مدى فعالية دور اللجان الضريبية في تسوية النزاع الضريبي
حنان الخلفي
جامعة محمد الخامس السويسي
كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية سلا
مقدمة :
تعتبر اللجان الضريبية وسيلة لتحقيق التوازن بين الإدارة الضريبية والخاضع للضريبة، باعتبارها جهازا مستقلا استعان به المشرع في سياق محاولة صياغة علاقة جديدة بين الإدارة والخاضع للضريبة، في إطار المنازعة الضريبية المطبوعة دائما بالمواجهة بين الإدارة الضريبية باعتبارها صاحبة السلطان والسيادة والخاضع للضريبة كطرف مجرد من امتياز السلطة.
وأمام هذه العلاقة غير المتكافئة بين طرفي العلاقة الضريبية، كان لزاما على المشرع إحداث هده اللجنة كمؤسسة إدارية عامة تنظر في المنازعات الضريبية، ودلك لعدة أسباب من بينها رغبة من المشرع في حماية الخاضع للضريبة بالدرجة الأولى، من كل تعسف قد يصدر عن الإدارة الضريبية، ثم إشراكه في نشاط الإدارة الضريبية الهادف إلى إيجاد تعاون وثيق بين الخاضع للضريبية والأدارة.
لدلك أجمع الفقه المغربي على أن هده اللجان تعتبر بحق من أهم الضمانات الفعلية المخولة للخاضعين للضريبة، ويعتبر وجودها ضمن الهيآت المتداخلة في المنازعة الضريبية أمرا قديما في النظام الضريبي المغربي، على غرار باقي التشريعات الضريبية المعاصرة، وخاصة تشريعات دول المغرب العربي، دلك أنها كانت معروفة من القانون الصادر في 10 يناير 1908 الخاص بالضريبة الحضرية[1].
وتصنف اللجان الضريبية إلى لجان محلية وأخرى وطنية للنظر في الطعون الضريبية، إذ تعتبر مقررات هده اللجان نهائية لا يمكن الطعن فيها إلا أمام المحاكم الإدارية وفق الشروط التي يتطلبها القانون في هذا الشأن.
ومنه يمكننا أن نستشف مدى أهمية هده اللجان باعتبارها محطة مهمة في مسار المنازعة الضريبية، ومن خلال ما سبق سنحاول معالجة الإشكالية التالية:
فما مدى فعالية دور هده اللجان في تسوية المنازعة الضريبية؟
ولإجابة عن هده الإشكالية، سنتطرق في المحور الأول إلى الإطار القانوني المنظم للجان الضريبية، على أن نخصص المحور الثاني للحديث عن تقييم عمل اللجان الضريبية للنظر في الطعون الضريبية.
المبحث الأول: الإطار القانوني للجان الضريبية.
تحتل اللجان الضريبية مكانة متميزة في مختلف التشريعات الضريبية المعاصرة، لكونها تلعب دور الوسيط بين الإدارة الضريبية والخاضع للضريبة، ودلك من خلال العلاقة التواجهية والحوارية بين طرفي المنازعة قبل لجوءهما إلى القضاء، فحل النزاعات الضريبية على مستوى هده اللجان كمرحلة أولى من شأنه أن يخفف العبء على القضاء، باعتبارها هيئة مستقلة عن الإدارة الضريبية تؤطرها هيكلة تنظيمية ووظيفية.
المطلب الأول: الهيكلة التنظيمية للجان الضريبية
تختص اللجان الضريبية دون غيرها بمسطرة التصحيح في المنازعات المتعلقة بالضريبة المباشرة، حيث نص المشرع المغربي على اختصاص اللجان المحلية واللجنة الوطنية بمنازعات تصحيحها، وذلك بالنظر في النزاعات المعروضة عليها سواء من طرف الإدارة الضريبية أو من طرف الخاضعين للضريبة، لدلك توخى المشرع من تشكيل اللجان الضريبية أن يشرك عدة فعاليات في فرض الضريبة وتصحيحها، تنتمي لقطاعات مختلفة، بغية أن تحظى العملية الضريبية بمصداقية، وأن يلف القرار الضريبي بأكثر ما يمكن من العدل.
الفرع الأول: تشكيل اللجنة المحلية لتقدير الضريبة
بالرجوع إلى المدونة العامة للضرائب، خاصة البند الثاني من المادة 225 والمادة 157 من قانون 47.06 المتعلق بالجبايات الجماعات المحلية، نجد أن اللجنة المحلية لتقدير الضريبة تتكون من رئيس ينتمي للسلك القضائي وممثلين عن الإدارة الضريبية والخاضع للضريبة:
- قاض بصفته رئيسا للجنة: فبعد أن كانت هده اللجنة يترأسها قبل الإصلاح الجبائي ممثل السلطة التنفيذية، أي ممثل عامل الإقليم أو العمالة، الشيء الذي يحد من ثقة الخاضع للضريبة في استقلال هده اللجنة عن الجهاز التنفيذي، حيث عمل المشرع إلى النص على اختيار رئيسها من عناصر الهيئة القضائية، والتي لا يمكن الشك في حيادها، ويتعلق الأمر برئيس المحكمة الابتدائية أو أحد نوابه كما جاء في مرسوم للوزير الأول بتاريخ 22 نونبر 1996[2]، وهو ما يعتبر ضمانة مهمة لحيادها ونزاهة عملها، فالقاضي سيكون ملما بمختلف النصوص القانونية المؤطرة للعملية الضريبية، وهو ما من شأنه التخفيف من صعوبة التمييز بين المسائل القانونية والواقعية ويضبط السير الجيد لاختصاصاتها.
- ممثل لعامل العمالة أو الإقليم : الواقع مقر اللجنة بدائرة اختصاصه، ويعين من طرف العامل من بين الموظفين العاملين تحت إمرته، بصفته ممثلا للسلطة التنفيذية وصلة وصل بين سكان العمالة أو الإقليم و السلطة المركزية، وتعتبر عضوية ممثل عامل العمالة أو الإقليم في اللجنة، خاصية فريدة يتميز بها التشريع الضريبي المغربي بالمقارنة مع التشريعات المقارنة كفرنسا ومصر وتونس…، والتي لا تعترف بتمثيلية السلطة المحلية، إلا أنه يبقى تمثيل شكلي داخل تشكيلة اللجنة، بحيث لا يضيف أية قيمة مضافة لأنه لا يدافع على أية جهة خلال المنازعة الضريبية[3].
