تحديث التدبير المالي على ضوء مستجدات القانون التنظيمي الجديد للمالية رقم 130.13
صباح ياسين
باحثة في المالية والإدارة العامة –
كلية الحقوق بطنجة
يندرج إصلاح القانون التنظيمي للمالية في إطار الدينامية التي أطلقها المغرب بهدف تعزيز آليات الحكامة الجيدة، وكفاءة وفعالية العمل العمومي. كما يندرج هذا الإصلاح في إطار الفصل 75 من الدستور الذي يدعو السلطات العمومية إلى تدعيم كفاءة التدبير العمومي، وإرساء المبادئ والقواعد المالية المتعلقة بالتوازن المالي لقانون المالية، ووضع مجموعة من القواعد الرامية إلى تحسين شفافية المالية العامة، وتعزيز دور البرلمان في مناقشة الميزانية والرقابة على المالية العمومية.
ويترجم هذا الإصلاح إرادة الدولة وعزمها، على مواكبة التغيرات ومواجهة التحديات التي تواجه المالية العامة، وعيا منها بأن فعالية المالية العامة تقترن بوجود قانون تنظيمي جديد للمالية، يفتح أفاق جديدة لتحديث الآليات التدبيرية للمالية العامة. وهكذا، قامت الحكومة بإصلاح القانون التنظيمي للمالية المعمول به منذ سنة 1998، و تعويضه بأخر جديد رقم [1]130.13. ولمعرفة مضامين ومستجدات القانون التنظيمي للمالية رقم 130.13، سنتناول ذلك من خلال مبحثين مستقلين على الشكل التالي:
المبحث الأول: تكريس القانون التنظيمي الجديد لمبادئ التدبير المالي الحديث والاتجاه نحو تعزيز نجاعة أداء المالية العامة
يسعى المشرع المغربي من خلال إصلاح القانون التنظيمي للمالية إلى تحقيق ثلاثة أهداف أساسية: الهدف الأول، يتمثل في إصلاح عميق لتدبير الميزانية يمكن من توزيع أمثل للموارد المالية، من خلال ربط النفقات العمومية بتحقيق النتائج. و يتمثل الهدف الثاني، في إغناء المعلومات الموضوعة رهن إشارة البرلمان. أما الهدف الثالث، فيتمحور حول تقوية دور البرلمان في المراقبة المالية وتقييم السياسات العمومية والخيارات الإستراتيجية استنادا إلى مؤشرات قياس النجاعة والفعالية والجودة. كل هذه الأهداف وغيرها تشكل مضامين القانون التنظيمي للمالية الجديد، والتي سنأتي على التفصيل فيها أثناء التحليل.
المطلب الأول: تنصيص القانون التنظيمي الجديد على مبادئ التدبير المالي المرتكز على النتائج
جاء القانون التنظيمي للمالية بمبادئ التدبير المالي الحديث، ونجد أبرزها تنصيصه على البرمجة المتعددة السنوات ( الفرع الأول)، بالإضافة إلى ربط النفقة العمومية بتحقيق النتائج ( الفرع الثاني).
الفرع الأول: اعتماد البرمجة المالية المتعددة السنوات لتحديث الآليات التدبيرية للمالية العامة
تنص المادة 5[2] من القانون التنظيمي الجديد للمالية على إلزامية إعداد قانون المالية على أساس برمجة متعددة السنوات (ثلاث سنوات) يتم تحيينها سنويا، من خلال إعداد إطار للنفقات متعدد السنوات خاص بكل وزارة، والذي سيتم اعتماده كإطار عام لتحديد الحاجيات وتبرير اقتراحات توزيع الموارد. ويسهل هذا الإطار توضيح الاحتياجات المالية لكل وزارة على مدى 3 سنوات ( نفقات التسيير والاستثمار) علما أن السنة الأولى مطابقة لقانون المالية للسنة المعنية في حين تبقى المعطيات المتعلقة بالسنتين المواليتين غير نهائية ( à titre indicatif) ويمكن تحيينها.[3] وتعرض البرمجة متعددة السنوات على اللجنتين المكلفتين بالمالية بالبرلمان، وذلك في إطار العرض الذي يقدمه الوزير المكلف بالمالية أمام اللجنتين المذكورتين قبل 31 يوليوز( المادة 47)، لإستعراض الإطار العام لإعداد قانون المالية للسنة الموالية.
وهكذا، نجد بأن القانون التنظيمي الجديد للمالية وضع نظاما جديدا لتدبير المالية العمومية يستجيب لمقتضيات البرمجة المتعددة السنوات، التي يجب أن يندرج في إطاره مشروع قانون المالية السنوي خلال فترات محددة، وهي فترة يناير- مارس يتم فيها برمجة جدول العمليات المالية للخزينة متضمنة النفقات العمومية على المدى المتوسط. وفترة أبريل – ماي يتم فيها تقديم قانون المالية إلى المجلس الحكومي. وفي فترة يونيو يتم التشاور مع البرلمان من خلال الرسائل التوجيهية للحكومة. وفي فترة يوليوز – شتنبر يتم فيها التحكيم الميزانياتي وإعداد مشروع قانون مالية متوافق عليه ومرفق بالتقارير الضرورية. وفي فترة أكتوبر يتم المصادقة عليه من طرف المجلس الوزاري والمجلس الحكومي. وبعد ذلك إيداع المشروع بالبرلمان على أبعد تقدير في 20 من شهر أكتوبر ليتم دراسته والمصادقة عليه بين أواخر أكتوبر ودجنبر.
يتبين مما سبق على أن القانون التنظيمي الجديد عمل على مراجعة الجدول الزمني لإعداد مشروع قانون المالية من خلال إدراج مراحل جديدة، منها مرحلة إعداد الإطار المرجعي متعدد السنوات الذي يجب أن يندرج في إطاره مشروع قانون المالية، ومرحلة التشاور وإخبار البرلمان باختيارات وأولويات الميزانية، وذلك قبل تقديم مشروع قانون المالية، بحيث يقترح المشاورة مع البرلمان قبليا خلال إعداد الميزانية. حيث ينص القانون التنظيمي الجديد (المادة 47) على عرض الوزير المكلف بالمالية على لجان المالية للبرلمان في اجتماع مشترك قبل 31 يوليوز، الإطار العام لإعداد مشروع قانون المالية: تطور الاقتصاد الوطني، تقدم تنفيذ قانون المالية الراهن إلى حدود 30 يونيو، التوجهات العامة للسياسة الاقتصادية والمالية والبرمجة العامة للدولة لثلاث سنوات، ويتم تضمين هذا العرض في تقرير يمكن أن يكون موضوع نقاش في البرلمان وتقوم الحكومة بنشر التقرير. ويشكل هذا النقاش الإطار الملائم لتفعيل المسؤولية المشتركة للحكومة والبرلمان في الحفاظ على التوازن المالي، مما يعني إشراك البرلمان واستشارته في مرحلة الإعداد القبلي للميزانية، وذلك لتمكينه من إبداء رأيه وتقديم المشورة حول صياغة الميزانيات القطاعية بدءا من الرسالة التأطيرية لرئيس الحكومة، وأيضا التفصيل في الميزانية وتبرير أكبر عدد ممكن من النفقات.
في الحقيقة، تساهم البرمجة المتعددة السنوات في تحديد الأهداف العامة للميزانية الدولة[4] على مدى يفوق السنة، مما يعطي صورة أفضل لوضعية المالية العامة، كما أنها تزيد من شفافية الميزانية أمام البرلمان والمواطنين، بالإضافة إلى أنها تمكننا من تكييف البرامج مع الظروف المالية والاقتصادية، فإطار الميزانية على المدى المتوسط ليس ثابت، بل يتطور لذا يمكن مراجعته وتحديثه. علاوة على ذلك، فإن التوقعات ترد في الإطار متعدد السنوات للاسترشاد بها، وهذا ما يسمح بإعطاء نظرة أوسع حول التأثير المستقبلي للقرارات الحكومية المتخذة في الميزانية السنوية، بالإضافة إلى تعزيز الشفافية في اختيارات الحكومة مع الحفاظ على مزايا التسيير الفعال للموارد العامة.
ولتفعيل هذا المفهوم الجديد، ستكون مختلف القطاعات الوزارية ملزمة بإعداد إطارها الوزاري للنفقات على المدى المتوسط، ويعد الإطار الوزاري للنفقات على المدى المتوسط وسيلة لبرمجة الميزانية، فهو يصوب الاستراتيجيات الوزارية على شكل أغلفة مالية مخصصة لبرامج ونشاطات. ويسمح بتحديد الاعتمادات ما بين الوزارات على أساس الإعتمادات الوزارية المحددة مسبقا، ويتم هذا الإطار من خلال خطوات تهدف إلى تحديد غلاف مالي وزاري ( مع مراعاة القيود) لكل برنامج أو برنامج فرعي، وتوضح الإطارات الوزارية الاحتياجات المالية لكل وزارة على مدى ثلاث سنوات، والتي تشمل الموارد البشرية ونفقات التسيير العادية ونفقات الاستثمار. وستمكن هذه الإطارات الوزارية للنفقات من توزيع أمثل للموارد وعقلنة أفضل للنفقات، وتحكم أفضل في التوازنات المالية، كما أنها ستشكل إطارا لإعداد ميزانيات مختلف الوزارات، وستسمح بنقاش غني على المستوى المركزي والمحلي في الإدارات العمومية.
إضافة إلى ذلك، فإن الإطار العام للنفقات على المدى المتوسط لميزانية الدولة والذي سينتج عن تركيب مختلف الإطارات الوزارية للنفقات على المدى المتوسط، سيشكل إطارا عاما للتحكم المالي أثناء إعداد مشروع قانون المالية وسيمكن من التأكد من ملاءمتها مع التوازنات المالية للدولة. ويتضمن الإطار الإجمالي للنفقات على المدى المتوسط غلافا ماليا إجماليا محددا في أقصاه من طرف المصالح المركزية، ويتمثل في وثيقة لتوقع السياسة الميزانياتية على مدى متعدد السنوات يضمن التناسق بين الموارد والنفقات، وقد أدخل هذا الإطار مصطلح “سقف الإنفاق plafond de dépens “[5] حسب القطاعات والذي يعتبر عنصرا أساسيا في تأطير تحضير الميزانية.
وستصبح الحكومة ملزمة بتقديم للبرلمان تقرير يتناول في أحد محاوره البرمجة العامة للدولة لمدة ثلاث سنوات، ويكون موضوع مناقشة برلمانية[6]، الأمر الذي سيساهم في تفعيل مبدأ المسؤولية المشتركة للحكومة والبرلمان في الحفاظ على التوازن المالي للدولة، ويعزز دور قانون المالية كأداة أساسية لتنزيل السياسات العمومية والاستراتيجيات القطاعية لتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية المستدامة، والتوزيع العادل لثمار النمو مع الحفاظ على التوازنات المالية للدولة.[7]
وبالتالي، سيساهم تطبيق إطار النفقات على المدى المتوسط لثلاث سنوات، في تدعيم وسائل البرمجة والتحكيم بين القطاعات لأجل ضمان استمرارية التوازنات الماكرو اقتصادية تراعى فيها الإمكانيات المالية للدولة وكيفية تصريفها في إطار قوانين المالية. كما ستمكن هذه الآلية من دعم أداء المالية العمومية وتقوية فعاليتها في توزيع الموارد بين مختلف القطاعات وتحسين مردودية الانجازات المالية مع توضيح الرؤية أكثر للقطاعات الوزارية حول البرمجة المتعددة السنوات للميزانية. وسيساهم ذلك في تطبيق عملية التعاقد حول الأهداف والوسائل في إطار برمجة الميزانية على امتداد ثلاث سنوات وكذا تدعيم مسلسل لاتمركز الاعتمادات. بالإضافة إلى ذلك ستمكن هذه البرمجة من تحقيق رهان ترشيد الإنفاق العام عبر ربط النفقة العمومية بتحقيق النتائج.
الفرع الثاني: ترشيد الإنفاق العام عبر ربط النفقة العمومية بتحقيق النتائج
تبنى القانون التنظيمي الجديد منطق الأهداف والنتائج، من أجل ضمان توجيه النفقات العمومية نحو منطق النتائج، ويستوجب اعتماد هذه المقاربة إعادة هيكلة تبويبات الميزانية من أجل الانتقال من مقاربة مرتكزة على الوسائل إلى مقاربة مرتكزة على النتائج يتم تقديمها على أساس البرامج، وسوف تقدم نفقات الميزانية داخل الأبواب في فصول منقسمة إلى برامج وجهات ومشاريع أو عمليات[8].
وسيمكن هذا الإجراء من قراءة أفضل للمعلومات ذات الصلة بالتوزيع الترابي للاعتمادات المخصصة لكل برنامج، بحيث سيتم إبراز الجهود المبذولة على صعيد الميزانية بالنسبة لكل جهة من الجهات.[9] كما سوف تترجم الأهداف ومؤشرات الأداء على الصعيد الجهوي، بحيث ستقرن بكل برنامج أهداف محددة وفق غايات ذات منفعة عامة، وكذا مؤشرات مرقمة لقياس النتائج المحصل عليها والتي ستخضع للتقييم قصد التحقق من شروط الفعالية والنجاعة والجودة المرتبطة بالإنجازات.
