المحاكم الإدارية وقضاءالتعويض

مقدمة

يستهدف قضاء الإلغاء، من خلال رقابة  القرارات الإدارية، التوصلإلى إلغاء غير المشروع منها، إلا أنه ليس كافيا لحماية الأفراد حماية كاملة، إذ أنه إذا كان يضمن إعدام القرارات الإدارية المعيبة، فإنه لا يكفل تغطية ما يترتب على بقاء تلك القرارات الإدارية فترة من الزمن، نظرا لمبدأ نفاذ القرارات الإدارية بالرغم من رفع دعوى الإلغاء، ويمكن القول أن طريق التعويض يعتبر مكملا للإلغاء.

ويعتبر إنشاء المحاكم الإدارية بالمغرب بصفة مستقلة عن المحاكم الابتدائية مرحلة جديدة في تطور النظام القضائي الذي كان يتسم بوحدة القضاء وازدواجية القانون منذ ظهير 12 غشت 1913، الشيء الذي أدى إلى وجود نصوص قانونية متميزة عن قواعد القانون الخاص تتعلق بالنشاط الإداري للأشخاص العامة ، وبالرغم من أن الإدارة ، خاصة في فترة الحماية ، لم تكن خاضعة للرقابة القضائية بصفة شاملةفإن المحاكم المحدثة خلال هذه الفترة والممتدة بعد الاستقلال كانت تتوفر على اختصاصات للنظر في الدعاوى المقدمة ضد الإدارة.

ومن جهة أخرى، عرف القضاء الإداري بالمغرب مظاهر وجوده أيضا من خلالمختلف الاجتهادات المتميزة التي كانت تصدرعن هذه المحاكم في المجال الإداري والتي تعززت باجتهادات المجلس الأعلى من خلال مختلف الحلول والقرارات الصادرة عن الغرفة الإدارية بالمجلس الأعلى.

ومع إنشاء المجلس الأعلى بظهير 27 شتنبر 1975 اتسع مجال مقاضاة الإدارة بإدخال دعوى الإلغاء من أجل الشطط في استعمال السلطة ضد القرارات الصادرة عن السلطات الإدارية، لتضاف إلى الدعاوى الأخرى المقررة سابقا في مجال التعويض بناء على مسؤولية الإدارة ، أو في مجال القضاء الشامل.

ومع إصلاح سنة 1974 تعزز تأكيد الوضعية السابقة بتوسيع مجال قضاء التعويض بصفة إجمالية ، وأصبحت المحاكم الابتدائية مختصة للنظر في مختلف الدعاوى في هذا المجال كدرجة أولى على أن تستأنف أحكامها بشروط معينة أمام محاكم الاستئناف قبل أن تعرض للنقض
أمام المجلس الأعلى.

وخلال سنة 1989 وبداية سنة 1990، طرحت على الساحة الوطنية قضية علاقة المواطنين بالسلطات العمومية خاصة السلطات الإدارية وقدارتبطت هذه العلاقة بضرورة تدعيم وتطوير حماية حقوق المواطن وحقوق الإنسان على العموم.وفي هذا الجو جاءت المبادرات الملكية والمعلن عنها في الخطاب الملكي ليوم 8 ماي 1990 بإنشاء المجلس الاستشاري لحقوق الإنسانوالإعلان عن قرب إنشاء المحاكم الإداريةوالتأكيد على استكمال دولة الحق والقانون[1].

وبالفعل، تم إعداد مشروع قانون إحداث المحاكم الإدارية رقم 90/41 الذي عرض على أنظار مجلس النواب الذي وافق عليه بتاريخ 11 يوليوز 1991 ليتم إصداره في 03 نونبر 1993، ونشر بالجريدة الرسمية، ولم يدخل حيز التطبيق إلا في فاتح مارس1994.

ويعد إنشاء هذا النوع من المؤسسات القضائية، بجميع المقاييس،  من أبرز الأحداث التي شهدتها بلادنا في السنين الأخيرة، باعتباره لبنة إضافية في طريق استكمال صرح دولة الحق والقانون، من شأنها أن تطور عمل القضاء الإداري  ويعزز نظام حماية فعلية لحقوق وحريات المواطنين عموما، والممارسين في كل القطاعات الاقتصادية على وجه الخصوص.

