الحماية الإجرائية للمؤمن له في التشريع القضائي المغربي
قراءة في القانون 12.64
د.عبد الحميد الـمـليحـي
دكتور في الحقوق
باحث في العلوم الجنائية
كلية الحقوق- طنجة
مقدمة
لا يخفى ما للتأمين من أهمية في وقتنا الحاضر باعتباره الأداة التي من خلالها يتم درء بعض المخاطر التي يتعرض لها الإنسان خصوصا مع ازدياد المخاطر وتنوعها من جراء التقدم التكنولوجي والصناعي ،فهذه المخاطر قد تصيبه في شخصه أو في أمواله أو في ممتلكاته أو من جراء مسؤوليته [1] .
فأنشطة التأمين تعتبر داخل المجتمعات الحالية أساس كل منظومة إنتاج كيفما كانت طبيعة التوجهات السوسيو-اقتصادية التي تتبناها الدولة، وتتجلى أهمية هذه الأنشطة بالخصوص في الضمان الذي توفره سواء للأشخاص أو المؤسسات ،والذي يمدهم بالقوة المادية والدعم النفسي لمجابهة أخطار مستقبلية محتملة، لا غرابة إذن أن نلاحظ أن الممارسات التأمينية باتت تحتل في الوقت الراهن مكانة خاصة داخل النسيج الاقتصادي لكل البلدان .
وقد ازدادت أهميتها مع التطور الصناعي الهائل الذي شهده النصف الثاني من القرن الماضي والذي أتى مقترنا بأنواع كثيرة من المخاطر نشأت عنها أضرار حتمت على جماهير عريضة وعلى وحدات اقتصادية التفكير في اللجوء إلى الخدمات المتعلقة بسوق التأمين ، وباعتبار الدولة هي القوامة على هذا الاقتصاد فإن ذلك يدعوها إلى بسط رقابتها على هيئات التأمين والإشراف عليها[2].
ولاشك فيه أن تكريس دور وأهمية مقاولات التأمين وإعادة الـتأمين باعتبارها مؤسسات إدخارية متميزة وتشجيع المستثمرين على التعامل معها يساهم على المدى الطويل في نمو الأسواق المالية، ولهذا السبب الوجيه تعتبر الهيآت التأمينية مكونا من المكونات الرئيسية التي تهتم الحكومات في جل بلدان العالم المتقدم وكذا في عدد من الدول النامية بتنظيمها والإشراف عليها نظرا لأهميتها في رسم معالم الاقتصاد المحلي وتطوير آلياته ودعم أنشطته .
إن أهم باعث وراء رقابة الدولة على مقاولات التأمين وإعادة التأمين يكمن بالخصوص في هاجس التحقق من توازن هذه المؤسسات وذلك بغية ضمان حماية جمهور المؤمن لهم والمستفدين من العقود والأغيار، خاصة حين يتعلق الأمر بأنماط التأمين عن المسؤولية وبما أن شركات التأمين تتجمع لديها أموال طائلة يجب أن تحسن تدبيرها واستثمار جزء منها مع توفير السيولة اللازمة للوفاء بالتزاماتها تجاه عملائها .
ولابد من التأكيد هنا على أن الرقابة يفترض أن تكون أكثر صرامة فيما يتعلق بالتأمينات الإجبارية فالدولة لما حتمت على الأشخاص ضرورة التأمين ضد أخطار معينة، فإنها لا تبقى بموجب ذلك مسؤولة فقط على تحديد أنواع التأمينات الإلزامية، بل يتعين عليها التدخل مباشرة لبسط هيمنتها على المعايير التقنية والفنية خاصة فيما يتعلق بحساب الأقساط وفرض ضوابط محكمة في مجال التعاقد والملاحظ في هذا السياق أنه رغم مبدأ حرية التعاقد التجاري الجاري به العمل ، فإن المشرعين ارتأوا التدخل من أجل حماية المؤمن لهم باعتبارهم يمثلون الطرف الضعيف في عقود اذعان غالبا يتم تحديد بنودها ومضامينها مسبقا من قبل فعاليات التأمين هذا بالإضافة إلى كون طالبي التأمين لا يتوفرون في معظم الأحوال على الأهلية القانونية والمعرفة التقنية الكفيلة بحمايتهم من الشروط التعسفية، ومؤدى هذه الحقيقة هو لزوم تواجد قوي لرقابة الدولة من شأنها تحصين حقوق المؤمن لهم بوصفهم يمثلون طرفا مذعنا يجب رعاية مصالحه وكذا تحصين قطاع الـتأمينات من الأخطار التي قد تهدد سلامته وذلك من أجل تحقيق توازن المعادلة التأمينية .
ولعل الاهتمام البالغ الذي أولاه التشريع المغربي في العقد الحالي لقطاع التأمين من خلال المنظومة التشريعية عبر إصدار مدونة التأمينات وكذا العديد من الظهائر والمراسيم والقرارات الوزارية، التي أتت بغاية دعم الأحكام المنصوص عليها في هذه المدونة لدليل قوي على إرادة المشرع في توفير نظم وقواعد فعالة تنسجم وحجم المكانة التي بات القطاع يحتلها في أجندة سياسة الاقتصاد الوطني .