وهكذا، يدخل القانون التنظيمي الجديد للمالية بعدين جديدين وهما البرنامج والمشروع أو العملية، بحيث تنص المادة 39 من هذا القانون على أن:” البرنامج عبارة عن مجموعة متناسقة من المشاريع أو العمليات التابعة لنفس القطاع الوزاري أو المؤسسة تقرن به أهداف محددة وفق غايات ذات منفعة عامة، وكذا مؤشرات مرقمة لقياس النتائج المتوخاة والتي ستخضع للتقييم قصد التحقق من شروط الفعالية والنجاعة والجودة المرتبطة بالانجازات. يعين بكل قطاع وزاري أو مؤسسة مسؤول عن كل برنامج يعهد له بتحديد أهداف ومؤشرات القياس المرتبطة به وتتبع تنفيذه. تضمن أهداف برنامج معين والمؤشرات المتعلقة به في مشروع نجاعة الأداء المعد من طرف القطاع الوزاري أو المؤسسة المعنية. ويقدم هذا المشروع للجنة البرلمانية المعنية رفقة مشروع ميزانية القطاع الوزاري أو المؤسسة المذكورة. يؤخذ بعين الاعتبار معيار النوع في تحديد الأهداف والمؤشرات المشار إليها أعلاه.
توزع الاعتمادات المخصصة للبرنامج، حسب الحالة، داخل:
– الفصول المرتبطة بميزانية القطاع الوزاري أو المؤسسة المعنية؛
– الفصول المرتبطة بمرافق الدولة المسيرة بصورة مستقلة التابعة للقطاع الوزاري أو المؤسسة المعنية؛
– الحسابات المرصدة لأمور خصوصية التابعة للقطاع الوزاري أو المؤسسة المعنية “.
كما تنص المادة 40 على أن:” المشروع أو العملية عبارة عن مجموعة محددة من الأنشطة والأوراش التي يتم إنجازها بهدف الاستجابة لمجموعة من الاحتياجات المحددة. توزع الاعتمادات المخصصة للمشروع أو العملية، حسب الحالة، داخل نفس البرنامج، على:
– الفصول المرتبطة بميزانية القطاع الوزاري أو المؤسسة المعنية؛
– الفصول المرتبطة بمرافق الدولة المسيرة بصورة مستقلة التابعة للقطاع الوزاري أو المؤسسة المعنية؛
– الحسابات المرصدة لأمور خصوصية التابعة للقطاع الوزاري أو المؤسسة المعنية.”
وتقدم الإنجازات على مستوى السطر للبرلمان في إطار مشروع قانون التصفية، فالسطر يخبر عن الطبيعة الاقتصادية للنفقات المرتبطة بالأنشطة والعمليات التي يتم القيام بها في إطار المشروع، وتنص المادة 41 من القانون التنظيمي الجديد على أنه:” يتم تقسيم المشروع أو العملية إلى سطور ميزانياتية تبرز الطبيعة الاقتصادية للنفقات المرتبطة بالأنشطة والعمليات المنجزة. تقدم المشاريع أو العمليات للبرلمان على شكل سطور ضمن مشروع قانون التصفية المتعلق بتنفيذ قانون المالية”.
هذه الإجراءات ستمكن من ملاءمة تبويب الميزانية لمتطلبات التدبير المرتكز على النتائج والبرمجة المتعددة السنوات، وتتوزع اعتمادات البرامج والمشاريع بين فصول الميزانية.
بالإضافة إلى بعد البرنامج والمشروع يضيف التبويب الجديد للميزانية[10] بعدا جديدا يتمثل في الجهة، ويمنح هذا البعد إطارا مناسبا لتفعيل اللاتركيز الإداري ومواكبة الجهوية المتقدمة، وسيمكن اعتماد التبويب الجهوي للميزانية من إبراز التوزيع الجهوي لتدخلات الدولة وتوفير إطارا مناسبا للتعاقد بين المصالح المركزية للوزارات مع مصالحها اللاممركزة ولتعزيز اللاتركيز الإداري.
إن تطبيق ميزانية البرامج سيساهم في تفعيل منهجية التعاقد ما بين الدولة والجهات لتنفيذ السياسات العمومية، حيث تعتبر هذه المنهجية أحد أهم آليات التدبير الحديث والملاءم للحاجيات التنموية المجالية، لكون العقد يمكن من تعبئة تمويلات إضافية ووضع سياسات أقرب إلى الواقع المعاش على المستوى الترابي، موازاة مع تحقيق التنسيق الأمثل بين كافة المتدخلين وبين مختلف العمليات المقترحة.[11]
وسيمكن هذا، من الانتقال من منطق تقديم الاعتمادات حسب التصنيف الإداري إلى منطق جديد، ترتكز فيه الميزانية على البرامج كإطار لترخيص الموارد وتنفيذ النفقات العمومية وكذا بغية تسهيل قراءة ميزانية الدولة. ويتجلى ذلك من خلال تحويل الميزانيات القطاعية من ميزانيات وزارية محضة، إلى ميزانيات برنامجية تتوخى تحقيق أهداف مرتبطة ببرنامج أو مخطط معين، هذا دون إغفال ضرورة الأخذ بعين الاعتبار المدى المتوسط والبعيد في تدبير ميزانية الدولة، وبالتالي تمكين نواب الأمة من كل المعطيات التي تمكنهم من متابعة تقدم المشاريع والمخططات القطاعية الممتدة على أكثر من سنة مالية.
ويعتبر اعتماد البعد الجهوي للميزانية أهم التحديات المطروحة بمناسبة إصلاح القانون التنظيمي للمالية، خاصة على مستوى المزاوجة Corrélation بين الإصلاح اللامركزي الشمولي عبر ورش الجهوية المتقدمة طبقا للفصل الأول من الدستور، وبين دعم وتعزيز سياسة اللاتركيز بصفة أساسية وجعلها أساس البعد المجالي للميزانية العامة للدولة. إضافة إلى ضبط اللامركزية القطاعية الموازية للجهات على مستوى التدبير المالي والتنموي، كوكالات إنعاش وتنمية الأقاليم، المراكز الجهوية للاستثمار، وإدماج الاعتمادات المخصصة للمبادرة الوطنية للتنمية البشرية ضمن التنمية الجهوية المندمجة. وفي هذا الإطار، يطرح الإشكال المتعلق في كيفية المزاوجة بين المقاربة الجهوية، والمقاربة القطاعية للميزانية، حيث يطرح السؤال: هل يمكن التفكير في صيغة أكثر تفصيلا من أجل الوصول إلى المقاربة الجهوية للميزانية؟ وكيف سيتم التوفيق بين المقاربة الجهوية للميزانية مع البرامج والمشاريع؟ بحكم أن هناك من الجهات من ستكون مستقبلة لهذه المشاريع.
وفي معرض جوابه على هذا الإشكال، أكد وزير المالية على أن الإنطلاقة ستكون من الفصول، ثم البرامج التي ستأتي من هيكلة عمومية أو تتكلف بمهام أفقية، ثم البرامج الجهوية، ثم المشاريع، بحيث أن البرنامج يأتي من هيكلة حكومية وداخلها قطاعات تتكلف بمهام قطاعية أو مهام أفقية، يتم التنسيق فيما بينها من طرف رئيس الحكومة، هذا بالإضافة إلى وجود قطاع مكلف بالتنسيق بشكل مباشر، وهو المسؤول المكلف بتنفيذ البرامج.[12]
في الحقيقة، سيضفي إدراج البعد الجهوي للميزانية المزيد من الوضوح والشفافية على التدبير المالي للحكومة ومبادراتها ذات الطابع الجهوي، ومقابلة الحاجيات الخاصة بجميع الفاعلين من إدارة وقطاع خاص وغيرهما. فالتنميط الجهوي للميزانية يعكس طبيعة السياسة الجهوية للحكومة ومدى انخراطها الفعلي في محاربة الفوارق المجالية ودعم الجهات الأكثر خصاصا[13]. وبالتالي، فالانتقال بالجهة والجهوية إلى مستوى متقدم من اللامركزية خيار لا معنى له، إذا لم يكن مكرسا في السياسات العمومية ومجسدا في إطار الميزانية وبرامج الحكومة. وتبعا لذلك، نجد أن إضفاء البعد الجهوي سوف يمكن أعضاء البرلمان من قراءة أفضل للمعطيات حول التوزيع الترابي للاعتمادات المالية المرصودة لكل برنامج، بحيث يتم إبراز المجهود المالي المخصص لكل جهة من الجهات وتقديم الميزانية بشكل يدعم سياسة التعاقد والشراكة مع الفاعلين المحليين.
إن الانتقال من مقاربة معيارية للنفقات إلى ميزانية مقدمة على أساس البرامج سيسمح بتفعيل منطق الفعالية والنجاعة في برمجة وتنفيذ الميزانية[14]، وسيتم ربط كل برنامج بأهداف محددة يتم قياسها عبر مؤشرات مرقمة تمكن من قياس النتائج المحققة ومقارنتها بالأهداف، الشيء الذي سيمكن من قراءة أفضل للخيارات الميزانياتية والأولويات العمومية وتوجيه أمثل للموارد، وبالتالي سيعطي صورة واضحة لأولويات الحكومة وتكلفتها والنتائج المترتبة على تنفيذها[15]. وفي نفس السياق نجد أن التبويب الجديد للميزانية سيحافظ على الترميز الإداري والاقتصادي والوظيفي، كما سيتم اعتماد ترميز للبرامج ذو الطابع متعدد السنوات سيمكن من تتبع البرامج بغض النظر عن التغييرات الطارئة في الهياكل الوزارية.
كما أن إعادة النظر في بنية الميزانية الذي يعتبر أحد المحاور الأساسية التي جاء بها القانون التنظيمي الجديد للمالية، من خلال اعتماد التقسيم على أساس البرامج والمشاريع عوض التبويب الحالي، ستسمح للبرلمان بمناقشة حقيقية للأهداف التنموية للحكومة، مع إمكانية التعديل داخل البرامج، باعتبار أن كل برنامج يتضمن عدة مشاريع، ويمكن القطاعات الحكومية من برمجة فعالة لحاجياتها المالية. كما أن اعتماد البرامج متعددة السنوات عند توزيع نفقات الاستثمار على البرامج والمشاريع، يسمح للبرلمان بمناقشة مدى انسجام القانون المالي مع المخططات التنموية التي تمت المصادقة عليها، فيما ستمكن أيضا من توضيح المعطيات المرتبطة بالتوجهات الأساسية خلال السنة المالية وأهدافها الإجرائية داخل قانون المالية ( دعم النمو، إنعاش التشغيل، ترشيد الإنفاق والتحكم في عجز الميزانية، التوجه العام للاستثمار…).
وعلى هذا الأساس، يجب تفعيل مقتضيات القانون التنظيمي الجديد للمالية من أجل الوصول إلى التدبير الفعال للمالية العامة، من خلال قدرة الدولة على التدبير وتوفير المعلومات المالية عن تنفيذ الميزانية العامة، وذلك عبر إعمال مبدأ الشفافية (المطلب الثاني).
المطلب الثاني: ترسيخ القانون التنظيمي الجديد لشفافية التدبير المالي العمومي
عمل المشرع المالي من خلال إصلاح هذا القانون على ترسيخ مقومات شفافية التدبير المالي، التي تقوم على تحسين جودة المعلومات المقدمة عن المالية العامة وتحديث نظام المحاسبة العامة، الذي من شأنه أن يساعد على تقديم توقعات واقعية بالنسبة للمالية العامة استنادا على أسس واضحة وشفافة تمكن مختلف الجهات المعنية والمتدخلين من الوقوف على الوضعية الحقيقية للمالية.
الفرع الأول: اعتماد المحاسبة التحليلية لرفع من شفافية التدبير المالي
حافظت قواعد المحاسبة العمومية في نظام المالية العامة المغربية على استقرارها رغم أن أغلبها صارت متقادمة و ترد عليها العديد من الاستثناءات بفعل النصوص التنظيمية أو بفعل الممارسة، كما أن هذه القواعد أصبحت غير قادرة على مسايرة التحولات المالية والتغييرات التقنية التي شهدتها الهياكل الاقتصادية التابعة للدولة، وإلى تطور دور هذه الأجهزة في شتى المجالات بما يقتضي تدبير جيد لمسلسل النفقات والموارد العمومية. وإذا كان المنظور الجديد للسياسة المالية يستوجب تعبئة كل أدوات العمل المالية والاقتصادية وفق نمط فعال للتدبير المالي، يوضح بجلاء هياكل الحسابات العمومية ويقر ثقافة الشفافية والثقة المحاسبية، وعقلانية التصرف في المال والملك العموميين تبعا لضوابط مقننة.
لذلك، ونظرا لما تمثله المحاسبة العامة من دور جوهري في التدبير الجيد للمالية العامة، نجد أن القانون التنظيمي الجديد اتجه إلى تطوير نظام المحاسبة العامة، فإضافة إلى المحاسبة الموازناتية، أغنى هذا القانون نظام محاسبة الدولة بإحداث نظام المحاسبة العامة للدولة، وكذا محاسبة تحليل التكاليف، بحيث تنص المادة 31 على أنه:” تقوم الدولة بمسك محاسبة ميزانياتية للمداخيل والنفقات. تقوم كذلك بمسك محاسبة عامة بالنسبة لمجموع عملياتها. ويمكن للدولة أن تقوم بمسك محاسبة لتحليل كلفة مختلف المشاريع المدرجة في إطار البرامج. يجب أن تكون حسابات الدولة مطابقة للقانون وصادقة وتعكس صورة حقيقية لثروتها ولوضعيتها المالية”.
كما تنص المادة 33 على أنه:” تقوم المحاسبة العامة للدولة على مبدأ إثبات الحقوق والإلتزامات. تدرج العمليات في حسابات السنة المالية التي ترتبط بها بغض النظر عن تاريخ القبض أو الأداء. لا تختلف القواعد المطبقة على المحاسبة العامة للدولة عن تلك المطبقة على المقاولات الخاضعة للقانون الخاص إلا باعتبار خصوصيات تدخلات الدولة”.