ويبقى التساؤل المطروح هوإلى أي حد استطاعت المحاكم الإدارية بالمغرب القيام بالمهام الملقاة عليها خاصة في مجال التعويض؟ وما هي العراقيل التي تعترض السير العادي لهذه المؤسسات القضائية؟

للجواب على هذه الإشكالية كان من الضروري التحدث في البداية عن إشكالية الاختصاص في مجال التعويض بعد إحداث  المحاكم الإدارية ثم رصد تجارب بعض المحاكم الإدارية في هذا الإطار(المبحثالأول)ثم التوقف بعد ذلك على أهم الصعوبات التي تؤثر على أداء هذه المحاكم ( المبحث الثاني).

المبحث الأول: قضاء التعويض في ظل المحاكم الإدارية

إن إشكالية اختصاص المحاكم الإدارية في دعاوى التعويض لم تكن تثار قبل إحداث هاته المحاكم مادام أن الفصل 18من ق.م م كان يسند هذا الاختصاص إلى المحاكم الابتدائية. لكن بصدور قانون المحاكم الإدارية وتنصيبها أصبحت هاته الإشكالية قائمة ، إذ يتعين معرفة ما إذا كانت كل دعاوى المسؤولية الإدارية أصبحت من اختصاص المحاكم الإداريةأم لا زال القاضي العادي يختص بجزء من هاته الدعاوى.

المطلب الأول: اختصاص المحاكم الإدارية في دعاوى التعويض

– استنادا إلى المادة 8 من القانون رقم90-41،  وإن كانت تعتبر أصلا عاما في تحديد اختصاص المحاكم الإدارية، فإن بعض المواد التي تلتها قد تكون قيدتها مما يطرح التساؤل حول كيفية التوفيق بين المادة 8 وبعض المواد الأخرى التي تلتها ويتعلق الأمر بالمواد 26و27 المتعلقة بالانتخابات والمواد 28 إلى 36 المتعلقة بالضرائب.

وفي هذا الصدد، يعتبر الأستاذ محمد النجاري أن قانون المحاكم الإدارية وإن كان قد جاء ببعض القواعد الموضوعية كما هو الحال في المادة (20) إلا أن أغلبية النصوص تتعلق بالمسطرة الواجب اتباعها أمام هاته المحاكم، مما نرى أنه يتعين الرجوع إلى القواعد القانونيةوالفقهية المتعلقة بتحديد مسؤولية الدولة قصد تطبيقها على كل دعاوى المسؤولية الإدارية.

وذهب الاجتهاد القضائي إلى تبني هذا الموقف، إلا أن الاختلاف حول اختصاص المحاكم في كل نشاط أو عمل مهما كان نوعه تسبب في ضرر للغير ولو كان يرجع أساسهإلى تطبيق القانون الخاص، بمعنى أن المشرع يكون قد اكتفى في هاته الصورة بالمعيار العضوي أو الشكلي للمنازعة الإدارية.

ومثال على ذلك، ما قضت به المحكمة الإدارية بالدار البيضاء في قضية بامهاوت محمد ضد المكتب الوطني للسكك الحديدية الصادر بتاريخ 15 فبراير 1996 حيث صرحت بأن” التعويض عن الطرد الذي يتسبب فيه شخص من أشخاص القانون العام دون أن تكون بينه وبين المتضرر علاقة قانونية معينة ينظمها قانون خاص”.

وفي حكم للمحكمة الإداريةبفاس الصادر بتاريخ22/12/1994 اعتبرت نفسها مختصة للبت في طلب التعويض عن الغلة والدار التي توجد بقطعة أرضية كانت موضوع عقد تمبمقتضاه تنازل الطاعن عنها وبمقابل لفائدة إحدى الجماعات. وقد جاء في إحدى حيثيات هذا الحكم “من المسلم به وفقا للقواعد المقررة في عقد البيع أن العقود تسري آثارها من تاريخ التوقيع عليها ومن بين الآثار نقل الملكية للمشتري والتي تحول له التصرف في مشتراه بمختلف أنواعه………”.

أماالمحكمةالإداريةلوجدة فقد أجابتعن الدفعبالاختصاص في قضية تتعلقبالتعويض عن مساحة مقتطعة لتوسعة طريق في إطار قانون التعمير بناء على مقتضيات الفصل 08، لكن أحكاما أخرى  ذهبت في اتجاه معاكس ذلك أن المحكمة الإدارية بفاس اعتبرت أن طلب التعويض عن الإخلالبعقد كراء محطة وقوف للسيارات يخرج عن إطار اختصاص المحكمة الإدارية باعتبار أن عقد الكراء هو عقد خاص (حكم صادر في 19/01/1995).

