أمام التحديات العمرانية والسكانية المرتبطة بالنمو الديمغرافي المتزايد، فقد أولى المشرع المغربي لهذه الظاهرة اهتماما خاصا لضمان التوازن بين المجالين القروي والحضري على حد السواء[1].
لأجل ذلك فقد منح المشرع صلاحيات كبيرة للسلطات الإدارية من أجل مراقبة أشغال التجزيء والبناء رقابة شاملة، منذ بداية تقديم طلب الترخيص إلى حين الانجاز والاستغلال وفق ما تقتضيه القوانين والتنظيمات الجاري بها العمل[2].
غير أنه في إطار الصلاحيات الممنوحة لهذه الجهات قصد تنظيم هذا المجال، قد تنشأ بعض المنازعات بينها وبين طالبي الترخيصات، ولحل هذه النزاعات وخلق نوع من التوازن ، كان لا بد من اللجوء إلى القضاء لضمان حقوق كلا الجانبين.
علاوة على ذلك، يمكن أن يكون العقار المراد تجزئته أو البناء بصدده مثقل بمجموعة من الارتفاقات[3] المقررة بمقتضى قوانين ووثائق التعمير، الأمر الذي يثير العديد من الإشكاليات في هذا الإطار.
وعليه ولمناقشة هذا الموضوع، سيتم تقسيمه إلى مطلبين رئيسيين، نخصص (المطلب الأول) للطعن بالإلغاء في ارتفاقات قانون التعمير، فيما سنتطرق في (المطلب الثاني) للطعن بالإلغاء في ارتفاقات قانون التجزيئات العقارية.
المطلب الأول: الطعن في القرارات الناتجة عن ارتفاقات قانــون التعمير
تعتبر رخصة البناء من القرارات الإدارية التي تسمح للسلطات العمومية بالتوفر على كل المعلومات الضرورية حول كل مشروع بناء، وذلك من أجل السهر على مطابقة البناء للقواعد القانونية والتنظيمية الجاري بها العمل[4].
وهكذا فإن هذا الإجراء يمكن السلطات العمومية من فرض سيطرتها على احترام ضوابط وقواعد البناء، والقواعد الصحية وغيرها على الراغبين في تشييد مباني فوق أرضهم، أو ترميم أو إصلاح البنايات القائمة أو إنجاز أشغال أخرى الترخيص، ومن ثمة مراقبة التطور العمراني، وتجنب البناءات العشوائية التي تعتبر من أخطر الظواهر التي تهدد المدن والقرى[5].
من هذا المنطلق، سنعالج هذا المطلب إلى فقرتين نخصص الاولى للطعن في ارتفاقات عدم البناء الناتجة عن تصميم التهيئة(فقرة أولى) ، فيما سيعالج في الثانية الطعن بالإلغاء في ارتفاقات قرارات تخطيط حدود الطرق العامة(فقرة ثانية).
الفقرة الأولى: الطعن في ارتفاقات عدم البناء الناتجة عن تصميم التهيئة
لعل أهم القرارات التي يمكن أن تصدرها في مجال رخص البناء بدعوى تواجد ارتفاقات التعمير، القرارات الصريحة برفض تلك الرخص، أو القرارات الضمنية لمنح الرخص، وكذا قرارات سحب رخص مستوفية للشروط المتطلبة قانونا لإصدار القرار الإداري، ثم احترام ضوابط وقوانين التعمير. فإذا ثبت أنها مخالفة لهذه المقتضيات يحق لكل متضرر منها المطالبة بإلغائها أمام القضاء الإداري في شقه المتعلق بالإلغاء، ومن ثمة يبقى على القاضي الإداري خلق نوع من التوازن بين المصلحة العامة والحفاظ على جمالية العمران من جهة، والمصلحة الخاصة وضمان حقوق وحرية الأفراد من جهة ثانية[6].
من هذا المنطلق،سنتطرق في هذه الفقرتين إلى نقطتين أساسيتين، نخصص الأولى للطعن في الرفض الصريح لرخص البناء، فيما سنعالج في الثانية الطعن في قرارات سحب رخص البناء.