ومن شأن تبني هذا النظام، إنتاج معلومات محاسبية موحدة تمكن من حصر مجموع أنشطة الدولة وممتلكاتها وتتبع تطورها، وكذا قياس وتقييم فعالية ونجاعة النفقات العمومية، كما سيمكن هذا الإجراء من ضبط أفضل للتكلفة الإجمالية للخدمات العمومية وتتبع أدق للمجهودات المبذولة من أجل التحكم فيها. بحيث يفترض في كل نظام معلوماتي للمحاسبة أن يستجيب لهدف مزدوج: أولا، تقديم صورة صادقة عن الوضع المالي للإدارة خصوصا عن طريق مسك محاسبة عامة، وثانيا، تثمين كلفة الخدمات المقدمة عن طريق نوع أخر من المحاسبة يدعى بالمحاسبة التحليلية. فإذا كان مسك النوع الأول المذكور قد أصبح بديهيا في مجال تدبير الإدارات العمومية، فإن العمل بالنوع الثاني لازال محدودا بشكل ملفت للنظر.
وعليه، ترمي المحاسبة التحليلية (تحليل التكاليف) إلى معالجة المعطيات المتعلقة بتسيير وسائل الإدارات، وذلك من أجل معرفة تكلفة مختلف الوظائف (سياسات، مشاريع، أنشطة، مهام….) التي تضطلع بها هذه الإدارات، وأيضا تحديد أسس تقييم بعض العناصر المتعلقة بالحساب الختامي، بالإضافة إلى تفسير النتائج عن طريق حساب تكاليف المنتوجات لمقارنتها مع المردودية المحصلة هذا من جهة.
ومن جهة أخرى، تمكننا المحاسبة التحليلية من صياغة تقديرات للمصاريف والمنتوجات الجارية (التكاليف المحددة مسبقا، ميزانيات الاستغلال…الخ).[16] فإذا كانت المعلومة المحاسبية المتعلقة بالتكاليف تزودنا بها المحاسبة العامة، فإن هذه الأخيرة تمكن من تحديد وحساب المصاريف المستهلكة خلال مرحلة معينة، لكنها تضمن فقط متابعة عامة للمصاريف مصنفة على أساس طبيعتها، لكنها لا تزودنا بأي معلومة عن وجهة هذه المصاريف، أي توزيعها بين المنتجات، الخدمات، المصالح أو الأنشطة الأساسية للإدارة، فتوزيع المصاريف على أساس وجهتها يتطلب تحليلا للعمليات الداخلية المكونة للقيم (أي للتكاليف)، وهو الأمر الذي يمثل هدفا خاصا للمحاسبة التحليلية. فالمحاسبة العامة تعتبر المنظمة ك”علبة سوداء” تمتص استهلاكات متأتية من الخارج، دون أن تهتم بعمليات دوران القيم وتكون التكاليف الداخلية في هذه العمليات. بعبارة أخرى المحاسبة التحليلية أداة لتحليل المعلومات المحصل عليها من المحاسبة العامة بصفة خاصة وعلى ضوء هذا التحليل يتخذ المسيرون القرارات الملائمة التي تهم الإدارة.
بالإضافة إلى ذلك، تمكن المحاسبة التحليلية من إيجاد قاعدة معطيات تسمح بالتوقع المرقم والمفصل للميزانيات المستقبلية للإدارة، وذلك بالنظر إلى الموارد المتوفرة (بشرية، مالية…) والأهداف المحددة على المستويين المتوسط والطويل، وهو الأمر الذي يجعل من هذه المحاسبة أداة لتقليص هامش التردد والارتجال في تخصيص الاعتمادات. كما تسمح هذه المحاسبة بالقيام بمقارنات أفقية ( بين مصالح الإدارة الواحدة، أو بينها وبين مصالح إدارة أخرى) وبمقارنات في الزمن ( تطور التكاليف الكاملة لمصلحة أو إدارة ما).
ويتطلب العمل بالمحاسبة التحليلية إجراء تعديلات جوهرية للنظام المحاسبي والموازني، وخاصة تفكيك الميزانية إلى مراكز للتكاليف وللمسؤوليات، وذلك عن طريق تفكيك الأنشطة المتباينة بالشكل الذي يمكن معه للمسؤولين تقديم الحساب عن الأعمال التي يقومون بها وعن الموارد التي يستعملونها، إيجاد روابط مباشرة بين الموارد المختلفة المستعملة في الإنتاج والمنتوجات المتولدة عنها، هذه التعديلات لم يتم حتى الآن إجراؤها.
يمكن القول بأن كل قرار مالي أو أي سياسة عمومية يمر حتما على المحاسبة التي تعتبر مصدره الأول للمعلومات، وبدونها تبقى الإدارة مجردة من نظام يوفر لطرق عملها النجاعة والفعالية، وإذا كانت المحاسبة العامة إلزامية بحكم القانون في أغلبية الدول، نظرا لما تهدف إليه من تقديم وثائق موجهة للغير ( ميزانية، جدول النتائج وملحقات) في نهاية كل سنة، غير أنها لا تعطي في نهاية السنة إلا نتيجة إجمالية، بينما تحتاج الإدارة العمومية حاليا إلى معرفة النتائج الجزئية، حسب كل خدمة، حسب كل منطقة جغرافية وحتى حسب كل مرتفق.
ورغبة في تكملة المحاسبة العامة ومواجهة النقائص التي تتسم بها، نص القانون التنظيمي الجديد على المحاسبة التحليلية، والتي يطلق عليها تعبير المحاسبة الداخلية لأنها موجهة للمدبرين كمتعاملين داخليين للإدارة، ولا يمكن للمالية العامة في الوقت الراهن تحقيق أهداف التنمية المستدامة والتي يسعى المغرب منذ سنوات إلى ترجمتها على أرض الواقع، إلا إذا لعبت المحاسبة التحليلية دورها الكامل كأداة في يد المسيرين من خلال المعلومات التفصيلية التي تقدمها لهم، والتي على أسسها يمكن اختيار الحلول المثلى وبمعنى أخر اتخاذ القرارات المناسبة.
الفرع الثاني: إرساء قواعد صدق المعلومة المالية لتعزيز شفافية ميزانية الدولة
يعد صدق المعلومة المالية من أهم شروط التدبير المالي الحديث، إذ يجب أن تتمتع الميزانية العامة بمصداقية كبرى، بحيث أن التقديرات المنصوص عليها بالميزانية تعبر عن حقيقة الموارد والنفقات، التي يتم انجازها كاملة أو بفوارق ضئيلة جدا،[17] فمن خلال الإيرادات والنفقات تبرز السياسات الاقتصادية والاجتماعية للدولة، كما أن تفحص هيكلة وطبيعة النفقات والموارد لأي ميزانية يمكننا من الوقوف عند صورة مرقمة لاختيارات الدولة، ومن خلالها يمكن القيام بعديد من الاستنتاجات حول السياسات الاقتصادية والاجتماعية المتبعة.
ومن أجل تعزيز شفافية قانون المالية بالنظر إلى أفضل المعايير الدولية، تنص المادة 10 من القانون التنظيمي الجديد على أنه:” تقدم قوانين المالية بشكل صادق مجموع موارد و تكاليف الدولة. و يتم تقييم صدقية الموارد والتكاليف بناء على المعطيات المتوفرة أثناء إعدادها والتوقعات التي يمكن أن تنتج عنها”. و يقصد بمبدأ مصداقية الميزانية أن تكون البيانات الواردة في قانون المالية والخاصة بتقديرات الإيرادات و النفقات، مطابقة للحقيقة، وأن تكون التوقعات معقولة حتى يتمكن البرلمان من ممارسة رقابة حقيقية عليها. و يشير البعض إلى هذا المبدأ باسم “دقة الميزانية”[18].
إن الهدف من إدراج هذا المبدأ هو تعزيز صدق المعطيات المحاسبية ووجاهة الفرضيات المعتمدة لإعداد قانون المالية، وجودة توقعات الموارد والنفقات، اعتبارا للمعطيات المتوفرة أثناء إعدادها. ولفهم مبدأ الصدقية لابد من الرجوع إلى القانون التنظيمي الفرنسي للمالية لسنة 2001، والذي أدخل في إطار مضامينه مبدأ جديدا يهتم بالمبالغ المدرجة في قوانين المالية، وسمي هذا المبدأ بصدق الميزانية la sincérité budgétaire ، وكان سبب إدراجه هو الموقف السلبي للمجلس الدستوري الفرنسي تجاه قوانين المالية التي عرضت عليه من أجل دراسة مطابقتها للدستور ( قرار رقم 93-320 ق.د.ل 21 يونيو 1993، قانون المالية التعديلي لسنة 1993)[19].
و لقد ورد هذا المبدأ ضمن أحكام المواد 27 و 32 من القانون التنظيمي للمالية الفرنسي لسنة 2001، وتنص المادة 32[20] على أن مبدأ الصدقية يسعى إلى تعزيز صحة الفرضيات التي تؤسس لتحضير قانون المالية باعتباره قانون توقعي، وكذلك الرفع من جودة توقعات الموارد والتكاليف المزمع تحقيقها بموجب قانون المالية، وتعد مصداقية قانون المالية بمثابة مقياس لفعالية تدبير المالية العامة، بمعنى اعتماد ميزانية واقعية تستند على تنزيل حقيقي ووفق التوقعات.
ويرمي المشرع الفرنسي من إدراج مبدأ صدق الميزانية في مضامين القانون التنظيمي للمالية إلى تفادي نية تغليط الخطوط الكبرى للتوازن المحدد في قانون المالية ( قرار المجلس الدستوري الفرنسي رقم 2001- 448 ق.د.ل 25/07/ 2001 القانون التنظيمي للمالية)[21]، وقد أضفى المجلس الدستوري بمناسبة رقابته على القانون التنظيمي للمالية الفرنسي، مفهوما محددا لمبدأ مصداقية الميزانية، وميز في هذا الشأن بين قوانين المالية وقوانين التصفية.[22]
ففي مجال قوانين المالية فإن المصداقية تعني عدم وجود قصد للتلاعب في الخطوط الكبرى للتوازن الوارد في قانون المالية[23]، أما في مجال قوانين التصفية[24] فإن المبدأ يفرض أن تكون الحسابات دقيقة l’exactitude des comptes أي أن المصداقية هنا تفهم بمعنى محدد أو ضيق وهو “الدقة”. وهذا التمييز الذي أجراه المجلس الدستوري لا يظهر صراحة في المادة 32 من القانون التنظيمي الفرنسي[25]. وبالتالي، فإنه يتعين فهم مبدأ المصداقية في قانون المالية فهما واسعا، ومؤدى هذا الفهم أن عدم دقة التوقعات لا تكفي حتى يكون قانون المالية مخالفا لمبدأ المصداقية[26]، وإنما يجب إثبات قصد الإخلال بتوازن قانون المالية، وأن يكون عدم التوازن كبيرا حتى يبرر عدم الدستورية. بالإضافة إلى ذلك، فإن عنصر القصد لا يمكن أن يظهر إلا يوم تقديم مشروع قانون المالية، أما إذا ظهر عدم المصداقية من ظروف لاحقة، فإنه لا يمكن الإدعاء أنها كانت راجعة إلى قصد واضعي مشروع قانون المالية ( الحكومة).[27]
وعليه، نجد بأنه إلى جانب صدق مضامين مشروع القانون المالي، تبرز أهمية صدق وتحسين جودة مضمون التقارير المرافقة لمشروع قانون المالية[28]، وضمان حق البرلمان في الوصول للمعلومة الميزانياتية وكل المعطيات المالية في أجال معقولة، لاسيما وأنه من متطلبات التدبير المالي الحديث إغناء الرصيد الوثائقي المقدم إلى البرلمان بمناسبة عرض مشاريع قوانين المالية.
وفي هذا الاتجاه تنص المادة 48 من القانون التنظيمي الجديد على إعداد الحكومة لعشرة (10) تقارير وثلاث (3) مذكرات مرافقة لمشروع قانون المالية. وتجدر الإشارة هنا، على أن مسودة القانون التنظيمي للمالية كانت تتضمن 14 تقريرا وملحقين، يرافقون مشروع قانون مالية السنة. وبالإضافة إلى التقارير المنصوص عليها في المادة 48 من هذا القانون، تضمنت المسودة: تقرير حول الإعانات العمومية وتقرير حول مالية الجماعات الترابية. فالمادة 62 من المسودة الأولية لهذا القانون، تميزت بتضمنها للعديد من التقارير التي لو تم الاحتفاظ بها، لساهمت في تكريس الشفافية والوضوح وخصوصا التقرير المتعلق بالإعانات العمومية[29].
علاوة على ذلك، نجد أن القانون التنظيمي الجديد للمالية لم يتضمن أي تقرير حول التزامات الدولة الغير مدرجة في الميزانية، والذي كان من شأنه أن يبين بدقة وشمولية جميع متأخرات الدولة وما ستكون مضطرة إلى دفعه لفائدة الغير، سواء تعلق الأمر بالقطاع العام أو الخاص، حتى يتأكد البرلمان من التزام الدولة، بتنفيذ ما تعهدت به في إطار الحوار أو في إطار دفع حصصها في مختلف المجالات. وبالمقارنة ما بين المادة 48 من القانون التنظيمي الجديد للمالية والمادة 62 من مسودة هذا القانون، نسجل تراجع على مستوى المعطيات والمعلومات المالية المقدمة للبرلمان.
المبحث الثاني: تفعيل آليات المراقبة المالية للبرلمان وفق منطق نجاعة الأداء
يشكل إصلاح القانون التنظيمي للمالية في المرحلة الراهنة أهمية كبرى، وذلك لتقوية دور المؤسسة البرلمانية في مناقشة ودراسة مشروع القانون المالي وتتبع تنفيذه، وكذلك في إشراك البرلمان في صياغة ووضع مشروع قانون المالية باعتباره أهم القوانين خلال السنة التشريعية. ومن هذا المنطلق، سوف نتناول بالتفصيل كيف يمكن لمقتضيات القانون التنظيمي الجديد المساهمة في تقوية دور البرلمان على مستوى تتبع ومراقبة تنفيذ القانون المالي ( المطلب الأول)، وتوسيع حق التعديل وتغير قواعد التصويت على قانون المالية ( المطلب الثاني).
