزراعية المجاورة ، وفرض نمط عيش جديد على سكان هاته المناطق لا يصل في الغالب إلى مستوى النمط الحضري ،كما لا يفقد تماما صبغته القروية.[88]
المراجع المعتمدة في إنجاز هذا البحث:
* برنامج الأمم المتحدة للمستوطنات البشرية وميزانية مؤسسة الأمم المتحدة للمؤل والمستوطنات البشرية لفترة السنتين 2016-2017، الدورة الخامسة والعشرون ،نيروبي 17-23 أبريل 2015.
* الملتقى الوطني للحوار حول سياسة المدينة ” وزارة السكنى والتعمير وسياسة المدينة ” الرباط 27 يونيو 2012.
* د الهادي مقداد «السياسة العقارية في ميدان التعمير والسكنى” الطبعة الأولى 1421-2000،مطبعة النجاح الجديدة- الدار البيضاء.
* نشرات صندوق الأمم المتحدة للسكان ” حالة سكان العالم ” 1995.
* عبد الحميد لطفي، وحسن الساعاتي، دراسات في علم السكان،دار المعارف ، مصر1977.
* فراس عباس فاضل البياتي، “الاتجاهات النظرية الحديثة في علم اجتماع السكان موضوعات في تطور النظرية السكانية”،المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع،جامعة الموصل، 2011 .
* منظمة الأمم المتحدة للطفولة، UNICEF : تقرير حول وضع الأطفال 1987 .
*د. رمزي زكي ،” المشكلة السكانية وخرافة المالتوسية الجديدة ، سلسلة عالم المعرفة العدد 84 الكويت، ربيع الأول 1004 ه ، 1983 .
* باري كومونر، «إقامة السلام مع الكوكب” ،ترجمة عارف حفيدة ، سلسلة علوم 25، منشورات وزارة الثقافة ن سوريا،1996 .
* الملتقى الوطني للحوار حول سياسة المدينة ” وزارة السكنى والتعمير وسياسة المدينة ” الرباط 27 يونيو 2012.
* عبد العاطي السيد، علم اجتماع السكان، دار المعرفة الجامعية الإسكندرية،1999.
* علي عبد الرازق، علم اجتماع السكان، دار المعرفة الجامعية، الإسكندرية، 1984
* عبد الحميد لطفي وحسن الساعاتي، دراسات في علم الاجتماع، دار المعارف، مصر، 1981.
* عبد الكريم اليافي، “في علم السكان”، مطبعة جامعة دمشق ، سوريا، 1958 ،
* عبد الحميد الغزالي،” اقتصاديات السكان” وكالة المطبوعات، الكويت،1973 .
* محمد علي اللثي ، ” التنمية الاقتصادية “، دار الجامعة المصرية الموسوعة الاقتصادية ،1976.
* انظر في هذا الصدد: صبحي عبد الحكيم، ” النشاط الدولي في مجال السكان، المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، عالم المعرفة، الكويت، 1996، العدد 213.
* فؤاد، مرسي.- التخلف و التنمية دراسة في التطور الاقتصادي. دار المستقبل العربي، 1982، بيروت، لبنان.
* الملخص التركيبي للتقرير العام للذكرى الخمسينية لاستقلال المملكة المغربية ، 50 سنة من التنمية البشرية و آفاق سنة 2025 ، اللجنة المديرية للتقرير .
* نتائج دراسات المندوبية السامية للتخطيط حول بعض جوانب الرأسمال البشري في المغرب ملخص نتائج البحث الوطني سنة 2014 حول التعليم الأولي.
* كلمة السيد أحمد الحليمي علمي، المندوب السامي للتخطيط بمناسبة افتتاح اللقاء حول ” أية أهداف للتنمية لما بعد 2015 ؟ ” الرباط 27 يناير 2015 .
* تقرير حول الأطفال منجز من طرف منظمة الأمم المتحدة للطفولة، UNICEF، تقرير حول وضع الأطفال 1987 .
* كلمة السيد أحمد الحليمي علمي، المندوب السامي للتخطيط بمناسبة افتتاح اللقاء حول ” أية أهداف للتنمية لما بعد 2015 ؟ ” الرباط 27 يناير 2015 .
* محمد علي بوحلبة ، ” إشكالية محاربة السكن غير اللائق بالدواوير المحيطة بمراكش”، رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا ، جامعة القاضي عياض كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية مراكش 1998-1999 .
* الملخص التركيبي للتقرير العام للذكرى الخمسينية لاستقلال المملكة المغربية ، 50 سنة من التنمية البشرية و آفاق سنة 2025 ، اللجنة المديرية للتقرير .