أولا: الطعن في الرفض الصريح لرخص البناء
طبقا للمادة 43 من القانون رقم 12.90 المتعلق بالتعمير، فإن رخص البناء لا تسلم إلا بعد ما يتم التحقق من أن المبنى المزمع إقامته تتوفر فيه الشروط التي تفرضها الأحكام التشريعية والتنظيمية الجاري بها العمل، خصوصا الأحكام الواردة في تصاميم التهيئة، وأن أي خرق لضوابط البناء من جانب طالبي الرخص قد يكون موضوع رفض من طرف السلطات المختصة، مما يفتح الباب أمام المتضررين للطعن في مشروعية هذه القرارات أمام القضاء الإداري.
وعلى هذا الأساس، فإن القاضي الإداري عند مراقبته لمشروعية القرارات الصادرة في ميدان التعمير، يحاول دائما التقيد بمقتضيات تلك المادة، ومن ثمة التحقق من أن الطلبات المقدمة تتوفر فيها فعلا جل الشروط المنصوص عليها في القوانين والأنظمة الجاري بها العمل، وكذا إقامة نوع من التوازن بين المصلحة العامة والمصلحة الخاصة، محاولا بذلك ترجيح المصلحة الأولى، انطلاقا من اعتبار قانون التعمير من النظام العام. وأنه ملزم للجميع، فيترجم أحكامه وقراراته إما بالإلغاء إذا تبين له أن طلب الإلغاء المتقدم أمام المحكمة مؤسس قانونا و القرار متسم بالتجاوز من جانب الإدارة عند رفضها الترخيص، أو إعطاء تفسيرات خاصة بها لا علاقة لها بالتعمير، أو يحكم برفض هذا الطلب متى تبين له أن هناك إخلالا من جانب طالبي الرخص بقوانين التعمير.[7]
وهكذا، ففي قضية الشركة العقارية المالية والسياحية “هيفوطيل” رفض السيد رئيس الجماعة الحضرية لسيدي بليوط منح رخصة البناء للطاعنة، معللا ذلك بكون القطعة الأرضية وإن كانت مسجلة في اسم المدعية، فإن الرسم العقاري يتضمن وجود حقوق عينية وتحملات عقارية عن كراء وتقييد احتياطي لفائدة الغير، حيث ردت الغرفة الإدارية بالمجلس الأعلى على الدفع بما يلي[8]:
“وحيث إنه من الثابت أيضا أن الطاعنة التي تقدمت بطلب الحصول على رخصة بناء عمارة بالأرض المذكورة قد أدلت بجميع الوثائق والمستندات الضرورية التي يتطلبها قانون التعمير، وحيث أن تمسك الجماعة الحضرية لسيدي بليوط بعدم أحقيتها في الحصول على رخصة البناء بعلة وجود تقييد احتياطي على العقار المذكور لفائدة الغير لا يرتكز على أساس، ذلك أن وجود التقييد الاحتياطي المذكور ليس من شأنه أن يحول بين المالك على الرسم العقاري وبين ممارسة جميع التصرفات بما في ذلك التفويت لحق ملكيته فضلا عن طرق الاستغلال التي يراها مناسبة لوضعية عقاره.
وحيث يستنتج من كل ما سبق أن المقرر المطعون فيه برفض منح الطالبة رخصة البناء للعلة المشار إليها يكون بالشطط في استعمال السلطة ويتحتم بالتالي إلغاؤه.”
وفي هذا الصدد، فقد أحسن المشرع عملا بإلزام الإدارات بتعليل قراراتها،[9] حتى يكون المعني بالأمر أولا على دراية بأسباب اتخاذ القرار، ولتسريع إجراءات الدعوى وتفادي طلب المذكرة الجوابية وتسهيل مهمة القضاء والفقه في التحقق من شرعية القرار[10].
