الشرعية الدستورية للحريات العامة وحقوق الإنسان بالمغرب
ـــ قراءة في دستور فاتح يوليوز 2011 ـــ
عزيز باكوبة
طالب باحث في العلوم السياسية
استاذ زائر بكلية العلوم القانونية والقتصادية والاجتماعية عين الشق الدارالبيضاء
تقديم :
إذا كانت الحقوق و الحريات العامة بالمغرب في قلب المسألة الدستورية منذ أول دستور للملكة لـ 1962، إلا أن هذه الحقوق و الحريات عرفت تطورا ملحوظا مع دستور فاتح يوليوز 2011 الذي رسخ لدولة الحق و المؤسسات الديمقراطية بتوسيعه مجال الحريات الفردية و الجماعية و ضمان ممارستها، و تعزيز منظومة حقوق الإنسان بكل أبعادها، السياسية و الإقتصادية و الإجتماعية و التنموية و الثقافية و البيئية، ولاسيما بدسترة التوصيات الوجيهة لهيأة الإنصاف و المصالحة و الإلتزامات الدولية للمغرب.
و إذا كان دستوري 1992 و 1996 قد اعترفا في ديباجتهما بحقوق الإنسان كما هو متعارف عليها عالميا، فإن دستور فاتح يوليوز 2011 لم يقف عند هذا الحد فحسب بل توسع في مجال الحقوق و الحريات و ضمان آليات حمايتها، مما جعل منه دستورا لحقوق الإنسان و ميثاقا لحقوق و واجبات المواطنة بحيث :
- نص صراحة على حماية منظومتي حقوق الإنسان و القانون الدولي الإنساني و النهوض بهما و الإسهام في تطويرهما، مع مراعاة الطابع الكوني لتلك الحقوق و عدم قابليتها للتجزيء.
- جعل المواثيق الدولية كما صادق عليها المغرب تسمو فور نشرها على التشريعات الوطنية مع ما يستلزم ذلك من العمل على ملائمة هذه التشريعات مع ما تتطلبه تلك المصادقة.
- مساواة الرجل و المرأة في الحقوق المدنية، و ذلك في نطاق احترام أحكام الدستور و قوانين المملكة المستمدة من الدين الإسلامي.
- تكريس المساواة بين الرجل و المرأة في كافة الحقوق السياسية و الإقتصادية و الإجتماعية و الثقافية و البيئية.
كما نص دستور 2011 على أهم حقوق الإنسان و يتعلق الأمر أساسا بـ :
- قرينة البراءة،
- شروط المحاكمة العادلة،
- تجريم التعذيب و الإختفاء القسري، و الإعتقال التعسفي، و كل أشكال التمييز و الممارسات المهينة للكرامة الإنسانية،
- ضمان حرية التعبير و الرأي،
- ضمان الحق في الحصول على المعلومات،
- ضمان مقومات العيش الكريم،
- ضمان الحق في تقديم العرائض و الملتمسات.
و لم يقف دستور 2011 عند هذا الحد فحسب بل عزز أيضا الضمانات الدستورية لحقوق الطبقة العاملة، و للعدالة الإجتماعية و التضامن الوطني، كما ضمن أيضا حرية المبادرة الخاصة و دولة القانون في مجال الأعمال.
كنا عزز الدستور أيضا المكانة الدستورية للأحزاب السياسية و الهيئات النقابية و المهنية و منظمات المجتمع المدني.
و بالعودة إلى الدستور المغربي الجديد لفاتح يوليوز 2011، يتبين لنا على مستوى الشكل أنه لم يحصر الحقوق و الحريات في باب الأحكام العامة أو المبادئ الأساسية و في الديباجة كما جرت عليه العادة مع الدساتير السابقة للمملكة، بل خصص لها بابا مستقلا و هو الباب الثاني الذي عنونه تحت اسم الحريات و الحقوق الأساسية، و يتضمن هذا الباب 22 فصلا ( و بالضبط الفصول من 19 إلى 40). و على مستوى المضمون فقد تناولت هذه الفصول بالتفصيل مختلف الحريات و الحقوق سواء المتعلقة بشخص الإنسان أو بنشاطه أو بفكره و ضميره، ناهيك أيضا عن باقي الحقوق و الحريات الأخرى المنصوص عليها في باقي الفصول الأخرى من الدستور و لاسيما في الباب الأول المتعلق بالأحكام العامة و بالديباجة كذلك.
و في قراءة لمضامين دستور 2011 فإن الملاحظة الأساسية لتي يمكننا التوقف عندها هي إيلاء أهمية بالغة لمجموعة من الحقوق و الحريات التي أبى المشرع الدستوري إلا أن يصبغ عليها حصانة دستورية لضمان عدم انتهاكها و دسترة مجموعة من المؤسسات و الهيئات التي ائتمنها على حماية حقوق الأفراد و حرياتهم و في مقدمتها المحكمة الدستورية، المجلس الوطني لحقوق الإنسان، و مؤسسة الوسيط.