- رئيس المصلحة المحلية للضرائب أو ممثله: يقوم بمهمة الكاتب المقرر، ويتكلف بإعداد تقرير مفصل ومعلل يبين فيه طبيعة النزاع المقدم أمام أنظام اللجنة ونوع الضريبة المطعون فيها، والهوية الكاملة للطاعن، والضرائب أو الرسوم المؤداة أو الأسس المصرح بها، وكذا مبلغ الضرائب أو الرسوم أو الأسس الجديدة المعدلة، وموقف الخاضع للضريبة من التعديلات و التصريحات التي أدخلت على إقـراراتـه مـع مـلاحظاته وردوده، ثم موقف الإدارة الضريبية من خلال الأسس والمعايير والعناصر والمقارنات التي اعـتمدتهـا في عملية المراقبة والتصحيح .
و يهدف المشرع من وراء هذا التعيين مساعدة القاضي رئيس اللجنة، على الـتعرف عـن قرب على الملفات المطعون فـيها بـسبب الإلمام الواسع لهذا العضو ودرايته الكبيرة بالمسائل الجبائية ، ويعد حضوره ضروريا يترتب عن غيابه بطلان مقرر اللجنة، إلا أن تعدد هده المهام لا يمكن ممثل المصالح الضريبية من الاضطلاع بها بالشكل المطلوب، مما يستوجب فصل مهمة الكتابة عن مهمة الدفاع عن موقف الإدارة الجبائية[4].
– ممثل للخاضعين للضريبة: يعد من بين الأشخاص الطبيعيين، أعضاء المنظمات المهنية الأكثر تمثيلا للنشاط الذي يزاوله الطاعن، الشيء الذي يشكل ضمانة مهمة لتعزيز حقوق الخاضع للضريبة، ويتم تعيينه من طرف عامل العمالة أو الإقليم، وذلك لمدة ثلاث سنوات قابلة للتمديد لمدة ستة أشهر إذا لم يعين من يخلفه[5].
و إذا استحال تمديد انتداب ممثل الخاضعين للضريبة المنتهية مهامه لأي سبب من الأسباب، وجب إخبار الطاعن بذلك وفق الإجراءات المنصوص عليها في المادة 219 من المدونة العامة للضرائب [6].
فبالنظر إلى تشكيلة هده اللجنة، نجد أن المشرع وحرصا منه على تأمين استقلاليتها أسند رئاستها إلى هيئة القضاء، الشيء الذي يعتبر ضمانة كبيرة لحياد ونزاهة هده اللجان ويبث الثقة في نفس الخاضع للضريبة[7]، بالإضافة إلى أن وجود ممثلين الخاضعين للضريبة ضمن تشكيلة اللجنة من شأنه أن يضفي نوعا من التوازن على مقرراتها، إلا أنه يجب أن يكون الشخص المعين في المستوى المطلوب وعلى دراية تامة ليس فقط بالقطاع الذي يمثله، وإنما أيضا بالتقنيات والعلوم الضريبية.
الفرع الثاني: تكوين اللجنة الوطنية للنظر في الطعون الضريبة
أحدثت اللجنة الوطنية للنظر في الطعون المتعلقة بالضريبة بموجب القانون المتعلق بالضريبة على القيمة المضافة[8] حيث جاء في المادة 46 البند الأول “ تحدث لجنة دائمة تسمى اللجنة الوطنية للنظر في الطعون المتعلقة بالضريبة…“كما تمت الإشارة إليها في كل من النصوص المنظمة للضريبة الضريبة العامة على الدخل والضريبية على الشركات[9].
تخضع اللجنة الوطنية المختصة بالنظر في الطعون الضريبية للسلطة المباشرة لرئيس الحكومة[10] ويوجد مقرها بالرباط، وتتشكل اللجنة المذكورة حسب المادة 226 من المدونة العامة للضرائب، من رئيس يختار من الهيئة القضائية، إلى جانب ممثلين عن الإدارة الضريبية وآخرين عن الخاضعين بالضريبة.
- الرئيس : قاض يشرف على تسيير اللجنة الوطنية للنظر في الطعون المتعلقة بالضريبة، يعينه رئيس الحكومة باقتراح من وزير العدل، وينوب عنه في حالة غيابه رئيس لجنة فرعية يعين من طرف الرئيس كل سنة[11]، إلا أن المشرع لم يحدد مستوى القاضي المعين في تسلسل النظام القضائي، وإن كان بعض الفقه يرى أنه من الأفضل أن يكون الرئيس من قضاة محكمة النقض المغربية[12].
- سبعة قضاة : ينتمون إلى هيأة القضاء يعينهم رئيس الحكومة باقتراح من وزير العدل.
- ثلاثون موظفا يعينهم رئيس الحكومة باقتراح من وزير المالية: ويشترط فيهم الأهلية والكفاءة في الميدان الجبائي أو المحاسباتي أو القانوني أو الاقتصادي، وأن تكون لهم على الأقل رتبة مفتش أو ما يعادل ذلك ويلحقون كموظفين باللجنة الوطنية، ويعتبر تعيين هؤلاء الموظفين من طرف رئيس الحكومة بمثابة ضمانة مهمة لممارسة مهامهم بعيدا عن أي أوامر أو ضغوطات الغدارة الضريبية[13].
- مائة شخص ينتمون إلى عالم الأعمال بصفتهم ممثلين للخاضعين للضريبة: يعينهم رئيس الحكومة بناء على اقتراح مشترك لوزراء المالية والتجارة والصناعة التقليدية والصيد البحري، وذلك لمدة 3 سنوات من بين الأشخاص الطبيعيين، أعضاء المنظمات المهنية الأكثر تمثيلا لنشاط تجاري أو صناعي أو حرفي أو خدماتي أو في الصيد البحري، وكل من رؤساء غرف التجارة والصناعة والخدمات وغرف الصناعة التقليدية وغرف الفلاحة وغرف الصيد البحر، ويمكن تمديد تعيينهم لمدة ستة أشهر إضافية عند استحالة تعيين ممثلين جدد [14].
- الكاتب العام: أحدث منصب الكاتب العام للجنة الوطنية بمقتضى المرسوم رقم 2.09.606 الصادر تطبيقا للمادة 226 من المدونة العامة للضرائب[15]، يعيـن من طرف رئيس الحكومة باقتراح من وزيـر المالية، وتحدد مهامه في تدبير الموارد البشرية الإدارية، طلب عناصر المسطرة من إدارة الضرائب، توزيع الملفات على الموظفين أعضاء اللجان الفرعية، بالإضافة إلى برمجة الملفات أمام هده اللجان، وتنظيم جلساتها.
- اللجان الفرعية : تنقسم اللجان الوطنية إلى سبع لجن فرعية، وتتألف كل لجنة فرعية من قاض رئيسا، موظفين اثنين، ممثلين اثنين للخاضعين للضريبة، كاتب مقرر لحضور اجتماعات اللجنة الفرعية دون أن يكون له حق التصويت، يختاره رئيس اللجنة من غير الموظفين الأعضاء[16] .