ثانيا: الطعن في قرارات سحب رخص البناء
لقد خول المشرع للإدارة إمكانية سحب رخص البناء متى تبين لها عدم شرعيتها، والسحب الإداري هو ذلك الجزاء الذي يكون على مخالفة مبدأ المشروعية، وبالتالي يؤدي إلى إنهاء القرار بأثر رجعي اعتبارا من تاريخ صدوره[11].
غير أن السحب لا بد أن يخضع لشرطين أساسيين: أن يكون القرار محل السحب قرارا إداريا غير مشروع، ثم أن يجري السحب خلال الميعاد المقرر قانونا للطعن بالإلغاء.
واستنادا للقاعدة التي تؤكد المبدأ القاضي بعدم رجعية القرارات الإدارية، ولما كان السحب هو إعداما للقرار الإداري المسحوب بأثر رجعي اعتبارا من تاريخ صدوره، كان طبيعيا أن تتخذ سلطة السحب بالحالات التي لا يكون فيها القرار المسحوب قد ولد حقوقا مكتسبة للغير، وهذا هو الأصل في القرارات غير المشروعة[12].
ففي قضية السيد أكجضاون محمد بن عبد الله ضد الوكالة الحضرية لأكادير في شخص رئيسها، عللت المحكمة[13] حكمها بما يلي:
“وحيث إن رخصة البناء سلمت من طرف المجلس البلدي للطاعن بتاريخ 5/10/95، ومعنى ذلك أنه تم التحقق من أن المشروع المزمع إقامته تتوفر فيه الشروط التي تفرضها الأحكام التشريعية والتنظيمية، خصوصا أحكام تصاميم التنطيق والتهيئة، كما تقضي بذلك الفقرة الأولى من المادة 43 من قانون رقم 12.90 المتعلق بالتعمير، ويكون بذلك مركز الطاعن القانوني قد تحصن ولا يمكن سحب هذه الرخصة منه إلا بإتباع المسطرة المحددة قانونا لذلك،
وحيث إن قرار الوكالة الحضرية لأكادير المضمن برسالتها المؤرخة في 13/9/96 جاء كما يتضح لاحقا بعد صدور الرخصة، والحال أنه كان يجب أن يكون سابقا عن الرخصة، ويشكل بذلك إيقافا لمفعولها.
وحيث إنه كان أمام الوكالة الحضرية لأكادير إن ثبت لها مخالفة الطاعن للضوابط القانونية الجاري بها العمل في مجال التعمير أن تسلك السبل القانونية المفضية إلى سحب رخصة البناء، أو مساءلة المخالف بدلا من حرمان الطاعن من رخصته التي سلمت له من الجهة المختصة، ويبقى إنكار الوكالة الحضرية منعها الطاعن من رخصته مردود عليها بمقتضى ورقة تسليم أدوات البناء حجزت للعارض من طرف لجنة من اللجان المكونة لها، وإذ أن رئيس المجلس البلدي حسب الوثائق المدلى بها في الملف ينفي مسؤوليته في منع الطاعن من البناء.
وبالتالي فقرار الوكالة الحضرية لأكادير غير مرتكز على أساس سليم ومتسم بتجاوز السلطة، يتعين بالتالي إلغاؤه”.
الفقرة الثانية: الطعن بالإلغاء في ارتفاقات قرارات تخطيط حدود الطرق العامة
بالرجوع إلى المادة 34 من القانون رقم 12.90 المتعلق بالتعمير[14]، نجدها تنص على أنه ابتداءا من تاريخ نشر قرار تخطيط الطرق العامة أو حدودها المعينة فيها الأراضي المراد نزع ملكيتها لما تستوجبه العملية. ينشئ حق ارتفاق يتجلى في إخضاع القطع الأرضية التي تخترقها إحدى الطرق إلى نظام قانوني خاص يوجب على المجاورين لتلك الطرق احترام حدودها ولا يجوز السماح لهم بالبناء إلا على بعد معين من تلك الحدود، كما يمنعهم من إقامة أي بناء جديد أو تعلية بتلك الأراضي.[15]
ومن النوازل التي تهم هذا الموضوع، القضية المعروضة التي قضت فيها المحكمة الإدارية بالرباط[16] بين السيد عبد السلام بن التهامي البقالي ضد وزارة التجهيز ، برفض الطلب بناءا على تعليلها التالي:
“حيث يهدف الطلب إلى الحكم بإلغاء القرار المطعون فيه والقاضي بالترخيص بإقامة كشك فوق الأرض التي يدعي الطاعن أنها في ملكه.