سنحاول فيما يلي دراسة أولا الحقوق و الحريات المنصوص عليها في دستور 2011 سواء تعلق الأمر بالحقوق المدنية و السياسية أو بالحقوق الإقتصادية و الإجتماعية و الثقافية، قبل أن ندرس في المحور الثاني هيئات و مؤسسات حماية حقوق الإنسان فضلا عن الواجبات التي أوجب الدستور على المواطنين احترامها و ذلك في نطاق التلازم بين حقوق و واجبات المواطنة.
أولا ــ الحقوق و الحريات
- على مستوى حقوق المواطنين المدنية و السياسية
- حرية الإنتماء السياسي و المشاركة السياسية
- بالنسبة لحرية الإنتماء السياسي
و أهم تجلياتها تأسيس الأحزاب السياسية، هذه الأحزاب التي تؤسس و تمارس أنشطتها بحرية و في نطاق احترام الدستور و القانون، و هي تعمل على :
- تأطير المواطنين و تكوينهم السياسي،
- تعزيز انخراط المواطنين في الحياة الوطنية،
- تدبير الشأن العام،
- المساهمة في التعبير عن إرادة الناخبين،
- المشاركة في ممارسة السلطة بالوسائل الديمقراطية و في نطاق المؤسسات الدستورية.
كما أن تنظيم الأحزاب السياسية و تسييرها يجب أن يكون مطابقا للمبادئ الديمقراطية. و بما أن حرية الإنتماء السياسي من مستلزمات حق المشاركة السياسية في السيادة الوطنية و في إدارة الشؤون العامة عن طريق الإنتخابات الحرة، فقد نص الدستور صراحة على أن الإنتخابات الحرة و النزيهة و الشفافة هي أساس مشروعية التمثيل الديمقراطي، و الأكثر من ذلك فقد ألزم الدستور السلطات العمومية بالحياد التام إزاء المترشحين و بعدم التمييز بينهم[1].
ب.بالنسبة لحرية المشاركة السياسية عن طريق الإنتخاب و الترشيح
لقد نص دستور 2011 على حق كل مواطنة و مواطن في :
|
- التصويت،
- الترشح للإنتخابات،
- التمتع بالحقوق المدنية و السياسية.
مع النص صراحة على تشجيع تكافؤ الفرص بين النساء و الرجال في ولوج الوظائف الإنتخابية.
كما اعترف دستور فاتح يوليوز بمجموعة من الحقوق و الحريات للأجانب المقيمين بالمغرب الذين أصبحوا يتمتعون بنفس الحريات الأساسية المعترف بها للموطنين المغاربة، بل الأكثر من ذلك فقد سمح الدستور المغربي لهؤلاء الأجانب بالمشاركة في الإنتخابات المحلية للمغرب و ذلك بمقتضى :
- القانون،
- أو تطبيقا لاتفاقيات دولية،
- أو ممارسات المعاملة بالمثل.
2.حرية تأسيس منظمات المجتمع المدني و الإنخراط فيها
و أهم تجلياتها تأسيس الجمعيات و النقابات و ممارسة أنشطتها بحرية، و في نطاق احترام الدستور و القانون، كما أن هياكلها و تسييرها يجب أن يكون مطابقا للمبادئ الديمقراطية، و عدم جواز حلها أو توقيفها من لدن السلطات العمومية إلا بمقتضى مقرر قضائي.
أ.حرية تأسيس الجمعيات و الإنخراط فيها :
بالنسبة للجمعيات فقد تمت دسترتها في 2011، و أصبحت بموجب ذلك تتمتع بمجموعة من الحقوق الدستورية، حيث نص الفصل 12 من الدستور على :
- حق جمعيات المجتمع المدني و المنظمات غير الحكومية على ممارسة أنشطتها بحرية و في نطاق احترام الدستور و القانون.
- مساهمة الجمعيات المهتمة بقضايا الشأن العام و المنظمات غير الحكومية في إطار الديمقراطية التشاركية في إعداد قرارات و مشاريع لدى المؤسسات المنتخبة و السلطات العمومية و كذا في تفعيله و تقييمها.
ب.حرية تأسيس النقابات و الإنخراط فيها :
بموجب الدستور أصبحت المنظمات النقابية للأجراء و الغرف المهنية[2]، و المنظمات المهنية للمشغلين التي تساهم في الدفاع عن الحقوق و المصالح الإجتماعية و الإقتصادية للفئات التي تمثلها و في النهوض بها، و قد أوكل الدستور للسلطات العمومية العمل على تشجيع المفاوضة الجماعية، و على إبرام اتفاقيات الشغل الجماعية، وفق بطبيعة الحال الشروط التي ينص عليها القانون.
