ذوي الاحتياجات الخاصة بين الحق
في التوظيف وشرط السلامة البدنية
عبد المنعم اكنيدي
باحث بسلك الدكتوراه، استاذ الاشغال التوجيهية بكلية الحقوق السويسي
مقدمة
يتواجد في كل مجتمع من المجتمعات فئة خاصة تتطلب تكيفاً خاصاً مع البيئة التي يعيشون فيها نتيجة لوضعهم الصحي الذي يوجد فيه خلل ما، هذه الفئة هي التي يطلق عليها فئة ذوي الاحتياجات الخاصة،[1] وهذا التكيف لا يتأتى من قبلهم نظرا لصعوبة الأمر بل يقع على عاتق من يحيط بهم.
وإذا كانت حكومات العالم قد أخذت على عاتقها النهوض بمستوى معيشة مواطنيها وأولت في ذلك كل الجهد لمسالة تمديد وتوسيع الخيارات أمام كل مواطن في إطار ما اصطلح على تسميته التنمية البشرية، فقد كان من المتعين على الحكومات ألا تتجاهل هذه الفئات داخل مجتمعاتها أو تهميشها او التغاضي عن الاحتياجات الخاصة بها، خاصة ان الظروف والأقدار أجبرتهم على ان لا يعيشوا على درجة واحدة من الصحة مع اقرأنهم من سائر أفراد المجتمع.[2]
وإذا كان لكل مواطن حقه في حياة كريمة تتضمن الرعاية الصحية والمسكن وفرص العمل المناسبة[3] فان ذوي الاحتياجات الخاصة من المعاقين يجب ان ينالوا قسطين من الحقوق، لكونهم مواطنون مثلهم مثل سائر المواطنين الآخرين من جهة، وباعتبارهم عجزوا عن الاعتماد على أنفسهم في مزاولة الحياة او العمل نتيجة ظروف خارجة عن إرادتهم من جهة أخرى، وقد يكون المجتمع او الدولة مسؤولة عن جانب كبير منها.[4]
ومن اجل تحديد أكثر دقة للموضوع فانه من المفيد جدا التعريف بالعناصر الأساسية للموضوع فنعرف الأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة باعتبارهم محور الحماية القانونية.
ويقصد بالأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة تلك الفئة من افراد المجتمع التي تصاب بإعاقة معينة[5] تجعلها غير قادرة على التكيف مع المجتمع، وقد أصبح يطلق عليهم “ذوي الاحتياجات الخاصة “بدلا من “المعاقين” لما لهذه التسمية من أثار نفسية سلبية.[6]
- تعريف ذوي الاحتياجات الخاصة في بعض المواثيق الدولية:
_في اتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة:
عرفت هذه الاتفاقية الأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة بأنهم ” كل من يعانون من عاهات طويلة الأجل بدنية كانت أو عقلية أو ذهنية او حسية، قد تمنعهم لدى التعامل مع مختلف الحواجز من المشاركة بصورة كاملة وفعالة في المجتمع على قدم المساواة مع الآخرين.
والجلي من خلال هذا التعريف، أن تعريف المعاق يرتكز على عنصرين أساسيين:
الأول: يتعلق بالزمانة بمعنى ان تكون الإعاقة حاصلة لمدة طويلة من الزمن، مما يوحي مباشرة أن الأشخاص المصابين بعجز مؤقت لا يدخلون ضمن نطاق الأشخاص المعاقين.
الثاني: يتعلق بوجوب ان تكون الإعاقة حاجزا حقيقيا امام الشخص المصاب بها تمنعه من المشاركة بصورة كاملة وفعالة في المجتمع
- تعريف ذوي الاحتياجات الخاصة في القوانين الداخلية:
_في القانون رقم07/92 المتعلق بالرعاية الاجتماعية للأشخاص المعاقين[7]: عرفت المادة 2 من هذا القانون الشخص المعاق بأنه: “كل شخص يوجد في حالة عجز او عرقلة دائمة او عارضة، ناتجة عن نقص او عدم قدرة تمنعه من أداء وظائفه الحياتية لا فرق بين من ولد معاقا ومن عرضت له اعاقة بعد ذلك.
واهم ما يمكن ان يلاحظ من خلال هذه المادة ان المشرع تجاوز نظرة الاتفاقية فيما يتعلق بعنصر الزمانة، فلم يأخذ بهذا العنصر بشكل مطلق وإنما اعتبر ان العجز المؤقت بمثابة إعاقة من خلال عبارة “عرقلة عارضة”، مما يفيد ان المشرع وسع من دائرة الحماية لتشمل جميع الأشخاص الذين يعانون من إعاقة بمن فيهم أصحاب الإعاقات العرضية.[8]
إن الاهتمامات الحديثة بالإعاقة والمعاقين ، وضرورة تقديم الرعاية اللازمة لهذه الفئة بشكل تكاثفي من جميع أفراد المجتمع ومؤسساته ، وبالخصوص مسالة التوظيف ليست وليدة المصادفة البحتة أو بدافع الإنسانية فقط ، بقدر ما كان إعادة لتصحيح مجموعة من الأخطاء ارتكبتها المجتمعات الإنسانية عبر التاريخ، والتي كان ضحيتها دائماً وأبداً الأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة، حيث إن تلك النظرة السلبية عرقلت مسيرة النمو الطبيعية للمجتمع، فأغلب المصادر التاريخية تشير إلى معاناة المعاقين في جميع العصور الماضية من النظرة المتدنية نحوهم، وذلك من جراء القواعد والقوانين الظالمة التي جعلت منهم هدفا للتعبير عن الدوافع والنزعات العدوانية في المجتمع نتيجة للخوف والجهل من جهة ، ونقصان المعلومات من جهة أخرى.
وحديثاً حيث التطور التكنولوجي في العلوم التطبيقية والإنسانية وتطور الأبحاث والدراسات المتعددة ، أدى كل ذلك إلى الشعور بأهمية وقدرة هذه الفئة من أبناء المجتمع على المساهمة في بناء معالم المجتمع الدولي، كما أن لاهتمامات بعض الهيئات مثل هيئة الأمم المتحدة أثره الواضح على الدول والهيئات والجمعيات الحكومية والأهلية التي تطالب بحقوق الإنسان إلى غير ذلك من الحقوق، ففي ميثاق الأمم المتحدة عن حقوق الطفل جاء في المادة ” : 27 أن الطفل المعاق عقليا وجسديا يجب أن يتمتع بحياة كاملة كريمة ضمن الشروط التي تؤمن الكرامة وتقوي الاعتماد على النفس وتسهل مشاركة الطفل الفعالة في المجتمع”، فالنظرة الحديثة للإعاقة والمعاقين بنيت على أساس علمي هو أن الفرد المعاق كغيره من الأفراد يتمتع ببعض القدرات والإمكانيات والخصائص إذا تمت تنميتها بالشكل الصحيح أصبح الفرد المعاق قادرا كغيره من الأفراد العاديين على القيام بالأعمال التي تتلاءم مع هذه الإمكانيات والقدرات.