كما اعتبرت المحكمة الإداريةبأكادير نفسها غير مختصة في طلب أداء مبلغ مالي موجه ضد وزارة الشبيبة والرياضة ومن معها بعلة أنالأمر يتعلق بمبلغ نتج عن  عقد كراء جهاز تلفاز وفيديو وهو عقد خاص تختص في منازعاته المحاكم العادية(حكم صادر في 05/01/1995).

على أن الرأي الراجح لدى المحاكم الإدارية هو التمسك بمعايير التمييز بين المنازعة الإدارية وغير الإدارية ويتجلى ذلك في كثير من القضاياوخاصة في مجال العقود الإدارية، إذ اعتبرت كثير من المحاكم الإداريةأن العقود التي تبرمها المؤسسات العامة ذات الصبغة التجارية والصناعية مع المنتفعين بخدماتها عقودا مدينة تخرج عن اختصاص القضاء الإداري.

فالمحكمة الإداريةبوجدة في حكمها عدد 106 بتاريخ 27/12/1995 اعتبرت فيه أن عقد الاشتراك في الهاتف عقد مدني وأعلنت عدم اختصاصها،  في حين ذهبت المحكمة الإداريةبأكادير وعلى خلاف باقي المحاكم الأخرىإلى اعتبار أن عقد الاشتراك في الهاتف عقد إداري وأعلنت عن اختصاصها للنظر في النزاع الناشئ عنه بمقتضى حكمها 593/95 بتاريخ 19اكتوبر 1995 .

الجديربالإشارةأن المادة 8 من قانون المحاكم الإداريةأعطت الولاية العامة للمحاكم الإدارية في دعوى التعويض مالم يوجد نص خاص وصريح يعطي الاختصاصلجهة قضائية أخرى، وهذا ما أكده الأستاذ محمد النجاري (أنني أرى أنه متى وجد نص خاص يعطي الاختصاص لجهة قضائية معينة وجب عليها التمسك به إلىأن يتدخل المشرع لتعديله أو أن يتواترالقضاءالإداري على تعديله ضمنيا، ومثال على ذلك ما نص عليه المشرع في بعض مواد قانون المحاكم الإدارية بتعديل الفصل 85 مكرر منض.ق.ل.ع الذي يعطي الاختصاص (في دعاوى التعويض عن الإضرار الحاصلة للأطفال والشباب خلال الوقت الذي يوجدون فيه تحت رقابتهم للمحكمة الإقليمية).

المطلب الثاني:تجربة المحاكم الإدارية في دعاوى التعويض.

يمكن تعريف دعوى التعويضبأنها تلك الدعوى التي يرفعها أـحد الأشخاصإلى القضاء للمطالبةبتعويضهعما أصابه من ضرر نتيجة تصرف الإدارة.

وتعتبر دعوى التعويضأهم صور دعوى القضاء الشامل، وقد حدد المشرع المغربي قضاء التعويض بموجب المادة الثامنة من قانون 90-41 المحدث للمحاكم الإدارية.

ويثار التساؤل حول تجربة المحاكم الإدارية في ميدان تعويض الأفراد عن الأضرار التي تلحقهم من جراء تصرفات وإعمالالإدارة؟.

للجواب عن هذا السؤال حاولنا الوقوف على ثلة من الأحكامالقضائية الصادرة عن بعض المحاكم الإدارية المشهورة مع التركيز بشكل كبير على الأحكام الحديثة العهد للمحكمةالإداريةبأكادير.

ومن الملاحظ أن تجربة المحاكم الإدارية في قضايا التعويض لعبت دورا طلائعيا في تجسيد بعض الأهداف الرامية إلى خلق إطار حقيقي لدولة القانون والرغبة الأكيدة لتدعيم الرقابة القضائية على أعمالالإدارة.

إذ سارت على نفس النهج المرسوم من طرف القضاء الإداري الفرنسي الذي وضع مفهوما للخطأالمصلحي في ثلاث صور[2] ومال إلى  المعيار المنفصل الذي نادى به الفقيه هوريو، إضافة إلى التدليس والخطأ الجسيم، وما يؤكد ذلك هو الحكم الصادر عن المحكمة الإدارية بفاس بتاريخ 19 يوليوز 1995، حيث صرحت بأن الاختصاص منعقد لها في دعوى التعويض عن عدم إيصال الرسائل إلى الجهة المرسل إليها من طرف مصلحة البريد، فتأخر مصلحة البريد في إيصال هذه الرسائل يعتبر خطأ مرفقيا يستوجب التعويض.