3.حرية التجمعات العمومية
إذا كانت الدساتير السابقة للمملكة قد نصت جميعها في الفصلين التاسع و الرابع عشر على ضمان حق الإضراب[3] و حرية الإجتماع[4]، فإن من مستجدات دستور 2011 هو ضمان أيضا بموجب الفصل 29 منه حريات التجمهر و التظاهر السلمي، و بالتالي ضمن الدستور صراحة لكل مواطن حرية :
- الإجتماع،
- و التجمهر،
- و التظاهر السلمي،
و ذلك إلى جانب حريات : تأسيس الجمعيات، و الإنتماء النقابي و السياسي. و حق الإضراب.
مع العلم أن الدستور أوكل إلى القانون صلاحية تحديد شروط ممارسة الحريات سالفة الذكر، في حين أوكل إلى القانون التنظيمي المتعلق بالإضراب صلاحية تحديد شروط و كيفيات ممارسة هذا الحق.
4.حرية الإعلام و الإتصال[5]
لقد اعتبر دستور 2011 حرية الإعلام و الإتصال حقا دستوريا، حيث نص صراحة على أن حرية الصحافة مضمونة، و أكد على عدم جواز تقييدها بأي شكل من أشكال الرقابة القبلية، و هذا تطور دستوري مهم في هذا الجانب.
و بما أننا لا يمكننا تصور قيام نظام ديمقراطي دون احترام حرية الإعلام، فقد أكد الدستور الجديد على حق الجميع في التعبير، و نشر الأخبار و الأفكار و الآراء بكل حرية، و من غير قيد، باستثناء ما ينص عليه القانون صراحة.
كما حث المشرع الدستوري السلطات العمومية على تشجيع تنظيم قطاع الصحافة، بكيفية مستقلة، و على أسس ديمقراطية، و على وضع القواعد القانونية و الأخلاقية المتعلقة به.
5.حرية التدين أو المعتقد[6]
على مستوى حرية التدين لم يطرأ أي تغيير في دستور 2011 الذي نص بدوره على أن : “الإسلام دين الدولة، و الدولة تضمن لكل واحد حرية ممارسة شؤونه الدينية “.
مع العلم أن دستور 2011 قد نص كذلك في ديباجته على أن الهوية المغربية تتميز بتبوأ الدين الإسلامي مكانة الصدارة فيها، و ذلك في ظل تشبث الشعب المغربي بقيم الإنفتاح و الإعتدال و التسامح و الحوار، و التفاهم المتبادل بين الثقافات و الحضارات الإنسانية جمعاء.
6.حرية الفكر و الرأي و التعبير بكل أشكالها
لقد ضمنت الدساتير[7] السابقة للمملكة حرية الرأي و حرية التعبير بجميع أشكاله، و لم يقف دستور 2011 عند هذا الحد فحسب ، بل ضمن أيضا حرية الفكر[8]، و حرية الإبداع و النشر و العرض في مجالات الأدب و الفن و البحث العلمي و التقني[9].
كما ألزم الدستور[10] أيضا السلطات العمومية بدعم تنمية الإبداع الثقافي و الفني و البحث العلمي و التقني و النهوض بالرياضة، و السعي لتطوير هذه المجالات و تنظيمها بكيفية مستقلة و على أسس ديمقراطية و مهنية مضبوطة.
7.الحق في التمتع بالحريات الشخصية
و في مقدمة هذه الحقوق :
أ.الحق في الحياة :
نص عليه الفصل 20 من الدستور باعتبار هذا الحق هو أول الحقوق لكل إنسان.
و قد خلق هذا الفصل نقاشا حادا و لاسيما عند الحقوقيين، فبينما يرى البعض أن الحق في الحياة بعني ضمنيا إلغاء عقوبة الإعدام، يرى البعض الأخر عكس ذلك و يعتبر أن المشرع الدستوري لو كان يقصد بحق الحياة إلغاء عقوبة الإعدام لنص صراحة على ذلك كما هو الشأن بالنسبة لبعض الدول التي تنص دساتيرها صراحة على إلغاء عقوبة الإعدام.
ب.الحق في الأمن الشخصي :
نص الدستور على هذا الحق في الفصول 21 و 22 و 23، هذه الفصول التي أكدت على :
- احترام الحريات و الحقوق الأساسية المكفولة للجميع.
- عدم جواز المس بالسلامة الجسدية أو لمعنوية لأي شخص.
