إجراءات المصالحة في جريمة الصرف على ضوء التشريع الجزائري.
الاسم واللقب: عبد العزيز خنفوسي
الرتبة العلمية: أستاذ محاضر قسم –أ-
الوظيفة: أستاذ جامعي دائم
المؤسسة: كلية الحقوق والعلوم السياسية، جامعة الدكتور “مولاي الطاهر” بسعيدة، الجزائر.
رقم الهاتف النقال: 00213.561.94.91.28
البريد الالكتروني: [email protected]
مقدمة:
رغم التأكيد في المسائل الجزائية على عدم جواز إجراء الصلح سواء بين الجاني والمجني عليه أو الجاني وممثل النيابة العامة، الأمر الذي ينجر عنه إنهاء المتابعة وإفلات الجاني من العقاب بصفة نهائية وقطعية.
إلا أننا نجد أن لكل قاعدة استثناء، والاستثناء على المبدأ السابق الذكر هو إمكانية إنهاء المتابعة الجزائية في بعض الجرائم التي علقت المتابعة فيها على شكوى من المجني عليه، وهذا مثل: جريمة الزنا، ترك مقر الأسرة…الخ هذا من جهة، ومن جهة أخرى نجد أن المشرع الجزائري قد أجاز في نص المادة 06 من قانون الإجراءات الجزائية الجزائري المعدل والمتمم الفقرة الأخيرة على أن الدعوى العمومية تنقضي بالمصالحة، وهذا إذا كان القانون يجيزها صراحة، وبالفعل فقد ظهرت عدة نصوص تشريعية تنظم جرائم خاصة تضمنت جواز إجراء المصالحة فيها صراحة.
ولطالما أن المصالحة تعد إجراءً استثنائيا، فقد أحاطها المشرع الجزائري بمجموعة من القيود، فوضع لها شروطا موضوعية وإجرائية، وأخرى متعلقة بأطراف المصالحة، وحرصا من المشرع على جعل آثار المصالحة نسبية، فقد أجاز إجراء المصالحة في هذا الصدد في جرائم الصرف بمختلف صورها طبقا لنص المادة 09 من الأمر رقم 96-22 المعدل والمتمم ما لم يكن المخالف عائد (المادة 10 من الأمر رقم 96-22)، ثم عدلت وتممت بالمادة 09 مكرر من الأمر رقم 03-01 التي جعلت المصالحة جائزة أيضا في حالة العقود، وأحالت المادة 09 ف 03 إجراء المصالحة إلى التنظيم الذي حدد شروطها وكيفية إجرائها.
وعليه سنتناول في هذا المقال البحثي شروط المصالحة في مجال جرائم الصرف ثم آثارها، وقبلها نعرض فيما يأتي لمحة عن المراحل التي مرت بها هذه المصالحة من حيث جوازها(1).
المحور الأول: المراحل التي مرت بها المصالحة في جرائم الصرف.
مرت المصالحة في جرائم الصرف من حيث جوازها بثلاث مراحل نوجزها فيما يأتي قبل التطرق للموضوع في ظل التشريع الحالي.
1- مرحلة الإجازة:
وهي مرحلة تمتد من 01/01/1963 إلى 17/06/1975، ويمكن تقسيم هذه المرحلة بدورها إلى فترتين:
- الفترة الأولى: وتمتد من الفاتح جانفي 1963 إلى 31/12/1969، فبموجب القانون رقم 62-157 المؤرخ في 31/12/1962 المتضمن الإبقاء على التشريع الفرنسي الذي لا يتضمن أحكاما تمييزية أو تتعارض مع السيادة الوطنية، فإنه قد تم تطبيق التشريع الفرنسي في الجزائر بما في ذلك التشريع الخاص بقمع جرائم الصرف الذي كان يحكمه آنذاك الأمر رقم 45-1088 المؤرخ في 30/05/1945، وهو التشريع الذي كان يجيز المصالحة في جرائم الصرف.
- الفترة الثانية: وتمتد من 31/12/1969 إلى غاية 17/06/1975، وقد عرفت هذه الفترة صدور أول نص تشريعي جزائري بشأن جرائم الصرف.
فبموجب الأمر رقم 69-107 المؤرخ في 31/12/1969 المتضمن قانون المالية لسنة 1970، والمادة 53 منه تحديدا أجاز المشرع للوزير المكلف بالمالية والتخطيط أو أحد ممثليه المؤهلين إجراء مصالحة مع مرتكبي جرائم الصرف ضمن الشروط التي يحددها الوزير.
غير أن إجازة المصالحة صراحة في جرائم الصرف لم تدم طويلا كما سنبينه أدناه.
2- مرحلة التحريم:
وهي مرحلة تمتد من 17/06/1975 إلى 29/12/1986، وقد صدر في هذه المرحلة الأمر رقم 75-46 المؤرخ في 17/06/1975 المعدل والمتمم للأمر رقم 66-165 المؤرخ في 08/06/1966 المتضمن قانون الإجراءات الجزائية، وبموجبه تم تعديل الفقرة الأخيرة من نص المادة 06 من قانون الإجراءات الجزائية التي كانت تجيز المصالحة في المواد الجزائية بالتنصيص صراحة على تحريم المصالحة في المسائل الجزائية(2).
وقد تم تكريس هذا التحريم في مجال جرائم الصرف بإلغاء أحكام قانون المالية لسنة 1970 التي كانت تجيز المصالحة، وبإدماج جريمة الصرف في قانون العقوبات (المواد من 424 إلى 426 مكرر)، وتم ذلك بموجب الأمر رقم 75-47 المؤرخ في 17/06/1975 المعدل والمتمم للأمر رقم 66-156 المؤرخ في 08/06/1966 المتضمن قانون العقوبات.
وإذا تخلى المشرع في الأمر رقم 75-47 عن المصالحة في مجال جرائم الصرف تماشيا مع أحكام الأمر رقم 75-46، فلم يكن ذلك إلا بصورة شكلية حيث أبقى عليها عمليا في الجنح من خلال ما أسماه “غرامة الصلح“ (Amende de Composition) التي تسمح بتسوية الجنح وديا، وهذا إذا كانت قيمة محل الجريمة لا تتجاوز30.000 دج حيث تدفع غرامة تساوي قيمة البضاعة محل الغش، وأما في مادة الجنايات فقد تم استبعادها إذا كانت قيمة محل الجريمة تتجاوز30.000 دج بموجب المادة 425، وأيضا في حالة العودة إلى الجنح بموجب المادة 425 مكرر ف03.
3- مرحلة إعادة الإجازة:
وتمتد من الفاتح جانفي 1987 إلى غاية صدور الأمر رقم 96-22، ويمكن تقسيم هذه المرحلة بدورها إلى ثلاث فترات:
- الفترة الأولى: وهي فترة الإجازة النسبية والمشروطة، وتمتد هذه الفترة ما بين الفاتح جانفي 1987 والفاتح جانفي 1992، ولقد تميزت هذه الفترة بصدور القانون رقم 86-15 المؤرخ في 29/12/1986 المتضمن قانون المالية لسنة 1987 الذي أجازت المادة 103 منه لوزير المالية إجراء مصالحة مع مرتكبي جرائم الصرف عندما تتعلق بالنقود بالعملة الأجنبية القابلة للتحويل.