* نزهة الصبار، ” دور التهيئة والتعمير في تحقيق التنمية البشرية” ، رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة في القانون العام ، جامعة محمد الخامس ، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية ،أكدال الرباط ، 2005-2006 .
* المدينة المغربية بين التدبير المحلي والتنظيم الجهوي”، تنسيق محمد الرفاص ، منشورات كلية الآداب والعلوم الإنسانية بالرباط، سلسلة ندوات ومناظرات الرقم 85.
* الإطار التوجيهي للإستراتيجية الوطنية للتنمية الحضارية، مؤلف صادر عن وزارة الداخلية ووزارة الإسكان والتعمير والتنمية المجالية سنة 2008 .
* مصطفى عمر التبر، «اتجاهات التحضر في المجتمع العربي،” المؤسسة العربية للنشر والإيداع ، يونيو 1995.
* الظهير الشريف رقم 296-02-01 الصادر بتاريخ 3 أكتوبر 2002 بتنفيذ القانون رقم 65.00 بمثابة مدونة التغطية الصحية.
* الهادي مقداد ،قانون البيئة ،الطبعة الأولى ،مطبعة النجاح الجديدة، 2012 .
* الملخص التركيبي للتقرير العام للذكرى الخمسينية لاستقلال المملكة المغربية ، 50 سنة من التنمية البشرية و آفاق سنة 2025 ، اللجنة المديرية للتقرير .
* برنامج التعاون بين وزارة التربية الوطنية وبين صندوق الأمم المتحدة لنشاطات السكان ” السكان وبدائل المستقبل” المرجع السابق .
* المندوبية السامية للتخطيط، تقديم النتائج الأولية للإحصاء العام للسكان والسكنى،2014 ، السيد الحليمي علمي، المندوب السامي للتخطيط ، الرباط 13 أكتوبر 2015 .
* الإطار التوجيهي للإستراتيجية الوطنية للتنمية الحضارية ،مؤلف صادر عن وزارة الداخلية ووزارة الإسكان والتعمير والتنمية المجالية 2008 .
* إبراهيم اومغار، الجماعة الترابية وتدبير المرفق البيئي ، أي تجليات وأي حلول، مجلة مسالك في الفكر والسياسة والاقتصاد ، مطبعة النجاح الجديدة الدار البيضاء ،العدد 31 / 32 السنة 11- 2015 .
* الميلودي وطريق، مداخلة في ندوة وطنية بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بمكناس ي حول موضوع ” المسألة البيئية ،مقاربات متعددة وأعمال مؤسساتية، 04-05 ماي 2010.
* مداخلة السيد أحمد الحليمي علمي ، المندوب السامي للتخطيط بمناسبة ورشة العمل الدولية حول الإسقاطات الديمغرافية المنظمة بتعاون مع شعبة الإحصاء التابعة للأمم المتحدة ، الرباط ،2012
* وزارة التوقعات الاقتصادية والتخطيط ، مديرية البرمجة ، مخطط التنمية الاقتصادية الاجتماعية 2000-2004 ، الجزء الأول ، التوجهات والآفاق الإجمالية للتنمية الاقتصادية والاجتماعية .
*الدراسة المنجزة في إطار برنامج التعاون بين وزارة التربية الوطنية وبين صندوق الأمم المتحدة لنشاطات السكان ” السكان وبدائل المستقبل” من إعداد محمد البارودي ، أحمد البقالي ،أحمد الركيوي، أحمد أوقاسم ،أحمد الشويردي ، عبد الغني المعروفي والحسين موحشت ، المراجعة اللغوية لإدريس السغروشني ن قسم البرامج والمناهج والوسائل التعليمية 1996 ..
* نشرات صندوق الأمم المتحدة لنشاطات السكان، شعبة السكان ” إن إسقاطات الأمم المتحدة السكانية المنخفضة والمتوسطة والمرتفعة بحلول 2050 يوجد فرق مقداره 4 مليون بين الإسقاطين المرتفع والمنخفض، أي حوالي عدد سكان العالم سنة1975.
* المندوبية السامية للتخطيط ، مذكرة حول النتائج الأولية للإحصاء العام للسكان والسكنى ،2014.
* مؤلف جماعي ، حكامة المدن ومسألة التنمية، تحت إشراف الحسين أعبوشي ،محمد الغالي وأحمد المالكي ،منشورات كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية مراكش: سلسلة المؤتمرات والندوات ، 2015 ،العدد: 48 .
* محمد علي بوحلبة، “إشكالية محاربة السكن غير اللائق بمراكش ” رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا في القانون العام السنة الجامعية 1998-1999 .