والملاحظ أن المشرع حاول من خلال تركيبة اللجنة الوطنية ومنذ إنشائها تحقيق التوازن بين أطرافها، آخذا بعين الاعتبار أطراف النزاع، الإدارة الضريبية من جهة، والخاضع للضريبة من جهة أخرى، كما تم منح إمكانية التوجه نحو القضاء وإسناد الرئاسة إليه، ليكون حكما محايدا بين طرفي الخصومة، وخير ضمانة للمواطن في مواجهة الإدارة التي هي جزء من السلطة التنفيذية[17].
المطلب الثاني: الإطار الوظيفي للجان الضريبية
يعتبر تصحيح الأساس الخاضع للضريبة من أهم الاختصاصات المخولة للجان الضريبية، ودلك في إطار مسطرة تواجهية بين أطراف العلاقة الضريبية، إلا أنه في ظل قانون المالية 2016 لم تعد اللجنة الوطنية لتقدير الضريبة كدرجة استئنافية، وإنما أصبحت مقررات كلا اللجنتين مقررات نهاية يمكن الطعن فيها أمام القضاء.
الفرع الأول: اختصاصات اللجان المحلية لتقدير الضريبة
لقد عمل المشرع المغربي من خلال قانون المالية 2011، على توسيع نطاق الطعن أمام اللجان المحلية لتقدير الضريبة بتوسيع اختصاصها النوعي، ليشمل الطعون المتعلقة بضريبة التسجيل والضريبة على الأرباح العقارية، بعد أن كان ذلك من اختصاص اللجنة المحلية لتقييم التي تم إلغاؤها، كما كرس المشرع لتوسيع اختصاص اللجان المحلية من خلال مقتضيات قانون المالية 2016، والتي خصها بالنظر بصفة نهائية في بعض أنواع الضرائب[18]، بالإضافة إلى اختصاصها المحلي، ودلك بإحداث هده اللجان في كل إقليم أو عمالة بمقتضى مرسوم مؤرخ في 8 جمادى الأولى الموافق 30 دجنبر 1987، قصد النظر في الطعون المتعلقة بالضريبة على الشركات والضريبة العامة على الدخل والضريبة على القيمة المضافة، ويتولى وزير المالية تحديد إدارة اختصاص كل منها، ويمكنه عند الاقتضاء تغيير مقر اختصاصها، وعليه يجوز للخاضع للضريبة طبقا لمقتضيات المادتين 220 و221 من المدونة العامة للضرائب، أن يطعن في الأساس الضريبي المحدد أو المقدر من طرف مفتش الضرائب المختص أمام اللجنة المحلية لتقدير الضريبة، داخل أجل 30 يوما الموالية لتاريخ توصله برسالة التبليغ التصحيحية الثانية وذلك وفق الشروط و الشكليات المشار إليها بالمادتين المذكورتين[19].
أولا : الاختصاص النوعي
لقد ذكر المشرع المغربي الاختصاص النوعي للجن المحلية لتقدير الضريبة على سبيل الحصر في المادة 225 من المدونة العامة للضرائب، من خلال تحديده لاختصاصها بالنظر في النزاعات المتعلقة بالمسائل الواقية دون القانونية، ودلك من خلال تحديد الأساس الضريبي دون الخوض في تغيير النصوص التشريعية والتنظيمية التي لا تدخل في نطاق اختصاصها، ويقصد بها كل ما يتعلق بتحديد العناصر المكونة للأساس الضريبي، كتقدير رقم الأعمال وتحديد الأرباح والمصاريف القابلة للخصم ونسبة الاستهلاك[20].
فاللجان المحلية لتقدير الضريبة تتقيد بالنظر في الوقائع فقط ولا تتعرض إلى القانون، وبذلك تصرح بعدم الاختصاص كلما تعلق الأمر بمسائل ترجع إلى مقتضيات قانونية أو تنظيمية، فالاختصاص النوعي يهدف إلى تحديد المواضيع التي تنظر فيها اللجان المحلية من حيث الجوهر، إلا أن الأمر ليس بالسهل، لأن هناك حالات تختلط فيها المسائل الواقعية بالقانونية، فنفس المسألة يمكن أن تكتسي صبغة واقعية وقانونية، فمثلا تقدير المصاريف الحقيقية القابلة للخصم مسألة واقعية، لكن البحث في أساسها وطريقة حسابها مسألة قانونية[21].
وقد خص المشرع المغربي اللجان المحلية في المادة 225 المعدلة بمقتضى قانون المالية 70.15 للسنة المالية 2016، بالنظر في “الحالات الخاصة بالتصحيحات فيما يتعلق بالدخول المهنية المحددة حسب نظام الربح الجزافي والدخول والأرباح العقارية والدخول والأرباح الناشئة عن رؤوس الأموال المنقولة وواجبات التسجيل والتنبر، وكدا فحص المحاسبة للخاضعين للضريبة الذين لا تتجاوز رقم أعمالهم المصرح به في حساب الحاصلات والتكاليف، عن كل سنة محاسبية عن الفترة غير المتقادمة موضوع الفحص، عشرة (10) ملايين درهم”. وبالتالي فمقررات اللجنة المحلية أصبح الطعن فيها نهائيا، يقدم مباشرة أمام القضاء، كما لا يمكن تقديم الطعن أمام اللجنة المحلية والمحاكم في نفس الوقت[22].
ثانيا: الاختصاص المحلي
ويهدف الاختصاص الترابي إلى تحديد اختصاص اللجنة من حيث المكان، وتحديد مقر كل جهة على حدة وتحديد دائرة اختصاصها، وقد نصت المادة 225 من المدونة العامة للضرائب على أنه ” تنظر اللجان المذكورة في المطالبات التي يقدمها في شكل عرائض الخاضعون للضريبة الكائن مقرهم الاجتماعي أو مؤسستهم داخل دارة اختصاصاتها”، وبالتالي فالاختصاص الترابي يشمل مكان فرض الضريبة على الخاضعين للضريبة الدين يملكون مقر الإقامة الرئيسية داخل حدود الإقليم المتواجدة فيه اللجنة المحلية بالنسبة للأشخاص الطبيعيين، أو المقر الاجتماعي بالنسبة للأشخاص المعنوية، وهي محاولة يسعى من خلالها المشرع إلى مسايرة التقسيم الإداري للمملكة، وتقريب الإدارة من المواطنين، إلا أن الواقع يوحي بعدم تواجد اللجنة المحلية لتقدير الضريبة داخل كل عمالة أو إقليم، والسبب قد يكون هو عدم معرفة الخاضعين للضرائب بمثل هدا النوع من اللجان الضريبية، أو نتيجة التفاوت الحاصل في عدد الطعون المقدمة داخل كل إقليم أو عمالة، هدا بالإضافة إلى الإمكانيات البشرية والمادية التي يتطلبها إنشاء مثل هده اللجان[23].