- الفترة الثانية: وهي فترة اتساع مجال تطبيق المصالحة، وتمتد ما بين الفاتح جانفي 1992 و09/07/1996، وهي فترة عرفت اتساعا في مجال تطبيق المصالحة في جرائم الصرف بعدما أصبحت جائزة في المواد الجمركية إثر تعديل نص المادة 265 من ق.ج.ج بموجب القانون رقم 91-25 المؤرخ في 18/12/1991 المتضمن قانون المالية لسنة
وبحكم هذا التعديل أصبح قانون الجمارك منسجما مع قانون المالية لسنة 1987 بشأن مخالفة التنظيم النقدي.
وفي هذه الفترة أيضا تم تعديل نص المادة 340 من ق.ج.ج بموجب القانون رقم 90-16 المؤرخ في 08/07/1990، وذلك بإزالة أي لبس عن استقلال مخالفة التنظيم النقدي المنصوص عليها في قانون العقوبات عن المخالفة الجمركية(3) من حيث العقوبات، وبالتبعية تأكيد الطبيعة المزدوجة لهذه الجريمة.
تنص المادة 340 من ق.ج.ج بعد تعديلها على ما يأتي:” دون الإخلال بالعقوبات المالية المنصوص عليها في هذا القانون تلاحق المخالفات المتزامنة مع المخالفات الجمركية خصوصا فيما يتعلق بجنح الصرف… وتحاكم ويعاقب عليها طبقا للقانون العام“.
- الفترة الثالثة: وهي فترة الإجازة التامة التي تمتد من تاريخ 09/07/1996 إلى يومنا هذا، وقد بدأت مرحلة إجازة المصالحة في جرائم الصرف كما رأينا بصدور القانون رقم 86-15 المؤرخ في 29/12/1986 المتضمن قانون المالية لسنة 1987، غير أنه حصر مجال تطبيقها في الجرائم المتعلقة بالنقود، وأصبحت المصالحة جائزة في كل جرائم الصرف في مختلف صورها بصدور الأمر رقم 96-22 المؤرخ في 09/07/1996 المتعلق بقمع مخالفة التشريع والتنظيم الخاصين بالصرف وحركة رؤوس الأموال.
المحور الثاني: شروط المصالحة.
تخضع المصالحة للشروط الموضوعية والإجرائية الآتي بيانها:
1- الشروط الموضوعية:
الأصل أن المصالحة جائزة في جريمة الصرف في مختلف صورها، وهذا ما يستشف من أحكام الأمر رقم 96-22 المؤرخ في 09 يوليو 1996 قبل تعديله، ولاسيما المادة 09 منه التي تضمنت الشروط الموضوعية للمصالحة، وهي:
- يمكن للوزير المكلف بالمالية أو أحد ممثليه إجراء المصالحة إذا كانت قيمة محل الجنحة تقل عن عشرة ملايين دينار جزائري (10.000.00 دج) أو تساويها.
- لا يمكن إجراء المصالحة إذا تجاوزت قيمة محل الجنحة عشرة ملايين دينار جزائري (10.000.00 دج) إلا بناءًا على رأي مطابق تصدره لجنة المصالحة.
وإثر تعديل الأمر رقم 96-22 بموجب الأمر رقم 03-01 نصت المادة 09 مكرر هي الأخرى على خضوع المصالحة لجملة من الشروط هي:
- يمكن للجنة الوطنية للمصالحة إجراء مصالحة إذا كانت قيمة محل الجنحة تقل عن خمسين مليون دينار (50.000.000 دج).
- إذا كانت قيمة محل الجنحة تساوي خمسين مليون دينار (50.000.000 دج) أو تفوقها، فإن اللجنة الوطنية للمصالحة تبدي رأيا وترسل الملف إلى الحكومة لاتخاذ قرار بشأنه في مجلس الوزراء.
- إذا ارتكبت المخالفة دون علاقة بعملية للتجارة الخارجية، وإذا كانت قيمة محل الجنحة تقل عن خمسمائة ألف دينار (500.000 دج) أو تساويها، فإنه يمكن أن تجري المصالحة لجنة محلية للمصالحة.
هذا ونجد أن المادة 09 مكرر المعدلة بموجب الأمر رقم 10-03 قد أشارت إلى شرطين اثنين بغية إجراء المصالحة، وهما:
- يمكن للجنة المحلية للمصالحة إجراء مصالحة إذا كانت قيمة محل الجنحة تساوي 000 دج أو تقل عنها.
- يمكن للجنة الوطنية للمصالحة إجراء مصالحة إذا كانت قيمة محل الجنحة تفوق 000 دج، وتقل عن عشرين (20) مليون دينار أو تساويها.
أما المادة 09 مكرر1 من نفس الأمر، فقد نصت على أن المخالف لا يمكنه أن يستفيد من إجراءات المصالحة في الحالات التالية:
- إذا كانت قيمة محل الجنحة تفوق عشرين (20) مليون دينار.
- إذا سبق للمخالف الاستفادة من المصالحة.
- إذا كان المتهم في حالة عود.
- إذا اقترنت جريمة الصرف بجريمة تبييض الأموال أو تمويل الإرهاب أو الاتجار غير المشروع بالمخدرات أو الفساد أو الجريمة المنظمة أو الجريمة المنظمة العابرة للحدود الوطنية.
2- الشروط الإجرائية:
إن المصالحة في مجال الصرف كما هو الحال في المجال الجمركي ليست حقا لمرتكب الجريمة ولا هي إجراء إلزامي بالنسبة للإدارة، وإنما هي مكنة جعلها المشرع في متناولهما بحيث يجوز لمرتكب المخالفة أن يطلب إجرائها ويجوز للسلطات العمومية المختصة إجراؤها.
وتبعا لذلك يشترط القانون في مجال جنح الصرف أن يقدم مرتكب المخالفة طلبا للإدارة، وأن توافق هذه الأخيرة على طلبه.
- طلب مرتكب المخالفة: نصت المادة 02 من المرسوم رقم 11- 35 المؤرخ في 29/01/2011 الذي يحدد شروط إجراء المصالحة في مجال جرائم الصرف، وكذا تنظيم اللجنة الوطنية واللجنة المحلية للمصالحة وسيرهما على أنه بإمكان مرتكب جريمة الصرف أن يطلب إجراء مصالحة، وأضافت “مع مراعاة أحكام المادة 03 أدناه“.
ما هي شروط قبول الطلب؟
- شكل الطلب: الأصل أن يكون الطلب كتابيا، وإن المرسوم رقم 11- 35 السالف الذكر لم يفرض الكتابة صراحة، ولا يشترط في الطلب صيغة أو عبارة معينة بل يكفي أن يتضمن تعبيرا عن إرادة صريحة لمقدم الطلب في المصالحة.