* حنين محمد،”مستقبل المدن الكبرى ، عرض لوحدة العقار والتعمير والإسكان كلية الحقوق اكدال الرباط .
* الهادي مقداد،” التجزئات ودورها في تخفيف أزمة السكن “، رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا 1988 .
* تقرير الخمسينية، المغرب الممكن ، إسهام في النقاش العام من أجل طموح مشترك ، مطبعة دار النشر المغربية ، الدار البيضاء ،2006 .
* مهتدي بوزكري ،” النخبة القروية، الإدارة الترابية وسياسة التنمية القروية ،” مساهمة في دراسة الرهانات السوسيو-سياسية للفاعلين، أطروحة لنيل الدكتوراه في القانون العام ، 2008-2009 ، جامعة القاضي عياض ، كلية الحقوق ، مراكش .
* محمد الأسعد،”البيئة والتنمية القروية المستديمة بالمغرب.” نماذج في جغرافية الأنظمة الريفية، تقديم الأستاذ إسماعيل العلوي ،الطبعة الأولى 1999، مطبعة دار القرويين.
* خطاب المغفور له الحسن الثاني بمناسبة المناظرة الدولية لمحاربة السكن الغير اللائق المنعقدة خلال أيام 24-25-26 ماي 1994 بمدينة مكناس.
* عبد الله أسرموح، ” الصعوبات التي تواجه التخطيط العمراني بالمغرب” رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة في القانون ، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية أكدل- الرباط، 2003-2004 .
* الخطاب الملكي بمناسبة افتتاح الدورة التشريعية يوم 11/10/2013 .
* Rouissi Moncef, Population et société au Maghreb – Tunis, Horizon Maghrébine CERES production 1983.
* David Bloom and others, Population Dynamics and Economic Growth: The Great Debate Revisited, CAER Discussion Papers, November 1999.
* Mohamed M’hamdi : governance territorial et environnement , REMALD, Serie Etudes, n°65 /2005.
* Azghal Amal Ausson, Systéme urbain et développement au Maghreb *,1980
* Abdelmalek Charkaoui , habitat et urbanisme au Maroc juin 1980
[1]-انظر : برنامج الأمم المتحدة للمستوطنات البشرية وميزانية مؤسسة الأمم المتحدة للمؤل والمستوطنات البشرية لفترة السنتين 2016-2017، الدورة الخامسة والعشرون ،نيروبي 17-23 أبريل 2015.
[2] – الملتقى الوطني للحوار حول سياسة المدينة ” وزارة السكنى والتعمير وسياسة المدينة ” الرباط 27 يونيو 2012.
[3]– د الهادي مقداد «السياسة العقارية في ميدان التعمير والسكنى” الطبعة الأولى 1421-2000،مطبعة النجاح الجديدة- الدار البيضاء،ص..، ص 27.
[4]– الهادي مقداد ، المرجع السابق ص26 ص27.
[5]– نشرات صندوق الأمم المتحدة للسكان ” حالة سكان العالم ” 1995، ص ،67-71.
[6] – عبد الحميد لطفي، وحسن الساعاتي، دراسات في علم السكان،دار المعارف ، مصرن1977،ص.5.
[7] – فراس عباس فاضل البياتي، “الاتجاهات النظرية الحديثة في علم اجتماع السكان موضوعات في تطور النظرية السكانية”، ، المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع،جامعة الموصل، 2011 ،ص –ص.123-124.
[8] – منظمة الأمم المتحدة للطفولة، UNICEF : تقرير حول وضع الأطفال 1987 ،ص.ص.281-283.
[9]–د. رمزي زكي ،” المشكلة السكانية وخرافة المالتوسية الجديدة ، سلسلة عالم المعرفة العدد 84 الكويت، ربيع الأول 1004 ه ، 1983 .ص . ص .50-68.
[10]– Rouissi Moncef, Population et société au Maghreb – Tunis, Horizon Maghrébine CERES production 1983.p.p.55-56.
[11]– Sauvy, Alfred , Op. cite .p 365.
– [12]باري كومونر، «إقامة السلام مع الكوكب” ،ترجمة عارف حفيدة ، سلسلة علوم 25، منشورات وزارة الثقافة ن سوريا،1996 .ص.164.
[13] –الملتقى الوطني للحوار حول سياسة المدينة ” وزارة السكنى والتعمير وسياسة المدينة ” الرباط 27 يونيو 2012.
[14]-د الهادي مقداد، المرجع السابق ، ص .ص.24-25.