وتجدر الإشارة هنا إلى التحول الجذري الذي عرفه التشريع المغربي، المتعلق بالتأمين في السنين الأخيرة لاسيما بصدور مدونة التأمينات لسنة 2002 [3]والتي جرى تعديلها وتتميمها بمقتضى القانون رقم 39.05 المؤرخ ب 14 فبراير 2006 [4]وكذا بالقانون رقم12.64 الصادر في 6 مارس 2014 [5]، هذه المدونة التي جاءت لتضع حسب الوزير الوصي، إطارا مؤسساتيا فعلا يهدف إلى توفير التدبير المناسب لقطاع التأمينات الذي يعتبر توازنه وتدعيمه من العناصر الأساسية لتطوير المناخ الاقتصادي والاجتماعي بالمغرب[6] وذلك في إطار البرنامج الحكومي الهادف إلى تحديث وتفعيل آليات القطاع المالي المغربي الذي يعتبر التأمين أحد أهم مكوناته ، خاصة بعد الأزمة الخطيرة التي شاهدها القطاع في الربع الأخير من القرن الماضي التي بدأت بوضع خمس شركات تأمين تحت الوصاية المباشرة للدولة في أواسط الثمانينات قبل إعلان تصفيتها أواسط التسعينات، بما رافق من ذلك من ضياع حقوق المستفيدين وخاصة ضحايا حوادث السير الذين فرضت عليهم الدولة قبول الحصول على نصف التعويضات المحكوم لهم بها من قبل القضاء ،وهوما كان سببا في فقد الرقابة التي تمارسها الدولة على القطاع لمصداقيتها، فبدا من الضروري إعادة النظر في القوانين العديدة المنظمة للقطاع والإستعاظة عنها بنص جديد واحد يضع الإطار القانوني والتقني الكفيل بتحصين القطاع والذي من شأنه أن يبقى مكتسباته ويحمي المؤمن لهم[7].، حيث أصبحت مقاولات التأمين وإعادة التأمين وكذا مهن الوساطة في التأمين(من وكلاء وسماسرة أو من يقوم مقامهم ) تخضع لرقابة الأجهزة الإدارية للدولة ولإجراءات صارمة للوقاية والتصحيح المجسدة في التحذير والأمر وسحب الاعتماد كليا أو جزئيـا والحل والتصفية الإدارية[8] .ولهذا فإن إحكام الرقابة على قطاع التأمينات في القانون المغربي يتم من خلال اللجان وجمعيات مهنية مرتبطة بالقطاع وكذا من طرف وزارة المالية في بعض الأحيان وأيضا من خلال هيئة مستقلة جديدة ” هيئة مراقبة التأمينات والاحتياط الإجتماعي”[9]وضع المشرع على عاتقها مسؤولية مراقبة القطاع ، علاوة على ذلك فإن القضاء باعتباره آلية من آليات الدولة يتدخل للفصل في النزاعات المتعلقة بالتأمين وكذا لفرض أحكام القانون المنظم للمهن والأنشطة التأمينية .
إن رقابة الدولة على قطاع التأمينات ترمي إلى تحقيق مجموعة من الأهداف تتجلى أساسا في حماية حقوق المؤمن لهم من خدمات هذا القطاع ، وكذا حماية مصالح مقاولات التأمين وإعادة التأمين نظرا للخصوصيات التي تتميز بها ولارتباطها الوثيق بحقوق المؤمن لهم ، بالإضافة إلى درء لأي ممارسات غير قانونية بإمكانها أن تتسبب في اختلال توازن الإقتصاد الوطني وذلك من خلال تأطير وتنظيم تشريعي محكم وحماية قضائية فعالة.
كل هذه الإشكاليات وما يتفرع عنها يمكن لنا أن نعالج مضامينها وفق التقسيم التالي:
المبحث الأول: حماية المؤمن له من خلال مدونة التأمينات
المبحث الثاني: الحماية الإجرائية للمؤمن له على مستوى المنظومة القضائية
المبحث الأول : حماية المؤمن له من خلال مدونة التأمينات
يعتبر المؤمن له طرفا مباشرا في عقد التأمين وله تسميات متعددة حسب كل تشريع وطني فقد يطلق عليه : المستأمن – المكتتب – طالب التأمين – الضامن ، ويعتبر متعاقدا مع المؤمن على الوثيقة ، ويلتزم بمواجهة المؤمن بالإلتزمات الناشئة عن العقد[10].
وإن كان المؤمن لهم ( سواء كانوا أفرادا أو مؤسسات) بوسعهم أن يختاروا نوع التأمين وفقا لاحتياجاتهم وحسب ما تسمح به قدراتهم المالية ، إذن فما هي الضمانات التي توفرها الدولة من خلال التشريع والعمل الرقابي لحماية مصالح المؤمن لهم ؟ .
إن تدخل الدولة بشكل تلقائي ومباشر في التعاملات التأمينية هو شيئ طبيعي ويشمل كل مراحل العمليات التأمينية منذ اقتراح التأمين إلى غاية انتهاء مدته أو فسخه ، مرورا بطبيعة الحال بفترة توقيعه وتفعيل سريانه . وهذا التدخل تنشأ عنه مسؤولية الدولة ليس فقط من ناحية التأطير بل أيضا من ناحية الإشراف والمراقبة ، مما يعني أن جهاز الرقابة على قطاع التأمينات له السلطة الكاملة لمعاينة الشروط النموذجية والخاصة على حد سواء .
فمن الواضح أن الدولة لا تعد طرفا مباشرا في عقد التأمين ، لكن هذا لا يعني أنها تخلت عن المؤمن له ليرضخ لشروط تعسفية تفرضها مقاولات التأمين وإعادة التأمين ، فالدولة في مرحلة تسويق الإنتاج التأميني وعرض وثيقة التأمين تلعب دورالمراقب الغائب الحاضر[11] . فهي غائبة مؤسساتيا خلال مرحلة التعاقد لكنها حاضرة تشريعيا وبشدة خلال هذه المرحلة التعاقدية ، وقراءة سريعة لأحكام مدونة التأمينات تبين لنا في هذا السياق مدى حرص المشرع المغربي على حماية مصالح المؤمن لهم بشتى الوسائل والإجراءات، كما أن ترسانة النصوص المكملة لقانون 17.99 من ظهائر ومراسيم توضح لنا تكريس العديد من المواد لحماية المؤمن لهم .