وانطلاقا من كل ما سبق فان اهمية الموضوع تنبثق من كون تهميش الأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة وإقصاؤهم تبت بالتجربة انه يؤدي لا محالة الى حدوث شروخ واضطرابات عميقة في المجتمع، في حين ان الاهتمام بهم وإدماجهم داخل المجتمع عن طريق التوظيف سيكون له نتيجة ايجابية دون شك اذ انه سيؤدي الى إعادة توازن النسيج المجتمعي.
وهو ما يوضح الإشكالية الرئيسية لهذا الموضوع والتي تتمحور حول:
مدى نجاح المشرع المغربي في الانتقال بوضعية الأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة من المنظور التكافلي القائم على الإحسان الى الوضع الشمولي المندمج القائم على الإدماج الفعلي لهذه الفئة فيما يتعلق بالتوظيف؟
وتتفرع عن هذه الإشكالية مجموعة من التساؤلات يمكن طرحها على الشكل التالي:
- ما هي المرجعيات التي استند عليها المشرع في إقرار الحقوق الخاصة بالأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة، خصوصا ما يتعلق منها بالتوظيف؟
- ما هي مختلف ضمانات التوظيف الواردة في التشريع المغربي؟
- ما هي الوسائل التي اعتمدها المشرع لتفعيل هذه الضمانات؟
سنحاول الإجابة عن هذه الإشكالات من خلال التصميم التالي:
اولا: نطاق مسؤولية الدولة في توظيف ذوي الاحتياجات الخاصة
ثانيا: الحوافز القانونية لتفعيل حق ذوي الاحتياجات الخاصة في التوظيف
اولا: نطاق مسؤولية الدولة في توظيف ذوي الاحتياجات الخاصة
لطالما عانى الأشخاص في وضعية إعاقة من تهميش وإقصاء وتمييز عبر التاريخ منذ أن نشأ مفهوم الدولة، حيث لم يكن هؤلاء الأشخاص يحظون بالمكانة الكافية داخل المجتمع، بل لم يكن لهم بتاتا الحق في تقلد المناصب والوظائف العامة، ولم يقف الأمر عند هذا الحد، بل وصل أحيانا إلى حد التخلص منهم كما حدث مثلا في ألمانيا في عهد “هتلر” حيث كان يعتبرهم عالة على المجتمع.[9]
غير أن هذه النظرة سرعان ما تغيرت بعد استقرار الأوضاع السياسية بعيد الحرب العالمية الثانية، حيث بدأ التفكير في وضع مواثيق دولية [10] تكفل حق ذوي الاحتياجات الخاصة في مستوى عيش لائق [11] وضمان حقوقهم المدنية والسياسية والاقتصادية على قدم المساواة مع غيرهم.[12]
والسؤال الذي ظل مطروحا في الواجهة الدولية، كيف يمكن رد الاعتبار لهذه الفئة من المجتمع البشري؟ وكيف يمكن إعادة إدماجها داخل المجتمع؟ وما هي الوسائل الكفيلة لإلزام الدول على احترام حقوق هذه الفئة؟
1- المرجعية الدولية
استمر التفكير طويلا منذ نهاية الحرب العالمية الثانية في إيجاد منظومة حقوقية كونية تكفل لجميع أفراد الأسرة البشرية ممارسة حقوقهم وأداء واجباتهم في جو يسوده القانون ومبادئ العدالة الدولية، وإذا كان هذا الاهتمام موجه نحو الأسرة العالمية، فإن الفئات الأضعف في النسيج البشري حظيت بدون شك باهتمام أكبر نظرا لموقعها غير المستقر ضمن المجتمع.
من هذا المنطلق كان التفكير العالمي منصبا على إيجاد إطار قانوني يضمن الحقوق الأساسية لفئة هي الأكثر تهميشا وإقصاءا [13] ألا وهي فئة الأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة، حيث وجد المنتظم الدولي صعوبة بالغة في تغيير النظرة الإقصائية لهذه الفئة من المجتمع، ولم يتأتى ذلك إلا عبر مدة من الزمن ليست بالهينة استمرت منذ نهاية الحرب العالمية الثانية إلى الآن وما تزال الجهود الدولية مستمرة في هذا المجال.
إن موضوع الدراسة يتعلق بحماية حق ذوي الاحتياجات الخاصة في نظام الوظيفة العمومية، لذلك فإننا سنقتصر على المعاهدات والمواثيق الدولية التي تناولت مسألة إدماج الشخص المعاق في أسلاك الوظيفة العمومية للدول الموقعة عليها.
إن المغرب وبمصادقته على كل من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، إضافة الى معاهدات خاصة بالأشخاص المعاقين هي: اتفاقية الأشخاص ذوي الإعاقة وبروتوكولها الاختياري، فإن التساؤل يبقى مطروحا حول مرجعيات التزام المغرب بتوظيف ذوي الاحتياجات الخاصة في كل من المعاهدات الدولية العامة والمعاهدات الدولية الخاصة بالأشخاص المعاقين وهو ما سنتناوله في النقطتين التاليتين:
- المعاهدات الدولية العامة.
شكلت المعاهدات الدولية العامة حجر الأساس لتوطيد حقوق ذوي الاحتياجات الخاصة، بل شكلت المرجعية الأساسية التي استقت منها معظم المعاهدات الدولية الخاصة بالأشخاص المعاقين مبادئها.[14]
وبالرجوع إلى هذه المعاهدات العامة نجد أنها تضمنت مبادئ أساسية بمثابة ضمانات قانونية لحقوق المعاقين يبقى أهمها الحق في تقلد المناصب والوظائف العامة انطلاقا من مبدأ المساواة في تقلد الوظائف وعملا بمبدأ تكافؤ الفرص، وذلك انطلاقا من المبدأ العام المنصوص عليه في المادة الأولى من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان ألا وهو تساوي جميع الناس ي الكرامة والحقوق،[15] استتبعها التنصيص في المادة الثانية على أحقية كل إنسان في التمتع بالحقوق الواردة في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والتي من أهمها الحق في تقلد الوظائف العامة دون تمييز كيفما كان نوع هذا التمييز، والتي نجد سندها في نص المادة 21 من الإعلان العالمي حيث جاء فيها:
” لكل شخص نفس الحق الذي لغيره في تقلد الوظائف العامة في البلاد”، وقد شكلت هذه المادة اعترافا دوليا بحق الشخص المعاق في التوظيف ولو أن هذا الاعتراف جاء بشكل ضمني إلا أنه من الممكن تفسير مقتضيات هذه المادة لصالح الشخص المعاق.