[15] –ويؤكد الأستاذ عمر الكتاني أن الدول القوية مستقبلا هي التي يكون عدد سكانها كبيرا كالصين والهند. وبالتالي فالفكرة التي تقول أن مقولة تخفيض عدد السكان هو في صالح الاقتصاد “نظرية خاطئة”، وأضاف: “نسبة العباقرة في كل مجتمع تقدر بعشرة في المائة. إذا كان عدد السكان كبيرا وبالتالي فنسبتهم تكون أكبر وبالتالي فالابتكار العلمي والتكنولوجي يكون أكثر”. لكن الكتاني يستطرد موضحا أن تشجيع النمو السكاني يجب أن يكون بموازاة مع التعليم والبحث العلمي، وبالتالي فإذا كان تزايد السكان هو كمي وليس نوعي فهو سلبي.، مشيرا في هذا السياق إلى مثال “ماليزيا التي ابتدأت منذ 1980 سياسة تنمية بشرية حقيقية وليس كما يقع في بعض الأحيان بالمغرب”، على حد قوله.
[16] –عبد العاطي السيد، علم اجتماع السكان، دار المعرفة الجامعية الإسكندرية،1999،ص.82. .
[17] – عبد العاطي السيد، المرجع السابق،ص،82.
[18] – علي عبد الرازق، علم اجتماع السكان، دار المعرفة الجامعية، الإسكندرية، 1984، ص.69.
[19] –عبد الحميد لطفي وحسن الساعاتي، دراسات في علم الاجتماع، دار المعارف، مصر، 1981، ص.60.
[20] – عبد الكريم اليافي، “في علم السكان”، مطبعة جامعة دمشق ، سوريا، 1958 ،ص.44.
[21] – عبد الكريم اليافي ، المرجع سابق،ص. 49.
[22] – عبد الحميد الغزالي،” اقتصاديات السكان” وكالة المطبوعات، الكويت،1973 ، ص.ص 33-34.
[23] – عبد العاطي السيد، مرجع سابق،ص.91.
[24] – محمد علي اللثي ، ” التنمية الاقتصادية “، دار الجامعة المصرية الموسوعة الاقتصادية ،1976، ص.344.
[25] – انظر في هذا الصدد: صبحي عبد الحكيم، ” النشاط الدولي في مجال السكان، المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، عالم المعرفة، الكويت، 1996، العدد 213، ص.16.
[26] – باري كومونر، مرجع سابق ، .ص166.
[27] – فؤاد، مرسي.- التخلف و التنمية دراسة في التطور الاقتصادي. دار المستقبل العربي، 1982، بيروت، لبنان، ص.175.
[28]‑إن برستون Preston “يشير إلى أنه من الممكن استمرار هذه العملية فقط في المناطق التي تتوافر لديها موارد طبيعية كفئة. وهو ما يعني أن المهم ليس مجرد الزيادة في أعداد السكان، ولكن الزيادة في أعداد السكان ذوي المستوى التعليمي المرتفع ومستوى تدريبي مرتفع والذين يتم مزجهم مع وسائل أفضل للاتصالات والمواصلات”.
[29]– David Bloom and others, Population Dynamics and EconomicGrowth: The Great DebateRevisited, CAER Discussion Papers, November 1999.
[30] – الملخص التركيبي للتقرير العام للذكرى الخمسينية لاستقلال المملكة المغربية ، 50 سنة من التنمية البشرية و آفاق سنة 2025 ، اللجنة المديرية للتقرير ص ، 8.
[31] – نتائج دراسات المندوبية السامية للتخطيط حول بعض جوانب الرأسمال البشري في المغرب ملخص نتائج البحث الوطني سنة 2014 حول التعليم الأولي ص 7.
[32] – كلمة السيد أحمد الحليمي علمي، المندوب السامي للتخطيط بمناسبة افتتاح اللقاء حول ” أية أهداف للتنمية لما بعد 2015 ؟ ” الرباط 27 يناير 2015 ،ص ، 2.
[33] – تقرير حول الأطفال منجز من طرف منظمة الأمم المتحدة للطفولة، UNICEF، تقرير حول وضع الأطفال 1987 ص-ص ، 281-283.
[34] – كلمة السيد أحمد الحليمي علمي، المندوب السامي للتخطيط بمناسبة افتتاح اللقاء حول ” أية أهداف للتنمية لما بعد 2015 ؟ ” الرباط 27 يناير 2015 ،ص ، 3.
[35] – الهادي مقداد ، المرجع السابق ،ص 3.