ويشترط أن يكون الطلب مرفقا بوصل إيداع الكفالة المذكورة في المادة 03 أدناه، وبنسخة من صحيفة السوابق القضائية للمخالف، ويقدم حسب الحالة إلى كل من رئيس اللجنة الوطنية للمصالحة أو رئيس اللجنة المحلية للمصالحة، ومن مرتكب المخالفة شخصيا إذا كان شخصا طبيعيا، ومن المسؤول المدني إذا كان مرتكب المخالفة قاصرا، ومن ممثله الشرعي إذا كان الفاعل شخصا معنويا (المادة 02(4) ف02 من المرسوم رقم 11- 35 المذكور).
- ميعاد تقديم الطلب: لم يحدد المشرع ميعادا معينا لتقديم الطلب، غير أنه يمكن أن يستشف ذلك من حكم المادة 09 مكرر من الأمر رقم 96-22 المعدل والمتمم السالف الذكر، والتي تنص على أنه:” وفي حالة عدم إجراء المصالحة في أجل ثلاثة (03) أشهر ابتداءً من يوم معاينة المخالفة يرسل ملف الإجراءات مدعما بالشكوى (شكوى وزير المالية أو محافظ بنك الجزائر أو أحد ممثليهما المؤهلين لهذا الغرض) إلى وكيل الجمهورية المختص إقليميا“، وأن على مرتكب المخالفة أن يقدم طلبه بإجراء المصالحة في أجل أقصاه ثلاثة (03) أشهر من تاريخ معاينة المخالفة.
ويثور التساؤل حول مصير الطلب إذا قدم بعد انقضاء مهلة الثلاثة (03) أشهر من تاريخ معاينة المخالفة، فهل يقبل هذا الطلب أم يرفض؟
فإذا كانت المادة 09 مكرر من الأمر رقم 96-22 المعدل والمتمم بالأمر رقم 03-01 تشترط أن تتم المصالحة في أجل ثلاثة (03) أشهر من يوم معاينة المخالفة، فهذا لا يحول في رأينا دون إجراء المصالحة بعد انقضاء الأجل المذكور بل وحتى إثر مباشرة المتابعات القضائية وإلى غاية ما يصبح الحكم نهائيا، كما يتبين ذلك من الفقرة الأخيرة من المادة 09 مكرر ذاتها المستحدثة، والتي أجازت إجراء المصالحة في أي مرحلة من الدعوى إلى حين صدور حكم قضائي نهائي.
بل نتساءل عن جدوى الإبقاء في نص المادة 09 مكرر على الفقرة التي تحدد أجلا لإجراء المصالحة في ظل الفقرة الجديدة التي تجيز المصالحة حتى بعد مباشرة المتابعات وإلى غاية صدور حكم قضائي نهائي.
وتجدر الإشارة إلى أنه حتى قبل تعديل نص المادة 09 من الأمر رقم 96-22 كانت المحكمة العليا قد أصدرت قرارا في 25/01/1999 قضت فيه بأن عدم مراعاة مهلة الثلاثة (03) أشهر لإرسال المحضر إلى وكيل الجمهورية المختص إقليميا من أجل المتابعة لا يترتب عليه البطلان(5).
أما بالنسبة للأمر رقم 10-03 نجد أن المشرع الجزائري قد تدارك مسألة تحديد الميعاد من أجل تقديم طلب المصالحة، وهو ما يستشف من المادة 09 مكرر2 من الأمر رقم 96-22 المعدل والمتمم بالأمر رقم 10-03 بقولها:” دون المساس بأحكام المادة 09 مكرر1 أعلاه، يمكن كل من ارتكب مخالفة للتشريع والتنظيم الخاصين بالصرف وحركة رؤوس الأموال من والى الخارج أن يطلب إجراء المصالحة في أجل أقصاه ثلاثون (30) يوما ابتداءً من تاريخ معاينة المخالفة.
ويتعين على لجنة المصالحة المختصة الفصل في الطلب في أجل أقصاه ستون (60) يوما من تاريخ إخطارها“.
وعليه ففي غير الحالات المنصوص عليها في المادة 09 مكرر1 من الأمر رقم 10-03 يمكن للمخالف أن يطلب إجراء المصالحة في أجل أقصاه (30) يوما تسري ابتداءً من تاريخ المعاينة (معاينة المخالفة)، ويتعين على لجنة المصالحة المختصة الفصل في طلب المخالف في أجل لا يتعدى (60) يوما من تاريخ إخطارها.
لكن السؤال الذي يمكن طرحه هو: ما مصير طلب المصالحة المقدم من طرف المخالف، وهذا إذا لم يتم الفصل فيه خلال ستون (60) يوما من طرف لجنة المصالحة المختصة؟
في هذا الصدد نجد أن ف3 من المادة 09 مكرر2 من الأمر رقم 10-03 قد أجابت على هذا السؤال، واشترطت على اللجنة المختصة أن تقوم بتحرير محضر سواء تم إجراء المصالحة أو لم يتم إجراؤها لعذر معين، ويتوجب عليها بعد ذلك أن تقوم بإرسال نسخة من هذا المحضر، وفي أقرب الآجال إلى وكيل الجمهورية المختص إقليميا.
- ضرورة إيداع كفالة عند تقديم الطلب: تلزم المادة 03 من المرسوم رقم 11-35 السالف الذكر مقدم الطلب بإيداع كفالة، وتمثل نسبة 200% من قيمة محل الجنحة لدى المحاسب العمومي المكلف بالتحصيل قبل النظر في طلب المصالحة، وفي حالة رفض طلب المصالحة تبقى الكفالة في حالة إيداع إلى حين صدور الحكم النهائي.
وهذا الالتزام يسري على الشخص الطبيعي وعلى الشخص المعنوي على حد سواء.
- الجهة التي يرسل إليها الطلب: يوجه الطلب حسب الحالة إما إلى رئيس اللجنة الوطنية للمصالحة، وإما إلى رئيس اللجنة المحلية (المادة 02 من المرسوم رقم 11-35)، ويستشف من أحكام المادة
09 مكرر من الأمر رقم 96-22 المعدل والمتمم، ومن المرسوم رقم 11-35 ما يأتي:
- إذا كانت قيمة محل الجنحة لا تتجاوز000 دج أو إذا ارتكبت المخالفة دون علاقة بعملية التجارة الخارجية، فإنه في هذه الحالة يوجه الطلب إلى اللجنة المحلية للمصالحة التي تتكون من: مسؤول الخزينة في الولاية رئيسا، مسؤول الجمارك في الولاية عضوا، مدير البنك المركزي بمقر الولاية عضوا، ويتولى مصالح إدارة الخزينة في الولاية المعنية أمانة اللجنة المحلية.