الفرع الثاني: اختصاصات اللجنة الوطنية للنظر في الطعون الضريبية
أحدثت اللجنة الوطنية للنظر في الطعون الضريبية سنة 1989، باعتبارها لجان دائمة، تابعة للسلطة المباشرة لرئيس الحكومة ويوجد مقرها بالعاصمة الرباط، كما تعتبر قراراتها نهائية لا يمكن الطعن فيها إلا أمام المحاكم الإدارية وفق الشروط التي يتطلبها القانون في هذا الشأن.
أولا: الاختصاص المكاني
بالنظر لمقتضيات المادة 225 من المدونة العامة للضرائب، يتضح أنها حددت الاختصاص المكاني للجان المحلية، وفي المقابل لم تشر إلى اختصاص اللجنة الوطنية للنظر في الطعون الضريبية ترابيا، فبالرغم من مركزتها لتواجد مقرها بالعاصمة الإدارية الرباط، إلا أن اختصاصها يشمل النطاق الترابي للدولة.
ثانيا: الاختصاص الموضوعي
كما حصر المشرع المغربي اختصاص اللجنة الوطنية، ودلك من أجل البت في المسائل الواقعية، كما هو الشأن بالنسبة للجان المحلية لتقدير الضريبة، وبالضبط في تحديد العناصر المكونة للأساس الضريبي الذي من خلاله يتم إقرار الضريبة المفروضة، وقد خلق هدا التوجه للمشرع المغربي صعوبات في التطبيق سواء بالنسبة للخاضع للضريبة، أو بالنسبة للجنة الوطنية، حيث يصعب التمييز في العديد من الحالات بين المسائل المرتبطة بالواقع وتلك المرتبطة بالقانون، كما أن القواعد القانونية أيا كان مصدرها، قد تحتاج إلى تفسير لتحديد الغاية التي يقصدها المشرع من القاعدة القانونية، وهده المهمة يضطلع بها القضاء، حيث يجب على هده اللجنة الوطنية في هده الحالة، التصريح بعدم الاختصاص في المسائل القانونية التي تتعلق بتفسير النصوص التشريعية والتنظيمية، فلا يجوز لها الخوض في الجانب القانوني للنزاع تحت طالة بطلان المقرر الذي تصدره في هدا الاتجاه[24].
ومن مستجدات قانون المالية رقم 70.15 لسنة 2016، أنه عدل كليا لمادة 226 من المدون العامة للضرائب، فلم تعد اللجنة الوطنية للنظر في الطعون الضريبية مرحلة استثنائية يعهد إليها بالنظر في طعون مقررات اللجنة المحلية، كما أن اختصاصها لم يعد شاملا لمختلف الطعون المقدمة إليها ضد المقررات الصادرة عن اللجان المحلية لتقدير الضريبة، بل اضطلعت حصرا ب: “فحص مجموع الوضعية الضريبية للخاضعين للضريبة المنصوص عليه في المادة 216 من نفس المدونة، أيا كان مبلغ رقم الأعمال المصرح به، وكدا بفحص المحاسبة للخاضعين للضريبة الذين يساوي أو يفوق رقم أعمالهم المصرح به في حساب الحاصلات والتكاليف، برسم إحدى السنوات المحاسبية موضوع الفحص عشرة (10 ) ملايين درهم، كما ترفع كذلك إلى اللجنة الوطنية للنظر في الطعون المتعلقة بالضريبة الطعون التي لم تصدر اللجان المحلية لتقدير الضريبة داخل أجل اثني عشر(12) شهرا مقررات في شأنها…”[25]، وبالتالي أصبح لكل منها مجال اختصاصه وعلى الخاضع للضريبة أن يختار بينهما حسب حالات الاختصاص.
المبحث الثاني: مدى فعالية دور اللجان الضريبية في تسوية المنازعات الضريبية
لقد خول المشرع الضريبي للخاضع للضريبة عدة ضمانات من أجل تقديم طعنه ضد الإدارة الضريبية أمام اللجان الضريبية، من خلال تبسيط شروط ومساطر اللجوء إلى هده اللجان، سواء تعلق الأمر بمسطرة تحريك الطعن أو المتعلقة بشكل العريضة، أو الآجال، أو فيما يخص طريقة الطعن.
المطلب الأول : إجراءات رفع الطعن أمام اللجان الضريبية
لقد أبانت النصوص القانونية المنظمة للجان الضريبية، عن وجود شروط ينبغي إتباعها أثناء الطعن أمام هده اللجان، وتتمثل هده الشروط أساسا في شرطي الشكل والآجال القانونية للطعن.
الفرع الأول: شروط الطعن أمام اللجان الضريبية
لقد اشترط المشرع المغربي أن يبادر أحد طرفي العلاقة الضريبية في تقديم الطعن أمام اللجان الضريبية داخل الآجال المحددة قانونا، بواسطة عريضة مكتوبة، ودائما ما يكون الخاضع للضريبة هو الطرف الرافع للطعن أمام اللجان، لرفضه الأساس الذي حددته الإدارة الضريبية.
الفقرة الأولى : آجال تقديم الطعن
فبالنسبة لأجال تقديم الطعن أمام اللجنة المحلية، وبعد أن كانت أجال تقديم الطعن أمام اللجان المحلية لتقدير الضريبة تختلف باختلاف نوع الضريبة، أصبحت محددة حسب مقتضيات المادة 220 من المدونة العامة للضرائب المعدلة بمقتضى قانون المالية لسنة 2016 رقم 70.15، في 30 يوما، حيث أنه “على الإدارة الضريبية أن تخبر الخاضعين للضريبة بأن هدا الأساس سيصير نهائيا إدا لم يقدموا طعنا في دلك أمام اللجنة المحلية لتقدير الضريبة المنصوص عليها في المادة 225 أدناه، أو أمام اللجنة الوطنية للنظر في الطعون الضريبية المنصوص عليها في المادة 226 أدناه، حسب الحالة، داخل أجل ثلاثين يوما الموالية لتاريخ تسلم رسالة التبليغ الثانية…. “،
والملاحظ أنه بعد أن كان آجال طعن الملزم في مقرر اللجنة المحلية أمام اللجنة الوطنية داخل أجل أقصاه 60 يوما ابتداء من تاريخ تبليغ مقرر اللجنة المحلية، أصبحت الآجال موحدة في 30 يوما لكلا اللجنتين، لأن كل منهما أصبحت مختصة في نوع محدد من الضرائب كما جاء في النص المادة 220 من مدونة الضرائب عبارة (حسب الحالة).