[36] – محمد علي بوحلبة ، ” إشكالية محاربة السكن غير اللائق بالدواوير المحيطة بمراكش”، رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا ، جامعة القاضي عياض كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية مراكش 1998-1999 ،ص 26.
[37] – الملخص التركيبي للتقرير العام للذكرى الخمسينية لاستقلال المملكة المغربية ، 50 سنة من التنمية البشرية و آفاق سنة 2025 ، اللجنة المديرية للتقرير ص ،18.
[38] – نزهة الصبار، ” دور التهيئة والتعمير في تحقيق التنمية البشرية” ، رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة في القانون العام ، جامعة محمد الخامس ، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية ،أكدال الرباط ، 2005-2006 ص ص 36-38 .
[39] – الهادي مقداد ، المرجع السابق ، ص 17.
87- Mohamed M’hamdi : gouvernance territoriale et environnement , REMALD, Serie Etudes, n°65 /2005,p43 .
[41] -” المدينة المغربية بين التدبير المحلي والتنظيم الجهوي”، تنسيق محمد الرفاص ، منشورات كلية الآداب والعلوم الإنسانية بالرباط، سلسلة ندوات ومناظرات الرقم 85، ص.17.
[42] – الإطار التوجيهي للإستراتيجية الوطنية للتنمية الحضارية، مؤلف صادر عن وزارة الداخلية ووزارة الإسكان والتعمير والتنمية المجالية سنة 2008 ، ص،3.
[43] – الهادي مقداد ،المرجع السابق، ص 24.
[44] – مصطفى عمر التبر، «اتجاهات التحضر في المجتمع العربي،” المؤسسة العربية للنشر والإيداع ، يونيو 1995، ص،54.
[45] – ظهر تعاون بين الدول في مجالات الصحة، وخاصة مع إنشاء المنظمة العالمية للصحة سنة1946 ،لقد عرفت هذه المنظمة صحة الإنسان بأنها ” حالة سلامة بدنية وعقلية واجتماعية كاملة” وحثت جميع الدول على السهر على صحة سكانها بتوفير كل التدابير والوسائل الصحية والاجتماعية.
[46] – يأتي نظام المساعدة الطبية في إطار السياسة العمومية الهادفة إلى الاهتمام بالجانب الاجتماعي لفائدة جميع فئات المواطنين والتي تم تفعيلها بمقتضى الظهير الشريف رقم 296-02-01 الصادر بتاريخ 3 أكتوبر 2002 بتنفيذ القانون رقم 65.00 بمثابة مدونة التغطية الصحية.
[47] – – الهادي مقداد ،قانون البيئة ،الطبعة الأولى ،مطبعة النجاح الجديدة، 2012 ص 103.
[48] – الملخص التركيبي للتقرير العام للذكرى الخمسينية لاستقلال المملكة المغربية ، 50 سنة من التنمية البشرية و آفاق سنة 2025 ، اللجنة المديرية للتقرير ص ،16.
[49] – برنامج التعاون بين وزارة التربية الوطنية وبين صندوق الأمم المتحدة لنشاطات السكان ” السكان وبدائل المستقبل” المرجع السابق .ص.ص.60-61.
[50] – المندوبية السامية للتخطيط، تقديم النتائج الأولية للإحصاء العام للسكان والسكنى،2014 ، السيد الحليمي علمي، المندوب السامي للتخطيط ، الرباط 13 أكتوبر 2015 ، ص 08.
[51] – رغم أن المغرب حاول تخفيف فارق التمدرس بين الجنسين في الوسط القروي ، حيث انتقل من 5،3 نقطة إلى 1،1 نقطة ما بين سنة 2008-2009 و2009-2011-2012 ، مقابل 2،9 و1،3 نقطة على التوالي على الصعيد الوطني ذلك أن الدعم الاجتماعي خصوصا برنامج المساعدات المالية “تيسير” والمبادرة الملكية ” مليون محفظة” وتقوية وتوسيع شبكة المؤسسات المدرسية العمومية ، كلها عملي التي أثرت تأثيرا إيجابيا على ارتياد المدرسة.
[52] -د. الهادي مقداد ،المرجع السابق ، ص 7.
[53] – الهادي مقداد ،المرجع السابق ، ص 26.
[54] – الإطار التوجيهي للإستراتيجية الوطنية للتنمية الحضارية ،مؤلف صادر عن وزارة الداخلية ووزارة الإسكان والتعمير والتنمية المجالية 2008 ، ص ،13.
[55] – نفس المرجع ،ص، 13.