ولعل الهدف الأساسي من وراء إقرار هذه الضمانات ما نصت عليه المادة 23 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، ويتعلق الأمر هنا بحق الشخص في الحماية من البطالة كيفما كانت الوسائل المستعملة من طرف الدولة لحماية هذا الحق، ويبقى أهم وسيلة لحماية حق الشخص المعاق هو التنصيص على حقه في التوظيف في الوظائف العامة داخل الدولة، انطلاقا من كون هذا المعطى حق للشخص المعاق وواجب على عاتق الدولة.
وبالانتقال إلى العهد الدولي المتعلق بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية فإننا نجد هذا المقتضى (الذي هو حق المعاق في التوظيف) بشكل أكثر توسعا وحماية ولو لم تكن هناك إشارة واضحة إلى التوظيف في أسلاك الدولة، إلا أنه يمكن تفسير أحكام المادة 6 من نفس العهد على أنها اعتراف دولي لحق جميع الأشخاص في أن تتاح لهم فرص العمل بشكل متساو، وتبقى المسؤولية في ذلك على عاتق الدولة عن طريق جميع الوسائل المتاحة لها، خصوصا ما يتعلق منها بالتدابير التشريعية[16]، على أن الدولة ملزمة في هذا الإطار بضمان تكافؤ الفرص وعدم التمييز على أي أساس كان.[17]
فالحق في العمل وحرية اختياره، وتوفر ظروف عمل عادلة ومواتية والحق في الحماية من البطالة، وفي أجر متساو عن العمل المتساوي. والتمتع بالحق في العمل لا تكفله الصكوك الدولية التي أعدتها هيئات المم المتحدة فحسب، بل تكفله أيضا الصكوك الدولية المعدة تحت رعاية منظمة العمل الدولية.[18]
وهكذا جاء في المادة 32 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان «لكل شخص الحق في العمل، وفي حرية اختيار عمله وفي شروط عمل عادلة ومرضية وفي الحماية من البطالة…».
وليس من باب الصدفة إذ عالج الفصل الأول من الجزء الثالث للعهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية الحق في العمل بحيث يوجد هذا الحق بالفعل.
وتعتبر الاتفاقية رقم 111 لسنة 1958 المتعلقة بالتمييز في مجال الاستخدام والمهنة، الوثيقة الرئيسية لمنظمة العمل الدولية والتي رغبت بواسطتها في وضع أسس السياسة الوطنية الهادفة إلى إقرار المساواة في المجال الاجتماعي، وهكذا تتعهد الدول المصادقة على الاتفاقية – طبقا للمادة 2- «بأن تعلن رسميا وتنتهج سياسة وطنية تهدف إلى تحقيق المساواة في الفرص وفي المعاملة بغية القضاء على التمييز في الاستخدام والمهنة».
إن هذه المعاهدات الدولية العامة تبدو إلى حد كبير قد ضمنت الحقوق الأساسية لجميع أفراد المجتمع الدولي، غير أن أهم ما يمكن ملاحظته على هذه الاتفاقيات عدم تنصيصها على الآليات الكفيلة بإعمال الحقوق المنصوص عليها ولا على طرق تفعيلها، فهل من الممكن أن تحقق النصوص والمعاهدات الدولية الخاصة بحقوق الأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة ذلك، خاصة وأن الدول الموقعة على هذه المعاهدات يمكن أن تتملص من مسؤولياتها المتعلقة بإيجاد مناخ ملائم لتوظيف هذه الفئة من المجتمع تحت ذريعة عدم وجود تنصيص واضح وصريح على الوسائل الكفيلة بأعمال هذه الحقوق، وهو ما سنتناوله في النقطة التالية:
ب- المعاهدات الدولية الخاصة
جاءت المعاهدات الدولية الخاصة كتكملة للمعاهدات الدولية العامة فيما يخص تعزيز حقوق الأفراد خاصة ذوي الاحتياجات الخاصة، فما هي مكامن النقص التي سعت هذه المعاهدات إلى تداركها؟ وكيف سعى المنتظم الدولي إلى توطيد هذه الحقوق عن طريق إلزام الدول الموقعة على الاتفاقيات الخاصة بذوي الاحتياجات الخاصة بتطبيق مقتضياتها؟
إن أهم ما يمكن ملاحظته حول الاتفاقيات الدولية العامة هو أنها لم تولي اهتماما للأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة بالشكل الذي يرقى إلى تطلعات هذه الفئة من المجتمع خاصة ما يتعلق منها بالحق في التوظيف، إضافة إلى عدم تنصيصها على الوسائل الكفيلة بإعمال الحقوق الأساسية لهذه الشريحة، مما فرض ضرورة التفكير في إيجاد منظومة تشريعية دولية لتجاوز هذا الوضع، ولم يتأتى ذلك إلا بعد إصدار المعاهدة الدولية لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة.[19] فلقد كان أهم مقتضى نصت عليه هذه الاتفاقية مبدأ المساواة في جميع الحقوق الأساسية مع الآخرين خاصة ما يتعلق منها بالمساواة في تقلد الوظائف[20] انطلاقا من مبدأ تكافؤ الفرص ما دامت الإعاقة لا تشكل سببا من الأسباب المؤدية إلى الحرمان من تقلد الوظائف العامة[21]، انطلاقا من المادة 27 من نفس الاتفاقية التي تحظر التمييز على أساس الإعاقة أو أي أساس آخر.
بل أكثر من ذلك أوجبت هذه المادة على الدول الأعضاء ضرورة توفير شروط التوظيف والعيش بشكل متساو بين الأشخاص المعاقين وغيرهم، ولم تقف الاتفاقية عند ذلك، بل جعلت من تشغيل الأشخاص ذوي الإعاقة في القطاع العام واجبا أساسيا من واجبات والتزامات الدولة اذا توفرت الشروط المتطلبة في الشخص المراد توظيفه.[22]
ولم تغفل الاتفاقية التنصيص على الوسائل الكفيلة بضمان إعمال وتتبع إعمال الحقوق المنصوص عليها وخاصة ما يتعلق منها بمسؤولية الدولة في توظيف الأشخاص المعاقين في أسلاك الوظيفة العمومية، ذلك أن الاتفاقية تتطلب وجود نقطة مركزية حكومية واحدة على الأقل لهذه المسؤولية[23]، وتشجع كذلك على أن تكون هناك آلية ضمن الحكومة لتنسيق الأعمال المتخذة في مختلف المستويات والقطاعات[24]، كما أنه على كل بلد أن يستحدث هيئة مستقلة مثل هيئة حقوق الإنسان أو الإعاقة تكون مسؤولة عن متابعة تنفيذ القوانين الوطنية لمراقبة كيفية وضع الاتفاقية موضع التنفيذ. ويبقى أهم مستجد نصت عليه الاتفاقية ما يتعلق بحق مشاركة المنظمات غير الحكومية في عملية المراقبة الوطنية على تفعيل مقتضيات الاتفاقية.