لا يمكن للخاضع للضريبة أن يرفع طعنه أمام اللجنة المحلية مباشرة، وإنما عن طريق وساطة مفتش الضرائب، حيث يقوم الخاضع للضريبة بتقديم عريضة مكتوبة إلى المفتش تتضمن كافة البيانات الأساسية، وجميع الوسائل التي تمكنه من تدعيم موقفه لدى اللجنة عند اجتماعها، تم الدفوعات التي يتمسك بها بطلان مسطرة التصحيح[26]،حيث نصت المادة 220 من المدونة العامة للضرائب على أنه “يتسلم المفتش المطالبات الموجهة إلى اللجنة المحلية لتقدير الضريبة ويسلمها لها مصحوبة بالوثائق المتعلقة بإجراءات المسطرة التواجهية ….. وتنظر اللجان المذكورة في المطالبات التي يقدمها في شكل عرائض الخاضعون للضريبة الكائن مقرهم الاجتماعي أو مؤسستهم الرئيسية داخل دائرة اختصاصها ” وهده الخطوة تعكس حجم الضمانات التي أعطاها المشرع للخاضع للضريبة في عرض نزاعه بكل حرية.
وبالرجوع إلى نص المادة 225 من المدونة العامة للضرائب نجد أن المشرع لم يشر إلى البيانات الأساسية التي يجب أن تتضمنها العريضة الموجهة إلى اللجنة، إلا أنه يمكن استجلاؤها بالرجوع إلى القواعد العامة المتعارف عليها في المراسلات الإدارية التي تربط الخاضع للضريبة بالإدارة الضريبية.
وبالتالي فالمكلف يوجه طلبه في رسالة مضمونة مع الإشعار بالتوصل، تكون حجة صالحة للإثبات خاصة في الحالة التي قد تغلغل فيها الإدارة الضريبية لسبب أو لآخر توجيه طلب المكلف إلى اللجنة المحلية، والأكثر من ذلك يجب على المشرع المغربي أن يحدو حدو المشرع الفرنسي في مسألة التوقيع المكلف أو وكيله على العريضة لأن ذلك إجراء جوهري و ضمانة للمكلف نفسه يفيد أن العريضة و ما ورد فيها من صنعه[27].
كما ألح المشرع المغربي على أن يأتي الطعن لدى اللجنة الوطنية للنظر في الطعون الضريبية، بواسطة عريضة مكتوبة عبر البريد المضمون مع الإشعار بالتوصل داخل أجل 30 يوما[28]، ويجب أن تتضمن هده العريضة، موضوع الخلاف بين الإدارة والخاضع للضريبة، بالإضافة إلى تقديم عرض بالحجج التي يعتمدها الخاضع للضريبة.
الفرع الثاني: مسطرة عمل اللجان الضريبية
لقد وضع المشرع مسطرة معينة تؤطر عمل اللجان الضريبة، بالشكل الذي يسهل عملية الحوار والتواجه بين كل من الإدارة الضريبة والخاضع للضريبة، فضوابط هده المسطرة توضح الدور الذي تلعبه اللجان الضريبية في تمكين الطرفي العلاقة الضريبية من ضمانة الحوار التواجهي.
أولا: إجراءات رفع الطعن أمام اللجان المحلية لتقدير الضريبية
حينما تنتهي المسطرة التواجهية بين الإدارة الضريبية والخاضع للضريبة، يطلب هدا الأخير الاحتكام إلى اللجنة المحلية لتقدير الضريبة في نقط الخلاف العالقة بينهما عن طريق عريضة مكتوبة، حيث تعقد اللجنة المحلية في غالب الأحيان جلساتها 3 مرات في السنة[29]، بمجرد تحديد تاريخ اجتماع اللجنة توجه دعوة لحضورها بواسطة رسالة مضمونة مع الإشعار بالتوصيل إلى كافة أعضائها، ودلك من طرف مدير مصلحة الضرائب بأمر من رئيس اللجنة، يتم عمل هذه اللجنة عبر ثلاث مراحل:
الأولى: هي إعداد المفتش المحقق تقريرا معللا لكل نزاع يعرض على اللجنة، مبرزا فيه جميع الملاحظات والدلائل التي تقدم بها كل من الخاضع للضريبة والإدارة الضريبية ومختلف نقط الخلاف وكل المعلومات التي من شأنها أن تساعد اللجنة على اتخاذ موقف معين[30].
الثانية : اجتماع اللجنة بمبادرة من رئيسها أو من رئيس مصلحة الضرائب، وذلك بتوجيه استدعاءات إلى أعضاء اللجنة وإلى ممثلي الخاضع للضريبة.
حيث تنص المادة 225 من المدونة العامة للضرائب على أنه “يستدعي رئيس اللجنة ممثلي الخاضعين للضريبة وممثلي الإدارة خمسة عشر ( 15 ) يوما على الأقل قبل التاريخ المحدد للاجتماع وفق الإجراءات المنصوص عليها في المادة 219 أعلاه ”
وتبت اللجنة في الأمر بصورة صحيحة إذا حضرها ثلاثة على الأقل من أعضائها من بينهم الرئيس وممثل الخاضعين للضريبة، وعند افتتاح الجلسة، يمكن للجنة أن تستمع للخاضع والإدارة الضريبية إدا طلب أحدهما دلك، أو ارتأت أن من اللازم الاستماع إلى أحدهما أو هما معا، بهدف تقديم إيضاحات وإضافات حول التقرير الذي قدم إلى اللجنة، و يمكنها أن تستعين بخبير أو خبيرين على الأكثر، ويتم اللجوء إلى الخبرة متى عرضت عليها مسائل تقنية معقدة، كما أن اللجنة غير مقيدة بالرأي الذي يبديه الخبير على اعتبار أنه لا يملك سوى رأيا استشاريا.
وإذا بقي النزاع مطروحا بسبب تشبث كل طرف بموقفه ثم عدم التوصل إلى حل توافقي، تمر اللجنة إلى المرحلة الثالثة حيث يدخل النزاع في مرحلة المداولة، واتخاذ قرار يصدر حسب عدد الأصوات التداولية، إذ تتداول اللجنة بأغلبية أصوات الأعضاء الحاضرين، فإن تعادلت رجح الجانب الذي يكون فيه الرئيس، وتبث بصورة صحيحة خلال اجتماع ثان بحضور الرئيس وعضوين آخرين فإن تعادلت الأصوات رجح الجانب الذي يكون فيه الرئيس[31].