[56] – إبراهيم اومغار، الجماعة الترابية وتدبير المرفق البيئي ، أي تجليات وأي حلول، مجلة مسالك في الفكر والسياسة والاقتصاد ، مطبعة النجاح الجديدة الدار البيضاء ،العدد 31 / 32 السنة 11- 2015 ، ص ،41.
[57] -الميلودبوطريق، مداخلة في ندوة وطنية بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بمكناس ي حول موضوع ” المسألة البيئية ،مقاربات متعددة وأعمال مؤسساتية” ومي 04-05 ماي 2010.
[58] – نشرت الأمم المتحدة أحدث توقعاتها لتعداد سكان العالم ، وقد تنبأت بأن العدد الحالي البالغ 7،3 مليارات نسمة سيصل إلى 8،5 مليارات بحلول عام 2030 ويمكن أن يصل إلى 11،2 مليارا في نهاية القرن الحالي : هذا التوسع العمراني إدا كان سيشكل مشكلة فإنه يتعين على المدافعين عن البيئة التحرك لإبطاء ووقف التزايد إن لم يكن عكس اتجاهه.
[59] – لقد أشارت صحيفة غارديان في افتتاحيتها إلى أن التنبؤات التي تحدث سنويا تشكل وقودا لجدال متزايد بأن النمو السكاني قضية بيئة خطيرة، والمنطق في هذا بسيط وهو أن أعداد السكان المتزايدة مضروبة في متوسط الاستهلاك المرتفع من الوقود الخشبي يشكل ضربة للبيئة ، كما اعتبرت الصحيفة انبعاث الغازات الدفئية المسببة لتغيير المناخ خاصة ثاني أكسيد الكربون هي المقياس المشترك لهذه العلاقة ومن ثم كان التوسع السكاني مشكلة ،كما أشارت الصحيفة إلى أنه على الرغم من أن عدد أفراد أسر الأثرياء أقل فإنهم يستهلكون أكثر ، ومن ثم فإن الحد من النمو السكاني لن يساعد الأرض من تلقاء نفسه ولابد من جهود مكثفة لحل هذه المشكلة ومنها معالجة معدلات المواليد ، والسبيل إلى ذلك يتمثل في زيادة التثقيف وعيادات الحد من النسل وبرامج الدعاية المصاحبة.
[60] – الهادي مقداد ،المرجع السابق ،ص، ص 25-26.
[61] – لقد دعا صاحب الجلالة الملك محمد السادس إلى وضع مشروع ميثاق وطني شامل للبيئة يعزز مختلف التدابير الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والتي تندرج في إطار عملية التنمية المستدامة للمملكة المغربية ، إذ يعد مشروعا مجتمعيا ضخما ، يهدف إلى احتواء الآثار المترتبة عن النمو السكاني والمشاكل والإكراهات المتزايدة في مجال التعليم إن هذا الميثاق والمتصل بمشاريع البنية التحتية الكبيرة ، والاحتياجات فيما يتعلق بالصحة العامة أفضل وسيلة لضمان تطوير وتشغيل التراث المشترك للأمة ضمن مفهوم التنمية المستدامة.
[62] – على سبيل المثال تعد مصر من أكبر الدول العربية بتعدادها السكاني بنحو يفوق 75 مليون نسمة ، وتشكل نسبة السكان في المناطق الحضرية أكثر من النصف مما يشكل ضغطا كبيرا على المدن فلازالت مصر تواجه العديد من الأزمات التي أفرزها الانفجار السكاني أو سوء توزيع السكان ويشمل ذالك توفير المياه الصالحة للشرب وتوفير الوظائف وصعوبة تأمين الغداء والدواء والسكن الصحي.
[63] – يعرف قاموس اوكسفورد المستقبليات بأنها الاستشراف الممنهج للمستقبل من منطلق الاتجاهات الحالية في المجتمع.
[64] – إن نشأت الدراسات المستقبلية قديمة وأول مؤسسيها فرانسيس بيكون في كتابه اطلنطا الجديدة ، أعقبها عدة كتابات منها حول العالم في ثمانين يوما ، ورحلة من الأرض إلى القمر، لجول فيرن ، ومن ثم كتابات هرمان وراسل ، حول ماذا يكون إنسان بعد ذلك ، ثم كتاب سول بعنوان صورة الغد ، وقد قدم سولا كشين ، نماذج علمية لمعالجة عديد من قضايا المستقبليات ، في كتابه قضايا مستقبليات العالم المعاصر، لكن أول من توصل إلى اصطلاح دراسة المستقبل هو المؤرخ الألماني أوسيبفلنختايم سنة 1930 تحت اسم Futurology وهو الاسم الشائع للدراسات المستقبلية في اللغة الإنجليزية ، ويقابله المصطلح الفرنسي prospective للعالم جاستون برجيه.