المطلب الأول: تقوية دور البرلمان على مستوى تتبع ومراقبة تنفيذ القانون المالي
تضمن القانون التنظيمي الجديد للمالية مقتضيات جديدة تتعلق بأجال دراسة ومناقشة مشروع قانون المالية والمصادقة عليه ( الفرع الأول)، وأيضا بحق التعديل البرلماني لقانون المالية و أيضا تغيير قواعد التصويت عليه ( الفرع الثاني).
الفرع الأول: تمكين البرلمان من الوقت الكافي لدراسة قانون المالية و المصادقة عليه
ينبغي للقانون التنظيمي الجديد للمالية أن يضمن المزيد من المشاركة البرلمانية خلال مراحل الإعداد والمصادقة وتنفيذ القانون المالي، لضمان الديمقراطية الميزانياتية والتدبير القائم على النتائج، واعتماد المرونة الواسعة و اللازمة لتحقيق المردودية والفعالية المرجوة من جهة، وتوزيع النفقات على المدى القريب والمدى المتوسط في إطار برمجة مرجعية متعددة السنوات من جهة أخرى .
وفي الوقت الذي كان من المنتظر أن تقوم الحكومة بحل إشكالية ضغط الوقت، تم التقليص بالمقابل المدة الزمنية المخصصة للمناقشة، فحسب النسخة الأولى من القانون التنظيمي الجديد، كان الأجل الإجمالي للدراسة و التصويت من طرف البرلمان على مشروع قانون المالية في 58 يوما من تاريخ إيداعه من طرف الحكومة في مكتب مجلس النواب، وتم تقسيم هذا الأجل إلى 27 يوما لمجلس النواب ( الدراسة و التصويت)، و 24 يوما لمجلس المستشارين ( الدراسة و التصويت) [30]، أما 7 أيام المتبقية فهي مخصصة لمصادقة مجلس النواب بعد دراسة تعديلات مجلس المستشارين.
وبما أن المادة 48 من هذا القانون التنظيمي الجديد للمالية تحدد تاريخ إيداع مشروع قانون المالية للسنة في 20 أكتوبر، فإن التقسيم الزمني المقترح سيسمح بتوفير 15 يوما قبل متم السنة المالية، والتي ستمنح مزيدا من الوقت للحكومة وللمحكمة الدستورية قصد الطعون المحتملة والبت فيها، في حين سيرتفع ضغط الوقت على أعضاء البرلمان.هذه الوضعية تجعل الحكومة في وضع أكثر تميزا وتقدما من البرلمان.
و لقد تم التراجع عن هذا الحيز الزمني لمناقشة مشروع قانون المالية، بعد المعارضة الشديدة من طرف أعضاء البرلمان، وقد تم تعديل المادة 49، بحيث أصبح أجل البت في مشروع قانون المالية محددا في ثلاثين يوما الموالية لتاريخ إيداعه بالنسبة لمجلس النواب واثنين وعشرين يوما الموالية لعرضه عليه بالنسبة لمجلس المستشارين، بالإضافة إلى أجل لا يتعدى ستة أيام للبت النهائي في ذات المشروع من طرف مجلس النواب في إطار القراءة الثانية.
يجب التفكير والبحث في صيغ وطرق تمكن البرلمان من مناقشة قانون المالية بشكل فعال وناجع لتجاوز إكراهات الوقت، و تسمح بإشراك البرلمان في إعداد مشروع الميزانية والمساهمة في هذه العملية بمختلف مراحلها، لضمان إمكانية تحقيق توازن بين السلطتين التشريعية والتنفيذية أثناء المناقشة السنوية لمشروع قانون المالية، وذلك قصد إعطاء مدلول حقيقي للحكامة المالية.
وفي هذا الصدد نجد بأن القانون التنظيمي الجديد للمالية يتضمن بعض الآليات، التي تمكن البرلمان من تجاوز هذا العائق، وفي نفس الوقت من المشاركة منذ المراحل الأولى لإعداد مشروع قانون المالية، وتمكينه من معطيات دقيقة وذات جودة تمكنه من لعب دوره الرقابي على السياسات العمومية. ويتعلق الأمر بقيام وزير المالية قبل 31 يوليوز من كل سنة حسب المادة 47 من القانون الجديد، بتقديم عرض أمام لجنتي المالية بالبرلمان يبرز أهم مستجدات الوضعية الاقتصادية الوطنية ومستوى تقدم تنفيذ قانون المالية للسنة الجارية، والمعطيات المتعلقة بالسياسة الاقتصادية والمالية وكذا البرمجة الميزانياتية الاجمالية لثلاث سنوات، والتي يتم إعدادها بتجميع البرامج المتعددة السنوات الخاصة بمختلف القطاعات الوزارية أو المؤسسات. ويمكن مناقشة هذا العرض داخل اللجنتين المعنيتين دون أن يتبعها تصويت.[31]
غير أن هذا الإجراء يبقى غير كافي، مثلا لم لا يأتي الوزراء والمسؤولون عن تدبير مختلف القطاعات إلى البرلمان من خلال لجانه الدائمة قصد عرض تصوراتهم لميزانياتهم القطاعية للسنة المقبلة في آجال معقولة، ويشركون نواب الأمة في عملية التحضير والإعداد قبل اعتمادها من طرف الحكومة، من باب توسيع المدى التشاوري والتشاركي زمنيا، والإبقاء على فرص التجاوب مع ملاحظات واقتراحات البرلمان، ما سيخلق أجواء أكثر إنتاجية وإيجابية، لاسيما وأن الدستور ينص على ذلك من خلال الفصل 13 من دستور 2011 على أنه ” تعمل السلطات العمومية على إحداث هيئات للتشاور، قصد إشراك مختلف الفاعلين الاجتماعيين، في إعداد السياسات العمومية وتفعيلها وتنفيذها وتقييمها”.
من هنا يجب على القانون التنظيمي الجديد العمل على تقوية مجالات تدخل ومراقبة المؤسسة التشريعية للقانون المالي، والتي لا يجب أن تبقى حبيسة التصويت على مشروع القانون المالي الذي يحول البرلمان لغرفة تسجيل أو مكتب ضبط، بالإضافة إلى تبسيط أساليب عرض مشروع القانون المالي أمام مجلسي البرلمان، وتكثيف المعلومات والتقارير التي تقدم في إطاره، من أجل تحسين قراءته وتعزيز شفافيته، ولتمكين النواب والمستشارين ومن خلالهم الرأي العام وكافة المهتمين، من التوفر على رؤية شمولية وأكثر وضوحا حول كل أحكامه ومقتضياته، وبما يساعد على انخراط المجتمع المدني مع السلطة التشريعية في مسلسل إعداد وتنفيذ وتقييم السياسات العمومية. فالبرلمان يجب أن ينخرط وبشكل فاعل في مراقبة وتتبع تنفيذ القانون المالي ومسائلة الحكومة بخصوص حيثيات تنفيذه.
وعلاوة على ذلك، نجد بأن القانون التنظيمي الجديد اعتمد حيز زمني جديد لدراسة قانون المالية التعديلي والمصادقة عليه من طرف البرلمان فقد أصبح الأجل الإجمالي يصل إلى 15 يوما من تاريخ إيداعه من طرف الحكومة بمكتب مجلس النواب. وتنص المادة 51 على أنه:” يصوت البرلمان على مشروع قانون المالية المعدل في أجل لا يتعدى خمسة عشر يوما الموالية لإيداعه من طرف الحكومة لدى مكتب مجلس النواب. يبت مجلس النواب في مشروع قانون المالية المعدل داخل أجل ثمانية أيام موالية لتاريخ إيداعه. بمجرد التصويت على هذا المشروع أو نهاية الأجل المحدد في الفقرة السابقة، تعرض الحكومة على مجلس المستشارين النص الذي تم إقراره أو النص الذي قدمته في أول الأمر مدخلة عليه إن اقتضى الحال التعديلات المصوت عليها من طرف مجلس النواب والمقبولة من طرف الحكومة. يبت مجلس المستشارين في المشروع داخل أجل أربعة أيام الموالية لعرضه عليه. يقوم مجلس النواب بدراسة التعديلات المصوت عليها من طرف مجلس المستشارين ويعود له البت النهائي في مشروع قانون المالية المعدل في أجل لا يتعدى ثلاثة أيام”. [32]
ولكن، يعاب على هذه المادة بأنها لم تنص على ضرورة إرفاق قانون المالية التعديلي بمجموعة من الوثائق، التي ُتكوِن نظرة عامة ومفصلة على الوضعية المالية للدولة أثناء السنة المالية، في حين نجد المادة 53 من القانون التنظيمي للمالية الفرنسي لسنة 2001، تنص على ضرورة إرفاق قانون المالية التعديلي بمجوعة من الوثائق وتتمثل : في تقرير يوضح تطورات الوضع الاقتصادي والوضع المتعلق بالميزانية ويبرر الترتيبات التي يتضمنها، وملحق توضيحي يفصل التعديلات المتخذة على الاعتمادات المقترحة، بالإضافة إلى جداول تلخص الحركات المدخلة عن طريق التنظيم والمتعلقة باعتمادات السنة الجارية.[33]
وبالتالي، تساهم هذه الوثائق بدرجة كبيرة في إعلام البرلمان عن مسار الاعتمادات المالية أثناء السنة المالية، فبالرغم من أن البرلمان لا يشارك الحكومة في تقدير مدى الحاجة إلى الاعتمادات الإضافية، إلا أن الحكومة ملزمة بمقتضى نص القانون المتمثل في المادة 53 من القانون التنظيمي للمالية الفرنسي من إعطاء تقارير دقيقة تبين كيفية تنفيذ الاعتمادات أثناء السنة مما يؤدي إلى إعمال الرقابة البرلمانية بشكل أكثر فعالية.
وفيما يخص مراجعة الجدول الزمني للدراسة والتصويت على مشروع قانون التصفية بالمغرب، فقد أصبح وفقا للفصل 76 من الدستور إلزام الحكومة بعرض قانون التصفية المتعلق بتنفيذ قانون المالية خلال السنة الثانية التي تلي سنة تنفيذ هذا القانون وبصفة دورية ودائمة، وعلى عكس الحالات السابقة التي كانت الحكومة تقوم بإيداع مشاريع قوانين التصفية بشكل متأخر يتراوح بين ثلاث وأربع سنوات بالمقارنة مع الأجل القانوني المحدد للإيداع.
وفي هذا الصدد، لم يبق للحكومة أي مبرر للتأخير في تقديم قوانين التصفية بعد تنزيل مقتضيات الدستور الجديد وخصوص الفصل 76 منه، وأيضا المادة 65 من القانون التنظيمي الجديد التي تنص على أنه:”..يودع مشروع قانون التصفية المتعلق بتنفيذ قانون المالية سنويا بالأسبقية بمكتب مجلس النواب في أجل أقصاه نهاية الربع الأول من السنة الثانية التي تلي سنة تنفيذ قانون المالية المعني”. كما تنص المادة 66 من نفس القانون على أن قانون التصفية سيرفق بالتقارير السنوية الوزارية لنجاعة الأداء المعد من طرف الوزارة المكلفة بالمالية والتي توضح الإنجازات المحققة بالنسبة لمختلف البرامج والمشاريع الوزارية مقارنة مع الأهداف التي تم تحديدها سابقا في “مشروع حسن الأداء”، وسيتم تجميع التقارير الوزارية لنجاعة الأداء في تقرير تركيبي يرافق قانون التصفية.[34]
كما يتضمن التقرير السنوي حول نجاعة الأداء على تبرير لكل فصل على حركة الاعتمادات والنفقات المحققة، ويتم تقديم التقرير السنوي حول نجاعة الأداء le Rapport annuel de performance وفق نفس منهجية تقديم المشروع السنوي لنجاعة الأداء، بغاية تيسير عملية المقارنة بين الوثيقتين. وسيرفق مشروع قانون التصفية أيضا ب: الحساب العام للدولة مرفوقا بالحصيلة المحاسبية والبيانات المالية الأخرى وتقييم للالتزامات الخارجة عن الحصيلة المحاسبية، تقارير افتحاص الأداء من طرف المفتشية العامة للمالية[35]، تقرير حول الموارد المرصدة للجماعات الترابية. وأيضا ملحق يتعلق بالاعتمادات الإضافية المفتوحة مرفقا بكل الإثباتات الضرورية عند الاقتضاء.
وفي نفس السياق، نجد بأن القانون التنظيمي للمالية في النظام الفرنسي ينص في المادة 41 على أن مشروع قانون المالية السنوي لا يمكن الشروع في مناقشته من طرف الجمعية الوطنية قبل تصويتها من خلال القراءة الأولى على قانون التصفية المتعلق بالسنة السابقة على مشروع قانون المالية. وهو مقتضى لم يتضمنه القانون التنظيمي المغربي الجديد رغم أهميته.
إن نص المادة 41 من قانون التنظيمي الفرنسي تعتبر بمثابة شرط له أهمية كبيرة من الناحية العملية، بحيث يجبر الحكومة على تقديم قانون التصفية في مواعيد مناسبة، من أجل أن يطلع عليه البرلمان في أقرب وقت وكذا التصويت عليه، تحت طائلة الشروع في مناقشة مشروع قانون المالية السنوي وهذا ما لا يخدم الحكومة. كما أن هذه المادة من جهة أخرى لا تتضمن إلزام الحكومة على تقديم قانون التصفية للبرلمان فحسب، وإنما تتضمن أيضا إلزام البرلمان على التصويت عليه، فإذا أراد البرلمان مباشرة مهمته في الرقابة على النفقات العمومية عن طريق التصويت على قانون المالية السنوي، عليه أولا مباشرة هذه المهمة عن طريق التصويت على قانون التصفية. إن وجود مثل هذا الشرط في التشريع المغربي قد يلعب دور رئيسي في معالجة تأخر تقديم قوانين التصفية.