وكجزء من الالتزام بالمعاهدة فإن الدول ملزمة بمقتضى المادة 35 بتقديم تقارير لجنة الخبراء الدولية والتي تتضمن أشخاص معاقين، فهذه التقارير تظهر تقدم البلد في العمل المتوافق مع بنود الاتفاقية، غير أن الإشكال المطروح في هذا السياق يتمحور حول إمكانية فرض أية عقوبات عن طريق اللجنة على الدول المخالفة.
بالرجوع إلى المادة 36 من نفس الاتفاقية نجد هذه الإمكانية غير متاحة مما يمكن معه القول أن هذه اللجنة لا تتمتع بالطابع التقريري وإنما ينحصر دورها في الطابع الاستشاري. ولو أمكن القول في هذا السياق أن توصيات هذه اللجنة يكون لها دعم عالمي قوي مما سيشعر الحكومات بضغط سياسي يحثها على الامتثال، إلا أن ذلك لا يعدو أن يكون رهان غير مضمون، ولا يخدم مصالح الأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة الذين هم في حاجة إلى ضمانات حقيقية لتحقيق الاستقرار والاستقلال الذاتي.
إن المغرب ومنذ توقيعه على الإعلان العالمي والعهدين الدوليين التابعين له، إضافة إلى مجموعة من الاتفاقيات الخاصة بالأشخاص المعاقين[25]، وانتهاء باتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة أصبح أمام تحد كبير فيما يخص ملاءمة نصوصه القانونية لمبادئ ومقتضيات هذه الاتفاقيات، ولو أن الأمر في الواقع يتطلب أكثر من ذلك، إذ يفرض ضرورة خلق وسائل عملية لضمان تحقيق التكامل بين المنظومة التشريعية الدولية والمنظومة التشريعية الوطنية، مما يفرض البحث عن مظاهر التكامل الإيجابي بين هذه المقتضيات، والبحث عن مكامن الخلل في التوازن بين هذه التشريعات لان هذه الاتفاقيات الدولية تفرض من جملة ما تفرضه ضرورة ملائمة التشريعات الوطنية للدول الموقعة عليها وفق مبادئها بشكل يخدم مصالح الأشخاص المعاقين ويضمن حقهم في التوظيف.
2- التشريع الوطني الداخلي:
إيمانا منه بضرورة مسايرة المقتضيات والمعاهدات الدولية المعنية بحماية حقوق ذوي الاحتياجات الخاصة في مجال التوظيف، فإن المغرب قام بإصدار مجموعة من النصوص القانونية التي تكفل هذا الحق وبقية الحقوق الأخرى بشكل يضمن ممارسة هذه الفئة لحقها في التوظيف دون عراقيل.
وتبقى الإشارة واجبة في هذا الصدد إلى أن أهم النصوص التي أصدرها المغرب في هذا المجال تتمثل في:
-القانون رقم 07/92 المتعلق بالرعاية الاجتماعية للأشخاص المعاقين سنة 1993
-القانون رقم 05/81 يتعلق بالرعاية الاجتماعية للمكفوفين وضعاف البصر.
-قرار للوزير الأول رقم 3.130.00 بتحديد قائمة المناصب الممكن إسنادها إلى الأشخاص المعاقين بالأولوية وكذا النسبة المئوية لهذه المناصب بأدوات الدولة والهيئات التابعة لها الصادر في 10 يوليوز 2000. وتمثل هذه النصوص مظهر من مظاهر التفاعل بين المرجعية الدولية والتشريع الوطني، ذلك أن المغرب وبعد تعهده باحترام حقوق الإنسان كما هي متعارف عليها لم يكن أمامه سوى الوفاء بهذا التعهد، فكان إصدار هذه القوانين نتيجة حتمية لالتزامه بضمان ممارسة ذوي الاحتياجات الخاصة لحقوقهم وخصوصا ما يتعلق منها بالتوظيف.
وبما أن الدستور يشكل أكثر القوانين ضمانة للحقوق باعتباره أسمى قانون في البلاد[26] فإن حق الأشخاص في التوظيف لم يتم إغفاله. وإذا كان توظيف الأشخاص ذوي الإعاقات من صميم حقوق الإنسان فإن ذلك فرض على المغرب الإقرار بحقوق جميع الأشخاص في التوظيف وتقلد المناصب العامة في البلاد دون تمييز على أي أساس كان، وبذلك نص المشرع في الفصل 31 من الدستور الجديد لسنة 2011 على ما يلي: “تعمل الدولة والمؤسسات العمومية والجماعات الترابية على تعبئة كل الوسائل المتاحة لتيسير اسباب استفادة المواطنين والمواطنات على قدم المساواة من الحقوق التالية:
……….ولوج الوظائف العمومية حسب الاستحقاق.”.
وهو ما شكل ضمانة دستورية عامة للأشخاص المعاقين ولو أمكن إبداء بعض الملاحظات حول هذا الفصل، فالمشرع وعند تنصيصه على حق جميع المواطنين في التوظيف وساوى بينهم في الشروط المتطلبة لذلك لم يأخذ بعين الاعتبار خصوصية الشخص المعاق باعتباره يعاني من نقص في القدرة البدنية، والتي تعتبر شرطا أساسيا من شروط الاستحقاق لولوج الوظيفة العمومية[27]، فكان على المشرع في هذا الصدد التنصيص على حق المعاق في تقلد الوظائف العامة باعتباره شخصا يحظى بخصوصيات معينة. فهل يمكن تفسير نص الفصل 34 من الدستور الجديد في اتجاه تثبيت هذا المعطى؟
نص الفصل 34 من الدستور المغربي الجديد لسنة 2011 في الفصل 34 منه على ان:
“تقوم السلطات العمومية بوضع وتفعيل سياسات موجهة إلى الاشخاص والفئات من ذوي الاحتياجات الخاصة ولهذا الغرض تسهر خصوصا على ما يلي:
-…….
– اعادة تأهيل الاشخاص الذين يعانون من اعاقة جسدية او حسية حركية، او عقلية، وادماجهم في الحياة الاجتماعية والمدنية وتيسير تمتعهم بالحقوق والحريات المعترف بها للجميع”.
وعلا سبيل المقارنة فان المشرع الفرنسي تبنى نفس الموقف حيث اقر بحق جميع المواطنين في تقلد المناصب والوظائف العمومية [28]
وبالرجوع الى التشريع المغربي فان نفس الامر ينطبق على النظام الاساسي للوظيفة العمومية الذي نص على حق جميع المواطنين في تقلد الوظائف العمومية دون تمييز[29] الا انه هو الاخر لم ينص على الوسائل الكفيلة بتفعيل هذا الحق خاصة فيما يتعلق بالأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة.