[65] – بعض عناصر مداخلة السيد أحمد الحليمي علمي ، المندوب السامي للتخطيط بمناسبة ورشة العمل الدولية حول الإسقاطات الديمغرافية المنظمة بتعاون مع شعبة الإحصاء التابعة للأمم المتحدة ، الرباط ،2012 ،ص 2.
[66] – وزارة التوقعات الاقتصادية والتخطيط ، مديرية البرمجة ، مخطط التنمية الاقتصادية الاجتماعية 2000-2004 ، الجزء الأول ، التوجهات والآفاق الإجمالية للتنمية الاقتصادية والاجتماعية ، ص ،95 96.
[67] – تؤكد جل الدراسات التي أنجزت حول موضوع المسنين ، من طرف مختصين في علم السوسيولوجيا أن الشيخوخة تزحف على المجتمع المغربي ، وتوازي سن التقاعد ، الذي تسير ملفاته كالسلحفاة وأن هذه المرحلة لا تشبه المراحل الأخرى من حياة الإنسان ، وليست طبيعية ، إذ أنها مفتوحة على النهايات ، ما يجعلها لا طبيعية ولا مقبولة نفسيا واجتماعيا ، مشيرا إلى أن تزامن التقاعد مع الشيخوخة يذكر المرء بالتقدم في السن ، و يكون بمثابة إشهار رسمي وإداري لبلوغ الستين عاما .
[68] – يصاحب هذا التطور بداية التغيير في بنية الأعمار وضمنيا استمرار الضغط على الشغل بحيث ستنتقل الساكنة النشيطة ( 18 – 59 سنة) من 16،7 مليون شخص في سنة 2005 إلى 22،6 مليون شخص في أفق سنة 2030 أي تطورا سنويا يقدر ب 236 ألف شخص ، جزء من هذه الطاقة البشرية النشيطة مزداد حاليا وحصل على التكوين الذي يسمح له بالاندماج أولا في اقتصاد الغد الذي نحن على مشارفة.
[69] – انظر في هذا الصدد الدراسة المنجزة في إطار برنامج التعاون بين وزارة التربية الوطنية وبين صندوق الأمم المتحدة لنشاطات السكان ” السكان وبدائل المستقبل” من إعداد ن محمد البارودي ، أحمد البقالي ،أحمد الركيوي، أحمد أوقاسم ،أحمد الشويردي ، عبد الغني المعروفي والحسين موحشت ، المراجعة اللغوية لإدريس السغروشني ن قسم البرامج والمناهج والوسائل التعليمية 1996 .ص.ص.12-13.
[70]– نشرات صندوق الأمم المتحدة لنشاطات السكان، شعبة السكان ” إن إسقاطات الأمم المتحدة السكانية المنخفضة والمتوسطة والمرتفعة بحلول 2050 يوجد فرق مقداره 4 مليون بين الإسقاطين المرتفع والمنخفض، أي حوالي عدد سكان العالم سنة1975.
[71] – انظر في هذا الصدد ، الخرائط الموضوعاتية التي تبين: سكان الجهات والأقاليم والعمالات حسب التقسيم القديم “16 جهة” والتقسيم الجديد حسب “12” جهة.” وكذا الرسوم البيانية التي تبين معدل النمو السكاني بالمغرب مابين 2004 و2014 حسب الجهات (12 جهة) الصادرة بمذكرة النتائج الأولية للإحصاء العام للسكان والسكنى المندوبية السامية للتخطيط ،2014. ص 08.حيث يتضح من هذه الوضعية الخرائطية وكذا الجداول ، أن عدد السكان القانونيين بالمغرب قد بلغ في فاتح شتنبر من سنة 2014ما مجموعه ،33.348.242 نسمة ، منهم 33.762.036 مغربي 86.206 أجنبي فيما بلغ عدد الأسر 7.313.806 أسرة. إنه بمقاربتنا للعملتين الإحصائيتين 2004-2014 فقد عرف سكان المغرب زيادة إجمالية بلغت3 ملايين و957 ألف نسمة وهو ما يعادل 13،2 ويؤشر على معدل نمو ديمغرافي سنوي بلغ خلال هذه الحقبة 1،38% ما بين 1994 و2004.
[72]– مؤلف جماعي ، حكامة المدن ومسألة التنمية، تحت إشراف الحسين أعبوشي ،محمد الغالي وأحمد المالكي ،منشورات كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية مراكش: سلسلة المؤتمرات والندوات ، 2015 ،العدد: 48 .ص.11.