- إذا كانت قيمة محل الجنحة تساوي 000 دج أو تقل عنها، وكذلك إذا كانت قيمة محل الجنحة تفوق 500.000 دج وتقل عن عشرين (20) مليون دينار أو تساويها، فإنه في هذه الحالة يوجه الطلب إلى اللجنة الوطنية للمصالحة التي يترأسها الوزير المكلف بالمالية أو ممثله، وتتكون من: ممثل المديرية العامة للمحاسبة برتبة مدير على الأقل، ممثل المفتشية العامة للمالية برتبة مدير على الأقل، ممثل المديرية العامة للرقابة الاقتصادية وقمع الغش برتبة مدير على الأقل، ممثل بنك الجزائر برتبة مدير على الأقل، وتتولى أمانة اللجنة مديرية الوكالة القضائية للخزينة.
يستخلص من أحكام المواد من 05 إلى 16 من المرسوم التنفيذي رقم 11-35 ما يأتي:
- تتولى مصالح مديرية الوكالة القضائية للخزينة تسجيل الطلبات التي تدخل ضمن اختصاص اللجنة الوطنية للمصالحة، وكذا تكوين الملفات الخاصة بها ومتابعتها.
- يمكن أن تقوم اللجنة المحلية للمصالحة بإجراء المصالحة إذا كانت قيمة محل الجنحة تساوي 000 دج أو تقل عنها، وذلك مقابل دفع مبلغ المصالحة الذي يحسب بتطبيق نسبة متغيرة تتراوح بين: – 200% إلى 250% من قيمة محل الجنحة إذا كان المخالف شخصا طبيعيا.
– 300% إلى 400% من قيمة محل الجنحة إذا كان المخالف شخصا معنويا.
- تتولى مصالح إدارة الخزينة في الولاية أمانة اللجنة المحلية للمصالحة، وتسجيل الطلبات التي تدخل ضمن اختصاصها، وكذا تكوين الملفات الخاصة بها ومتابعتها.
- تجتمع اللجنة الوطنية واللجنة المحلية للمصالحة بناءًا على استدعاء من رئيس كل منهما كلما دعت الضرورة إلى ذلك، ويتم إعلام الأعضاء بالملفات الواجب دراستها قبل عشرة (10) أيام على الأقل من تاريخ الاجتماع، كما أنه لا تصح اجتماعاتهما إلا بحضور جميع الأعضاء.
- تتخذ قرارات اللجنة الوطنية واللجنة المحلية للمصالحة بأغلبية الأصوات، وفي حالة تساوي عدد الأصوات يكون صوت الرئيس مرجحا.
- تدون مداولات اللجنة الوطنية واللجنة المحلية للمصالحة في محضر يوقعه الرئيس وجميع الأعضاء، ويكون قبول المصالحة أو رفضها موضوع مقررات فردية يوقعها الرئيس.
- يتم التخلي وجوبا عن محل الجنحة والوسائل المستعملة في الغش لصالح الخزينة العمومية.
- يشتمل مقرر قبول المصالحة على ما يأتي: المبلغ الواجب دفعه، محل الجنحة أو إن تعذر ذلك ما يعادل قيمته، الوسائل المستعملة في الغش، آجال الدفع، تعيين المحاسب العمومي المكلف بالتحصيل.
- ترسل في غضون عشرة (10) أيام مفتوحة نسخة من محضر المداولات، ومقرر قبول المصالحة أو رفضها إلى وكيل الجمهورية المختص إقليميا، ووزير المالية ومحافظ بنك الجزائر.
- يبلغ وجوبا مقرر قبول المصالحة أو رفضها إلى المخالف في غضون خمسة عشر (15) يوما ابتداءً من تاريخ توقيعه بموجب: محضر تبليغ، رسالة موصى عليها مع وصل استلام، أو أي وسيلة قانونية أخرى.
- يمنح المخالف أجل عشرين (20) يوما ابتداءً من تاريخ استلام مقرر المصالحة لتنفيذ جميع الالتزامات المترتبة عليها، وتقوم اللجنة الوطنية أو اللجنة المحلية بعد انتهاء الأجل المذكور بإخطار وكيل الجمهورية المختص إقليميا بتنفيذ أو عدم تنفيذ المخالف لالتزاماته، كما تخطر كذلك اللجنة وزير المالية ومحافظ بنك الجزائر.
- تلغى أحكام المرسوم التنفيذي رقم 03-111 المؤرخ في 05/03/2003، وهذا ليحل محله المرسوم التنفيذي رقم 11-35 المؤرخ في 29/01/2011 الذي أصبح ساري المفعول.
وقد حددت المادة 04 من المرسوم التنفيذي رقم 11-35 مبلغ المصالحة الذي تحدد قيمته حسب ( الجدولين رقم 1 و2).
الجدول رقم 01: إذا كان مرتكب المخالفة شخصا طبيعيا
قيمة محل الجنحة (بالدينار) | نسبة مبلغ تسوية الصلح بالنسبة إلى
لقيمة محل الجنحة |
– من 500.001 دج إلى 1.000.000 دج
– من 1.000.001 دج إلى 5.000.000 دج – من 5.000.001 دج إلى 10.000.000 دج – من 10.000.001 دج إلى 15.000.000 دج – من 15.000.001 دج إلى 20.000.000 دج |
– من 200% إلى 250%
– من 251% إلى 300% – من 301% إلى 350% – من 351% إلى 400% – من 401% إلى 450% |
الجدول رقم 02: إذا كان مرتكب المخالفة شخصا معنويا
قيمة محل الجنحة (بالدينار) | نسبة مبلغ تسوية الصلح بالنسبة إلى
لقيمة محل الجنحة |
– من 500.001 دج إلى 1.000.000 دج
– من 1.000.001 دج إلى 5.000.000 دج – من 5.000.001 دج إلى 10.000.000 دج – من 10.000.001 دج إلى 15.000.000 دج – من 15.000.001 دج إلى 20.000.000 دج |
– من 450% إلى 500%
– من 501% إلى 550% – من 551% إلى 600% – من 601% إلى 650% – من 651% إلى 700% |
- الأشخاص المرخص لهم بالتصالح مع الإدارة: بالرجوع إلى المرسوم التنفيذي رقم 11-35 السالف الذكر، نجد أن المادة 02 منه ترخص لكل من ارتكب مخالفة إزاء التشريع والتنظيم الخاصين بالصرف وحركة رؤوس الأموال من وإلى الخارج أن يطلب إجراء مصالحة.
وعليه يمكن أن نطرح التساؤلات التالية: من هم هؤلاء الأشخاص؟ وما هي الأهلية المطلوبة لإجراء المصالحة؟
إن الرجوع إلى الأمر رقم 96-22 السالف الذكر يمكننا من حصر المرخص له بالتصالح في مرتكب المخالفة الذي قد يكون فاعلا أصليا أو شريكا، وهذا على أساس أن المادة 44-01 من ق.ع.ج المعدل والمتمم تعاقب الشريك في الجنحة بالعقوبة المقررة للجنحة.
وقد يكون أيضا شخصا طبيعيا أو شخصا معنويا باعتبار أن المادة 05 (6) من الأمر رقم 96-22 المعدل والمتمم بموجب الأمر رقم 10-03 تقر المسؤولية الجزائية للشخص المعنوي.