ومما يزيد الأمر تعقيدا أن المشرع لم يشر بتاتا إلى أية خصوصيات تتعلق بالشخص المعاق في الفصل 13 من الدستور عندما نص على أن “…الشغل حق للمواطنين على السواء”، فهل من الممكن أن نعتبر ذلك مجرد اعتراف من الدولة بحق المعاق في التوظيف باعتباره مواطنا دون الارتقاء إلى درجة التنصيص على الآليات الكفيلة بضمان الوسائل الكفيلة بأعماله، لأن الإدارة من ضمن ما تشترطه في التوظيف شرط القدرة البدنية، وبما أن المشرع لم يلزم الإدارة على الأخذ بعين الاعتبار خصوصيات الشخص المعاق، فإنه من الممكن أن تتذرع بكون الشخص المعاق يمكن أن يعطل سير المصلحة المراد توظيفه فيها لعدم تمتعه بالقدرة البدنية.
ومع ذلك، فإن هذا المنظور الذي تم تكريسه دستوريا لا ينتقص من معطى حق الشخص المعاق في التوظيف شيئا لأنه ورد في الدستور على أنه من بين أهم حقوق المواطنة، وبذلك يمكن القول أنه رغم الملاحظات التي يمكن إبداؤها حول هذه الفصول التي تناولت حق المعاق في التوظيف إلا أن ذلك لا يمكن أن يمس بأي حال من الأحوال قدسية هذا الحق باعتباره السبيل الوحيد لتحقيق استقلالية الشخص المعاق الذاتية والاقتصادية، و هذا المعنى هو المعتمد دوليا لمفهوم الإدماج وكفالة تكافؤ الفرص.[30]
غير أن الإشكال الذي يبقى مطروحا بشدة في هذا السياق: هل التزام الدولة هنا التزام بدين يمكن المطالبة به في مواجهتها؟ أم أن الأمر يتعلق بالالتزام بإيجاد الوسائل الكفيلة بإعمال هذا الحق؟
للإجابة على هذا التساؤل، ينبغي تحديد طبيعة المسؤولية الملقاة على عاتق الدولة في هذا المجال، وإذا رجعنا إلى فصول الدستور خاصة الفصل 12 و 13[31]، فإننا سوف لن نجد أي عبارة تفيد التزام الدولة بتوفير عمل لكل مواطن من قبيل عبارة “مسؤولية وواجب وطني” مما يفيد أن الدول غير ملزمة بضمان عمل لكل مواطن وفي ظرف زمني محدد.[32]
وخير دليل على ذلك ان المغرب اعتمد لأول مرة في تاريخه ما كان يعرف بنظام المغادرة الطوعية بهدف التقليص من كتلة الاجور، مما يفسر بشكل جلي ان الدولة تقلصت امكانيتها في التوظيف بشكل كبير خاصة في ظل النظام الليبرالي، تاركة المبادرة في ذلك للخواص.[33]
وبناء على ما سبق يمكن القول أن التزام الدولة ليس سوى التزام بوسيلة obligation de moyen، وبالتالي فإن هذا الوضع لا يخدم مصلحة الشخص المعاق، لأنه لا يشكل ضمانة قانونية حقيقية.
ثانيا: الحوافز القانونية لتفعيل حق ذوي الاحتياجات الخاصة في التوظيف
تعتبر الحوافز القانونية التي أقرها المشرع بخصوص حق ذوي الاحتياجات الخاصة في التوظيف، بمثابة ضمانات قانونية أساسية يمكن للشخص المعاق التمسك بها في مواجهة أي محاولة من طرف الإدارة لاستبعاده من مجال الوظيفة تحت ذريعة عدم توفره على القدرة البدنية [34]، خاصة وأن هذا الشرط يعتبر من الشروط الأساسية في التوظيف.[35]
ويمكن إجمالا توضيح هذه الحوافز من خلال النقطتين التاليتين:
- حق ذوي الاحتياجات الخاصة في التوظيف انطلاقا من مبدأ المساواة في تقلد الوظائف.
- ثانيا: الملائمة بين حق ذوي الاحتياجات الخاصة في التوظيف وشرط السلامة الصحية
أ-حق ذوي الاحتياجات الخاصة في التوظيف انطلاقا من مبدأ المساواة في تقلد الوظائف.
يمكن النظر الى الحق في تقلد الوظائف العامة انطلاقا من مبدا المساواة مبدا، قبل ان ينظر اليه كحق، حيث يعد الركن الاساسي لبناء دولة الحق والقانون،[36]
شكل قانون 07.92 تمثلا للمبادئ الأساسية لحقوق الإنسان المعاق المتمثلة بالدرجة الأولى في الحق في تقلد الوظائف العامة على قدم المساواة مع الآخرين، فهل من الممكن أن نعتبر هذا القانون بمثابة طفرة نوعية في المسلسل التشريعي المرتبط بحقوق الإنسان، وعلى وجه الخصوص الإنسان في وضعية إعاقة؟ أم أن الأمر لا يعدو أن يكون مجرد امتصاص لتطلعات ومطالب الأشخاص المعاقين؟
إن قاعدة الجواب على هذا السؤال تنطلق من فكرة مؤداها أن قانون 07.92 يعتبر أول قانون في المغرب تعرض لحق المعاق في الشغل، وإذا ذهبنا أبعد من ذلك فإننا سنجد أن المادة 17 من ذات القانون تناولت هذا المعطى بشكل يمكن أن يعتبر ضمانا لحق ذوي الاحتياجات الخاصة في المساواة في تقلد الوظائف، إذ أن نص هذه المادة يؤكد ذلك حيث جاء فيها “لا يمكن أن تكون الإعاقة سببا في حرمان مواطن من الحصول على شغل في القطاع العام أو الخاص إذا توفرت فيه المؤهلات اللازمة للقيام بذلك…” وبذلك يمكن القول أن الإعاقة وفق هذه المادة لم تعد سببا من الأسباب المؤدية إلى الحرمات من حق التوظيف في الوظيفة العمومية[37]، ما دام أنه يتوفر على المؤهلات اللازمة لشغل الوظيفة المرشح لها.
وإذا كان المشرع يشترط في قانون الوظيفة العمومية ألا يكون المرشح مصابا ببعض الأمراض المعدية أو غير المعدية، لأن توظيف هؤلاء المصابين بهذه الأمراض سيكلف الدولة والوظيفة باهظا، لذلك من البديهي أن يستبعد الشخص المصاب بهذه الأمراض منذ البداية من تولي الوظائف العمومية.[38]
فهل من الممكن أن نعتبر أن توظيف الأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة حسب قانون 12/07 يشكل استثناءا من هذا المعطى؟
في تحليل بسيط لهذا الوضع الذي يوجد فيه الشخص في وضعية إعاقة، من الممكن أن تعتبر أن توظيف هذه الفئة ليس استثناء يرد على شرط القدرة البدنية وإنما هو توظيف عادي لسبب بسيط هو أن هؤلاء الأشخاص يتوفرون على المؤهلات البدنية اللازمة لممارسة بعض الوظائف[39]، وبذلك لا يمكن أن نعتبرهم استثناءا ما داموا يتوفرون على نفس الشروط التي يتوفر عليها غيرهم.