- عدم جواز معاملة الغير تحت أي ذريعة معاملة قاسية أو لا إنسانية أو مهينة، أو حاطة بالكرامة الإنسانية.
- تجريم التعذيب بكافة أشكاله، و معاقبة كل من يقدم على ذلك.
- منع الإعتقال التعسفي أو السري و الإختفاء القسري، و اعتبار ذلك من أخطر الجرائم، و ما يستوجب ذلك من عرض مقترفيها لأقسى العقوبات.
- ضمان قرينة البراءة و الحق في محاكمة عادلة،
- تمتع المعتقلين بالحقوق الأساسية و بظروف اعتقال إنسانية، فضلا عن إمكانية استفادتهم من برامج للتكوين و إعادة الإدماج،
- حظر كل تحريض على العنصرية أو الكراهية أو العنف،
- المعاقبة على جريمة الإبادة و غيرها من الجرائم ضد الإنسانية و جرائم الحرب، و كافة الإنتهاكات الجسيمة و الممنهجة لحقوق الإنسان.
ج.الحق في حماية الحياة الخاصة :
و يتعلق الأمر بالحق المنصوص عليه في الفصل 24 من الدستور من خلال :
- عدم انتهاك حرمة المنزل[11]،
- عدم انتهاك سرية الإتصالات[12] الشخصية، و عدم الترخيص بالإطلاع على مضمونها أو نشرها أو باستعمالها ضد أي كان إلا بأمر قضائي.
- ضمان حرية التنقل.
د.الحق في الحصول على المعلومات[13] :
و يتعلق الأمر بالمعلومات الموجودة في حوزة :
- الإدارة العمومية،
- المؤسسات المنتخبة،
- الهيئات المكلفة بمهام المرفق العام.
و يستثنى من ذلك المعلومات المتعلقة ببعض المجالات و التي قيدها من جهة الدستور بنفسه في الفقرة الثانية من الفصل 27، إضافة إلى قانون الحق في الوصول إلى المعلومة.
و حسب الفقرة الثانية من الفصل 27 من الدستور : ” لا يمكن تقييد الحق في المعلومة إلا بمقتضى القانون بهدف :
- حماية كل ما يتعلق بالدفاع الوطني،
- حماية أمن الدولة الداخلي و الخارجي،
- الحياة الخاصة للأفراد،
- الوقاية من المس بالحريات و الحقوق الأساسية المنصوص عليها في الدستور،
- حماية مصادر المعلومات و المجالات التي يحددها القانون بدقة. “
- على مستوى حقوق المواطنين الإقتصادية و الإجتماعية و الثقافية
لقد رفع الفصل 31 من دستور 2011 من الحقوق ذات الطبيعة الإقتصادية و الإجتماعية و الثقافية، مقارنة مع ما كان منصوصا عليه سلفا مع الدساتير السابقة لا سيما في الفصلين 12 و 13 منها.
و الملاحظة الأساسية الأولى التي يمكن التوقف عندها هي أن الدستور الجديد لم يتوقف فقط عند ضمان الحقوق الإقتصادية و الإجتماعية و الثقافية و إنما حث أيضا الدولة و المؤسسات العمومية و الجماعات الترابية بالعمل على تعبئة كل الوسائل المتاحة، لتيسير أسباب استفادة المواطنين[14] على قدم المؤسسات من مجموعة من الحقوق و هذا شيء جديد. و بالتالي فدور الدولة هنا إيجابي لأنها غير مطالبة فقط بعدم الإعتداء على هذه الحقوق، و إنما مطالبة أيضا بتحقيقها و هو ما أكد عليه صراحة دستور فاتح يوليوز.
و سنحاول أن نميز في هذا المحور ما بين الحقوق الفردية المضمونة لكل فرد و الحقوق الجماعية التي ضمنها الدستور لفئات معينة من فئات الشعب. مع العلم أن معظم هده الحقوق تدستر لأول مرة.
أ.الحقوق الفردية :
و يتعلق الأمر بالحقوق و الحريات التي ضمنها الدستور لجميع المواطنين و ذلك على قدم المساواة، و هي :
1.الحق في الرعاية الصحية
بالنسبة للحق في الرعاية الصحية فقد أكد الدستور صراحة و لأول مرة على هذا الحق من خلال الفصل 31 الذي نص على :
- الحق في العلاج و العناية الصحية،
- الحق في الحماية الإجتماعية و التغطية الصحية.
2.الحق في الشغل و ما يرتبط به
لقد ضمن دستور 2011 على غرار الدساتير السابقة الحق في الشغل غير أن ما يميز دستور 2011 على هذا المستوى هو حث السلطات العمومية على توفير الدعم في البحث عن منصب شغل أو في التشغيل الذاتي. فضلا عن الحق في ولوج الوظائف العمومية حسب الإستحقاق.