بالإضافة إلى ما سبق، تضمن القانون التنظيمي الجديد مقتضيات جديدة تتعلق بحق التعديل البرلماني في المجال المالي وتغيير قواعد التصويت على قانون المالية، وهو ما سوف نتناوله في الفرع الثاني.
الفرع الثاني: توسيع حق التعديل البرلماني و مراجعة مسطرة التصويت على قانون المالية
تضمن القانون التنظيمي الجديد للمالية فيما يخص التعديلات التي تخص الاعتمادات، تعريف مفهوم ” التكليف العمومي” بأنه ” الفصل” وتنص المادة 56 على أنه:« طبقا لأحكام الفقرة 2 من الفصل 77 من الدستور، للحكومة أن ترفض، بعد بيان الأسباب، المواد الإضافية أو التعديلات الرامية إما إلى تخفيض الموارد العمومية وإما إلى إحداث تكليف عمومي أو الزيادة في تكليف موجود. يراد بالتكليف العمومي فيما يخص المواد الإضافية أو التعديلات، الاعتمادات المفتوحة برسم الفصل. يمكن داخل نفس الفصل، إدخال مواد إضافية أو تعديلات مبررة ومصحوبة بالتقويمات الضرورية لأهداف ومؤشرات البرامج المعنية والتي من شأنها الزيادة أو التخفيض في الاعتمادات المتعلقة ببرنامج معين وذلك في حدود الاعتمادات المفتوحة برسم هذا الفصل. ترفض التعديلات المخالفة لأحكام هذا القانون التنظيمي. فيما عدا ذلك يجب أن يتم تعليل كل مادة إضافية أو كل تعديل « .
هذا الإجراء سيمكن البرلمانيين من القيام، داخل فصل معين بتعديلات للزيادة أو النقصان من الاعتمادات المتعلقة ببرنامج معين في حدود الاعتمادات المرصودة للفصل، ويجب تعليل الفقرات أو التعديلات المضافة، وإرفاقها بالتغييرات الضرورية للأهداف والمؤشرات المتعلقة بالبرامج المعنية، كما أن الحكومة ملزمة بتعليل رفض المقترحات والتعديلات البرلمانية.[36] وبالتالي، يجب على الحكومة قبول كل التعديلات داخل نفس الفصل والتي تكون على شكل إعادة توزيع للإعتمادات المرصودة بين البرامج في حدود الغلاف المالي المتوقع لهذا الفصل[37]، وفي نفس الوقت إلزام البرلمانيين بالأخذ بعين الاعتبار تأثير التعديلات المقترحة[38] على الأهداف ومؤشرات قياسها.
وفي هذا الإطار، فإن كل قطاع وزاري سيكون ملزما بتقديم المشروع السنوي لنجاعة الأداء للبرلمان الذي يرافق مشروع ميزانية القطاع[39]، ويُفصل هذا التقرير محتوى برامج ومشاريع القطاع الوزاري ويقدم التبرير إلى أقصى حد ممكن للنفقات، كما يفصل أهداف البرامج ومؤشرات قياس النتائج ويشرح طريقة احتسابها، وهي معلومات ستساعد البرلمانيين في ممارسة حق التعديل، مع الأخذ بعين الاعتبار التأثير على الأهداف والمؤشرات المتعلقة بالبرامج المعنية.
ومن أجل تحقيق الشفافية في الميزانية العامة للدولة وترشيد أحسن لتوظيف الموارد، نص القانون التنظيمي للمالية ( المادة 43) على إرفاق قانون المالية بمذكرة حول النفقات المتعلقة بالتكاليف المشتركة، كما أطر اللجوء إلى التكاليف المشتركة[40] حيث ينص على أن فصل التكاليف المشتركة، لا يمكن أن يتضمن إلا التكاليف التي لا يمكن إدراجها ضمن ميزانيات القطاعات الوزارية أو المؤسسات. وقد تضمن هذا القانون على إدراج مساهمات الدولة في إطار أنظمة الضمان الاجتماعي والتقاعد داخل فصل نفقات الموظفين بميزانيات القطاعات الوزارية[41]، وذلك انطلاقا من السنة الخامسة التي تلي سنة دخول القانون التنظيمي الجديد حيز التنفيذ.
وكباقي فصول الميزانية، فإن القانون التنظيمي الجديد، يمنع إضافة أي مخصصات أخرى لفصل التحملات المشتركة غير مأذون بها في قانون المالية، ولا يمكن فتح اعتمادات إضافية إلا في حالة ضرورة ملحة ذات مصلحة وطنية غير متوقعة، تطبيقا للفصل 70 من الدستور، ويتم إعلام اللجان المالية للبرلمان مسبقا بذلك.
ويوضح القانون التنظيمي الجديد للمالية (المادة 42) محتوى فصل النفقات الطارئة والمخصصات الاحتياطية، حيث ينص على أنه يفتح فصل النفقات الطارئة والمخصصات الاحتياطية، غير المرصدة لأي مرفق من المرافق فيما يتعلق بالباب الأول من الميزانية العامة، ويمكن أن تباشر اقتطاعات من الفصل المذكور في أثناء السنة للقيام بسد الحاجيات المستعجلة أو غير المقررة، حين إعداد الميزانية وذلك عن طريق اعتماد إضافي. وبالنظر إلى كون قانون المالية يضم النفقات غير المتوقعة، فإنه لا يمكن تقنيا إرفاق مشروع قانون المالية بملحق تفسيري حول محتوى فصل النفقات غير المتوقعة.
إن القواعد المالية الجديدة التي يتضمنها القانون التنظيمي الجديد للمالية سوف تمكن من تحكم أفضل بالميزانية و شفافية أكبر في تدبيرها، كما تمكن من إعادة الاعتبار للترخيص البرلماني وللرقابة البرلمانية، وتتمثل أهم القواعد في:
– تحديد سقف لترحيل اعتمادات الأداء لنفقات الاستثمار المفتوحة عبر قانون المالية للسنة، وذلك في حدود ثلاثين في المائة ( 30%) من اعتمادات الأداء المفتوحة بميزانية الاستثمار لكل قطاع وزاري أو مؤسسة برسم السنة المالية ( المادة63). وذلك من أجل تقوية الانضباط الموازناتي والرفع من سرعة انجاز نفقات الاستثمار، وتعزيز التدبير الأمثل للموارد المرخص بها حسب الاحتياجات المحددة في إطار النفقات على المدى المتوسط. مما سيعزز شفافية وصدق الميزانية حيث ستشكل الاعتمادات المرخص بها من طرف البرلمان الحد الأقصى على مستوى التنفيذ، كما أنه سوف يساهم في تحكم أفضل في التوازن الميزانياتي عبر فتح الإعتمادات في حدود القدرة الفعلية لتنفيذها، بالإضافة إلى ذلك، فإن هذا الإجراء لا يؤدي إلى تخفيض مجهود الاستثمار، بل سيساهم في تسريع تنفيذ نفقات الاستثمار ( تسريع تنفيذ الصفقات العمومية) وتحسين توزيعها على طول السنة.
– احترام التمييز بين نفقات الاستثمار ونفقات التسيير، حيث ينص القانون التنظيمي الجديد للمالية ( المادة 17 و المادة 38) على منع إدراج نفقات التسيير بميزانية الاستثمار، مما سيسمح بتحكم أفضل في نفقات التسيير ( الموظفين، المعدات و النفقات المختلفة)، التي ستصبح مدرجة بشكل كامل في باب نفقات التسيير، وتفعيل أفضل للإجراءات المتخذة لتقليص نمط عيش الإدارة، وضمان مزيد من الانسجام مع المحاسبة الوطنية، وكذا قدر أكبر من شفافية تدبير الميزانية.
– منع تجاوز موارد القروض لنفقات الاستثمار بالنسبة للميزانية العامة ( وهي قاعدة ذهبية معتمدة في ألمانيا وأثبتت نجاعتها)، وذلك بغية توجيه الدين العمومي لتمويل الاستثمار وتحسين شفافية الدين العمومي واستعمالاته وضمان تحكم أفضل فيه. ولن يكون من الممكن تجاوز هذه القاعدة إلا من أجل منع تدهور التوازن الاقتصادي والميزانياتي الذي ينبني عليه قانون المالية.[42]
– اعتماد الطابع ألتحديدي لنفقات الموظفين بدل الطابع التقديري، بحيث تنص المادة 59 من القانون التنظيمي الجديد على أنه:” لا تؤخذ بعين الاعتبار إلا الأحكام النظامية الخاصة بالموظفين والأعوان والمطبقة في تاريخ دخول قانون المالية للسنة حيز التنفيذ، والتي تم تقييم الاعتمادات المخصصة لها والإذن بها في قانون المالية المذكور”. كما تنص المادة 61 على أنه: ” لا يمكن إحداث مناصب مالية أو حذفها أو توزيعها ما بين القطاعات الوزارية أو المؤسسات إلا بموجب قانون المالية. يمكن أن يتم تحويل المناصب المالية خلال السنة وفق الإجراءات المحددة بنص تنظيمي. لا يمكن القيام خلال السنة بإعادة انتشار المناصب المالية إلا داخل نفس الفصل المخصص للموظفين والأعوان بالنسبة لكل قطاع وزاري أو مؤسسة معنية. يمكن القيام بإعادة انتشار المناصب المالية ما بين الفصول المخصصة للموظفين والأعوان بموجب قانون المالية”. نستنتج من خلال هذه المواد على أنه يشترط لتفعيل تدابير الأجور خلال السنة أن تكون موضوع توقع وترخيص في إطار قانون المالية للسنة المعنية، وأن إمكانية القيام بإعادة انتشار المناصب المالية بين القطاعات الوزارية تتم بموجب قانون المالية.
لقد تم اعتماد هذا المبدأ المالي من طرف الدول الرائدة في إصلاح الميزانية العامة مثل فرنسا من أجل التحكم في الميزانية، وهو مبدأ لا يضعف من آلية الحوار الاجتماعي بل يساهم في مأسستها وتقنينها، عبر ربط تفعيل تدابير مراجعة الأجور التي تنتج عنها بالترخيص البرلماني للاعتمادات المالية اللازمة في إطار قانون المالية للسنة المعنية، كما أن هذا الإجراء لا يحول دون اعتماد تدابير آنية ومستعجلة خلال السنة، وإنما يربط صرف الاعتمادات الناتجة عنها بالترخيص البرلماني في إطار قانون المالية للسنة المعنية.
– وفيما يخص الإنفاق العمومي، فإنه بالنظر لأهميته وتعدد المتدخلين فإن القانون التنظيمي للمالية نص على عدة تقارير تتناول الإنفاق العمومي من زوايا مختلفة وتتمثل هذه التقارير في: المذكرة التقديمية وتقارير حول قطاع المؤسسات والمنشات العامة، النفقات الجبائية، الحسابات الخصوصية للخزينة، مرافق الدولة المسيرة بصورة مستقلة، المساعدات العمومية، المقاصة، كتلة الأجور، النفقات العقارية و الاستثمار. ومن أجل إعطاء البرلمان صورة تركيبية ومجمعة للإنفاق العمومي في شموليته، فإن القانون التنظيمي الجديد للمالية نص كذلك على مرافقة مشروع قانون المالية بتقرير حول الحسابات المجمعة للقطاع العمومي.[43]
و بخلاف القانون التنظيمي السابق رقم 98-7 الذي حافظ على المسطرة التقليدية للتصويت، فإن القانون التنظيمي الجديد للمالية ينص على مراجعة طريقة التصويت على قانون المالية، من أجل تسهيل مسطرة التصويت وتبسيط قراءة الميزانية، وإدراج التصويت في إطار المقاربة العامة المبنية على فعالية ونجاعة النفقات العمومية، والتي يكرسها القانون التنظيمي الجديد، وذلك عبر تسليط الضوء على المجهود العام المبذول من طرف كل وزارة على حدة من أجل انجاز استراتيجياتها في علاقة بأهدافها المعلنة، فإنه يقترح ما يلي:
الاحتفاظ على الفصل كوحدة للتصويت البرلماني، وجعل التصويت متمحورا حول الوزارة، فبالنسبة لكل وزارة على حدة:
– يجري في شأن نفقات الميزانية العامة تصويت عن كل فصل ( الفقرة الأولى من المادة 55).
– يجري في شأن نفقات ميزانيات مرافق الدولة المسيرة بصورة مستقلة التابعة لوزارة أو مؤسسة تصويت إجمالي عن كل فصل. وتنص على ذلك الفقرة الثانية من المادة 55 من القانون التنظيمي الجديد على أنه: ” يجري في شأن نفقات ميزانيات مرافق الدولة المسيرة بصورة مستقلة تصويت إجمالي بحسب القطاع الوزاري أو المؤسسة التابعة لها هذه المرافق”. وينبغي التأكيد هنا، على أن إصلاح تدبير الميزانية المرتكز على النتائج، منح مرافق الدولة المسيرة بصورة مستقلة مزيدا من المسؤولية ومن تأسيس ثقافة جديدة في تدبير النفقات العمومية ترتكز على النتائج وتقديم الحسابات. وجعل من هذه المرافق آلية مهمة لانجاز الاستراتيجيات القطاعية على المستوى اللاممركز[44].
واشترط القانون التنظيمي الجديد تبرير إحداث ميزانية مرفق ما بتحقيق موارد متأتية من الخدمات التي تقدمها المصلحة المراد إحداث مرفق الدولة المسيرة بصورة مستقلة بها، وفي هذا الصدد تنص المادة 21 من القانون التنظيمي الجديد على أنه ” يجب أن تمثل الموارد الذاتية ابتداء من السنة المالية الثالثة الموالية لإحداث هذه المرافق، نسبة ثلاثين في المائة ( 30% ) على الأقل من إجمالي مواردها المأذون بها برسم قانون المالية للسنة المذكورة، وذلك بالنسبة لمرافق الدولة المسيرة بصورة مستقلة المحدثة ابتداء من فاتح يناير2016. وتحذف هذه المرافق في حالة عدم استيفاء هذا الشرط بموجب قانون المالية الموالي”.