كما أصدرت المحكمة الإداريةبمكناسقرارا في قضية السيد سيفوح صالح ضد مستشفى محمد الخامس يقضي بالمسؤولية لمرفق الطب بتاريخ 27/07/1995 حيث اعتبرت أن وصف دواء معين بكمية كبيرة ولمدة طويلة دون مراعاة الحالة الصحية التي يوجد عليها المدعيوإجراء الفحوص الطبية خطأ مرفقيا تتحمل الدولة المغربية مسؤولية الإضرار الناتجة واللاحقة بالمتضرر، وأقرت بذلك تعويضا إجماليا قدره 750.000.00درهم لكونه جاء لمعالجة صيف التنفس والربو ، تسبب له ذلك في إضرار جانبية بالفخذين.

نفس المحكمة أصدرتقرارا بتاريخ 12 يناير 1996 في قضية السيد سلام ضد المجموعة الحضرية لمدينة مكناس نتيجة غرقه في المسبح التابع للمجموعة الحضرية تسبب في وفاته الشيء الذي الحق أضرارا مادية ومعنوية لابنته حنان، ونتيجة عدم اتخاذ المجموعة الحضرية للاحتياطات اللازمة قصد تفادي وقوع أضرار لمستعملي المسبح الموجود تحت حراستها وثبوت العلاقة بين الضرر والخطأ المتمثل في تقصير المجموعة الحضرية والذي تسبب في وفاة السيد الزعيم اعتبرت المحكمة ذلك خطأ مرتكبا من طرفها موجبا التعويض لذوي حقوق الضحية وأقرت مسؤولية المجموعة عن الحادث وعوضت المتضرر عن الضرر المادي بمبلغ إجمالي قدره30.000 درهم.

ولا يقتصر التعويض عن الأضرار المادية، بل يمتد إلى التعويض عن الأضرار المعنوية ويتجسد ذلك من خلال قضية عبد الرحمان بن عمرو ضد صندوق الضمان الاجتماعي بالدار البيضاء الذي توصل برسالة من المؤسسة المدعى عليه مكتوبة باللغة الفرنسية، فأخذ صورة منها فأرجعها إلىمرسلها قصد ترجمتها إلى العربية إلا أنها رفضت، مما اضطره إلى رفع الدعوى ضد الصندوق المذكور، محملا مسؤولية الصندوق في الخطأ المرتكب في حقه، فأصدرت المحكمة الإداريةبالرباط بتاريخ 28 دجنبر 2000 قرارا لفائدة المدعي بتعويض مادي قيمته 5000 درهما عن الأضرار المعنوية التي لحقته من جراء مراسلته بلغة أجنبية.

ومن المعلوم أن مسؤولية الإدارة المترتبة على الخطأ تتحقق بتوفر ثلاثة أركان هي: الخطأ الواقع من الإدارة، والضرر اللاحق بصاحب الشأن وعلاقة السببية بين الخطأ. فعدم ثبوت العلاقة السببية يؤدي إلى رفض التعويض وعدم تحميل المسؤولية للدولة أوالإدارة.

ويندرج في هذا الإطار حكم المحكمة الإداريةبأكادير بتاريخ 19/02/1998 في قضية السيد امعيز عبد الرحمان الذي تعرض لحادثة سير بتاريخ 27/08/1994 بشارع 20 غشت بأكادير نقل على إثرهاإلى مستشفى الحسن الثاني حيث تلقى العلاجات الأولية تم بعدها إلى مصحة أكدال حيث بثرت رجله، وحكمت المحكمة برفض التعويض لعدم ثبوت أي تقصير أو إهمال من جانب المستشفى.

كماأصدرت المحكمة الإدارية بالرباط قرارا بتاريخ 26/04/2000والمتعلق بالحادثة التي تعرضت لها عائلة بنحسو بسبب وجود حفرة في الطريق أدتإلى اصطدام السيارة بالرصيف، أصيبوا على إثرها بجروح، حيث تعتبر جماعة بني ملال غير مسؤولة عن عدم وضع إشارة التنبيه وذلك ليكون سكان المنطقة الذين يستفيدون من تلك القناة هم الذين أهملوا إرجاع الغطاء بعد الاستعمال، الأمر الذي يكون معه خطأ بلدية بني ملال غير قائم، وبالتالي فعدم صدور خطأ من طرف البلدية ينفي العلاقة السببية بين الخطأ والضرر.