ويتميز عقد التأمين بكونه عقدا استهلاكيا[12] وهو من عقود الإذعان البارزة ، وبما أن العلاقة التعاقدية تقوم في هذا الإطار على عقد إذعاني ، فإن حماية المؤمن له من الآثار التعاقدية ذات الشروط التعسفية التي يمكن أن تضر به وبمصالحه تتطلب تدخل ضروري من طرف الدولة تشريعيا ورقابيا لإحاطة ظروف التعاقد في مجال التأمين بالتأطيرات الآمرة كحل ناجع وفعال لتفادي هيمنة الطرف القوي ( مقاولات التأمين وإعادة التأمين ووسطاء المهنة ) وبالتالي سقوط المؤمن له في مغبة الخضوع قسرا لشروط قد لا تحمي حقوقه المستقبلية . وفي هذا الصدد لم يكتفي المشرع المغربي على إضفاء الحماية القانوني المباشرة للمستهلك في عقد التأمين وفق النصوص التشريعية العامة فقط وإنما عمل على تعزيزها من منظور شمولي بإصدار نصوص التشريعية الخاصة مكملة كمدونة التأمينات الجديدة ، وذلك نظرا لخطورة عقد التأمين وآثاره سواء من الناحية الاقتصادية أو القانونية أو الاجتماعية [13].فالملاحظ أن المشرع المغربي قد تحرى المحافظة على الشروط النموذجية للتعاقد وعلى الأحكام الفعالة لضمان الحماية اللازمة للمؤمن لهم مع تحديثها وتعزيزها بشروط وتدابير مكملة فرضتها مستجدات السوق التأمينية وتعقيدات العلاقات القائمة بين مكوناتها .من هذا المنطلق جاءت المادة 35 من مدونة التأمينات معبرة عن رفضها القاطع لكل الشروط التعسفية التي تضر بحقوق المؤمن له وأكدت على أن الشروط الآتية تعتبر باطلة إن أقحمت بشكل أو آخر في وثيقة التأمين أو في العقد :
كل شرط من الشروط التي تنص على سقوط حق المؤمن له في حالة خرقا للنصوص التشريعية والتنظيمية ما لم يشكل هذا الخرق جناية أو جنحة مرتكبة عمدا.
كل شرط ينص على سقوط حق المؤمن له لمجرد تأخر في التصريح بالحادث للسلطات أو في الإدلاء بوثائق ، دون المساس بحق المؤمن في المطالبة بتعويض يتناسب مع الضرر الذي يكون قد لحقه من هذا التأخير أو الإدلاء بالوثائق .
كل شرط تحكيم لم يوافق عليه المؤمن له صراحة عند اكتتاب العقد .
كما حدد القانون المغربي مجموعة من الشكليات والبيانات المتطلبة في عقد التأمين لإخبار المؤمن له (الفقرة الأولى) كما أضاف وسائل حمائية أخرى تتمثل الإلتزام بالإعلام وحق الرجوع أو مهلة التفكير قبل الإقدام على التعاقد ( الفقرة الثانية ) .
المطلب الأول: الشكليات والبيانات المتطلبة في عقد التأمين
الفقرة الأولى: شكليات عقد التأمين
أولا .اشتراط الكتابة :
فقد نصت المادة 11 من مدونة التأمينات الجديدة على أنه يجب تحرير عقد التأمين كتابة بحروف بارزة ،إضافة لما سبق نصت مدونة التأمينات الجديدة من خلال المادة 6 والمادة 14 على اشتراط الكتابة بحروف بارزة جدا [14].
ويقصد بعبارة أحرف جد بارزة الذي يشترطه المشرع أن تكون هذه الحروف مميزة عن غيرها بطباعتها أو لونها أو شكلها يسهل قراءتها مقارنة مع غيرها [15]،وهدف المشرع المغربي من فرض الكتابة يبرز بجلاء في حماية رضا المؤمن له بحيث أن الكتابة تساهم في تنوير وتبصير المؤمن له لتحقق الرضا حول العناصر الأساسية للتعاقد .
ثانيا:لغة عقد التأمين :
يتضح من خلال مدونة التأمينات الجديدة أنها تهدف إلى تبصير وتنوير المؤمن له إلا أنها لم تنص على اللغة التي يجب أن يكتب بها عقد التأمين ، لكن في هذا السياق اقترح بعض الفقه تدخل المشرع بواسطة قانون حماية المستهلك ليفرض صراحة كتابة عقود الإستهلاك باللغة العربية حتى يتسنى للأغلبية المتعاملين بها فهمها [16] .
ثالثا: التعريف بالمصطلحات التأمينية :
إضافة إلى ما سبق نجد أن المشرع قد خصص المادة 1 من مدونة التأمينات لتعريف المصطلحات الواردة في هذا القانون وذلك بتقريبها من المتعاملين في مجال التأمين،أضف إلى ذلك أن العديد من الشروط العامة لعقود التأمين درجت على تعريف المصطلحات المدرجة فيها[17].
الفقرة الثانية : البيانات المستلزمة في وثيقة التأمين
من أهم البيانات الواجب توافرها عقد التأمين نجد تاريخ التوقيع وإسم وموطن الأطراف ثم الأشخاص أو الأشياء المؤمن عليها[18].
ففيما يخص تاريخ التوقيع فمن خلاله يتم تحديد لحظة إبرام العقد فمنذ هذا التاريخ يلزم المؤمن له بأداء الأقساط مقابل تحمل المؤمن له الضمان ، أما بالنسبة لإسم وموطن الأطراف المتعاقدة ففيما يخص المؤمن يجب تحديد اسم شركة التعاضدية للتأمين أو إسم شركة التأمين إضافة إلى مقر عملها ورقم تقييدها في السجل التجاري أما فيما يتعلق بالمؤمن له فيجب ذكر الإسم العائلي والشخصي ثم مهنة وموطن ومقر عمله وفي التأمين على الحياة يلزم أيضا تعيين المستفيد بحيث هذا التعيين يجب أن يكون محددا بصفة تنفي الجهالة .
بالإضافة إلى الأشياء المؤمن عليها والأشخاص المؤمن لهم حيث يجب أن يبين العقد نوعية التأمين أهو تأمين على الأشخاص أو تأمين من الأضرار [19] ففي التأمين على الأشخاص يجب تحديد الشخص المؤمن على حياته أو الشخص المؤمن من الإصابات أما في التأمين على الأشياء يجب بيان الشيئ المؤمن عليه من الخطر بكل دقة ، وذكر المحل المؤمن عليه .