- الشخص الطبيعي: إذا كان مرتكب المخالفة شخصا طبيعيا يشترط فيه أن يتمتع بالأهلية المطلوبة لمباشرة حقوقه المدنية، ومن ثم يجب أن يكون بالغا متمتعا بقواه العقلية.
ويثور التساؤل حول المقصود بمفهوم “البالغ”، وذلك نظرا لاختلاف سن الرشد في القانونين الجزائي والمدني، حيث يكون سن الرشد في القانون الأول ببلوغ سن الثامنة عشر(18) وببلوغ سن التاسعة عشر (19) في القانون الثاني.
فأيهما نقصد؟ تختلف الإجابة عن هذا التساؤل باختلاف الطبيعة القانونية للمصالحة في مجال جرائم الصرف، فإذا غلبنا طابع العقد المدني عليها يكون سن الرشد ببلوغ سن التاسعة عشر (19)، وإذا غلبنا الطابع الجزائي على المصالحة يكون سن الرشد ببلوغ الثامنة عشر (18).
ومن جهتنا نحن نميل إلى اعتبار المصالحة في الجرائم الجزائية بوجه عام جزاءًا إداريا، ومن ثم نقول بجواز إجراء المصالحة في جرائم الصرف لمن بلغ سن الثامنة عشر (18).
وقد يكون مرتكب المخالفة قاصرا، ففي هذه الحالة يجب التمييز بين القاصر الذي بلغ سن الثالثة عشر (13) من عمره وبين من لم يبلغها.
فأما من بلغ سن الثالثة عشر (13) فيجوز له التصالح عن طريق المسؤول المدني (المادة 02-02 من المرسوم التنفيذي رقم 11-35 المؤرخ في 29-01-2011)، والمسؤول المدني هو والد القاصر أو والدته أو من يتولى ولايته.
وأما من لم يبلغ سن الثالثة عشر (13) فلا يسأل جزائيا حسب المادة 49-01 من ق.ع.ج المعدل والمتمم، ومن ثم فلا مجال للحديث عن المصالحة فيما يخصه.
- الشخص المعنوي: إذا كان مرتكب المخالفة شخصا معنويا، فإنه يجوز له أن يتصالح بواسطة ممثله الشرعي (المادة 02-02 من المرسوم التنفيذي رقم 11-35 السالف الذكر).
وفي القانون المقارن خول المشرع الفرنسي حق التصالح لإدارة الجمارك والوزير المكلف بالميزانية(7)، وحدد المرسوم رقم 78-1297 الصادر في 28/12/1978 قائمة المسؤولين المؤهلين لممارسة حق التصالح، ووزع مستويات اختصاص كل منهم حسب قيمة محل الجنحة.
فبالنسبة للوزير، لا يتخذ قراره إلا بعد استشارة لجنة المنازعات الجمركية والنقدية التي أشارت إلى تأسيسها المادة 20 من القانون رقم 77-1453 الصادر في 29/12/1977 المتضمن منح ضمانات إجرائية للأشخاص الخاضعين للضريبة في المواد الجبائية والجمركية.
تتكون هذه اللجنة من (12) عضوا دائما و(12) عضوا إضافيا يعينون من بين مستشاري مجلس الدولة، ومحكمة النقض ومجلس المحاسبة بمرسوم لمدة ثلاث (03) سنوات.
تختص هذه اللجنة حسب المادة 20 السالفة الذكر بإبداء رأيها في المصالحة التي تتجاوز حدود اختصاص المصالح الخارجية للإدارة العامة للجمارك، ويتم إخطارها من طرف وزير الميزانية ويكون رأيها استشاريا غير ملزم له(8).
المحور الثالث: آثار المصالحة.
نتناول في هذا الفرع آثار المصالحة بالنسبة للمتهم ثم بالنسبة للغير.
1- آثار المصالحة بالنسبة للمتهم:
للمصالحة أثرين هما: انقضاء الدعوى العمومية وأثر التثبيت.
- انقضاء الدعوى العمومية: نصت المادة 09 مكرر من الأمر رقم 96-22 المعدل والمتمم بالأمر رقم 03-01 صراحة على انقضاء الدعوى العمومية بالمصالحة، سواء تمت المصالحة قبل المتابعة القضائية أو بعدها أو حتى بعد صدور حكم قضائي ما لم يحز على قوة الشيء المقضي به.
هذا وقد تم تعديل هذه المادة بموجب الأمر رقم 10-03 المعدل والمتمم للأمر رقم 96-22، ونصت على أنه:” تنقضي الدعوى العمومية بالمصالحة بتنفيذ المخالف لجميع الالتزامات المترتبة عليها “.
- إذا حصلت المصالحة قبل إحالة الملف إلى النيابة العامة، فإنه يتم حفظ الملف على مستوى الإدارة المعنية.
- إذا حصلت المصالحة بعد إخطار النيابة العامة، فهنا يختلف الأمر حسب المرحلة التي وصلت إليها الإجراءات:
- إذا كانت القضية على مستوى النيابة ولم يتخذ بشأنها أي إجراء تتوقف الدعوى العمومية بانعقاد المصالحة فيحفظ الملف على مستوى النيابة، أما إذا كانت النيابة قد تصرفت في الملف فحركت الدعوى العمومية إما برفع القضية إلى التحقيق وإما بإحالتها إلى المحكمة، ففي هذه الحالة يتحول اختصاص اتخاذ التدبير المناسب إلى هاتين الجهتين.
- وإذا كانت القضية أمام قاضي التحقيق أو غرفة الاتهام تصدر الجهة المختصة أمرا أوقرارا بأن لا وجه للمتابعة بسبب انعقاد المصالحة، وإذا كان المتهم رهن الحبس الاحتياطي يخلى سبيله بمجرد انعقاد المصالحة.
- وإذا كانت القضية أمام جهات الحكم يتعين عليها التصريح بانقضاء الدعوى العمومية بفعل المصالحة.
ونشير هنا إلى أن القضاة غير متفقين على الصيغة التي يجب أن يكون عليها منطوق الحكم أو القرار، فمنهم من يفضل الحكم بانقضاء الدعوى العمومية بسبب المصالحة ومنهم من يحكم بالبراءة بسبب المصالحة، ولقد تدخلت المحكمة العليا لحسم الموقف فقضت بأن المصالحة تؤدي إلى انقضاء الدعوى العمومية وليس إلى البراءة(9).
ويبدو أن هذا النقاش لا ينفرد به القضاء الجزائري، فقد قضي في مصر بأن الحكم الصادر بانقضاء الدعوى العمومية هو في الواقع وفي حقيقة الأمر حكم صادر في موضوع الدعوى، إذ أن معناه هو براءة المتهم لعدم وجود وجه إقامة الدعوى عليه(10)، وفي هذا الاتجاه قضي ببراءة المتهم لانقضاء الدعوى العمومية في عدة قضايا(11) وأيده الفقه(12).