إن مبدأ المساواة في تقلد الوظائف العمومية ليس فقط حق للأشخاص المعاقين بل هو مبدأ عالمي مرتبط بمنظومة حقوق الإنسان عموما لا يمكن تناوله بمعزل عن الصكوك الدولية التي اعتمدتها الأسرة الدولية في مجال القضاء على التمييز ضد هذه الفئة. وتعتبر الاتفاقية رقم 111 لسنة 1958[40] المتعلقة بالتمييز في مجال الاستخدام والمهنة، الوثيقة الرئيسية لمنظمة العمل الدولية والتي رغبت بواسطتها في وضع أسس السياسة الوطنية الهادفة إلى إقرار المساواة في هذا المجال.[41]
وهكذا تتعهد الدول المصادقة على هذه الاتفاقية بأن تعلن رسميا وتنتهج سياسة وطنية تهدف إلى تحقيق المساواة في الفرص وفي المعاملة بغية القضاء على التمييز في الاستخدام والمهنة “من الممكن اعتبار قانون 92/07 بمثابة وفاء لهذا الالتزام[42]؟
إن قانون 07/92 مبدئيا هو قانون جاء لحماية الحقوق الأساسية للشخص المعاق خصوصا حقه في التوظيف، ولعل المشرع راعى في وضعه مجموعة من الاعتبارات المتداخلة بين ما هو التزام دولي وبين ما هو معطى داخلي فرضته الوضعية الخاصة لهذه الفئة من المجتمع، ولا يمكن بأي حال من الأحوال أن تخرج هذه الاعتبارات عن كون المغرب ملزم بما وقع عليه في اتفاقيات دولية بخصوص حماية حقوق ذوي الاحتياجات الخاصة.
ولو أن المشرع في الأصل ليس مدعو إلى خلق حقوق جديدة بالأشخاص المعاقين، وإنما هو مدعو لإيجاد مقتضيات قانونية تكفل إعمال حقوق الإنسان عموما – ولصالح الشخص المعاق خصوصا نظرا لأن ظروف الإعاقة تجعل من الصعب عليه الاستفادة من هذه الحقوق خاصة الحق في التوظيف وفق مبدأ المساواة – في نفس ظروف الأشخاص العاديين[43]، حتى ولو كانوا يتوفرون على نفس المؤهلات اللازمة لشغل الوظيفة أو المنصب المرشح له.[44] وإذا كان من الممكن أن نعتبر أن الحق في التوظيف للأشخاص المعاقين مكفول بمقتضى القانون 92/07 فان طريقة تفعيله يشوبها نقص، انطلاقا من نص الفصل الأول من هذا القانون حيث جاء فيه “الوقاية من الإعاقة وتشخصيها والعلاج منها وتربية المعاق وتعليمه وتكوينه وتأهيله وإدماجه في المجتمع مسؤولية وواجب وطني”.
وفي تحليل بسيط لمقتضيات هذا الفصل يمكن أن نلاحظ بسهولة أن هذا النص لم يذكر التشغيل، فهل يوحي ذلك بأن الحق في الشغل للشخص المعاق ليس سوى اعتراف من طرف المشرع لا يرقى إلى مستوى التزامها بتحقيق توظيف للمعاقين من منطلق الالتزام العام بتوفير مناصب للمعاقين في الوظائف العمومية، وهل من الممكن أن يفهم ذلك على أنه تناقض في موقف المشرع المغربي حيال حق المعاق في التوظيف.
إن هذا الإشكال لا يمكن حله إلا بتحديد المقصود “بالحق في العمل”-هل هو التزام دين يمكن المطالبة به في مواجهة الدولة أم أنه التزام بواسطة يفرض على الدولة إيجاد الوسائل الكفيلة بإعمال هذا الحق.
إن مقتضيات الفصل 17 من قانون 07.92 لا تنص مطلقا على أية مسؤولية للدولة في توظيف هؤلاء الأشخاص، فالأمر لا يعدو أن يكون مجرد اعتراف بحق ذوي الاحتياجات الخاصة في التوظيف على قدم المساواة مع غيرهم.
وإذا كان هذا المعطى ليس سوى اعتراف من الدولة بحق المعاق في التوظيف، فإن ذلك يحتاج دون شك إلى دعامة قانونية ترقى به إلى مستوى هذا الحق قانونيا.
ب: الملائمة بين حق ذوي الاحتياجات الخاصة في التوظيف وشرط السلامة الصحية
تتفق أنظمة الوظيفة العمومية في كافة الدول على أن يكون من بين الشروط اللازمة لتولي الوظائف العمومية شرط يتعلق بلياقة الموظف من الناحية الصحية وسلامته من الأمراض[45] وهو ما يتجلى على مستوى قانون الوظيفة العمومية المغربي من خلال المادة 21 منه حيث نص على أن المرشح يجب أن يكون مؤهلا جسديا وألا يكون مصابا بأية آفة عصبية أو داء السل أو السرطان أو الشلل ما لم يكن قد شفي منها بصفة نهائية. وعلا سبيل المقارنة فالمشرع الفرنسي اشترط في قانون13يونيو 1983 المتعلق بالوظيفة العمومية ان يكون الشخص المرشح لشغل الوظيفة مؤهلا بدنيا لذلك، ويتم اثبات ذلك عن طريق إجراء خبرة طبية من طرف الإدارة للشخص المرشح.[46]
قد يبدو في قراءة أولية للمادة 21 من قانون الوظيفة العمومية المغربي أن الشخص المعاق لاحظ له في تقلد المناصب والوظائف العمومية، ولا يمكن أن نتجاوز هذه الوضعية إلا إذا قمنا بمقارنة هذه المادة مع العديد من المواد التي تنص على حق المعاق في التوظيف ونخص بالذكر هنا:
- المادة 17 من قانون 07/12 جاء فيها «لا يمكن أن تكون الإعاقة سببا في حرمان مواطن من الحصول على شغل في القطاع العام أو الخاص، إذا توفرت فيه المؤهلات اللازمة للقيام بذلك، ولم تكن إعاقته سببا في إحداث ضرر أو تعطيل في السير العادي للمصلحة المرشح لها».
- الفقرة الثانية من الفصل 4 من القانون رقم 81/05 المتعلق بالرعاية الاجتماعية للمكفوفين وضعاف جاء فيها “منحهم الأولوية لشغل بعض المناصب التي تناسب حالتهم في القطاع العام أو الخاص”.