يستفاد مما سبق أن مدونة التأمينات الجديدة لم تنص على الجزاء المترتب على إغفال أحد هذه البيانات أو بعضها لذلك وعليه فإن عقد التأمين عقد رضائي والكتابة مشترطة فيه للإثبات فقط ولا يمكن القول بأنه يترب على تخلف البيانات الإلزامية بطلان العقد وإنما يختلف الجزاء بحسب نوع الشرط المتخلف فإذا كان شرطا أساسيا يترتب على تخلفه اختلال العقد ككل مثل نوع الخطر المؤمن منه …. فإن العقد لا يعتبر مبرما لأنه لم يكتمل بعد الإتفاق على شروطه الأساسية وهذا ما نصت عليه المادة العاشرة[20].
ولكن يمكن أن يترتب على ذلك إعطاء المؤمن له الحق في إبطال العق وفق القواعد العامة إذا ما أثبت أن عدم ذكر تلك البيانات أو عدم إيرادها بحروف أكثر بروزا ..أوقعه في غلط أو استغله المؤمن للتدليس عليه كما يمكنه أن يثبت أن عدم ذكر تلك البيانات ، وإن لم يعب إرادته ، فإنه تسبب له في ضرر يمكنه المطالبة بالتعويض عنه بناء على قواعد المسؤولية العقدية[21].
المطلب الثاني:الالتزام بالإعلام وحق الرجوع
بالإضافة للمقتضيات القانونية المذكورة أعلاه التي تخول للمؤمن له في عقد التأمين حمية نسبية ، يستفيد هذا الأخير من وسائل حماية أخرى تتمثل أساسا في الإلزام بالإعلام (الفقرة الأولى) وحق الرجوع أو مهلة التفكير قبل الإقدام على التعاقد ( الفقرة الثانية) .
الفقرة الأولى : الالتزام بالإعلام
أثبت بعض الدراسات التي أجريت في قطاع التأمين بالإضافة إلى غلاء خدمات التأمين والمعاملة السيئة للمؤمن له ، صعوبة قراءة وثائق التأمين وغياب الإعلام عن الخدمات التي تقدمها شركات الـتأمين[22].
ومن هنا تبرز الأهمية القصوى للالتزام بالإعلام بحيث ركز المشرع المغربي في جل العقود المسماة مثل التأمين على الإلتزام بالإعلام باعتباره وسيلة لإعادة التوازن المفقود بإلزام الطرف الأكثر علما بإعلام الطرف الأقل علما .
ففي هذا الإطار نصت الفقرة الأولى من المادة 10 من مدونة التأمينات على ما يلي : ” يسلم المؤمن للمؤمن له قبل اكتتاب العقد بيانا للمعلومات يبين على الخصوص الضماناتوالإستثناءات المتعلقة بها وسعر هذه الضمانات والتزامات المؤمن له ” .وفي نفس السياق تنص المادة 13 من قرار وزير المالية والخوصصة الصادر بتاريخ 27دجنبر 2004 المتعلق بعقد التأمين على أنه ” يجب أن يتضمن بيان المعلومات على الأقل ما يلي:
- الضمان أوالضمانات موضوع العقد .
- الإستثناءات والقيود المتعلقة بالضمانات وحالات سقوط الحق .
- شروط منح الإسترداد والتسبيق إذا نص العقد على ذلك .
- شروط إعادة التقييم والمشاركة في الأرباح .
- الوحدات الحسابية المعتمدة في العقد .
- كيفية احتساب قسط التأمين أو الإشتراك .
- أثار التصريحات الخاطئة عند الإنخراط أو عند وقوع الحادث .
- نص شرطا لتحكيم بالنسبة للعقود التي تتضمنه .
- إجراءات التصريح بالحوادث وخاصة الوثائق الواجب الإدلاء بها للإستفادة من التعويضات التي يضمنها العقد وآجال الإدلاء بهذه الوثائق .
يستفاد مما سبق أن المشرع المغربي حرص على توفير الإعلام الكافي للمؤمن له وذلك ما يتضح جليا من خلال اقتراح التأمين وبيان المعلومات المسلم لهذا الأخير الذي يحدد ويبين شروط التعاقد[23]. فحسب المادة الأولى من مدونة التأمينات يعرف اقتراح التأمين بأنه محرر يسلمه المؤمن أو من يمثله إلى مؤمن له محتمل والذي يجب على هذا الأخير أن يدرج فيه المعلومات اللازمة لتمكين المؤمن من تقييم الخطر المراد تغطيته ومن ثم تحديد شروط تلك التغطية .كما أن المادة 10 من مدونة التأمينات نصت على أن بيان المعلومات الذي يسلمه المؤمن للمؤمن له يجب أن يتضمن النقاط التالية :
- الضمانات ومدتها وسعرها والإستناءات المتعلقة بها
- شروط الإحالة .
- الشروط المتعلقة بأداء التعويض.
- إعلام المؤمن له بإلتزاماته .
ففي حالة الإخلال بالإلتزام بالإعلام إما شكلا إيجابيا أو سلبيا ، ويتجلى الأول في إدلاء المؤمن له للمؤمن ببيانات خاطئة ومخالفة للحقيقة أما الثاني فيتمثل في السكوت هذا الأخير بالإدلاء بالمعلومات الهامة ،مثلا يمكن ألا يلتزم المؤمن بأداء مبلغ التأمين ، ومن آثار هذا الإخلال فقد يكون العقد قابلا للبطلان على أساس نظرية عيوب الرضا أو قابلا للفسخ ، وقد يكون التعويض جزاءا على خرق الإلتزام بالإعلام ، يضاف إلى ذلك مسؤولية المؤمن استنادا للقواعد العامة للمسؤولية العقدية[24] .