أما في حالة ثبوت العلاقة السببية بين الضرر والخطأ فإن ذلك يستدعي التعويض، وهذا ما أكدته المحكمة الإداريةبالرباط 13/03/2000 بمناسبة قرارها الصادر في قضية ورثة العمراني نتيجة سقوطه في حفرة وسط الطريق العمومي والناتجة عن عدم وجود إشارات تنبيه المارة من مستعملي علىطريق من طرف الوكالة المستقلة لتوزيع الماء والكهرباء بالجديدة مما أدىإلى وفاته، وحملت المحكمة المذكورة المسؤولية للوكالة وبأدائها تعويضا إجماليا على سبيل التضامن إلى ورثة العمراني.

وفي حكم مشابه العهد أصدرت المحكمة الإدارية بمكناس في 01 فبراير 2002قرارا في قضية مواطن سقط في حفرة بدون إغلاق يبلغ عمقها أكثر من مترين، تبين أن الوكالة المستقلة لتوزيع الماء والكهرباء هي المسؤولة عن خطأ عدم إغلاق الحفرة وتغطيتها ودون إنذار المارة بوجود خطر يهددهم فكان قرار المحكمة لفائدة المتضرر بتعويض مادي قدره 20.000درهماستناداإلى الخبرة الطبية التي أوضحتأن نسبة العجز الكلي للمدعي حددت في 43 يوما، وقيمة العجز الجزائي في 10 بالمائة. وكذلك حكم قضية حجز السيارات بالمحجز البلدي لأكادير عن المحكمة الإدارية بتاريخ 10/01/2002. ويولي القضاء أهمية كبيرة لوجود أو عدم وجود العلاقة بين الضرر والنشاط الإداري لأن هذه العلاقة هي التي تحدد قيام المسؤولية الإدارية بدون خطا  أي على أساس  المخاطر، ونورد في هذا الإطارقرارالمحكمة الإداريةبأكادير بتاريخ 12 أكتوبر 1995 حيث أن تسرب المياه من أنبوب في ملكية المكتب الوطني للماء الصالح للشرب المدعى عليه وخلف إضرار لحقت بمنزل المدعىاللمطي سيدي محمدي، مفاد هذا الحكم هو التعويض لفائدة المدعي بتعويض مالي إجمالي قدره 3000 درهم يؤديها المكتب الوطني للصالح للشرب مع تحميله الصائر وإحلال شركة التامين.

وورد أيضا في قرار للمحكمة الإداريةبأكادير الصادر في 17/01/2002 حيثاعتبرتأن اللغم الذي تسبب في إصابة الضحية الذي كان على متن السيارة متجهة إلى مدينة الداخلة باضرار جسيمة وضع من طرف إدارة الدفاع الوطني أثناء ممارسة نشاطها وحكمت على الدولة بأداء للمدعي تعويضا ماليا قدره 18000 درهم مع تحميلها الصائر.

وفي قضية الحسن اوتام الذي بثرتا ربع أصابع من يده اليسرى بعد انفجار عبوة ناسفة عليه (نسبة العجز الدائم بلغ 60 إضافة إلى ما خلفه الحادث من أثر وتفويت فرص الكسب والعيش) فحكمت المحكمة الإداريةلاكادير بتاريخ 05/01/1995 على الدولة  بأداء تعويض إجمالي قدره ألف درهم.    أما في حالة عدم ثبوت علاقة بين التصرف الإداري والضرر فإن المحكمة ترفض الحكم بالتعويض وهو ما أقرته المحكمة الإداريةلاكادير في قضية املال موحى الذي يتوفر على رخصة استغلال ملهى للألعاب والذي رفع دعوى للمطالبة يرمي من خلالها للحكم على الدولة بمبلغ إجمالي قدره 50.000 درهم تعويضا عن قيام السلطة المحلية بتوقيف نشاطه التجاري.

إلا أن المحكمة رفضت الدعوى من ناحية الموضوع لأنه لا يوجد لديها ،انطلاقا من المستندات المتوفرة والمقدمة في القضية ، ما يثبت واقعة الاعتداء المادي بل يفيد فقط إغلاق الملهى وقت المعاينة .