إذا استحال تمديد انتداب الممثلين المنتهية مهامهم لأي سبب من الأسباب، أوجب إخبار الخاضع للضريبة بذلك، حيث يجوز له في هذه الحالة أن يقدم إلى رئيس المصلحة المحلية للضرائب، التابع لها مكان فرض الضريبة داخل 30 يوما التالية لتاريخ تسلم الرسالة المذكورة، طلبا يلتمس فيه المثول أمام اللجنة المحلية لتقديم الضريبة وتكون مؤلفة فقط من رئيسها وممثل عامل العمالة أو الإقليم ورئيس المصلحة المحلية للضرائب.
وبمجرد اتخاذ اللجنة لمقررها الذي يكون موقعا من طرف أعضاءها والمتضمن لأسماهم وللصفة التي يشاركون بها في أعمالها، يقوم مفتش الضرائب بوصفه الكاتب المقرر للجنة بتبليغه إلى الخاضع المعني بالأمر في العنوان المدلى به.
كما أن شرعية مقررات اللجنة مقيدة بشرطين أساسيين، ويتمثل الأول في تحديد أجل 12 شهرا لإبداء مقررها، ويبدأ احتسابه من تاريخ تسلمها للمطالبات والوثائق من طرف الإدارة[32]، أما الشرط الثاني فيكمن في إلزامية اللجنة بتعليل مقرراتها إسوة بما عليه الحال بالنسبة لمقررات اللجنة الوطنية.
ثانيا: إجراءات رفع الطعن أمام اللجنة الوطنية للنظر في الطعون الضريبية
ويبدأ سير عمل مسطرة الطعن أمام اللجنة الوطنية من خلال عريضة مكتوبة تقدم من طرف الخاضع للضريبية أو الإدارة الضريبية، ويجب أن توجه في رسالة مضمونة مع إشعار بالتوصل، يبرز فيها الطاعن البيانات اللازمة المتعلقة بموضوع النزاع الضريبي والإثباتات والحجج الذي يستند عليها، بالإضافة إلى احترام الطاعن لأجل 30 يوما المنصوص عليها قانونا ابتداء من تاريخ تبليغ الرسالة الثانية[33].
ويجب أن توجه الإدارة المطالبات والوثائق للجنة داخل أجل ثلاثة أشهر ابتداء من تاريخ توصل الإدارة بالمطالبة[34]، وتشتغل اللجنة الوطنية وفق برنامج يعده الرئيس بشكل عام شهريا، تتبعه عملية توزيع الملفات على أعضاء اللجان الفرعية المكلفة بدراستها، وبما أن القاضي الرئيس هو المكلف بمهمة تسيير اللجنة، فيتعين عليه كرئيس للجنة القيام بتلقي أي طعن قدم من طرف الإدارة أو الخاضع، وذلك من خلال خطوتين أساسيتين:
- إخبار طرفي النزاع بتاريخ انعقاد اجتماع اللجنة قبل حلول موعده بما لا يقل عن 30 يوم.
- كما تطلب اللجنة الوطنية من الإدارة الضريبية تسليمها الملف الجبائي المتعلق بالفترة محل النزاع، ودلك داخل أجل ثلاثة أشهر إبتداءا من لتاريخ تسلم الطلب المذكور[35].
بعد هذه الإجراءات تنطلق أعمال اللجان الفرعية، ذلك بعد أن يكون القاضي رئيس اللجنة قد عهد بإعداد ملفات الطعون إلى موظف أو أكثر من الأعضاء المكونين للجنة الوطنية، على أن توزع بعد ذلك على اللجان الفرعية المنبثقة عن اللجنة الوطنية، فتعقد اللجان الفرعية اجتماعاتها بطلب من القاضي الذي يشرف على سير اللجنة الفرعية، والذي يقوم بدوره بإخبار ممثلي الملزمين بتاريخ انعقاد الاجتماعات، بواسطة رسالة مضمونة مع إشعار بالتسلم، وذلك قبل التاريخ المحدد للاجتماعات بما لا يقل عن 15 يوما[36].
تنظر كل لجنة فرعية في القضايا المعروضة عليها، وتعقد لهذا الغرض العدد اللازم من الجلسات بهدف الوصول إلى الاقتناع التام وإنصاف الطرفين، وتستدعي وجوبا أطراف العلاقة الضريبية أو من يمثلهما، قصد الاستماع إليهما كل على حدة أو هما معا، كما يمكن للجنة الفرعية أن تستدعي لحسابها خبيرا أو خبيرين بعد الاستماع إلى أقوال ودفاعات الطرفين، وتنفرد اللجنة بأعضائها قصد التداول حول القرار النهائي بشأن النزاع المطروح عليها، إلا أنه ليس من اللازم أن تضم اللجنة كافة أعضاء في اجتماعات المداولة، بل يكفي لصحة المداولات حضور الرئيس وعنصرين آخرين، أحدهما يمثل الخاضعين للضريبة والآخر يمثل الإدارة الجبائية، هذا وإذا حصل أن تساوي في الأصوات يتم ترجيح الجانب الذي ينتمي إليه الرئيس، وبذلك تكون اللجنة قد أشرفت على مرحلة إصدار المقرر كمرحلة أخيرة في النزاع[37].
وكما هو الحال بالنسبة لمقررات اللجنة المحلية، فاللجنة الوطنية بدورها ملزمة بتعليل مقرراتها، حيث يجب عليها توضيح الأدلة الواقعية والحجج القانونية التي أسست عليها اللجان الفرعية قراراتها، لأن انعدام التعليل قد يكون سببا كافيا لإبطال مقررات اللجنة[38].
كما يجب على القاضي المشرف على سير اللجنة، أن يبلغ مقررات اللجان الفرعية، إلى الأطراف في رسالة مضمونة مع إشعار بالتوصل خلال أربعة أشهر التالية لتاريخ صدور المقرر.
وتعتبر المقررات التي تتخذها اللجنة الوطنية للنظر في الطعون الضريبية نهائية، لا يمكن الطعن فيها بالاستئناف أمام هده الأخيرة، لكن يمكن للإدارة الضريبية أو الخاضع للضريبية أن يطعن في هده القرارات أمام المحاكم الإدارية، وفقا للشروط والآجال المحددة قانونا، وقد عبر المشرع المغربي على هدا المعنى من خلال البند الخامس من المادة 226 والتي نصت على أنه “يجوز للخاضع للضريبة أن ينازع قضائيا في الضرائب المفروضة على إثر المقررات الصادرة عن اللجنة الوطنية للنظر في الطعون المتعلقة بالضريبة والضرائب المفروضة تلقائيا من لدن الإدارة، بما في ذلك المتعلقة منها بالمسائل التي صرحت اللجنة المذكورة بشأنها بعدم الاختصاص، وذلك وفق الشروط والآجال المنصوص عليها في المادة 242 من نفس المدونة”. كما نصت المادة 226 من نفس المدونة على أنه لا يجوز تقديم الطعن أمام اللجنة الوطنية للنظر في الطعون الضريبية وأمام المحاكم في نفس الوقت.