ومن جهة أخرى، سوف يتم إعادة هيكلة ميزانيات مرافق الدولة المسيرة بصورة مستقلة لتتضمن نفقات تتعلق بانجاز برنامج أو مشروع أو عملية متجانسة ( المادة 24)، وتهدف هذه العملية إلى إبراز العلاقة بين الاعتمادات المرصدة للعملية أو البرنامج أو نشاط معين والنتائج المحددة والمنتظر انجازها بواسطة هذه الاعتمادات، على أن تكون هذه النتائج قابلة للقياس بواسطة مؤشرات للأهداف يتم تحديدها سلفا أثناء إعداد ميزانيات هذه المرافق.[45]
– يصوت على نفقات الحسابات الخصوصية للخزينة التابعة لهذه الوزارة أو المؤسسة بحسب كل صنف من أصناف هذه الحسابات ( الفقرة الثالثة من المادة 55). وعلاوة على ذلك، عرف الإطار القانوني للحسابات المرصودة لأمور خصوصية التي تعتبر من أهم أنواع الحسابات الخصوصية للخزينة، خلال العشرية الأخيرة، مجهودا لتحيينه وتكييفه للسماح لتلك الحسابات بالمساهمة أكثر في تنفيذ توجهات الحكومة، الهادفة إلى ضمان توزيع أفضل للموارد الذاتية والميزانية، وكذا ترشيد النفقات المبرمجة والمنجزة في إطار هذه الحسابات.
هذا التحيين للإطار القانوني[46] يتم بالموازاة مع حذف الحسابات الخصوصية التي لم يعد لوجودها داع، وإحداث حسابات جديدة ضرورية لتفعيل البرنامج الحكومي والبرمجة العملية المتعلقة به. وفي نفس السياق، نجد أن القانون التنظيمي الجديد ينص على أنه سيتم اعتماد نفس هيكلة الميزانية العامة بالنسبة للحسابات الخصوصية للخزينة (المادة 28) ومرافق الدولة المسيرة بصورة مستقلة (المادة 23)، كما تم تقليص عدد أصناف الحسابات الخصوصية للخزينة من 6 أصناف ( حسب القانون التنظيمي لسنة 1998) إلى 5 أصناف ( حسب القانون التنظيمي الجديد للمالية)، وذلك من خلال تجميع حسابات القروض و حسابات التسبيقات في صنف واحد وهو حسابات التمويل، وذلك لتشابه العمليات المدرجة في هذين الصنفين وخضوعهما لنفس قواعد ومساطر تنفيذها.
وعلى الرغم من أن المادة 27 من القانون التنظيمي الجديد حددت على سبيل الحصر أصناف الحسابات الخصوصية، إلا أن المادة ال26 رخصت في حالة الاستعجال والضرورة الملحة وغير المتوقعة، أن تحدث خلال السنة المالية حسابات خصوصية جديدة للخزينة، بموجب مرسوم تطبيقا لأحكام الفصل 70 من الدستور، ويتم إعلام اللجان المالية للبرلمان مسبقا بذلك، ويجب عرض هذه الحسابات الخصوصية الجديدة على البرلمان بقصد المصادقة في أقرب قانون للمالية[47].
بالإضافة إلى ما سبق، تضمن القانون التنظيمي الجديد للمالية مقتضيات تتعلق بإلغاء الحسابات الخصوصية للخزينة التي لم تعد الشروط التي سمحت بإحداثها قائمة، وإدراج مداخيلها ونفقاتها وأرصدتها في الميزانية العامة للدولة في إطار قانون المالية، وهذا المقتضى تنص عليه المادة 27 من هذا القانون.
كما نص هذا القانون على أنه قبل الشروع في تنفيذ نفقات الحسابات الخصوصية للخزينة، فإن الجهة الآمرة بصرف هذه النفقات مطالبة بوضع برنامج استعمال لهذه النفقات مؤشر عليه من طرف وزارة المالية ( مديرية الميزانية)، للتأكد من مطابقته للنص المحدث للحساب، إضافة إلى المراقبة التي تقوم بها مصالح الخزينة العامة للمملكة. وتشكل دراسة مشروع قانون المالية بالبرلمان، وذلك في إطار اللجان القطاعية، مناسبة سانحة لأعضاء البرلمان لمساءلة الوزراء[48] الذين يدبرون هذه الحسابات الخصوصية للخزينة، بهدف الوقوف على أهم العمليات المنجزة في إطار هذه الحسابات.
وتضمن القانون التنظيمي الجديد أيضا، التنصيص الصريح (الفقرة الثانية من المادة 27) على كون الحسابات الخصوصية، تزود بحصيلة رسوم وموارد مخصصة، وعند الإقتضاء بمبالغ مدفوعة من الميزانية، حيث يمكن أن تزود هذه الحسابات، بحصيلة الرسوم أو أداءات من الميزانية أو مداخيل خاصة. كما ينص (الفقرة الثالثة من المادة 27 ) على عدم إمكانية دفع مبالغ من حساب مرصد لأمور خصوصية، لفائدة حساب خصوصي أخر، أو مرفق للدولة مسير بصورة مستقلة، لكون الحساب الخصوصي إنما أنشئ لأهداف معينة، وبالتالي ينبغي أن يخدم هذه الأهداف، ولا يجب أن ترصد مبالغه لحساب أخر، أو لخدمة مرفق أخر.
وعلاوة على ذلك، نجد أن القانون التنظيمي الجديد للمالية، ألزم الحكومة بالإتيان بالمشاريع المبرمجة ( الفقرة الثانية من المادة 38)، في إطار الحسابات المرصودة لأمور خصوصية، والتي كان يطالب بها البرلمان، مع الميزانيات القطاعية المفروضة على القطاعات الوزارية، لكون هذه العملية تعطي ميكانيزمات الترشيد للحسابات الخصوصية، وكذا الإبقاء على دورها والأهداف التي أحدثت من أجلها، حتى لا يتم تحويل مواردها من حسابات خصوصية إلى حسابات خصوصية أخرى.
وعليه، نجد بأن القانون التنظيمي الجديد للمالية تضمن كيفية التصويت على الحسابات الخصوصية، وأيضا حصر أصناف الحسابات الخصوصية، إلا أنه لم يتطرق إلى أهم إشكال تطرحه الحسابات الخصوصية للخزينة، ألا وهو تحديد واضح لطبيعة الحسابات الخصوصية للخزينة. في الحقيقة، لا تستحق الحسابات الخصوصية أن تدرج ضمن ما يعرف إعلاميا بـ”الصناديق السوداء” لأن قيمتها معروفة، مشكلة الحسابات الخصوصية تتعلق فقط بعدم مراقبة البرلمان لطريقة صرفها، نظرا لخفة المساطر الإدارية المتبعة في صرف مخصصاتها، وتعتبر هذه الحسابات في أعراف المالية العمومية آلية استثنائية يتم تفعيل العمل بها، بهدف تحقيق أكبر مستوى من المرونة في التدبير المالي للمشاريع والبرامج الحكومية المهيكلة التي لا تتحمل التأخير، ويخشى أن يكون غياب المرونة في صرف ميزانياتها عائقا أمام إنجازها في الآجال المحددة، كالميزانيات التي ترصد مثلا لمواجهة الكوارث الطبيعية. [49]
المطلب الثاني: التطبيق التدريجي للإصلاح مع ربط المسؤولية بالمحاسبة للقائمين على تدبير المالية العمومية
إن المنظور الجديد الذي أتى به القانون التنظيمي للمالية يعتمد على توسيع صلاحية المدبرين مقرونة بالمساءلة والمحاسبة لإضفاء مزيد من الفعالية ( الفرع الأول). كما يعتمد هذا الإصلاح على تطبيق هذا القانون بكيفية تدريجية (الفرع الثاني) من أجل تحقيق أكبر قدر من النجاعة.
الفرع الأول: توسيع صلاحية المدبرين في استعمال الاعتمادات مقرونة بالمساءلة والمحاسبة
ينص القانون التنظيمي الجديد للمالية على توسيع صلاحية المدبرين في استعمال الاعتمادات الموضوعة رهن إشاراتهم، بحيث سيتم منح للآمرين بالصرف والآمر بالصرف المساعد الحرية التامة في توزيع الاعتمادات داخل نفس المشروع وبين المشاريع داخل نفس البرنامج وبنفس الجهة.
كما أنه سيكون بإمكان المدبرين إعادة توزيع الاعتمادات بين جهات نفس البرنامج، لكن بعد الموافقة المسبقة للوزير المكلف بالمالية وذلك نظرا لأن هذه العمليات ستؤثر على التوازن في توزيع الاعتمادات بين الجهات. وستتاح للمدبرين إمكانية إعادة التوزيع بين البرامج بعد الموافقة المسبقة للوزير المكلف بالمالية وفي حدود سقف معين.
وعليه سوف يخصص لكل برنامج غلاف مالي محدد بأهداف ومؤشرات واضحة، وسيترك للمدبرين نوع من الليونة في تحويل هذه الاعتمادات بين المشاريع كي يحقق الأهداف، أي ستكون لهم الحرية المطلقة للتصرف بين المشاريع داخل نفس الجهة ونفس البرنامج، وهذا ما سيسمح للحكومة بتغيير الأغلفة المالية بنفس المشروع.
أما التحويلات بين الجهات وبين البرامج، فستكون خاضعة لمراقبة وزارة الاقتصاد والمالية، وبذلك يفرق القانون التنظيمي الجديد للمالية بين التحويلات التي تتطلب تأشيرة وزارة المالية والتحويلات التي لا تطبق عليها ذلك.[50]
وتبعا لذلك، مقابل حرية التصرف هذه،[51] ينص القانون التنظيمي الجديد على ربط البرامج بأهداف واضحة يتحمل المدبرون مسؤولية تحقيقها، وترفق هذه الأهداف بمؤشرات مرقمة لقياس النتائج وذلك بغية قياس فعالية ونجاعة النفقات العمومية وتقييم المنجزات المحصل عليها.[52]
وسيكون لزاما على كل قطاع وزاري إدراج الأهداف والمؤشرات المرتبطة بها في تقرير قبلي يدعى “المشروع السنوي لنجاعة أداء الوزارة” يصحب الميزانية الوزارية المقدمة للنقاش في البرلمان( عوض استنساخ التجربة الفرنسية المتمثلة في إرفاق كل برنامج بوثيقتين)، ويفصل هذا التقرير الإستراتيجية الوزارية المتبعة ومحتوى البرامج والمشاريع المكونة لها وتنزيلها الجهوي، والبرمجة المتعددة السنوات للبرامج والأهداف المتوخاة بالنسبة لكل برنامج ومؤشرات النجاعة والفعالية الخاصة بالسنة المالية الموالية.
كما ستخضع كل الوزارات مرة كل ثلاث سنوات على الأقل، لإفتحاص نجاعة أداءها وستقدم تقارير هذه الافتحاصات للبرلمان، وذلك في إطار تفعيل المحاسبة وتقييم المنجزات على ضوء أهداف النجاعة والفعالية، بحيث يعين بكل قطاع وزاري أو مؤسسة مسؤول عن كل برنامج يعهد له بتحديد أهداف ومؤشرات القياس المرتبطة به وتتبع تنفيذه ( المادة 39).
ومن أجل تنزيل ملاءم لمنطق تدبير الميزانية على أساس النتائج، سيتم إبرام عقود الأهداف بين الوزراء والمدبرين المركزيين، كما أن المصالح المركزية للوزارات ستصبح مطالبة بإبرام ” عقود حول النتائج” مع مصالحها الخارجية، وتحدد هذه العقود مسؤولية كل طرف والأهداف المسطرة والنتائج المنتظرة ومؤشرات قياسها. وستكون المصالح الخارجية للوزارات ملزمة بإعداد تقرير سنوي حول النتائج المحققة لفائدة المصالح المركزية.
إن الحرية والشمولية الممنوحة للمدبرين تعطي لهم مرونة في تسيير الاعتمادات دون الدخول في التعقيدات والإجراءات اللازمة لطلب الموافقة البرلمانية والتي من شأنها أن تعيق البرامج والمشاريع، كما تساهم في تقوية روح المسؤولية لدى المدبرين يدفعهم للالتزام والانضباط في مجال تسيير برامجهم، ويترجم أداء أي برنامج أداء المدبر المسؤول عنه، وهو ما يمكن من تقييم نشاطات الحكومة أمام البرلمان والمواطنين.
وهكذا، فمسؤولية الآمر بالصرف ترتبط بالاختيارات الإستراتيجية عند اقتراح البرامج، والتي تترجمها الأهداف المحددة لكل برنامج وكذا مؤشرات انجاز البرنامج، وبذلك يتم الانتقال من مسؤولية تقوم على أساس احترام القواعد والمساطر القانونية إلى مسؤولية تقوم على جودة التدبير العمومي.
ويسمح هذا النوع من المسؤولية إلى تطوير علاقات التعاقد بين الوزراء والمصالح التابعة لهم المكلفة بانجاز البرامج، ويمكن أن تقود هذه المسؤولية حسب القانون التنظيمي للمالية الفرنسي لسنة 2001 إلى الاستماع إلى المسؤولين عن البرامج، من طرف لجنتي المالية بالبرلمان وبذلك يكون تواصل ما بين البرلمان ومسؤولين إداريين دون الاقتصار على التواصل مع الوزراء فقط، وبذلك يصبح الإداريون المسؤولون عن البرامج، مسؤولين أمام البرلمان دون الوزراء فقط، أي إلى علاقة مباشرة ما بين الموظف والبرلمان.[53]
الفرع الثاني: التطبيق التدريجي لمحاور الإصلاح دعامة لتعزيز المكتسبات و تصحيح الاختلالات
يعتبر التطبيق التدريجي لمحاور إصلاح القانون التنظيمي للمالية عاملا مهما لنجاحه، لذا يجب أن يتم تطبيق مختلف محاوره على مراحل تدريجية متتابعة، لتتمكن كل من الإدارة والمسيرين من التأقلم وحسن تطبيق هذه المحاور بما يخدم إستراتيجية الإصلاح وليس العكس.