أما بالنسبة للحق في الإضراب فقد ذهب دستور 2011 في نفس اتجاه الدساتير السابقة[15] بضمان هذا الحق و باعتباره حق دستوري و بترك للقانون التنظيمي صلاحية تحديد شروط و كيفيات ممارسته[16].
3.الحق في التربية و التعليم
لقد نصت الدساتير السابقة للمملكة في الفصل 13 منها على أن : ” التربية و الشغل حق للمواطنين على السواء “. و بالتالي يلاحظ على أن هذه الدساتير اقتصرت فقط على ذكر الحق في التربية كحق للمواطنين على السواء، دون أدنى إشارة لحق التعليم الذي لم يرد ذكره في هذه الدساتير. في المقابل نجد على أن دستور 2011 كسر من جهة هذا الجمود الذي طال الفصل 13 منذ 1962، و من جهة أخرى أولى أهمية بالغة للحق في التربية و التعليم، حيث أكد دستور 2011 في الفصل 31 على :
- الحق في الحصول على تعليم عصري ميسر الولوج وذي جودة،
- الحق في التكوين المهني و الإستفادة من التربية البدنية و الفنية.
- فضلا عن الحق في التنشئة على التشبث بالهوية المغربية و الثوابت الوطنية الراسخة.
4.الحق في بيئة سليمة
لأول مرة تقريبا نجد أن الدستور المغربي ينص صراحة على هذا الحق، حيث اعتبر الحق في الحصول على الماء و العيش في بيئة سليمة جزء لا يتجزأ من الحقوق الأساسية للمواطنين، مثلها مثل الحقوق الأخرى.
5.الحق في الملكية و حريات المبادرة و المقاولة و التنافس الحر
بخصوص حق الملكية فقد ضمنها الدستور و أكد على عدم الحد من نطاقها و ممارستها بموجب القانون إلا إذا اقتضت ذلك متطلبات التنمية الإقتصادية و الإجتماعية للبلاد[17].
أما بالنسبة لحرية المبادرة و المقاولة و التنافس الحر فقد تم التنصيص عليها مع دستور 2011 الذي أكد من جهة على ضمان الدولة لهذه الحرية، و من جهة أخرى على عملها ــ أي الدولة ــ على تحقيق تنمية بشرية مستدامة من شأنها تعزيز العدالة الإجتماعية، و الأهم من هذا الحفاظ على الثروات الطبيعية الوطنية و على حقوق الأجيال القادمة.
كما نص الدستور أيضا على :
- سهر الدولة على ضمان تكافؤ الفرص للجميع، و الرعاية الخاصة للفئات الإجتماعية الأقل حظا.
- قيام السلطات العمومية على الوقاية من كل أشكال الإنحراف المرتبطة بـ :
- نشاط الإدارات و الهيئات العمومية،
- استعمال الأموال الموجودة تحت تصرف هذه الإدارات و الهيئات،
- إبرام الصفقات العمومية و تدبيرها.
كما تقوم السلطات العمومية أيضا بالزجر عن هذه الإنحرافات.
- معاقبة القانون على :
- المخالفات المتعلقة بـ :
- حالات تنازع المصالح،
- و على استغلال التسريبات المخلة بالتنافس النزيه،
- و كل مخالفة ذات طابع مالي.
- الشطط في استغلال مواقع النفوذ و الإمتياز، و وضعيات الإحتكار و الهيمنة، و باقي الممارسات المخالفة لمبادئ المنافسة الحرة و المشروعة في العلاقات الإقتصادية.
ب.الحقوق الجماعية :
و هي الحقوق و الحريات التي خص بها الدستور فئة معينة من فئات الشعب، و يتعلق الأمر بـ :
1.حقوق الأسرة و الأطفال[18]
لقد اعتبر الدستور المغربي الأسرة القائمة على علاقة الزواج الشرعي هي الخلية الأساسية للمجتمع و من هذا المنطلق فقد حث الدولة على ضمان الحماية الحقوقية و الإجتماعية و الإقتصادية للأسرة بما يضمن و حدتها و استقرارها و المحافظة عليها، نفس الأمر أيضا بالنسبة للأطفال الذين حاول الدستور أن يوفر لهم حماية دستورية بتكليف الدولة بالسعي لتوفير الحماية القانونية و الإعتبار الإجتماعي و المعنوي لجميع الأطفال بكيفية متساوية، بصرف النظر عن وضعيتهم العائلية، و اعتبار التعليم الأساسي حق للطفل و واجب على الأسرة و الدولة.