الفقرة الثانية :حق الرجوع
لايكفي الالتزام بالإعلام بالنسبة للمؤمن في عقد التأمين للوصول إلى تعاقد متوازن وخال من الإختلالات والعيوب بل يحتاج هذا الأخير إلى مهلة من أجل التروي والتفكير والتدبر في الإيجاب الموجه إليه خلال أجل معين وهذا ما يصطلح عليه حق التراجع ، وحق الرجوع أو مهلة التدارك أومهلة التفكير . ويعتبر حق التراجع في نظر بعض الدارسين “صورة مشددة للإلتزام بالإعلام ” [25]، فقد نصت المادة 97 من مدونة التأمينات على أنه ” إذا عرض على شخص بمنزله أو بمكان عمله أو بمكان خاص أو عام اكتتاب عقد التأمين على حياة وتم الإكتتاب أثناء تلك الزيارة وجب منحه أجل لا يقل عن 15 يوما ابتداء من تاريخ اكتتاب العقد لكي يلغي هذا الإلتزام ” ومن الملاحظ أن المشرع المغربي لم يتطرق إلى كيفية أو شكل ممارسة حق التراجع مما يؤدي إلى القول بأن أي شكل أو طريقة لتبليغ قرار العدول أو التراجع للمؤمن له مقبول قانونا وهذا يتماشى مع ما جاءت به المادة 8 من مدونة التأمينات التي تناولت شكل طلب فسخ العقد الذي يتم إما بتصريح يتم بالمقر الإجتماعي للمؤمن مقابل وصل وإما بمحرر غير قضائي وإما برسالة مضمونة وإما بأي وسيلة أخرى مشار إليها في العقد . يتضح مما سبق أن المشرع المغربي خول للمؤمن له ممارسة حق التراجع بصفة مطلقة غير أن المادة 97 من مدونة التأمينات نصت على أنه يترتب على ممارسة حق التراجع إلغاء العقد وإرجاع المؤمن كل المبالغ التي تكون قد دفعت من طرف المكتتب ، ولا يحق للمؤمن أن يطالب بتعويضات عن إلغاء العقد .
فمن خلال التأمل في المقتضيات التي جاءت بها مدونة التأمينات الجديدة، يتضح بجلاء عزم المشرع المغربي على المضي قدما نحو تحقيق أهداف الإشراف والرقابة على قطاع التأمينات إنطلاقا من فرض قواعد وضوابط صارمة تكرس دور سلطات الرقابة ومنحها الحق في التدخل كلما إقتضى الأمر لفض النزاعات وإتخاذ التدابير اللازمة من أجل ردع أي محاولة إستغلال من قبل الهيئات المؤمنة فالأحكام التالية التي شددت عليها مواد مدونة التأمينات دليل على إرادة تشريعية قوية للحفاظ على سلامة مصالح المؤمن لهم :
- استحداث الإلتزام بالإخبار في عقد التأمين عن طريق إلزام المؤمن بتسليم المؤمن له قبل اكتتاب العقد بيانا للمعلومات يبين فيه على الخصوص الضمانات والإستثناءات المتعلقة بها وسعر هذه الضمانات والتزامات المؤمن له .
- الإعتراف بالرجوع عن العقد لأول مرة في التشريع المغربي وذلك يمنح المؤمن له في التأمين على الحياة حق الرجوع عن العقد داخل أجل لايقل عن 15 يوما ابتداء من تاريخ اكتتاب العقد .
- توسيع بيانات عقد التأمين .
- بطلان كل شرط تحكيم لم يوافق عليه المؤمن له صراحة عند اكتتاب العقد .
- بطلان كل شرط من شأنه أن يمنع المؤمن له أو من يحل محله من مقاضاة المؤمن أومطالبته بالضمان بمناسبة تسوية الحوادث .
- النص صراحة على أن فسخ العقد يخول للمؤمن له استرجاع جزء من القسط أو الاشتراك المتعلق بالفترة التي لم يعد ضمان الخطر فيها سريا .
- تحديث الشكل القانوني لمقاولات التأمين وإعادة التأمين .
- تدعيم مراقبة الدولة على مقاولات التأمين وإعادة التأمين .
- إقرار عقوبات إدارية وجنائية رادعة يمكن أن تطال مقاولات التأمين وإعادة التأمين ومسيرها في حالة مخالفة القانون [26].
المبحث الثاني: الحماية الإجرائية للمؤمن له على مستوى المنظومة القضائية
تعتبر المنظومة القضائية آلية من آليات الدولة التي تساهم في الفصل في النزاعات وإحقاق الحق وتنفيذ الضوابط القانونية وإتخاذ القرارات الصائبة لتصحيح الأوضاع الشائبة وفرض أحكام القانون المنظم للمهن والأنشطة التأمينية .
ومن هذا المنطلق وفي حالة إحساس المستهلك بأنه قد وقع ضحية لإستغلال أو تعسف ممارس من قبل الطرف الآخر المتعاقد معه المتمثل في شركة التأمين نظرا للضرر الحاصل له وعدم استفادته من إحدى حقوقه الأساسية المكرسة بموجب القانون نتيجة للتفوق القانوني والفني وإخلال هذا الأخير بالتزاماته التعاقدية المتفق عليها في العقد المبرم بينهما فإنه غالبا ما يلتجأ إلى القضاء للمطالبة باستردادها وجبر الأضرار والخسائر التي تكبدها جزاء لذلك ، حيث تتم المعالجة القضائية لاختلال التوازن في العقد عبر مستويين رئيسيين من خلال الاعتماد على تقنية التفسير ثم مكافحة الشروط التعسفية[27].
المطلب الأول: تقنية التفسير القضائي لعقد التأمين.
إن عملية التفسير من قبل القاضي تجد تبريرها في كون أن بعض العبارات المستعملة في العقد من شأنها أن تشكل عائقا بالنسبة لتنفيذ العقد ، ويمكن أن تمس بإرادة الأطراف بالقوة الملزمة للعقد وهنا يظهر الدور التكميلي الذي يلعبه القاضي حيث يعمل هذا الأخير على استدراك النقص الذي اعترى التعبير عن الإرادة احتراما لنظرية سلطان الإرادة[28].
فالقاضي يخضع في مسألة تفسير العقد إلى القواعد التي قررها المشرع المغربي في قانون الالتزامات والعقود التي تتمثل في الفصول 461 إلى 473 التي نظمها تحت عنوان (في تأويل الاتفاقيات ) . من هنا يمكن الاعتماد على القواعد العامة للتفسير كأساس في تفسير عقد التأمين بصفة خاصة وعقود الإذعان بصفة عامة، فكيف إذن يمكن إبراز أبعاد الحماية القضائية على مستوى نظرية تفسير عقد التأمين ؟ .