إن تطبيق الإصلاح دفعة واحدة يؤدي إلى خلل في إستراتيجية التطبيق، كون الانتقال نحو واقع معين يرتبط دائما بتهيئة الظروف والمناخ الملاءم، فإن أفضل سيناريو للوصول إلى تطبيق سليم للإصلاح، هو العمل على تطبيقه بكيفية تدريجية، بما يتماشى والظروف المحيطة بالإدارة العمومية ومالية الدولة.
الأمر الذي يتطلب وضع منهجية وطريقة محكمة في التصور والرؤية، فالانتقال من وضع قائم على منطق الوسائل واستهلاك الاعتمادات فقط، إلى منطق قائم على النتائج والمحاسبة، يتطلب منظورا شموليا يهدف إلى وضع منظومة موحدة لمواجهة مختلف العوائق التي يمكن أن تواجه تطبيق هذا الإصلاح.
لهذا، نجد بأن المغرب حاول هذه المرة اعتماد رزنامة طويلة المدى لإرساء مختلف عناصر الإصلاح بشكل تدريجي، إذ سيتم تطبيق مقتضيات هذا القانون بكيفية تدريجية، لتتمكن كل من الإدارة والمسيرين من التأقلم وحسن تطبيق هذه المحاور بما يخدم إستراتيجية الإصلاح وليس العكس، إن تطبيق الإصلاح دفعة واحدة يؤدي إلى خلل في إستراتيجية التطبيق، كون الانتقال نحو واقع معين يرتبط دائما بتهيئة الظروف والمناخ الملاءم. والأخذ بعين الاعتبار القدرات التدبيرية للإدارة العمومية، وتوفير الشروط المواكبة اللازمة لتنزيله بشكل ناجح.[54]
وعليه، سيتم تنزيل مقتضيات هذا القانون على مدى أربع سنوات، وذلك على الشكل التالي:
– فاتح يناير2017: تطبيق المادة 58 التي تنص على مبدأ محدودية الاعتمادات المدرجة في الفصل المخصص للموظفين والأعوان بالنسبة لكل قطاع وزاري أو مؤسسة.
– فاتح يناير2018: تطبيق الفقرة 2 من المادة 31 التي تنص على أن الدولة تقوم بمسك محاسبة عامة إلى جانب المحاسبة الميزانياتية، كما سيتم تطبيق البند الثاني من المادة 38 والمواد 39، 40، و41 المرتبطة به، والتي تؤسس لإعادة هيكلة تبويبات الميزانية من أجل الانتقال من مقاربة للنفقات مرتكزة على الوسائل إلى ميزانية مرتكزة على النتائج، في برامج منقسمة إلى مشاريع أو عمليات. في هذه السنة أيضا سيتم تطبيق الفقرة الثانية من المادة 63، التي تحدد القاعدة المتعلقة بترحيل اعتمادات الاستثمار في حدود سقف 30% من اعتمادات الأداء المفتوحة، بميزانية الاستثمار لكل قطاع وزاري أو مؤسسة.
– فاتح يناير2019: تطبيقا لمادة الخامسة التي تؤسس لاعتماد برمجة ميزانياتية لثلاث سنوات في إعداد قانون المالية للسنة، والتي سيعرضها الوزير المكلف بالمالية أمام لجنتي البرلمان المكلفتين للمالية بموجب المادة 47 من هذا المشروع. هذه البرمجة تقدم كذلك قصد الإخبار للجان البرلمانية المعنية، رفقة مشاريع القطاعات الوزارية أو المؤسسات وذلك بموجب الفقرة الاخيرة من المادة 48. وكذلك تطبيق المادتين 21 و27 بشأن حذف الحسابات المرصدة لأمور خصوصية ومرافق الدولة المسيرة بصورة مستقلة في حالة عدم استيفاء شروط الإحداث.
– فاتح يناير2020: تطبيق أحكام المادة 15 التي تقوم بإدراج مساهمات الدولة في إطار أنظمة الاحتياط الاجتماعي والتقاعد داخل الفصل المخصص للموظفين والأعوان. كما ستعرف هذه السنة أيضا تطبيق الفقرة الرابعة والخامسة من المادة 31، المتعلقة بمصادقة المجلس الأعلى للحسابات على مطابقة حسابات الدولة للقانون وصدقيتها، وكذا المادة 66 التي تحدد الوثائق الإضافية المرافقة لمشروع قانون التصفية، والمتمثلة في الحساب العام للدولة والتقرير السنوي حول نجاعة الأداء وتقرير افتحاص نجاعة الأداء.[55]
ولمتابعة عملية الإصلاح الميزانياتي ستعمل وزارة المالية على إحداث وحدة إدارية تابعة لها والتي ستتولى قيادة عملية الاصلاح، وسيتم تشكيل لجنتين وهما: لجنة الكتاب العامين تتولى القيادة الاستراتيجية للإصلاح، ولجنة على مستوى كل وزارة يترأسها مدير الشؤون المالية وتتكون من المدراء المركزيين تعهد لها إدارة هذا المشروع داخل الوزارة.[56]
ومن تم، فإن نجاح إصلاح المالية العامة لا يتوقف عند تنفيذ مقتضيات ومضامين القانون التنظيمي للمالية، وإنما العمل على متابعة ومراقبة كيفية تطبيقه من طرف مختلف الفاعلين، ومن هنا يبرز دور وزارة المالية في متابعة ومراقبة تنفيذ مقتضيات هذا القانون، وتحديد درجات نجاح أو فشل الفاعلين في تطبيق محاوره والنتائج المتوخاة منه.
الخاتمة:
يتطلب تنفيذ مقتضيات القانون التنظيمي الجديد للمالية، التكامل والتنسيق بين مختلف الفاعلين على مستوى المالية العامة وذلك ضمانا لنجاح هذا الإصلاح، كما يعتبر عامل السرعة في إحراز نتائج ملموسة، عنصرا حاسما للحيلولة دون تعثر الإصلاح، وفقدان الحافز لدى الفاعلين والمستفيدين، ومن شأن الفعالية والسرعة في إنجاز الإصلاح، أن تؤدي إلى إضفاء مصداقية أكبر للإصلاح على اعتبار أن حسن تدبير الوقت يدخل ضمن أسس الحكامة الجيدة.
[1] – الظهير الشريف رقم 1.15.62 الصادر في 14 من شعبان 1436/ 2 يونيو 2015، بتنفيذ القانون التنظيمي رقم 130.13 لقانون المالية، الجريدة الرسمية عدد 6370 الصادرة في فاتح رمضان 1436/ 18 يونيو 2015، ص: 5810.
[2] – تنص المادة 5 على أنه: ” يتم إعداد قانون المالية للسنة استنادا إلى برمجة ميزانياتية لثلاث سنوات. وتحين هذه البرمجة كل سنة لملاءمتها مع تطور الظرفية المالية والاقتصادية والاجتماعية للبلاد. تهدف هذه البرمجة على الخصوص إلى تحديد تطور مجموع موارد وتكاليف الدولة على مدى ثلاث سنوات اعتمادا على فرضيات اقتصادية ومالية واقعية ومبررة. يحدد مضمون هذه البرمجة وكيفيات إعدادها بنص تنظيمي”. وتجدر الإشارة هنا، على أنه تساءل أعضاء مجلس النواب عند مناقشتهم للمادة 5 حول الغاية من إعداد قانون المالية للسنة، إستنادا إلى برمجة ميزانياتية لثلاث سنوات وليس ل خمس سنوات، معتبرين أن البرمجة المتعددة السنوات هي برمجة مهمة وأساسية، وأشاروا إلى أن البرمجة إستنادا لخمس سنوات ستمكن من ترجمة التوجهات الإستراتيجية للحكومة، وفق ما هو مسطر في البرنامج الحكومي، بخلاف البرمجة الميزانياتية لثلاث سنوات، حيث يمكن أن تتجاوز مدة ولاية الحكومة، وبالتالي سنكون أمام وضع تلزم فيه الحكومة المنتهية ولايتها و تلك التي تليها.
– المناقشة التفصيلية لمواد مشروع قانون تنظيمي رقم 130.13 لقانون المالية، تقرير لجنة المالية و التنمية الاقتصادية حول مشروع قانون تنظيمي رقم 130.13 لقانون المالية، سنة 2014، ص: 6.
[3] – جواب وزير الاقتصاد و المالية على تدخلات النواب، في إطار المناقشة العامة لمشروع القانون التنظيمي 130.13 لقانون المالية، أمام لجنة المالية و التنمية الاقتصادية، مجلس النواب، سنة 2014، ص: 42.
[4]– Cadre de dépenses à moyen terme (CDMT), Guide méthodologique, Direction du budget, Ministère des finances et de la privatisation, Royaume Maroc, p : 3.
[5]– Guide d’audit des programmes, Le comité interministériel d’audit des programmes (CIAP), France, décembre 2006, p : 6 – 12.
[6] – تنص الفقرة الأخيرة من المادة 48 من قانون تنظيمي الجديد للمالية على أنه: ” تقدم للجان البرلمانية المعنية، قصد الإخبار، رفقة مشاريع ميزانيات القطاعات الوزارية أو المؤسسات، البرمجة متعددة السنوات لهذه القطاعات الوزارية أو المؤسسات وكذا للمؤسسات العمومية و المقاولات العمومية الخاضعة لوصايتها والمستفيدة من موارد مرصدة أو إعانات من الدولة”. كما تنص المادة 47 على أنه: ” يعرض الوزير المكلف بالمالية على اللجنتين المكلفتين بالمالية بالبرلمان قبل 31 يوليو، الإطار العام لإعداد مشروع قانون المالية للسنة الموالية. ويتضمن هذا العرض: …… البرمجة الميزانياتية الإجمالية للدولة لثلاث سنوات. يكون هذا العرض موضوع مناقشة دون أن يتبعها تصويت.”
[7] – التقرير الجوابي على مذكرات الفرق و المجموعة النيابية بخصوص مسودة مشروع القانون التنظيمي لقانون المالية ( غير منشور)، وزارة الاقتصاد و المالية، ص: 21.
[8] – تنص الفقرة الثانية من المادة 38 من القانون التنظيمي للمالية رقم 130.13 على أنه:” تقدم نفقات الميزانية العامة، داخل الأبواب، في فصول منقسمة إلى برنامج و جهات و مشاريع أو عمليات”.
[9] – جواب وزير الاقتصاد و المالية على تدخلات النواب في إطار المناقشة العامة لمشروع القانون التنظيمي رقم 130.13 لقانون المالية، مرجع سابق، ص: 43.
[10] – تجدر الإشارة هنا، على أن المشرع المالي استبعد استنساخ النموذج الفرنسي الذي تقسم فيه الميزانية إلى مهام Mission وكل مهمة تنقسم إلى برامج Programmes، والبرامج تنقسم بدورها إلى أنشطة Actions ويصوت البرلمان على الميزانية العامة حسب هذه الهيكلة على أساس المهمة، وذلك لطرحه عدة إشكالات منها: أن هذا التبويب يعتبر البرنامج كوحدة لتخصيص الميزانية، ولا يقدم للبرلمان توزيع اعتمادات البرامج بين التدخلات المكونة لها وكذا بين الأبواب إلا على وجه الاستئناس والإخبار(à titre indicatif )، وإذا كان المشرع الفرنسي يكتفي بالمعلومة المتعلقة بالمهام والبرامج فإنه أخذ بعين الاعتبار جودة التسيير وكذا القدرات التدبيرية للقطاعات الوزارية ودرجة نضجها. إلا أن اعتماد هذا النموذج ( الذي يعتبر البرنامج كوحدة لتخصيص الميزانية) في المغرب، سيطرح بالإضافة إلى الصعوبات التقنية لتطبيقه، صعوبات في التحكم في النفقات ومخاطر لسوء صرف الموارد العمومية وتوجيهها نحو تضخيم نفقات التسيير ونمط عيش الإدارة. ويبقى المعطى الأهم الذي ينتج عن هذه الهيكلة هو خلق مستوى إضافي لتبويب الميزانية أعلى من مستوى البرنامج يعتمد كوحدة للتصويت، وهذا الأخير ( أي البرنامج) يصبح الوحدة الجديدة لتخصيص الاعتمادات عوض السطر، وهو مستوى جد مرتفع قياسيا مع القدرات التدبيرية للإدارة المغربية، لذا فإن القانون التنظيمي الجديد ينص على أن المشروع هو وحدة التخصيص الجديدة للاعتمادات عوض البرنامج.
[11] – جواب وزير الاقتصاد و المالية على تدخلات النواب في إطار المناقشة العامة لمشروع القانون التنظيمي رقم 130.13 لقانون المالية، مرجع سابق، ص: 43.
[12] – المناقشة التفصيلية لمواد مشروع قانون تنظيمي رقم 130.13 لقانون المالية، مرجع سابق، ص: 30.
[13] – عسو منصور، التوزيع الجهوي للاستثمارات العمومية في قانون مالية سنة 2010، المجلة المغربية للمالية العمومية، عدد 1، أبريل 2010، ص: 50.
[14] – D.TOMMASI, Gestion des dépenses publiques dans les pays en développement : Un outil au service du financement des politiques publiques Quelques exemples dérivés du modèle français, Agence Française de Développement, août 2010, p : 57-66.
[15] – A.BUZELAY, D’une budgétisation par à une budgétisation par objectifs : application à la loi organique relative aux lois de finances (LOLF) instaurée en France, Revue marocaine d’audit et de développement, n° 28, 2009, p: 79.
[16] Encyclopédie de l’économie et de la gestion, op cit, p : 500.
[17] – مجلة المالية، تصدر عن وزارة الاقتصاد والمالية، عدد 18، نونبر 2012، ص: 16.