حيث أجابت الإدارة المطلوبة في الطعن بأن الكشك المرخص بإقامته يقع في ملك عمومي وليس في ملك الطاعن…..
…… لكن حيث أن الخبير قد أوضح بتفصيل في تقريره أن الكشك موضوع النزاع يبعد عن وسط الطريق العام بـ 12.40 متر، وأن الحدود القانونية للطريق العام هي 15 متر من كل جانب انطلاقا من محورها وذلك حسب مرسوم القرار المنشور بالجريدة الرسمية عدد 3947 بتاريخ 22/6/88.
وحيث إنه أمام هذه المعطيات يكون تقرير الخبير قد استوفى كل شروطه الشكلية والموضوعية، لذا يتعين المصادقة عليه وبالتالي يبقى إدعاء الطاعن بملكيته للمكان القائم فوقه الكشك لا يستند على أساس لاسيما وأن الطاعن المذكور لم يدل بما يثبت عكس ما جاء في التقرير.
وحيث إنه تبعا لذلك يكون القرار المطعون فيه غير مشوب بتجاوز السلطة لأي عيب من عيوب المشروعية، مما يتعين معه الحكم برفض الطلب”.
المطلب الثاني: الطعن بالإلغاء في ارتفاقات عدم الترخيص بإحداث تجزئة عقارية
لقد خول المشرع للسلطات الإدارية اختصاصات واسعة في مجال مراقبة عمليات التجزيء سواء منها القبلية أو البعدية، والتي تساعدها على متابعة أشغال التجزيء عن قرب حتى تضمن تطبيق القانون المعمول به في هذا الاتجاه[17].
إلا انه إذا ثبت أنها مخالفة لهذه المقتضيات بدعوى تواجد ارتفاقات التعمير، فإنه يحق لكل متضرر منها الطعن فيها أمام القضاء الإداري لمراقبة مشروعيتها .
وعلى هذا الأساس، سنقسم هذا المطلب إلى فقرتين رئيسيتين: نخصص (الفقرة الأولى) للحديث عن الطعن في قرارات رفض الترخيص الصريح بإحداث تجزئة عقارية، فيما سنتطرق في (الفقرة الثانية) إلى الطعن في قرارات سحب الترخيص بإحداث تجزئة عقارية.
الفقرة الأولى: الطعن في قرارات رفض الترخيص الصريح بإحداث تجزئة عقارية
يتولى رؤساء المجالس الجماعية حسب المادة الثالثة من القانون رقم 25.90 تسليم رخص إحداث التجزئات، وإذا كان العقار المراد تجزئته يوجد في جماعتين أو عدة جماعات، يسلم الإذن وزير الداخلية أو الوالي أو العامل المعني الذي يفوض إليه مباشرة ذلك بعد استطلاع رأي رؤساء مجالس الجماعات الحضرية والقروية المعنية.
ولا يمكن منح الترخيص بإحداث التجزئة إلا إذا توفرت مجموعة من الشروط المقررة في قانون 25.90 الخاص بالتجزئات العقارية[18]، ولا يمكن للإدارة رفض الطلب إلا بقرار معلل، وذلك حتى يتسنى للقاضي الإداري بسط مراقبته على مشروعية جوانب تحريف الإدارة القانوني والوقائعي.[19]
وفي هذا الإطار، يحق لطالبي رخص التجزئة الطعن في قرارات رفض الترخيص بإحداث تجزئة عقارية، متى ادعت الإدارة تواجد ارتفاقات التعمير في تلك المنطقة.