للإجابة على هذا السؤال ينبغي الإحاطة بسلطات وصلاحيات القاضي في عقد التأمين التي تختلف بحسب ما إذا كان هذا التفسير ضيقا أو واسعا .
الفقرة الأولى: التفسير الضيق لعقد التأمين .
إن التفسير الضيق للعقد في نظر بعض الفقه هو ذلك التفسير الذي يهدف إجراء تصحيح لتعبيرات المتعاقدين لتخصيصها أو تقليص معناها لتأتي متطابقة مع الأفكار الحقيقية التي أراد المتعاقدان التعبير عنها ( نظرية الإرادة الباطنة ) وتفسير العقد تفسيرا ضيقا يعني تطبيق شروطه حرفيا دون أن يؤخذ بمبادئ العدالة وحسن النية في الحسبان[29].
الفقرة الثانية: التفسير الواسع لعقد التأمين
على عكس التفسير الضيق ، التفسير الواسع يهدف إلى تدارك عدم الكفاية اللفظية وذلك بسد النقص في العقد باستظهار تلك النيات التي لم يعبر عنها صراحة [30].
وفي هذا الصدد يمكن للقاضي اللجوء إلى القواعد الاحتياطية عند غياب الإرادة الصريحة ومن أهم هذه القواعد الاحتياطية قاعدة تفسير الشك لصالح الطرف الضعيف في العقد وهو المؤمن له ، وبما أن المشرع المغربي لم يتطرق إلى هذا المبدأ في مدونة التأمينات فإنه يمكن الرجوع إلى الفصل 473 من قانون الالتزامات والعقود الذي ينص على أنه : ” عند الشك يؤول الالتزام بالمعنى أكثر فائدة للملتزم ” .
وبما أن تفسير عقد التأمين ومقتضياته تفسيرا قضائيا يخضع للقواعد العامة الواردة في المواد 461 إلى 473 من قانون الالتزامات والعقود ، فإن أي غموض أوالتباس في العبارات أو المعاني يجب أن يفسر لمصلحة المؤمن له باعتباره يمثل طرفا ضعيفا في العلاقة التعاقدية ، وعليه يتحتم على قاضي الموضوع اللجوء إلى سلطته لإبطال أي شرط يتسم بصفة التعسفية ، وبالتالي إلغاء أي شرط يتعلق بسقوط الحق في التأمين أو الإستثناء منه ما عاد في الحالات التي ينص عليها بالتراضي وتكتب بحروف بارزة [31] .
المطلب الثاني : الاستبعاد القضائي للشروط التعسفية في عقد التأمين .
إن الإخلال بالالتزامات التعاقدية في عقد التأمين بصفة خاصة وعقود الإذعان بصفة عامة يجد عامة مصدره في وجود شروط جائرة يستغلها الطرف القوي في إلزام الطرف الضعيف على التعاقد ومن أشهر هذه الشروط نجد الشروط التعسفية [32]، ولقد عرف المشرع المغربي الشرط التعسفي حسب المادة 15 من قانون 31.08 القاضي باتخاذ تدابير لحماية المستهلك أنه ” يعتبر شرطا تعسفيا في العقود المبرمة بين الموردين والمستهلكين كل شرط يكون الغرض منه أو يترتب عليه اختلال كبير بين حقوق وواجبات طرفي العقد على حساب المستهلك ” ،ونظرا لأهمية هذه النقطة في الحماية القانونية للمؤمن له في عقد التأمين سنتطرق إلى سلطة القاضي في الحد من الشروط التعسفية (الفقرة الأولى) ثم محدودية هذه السلطة ( الفقرة الثانية) .
الفقرة الأولى : سلطة القاضي في الحد من الشروط التعسفية في عقد التأمين
غالبا ما يلجأ المؤمن له للقضاء لحمايته من الشروط التعسفية ، فعندما يثبت وجود شرط تعسفي يعمل القاضي على استبعاده وبالتالي يصبح هذا الشرط باطلا ،وهناك العديد من الشروط التعسفية التي يواجهها القاضي نذكر على سبيل المثال : الشرط الجزائي[33]وشرط الإعفاء من المسؤولية وشروط الإحالة …الخ .
فبموجب الفصل 132-1 من مدونة الاستهلاك الفرنسية المعدل بموجب قانون 1995 تأكد اختصاص القضاء في مراقبة الشروط التعسفية ، فمن الشروط التعسفية التي أقرها القضاء الفرنسي في عقد التأمين نجد مايلي :
الشرط المعرف للحادثة بأنه العجز المعاين طبيا خلال مدة الضمان بحيث أنه لو علم المؤمن بالحادث الذي يمكن أن يرتب العجز لفسخ العقد قبل المعاينة الطبية له.
الشرط الذي يحمل مكتري السيارات بالالتزام بالإعلام بالحادثة للمكري داخل أجل24 ساعة تحت طائلة سقوط الحق في الضمان .
الشرط المعرف للخطر والذي يسمح للمؤمن إعفاء نفسه من خلال فسخ العقد بشكل يسمح له التحلل من تحمل الحادثة والتي نتجت خلال مدة إعمال العقد[34].
ويتجلى دور القاضي في مجال التأمين في استبعاده للشروط التعسفية المخالفة للقانون والمخالفة للوائح بوجه عام وإبطال الشروط التي تؤدي إلى حرمان المؤمن له من الحق في التقاضي حسب ما جاء في المادة 19 من مدونة التأمينات والمادة 35 نفس القانون[35].