2.حقوق الشباب[19]
بما أن الشباب هو النواة الحقيقي لأي مجتمع وعموده الفقري، و بما أن الشباب هو الثروة الأولى للمغرب و أهم مكونات الرأس المال اللامادي، فقد أبى المشرع الدستوري المغربي إلا أن يولي أهمية لهذه الفئة بدسترة مجموعة من الحقوق التي يجب أن يتمتع بها، بل و تكليف السلطات العمومية باتخاذ التدابير الملائمة لتحقيقها و في مقدمة ذلك :
- توسيع و تعميم مشاركة الشباب في التنمية الإجتماعية و الإقتصادية و الثقافية و السياسية للبلاد،
- مساعدة الشباب على الإندماج في الحياة النشيطة و الجمعوية،
- تقديم المساعدة للشباب الذين تعترضهم صعوبة في التكيف المدرسي أو الإجتماعي أو المهني،
- تيسير ولوج الشباب للثقافة و العلم و التكنولوجيا و الفن و الرياضة و الأنشطة الترفيهية.
3.حقوق ذوي الإحتياجات الخاصة[20]
حسب الفصل 34 من دستور 2011[21] فالمقصود بذوي الإحتياجات الخاصة هم :
- النساء، و الأمهات، و الأطفال، و الأشخاص المسنين،
- الأشخاص الذين يعانون من إعاقة جسدية، أو حسية حركية، أو عقلية.
حيث نص الدستور على ضرورة قيام السلطات العمومية بوضع و تفعيل سياسات موجهة إلى الأشخاص و الفئات من ذوي الإحتياجات الخاصة، و قد أكد الدستور على ضرورة سهر السلطات العمومية على :
- معالجة الأوضاع الهشة لفئات من النساء و الأمهات و الأطفال و الأشخاص المسنين و الوقاية منها.
- إعادة تأهيل الأشخاص الذين يعانون من :
- إعاقة جسدية،
- أو حسية حركية،
- أو عقلية.
بل الأهم من ذلك إدماجهم في الحياة الإجتماعية و المدنية، و تيسير تمتعهم بالحقوق و الحريات المعترف بها للجميع.
ثانيا ــ الواجبات التي يفرضها الدستور على المواطنين، و هيئات حماية حقوق الإنسان
- الواجبات التي يفرضها الدستور على المواطنين
إذا كان الدستور المغربي الجديد قد رفع من هامش الحقوق و الحريات التي أصبح يتمتع بها المواطن المغربي على قدم المساواة بغض النظر عن جنسه أو لونه أو انتماءه الإجتماعي أو الجهوي أو اللغوي أو أي وضع شخصي مهما كان، فإنه في المقابل أي الدستور قد ألزم جميع المواطنين على ممارسة الحقوق و الحريات التي يكفلها الدستور و القانون بروح المسؤولية و المواطنة الملتزمة التي تتزامن فيها ممارسة الحقوق بالنهوض بأداء الواجبات.
و في هذا الصدد نص الدستور على مجموعة من الواجبات التي يتوجب على المواطنين أيضا القيام بها و يتعلق الأمر بـ :
- مساهمة كل المواطنين في الدفاع عن الوطن و وحدته الترابية تجاه أي عدوان أو تهديد[22].
- تحمل الجميع كل على قدر استطاعته التكاليف العمومية[23].
مع العلم أن القانون وحده من له الحق في إحداث هذه التكاليف العمومية و توزيعها و ذلك وفق الإجراءات المنصوص عليها في الدستور.
- تحمل الجميع بصفة تضامنية و بشكل يتناسب مع الوسائل التي يتوفرون عليها[24] :
- التكاليف التي تتطلبها تنمية البلاد،
- التكاليف الناتجة عن الأعباء الناجمة عن الآفات و الكوارث الطبيعية التي تصيب البلاد.
- هيئات حماية حقوق الإنسان و النهوض بها :
و يتعلق الأمر أساسا بالمؤسسات و الهيئات المنصوص عليها في الباب الثاني عشر من الدستور و بالضبط في الفصول : 161 و 162 و 164، و هذه الهيئات هي :
- المجلس الوطني لحقوق الإنسان[25]
مع دستور 2011 تم الإرتقاء بالمجلس الإستشاري لحقوق الإنسان من مجلس استشاري إلى مجلس وطني يستمد شرعيته من الدستور الذي اعتبره من مؤسسات و هيئات حماية الحقوق و الحريات.
يتولى المجلس الوطني لحقوق الإنسان الذي يعتبر مؤسسة وطنية مستقلة :
- النظر في القضايا المتعلقة بالدفاع عن حقوق الإنسان والحريات وحمايتها،
- ضمان الممارسة الكاملة لهذه الحقوق و الحريات، والنهوض بها.