وترفع أمام اللجنة الوطنية الطعون التي لم تصدر اللجان المحلية لتقدير الضريبة مقررات في شأنها داخل أجل 12 إثنى عشر شهرا[39].
المطلب الثاني: تقييم عمل اللجان الضريبية
في سياق عمل اللجان الضريبية تظهر مجموع من التحديات التي تحد من فعالية عملها على عدة مستويات، ومن أبرز ما يكن ملاحظته على مستوى تكوينها، نجد أن اللجنة المحلية لتقدير الضريبة لا ينسجم هيكلها التنظيمي وطبيعة النزاع من جهة، ومن جهة ثانية نجد أن هناك ضعف في استقلالية هدا الجهاز، باعتبار أن ممثلي الملزمين معينين من طرف عامل العمالة أو الإقليم، بالإضافة إلى وجود ممثل العمالة أو الإقليم الذي لا مبرر قانوني أو موضوعي لعضويته، إذ لا علاقة له بأطراف النزاع كما أنه بعيد عم التخصص في المجال الضريبي، إضافة إلى أن التجربة أبانت عن عدم حضوره لأشغال اللجنة، وحتى في حالة حضوره فإنه لا جدوى من دلك، باعتبار غير معني بمصلحة أي من الطرفين[40]، كما أن أسلوب التعيين المتبع في تشكيل هده اللجان، ينعكس على مدى استقلاليتها، بحيث كان من المفروض أن يتم تعيين هؤلاء الأعضاء من طرف هيئة مستقلة عن السلطة التنفيذية، تتوفر فيها جميع شروط الحياد و النزاهة و الشفافية كالهيئات المهنية التي ينتمي إليها الملزمون مثلا أو بالأحرى يترك الحق للملزم في اختيار من يمثله، فرغم كون اللجنة الوطنية تابعة لرئيس الحكومة مباشرة، إلا أنها لا زالت تحتاج إلى مديرية الضرائب فيما يخص الوسائل البشرية والمادية، ودلك من أجل تحليل المسائل التقنية لممارسة وظيفتها[41]، أضف إلى دلك كون رؤساء اللجان الفرعية المشكلين للجنة الوطنية غير متفرغين للعمل بها، وتبقى عضويتهم باللجنة عملا إضافيا لعملهم الأصلي بالمحاكم.
أما على مستوى الاختصاص، فالإشكالية الحقيقية التي تصادف عمل اللجان الضريبية تتعلق أساسا في تحديد اختصاصها في البث في الواقع دون المسائل القانونية، ويتجلى دلك من خلال صعوبة تسطير الحدود الفاصلة بين ما هو قانوني وما هو واقعي، مما يجعل مقرراتها غير ذي فعالية بل عرضة للطعن على حسب فهم كل طرف لمعايير التفرقة بين ما هو واقعي وما هو قانوني[42]، فأغلب الطعون ضد مقررات اللجنة تكون من طرف الإدارة الضريبية، ودلك بسبب تجاوز اللجان لاختصاصاتها وبثها في المسائل قانونية، كعدم إرسال الإعلام بالتحقيق، بحيث يوجد تناقض وتضارب في المواقف بين الإدارة وأعضاء اللجنة بين تفسير القانون وتطبيق القانون[43].
أما على المستوى الآجال، فترتبط بالنظام العام لاتصالها بحقوق وحريات طرفي النزاع، لكن بالنظر إلى طول أجال البث والفصل في المنازعة على مستوى اللجان الضريبية، في مقابل قصر الآجال تقديم الطعن أمامها وهو أمر لا يوجد تبريرا، الشيء الذي من شأنه أن يفرغ مقرر اللجان الضريبية من محتواه، ولا يخدم طبيعة المنازعة الضريبية التي تتطلب نوعا من السرعة في البت، خصوصا إدا علمنا أن اللجان الضريبية لا تختص بكل أنواع الضريبة بل فقط بنوع محدد، فمسألة طول أجال البث في النزاع، تؤثر من جهة على الدين الضريبي في حد ذاته، حيث يبقى معلقا لمدة طويلة، كما يؤثر على الخاضع للضريبة نفسه، نظرا لطول مدة تسوية النزاع في مراحله قبل القضائية، لهدا يحبذ تقليص أجال الفصل في النزاع من قبل اللجان الضريبية لتقليص أمد النزاع الضريبي[44].
كما أن مقررات اللجنة لا تنشر ولا يمكن الاطلاع عليها من طرف الباحثين وخبراء المحاسبة، ودلك راجع في نظر اللجنة إلى ضعف الوسائل المادية، وبالتالي لا يمكن الاعتماد عليها كمرج للمهتمين بالشأن الضريبي[45]،
خاتمة :
يمكن القول أن المشرع المغربي يحاول جاهدا أن يضع ضمانات الملزم فوق كل اعتبار ودلك واضح من خلال المستجدات الضريبية التي يحملها قانون المالية كل سنة تقريبا، كما أن تعدد جهات الطعن بين لجنة محلية ووطنية يعتبر سيف دو حدين، فمن جهة يمكن اعتبار دلك من أهم الضمانات بالنسبة لطرفي العلاقة الضريبية ومن جهة أخرى تنظيم المشرع المغربي للطعن أمام اللجنة المحلية ثم اللجنة الوطنية، من جهة فيه إطالة للمسطرة بالتالي وجب الاكتفاء بالطعن أمام لجنة واحدة تكون إقليمية عوض الطعن أمام لجنتين، وذلك من أجل الإسراع في البث في المنازعات الضريبية و تفادي الإضرار بالذمة المالية للخاضع للضريبة، فهذا الأخير وخلال فترة انتظاره لقرار اللجان، يستمر عداد فوائد التأخير في الدوران، الشيء الذي يثقل ذمته المالية.
[1] – محمد مرزاق، عبد الرحمان أبليلا: المنازعات الجباءية بالمغرب بين النظرية والتطبيق، مطبعة الأمنية الرباط، الطبعة الثانية سنة 1998، ص68.
[2] – مرسوم الوزير الأول بتاريخ 22 نونبر 1996 منشور بالجريدة الرسمية عدد 4435، بتاريخ20 رجب 1417، الموافق ل 2 دجنبر 1996.ص 2627.