– فهل يمكن أن نعتبر ذلك مفارقة بين قانون الوظيفة العمومية وباقي القوانين المتعلقة بالأشخاص المعاقين؟ وكيف يمكن تفسير هذا المنع الوارد في قانون الوظيفة العمومية على الأشخاص ذوي الإعاقات وبين الحق المنصوص عليه في كل من قانون 07/92 وقانون 81/05؟
إن الأمر ليس سوى محاولة للملاءمة بين متطلبات الإدارة وخصوصيات الشخص المعاق والدليل على ذلك أن المشرع عندما نص في المادة 17 من قانون 07/92 على حق المعاق في الشغل قرن ذلك بضرورة توفره على المؤهلات اللازمة للقيام بالوظيفة المسندة إليه ويؤكد ذلك القرار الصادر عن الوزير الأول تحت رقم 3.130.00 حيث تضمن مشروع لقائمة المناصب والمهام الممكن إسنادها إلى الأشخاص المعاقين في القطاع العام بشكل توفيقي بين تصنيف الإعاقة والمناصب التي يمكن ن يتقلدها الشخص المعاق حسب تصنيف إعاقته.[47]
خاتمة
يتضح من خلال كل ما سبق أن وضعية الأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة لا تزال هشة إلى حد ما، و تحتاج إلى مزيد من الضمانات على جميع المستويات و بالخصوص على المستوى القانوني، ومهما يكن من أمر فان النهوض بحقوق هذه الفئة من المجتمع أصبح امرأ ملحا اجتماعيا و أخلاقيا، وأصبحت عملية ترجمة النص الدستوري في غاية الأهمية خاصة إن المغرب وكما هو معلوم انخرط منذ وقت مبكر في المنظومة الحقوقية الدولية بجميع مقوماتها و في شتى مجالاتها لذلك فان تنزيل المنظومة التشريعية المرتبطة بالأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة قد أصبح امرأ ضروريا لا يحتمل التأخير، ويعزز هذا الطرح أن المشرع المغربي قد تبنى نقس النهج في الدستور الجديد، هذا النهج قائم على فكرة الانتقال بوضعية الأشخاص ذوي الاحتياجات من الوضع الاحساني التكافلي إلى الوضع الحقوقي بامتياز.
[1] – هده الفئة كان يطلق عليها في السابق الأشخاص المعاقين ونظرا لأن هده التسمية تترك آثارا نفسية سلبية على هده الفئة لدلك أصبحت تسمى فئة دوي الاحتياجات الخاصة وهدا ما تبناه التشريع المغربي في العديد من النصوص القانونية التي تحاول فك الارتباط مع الماضي والتأسيس لمقاربة حقوقية تنبني على تجريم التمييز والميز العنصري سواء بالألقاب أو الجنس أو اللون أو الإعاقة او غيرها
[2] – نادية النحلي “ا لرعاية الاجتماعية للأشخاص المعاقين”، دار القلم، الرباط 2001، ص232.
[3] تنص المادة 6 من العهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية على ما يلي: “تعترف الدول الافي هذا العهد بالحق في العمل، الذي يشمل ما لكل شخص من حق في ان تتاح له امكانية كسب رزقه بعمل يختاره او يقبله لحرية، وتقوم باتخاذ تدابير مناسبة لصون هذا الحق”.
[4] حسن يوسف ” أفاق جديدة لتحقيق الأمن الاقتصادي وتأهيل المعاقين في إطار البعد الاقتصادي لمفهوم التأهيل الاجتماعي للأفراد المعاقين” مجلة الحوار المتمدن -العدد: 2246 -2008 / 4 / 9، ص1
[5]– تختلف انواع الاعاقات فهناك:
التأخر العقلي (الاعاقة العقلية)، الاعاقة السمعية، الاعاقة البصرية، الاعاقة الجسمية، صعوبات التعلم، صعوبات الكلام واللغة، انظر في هذا الصدد:
محمد الحجوجي، “حماية المتعاقد المعاق حركيا “، مجلة الاشعاع، العدد 24 دجنبر2001، ص:51.
[6] عبد الكريم غالي “حماية ذوي الاحتياجات الخاصة على ضوء القانون الاجتماعي المغربي “، المجلة المغربية للإدارة المحلية و التنمية، عدد 36، يناير-فبراير2001، ص41.
[7] القانون 07 /92 المتعلق بالرعاية الاجتماعية للأشخاص المعاقين الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.92.30بتاريخ10سبتمبر1993، الجريدة الرسمية عدد 4225بتاريخ 10/20/1993.
[8]-تعرف هذه الحالة من الاعاقة على انها حالة عجز مؤقت يمر منها الشخص وتحد من قدراته مؤقتا الا ان الفرق بينها وبين الاعاقة المطلقة هي انها تكون بشكل مؤقت ونسبة الشفاء منها تكون أكبر من الاعاقة الدائمة.
[9] – أبو فاخر غسان عبد الحي .”التربية الخاصة للأطفال المعوقين “.مطبعة الاتحاد .دمشق .1992،.ص11.
-[10] تمثلت اهم هذه المواثيق الدولية في:
اعلان الامم المتحدة المتعلق بحقوق الطفل المعاق سنة1969
تصريح الامم المتحدة بحقوق المعاقين سنة 1975
تصريح الامم المتحدة بحقوق المعاقين سنة1975
اتفاقة حقوق الاشخاص ذوي الاعاقة و البروتوكول الاختياري لسنة2007
بالاظافة الى المواتيق الغامة المرتبطة بحقوق الانسان بشكل عام
_نادية النحلي”الرعاية الاجتماعية للاشخاص المعاقين”مرجع سابق،ص238[11]
[12] – ترجع العوامل التي أدت إلى تغيير النظرة السلبية تجاه الأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة إلى تطور مستوى الوعي العالمي بمخاطر الاستمرار في إقصاء هذه الفئة من المجتمع سواء على الشخص المعاق نفسه أو على المجتمع بصفة عامة، حيث يصبح هذا الشخص إذا لم يحظى بالعناية الكافية مجرد شخص عديم الجدوى داخل المجتمع يحتاج إلى إحسان الآخرين، بدل إدماجه في المجتمع.
[13] ترجع الاسباب الرئيسية التي ادت الى هذا الاقصاء من المجتمع الى تلك النظرة التمييزية الموجهة الى هذه الفئة والتي تقوم على اساس اعتبار هذه الفئة حالة شاذة من المجتمع ليست كبقية الافراد الاخرين ولا تتمتع بالقدرات اللازمة للتكيف السريع مع المجتمع مثل بقية الافراد.
[14] نخص بالذكر هنا :
الاعلان العالمي لحقوق الانسان
العهد الدولي المتعلق بالحقوق الاقتصادية و الاجتماعية والثقافية
[15] تنص المادة الاولى من الاعلان العالمي لحقوق الانسان على مايلي:”يولد جميع الناس احرارا متساوين في الكرامة و الحقوق وقد وهبوا عقلا وضميرا وعليهم ان يعامل بعضهم بعضا بروح الاخاء.
[16] – هذا الالتزام يجد سنده في المادة 2 من العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية
[17] – انطلاقا من الفقرة 2 من المادة من العهد فإن الدولة تضمن ممارسة جميع الحقوق المنصوص عليها في هذا العهد دون أي تمييز على أي أساس كان.
[18] Rémy Fontier « handicap et fonction publique:apports de la jurisprudence aux droit des personnes handicapées »l’harmattan, paris 2000,p:21.