ولإجبار السلطة الإدارية على تنفيذ الأحكام النهائية الحائزة للشيء المقضي ذهب القضاء إلى فرض غرامة تهديدية وخير مثال على ذلك حكم المحكمة الإدارية بالرباط في 6 مارس 1997 في القضية المعروفة والمتعلقة بورثة عبد القادر العشيري، حيث اعتبرت المحكمة أنه لا يوجد أي نص قانوني يفرض غرامة تهديدية عليها في حالة امتناعها عن تنفيذ حكم قضائي واجب النفاذ بدون سبب يشكل خطا فادحا يؤدي بالضرورة إلىالإضرار بالمبدعين، مما يستوجب معه تعويض العارضين الراضي والمواثيق بمبلغ مالي قدره 120.000 درهم (مائة وعشرون درهما) من طرف بلدية اكادير.

المبحث الثاني: صعوبات المحاكم الإدارية في مجال التعويض

تعددت الصعوبات التي تواجه المحاكم الإدارية بالمغرب، والتي تؤثر سلبا على أداء هذه الأخيرةالأمر الذييعرض حقوق وحريات الأفراد للخطر، ويمكن تقسيم الصعوبات التي تعترض السير العادي للمحاكم الإداريةإلى صعوبات عامة تشترك فيها المحاكم الإدارية بمختلف جهات المملكة والى صعوبات خاصة بكل محكمة إدارية  على حدة.

فالصعوبات الخاصة التي تخص المحكمة الإدارية بالدار البيضاء، من الممكن الا تواجهها بعض المحاكم الإدارية بالمملكة.

أما الصعوبات العامة فهي تواجهها جميع المحاكم الإدارية بدون استثناء، وهي صعوبات تشكل ثغرات للقضاءالإداري المغربي بصفة عامة وقضاء التعويض بصفة خاصة.

المطلبالأول: الصعوبات الخاصة

إن اللجوء إلى المحاكم الإدارية لا يتحقق إلا بعد استيفاء سلسلة من الإجراءات وكان من الأفضل لو تكون قواعد الشكل بسيطة، الفهم والتطبيق  لتصبح في متناول الجميع، خصوصا وأن عامة الناس لا يعرفون مسطرة التقاضي أمام المحاكم، ولذلك لا يكفي أن نؤمن للمواطن المحاكم والقضاة، بل ينبغي أن نؤمن له الوصول إليهالأجل المطالبة بحقوقه حتى يتملك الفرد إحساسا على أنأسهل دعوى يمكن أن يمارسها في حياته ىهي مقاضاة الإدارة[3].

أولا:على مستوى الإمكانيات البشرية

تطرح هذه الصعوبات على مستوى الإمكانيات البشرية لكل محكمة ووسائل العمل المستعملة، أضفإلى ذلك حتى موقع المحكمة وعدم توفر بعض المحاكم [4] على أعوان مكلفين بتبليغ الأحكام والاستدعاءات للأطراف المعنيين تجعلها تعتمد على أعوان التبليغ التابعين للمحاكم العادية بالنسبة للمدار الحضري والأعوان. كما تعتمد على رجال الدرك الملكي إذا تعقلالأمربالمدار القروي، ومن سلبيات هذا الوضع وصول التبليغات لأصحابها–أحيانا- خارج الآجال، بل وعدم وصولها أحياناأخرى، مما أدى إلى ضياع بعض الحقوق،وقد اتخذت تدابير تتمثل في توفير وسائل النقل والتي لا تكفي لتغطية نفوذ تراب المحكمة بالإضافةإلى الاستعانة بخدمات أعوان السلطةخاصة الشيوخ والمقدمين.

 أ- قلة عدد القضاة الإداريين

لقد أكد الملك الحسن الثاني رحمة الله في خطابه ليوم 8 ماي 1990 أمام أعضاء المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان المجتمعين لأول مرة في هذا المجلس على دور المحاكم الإدارية. وفي نفس الوقت أشار إلى أن هذا النوع من المؤسسات القضائية ستشهد امتدادا بصفة تدريجية إلى كل أنحاء المغرب، وذلك في انتظار تكوين الأطر الخاصة، وأعطى جلالة الملك مهلة ثلاث سنوات لكي تمتد مقراتها إلى كل أنحاء البلاد. ففي بداية الإنشاء اختار المشرع المغربي عواصم الجهات الاقتصادية السبع [5] تطبيقا للفصل الأول من قانون 90/41 الصادر في 3نونبر 1993.