وكذلك قضي في فرنسا ببراءة المتهم بسبب انقضاء الدعوى العمومية بفعل المصالحة(13)، وقضي أيضا في قضية أخرى متعلقة بسحب الشكوى بانقضاء الدعوى العمومية(14)، أما نحن فنرى من جهتنا أن الصيغة الأنسب هي الحكم بانقضاء الدعوى العمومية بالمصالحة.
- أما إذا كانت القضية أمام المحكمة العليا فيتعين عليها التصريح برفض الطعن بسبب المصالحة بعد التأكد من وقوعها، وذلك ما قضت به المحكمة العليا في مناسبتين(15).
- أثر التثبيت: تتفق عموما جرائم الصرف مع الجرائم الجمركية من حيث كيفية تحديد مقابل الصلح، ذلك أن المشرع لم يحدد هذا المقابل في نص القانون وإنما أحال بهذا الخصوص إلى التنظيم وترك للإدارة قسطا من الحرية في تحديده، إذ اكتفى بوضع الحدين الأدنى والأقصى حسب المادتان 04 و06 من المرسوم التنفيذي رقم 11-35.
ويتضمن مقرر المصالحة المبلغ الواجب الدفع ومحل الجنحة أو ما يعادل قيمته، والوسائل المستعملة في الغش التي يجب التخلي عنها، كما يحدد أجل الدفع ويعين المحاسب العمومي المكلف بالتحصيل، وفي كل الأحوال يصرح مقرر المصالحة بتخلي مرتكب المخالفة على محل الجنحة، وعلى الوسائل المستعملة في الغش فتنتقل ملكيتها إلى الخزينة العامة والأملاك العامة.
2- آثار المصالحة الجزائية تجاه الغير:
تقضي القواعد العامة بأن آثار العقد لا تنصرف إلى غير عاقديه، فهل تنطبق هذه القاعدة أيضا على المصالحة في المسائل الجزائية، بحيث لا ينتفع الغير بها ولا يضار الغير منها؟
- لا ينتفع الغير بالمصالحة: يقصد بـ“الغير“ هنا الفاعلون الآخرون والشركاء، فما مدى تطبيق قاعدة لا ينتفع الغير بالمصالحة على هؤلاء؟
تتفق التشريعات الجمركية والجزائية الأخرى التي تجيز المصالحة على حصر آثار المصالحة في من يتصالح مع الإدارة وحده، ولا تمتد للفاعلين الآخرين الذين ارتكبوا معه نفس المخالفة ولا إلى شركائه.
ولا تشكل المصالحة التي تتم مع أحد المخالفين حاجزا أمام متابعة الأشخاص الآخرين الذين ساهموا معه في ارتكاب المخالفة أو شاركوه في ارتكابها، وهذا ما قضت به المحكمة العليا في قرار صدر بتاريخ 22/12/1997 بشأن مخالفة جمركية(16).
وهو ما استقر عليه القضاء الفرنسي منذ القرار الصادر عن محكمة النقض في 26 أوت 1820 التي ألغت بمقتضاه قرارصدرعن محكمة استئناف قضى بإسقاط الدعوى العمومية بالنسبة للمتهم المتصالح، وغيره من المتهمين الآخرين المتابعين من أجل التهرب من أداء الرسوم الجمركية(17).
وهكذا، فإن المصالحة في المسائل الجزائية بوجه عام، وفي المادة الجمركية بوجه خاص ينحصر أثرها بالنسبة لانقضاء الدعوى العمومية في المتصالحين وحدهم، ولا يمتد للمتهمين غير المتصالحين سواء كانوا فاعلين أو شركاء.
ولقد أثير التساؤل في المجال الجمركي حول ما إذا كان على القضاء عند تقدير الجزاءات المالية أن يأخذ بعين الاعتبار ما دفعه المتهم المتصالح، أم أنه يقضي على باقي المتهمين دون خصم حصة المتهم المتصالح مع الإدارة.
أجاب القضاء الفرنسي على هذا السؤال بقوله في عدة مناسبات بأنه على الفاعلين الآخرين والشركاء دفع الجزاءات المالية كاملة بالتضامن فيما بينهم بدون خصم حصة المتصالحين(18)، وللإدارة عند تحصيل العقوبات المالية أن تخصم المبالغ التي سبق أن حصلت عليها من المتهم المتصالح معها.
وأكد ذلك في قرارين لاحقين لمحكمة النقض:
- الأول صدر في 26/11/1964 في قضية “سلمون Salmon“(19).
- الثاني صدر في 08/12/1972 في قضية “بورليق Burleigh“(20).
وهكذا استقر القضاء الفرنسي على مبدأين:
- المبدأ الأول: هو أن المصالحة الجمركية لا يستفيد منها إلا من كان طرفا فيها، ولا يمكن أن تشكل عائقا أمام متابعة الأشخاص الآخرين فاعلين كانوا أم شركاء.
- المبدأ الثاني: وهو أن المصالحة لا تؤخذ بعين الاعتبار عند تحديد العقوبات المالية للمتهمين غير المتصالحين، فعلى جهات الحكم أن تقضي عليهم بكامل الجزاءات المالية المقررة للفعل المنسوب إليهم، أي من دون خصم المبلغ الذي دفعه الطرف المتصالح مع الإدارة.
وإذا كان ليس في علمنا ما إن طرحت مثل هذه القضايا على القضاء الجزائري، فإننا متأكدون أنه لو عرضت عليه فإن قضاءه لن يخرج عن هذه القواعد نظرا لتطابق التشريعين الجمركي الجزائري والفرنسي في هذا المجال.
وهكذا، فإن المصالحة في المجال الجمركي لا تحول دون القضاء على باقي المتهمين غير المتصالحين بكامل الجزاءات المالية المقررة للمخالفة المتابعين من أجلها.
وتبعا لذلك فقد تؤدي المصالحة إلى نتائج مجحفة كأن يستفيد المتهم الرئيسي من المصالحة، ويتحمل شريكه أو الفاعل الثانوي تبعة الفعل الإجرامي كله.
وتفاديا لحدوث مثل هذه المفارقات وحتى لا تحول المصالحة عن هدفها الأصلي ينبغي أن تتحلى إدارة الجمارك بالحذر واليقظة عند تقرير المصالحة، وذلك بمنح الأسبقية والأفضلية للمتهمين الذين لعبوا دورا ثانويا على مسرح الجريمة…
ويبقى التساؤل قائما بالنسبة لجريمة الصرف حول ما إذا كان القضاء ملزما بالحكم على المتهمين غير المتصالحين بكل الجزاءات المالية المقررة قانونا للمخالفة المرتكبة، أم أنه عليه بخصم المبلغ الذي دفعه المتهم المتصالح؟
يعاقب التشريع الخاص بقمع جرائم الصرف وخصوصا المادة 01 مكرر(21) من الأمر رقم 96-22 المعدل والمتمم بموجب الأمر رقم 10-03 تحديدا على جنح الصرف بعقوبة الحبس من سنتين (2) إلى سبع (7) سنوات، وبغرامة مالية لا تقل عن ضعف قيمة محل الجريمة، و بمصادرة البضاعة محل الجنحة ووسيلة النقل المستعملة في الغش، وتضيف ذات المادة في فقرتها الأخيرة أنه في حالة ما إذا لم تحجز الأشياء المراد مصادرتها أو لم يقدمها المتهم لسبب ما، يتعين على الجهة القضائية المختصة أن تقضي على المدان بغرامة تقوم مقام المصادرة وتساوي قيمة هذه الأشياء.