[19] – هذه الاتفاقية تم إقرارها في 30 مارس 2007،وصادق عليها المغرب في 10 دجنبر 2008
[20] – المادة 3 من اتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقات والبروتوكول الاختياري
[21] – ولو أن معظم الدول الحديثة تجعل من ضمن الشروط الأساسية للتوظيف شرط القدرة البدنية إلا أن ذلك لم يمنع من إيجاد استثناء من هذا المبدأ يتعلق بحالة الأشخاص المعاقين.
[22] – جعلت الفقرة 7 من المادة 27 الالتزام بتشغيل المعاقين التزاما أساسيا على عاتق الدولة، في حين اكتفت فيما يخص القطاع الخاص بعبارة تشجيع عمالة المعاقبة في القطاع الخاص.
[23] – الفقرة الأولى من المادة 33 من اتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة والبروتوكول الاختياري
[24] – الفقرة الثانية من المادة 33 من اتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة
[25] – تتمثل أهم هذه الاتفاقيات في: اتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة والبروتوكول الاختياري سنة2007.
[26] -عبد الواحد القريشي ” القضاء الاداري ودولة الحق والقانون بالمغرب الشركة المغربية لتوزيع الكتاب، دون ذكر الطبعة، ص:140.
[27] – الحاج شكره “الوظيفة والموظف في القانون الإداري المغربي” دار القلم، الطبعة الثانية 2007، ص 160.
[28] Emmanuel Aubin « droit de la fonction publique »Edition Gualino, 2OO1, .p69:
[29] عبد الرحيم المكادمي”حرية الراي لدى الموظف العمومي بالمغرب”رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا في القانون العام،كلية العلوم القانونية و الاقتصادية و الاجتماعية ،الرباط،السنة الجامعية:1999/2000،ص63.
[30] – نادية النحلي “الرعاية الاجتماعية لأشخاص المعاقين” مرحع سابق، ص 237.
[31] – ينص الفصل 12 الدستور المغربي على “يمكن بيع المواطنين أن يثقل والوظائف والمناصب العمومية، وهم سواء فيما يرجع للشروط المطلوبة”.
في حين ينص الفصل 13على ان:”التربية والشغل حق للمواطنين على السواء”.
[32] – نادية النحلي “الرعاية الاجتماعية لأشخاص المعاقين”، مرجع سابق، ص 236.
وانظر ايضا:
– فتحي نوعمة،”الوساطة في التشغيل بين مدونة الشغل و القانون المقارن”، رسالة لنيل دبلوم الماستر في القانون و المقاولة، كلية العلوم القانونية و الاقتصادية و الاجتماعية- مكناس، السنة الجامعية:2008-2009،ص2.
[33] – يونس العياشي ” دور التشريع و القضاء في حماية حماية حق الشغل في افق 2010″، رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة في القانون الخاص،كلية العلوم القانونية و الاقتصادية و الاجتماعية-الراط،السنة الجامعية:2005-2006،ص1.
[34] – خاصة إذا علمنا أن الإعاقة لايمكن أن تكون سببا في حرمان أي مواطن الحصول على شغل في القطاع العام أو الخاص، حسب مقتضيات المادة 17 من قانون 92.07
[35] – الحاج شكرة “الوظيفة والموظف في القانون الإداري المغربي”، مرجع سابق، ص 160.
[36] -عبد الواحد القريشي ” القضاء الاداري ودولة الحق والقانون بالمغرب” مرجع سابق، ص: 138
[37] – نادية النحلي “الرعاية الاجتماعية لأشخاص المعاقين”، مرجع سابق، ص 238
[38] – الحاج شكرة “الوظيفة والموظف في القانون الإداري المغربي”، مرجع سابق، ص 161
[39] – الحاج شكرة “الوظيفة والموظف في القانون الإداري المغربي”، مرجع سابق، ص 62
[40] – صادقت الحكومة المغربية على هذه الاتفاقية بتاريخ 27 مارس 1963، ونشرت بالجريدة الرسمية عدد 2222 بتاريخ 25 يناير 1963
[41] – هذا الالتزام منصوص عليه في المادة 2 من نفس الاتفاقية (رقم 111 لسنة 1958)
[42] – خاصة وأن المغرب من الدول الموقعة على هذه الاتفاقية وبذلك أصبح ملزما بتطبيق بنودها والتي من ضمنها كما سبقت الإشارة إلى ذلك “ضرورة نهج سياسة وطنية تهدف إلى تحقيق المساواة في الفرص وفي المعاملة” لفائدة الأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة.
[43] – نادية النحلي “الرعاية الاجتماعية لأشخاص المعاقين”، مرجع سابق، ص 241
[44] – هذه الصعوبة التي يجدها الشخص المعاق ربما تنبع من النظرة التمييزية له من طرف المجتمع عموما على أنه شخص ليس كالأشخاص الآخرين، شخص يمتاز بوضع صحي لا يؤهله للقيام بوظائفه العادية، فكيف يمكن أن يشغل منصبا أو وظيفة عامة،وإذا كانت هذه هي النظرة التي يوجهها المجتمع للمعاق، فغن الوضع يختلف بالنظر للنصوص القانونية لأن كافة النصوص القانونية تنص على مبدأ المساواة في التعامل مع هذه الفئة،وبذلك يمكن أ،يطمئن المعاق إلى حقوق وخاصة عدم التمييز ضده.
[45] – الحاج شكرة «الوظيفة والموظف في القانون الإداري» مرجع سابق ص 160
[46] Emanuel Aubin « droit de la fonction publique », Edition Gualino, 2001, p:67
[47] – تضمنت هذه القائمة ما يلي:
1-الإعاقة الحركية:
– جميع الأعمال الإدارية
– التعليم: التدريس بكل أسلاكه بالمؤسسات التعليمية ومؤسسات التكوين المهني
الأعمال التقنية: تقنيو المعلوميات، تقنيو الإدارات العمومية، الطب، الهندسة، البحث ألمختبري، الخرائطية، تقنيو التعمير، المراقبة التقنية، التسيير الإداري، التأطير والتكوين.
– العمل الصحفي: مذيع، محرر، الإنتاج الإذاعي، التنشيط الثقافي وإعداد البرامج، الأعمال التقنية المتعلقة بالعمل الصحفي الاذاعي والتلفزي.
2-الإعاقة البصرية:
موزعو الهاتف، أعمال التأطير والتوجيه الإداري، الصحافة (الإذاعة)، التنشيط الثقافي، (الموسيقى والمسرح)، التعليم، التدليك الطبي
3-الصم والبكم:
الأعمال التقنية: الرسم بكل أنواعه (الطوبوغرافية، الخرائطية، المعماري، التخطيط…)، الأعمال الإدارية.
4-الإعاقة الذهنية:
الأعمال الإدارية، المعلوميات (معالجة النصوص).