إلا أن الملاحظ أن عدد القضاة المزاولين مهامهم بالمحاكم الإداريةضعيف جدا خاصة الجهات التي تعرف كثافة سكانية كبيرة فمثلا الجهة الوسطى فهي تشمل الولاية الكبرى للدار البيضاء بكل عمالاتها،بالإضافةإلى أقاليم الجديدة، سطات، بني ملال
، أزيلال، بن سليمان، خريبكة ورغم ذلك فهيلا تتوفر إلا على محكمة واحدة وتتواجد في قلب العاصمة الاقتصادية وعدد قضاتها يساوي عدد قضاة بعض المحاكم الإدارية بالجهات الأخرى، وينتج عن ضعف وضآلة عدد القضاة تراكم القضايا والملفات المعروضة على أنظار المحاكم الإدارية.,

والجدير بالذكرأنه يتعين تكوين القضاة والموظفين القادرين على تأطير هذه المحاكم، وفي هذا السياق جاءت توجيهات الملك الراحل الحسن الثاني التي أكدت على أهمية مواكبة نظام الدراسات بمعهد الدراسات القضائية الذي تشرف عليه وزارة العدل والمختص بتكوين القضاة وذلك بفتح شعبتين في القانون الإداري وكذا القانون الجبائي ، بمعنى إحداث تخصصات جديدة تحضر للأطر المدعوة لتأطير المحاكم الإدارية.

ب- تقريب القضاء

إن التطور الذي عرفه المغرب في العقدين الأخيرين من حيث اتساع رقعته الجغرافية ومن حيث النمو الديمغرافي، وما صاحبهما من متطلبات التنمية الاقتصادية والاجتماعية، ومن تغيير في العقلية والسلوكات الفردية والجماعية، طرح عدة إشكالات حساسة، لا يمكن الفصل فيها بما تقتضيه مبادئ العدالة والإنصاف إلا من قبل هيئات قضائية قريبة من المعنيين تأخذ بعين الاعتبار في ذلك معايير الشرعية دون إغفال المعطيات الواقعية المحلية، وجاءت المحاكم الإدارية تستجيب لهذه الضرورة المنطقية والملحة قصد تقريب القضاء الإداري من المتقاضين كيفما كانت طبيعة نشاطهم، وذلك موازاة لتقريب الإدارة من المواطنين نتيجة تطبيق اللامركزية وتمهيدا للوضع المستقبلي في أفق الجهوية.

ولكن،إذا كان التقريب الجغرافي يتحقق فعلا فإنه يقتصر على دعوى الإلغاء بسبب تجاوز السلطة، فالقاعدة العامة لقانون المسطرة المدنية التي تحدد الاختصاص المحلي للمحكمة بالمواطن الحقيقي أو المختار للمدعي عليه.

إن المحكمة الإدارية المختصة في دعوى الإلغاء هي التي يوجد موطن المدعي عليه داخل دائرة اختصاصها، و التي صدر بداخلها القرار[6].

فهذه المحاكم أصبحت تبت ابتدائيا في طلبات الإلغاء مع ضمان حق الاستئناف أمام محاكم الاستئناف الإدارية .وهكذا أصبحت وسيلة التقاضي في مجال الإلغاء أقرب مما كانت عليه دعاوى التعويض، إذ أن إحداث هذه المحاكم يؤدي إلى عكس ما يتوخى منها، فالقضايا التي كان الفصل فيها معهودا من قبل المحاكم العادية أصبحت من اختصاص المحاكم الإدارية التي لا توجد دائما أقرب للمتقاضين من المحاكم الابتدائية.

وبالنظر إلى موقع المحاكم الإدارية يتبين أنه غير مناسب ، فموقع إدارية الدار البيضاء غير استراتيجي كما هو الحال بالنسبة للمحكمةالإدارية الرباط، إذ أنهما تقعان في مكان بعيد عن حركة السكان، وهو ما يفسر عدم علم مجموعة من سكان هذه المدن بوجودها، ويثير فضولهم للتساؤل عن دور تلك المؤسسة وعن العلة من وجودها خاصة في بلد يشهد انتشار الأمية بشكل ملفت.

لذلك كان يستحسن بأن توجد المحكمة الإدارية بوسط المدينة حتى يتأتى معرفتها لتشجع المواطنين على مقاضاة الإدارة، ثم إنه ينبغي إضافة عدد من المحاكم الإدارية ولو على صعيد الجهات لتقريب القضاء الإداري من المواطنين الذين يعانون من بعد المسافة.

المطلب الثاني: الصعوبات العامة

هذه الصعوبات تواجه جميع المحاكم الإدارية،ويمكن إجمالها في صعوبات قانونية وصعوبات مالية.