[73]-Azghal Amal Ausson, Systéme urbain et développement au Maghreb *,1980, p 2
[74]-Abdelmalek Charkaoui , habitat et urbanisme au Maroc juin 1980, p 4
[75] – محمد علي بوحلبة، “إشكالية محاربة السكن غير اللائق بمراكش ” رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا في القانون العام السنة الجامعية 1998-1999 .
[76] – حنين محمد،”مستقبل المدن الكبرى ، عرض لوحدة العقار والتعمير والإسكان كلية الحقوق اكدال الرباط وللمزيد من التفاصيل انظر ص ،ص،24-25 من كتاب الأستاذ الهادي مقداد “السياسة العقارية في ميدان التعمير والسكنى”، المرجع السابق.
[77] – الهادي مقداد،” التجزئات ودورها في تخفيف أزمة السكن “، رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا 1988 كلية الحقوق الرباط ، ص، 17.
[78] – انظر في هذا الصدد ، تقرير الخمسينية، المغرب الممكن ، إسهام في النقاش العام من أجل طموح مشترك ، مطبعة دار النشر المغربية ، الدار البيضاء ،2006 ،ص34.
[79] – مهتدي بوزكري ،” النخبة القروية، الإدارة الترابية وسياسة التنمية القروية ،” مساهمة في دراسة الرهانات السوسيو-سياسية للفاعلين، أطروحة لنيل الدكتوراه في القانون العام ، 2008-2009 ، جامعة القاضي عياض ، كلية الحقوق ، مراكش ، ص، 266.
[80] – محمد الأسعد،”البيئة والتنمية القروية المستديمة بالمغرب.” نماذج في جغرافية الأنظمة الريفية، تقديم الأستاذ إسماعيل العلوي ،الطبعة الأولى 1999، مطبعة دار القرويين، ص 45.
[81] – الهادي مقداد، مرجع سابق، ص 52.
[82] – من خطاب المغفور له الحسن الثاني بمناسبة المناظرة الدولية لمحاربة السكن الغير اللائق المنعقدة خلال أيام 24-25-26 ماي 1994 بمدينة مكناس.
[83] – عبد الله أسرموح، ” الصعوبات التي تواجه التخطيط العمراني بالمغرب” رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة في القانون ، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية أكدال- الرباط، 2003-2004 ، ص159.
[84] – في هذا الصدد تم اعتماد نظام مستمر لرصد وجمع المعطيات حول الهجرة الداخلية بالمغرب، ذالك أن معرفة وفهم ظاهرة الهجرة وخصائصها والنتائج المترتبة عنها ، أصبح أمرا ضروريا بالنسبة للمتبعين والمهتمين بالمشاكل التي تطرحها الحركية المجالية للسكان. وتم وضع نظام معلوماتي لرصد وجمع المعطيات حول هذه الظاهرة وتدفقها ، هذا النظام سيسمح بالتعرف على الخصائص الاجتماعية والاقتصادية للمهاجرين فضلا عن دوافع الهجرة والنتائج المترتبة عنها في أماكن المغادرة والوصول أما الطريقة المعتمدة للحصول على هذه المعلومات فالهدف منها هو إدماج المهاجرين من القرى إلى المدن بالمرصد الوطني للهجرة بمديرية إعداد التراب قصد تحليلها وتوظيفها في وضع استراتيجيات التنمية الترابية، وفي هذا الصدد أبرمت اتفاقيات شراكة بين عدد من الفاعلين الجهويين والمركزيين تضم إلى جانب الولايات والجهات ، مديرية إعداد التراب ، المندوبية السامية للتخطيط ، صندوق الأمم المتحدة للسكان والمفتشية الجهوية وانطلق العمل بالمغرب بهذا النظام خلال سنة 2009 تحت إشراف المفتشية الجهوية وكانت جهة” الرباط سلا زمور زعير”، الرباط القنيطرة حاليا هي التي وقع عليها الاختيار كمجال رائد قبل تعميمه على باقي جهات المملكة.
[85]– محمد علي بوحلبة ، المرجع السابق ،ص 26.
[86] – د. الهادي مقداد ، المرجع السابق ،ص. 50.
[87] – الخطاب الملكي بمناسبة افتتاح الدورة التشريعية يوم 11/10/2013 حيث وجه الملك خلال هذا الخطاب انتقادات قوية للمنتخبين والقائمين على تسيير شؤون المدينة بفعل سوء التدبير وانعدام الحكامة وتردي أوضاع المدينة ، وتراجع مكانتها وإشعاعها بين العواصم العالمية.
[88] – د. الهادي مقداد ، المرجع السابق ،ص52.