وهكذا قضت محكمة الاستئناف الإداري[20] بالرباط بين السيدين أحمد خليل و مهذب محمد ضد رئيس المجلس الجماعي الحضري لمدينة الجديدة بما يلي:
” …. وحيث إنه من جهة رابعة فالمادة 27 من قانون التعمير تقضي بأنه إذا لم يتم نشر النص القاضي بالمصادقة على مشروع تصميم التهيئة خلال أجل 12 شهر يبتدئ من تاريخ اختتام البحث العلني المتعلق به فإن أحكام المشروع تصير غير لازمة التطبيق.
وحيث إنه من الثابت من أوراق الملف خاصة الشهادة الإدارية عدد 848 المؤرخة في 30/01/2008 المرفقة بالمقال ألاستئنافي للمجلس أن سجل الملاحظات ظل مفتوحا من 18/12/2007 إلى 11/01/2008، إلا أنه لم يتم الإدلاء بالنص القانوني المتعلق بالمصادقة على تصميم التهيئة داخل الأجل المنصوص عليه في المادة 27 أعلاه، يبقى القرار المطعون فيه قد بني على سبب لا وجود له أساسا ويبقى متسما بتجاوز السلطة لعيب السبب ويكون السبب المعتمد في هذا الصدد غير جدير بالاعتبار، والحكم المستأنف لما قضى بإلغائه صائبا وواجب التأييد”.
الفقرة الثانية: الطعن في قرارات سحب الترخيص بإحداث تجزئة عقارية
لقد خول المشرع للإدارة صلاحية سحب الترخيص كلما رأت أن المجزء مخالف للقوانين والأنظمة الجاري بها العمل في المجال التعميري، وذلك وفق شروط محددة مسبقا.
والسحب الإداري هو إجراء تصدره الإدارة بسحب قرار سبق لها أن أصدرته كلما تبين عدم مشروعيته، وهو يخالف الإلغاء الذي يجري بحكم قضائي فيه بإلغاء القرار المطعون فيه أمامه، متى تبين لها عدم مشروعيته.
والسحب الإداري والإلغاء القضائي كلاهما جزاء على مخالفة مبدأ المشروعية ويؤدي إلى إنهاء القرار بأثر رجعي اعتبارا من تاريخ صدوره.[21]
وعليه إذا كانت رخصة التجزئة بمثابة قرار إداري فإنه يمكن للإدارة التراجع عن هذا القرار بسحبه أو مراجعته كلما تبين لها تواجد ارتفاقات التعمير في هذا الإطار، إلا أنه ولتفادي إجحاف السلطات الإدارية في مثل هذه الحالات ومن تمة ضمان حقوق المجزئين فقد خول المشرع لهؤلاء الحق في اللجوء إلى القضاء الإداري للطعن في تلك القرارات.
وهكذا، وفي قضية السيد محمد قيسي ضد رئيس المجلس البلدي لمدينة أصيلة، قضت الغرفة الإدارية بالمجلس الأعلى[22] بإلغاء القرار المطعون فيه اعتمادا على الوقائع والحيثيات التالية:
“…. وحيث إن سحب الرخصة لا يمكن أن يتخذ من طرف رئيس المجلس البلدي إلا إذا ثبت أن المرخص له قد خالف الضوابط في مادة التعمير والتجزئات والطرق، في حين أن الإدارة تمسكت في مقالها الإستئنافي بأن السبب الذي حذا بها إلى منع الطاعن المستأنف عليه في الاستمرار في عملية التجهيز، هو إرسالية السيد وزير الداخلية وكتاب عامل طنجة، الذي طلب إصدار القرار المطعون فيه إلى حين معرفة نتيجة ودراسة إمكانية تغيير تصميم التهيئة، والحال أن البث في مثل هذا النزاع لا يدخل في اختصاص المجلس البلدي ولا رئيسه، وحيث أن مؤدى ذلك أن المجلس البلدي لأصيلة عندما اتخذ القرار القاضي بسحب رخصة التجزئة وبإيقاف عمليات التجهيز يكون قد اشتط في استعمال السلطة، ويكون ما توصل إليه قضاة الدرجة الأولى في إلغاء هذا القرار في محله وواجب التأييد، لهذه الأسباب قضى المجلس المحلي الأعلى بإلغاء الحكم المستأنف”.