الفقرة الثانية : محدودية سلطة القاضي في الحد من الشروط التعسفية
غالبا ما يرتكز القضاء المغربي للحد من الشروط التعسفية الجزائية على الفصل 230 من قانون الالتزامات والعقود الذي يكرس سلطان الإرادة والفصل 264 من نفس القانون الذي يعطي الصلاحية للقاضي في تعديل التعويض الإتفاقي، غير أن هذه الوسائل الحمائية تبقى محدودة ومقيدة لسلطة القاضي ، فإذا كان الفصل 264 من ق .ل .ع يتيح إمكانية تعديل التعويض الإتفاقي ، فإنه بالرجوع إلى مقتضيات الفصل 230 من ق.ل.ع الذي نص على ما يلي”الالتزامات التعاقدية المنشأة على وجه صحيح تقوم مقام القانون بالنسبة إلى منشئيها، ولا يجوز إلغاؤها إلا برضاهما معا أو في الحالات المنصوص عليها في القانون ” ، يتبين أنه لا يتيح التدخل القضائي في العلاقة التعاقدية، وهنا يطرح السؤال حول عدم تمديد سلطة القاضي بشأن الشروط التعسفية الأخرى ، علما أن المستهلك يكون طرفا في عقود استهلاكية وعقود إذعان أخرى تتضمن ليس فقط شروطا جزائية وإنما تتعداها إلى شروط تعسفية أخرى مما يؤدي إلى القول بأن الوسائل الحمائية الممنوحة للقاضي تبقى غير كافية إذا استثنينا التدخل القضائي من خلال نظرية عيوب الرضا [36].
أما م هذا الوضع جاء قانون 31.08 القاضي باتخاذ تدابير لحماية المستهلك لإعطاء سلطة تقديرية للقضاء في تحديد الطابع التعسفي لكل شرط وتكييف الشروط التي يحتمل أن تكون تعسفية والحكم ببطلانها طبقا للمادة 16 من قانون 31.08 التي تنص على ما يلي :
” دون الإخلال بقواعد التأويل المنصوص عليه في الفصول من 461 إلى 473 ق .ل.ع يقدر الطابع التعسفي لشرط من الشروط بالرجوع وقت إبرام العقد إلى جميع الظروف المحيطة بإبرامه وإلى جميع الشروط الأخرى الواردة في العقد ويقدر كذلك بالنظر إلى الشروط الواردة في عقد آخر عندما يكون إبرام أو تنفيذ أو تنفيذ العقدين المذكورين مرتبطين بعضهما ببعض من الوجهة القانونية ” .
وعلى أساس ما تقدم يبدو أن حماية المؤمن لهم لها علاقة وطيدة بمدى فعالية المنظومة القضائية التي تعتبر آلية تضمن تدخل الدولة من أجل بلوغ الأهداف المتوخاة من رقابتها على قطاع التأمينات ، وبما أن تدخل السلطة الرسمية للرقابة ( هيئة رقابة التأمينات والضمان الاجتماعي ) على الأنشطة التأمينية غالبا ما ينتهي عند نشوء النزاعات بين طرفي العقد التأميني فإن القضية تحال على القضاء الذي يفترض منه أن يعتمد عدة آليات لحماية المتضرر ، سواء كان الأمر متعلقا بالمؤمن له أو بمقاولات التأمين وإعادة التأمين من هنا أصبح ضمان الحماية المتوازنة والمعقولة في هذا الإطار رهينا بقوة المؤسسات القضائية وكفاءتها وكذا اجتهاداتها الفعالة خاصة فيما يخص تفسير المضامين الغامضة في عقود التأمين والشروط التعسفية .
وعلى سبيل الختم ومن خلال ما سبق ذكره أعلاه يتضح أن موضوع آليات رقابة الدولة على قطاع التأمينات بالمغرب يتميز بالعديد من الخصوصيات ، لاسيما وأن المشرع حاول من خلال مدونة التأمينات وكذا من خلال التعديلات المدخلة عليها على وضع إطار شامل لهذه الرقابة حيث وضعها بالأساس على عاتق مصالح وزارة الاقتصاد والمالية في مرحلة الرقابة القبلية والمثمتلة في منح الاعتماد لممارسة المهن التأمينية ،حيث يتم التدقيق في الشروط الاعتبارية التأسيسية ومعاينة تفاصيل وثائق وملفات الترشيح للاعتماد ووضع قيود ومواصفات وضوابط فنية وتقنية ومالية معينة ، ثم لينقل مرحلة الرقابة البعدية إلى هيئة مستقلة جديدة ” هيئة مراقبة التأمينات والاحتياط الاجتماعي” المحدثة بمقتضى قانون 12.64 والتي يعهد إليها مراقبة عمليات وأنشطة التأمين من خلال مراقبة الوثائق والمراقبة بعين المكان للتأكد من مدى احترام المهن التأمينية لأحكام مدونة التأمينات والنصوص المتخدة لتطبيقه .
ومن جهة أخرى تم تدعيم هذه المراقبة من طرف لجان وجمعيات مهنية قصد إبداء الإستشارة القانونية والتقنية المرتبطة بمختلف الإجراءات المزمع اتخاذها لا من حيث المراقبة السابقة لمنح الاعتماد ولا من حيث الرقابة البعدية اللاحقة لمنحه ،خصوصا وأن قطاع التأمين يقتضي تدخل الأطراف المعنية لتحقيق المصداقية والفعالية ، كما أن تدخل قضاء التأمين باعتباره آلية من آليات الدولة يساهم في تدعيم الرقابة من خلال إعادة التوازن إلى العقود التأمينية في حالة إختلالها .
وأخيرا فرغم المآخدات التي لازالت تسجل على آليات رقابة الدولة على قطاع التأمينات إلا أن الأشكال والتقنيات الرقابية التي تشرف من خلالها سلطة الرقابة في المغرب على هذا القطاع تبرهن على نجاعتها وعلى حرص الدولة على اتخاذ التدابير الإدارية اللازمة ، ووضع الخطط والإستراتجيات الكفيلة بالحفاظ على ثبات مؤسسات التأمين وتقوية وضعها الإقتصادي ، وبالتالي توجيه مقاولات التأمين وإعادة التأمين باعتبارها وحدات مستثمرة نحو مشاريع اقتصادية مضمونة تجعل الأموال التي تستثمرها تعود بالفائدة على ملاءتها وعلى جمهور المؤمن لهم وأيضا على مساهميها وعلى الاقتصاد الوطني برمته .