فلو حصل فرضا أن ضبط شخصان بمكتب جمركي عند الحدود وهما يحوزان مبالغ مالية بالعملة الصعبة مخبأة داخل السيارة في تجاويف أعدت خصيصا لاستقبالها، ويقوم أحدهما وهو صاحب السيارة بإجراء مصالحة مع إدارة الجمارك، ويتخلى إثرها على سيارته وعلى كامل المبلغ المالي المضبوط، فهل يحكم على الفاعل الثاني في حالة متابعته قضائيا بغرامة تساوي قيمة العملة الصعبة ووسيلة النقل تقوم مقام مصادرتها؟ أم أنه سيقضي عليه بالحبس والغرامة الجزائية فحسب دون الجزائين المذكورين؟
نحن نميل إلى القول أنه لا يسوغ لجهات الحكم في مثل هذه الحالة إلا الحكم على المتهم بالحبس والغرامة الجزائية فحسب، وذلك على أساس أنه لا يجوز مصادرة الشيء مرتين، وهو المبدأ المستقر عليه في المحكمة العليا في مواد جرائم الصرف قبل صدور الأمر رقم 96-22.
- لا يضار الغير من المصالحة: الأصل أن آثار المصالحة مقصورة على طرفيها فلا يترتب ضرر لغير عاقديها، وهذه القاعدة تجد تبريرها في أحكام القانون المدني في المادة 113 منه التي تقضي بأن لا يرتب العقد التزاما في ذمة الغير، كما يمكن تبريرها أيضا بالنظر إلى القانون الجزائي على أساس شخصية العقوبة.
وعلى ذلك فإذا ما أبرم أحد المتهمين مصالحة مع الإدارة، فإن شركاءه والمسؤولين مدنيا لا يلزمون بما يترتب على تلك المصالحة من آثار في ذمة المتهم الذي عقدها.
ولا يجوز للإدارة الرجوع إلى أي منهم عند إخلال المتهم بالتزاماته ما لم يكن من يرجع إليه ضامنا له أو متضامنا معه، أو أن المتهم كان قد باشر المصالحة بصفته وكيلا عنه.
أما بالنسبة للمضرور فمن حقه الحصول على التعويض اللازم لإزالة الضرر الذي أصابه بسبب المخالفة، وبما أنه لم يكن طرفا في هذه المصالحة فهي لا تلزمه ولا تسقط حقه في التعويض وله أن يلجأ للقضاء لاستيفائه.
ومن جهة أخرى لا يمكن للإدارة أن تحتج باعتراف المتهم الذي تصالحت معه بارتكاب المخالفة لإثبات إذناب شركائه، فمن حق كل من هؤلاء نفي الجريمة ضده بكل طرق الإثبات، ولا يكون للضمانات التي قدمها المتصالح كذلك أي أثر على باقي المخالفين.
إذا لم تتم المصالحة في أجل ثلاثة (03) أشهر من يوم معاينة الجريمة يرسل الملف إلى وكيل الجمهورية المختص إقليميا من أجل المتابعة القضائية وتطبيق العقوبات المقررة لجريمة الصرف.
الخاتمة:
إن حركة انتقال رؤوس الأموال عبر العالم عن طريق حرية الاستيراد والتصدير جعل هذه الحركة الجديدة لا تخلو من المخاطر في كل جوانبها المتعددة والمختلفة، ولاسيما الجانب الاقتصادي لأي دولة، ولذلك يستدعي الأمر ضرورة فرض رقابة صارمة على حركة رؤوس الأموال من أجل حماية الإنتاج الوطني من منافسة البضائع المستوردة، وبالتالي المحافظة على ثروة البلاد، وعزل الاقتصاد الوطني عن كل الانعكاسات التي قد ترد على الاقتصاد العالمي.
ما تهدف إليه هذه الرقابة هو الحفاظ على سعر الصرف من العملة الوطنية، بالإضافة إلى وضع قيود لمنع تهريب رؤوس الأموال إلى الخارج سواء كانت هذه الأموال في شكل نقود أو سندات أو قيم أو وسائل دفع أو في شكل مصوغات من الأحجار الكريمة أو المعادن الثمينة، وهذا باعتبارها سهلة التهريب وهي بصحبة المتهمين.
في هذا الإطار تعتبر الرقابة على الصرف بمثابة حراسة أو رقابة على دخول وخروج رؤوس الأموال بهدف حماية المصالح الوطنية، وفي هذا الإطار تلجأ الدولة عادة إلى اتخاذ مجموعة من تدابير الحماية ذات الطابع الجزائي، وهذا بغرض فرض رقابة خاصة على حركة رؤوس الأموال عند الاستيراد والتصدير، وإخضاعها لإجراءات يترتب على مخالفتها جزاءات جنائية يكون الهدف منها مكافحة جل الجرائم الواقعة على حركة رؤوس الأموال.
المصادر والمراجع:
أولا: باللغة العربية:
- الأوامر الرئاسية:
- الأمر رقم 96-22 المؤرخ في 23 صفر عام 1417هـ الموافق لـ 09 يوليو سنة 1996 والمتعلق بقمع مخالفة التشريع والتنظيم الخاصين بالصرف وحركة رؤوس الأموال من و إلى الخارج، الجريدة الرسمية، العدد 43، المؤرخ في 10/07/1996.
- الأمر رقم 10-03 المؤرخ في 26 أوت 2010 يعدل ويتمم الأمر رقم 96- 22 المؤرخ في 09 يوليو 1996، والمتعلق بقمع مخالفة التشريع والتنظيم الخاصين بالصرف وحركة رؤوس الأموال من والى الخارج، الجريدة الرسمية، العدد 50، المؤرخ في 01 سبتمبر 2010.
- القوانين العادية:
- قانون الجمارك الفرنسي.
- المراسيم التنفيذية:
- المرسوم التنفيذي رقم 11- 35 المؤرخ في 29/01/2011 الذي يحدد شروط وكيفيات إجراء المصالحة في مجال مخالفة التشريع والتنظيم الخاصين بالصرف وحركة رؤوس الأموال من وإلى الخارج، وكذا تنظيم اللجنة الوطنية واللجنة المحلية للمصالحة وسيرهما، الجريدة الرسمية، العدد 08، المؤرخ في 06/02/2011.
- المرسوم رقم 78-635 الصادر في 12/06/1978 المتضمن تحديد تشكيلة وشروط سير لجنة المنازعات الضريبية والجمركية والنقدية.
- الاجتهاد القضائي:
- غ.ج.م.ق3: قرار صادر بتاريخ 25/01/1999، ملف (180580)، غ منشور.
- غ.ج.م.ق3، قرار صادر بتاريخ: 09/06/1991، ملف رقم 71509 غير منشور.