ونفس الاتجاه ذهبت إليه المحكمة الإدارية بالرباط[23] بين “شركة الغصن 3 للاستثمار العقاري” والجماعة الحضرية لأصيلة اعتمادا على التعليل التالي:
“لكن حيث أنه بالغض عن سحب الترخيص الذي ينبغي أن يكون داخل أجل الطعن وهو ما لا يتوفر في نازلة الحال، فإن المخالفات المنسوبة إلى الطاعن لا يوجد بالملف ما يثبتها، ومن جهة أخرى فإن تلك المخالفات لا يترتب عنها إلغاء الرخصة كما جاء في القرار المطعون فيه وإنما يستوجب الأمر إيقاف أشغال البناء ثم هدم البناء المخالف للتصميم بعد إثبات ذلك بالطرق القانونية.
وحيث إنه تبعا لذلك يكون القرار المطعون فيه مشوبا بالتجاوز في استعمال السلطة لعيب السبب ومخالفة القانون مما يتعين معه الحكم بإلغاء القرار مع ترتيب الآثار القانونية على ذلك”.
خاتمة :
إن الخوض في موضوع الطعن بالإلغاء في ارتفاقات التعمير، يعد من المواضيع التي نالت اهتمام العديد من الدارسين و الباحثين في ميدان التعمير المتسم بالتعقيد و التقنية.
ذلك أن السلطات الإدارية المكلفة بمنح التراخيص بإحداث التجزئات أو الأبنية العقارية بدعوى تواجد ارتفاقات التعمير لا تخرج عن خرق مقتضيات النصوص التشريعية الجاري بها العمل، أو تتنافى ومحتويات وثائق التعمير.
و على هذا الأساس ، و بالرجوع إلى الاجتهادات القضائية الصادرة في هذا الميدان و المشار إليها أعلاه، يتبين أن القاضي الإداري المغربي قد ساهم في وضع حد لمختلف التجاوزات التي من شأنها أن ترتكبها الإدارة مانحة التراخيص بإحداث الأبنية العقارية، وذلك باعتباره حامي الحقوق و الحريات من جهة و الضامن لحماية المصلحة العامة من جهة ثانية.
[1] – الحاج شكرة: آفاق قضاء الإلغاء في مجال التعمير، منشورات المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية، سلسلة مواضيع الساعة، العدد 47، سنة 2004، ص: 239
[2] – عبد الله حداد : “قطاع الإسكان بالمغرب، دراسة قانونية وقضائية” منشورات عكاظ الطبعة الأولى، يناير 2004، ص: 187
[3] -يقصد بالإرتفاقات الإدارية في مجال التعمير بتلك التكاليف المقيدة لحقوق المالك الموضوعة اتحقيق المنفعة العامة، وتتحملها الأراضي حسب موقعها داخل مختلف مناطق المدينة وهدفها تخطيط و تنظيم هذه الأخيرة.
[4] – إدريس البصري: دليل التعمير والهندسة المعمارية، مجموعة تشييد دولة حديثة، المطبعة الملكية 1994 ص: 45.
[5] – محمد بوجيدة: رخصة البناء، الجزء الأول، طبع و توزيع دار الجيل الطبعة الثانية2000 ، ص: 14.
[6] – Mohammed El Yaâgoubi : le permis de construire et l’environnement au Maroc, REMALD, Etudes, N° 44-45, Mai – Août 2002, p :63.
[7] – عز العرب الحمومي: القضاء الإداري والتعمير، مجلة المعيار، العدد 40 ، المطبعة الأورومتوسطية للمغرب، الطبعة الأولى، دجنبر 2008، ص: 47
[8] – القرار عدد 427 بتاريخ 27/12/90 ملف إداري عدد 8451/88
[9]– لقد أكدت المحكمة الإدارية بمراكش في حكم لها رقم 4 بتاريخ 13/01/1999 ملف رقم 675/97 ما يلي: “اعتماد القرار المذكور في تعليله على محضر المعاينة المذكور وعلى أسباب تتناقض وما جاء بالملف التقني لطلب رخصة البناء وتتناقض وما جاء بالقرار نفسه – عيب السبب – نعم”.