[18]– H-M.CRUCIS, La sincérité des lois finances : nouveau principe de droit budgétaire, JCP, 2000, p : 1359.
[19] – Décision n° 93-320 DC du 21 juin 1993, loi de finances rectificatives pour 1993.
[20] – L’article 32 de la Loi organique relative aux lois de finances en France indique que : «Les lois de finances présentent de façon sincère l’ensemble des ressources et des charges de l’Etat. Leur sincérité s’apprécie compte tenu des informations disponibles et des prévisions qui peuvent raisonnablement en découler ».
– l’article 27 de la Loi organique relative aux lois de finances en France indique que : «Les comptes de l’Etat doivent être réguliers, sincères et donner une image fidèle de son patrimoine et de sa situation financière ».
[21] – Décision n° 2001-448 DC du 25 juillet 2001, loi organique relative aux lois de finances.
[22] – يحي دنيدني، المالية العمومية، مطبعة دار الخلدونية، بدون طبعة، الجزائر، سنة 2010، ص:80.
[23] – و هو ما أكده المجلس الدستوري بحيث يرى:
-« La sincérité se caractérise par l’absence d’intention de fausser les grandes lignes de l’équilibre déterminé par la loi de finances ».
* Décision n° 2001-448 DC du 25 juillet 2001.
[24] – Dans sa décision n° 2001-448 DC, le Conseil constitutionnel indique que : « La sincérité de la loi de règlement s’entend en outre comme imposant l’exactitude des comptes ».
[25] – F. Luchaire, La loi organique relative aux lois de finances devant le conseil constitutionnel, Revue de droit public, 2001, p : 1464.
[26] – نجد أن مبدأ المصداقية يستخدم من جانب المجلس الدستوري الفرنسي بوصفه دعامة للمبادئ التقليدية لقانون المالية، و ليس بوصفه مبدأ متميزا من مبادئ قانون المالية، و يظهر تطبيق هذا المبدأ بشكل خاص لتدعيم مبدأي عمومية الميزانية و وحدتها.
– أنظر: قرار المجلس الدستوري الفرنسي :
. Décision n° 405 DC du 29 décembre 1998 / – Décision n°442 du 28 décembre 2000
[27] – محمد عبد اللطيف، الأسس الدستورية لقوانين الميزانية، لجنة التأليف و التعريب و النشر، جامعة الكويت، الطبعة الأولى، 2007.، ص: 196.
[28] – L.PANCRAZI, op cit, p : 342.
[29] – كان من شأن اعتماد التقرير المتعلق بالإعانات العمومية أن يساهم في تحديد من يستفيد من النظام المعقد و المتنوع للإعانات العمومية.
[30] – كانت المادة 49 من النسخة الأولى للقانون التنظيمي الجديد تنص على أنه:” يبت مجلس النواب في مشروع قانون المالية للسنة داخل أجل سبعة وعشرين (27) يوما الموالية لتاريخ إيداعه. تعرض الحكومة، فور التصويت على المشروع أو عند انصرام الأجل المنصوص عليه في الفقرة السابقة، على مجلس المستشارين النص الذي تم إقراره أو النص الذي قدمته في أول الأمر مدخلة عليه إن اقتضى الحال التعديلات المصوت عليها في مجلس النواب و المقبولة من طرف الحكومة. يبت مجلس المستشارين في المشروع داخل أجل أربعة وعشرين ( 24) يوما الموالية لعرضه عليه. يقوم مجلس النواب بدراسة التعديلات المصوت عليها من طرف مجلس المستشارين ويعود له البت النهائي في مشروع قانون المالية في أجل لا يتعدى سبعة (7) أيام”.
[31] – المناقشة التفصيلية لمواد مشروع القانون التنظيمي رقم 130.13 لقانون المالية، مرجع سابق، ص: 32.
[32] – عرض وزير الاقتصاد والمالية أمام لجنة المالية والتنمية الاقتصادية بمجلس النواب، حول مشروع قانون تنظيمي رقم 13. 130 لقانون المالية، مرجع سابق، ص: 32.
[33] – L’article 53 indique que : «Sont joints à tout projet de loi de finances rectificative :
1° Un rapport présentant les évolutions de la situation économique et budgétaire justifiant les dispositions qu’il comporte ;
2° Une annexe explicative détaillant les modifications de crédits proposées ;
3° Des tableaux récapitulant les mouvements intervenus par voie réglementaire et relatifs aux crédits de l’année en cours. »
[34] – التقرير الجوابي على مذكرات الفرق و المجموعة النيابية، مرجع سابق، ص: 18-19.
[35] – تخضع كل الوزارات مرة كل ثلاث سنوات على الأقل لافتحاص يعمل على تقييم الأداء و خصوصا فيما يتعلق ب: تقييم نظام المراقبة الداخلية من خلال التأكد من تطوير المساطر الإدارية وفق منطق النجاعة و الفعالية، و كيفية تدبير الوسائل و تسهيل نظام المعلومات. تحليل البرامج عن طريق التأكد من ترجمة الإستراتيجيات القطاعية إلى برامج، و معرفة هيكلة البرامج، و وضوح الأهداف و المؤشرات. تحليل المؤشرات و تتبع النتائج من خلال التأكد من ملاءمتها و مصداقية المؤشرات، و أشكال جمع و معالجة المعطيات، و تقييم محتوى التقرير السنوي حول نجاعة الأداء. و في الأخير يتم إحالة تقارير افتحاص الأداء على البرلمان رفقة مشروع قانون التصفية.
– عرض وزير الاقتصاد و المالية أمام لجنة المالية و التنمية الاقتصادية بمجلس النواب، حول مشروع قانون تنظيمي رقم 13. 130 لقانون المالية، سنة 2014، ص:17.
[36] – عرض وزير الاقتصاد والمالية أمام لجنة المالية والتنمية الاقتصادية بمجلس النواب، حول مشروع قانون تنظيمي رقم 13. 130 لقانون المالية، سنة 2014، ص: 34.
[37] – تنص المادة 45 من القانون التنظيمي الجديد للمالية على أنه: « لا يجوز تحويل الاعتمادات ما بين الفصول. يمكن القيام بتحويلات للإعتمادات داخل نفس البرنامج وما بين البرامج داخل نفس الفصل، وفق الشروط وحسب الكيفيات المحددة بنص تنظيمي”.
[38] – حسب وزير المالية والاقتصاد فإن القانون التنظيمي الجديد للمالية يكرس تكافئا بين السلطتين التشريعية والتنفيذية فيما يتعلق بالتعديل، بحيث أن ترخيص البرلمان يكون عن كل باب ( ميزانية التسيير، ميزانية الاستثمار والدين)، وداخل كل باب هنالك عدد من الفصول، فالتصويت يكون إذن عن كل باب وعن كل فصل داخل كل باب، وبذلك لا يصح للحكومة أن تعدل ما صادق عليه البرلمان، لكن بالمقابل يمكن لها أن تعدل داخل الفصول طبقا للمادة 45، كما للبرلمان الحق في تقديم تعديلا لكن وفق شروط تحددها المادة 56 من القانون التنظيمي الجديد للمالية. فالحكومة تتقدم ببرامج وبأهداف ومؤشرات قياسها، لذلك فإن البرلمان مطالب هو بدوره بأن يقدم، عند تقديمه تعديلا معينا، أهدافا ومؤشرات تسمح بقياس هذه الأهداف، وهذه الغاية من التعريف الذي أعطاه القانون التنظيمي الجديد للتكليف العمومي. ومن تم فإن دور البرلمان في تقديم التعديلات يحفظه الدستور وينظمه القانون التنظيمي للمالية.
– المناقشة التفصيلية لمواد مشروع قانون تنظيمي رقم 130.13 لقانون المالية، مرجع سابق، ص: 31.
[39] – يجب أن تتضمن التقارير القطاعية للنجاعة التوقعات الخاصة بكل وزارة، من حيث ربطها بالانجازات والأهداف التي حققتها، بالاضافة إلى تجميع هذه التقارير في تقرير إجمالي للنجاعة. وهذه التقارير يجب أن تعد من طرف المصالح المختصة بالوزارات ( المفتشيات العامة). فوزارة المالية تعد، بالاضافة إلى التقرير الإجمالي للنجاعة السالف الذكر، تقريرا سنويا إجماليا انطلاقا من التقارير السنوية، بالإضافة إلى تقرير افتحاص الأداء، تعده المفتشية العامة للمالية.
[40] – جواب الوزير المنتدب المكلف بالميزانية حول ملاحظات المجلس الأعلى للحسابات، خلال مناقشة العرض الذي تقدم به أمام البرلمان الرئيس الأول للمجس الأعلى للحسابات حول أعمال المحاكم المالية، البرلمان، 23 يونيو 2014، ص: 5.
[41] – عرض وزير الاقتصاد و المالية حول مشروع قانون تنظيمي رقم 130.13 لقانون المالية، مرجع سابق، ص: 23.
[42] – تنص المادة 20 من القانون التنظيمي الجديد للمالية على أنه:” لأجل الحفاظ على توازن مالية الدولة المنصوص عليه في الفصل 77 من الدستور، لا يمكن أن تتجاوز حصيلة الاقتراضات، مجموع نفقات الاستثمار وسداد أصول الدين برسم السنة المالية. ويمكن للحكومة القيام بالعمليات الضرورية لتغطية حاجيات الخزينة”.
[43] – التقرير الجوابي على مذكرات الفرق و المجموعة النيابية ، مرجع سابق، ص: 47.
[44] – تقرير حول المرافق المسيرة بصورة مستقلة المرافق لمشروع قانون المالية لسنة 2011، ص:1.
[45] – تقرير حول المرافق الدولة المسيرة بصورة مستقلة المرافق لمشروع قانون المالية لسنة 2014، ص: 2.
[46] – أنظر: تقارير حول الحسابات الخصوصية للخزينة لسنوات: 2013، 2014، 2015.
[47] – اعتبر أعضاء مجلس النواب في إطار مناقشتهم لمحاور مشروع قانون المالية داخل لجنة المالية والتنمية الاقتصادية، على أن محتوى المادة 26 سيؤدي إلى إغفال دور البرلمان، على اعتبار أن شرط الإحداث عن طريق مراسيم سيؤدي إلى خلق مؤسسة دون استشارة السلطة التشريعية، التي لها دور رقابي على تدبير المالية العامة. في حين أكد وزير المالية في إطار جوابه على تساؤلات النواب حول الحسابات الخصوصية للخزينة، على أن إحداث الحسابات الخصوصية للخزينة بمراسيم هو إجراء إستثنائي في السنوات الأخيرة، بحيث لا يتم إلا من خلال قانون المالية، بالإضافة إلى ضرورة الإخبار المسبق للجنتين المكلفتين بالمالية في البرلمان، وهذا الإخبار فيه مساءلة للحكومة في حالة ما إذا أخطأت من جهة، ومن جهة أخرى مجبرة على الحضور لدى اللجان، من أجل تبيان أوجه الإستعجال، والضرورة المنصوص عليها في القانون ( في حالة الإستعجال أو الضرورة الملحة).
– أنظر: المناقشة التفصيلية لمواد مشروع قانون تنظيمي رقم 130.13 لقانون المالية، مرجع سابق، ص: 19-20.
[48] – جواب وزير الاقتصاد والمالية على تدخلات النواب في إطار المناقشة العامة لمشروع القانون التنظيمي رقم 130.13 لقانون المالية أمام لجنة المالية والتنمية الاقتصادية، مرجع سابق، ص: 45.
[49] – لا توجد فوارق كبيرة من حيث التصور العام للحسابات الخصوصية بين المغرب وفرنسا، لكن ثمة فرقا جوهريا يتمثل في اعتماد الحكومة الفرنسية منذ بضع سنوات على المعيار الخاص لنشر المعطيات، مع إعمال مبدأ الاستحقاق في توزيع الاعتمادات المالية لهذه الحسابات على مختلف القطاعات، ولقد تمكنت فرنسا بفضل معيار نشر المعطيات واعتماد مبدأ الاستحقاق وتعزيز الرقابة البرلمانية، من ترشيد كثير من نفقات الحسابات الخصوصية.
[50] – المناقشة التفصيلية لمواد مشروع قانون تنظيمي رقم 130.13 لقانون المالية، مرجع سابق، ص: 31.
[51] -“تعني ثنائية الحرية و المسؤولية و هي ما يطلق عليه مصطلح la fongibilité ، تزويد المسير بغلاف مالي إجمالي في إطار تسييره لبرنامجه و إعطاءه تفويضا بالسلطة للتسيير و التصرف في هذا المبلغ الإجمالي، و يعني هذا المصطلح أن تكون الاعتمادات قابلة للتحريك من عنوان إلى أخر من عناوين البرامج دون الحاجة إلى شكليات و دون أن تكون موضوع رخصة ميزانية autorisation budgétaire .”
[52]– جواب وزير الاقتصاد و المالية على تدخلات النواب في إطار المناقشة العامة لمشروع القانون التنظيمي رقم 130.13 لقانون المالية، مرجع سابق، ص: 44.
[53] – B.CHEVAUCHEZ, Réforme de l’Etat les perspective ouverte par LOLF, Cahier Français, n° 329, novembre-décembre 2005, p : 24.
[54] – جواب وزير الاقتصاد و المالية على تدخلات النواب، في إطار المناقشة العامة لمشروع القانون التنظيمي رقم 130.13 لقانون المالية، أمام لجنة المالية و التنمية الاقتصادية، سنة 2014، ص: 41.
[55] – المناقشة التفصيلية لمواد مشروع قانون تنظيمي رقم 130.13 لقانون المالية، مرجع سابق، ص: 47.
[56] – جواب وزير الاقتصاد و المالية على تدخلات النواب، في إطار المناقشة العامة لمشروع القانون التنظيمي رقم 130.13 لقانون المالية، مرجع سابق، ص: 42.