- صيانة كرامة وحقوق وحريات المواطنات والمواطنين، أفرادا وجماعات، وذلك في نطاق الحرص التام على احترام المرجعيات الوطنية والكونية في هذا المجال.
- مؤسسة الوسيط[26]
الوسيط مؤسسة وطنية مستقلة ومتخصصة، كانت تسمى في السابق ديوان المظالم غير أن مع دستور 2011 أصبحت تحمل إسم الوسيط و تتمثل مهمتها الدستورية في :
- الدفاع عن الحقوق في نطاق العلاقات بين الإدارة و المرتفقين،
- الإسهام في ترسيخ سيادة القانون،
- إشاعة مبادئ العدل والإنصاف، وقيم التخليق والشفافية في تدبير الإدارات والمؤسسات العمومية والجماعات الترابية والهيئات التي تمارس صلاحيات السلطة العمومية.
- الهيأة المكلفة بالمناصفة و محاربة جميع أشكال التمييز[27]
بموجب الفصل 19 من الدستور أحدثت هيئة للمناصفة و مكافحة كل أشكال التمييز يهدف تحقيق مبدأ المناصفة بين الرجال و النساء، و بموجب الفصل 134 من الدستور تسهر الهيأة المكلفة بالمناصفة ومحاربة جميع أشكال التمييز، بصفة خاصة، على احترام الحقوق والحريات المنصوص عليها في الفصل 19 من الدستور، و المتمثلة في تمتع الرجل و المرأة على قدم المساواة بالحقوق و الحريات المدنية و السياسية و الإقتصادية و الإجتماعية و الثقافية و البيئية، الواردة في :
- الباب الثاني من الدستور المتعلق بالحريات و الحقوق الأساسية، و في مقتضيات أخرى،
- الإتفاقيات و المواثيق الدولية كما صادق عليها لمغرب.
مع مراعاة الاختصاصات المسندة للمجلس الوطني لحقوق الإنسان، حتى لا يكون هناك تداخل للإختصاصات مابين الهيأة المكلفة بالمناصفة ومحاربة جميع أشكال التمييز و المجلس الوطني لحقوق الإنسان.
- المحكمة الدستورية
إلى جانب الهيئات السالفة الذكر يمكننا أيضا الحديث عن المحكمة الدستورية.
إن تفوق الدستور على القانون العادي يستلزم مراقبة دستورية القوانين، و مراقبة دستورية القوانين تعني التأكد من أن الأعمال و القوانين الصادرة عن الحكام مطابقة للدستور، بمعنى آخر “ التحقق من قبل سلطة مختصة عن مدى انطباق القانون الأدنى من الدستور مع أحكام الدستور، و ذلك بإمكانية إلغاء النص الغير دستوري أو تعطيل العمل به و عدم تطبيقه.”
و إذا كانت الرقابة على دستورية القوانين تعتبر من أهم الضمانات التي تكفل نفاذ القواعد الدستورية و تطبيقها فإن المحكمة الدستورية بالمغرب أصبحت تمارس بموجب دستور 2011 مجموعة من الإختصاصات منها ما هو قديم كان يمارسه المجلس الدستوري و منها ما هو جديد تم إيكالها إلى المحكمة الدستورية لتعزيز دورها الرقابي، و لعل أبرز ما يمكن تسجيله في هذا الصدد هو نظر المحكمة الدستورية في كل دفع يتعلق بعدم دستورية قانون، أثير أثناء النظر في قضية، وذلك إذا دفع أحد الأطراف بأن القانون الذي سيطبق في النزاع، يمس بالحقوق وبالحريات التي يضمنها الدستور[28]، و هذا يعني على أن القاضي الدستوري قد أصبح بدوره مؤتمنا دستوريا على حماية حقوق و حريات الأفراد و بالتالي صار بإمكان المحكمة الدستورية إلغاء أي نص قانوني يمس بحقوق الأفراد و حرياتهم و لو بعد إصدار هذا النص و دخوله حيز التنفيذ.
- الهيأة العليا للإتصال السمعي البصري
تعتبر الهيأة العليا للإتصال السمعي البصري من الهيئات الدستورية المتعلقة بالحكامة الجيدة و التقنين، و هي تتولى بموجب الفصل 165 من الدستور و في إطار احترام القيم الحضارية الأساسية و قوانين المملكة، السهر على احترام :
- التعبير التعددي لتيارات الرأي و الفكر،
- الحق في المعلومة في الميدان السمعي البصري،
كما تسهر الهيأة كذلك بموجب الفصل 28 من الدستور على احترام التعددية اللغوية و الثقافية و السياسية للمجتمع المغربي.
[1] . الفصل 11 من دستور 2011.
[2] . و يتعلق الأمر بـ : الغرف الفلاحية – غرف التجارة و الصناعة و الخدمات – غرف الصناعة التقليدية – غرف الصيد البحري.