[10] – الشريف البقالي: رقابة القاضي الإداري على مشروعية القرارات الـصادرة في مجال التعمير،رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة في القانون العام ،جامعة محمد الخامس- أكدال، السنة الجامعية 2002/2003 ص: 130.
[11] – محمد الأعرج : النظام القانوني للقرارات الإدارية في العمل القضائي للمحاكم الإدارية، منشورات المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية، عدد 64 شتنبر-أكتوبر 2005، ص: 30
[12] – الشريف البقالي : رقابة القاضي الإداري على مشروعية القرارات الإدارية الصادرة في مجال التعمير، مرجع سابق، ص: 148
[13] – حكم المحكمة الإدارية بأكادير عدد 50/97 بتاريخ 11/12/97 ملف رقم 42/96 غير منشور
[14] – الفقرة الثانية من المادة 34 من القانون رقم 12.90 المتعلق بالتعمير
[15] – في هذا الصدد يقول الأستاذ عبد العزيز بن جلون في كتابه : “القيود الواردة على حق الملكية في القانون العام المغربي” ( إن هذا الارتفاق يثقل كاهل الأفراد أصحاب العقارات لأن الإدارة لا تعرف غداة اتخاذ قرار تخطيط الطرق هل الأشغال التي ينص عليها سوف تنجز أم لا ومتى) مطابع شمال إفريقيا الرباط سنة 1971، ص: 140 بالفرنسية.
كما أن الأستاذ عبد الرحمان البكريوي يؤكد بدوره على أن أجل سريان قرار تخطيط الطرق الذي هو 10 سنوات (كان في ظهير 1953 عشرون سنة)، ويمكن تمديده إلى ما لا نهاية، كما يمكن تجديده = لآجال مماثلة الأمر الذي قد يؤدي إلى تجميد حقوق الأفراد لعدم استعمالهم لأراضيهم طيلة عشر أو عشرين سنة. يراجع الدكتور عبد الرحمان البكريوي: التعمير بين المركزية واللامركزية، مرجع سابق، ص: 147.
[16] – حكم المحكمة الإدارية بالرباط عدد 475 بتاريخ 27/04/2000 ملف رقم 400/98 غير منشور.
Mhammed DRYEF: “Urbanisation et droit de l’urbanisations au Maroc, Editions la porte 1993;p: 154.1
[18] – تنص المادة 5 من قانون 25.90 على أنه: “لا يقبل طلب التجزئة إذا كانت الأرض المراد تجزئتها ليست محفظة ولا بصدد التحفيظ ولا يكون الطلب مقبولا إذا تعلق الأمر بصدد التحفيظ إذا كان الأجل المحدد لتقديم التعرضات على التحفيظ قد انصرم دون تقديم أي تعرض على تحفيظ العقار المراد تجزئته.
[19] – مولاي إدريس الحلابي الكتاني: “مسطرة التقاضي الإدارية” الجزء الثاني، منشورات المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية، سلسلة مواضيع الساعة، عدد 17، سنة 1998 ص: 64
[20] – محكمة الاستئناف الإدارية بالرباط، القرار عدد 242، ملف رقم 51/8/5، بتاريخ 11/02/2009 غير منشور.
[21] – عليوة مصطفى فتح الله: “القرار الإداري الباطل والقرار المصدوم” دار النهضة العربية، الطبعة الأولى، سنة 1997، ص: 299
[22] – قرار عدد 180 المؤرخ في 25/3/93 الملف الإداري عدد 164/98، منشور بمجلة قضاء المجلس الأعلى، الإصدار الرقمي دجنبر 2004، العدد 55، ص: 182
[23] – حكم المحكمة الإدارية بالرباط رقم 603، ملف رقم 603/96 بتاريخ 10/7/97