المراجع المعتمدة
- عبد الله أشركي أفقير – الموجز في قانون التأمين ، مطبعة السليكي إخوان- طنجة طبعة ماي 2013,
- عبد الرزاق السنهوري ، الوسيط في شرح القانون المدني ، الجزء 7 ،المجلد2 ،عقود الغرر وعقد التأمين ، الطبعة الثانية القاهرة ، دار النهضة العربية ،1991 ,
- فؤاد معلال ، الوسيط في قانون التأمين، الطبعة الأولى ، دار أبي رقراق للطباعة والنشر ، الرباط 2011 ,
- نورالدين لعرج ، قانون صعوبات المقاولة ، مطبعة سليكي إخوان –طنجة – طبعة 2011 ,
- يوسف الزوجال – المنظومة الحمائية للمستهلك في عقود الخدمات عقد التأمين نموذجا ،دراسة تحليلية وفق أخرا لمستجدات القانونية – مطبعة الأمنية –الرباط 2013 ,
- زهير بنحودة : ” تفسير عقد الإذعان في القضاء المغربي والمقارن” مجلة محاكم مراكش ، ع 1 مارس 2007،
- ثريا بوتشيش، رقابة الدولة على مقاولات التأمين وإعادة التأمين بالمغرب ، أطروحة لنيل شهادة الدكتورة في القانون الخاص جامعة محمد الخامس ، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية، السويسي، الرباط ، السنة الجامعبة2011-2012,
- محمد الهيني : ” الحماية القانونية للطرف الضعيف في عقد التأمين البري ” رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا في القانون الخاص ، كلية الحقوق فاس ،سنة 2005- 2006,
[1] – د: عبد الله أشركي أفقير – الموجز في قانون التأمين ، مطبعة السليكي إخوان- طنجة طبعة ماي 2013ص 5
[2]– عبد الرزاق السنهوري ، الوسيط في شرح القانون المدني ، الجزء 7 ،المجلد2 ،عقود الغرر وعقد التأمين ، الطبعة الثانية القاهرة ، دار النهضة العربية ،1991 ، الفقرة 547 ، الصفحة 1098
[3] – الظهير الشريف رقم 238-02-1 بتاريخ 25 رجب 1423(3أكتوبر 2002) الصادر بتنفيذ القانون-9917 ، المتعلق بمدونة التأمينات ، الجريدة الرسمية عددها 5045-2 رمضان 1423(7 نونبر 2002) ص3105
[4] – الجريدة الرسمية رقم :5399 بتاريخ 27 فبراير2006
[5] – ظهير شريف رقم 1.14.10 صادر في 4 جمادى الأولى 1435 (6مارس2014) بتنفيذ القانون رقم 12.64 القاضي بإحداث هيئة مراقبة التأمينات والاحتياط الإجتماعي– الجريدة الرسمية عدد 6240 الصادر في 20 مارس 2014
[6] – عرض السيد وزير المالية حول مشروع القانون 99.17 المتعلق بمدونة التأمينات ، منشورات المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية ، سلسلة نصوص ووثائق العدد 74 ،2003 ص 19
[7] – فؤاد معلال ، الوسيط في قانون التأمين، الطبعة الأولى ، دار أبي رقراق للطباعة والنشر ، الرباط 2011 ص9
[8] – نورالدين لعرج ، قانون صعوبات المقاولة ، مطبعة سليكي إخوان –طنجة – طبعة 2011 ص21
[9] – المادة الأولى من القانون رقم 64.12 يقضي بإحداث هيئة مراقبة التأمينات والاحتياط الاجتماعي .جاء فيها : تحدث تحت إسم ” هيئة مراقبة التأمينات والاحتياط الاجتماعي ” المشار إليها بعده تعتبر شخصا اعتباريا من أشخاص القانون العام يتمتع بالاستقلال المالي
[10] – عبدالله أشركي أفقير – مرجع السابق، ص 114
[11] – ثريا بوتشيش – مرجع سابق – ص 235
[12] – العربي مياد ، عقود الإذعان ، دراسة مقارنة ، مكتبة دار السلام للطباعة والنشر والتوزيع ، الرباط الطبعة الأولى 2014 ص : 419 .
[13] – يوسف الزوجال – المنظومة الحمائية للمتسهلك في عقود الخدمات عقد التأمين نموذجا – دراسة تحليلية وفق أخر المستجدات القانونية -مطبعة الأمنية –الرباط 2013 – ص 176
[14] – يوسف الزوجال : مرجع سابق – ص 178
[15] -الحسين بلوش : ” إعلام المؤمن له في مدونة التأمينات الجديدة ” ، مجلة القصر ، العدد 6 شتنبر 2003 ، ص60
[16] – الحسين بلوش ص-62
[17] – الحسين بلوش – مرجع سابق – ص 62
[18] – يوسف الزوجال – مرجع سابق- ص 181
[19] – محمد أغريس ” أحكام التأمين البري في التشريع المغربي الجديد ” دراسة على ضوء مدونة التأمينات الجديدة – سلسلة الدراسات القانونية – دار القرويين الدار البيضاء ‘ الطبعة الأولى سنة 2003 : ص121
[20] – تنص المادة 10 فقرة 2 من مدونة التأمينات الجديدة أن “عقد التأمين لايعتبر منعقدا بين المؤمن والمكتتب إلا إذا تم الإتفاق بينهما على شروط التعاقد وعبر كلاهما عن موافقته على الإلتزام بتلك الشروط
[21] – فؤاد معلال – بعض مظاهر حماية الطرف الضعيف في عقد التأمين بمدونة التأمينات الجديدة – مجلة الإشعاع، عدد 29غثت 2004 ص 66 و67
[22] – الحسين بلوش ” ص 53و54
[23]– يوسف الزوجال – مرجع سابق – ص 190
[24] – نصت المادة 30 من مدونة التأمينات على ” بصرف النظر عن الأسباب العادية للبطلان ومع مراعاة أحكام المادة 94 بعده يكون عقد التأمين باطلا في حالة كتمان أو تصريح كاذب من طرف المؤمن له ، إذا كان هذا الكتمان أو التصريح يغير موضوع الخطر أو ينقص من أهميته في نظرالمؤمن