[3] . الفصل 14 من دساتير : 1962 و 1970 و 1972 و 1992 و 1996.
[4] . الفصل 9 من دساتير : 1962 و 1970 و 1972 و 1992 و 1996.
[5] . الفصل 28 من دستور 2011.
[6] . وافق المغرب نهاية الأسبوع الأخير من مارس 2014 في المجلس الأممي لحقوق الإنسان بجنيف على مشروع القرار الأممي حول : ” حرية الدين أو المعتقد ” خلال ختام الدورة الخامسة و العشرين لمجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة. و ينص القرار على : « ضرورة حماية حق كل فرد في اختيار معتقداته و إظهارها و ممارستها بالتعليم و الممارسة و التعبد و إقامة الشعائر علانية، كما يؤكد القرار الذي صوتت عليه كافة الدول الإسلامية الحاضرة، على حرية الأفراد في أن يكون أو لا يكون لهم دين أو معتقد، بما في ذلك حقه في تغيير دينه أو معتقده».
[7] . الفصل التاسع من دساتير : 1962 و 1970 و 1972 و 1992 و 1996.
[8] . الفقرة الأولى من الفصل 25 من دستور 2011.
[9] . الفقرة الثانية من الفصل 25 من دستور 2011.
[10] . بموجب الفصل 26 من دستور 2011.
[11] . كان منصوص عليها في الدساتير السابقة بموجب الفصل العاشر منها.
[12] . كان منصوص عليها في الدساتير السابقة بموجب الفصل الحادي عشر منها، غير أن الدستور آنذاك كان يستعمل عبارة “المراسلات” عكس دستور 2011 الذي سماها ” الإتصالات الشخصية ” لأن هذه الأخيرة لها مدلول أوسع و أعم.
[13] . منصوص عليها في الفصل 27 من دستور 2011. و ليس لها مقابل في الدساتير السابقة للمملكة.
[14] . و عندما نقول المواطنين فالمقصود الرجال و النساء على حد سواء.
[15] . الفصل 14 من دساتير : 1962 و 1970 و 1972 و 1992 و 1996.
[16] . الفصل 29 من دستور 2011.
[17] . حسب الفصل 35 من دستور 2011 : ” يضمن القانون حق الملكية.
و يمكن الحد من نطاقها و ممارستها بموجب القانون، إذا اقتضت ذلك متطلبات التنمية الإقتصادية و الإجتماعية للبلاد. و لا يمكن نزع الملكية إلا في الحالات و وفق الإجراءات التي ينص عليها في القانون “.
و يقابل تقريبا الفصل 35 من دستور 2011 الفصل 15 من الدساتير السابقة حيث نصت في هذا الصدد:
- الفصل 15 من دساتير 1962 و 1970 و 1972 و 1992 : ” حق الملكية مضمون. للقانون أن يحد من مداه و استعماله إذا دعت إلى ذلك ضرورة النمو الإقتصادي و الإجتماعي المخطط للبلاد. لا يمكن نزع الملكية إلا في الأحوال و حسب الإجراءات المنصوص عليها في القانون “.
- الفصل 15 من دستور 1996 : ” حق الملكية و حرية المبادرة الخاصة مضمونان. للقانون أن يحد من مداهما و ممارستهما إذا دعت إلى ذلك ضرورة النمو الإقتصادي و الإجتماعي للبلاد. و لا يمكن نزع الملكية إلا في الأحوال و حسب الإجراءات المنصوص عليها في القانون “.
[18] . ينص عليها الفصل 32 من دستور 2011.
[19] . ينص عليها الفصل 33 من دستور 2011.
[20] . ينص عليها الفصل 34 من دستور 2011.
[21] . ليس لهذا لفصل مقابل في الدساتير السابقة للمملكة.
[22] . حسب الفصل 38 من دستور 2011، الذي يقابله تقريبا الفصل 16 من دساتير: 1962 ، 1970 ، 1972 ، 1992 ، 1996.
[23] . حسب الفصل 39 من دستور 2011، الذي يقابله تقريبا الفصل 17 من دساتير: 1962 ، 1970 ، 1972 ، 1992 ، 1996.
[24] . حسب الفصل 40 من دستور 2011، الذي يقابله تقريبا الفصل 18 من دساتير: 1962 ، 1970 ، 1972 ، 1992 ، 1996.
[25] . ينص عليه الفصل 161 من دستور 2011.
[26] . ينص عليه الفصل 162 من دستور 2011.
[27] . ينص عليها الفصل 164 من دستور 2011.
[28] . بموجب الفصل 133 من دستور 2011، الذي ليس لها مثيل في الدساتير السابقة على هذا المستوى.