[3] – كريم الحرش: المنازعات الضريبية في القانون المغربي، سلسلة اللامركزية والإدارة الترابية، العدد 21، الطبعة الأولى، سنة 2013، ص، 65.
[4] – محمد مرزاق وعبد الرحمان أبليلا، “النظام القانوني للمنازعات الجبائية، مطبعة المنية الطبعة الأولى، 1996 ص، 73.
[5] – المادة 225 من المدونة العامة للضرائب، المعدل بموجب قانون المالية رقم 70.15 للسنة المالية 2016.
[6] – كريم لحرش القضاء الإداري المغربي ، سلسلة اللامركزية و الإدارة المحلية عدد مزدوج 16-17 الطبعة الأولى 2012 ، ص 217، 218.
[7]– عبد الحق عميمي، أحكام اجتهاد القضاء الإداري المغربي في مادة المنازعات الضريبية، أطروحة لنيل الدكتوراه في القانون العام، جامعة محمد الخامس أكدال ، الرباط، 2013.2012، ص 84.
[8] – قانون رقم 30.85 بفرض الضريبة على القيمة المضافة، صادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.85.347 بتاريخ 1 ربيع 1406، 20ديسمبر 1985 ، منشور بالجريدة الرسمية عدد 3818 بتاريخ فاتح يناير 1986.
[9] – قانون رقم 24 – 86 المتعلق بالضريبة على الشركات، صادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1 – 86 – 239بتاريخ 31.ديسمبر1986، 28 ربيع 1407 منشور بالجريدة الرسمية عدد 3873 بتاريخ 26 يناير 1987.
[10] – قبل دستور 2011 كان بعرف بالوزير الأول.
[11] – المادة 226 من المدونة العامة للضرائب.
[12] – كريم الحرش، المنازعات الضريبية في القانون المغربي، مرجع سابق، ص، 77.
[13] – عبد القادر التيعلاتي: النزاع الضريبي في التشريع المغربي،دار النشر المغربية، الدار البيضاء، الطبعة الأولى، 1997، ص، 101.
[14] – المادة 226 من المدونة العامة للضرائب.
[15] – مرسوم رقم 606.09.2 المؤرخ في 2009.12.30.
[16] – كريم لحرش، القضاء الإداري المغربي، مرجع سابق ص 219 .
[17]– محمد السماحي , “مسطرة المنازعة في الضريبة”, الطبعة الثانية, مطبعة الصومعة, مراكش , 2003, ص 85 .
[18] – خص المشرع المغربي اللجان المحلية في المادة 225 المعدلة بمقتضى قانون المالية 70.15 للسنة المالية 2016، بالنظر في الحالات الخاصة بالتصحيحات فيما يتعلق بالدخول المهنية 92 المحددة حسب نظام الربح الجزافي والدخول والأرباح العقارية والدخول والأرباح الناشئة عن رؤوس الأموال المنقولة وواجبات التسجيل والتنبر.، وكدا فحص المحاسبة للخاضعين للضريبة الذين لا تتجاوز رقم أعمالهم المصرح به في حساب
الحاصلات والتكاليف، عن كل سنة محاسبية عن الفترة غير المتقادمة موضوع الفحص، عشرة (10) ملايين درهم.
[19] – كريم لحرش، القضاء الإداري المغربي، مرجع سابق ص 216
[20] – عبد الحق عميمي، مرجع سابق، الصفحة 85.
[21] – كريم الحرش: منازعات الضريبية، مرجع سابق ص، 72.
[22] – المادة 225 من المدونة العامة للضرائب المعدلة بقانون المالية لسنة 2016 رقم 70.15.
[23] – كريم الحرش: المنازعات الضريبية في القانون المغربي، مرجع سابق، ص، 70 و71.
[24] – عبد القادر التيعلاتي: الضمانات الجبائية من خلال التشريع والقضاء، المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية، العدد 19 ، أبريل يونيو 1997، ص31.
[25] – المادة 226 من المدونة العامة للضرائب المعدلة بموجب قانون المالية لسنة 2016 رقم 70.15.
[26] محمد السماحي مسطرة المنازعات الضريبية الطبعة الثانية سنة 2003 ص 76.
[27] محمد مرزاق عبد الرحمان ابليلا ، مرجع سابق ص 94.
[28] – المادة 220 من المدونة العامة للضرائب المعدلة بمقتضى قانون المالية لسنة 2016 رقم 70.15.
[29] محمد مرزاق و عبد الرحمان ، النظام القانوني للمنازعات الجبائية بالمغرب مطبعة الأمنية الرباط، الطبعة الثانية، سنة 1998.
[30] – كريم الحرش، المنازعات الضريبية في القانون المغربي، مرجع سابق، ص73.
[31] – المادة 225 من المدونة العامة للضرائب.
[32] – المادة 225 من المدونة العامة للضرائب.
[33] – المادة 220 من المدونة العامة للضرائب، المعدلة بقانون المالية لسنة 2016 رقم 70.15.
[34] – المادة226، من المدونة العامة للضرائب المعدلة بقانون المالية لسنة 2016 رقم 70.15.
[35] – المادة 226، من المدونة العامة للضرائب المعدلة بقانون المالية لسنة 2016 رقم 70.15.
[36] – المادة 226 من المدونة العامة للضرائب.
[37] – البند الثالث من المادة 226 من المدونة العامة للضرائب.
[38] – عبد القادر التيعلاتي: النزاع مرجع سابق، ص 193
[39] – المادة226، من المدونة العامة للضرائب المعدلة بقانون المالية لسنة 2016 رقم 70.15.
[40] – عبد المجيد مليكي: المساطر الضريبية، محاولة لدراسة تأصيلية نقدية، رسالة لنيل دبلوم الماستر في القانون العام، جامعة مولاي إسماعيل مكناس، سنة 2009-2010، ص111.
[41] – احميدوش المدني، الطعن أمام اللجنة الوطنية، أعمال الندوة الوطنية حول المنازعات الضريبية 4 و 5 دجنبر 2009، عدد خاص لمجاتي القسطاس وزيتونة يوليوز 2010، ص 128.
[42] -Bilal ETBERHARSI : les garanties offertes aux contribuables en matière D’assiette fiscale, mémoire pour l’obtention déplome du mastre, université sidi mohamed ben abdellah, Fès .pp 107-109.
[43] – أحميدوش المدني، مرجع سابق، ص 129.
[44] – نصير مكاوي: تأويل القاضي الإداري لقواعد القانون الضريبي، أطروحة لنيل الدكتوراه في قانون العام، جامعة محمد الخامس السويسي سلا، سنة 2013 ، ص، 81.
[45] – احميدوش المدني، نفس المرجع، ص 128.