- نقض جنائي بتاريخ 19/02/1963،س14، ص: 135، رقم 29.
- نقض جنائي بتاريخ 20/03/1962، س13، ص: 256، رقم 65.، ونقض جنائي بتاريخ 11/06/1980، س31، ص: 761، رقم 146.
- غ.ج.م. ملف رقم 169982، قرار صادر بتاريخ 25/01/1999، ملف رقم 184011، قرار صادر بتاريخ 25/01/1999، غير منشورين.
- غ.ج.م.ق3، ملف رقم 154107، قرار صادر بتاريخ 22/12/1997، غير منشور.
- الكتب العامة:
- أحسن بوسقيعة، المصالحة الجزائية في المواد الجزائية بوجه عام وفي المادة الجمركية بوجه خاص، دار هومة، الجزائر، 2005.
- أحسن بوسقيعة، المنازعات الجمركية في ضوء الفقه واجتهاد القضاء، دار الحكمة، الجزائر، 1998.
- أطروحات الدكتوراه:
- محمد عوض الأحوال، انقضاء سلطة العقاب بالتقادم، رسالة دكتوراه، القاهرة، مصر، 1965.
- المجيد زعلاني، خصوصيات قانون العقوبات الجمركي، رسالة دكتوراه، جامعة الجزائر، 1998.
ثانيا: باللغة الفرنسية:
Jurisprudence:
- crim11/2/1941:Bull.cont-ind., Fasc3.
- crim28/10/1965 :D.1965 ,803.
- cass crim 26/08/1920,Doc.Cont, N°210; 08/03/1954, Doc. Cont, N°963;06/07/1954, Doc. Cont.1096.
- cass crim, 06/07/1954; Doc. Cont. 1096.
- cass crim, 26/11/1964; Bull.Crim. N° 314.
- 08/12/1971: D.1972, somm, 36 et JCP, 73, II, 17516, note P.N.
Les Ouvrages:
- Ahcen Bouskia, L’infraction de change en droit algérien, édition hikma, Alger, 1999.
(1)– أنظر: أحسن بوسقيعة، المصالحة الجزائية في المواد الجزائية بوجه عام وفي المادة الجمركية بوجه خاص، دار هومة، الجزائر، 2005، ص: 281.
(2)– أنظر : أحسن بوسقيعة، المنازعات الجمركية في ضوء الفقه واجتهاد القضاء، دار الحكمة، الجزائر، 1998، ص: 42.
(3)– أنظر: عبد المجيد زعلاني، خصوصيات قانون العقوبات الجمركي، رسالة دكتوراه، جامعة الجزائر، 1998، ص: 257.
(4)- أنظر: تنص المادة 02 من المرسوم التنفيذي رقم 11- 35 المؤرخ في 29/01/2011 الذي يحدد شروط وكيفيات إجراء المصالحة في مجال مخالفة التشريع والتنظيم الخاصين بالصرف وحركة رؤوس الأموال من وإلى الخارج، وكذا تنظيم اللجنة الوطنية واللجنة المحلية للمصالحة وسيرهما على ما يلي:” يقدم طلب المصالحة مرفقا بوصل إيداع الكفالة المذكورة في المادة 03 أدناه، وبنسخة من صحيفة السوابق القضائية للمخالف حسب الحالة إلى رئيس اللجنة الوطنية للمصالحة أو رئيس اللجنة المحلية للمصالحة “، الجريدة الرسمية، العدد 08، المؤرخ في 06/02/2011.
(5)- أنظر: غ.ج.م.ق3: قرار صادر بتاريخ 25/01/1999، ملف (180580)، غ منشور، وراجع في هذا الصدد:
–Ahcen Bouskia, L’infraction de change en droit algérien, édition hikma, Alger, 1999, P-P: 128-130.
(6)– أنظر: تنص المادة 05 من الأمر رقم 96-22 المؤرخ في 09 يوليو 1996 المعدل والمتمم بالأمر رقم 10- 03 المؤرخ في 26 أوت 2010 على ما يلي:” الشخص المعنوي الخاضع للقانون الخاص مسئول عن المخالفات المنصوص عليها في المادتين الأولى و2 من هذا الأمر والمرتكبة لحسابه من قبل أجهزته أو ممثليه الشرعيين دون المساس بالمسؤولية الجزائية لممثليه الشرعيين…”.
(7)- أنظر: المادة 350-01 من قانون الجمارك الفرنسي.
(8)- أنظر: المادة 05 من المرسوم رقم 78-635 الصادر في 12/06/1978 المتضمن تحديد تشكيلة وشروط سير لجنة المنازعات الضريبية والجمركية والنقدية.
(9)– أنظر: غ.ج.م.ق3، قرار صادر بتاريخ: 09/06/1991، ملف رقم 71509 غير منشور.
(10)- أنظر: نقض جنائي بتاريخ 19/02/1963،س14، ص: 135، رقم 29.
(11)- أنظر: نقض جنائي بتاريخ 20/03/1962، س13، ص: 256، رقم 65.، و نقض جنائي بتاريخ 11/06/1980، س31، ص: 761، رقم 146.
(12)- أنظر: محمد عوض الأحوال، انقضاء سلطة العقاب بالتقادم، رسالة دكتوراه، القاهرة، مصر، 1965، ص، ص: 376،377.
– (13)Voir:crim11/2/1941:Bull.cont-ind., Fasc3.
(14) -Voir:crim28/10/1965 :D.1965 ,803.
(15)– أنظر: غ.ج.م. ملف رقم 169982، قرار صادر بتاريخ 25/01/1999، ملف رقم 184011، قرار صادر بتاريخ 25/01/1999، غير منشورين.
(16)– أنظر: غ.ج.م.ق3، ملف رقم 154107، قرار صادر بتاريخ 22/12/1997، غير منشور.
– (17)Voir: cass crim 26/08/1920,Doc.Cont, N°210; 08/03/1954, Doc. Cont, N°963;06/07/1954, Doc. Cont.1096.
(18)–Voir: cass crim, 06/07/1954; Doc. Cont. 1096.
(19)–Voir: cass crim, 26/11/1964; Bull.Crim. N° 314.
(20)–Voir: crim. 08/12/1971: D.1972, somm, 36 et JCP, 73, II, 17516, note P.N.
(21)- أنظر: المادة 01 مكرر من الأمر رقم 10- 03 المؤرخ في 26 أوت 2010، والتي تنص على ما يلي:” كل من يرتكب جريمة من الجرائم المنصوص عليها في المادة الأولى أعلاه يعاقب بالحبس من سنتين (2) إلى سبع (7) سنوات، وبغرامة لا تقل عن ضعف قيمة محل الجريمة وبمصادرة محل الجنحة والوسائل المستعملة في الغش.
إذا لم نحجز الأشياء المراد مصادرتها، أو لم يقدمها المخالف لأي سبب كان، يتعين على الجهة القضائية المختصة أن تحكم بعقوبة مالية تقوم مقام المصادرة وتساوي قيمة هذه الأشياء”.