أولا: الصعوبات القانونية

من بين الصعوبات القانونية عدم وجود قانون خاص بالمسطرة الإدارية، بحيث أن المسطرة المتبعة أمام المحاكم الإدارية هي أحكام المسطرة المدنية، ما لم ينص القانون على خلاف ذلك، أيضا عدم وجود قانون يلزم الإدارة بالامتثال للأحكام الصادرة عن القضاء.

فالتجربة القصيرة أثبت وجود صعوبات على مستوى قضاء التعويض فمثلا يتحمل المدعي عبء إثبات خطأ الإدارة، والذي أصبح اليوم من الصعب إثباته لعدم وجود إمكانية الحصول على الوثائق والمستندات المبنية لذلك من الإدارة المدعى عليها مما يعرض حقوق المتضررين للضياع، وحتى لو استطاع المتضرر إثبات المرتكب من طرف الإدارة والعلاقة السببية بين الضرر الحاصل، فإن السلطة التقديرية للقاضي الإداري، يمكن أن تؤثر على التعويض الممنوح له، فتسهيل هذه الإجراءات ضرورة ملحة لجعل المحاكم الإدارية تحقق الأهدافالمطلوب منها وبالتالي تكون وسيلة قانونية لحماية الأفراد تجسيدا لرغبة الملك الحسن الثاني رحمه الله الذي قال:” لذا قررنا إعطاء المواطنين الوسيلة القانونية السريعة والجدية وذات الفعالية للدفاع عن حقوقهم كمواطنين إزاءالإدارة أو السلطة أو الدولة نفسها …”.

زيادة على تعقد الإجراءات الشكلية والتي تهم مثلا الاسم أو التوقيع أو بعض البيانات الشكلية وغياب مسطرة خاصة إدارية، يبقى مشكل عدم وجود آليات وميكانيزمات لتتبع تنفيذ الأحكام أهم المشاكل التي تكتسي أهمية بالغة، حيث أن سلطة القاضي الإداريفي المجال الإداري كما يقول أستاذنا الدكتور رضوان  بوجمعة رحمه الله تعتبر ضعيفة لا تتعدى مجرد الحكم[7].

فالمواطن الذي يحمل حكما بين يديه ضد الإدارة، غالبا ما يضطر إلى مراجعة المحاكم عدة مرات وعن طريق إجراءات متعددة يهدف حمل الإدارة على تنفيذ الحكم لكن دون جدوى.

وإذا كان امتناع الإدارة لا يستند إلى مبرر، فإنه يشكل شططا في استعمال السلطة ويحق لطالب التنفيذ أن يراجع قضاء الإلغاء مطالبا إياه بإلغاء قرار الإدارة برفض التنفيذ وأداء التعويضات اللازمة بسبب التأخير.

[1]قال الملك الراحل: «لا يمكن لهذا البلد أن يكون دولة قانون إلا إذا جعلنا لكل مغربي الوسيلة كي يدافع عن حقوقه كيفما كان خصمه”. فمصلحتنا أن تكون غرفة إدارية في كل عمالة من العمالات وكل إقليم من الأقاليم. ولكن ليس لدينا القضاة الأكفاء والكافون في هذا البلد، لأن ذلك يتطلب تكوينا خاصا”.

[2] هذه الصور إما أن يبطئ المرفق في أداء الخدمة أو أن يؤديها على وجه سيء أولا يؤديها.

[3] حداد ( عبد الله)، محاضرات في القضاء الإداري بكلية الحقوق أكدال، الرباط. السنة الجامعية 1995-1996.

[4]كما هو الحال بالنسبة للمحكمة الإدارية بالبيضاء منذ تأسيسها.

[5] أحدثت محاكم إدارية في كل من الرباط والدار البيضاء ومكناس وفاس ووجدة ومراكش وأكادير.

[6]الفقرة الثانية من القانون المحدث للمحاكم الإدارية.

[7] بوجمعة (رضوان):”وضعية القضاة الإداريين على ضوء القانون إحداث المحاكم الإدارية بالمغرب “ندوة المحاكم الإدارية ودولة القانون بمراكش، المجلة المغربية للاقتصاد والقانون بمراكش، عدد 21-1998 ص 157-159.

إقرأ أيضاً

الرقابة على الدستورية والأمن القانوني دراسة في ضوء الإجتهاد القضائي الدستوري المغربي

الرقابة على الدستورية والأمن القانوني دراسة في ضوء الإجتهاد القضائي الدستوري المغربي Constitutional control and …

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *