Site icon مجلة المنارة

 

التنافس السعودي الايراني في إفريقيا

Saudi-Iranian competition in Africa

زيد بشير كريم القاضي   

دكتور في الحقوق

مسلم هجهوج مسلم المساعيد

دكتور في الحقوق

 

الملخص:

أفرزت التحولات الكبيرة التي عرفتها السياسة الدولية في العقود القليلة الماضية العديد المتغيرات الجديدة، أهمها التحولات الكبيرة في الجغرافيا السياسية للعالم ومناطق النفوذ ومناطق الصراع، وتبعاً لهذا، أصبحت القارة الأفريقية تحظى باهتمام دولي كبير، نتج عنه تنافس شرس بين القوى الدولية والإقليمية على جميع المستويات سياسيا، اقتصاديا، دينيا-مذهبيا، وتحاول هذه الورقة تسليط الضوء على نموذج التنافس السعودي إيراني، باعتباره نموذجاً فريداً من نوعه بين النماذج المتنافسة، ذلك راجع لطبيعة للتشابك الكبير للمصالح الذي يعرفه هذا التنافس، والتعقيدات التي ترافقه بين السياسي والاقتصادي والديني المذهبي، وكذلك للتوظيف المتداخل للآليات والأدوات المعتمدة (آليات اقتصادية، سياسية، دينية، ثقافية)، والأهداف المسطرة لهذه الأهداف، وتعمد هذه الورقة لتبيان الدور المحوري للمعطى الديني المذهبي في هذا التنافس كونه يشكل آلية مركزية لآليات التعاون، وهدف أساسي تسعى جميع الآليات الأخرى إلي مأسسته وجعله في قلب كل العلاقات الثنائية للبلدين في علاقتهما مع البلدان الأفريقية.

الكلمات المفتاحية: التنافس الدولي بإفريقيا- الوهابية السعودية- النموذج الإيراني الشيعي

New Variants have emerged over the past few decades based on the significant transformations in international policy, the most important of these is the world’s geopolitics shifts, spheres of influence and conflict areas. as a consequence, The African continent has gained great international attention, which resulted in a massive international competition among international and regional powers at political, economic, religious and doctrinal levels.

This paper attempt to shed light on the Saudi-Iranian competition model in Africa, as a unique model among another competition models, due to the nature of their interests which are closely connected and intertwined, moreover, it’s accompanying between the political, economic, religious and doctrinal. As well as the cross-cutting nature of the use of mechanisms and instruments (political, economic, religious and cultural) and the established goals for these mechanisms.

Based on that, the paper aimed to identify the pivotal role of the religious and doctrinal instrument in this rivalry, as it constitutes a central mechanism for cooperation and a basic goal that all other mechanisms seek to institutionalize it and make it the heart of bilateral relations of these two countries in their relationship with African countries.

The keywords: International competition in Africa- Saudi Wahhabism-  Iranian Shiite model

الــمــقـــدمــــة:

شكلت نهاية القطبية الثنائية نقطة تحول هامة في التفاعلات الدولية و انتقال الصراع من بعده الأيديولوجي بين الشرق والغرب إلى صراع قوامه المصالح الاستراتيجية المبنية على الاقتصاد، وعلى الرغم من التحولات الكبيرة التي عرفها النظام الدولي، والتي أسهمت في بروز تغيير العديد من المسلمات في حقل السياسة الدولية، إلا أن بعض نماذج التنافس الدولي بين بعض القوى سواء الدولية أو الإقليمية لازال مستمراً لحد الساعة.

في هذا السياق يعتبر التنافس السعودي الإيراني من أهم نماذج التنافس التي استمرت لعقود، ويتخذ هذا التنافس أبعاد متنوعة، ولا يقتصر فقط على التنافس المباشر عسكرياً من خلال السباق الحثيث للتسلح بين الطرفين، أو التنافس الاقتصادي من خلال العمل على الرفع من حجم الاقتصاد، بل يمتد هذا التنافس للسباق حول توسيع النفوذ في مختلف مناطق العالم.

تعتبر القارة الأفريقية من بين أهم الأقاليم القطبية التي تحظى باهتمام كل من المملكة العربية السعودية والجمهورية الاسلامية الإيرانية، نظراً لما أصبحت تمثله أفريقيا الألفية الثالثة، إذ عرفت القارة تحولاً كبيراً من خلال مسلسل الانفتاح الديمقراطي الذي عرفته البلدان الأفريقية، وما رافقه من تطور كبير على مستوى مناخ الأعمال والفرص الاقتصادية التي تزخر بها القارة نظراً لاعتبارها سوق استهلاكية هامة.

قد أدى هذا إلى خلق منافسة شرسة في أفريقيا بين مختلف القوى سواء القوى الإقليمية أو التقليدية أو الصاعدة، يعتبر التنافس السعودي الإيراني من بين أهم نماذج التنافس في القارة الأفريقية، نظراً لعد أمور أبرزها أن هذا النموذج من التنافس يعتبر نموذجاً غير قابل -ونظراً لظروف الواقعة حالياً- لأي نوع من التعاون و التفاهم، إضافة إلى أن التنافس بين المملكة العربية والجمهورية الإيرانية لا يقتصر فقط على جانب معين أو بعد محدد، بقدر ما يجمع في طياته تنافساً في جميع المجالات، سياسياً، اقتصادياً، دينياً-مذهبياً.

تكمن أهمية هذه الورقة في تبيان مظاهر وصور التنافس الذي يجمع بين المملكة العربية السعودية والجمهورية الاسلامية الإيرانية بالقارة الأفريقية، والمجالات التي يتم التنافس من خلالها، والآليات التي يتم توظيفها، وكذا الأهداف التي يسعى كل طرف لتحقيقها.

تبعاً لهذا، تبحث الاشكالية البحثية لهذه الورقة في التنافس الدائر رحاه بين المملكة العربية السعودية والجمهورية الاسلامية الإيرانية، والبحث في كيفية اشتغال السياسة الخارجية الأفريقية للبلدين، وتبيان الآليات والأدوات التي يتم توظيف في هذه المنافسة بالقارة الأفريقية، ومكانة الاختلاف الديني-المذهبي الذي يطبع النموذجين الوهابي والشيعي في هذه المنافسة، وكيفية استغلال البعد الإقتصادي والتنموي للسياسة الخارجية للبلدين في نشر نموذجيهما الدينيين.

تجيب هذه الورقة على هذه الإشكالية من خلال إعتماد التقسيم التالي:

المطلب الأول : السياسة الخارجية للمملكة العربية السعودية اتجاه أفريقيا:

المطلب الثاني : السياسة الخارجية للجمهورية الاسلامية الايرانية اتجاه افريقيا:

المطلب الأول: السياسة الخارجية للمملكة العربية السعودية اتجاه افريقيا:

تتمتع المملكة العربية السعودية برمزية كبيرة لدى المسلمين في كافة بقاع العالم، وقد عملت المملكة على تقوية هذه الرمزية وتعزيزها، من خلال نشر نموذجها الوهابي في الدول الإسلامية، وقد حظيت الدول الأفريقية بنصيب وفير من الاهتمام السعودي، من خلال سياسة خارجية متكاملة الأبعاد تمزج بين السياسي الاستراتيجي والاقتصادي، والديني-المذهبي، وقد وضعت المملكة عينها على القارة الأفريقية بغية تعزيز نفوذها في القارة بالموازاة مع محاولاتها الحثيثة لتقويض النفوذ الإيراني ومحاصرة الجيوب الشيعية في البلدان الأفريقية.

الفقرة الأولى: محددات وأهداف السياسة الخارجية السعودية اتجاه افريقيا:

دخل الإسلام لأفريقيا في نفس الزمن الذي ظهر فيه بشبه الجزيرة العربية، عبر المسلمين الذين هاجروا إلى الحبشة (إثيوبيا حالياً) عام 615م هربًا من الاضطهاد و التعذيب، ومنذ ذلك الحين أصبح  للإسلام وجود في أفريقيا،  والإسلام في إفريقيا انتشر بالتسامح والمحبة، مما دفع الكثيرين من الأفارقة إلى إتباع المذهب الصوفي، لكن خلال السنوات الماضية بدأ الفكر الوهابي ينتشر في القارة السمراء حتى أصبح الإسلام الذي يُمارس الآن في إفريقيا مختلفًا عن بدايته.

تمتلك العربية السعودية بُعد وتأثير دينيين نظراً لكونها تحوز الكعبة الشريفة التي تعد أبرز الأماكن المقدسة في العالم، وهذا ما جعلها تعتبر نفسها راعية للإسلام في العالم، وقد عملت على نشر الإسلام في نموذجه الوهابي[1] في عدة مناطق في العالم، وأفريقيا واحدة من المناطق الهامة التي لطالما هدفت العربية السعودية إلى نشر فكرها الوهابي فيه.

عرفت أفريقيا طوال السنوات التي اعتنق ساكنتها الاسلام تقلبات كبيرة في نمط التأسلم، وقد ارتبطت هذه التقلبات بتأثر الأفارقة ببعض النماذج، فخلال القرنين الخامس عشر والسادس عشر، كان بأفريقيا مركز دراسات قرآنية ينشر الإسلام بشكل سلمي، لكن هذه التعاليم تغيرت مع بروز بن عبد الوهاب في شبه الجزيرة العربية، وولادة السعودية، ومع اكتشاف النفط في شبه الجزيرة العربية وازدهار صناعة البترول ازدادت ثروة العربية السعودية ونفوذها، مما ساعدها في نشر الوهابية في أفريقيا.

شهدت الفترة الأخيرة تحركاً سعودياً نشطاً نحو القارة الأفريقية، وهو ما تعكسه الزيارات التي قام بها وزير الخارجية السعودي عادل الجبير إلى عدد من دول أفريقيا، ومنها المشاركة في القمة الأفريقية بأثيوبيا في يناير 2016، وجولاته إلى كل من السودان وجنوب أفريقيا وزامبيا، ثم إلى كينيا وتنزانيا؛ وفي المقابل، استقبلت الرياض عدداً من الزعماء الأفارقة، مثل رئيس غينيا “ألفا كوندي”، ورئيس جنوب أفريقيا “جاكوب زوما” في شهر مارس 2016، وقبلهما الرئيس النيجيري محمد بخاري في شهر فبراير من نفس السنة[2].

تسعى المملكة العربية السعودية من خلال سياستها الخارجية الأفريقية إلى ربط القارة الأفريقية برؤية المملكة التي وضعتها القيادة الجديدة، والهادفة إلى تعميق أدوار السعودية في الساحة الإقليمية والدولية، وتنويع حلفائها الدوليين، وتحتل القارة الأفريقية مكانة هامة في هذه الرؤية نظراً لما أصبحت تعرفه هذه القارة من منافسة كبيرة، وتسعى اقتصادياً السعودية إلى وضع قدم بالقارة الأفريقية نظراً لما تتمتع به القارة من بعد استراتيجي، نظراً لإطلال الدول الأفريقية على الممرات البحرية التي تربط قارات العالم، وما لها من أدوار بالغة في تأمين صادرات وواردات دول الخليج العربي، وفي هذا الصدد تسعى السعودية إلى إقامة ربط بحري مع الدول الأفريقية من خلال خلق خطوط ملاحية مباشرة بين جدة و جازان وبعض الموانئ الأفريقية أهمها موانئ جيبوتي بهدف تعزيز التبادل التجاري.

تهدف السعودية إلى تعزيز علاقات التعاون الاقتصادي، إذ نهجت في السنوات الأخيرة سياسة المشاريع الثنائية مع عدد من بلدان القارة السمراء على غرار تدشين محطة طاقة شمسية في جنوب أفريقيا بقيمة بلغت 328 مليون دولار، إضافة إلى نية السعودية في الاستثمار في مجال تكريم البترول وصناعة البتروكيماويات بجنوب أفريقيا في إطار استثمارات تقودها شركة أرمكو السعودية، وقد مكنت سياسة المشاريع هذه، من ارتفاع لاستثمارات السعودية في دول أفريقيا، حيث تجاوز عدد المشاريع السعودية في أثيوبيا وحدها 290 مشروعاً بقيمة تقدر بــ 3 مليارات دولار، وكشف تقرير صدر عن مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية «أونكتاد» عن أن حجم التبادل التجاري بين السعودية ودول أفريقيا في العام 2014 بلغ 18.2 مليار دولار منها 14.9 مليار دولار صادرات السعودية إلى أفريقيا، و 3.3 مليار دولار واردات.

كما توظف السعودية سياستها الخارجية اتجاه أفريقيا من أجل مكافحة الإرهاب ومواجهة الحركات والتنظيمات الإرهابية، وتهدف السعودية إلى هذا من خلال سياسة تمويل الدول الأفريقية خاصة الدول التي يشرف عليها حلفاء السعودية الدوليين خاصة فرنسا، فقد تحدثت بعض المواقع المتخصصة في الشؤون العسكرية سنة 2018 عن مساعي سعودية فرنسية بهدف تمويل السعودية لصفقة أسلحة فرنسية لصالح دول (موريتانيا، بوركينافاصو، مالي، النيجر، تشاد، جيوبوتي)، كما سبق للسعودية أن قدمت 100 مليون يورو كمساهمة منها في تمويل القوة الإقليمية لدول الساحل والصحراء الافريقية الخمسة التي تشرف عليها فرنسا، وتحقق السعودية من خلال سياسة التمويل هذه هدفين الأول دعم الدول الأفريقية في مكافحة الإرهاب من جهة، وتلميع صورة السعودية على المستوى الدولي بفعل تدخل أحد الدول الحليفة مثل فرنسا أو غيرها.

تهدف السياسة الخارجية للمملك العربية السعودية في أفريقيا إلى مواجهة النفوذ الإيراني المتنامي في القارة، وفي هذا الإطار، تحركت الرياض على محورين، أولهما تحجيم الوجود السياسي لإيران في بعض الدول الأفريقية (حالة السودان)، والثاني محاصرة الجيوب الشيعية المتناثرة بالقارة في كل من كينيا وتنزانيا ونيجيريا والسنغال وغيرها[3]، ولا تقتصر استراتيجية المملكة في مواجهة النفوذ الايراني في أفريقيا على ما هو ديني-مذهبي، بل تمتد أيضا إلى البعد التنموي من خلال تقديم المساعدات الانسانية والمنح والهبات المالية للدول الأفريقية وجمعيات المجتمع المدني الخيري، والبعد الاقتصادي عبر تعزيز الاستثمار السعودي بالقارة والرفع من قيمة المبادلات التجارية بين المملكة وبلدان القارة، وتهدف استراتيجية المملكة هذه إلى توفير نموذج سعودي بديل للنموذج الايراني، وأكثر ملائمة للواقع الإقليمي بالقارة الأفريقية وقادر على الاختراق والتغلغل في عمق المجتمعات الأفريقية.

الفقرة الثانية: آليات السياسة الخارجية السعودية اتجاه أفريقيا ومظاهر التغلغل:

عملت المملكة العربية السعودية على تعزيز علاقاتها مع الدول الأفريقية وتقوية نفوذها بالقارة عبر توظيف عدد من الآليات المتكاملة فيما بينها في نسق تمزج عبره بين السياسي، الاقتصادي، الديني-المذهبي، والأمني في بعض الأحيان، وتخلط المملكة من خلال سياستها الخارجية بين الآليات والأدوات التي توظفها من جهة، والأهداف والمساعي التي تصبوا إلى تحقيقها من جهة أخرى، فعلى الرغم من توظيفها لأدوات متنوعة، إلا أن هذه الأدوات تسعى إلى تحقيق مجموعة من الأهداف المتفرقة التي بدورها تحقق الغايات الكبرى للاهتمام السعودي بالقارة الأفريقية.

1/ المؤسسات الإسلامية والخيرية والثقافية: من أهم الروابط القوية التي تربط القارة الأفريقية بالمملكة هي رابطة الدين الإسلامي، وقد ساهم هذا في بلورت علاقات دينية-ثقافية للسعودية مع أفريقيا، واستغلت المملكة هذا الجانب من خلال إنشاء عدد من المؤسسات ذات التوجه الديني-الثقافي، وتوضح هذا مع إنشاء رابطة العالم الإسلامي التي تضم العلماء وفقهاء الدين الإسلامي من كل أقطار العالم الإسلامي، الأمر الذي أعطى التأييد المطلوب للسياسة السعودية في تعميق الثقافة الإسلامية[4]، وإلى جانب هذا تعمل المملكة على نشر فكرها في القارة السمراء من خلال عدة مؤسسات أخرى تجمع بين الديني والخيري أبرزها: الندوة العالمية للشباب، هيئة الإغاثة العالمية، لجنة مسلمي أفريقيا، مؤسسة الحرمين الخيرية والتي تعمل في تنزانيا، نيجيريا، زينجبار، إثيوبيا، الصومال، ودول غرب أفريقيا، دون إغفال شبكة المدارس والكتاتيب القرآنية والمدارس والجمعيات الخيرية المدنية التي تنتشر في أفريقيا.

قامت المملكة السعودية ولمدة عقود بالعمل على التمويل المالي والأدبي والثقافي للأقليات المسلمة في مختلف البلدان، ولم يكن الدعم من شركات خاصة أو من أموال خيرية فحسب، بل كان بشكل مُنظم من قبل العائلة المالكة نفسها “آل سعود”، بحيث كان الهدف خدمة الأقلية المسلمة في مختلف البلاد، ولكن أيضًا كان نواة لنشر الوهابية، وبدأ الدعم المالي والثقافي في الثمانينيات من القرن الماضي، حيث قامت الحكومة السعودية بأموالها ببناء المدارس والمساجد والمدارس الدينية الملحقة بالمساجد ومراكز التدريب والتعليم الديني ومراكز الشباب، ليتحول المنهج السلفي من منهج هامشي في قرى إفريقيا الفقيرة إلى كونه التيار المنتشر في المجتمعات الإسلامية كلها[5].

2/ المنح والهبات والمساعدات التنموية: إن دور المملكة العربية السعودية كجهة مانحة في المجال الإنساني، شأنها في ذلك شأن دول أخرى، تحركه الأولويات الداخلية التي تشكل بدورها سياستها الخارجية وسبل مشاركتها مع القوى الإقليمية والدولية، ويعد عطاء المملكة بمثابة أداة تستخدمها من أجل تعزيز صورتها كزعيمة للأمة العربية والعالم الإسلامي بأسره، والتي تعد بدورها أمراً ضرورياً لتعزيز قدرة النظام على الحفاظ على سيادته في الداخل[6].

وتأتي الدول الأفريقية في مقدمة المستفيدين من المساعدات الخارجية التي تقدمها المملكة العربية السعودية، حيث استفادت منها 41 دولة أفريقية. ويعتبر الصندوق السعودي للتنمية بمثابة الجهاز الأساسي المعني بتقديم المساعدات الإنسانية والتنموية للدول الأفريقية في القطاعات الصحية والتعليمية والاجتماعية و الاسكان والبنية التحتية، فضلاً عن تدعيم اللاجئين والنازحين في ربوع القارة[7]. وبالتالي فالعربية السعودية توظف الهبات والمنح والمساعدات التنموية و الإنسانية، إلى جانب القروض الميسرة من أجل استمالة الدول الأفريقية، وتجدر الإشارة إلى أن جزء من هذه المساعدات والمنح يوجه عبر المؤسسات الخيرية السعودية إلى المجتمع المدني في البلدان الأفريقية.

3/ مكافحة الإرهاب والتمويل العسكري: تهتم كثيراً المملكة السعودية بالجانب الأمني العسكري في علاقاتها مع الدول الأفريقية نظراً عدة أسباب أبرزها المصالح الحيوية للمملكة بالقارة والتي تفرض عليها الاهتمام بالأمن والسلم بالقارة، إلى جانب الوضع الأمني الهش بالقارة وكثرة الصراعات والنزاعات، وقد فرضت هذه الأمور وغيرها على المملكة تخصيص حيز هام من سياستها الخارجية اتجاه أفريقيا للبعد العسكري الأمني من خلال القيام بمناورات عسكرية مشتركة وتشكيل لجان عسكرية مشتركة مع حلفائها بالقارة و اتفاقات التعاون العسكري، بدون إغفال سياسة التمويل العسكري التي تعتمدها السعودية بتمويلها لصفقات أسلحة لبعض الدول الأفريقية أو بعض التحالفات العسكرية، كما سبق وفعلت مع القوة الإقليمية لدول الساحل والصحراء الافريقية الخمسة التي تشرف عليها فرنسا بعد أن قدمت 100 مليون يورو.

كما تلعب العربية السعودية أدوار هامة في حل الصرعات الأفريقية وتخفيض منسوب حدتها، وتؤكد هذا التحركات الأخيرة للمملكة في القارة الأفريقية، خصوصاً دورها في حل النزاع الدائر بين أثيوبيا واريتريا من خلال المبادرة التي أشرف عليها الملك سلمان بن عبد العزيز وولي العهد محمد بن سلمان والتي انتهت بتوقيع اتفاق سلام بجدة في سبتمبر 2018، إضافة إلى تسوية الأزمة بين اريتريا وجيبوتي، بعد أن استضافت المملكة محادثات مباشرة بين الطرفين لحل النزاع الحدودي الذي استمر أكثر من عقد من الزمن.

4/ الاستثمارات السعودية والتعاون الاقتصادي: اهتمت المملكة السعودية بالشق الاقتصادي في سياستها الخارجية اتجاه أفريقيا، إذ عملت ومنذ سنوات على وضع أرضية اتفاقية عبر توقيع عدد من الاتفاقات الثنائية بينها وبين عدد من الدول الأفريقية[8]، كما سعت المملكة لتعزيز نفوذها في القارة عبر سياسة المشاريع بإحداث عدد من المشاريع الكبرى في عدد من الدول الأفريقية على غرار المشاريع الطاقية في جنوب أفريقيا، كما عملت المملكة على توجيه كبريات شركاتها الاقتصادية في جميع المجالات خاصة المجال الطاقة وتكرير البترول، و رجال أعمالها، صوب أفريقيا من أجل خلق دبلوماسية اقتصادية قوية مرتكزة على الدولة والقطاع الخاص.

المطلب الثاني : السياسة الخارجية للجمهورية الاسلامية الايرانية اتجاه افريقيا:

لا شك أن إيران لم تعد دولة عادية كباقي دول العالم، لكنها أصبحت قوة إقليمية لا يستهان بها وأمست دولة مثيرة للجدل بسياساتها الخارجية، وبتوجهاتها الأيديولوجية، وبتعاطف الكثيرون معها، وبمشاكل وعداء الفاعلين الدوليين ضدها، خاصة أن طهران لم تعد تكتف بمحيطها الإقليمي بل صارت تسعى لتوطيد علاقاتها مع دول لدراسة أهداف ومحددات العلاقات الإيرانية الدوليةً المختلفة وإذا أخذنا أفريقيا أنموذجا فإننا سنجد بالفعل مدى تشعب المصالح الإيرانية وأبعاد تداخلها وربما تصادمها مع مصالح العديد من القوى الأخرى سواء كانت إقليمية أو دولية[9].

الفقرة الأولى : محددات وأهداف السياسة الخارجية الايرانية اتجاه أفريقيا:

يرجع اهتمام السياسة الخارجية الايرانية بالقارة الافريقية إلى ستينيات القرن العشرين، أي تزامنا مع حصول الدول الإفريقية على استقلالها، ولكن مع قيام الثورة الاسلامية الايرانية وما أعقبها من اضطرابات، وانشغال ايران بحربها مع العراق، أصيب العلاقات الافريقية-الايرانية بنوع من الوهن والضعف، واستمر هذا الضعف حتى بداية عقد التسعينات الذي شهد مزيداً من انفتاح السياسة الخارجية الايرانية على المستويات الدولية والإقليمية والقارية كافة، بوصول التيار الإصلاحي إلى السلطة بقيادة محمد خاتمي الذي تول الرئاسة في ايران في 23 أيار/ماي 1997، واتجه هذا النظام إلى تنشيط السياسة الايرانية في إفريقيا، وذلك في اطار السياسة البراغماتية المتحررة إلى حد ما التي انتهجها نظام خاتمي[10].

ويقسم المهتمون بالشأن الإيراني الإفريقي الاهتمام الايراني بالقارة الإفريقية إلى أربع مراحل كبرى: المرحلة الأولى 1979-1989 وتميزت السياسة الخارجية الايرانية بنظرية الاستضعاف من خلال حربها مع العراق وسعيها لدعم المستضعفين في مواجهة المستكبرين وتصدير بعض قيم الثورة، وقد عرفت العلاقات الايرانية الافريقية نوعا من الضعف؛ أما المرحلة الثانية التي امتدت من 1989-1997 عرفت هذه المرحلة ترتيب أوراق السياسة الخارجية الإيرانية اتجاه افريقيا من خلال عدد من الزيارات للرئيس الايراني على أكبر هاشمي رافسلجاني بمعية شخصيات كبيرة في الدولة وتمخض عن هذه الزيارات عدد من الاتفاقيات الثنائية[11].

أما المرحلة الثالثة التي امتدت ما بين 1997- 2005 فعرفت سعي إيران الصريح إلى البحث عن شراكات وصداقات أكثر بغية إزالة التوتر الدولي الذي يلازمها وإخراج نفسها من العزلة الدولية، وقد تأتى ذلك عبر عدد من الزيارات التي قام بها الرئيس خاتمي لكل من السودان، الجزائر، مالي، السينغال، نيجيريا، سيراليون، بينين، زيمبابوي، وأغندا، وقد مكنت هذه الزيارات من وضع اطار اتفاقي للعلاقات بين ايران وبلدان افريقية، مما ساهم في تعزيز نفوذها في القارة خاصة في شرق افريقيا ومنطقة القرن الافريقي؛ أما المرحلة الرابعة فتمتد من 2005 إلى الآن وأهم ما ميز هذه المرحلة عودة الحس الثوري للسياسة الخارجية الايرانية خاصة مع الرئيس أحمدي نجاد، إذ يعتبر توظيف الحس الثوري هو الحل الأمثل بالنسبة لايران في مواجهة القيود المفروضة عليها دوليا والضغط الكبير الذي ميز الملف الإيراني النووي، وقد سعت إيران في هذه لمرحلة إلى مأسسة علاقاتها مع الدول الافريقية بتنظيم عدة قمم ايرانية افريقية وإنشاء منظمة تطوير التجارة مع الدول العربية والإفريقية وتكثيف اللقاءات والاتصالات[12].

قد عكست السياسة الخارجية الايرانية اتجاه افريقيا وأدواتها جملة من الدلالات التي تنوعت بين محددات سياسية واقتصادية وأخرى دينية مذهبية، وتتمثل المحددات السياسية في ترسيخ النفوذ السياسي الايراني في افريقيا ومحاصرة النفوذ السياسي الغربي، وكسب تأييد الدول الإفريقية للمواقف الإيرانية، خاصة أحقيتها في امتلاك تكنولوجيا نووية سلمية، إلى جانب رغبتها في القيام بدور يتجاوز الاطار القومي إلى الإقليمي، الأمر الذي يساعدها على املاك العديد من الأدوات التي تمكنها من المساومة في مواجهة الضغوط الدولية المتزايدة[13]، الاستفادة من أصوات الدول الإفريقية في منظمة الأمم المتحدة و المنظمات الإقليمية و الدولية، فإفريقيا تمثل ثلث مقاعد الأمم المتحدة وحشد التأييد الافريقي وتفعيل الدور الإقليمي في مواجهة المخططات الأميركية الرامية إلى محاصرة إيران وعزلها دولياً، وتأكيد جدارة إيران بلعب دور قوي في القارة الافريقية ومنافسة القوى الاقليمية الاخرى وقطع الطريق على المحاولات الامريكية الاسرائيلية لإفساد العلاقات الايرانية الافريقية[14].

كما تسعى إيران للسيطرة على الممرات المائية[15] تحسبا لأي إنفجار محتمل مع الغرب حول ملفها النووي، ناهيك على طموحات فتح ممرات بحرية وبرية تسهل الوصول إلى مناطق الأزمات في الشرق الأوسط عبر تأمين وجود إيراني قريب من هذه المناطق وتوفير أوراق ضغط جديدة للمساومة في الشرق الأوسط[16]، إضافة إلى هذا جاءت التحركات الإيرانية في أفريقيا انعكاسا للتطورات الداخلية التي شهدتها إيران والتي دفعت في اتجاه البحث عن أدوار خارجية للحفاظ على هيبة الدولة وكسر حالة العزلة التي فرضها عليها الغرب، وتنفيذاً للتوجهات الإيرانية لنشر المذهب الشيعي، حيث استفاد إيران من عدم وجود هواجس لدى الأفارقة للتمييز بين السنة والشيعة، بقدر ما تنظر الدول الافريقية إليها بأنها دولة إسلامية[17].

على المستوى الاقتصادي، تحظى افريقيا باهتمام إيراني كبير نظرا لما تزخر به هذه القارة من احتياطات هامة من الموارد الاولية من جهة، وما تمثله هذه القارة بإعتبارها سوق استهلاكية هامة، وفي هذا السياق ركزت إيران دوما على فتح أفاق جديدة للاستثمار والتجارة الإيرانية في القارة، مع العمل على تنسيق السياسات الاقتصادية مع الدول الأفريقية. ومن أمثلة ذلك السعي لتأمين الاحتياجات الايرانية من القطن والذهب والذي تنتجه مالي، وتكثيف الاستثمار في قطاعات الزراعة والطاقة والكهرباء في كل من السينغال وزيمبابوي وسيراليون وأزغندا وبينين ومالي، والتنسيق مع نيجيريا فيما يتعلق بتحديد أسعار النفط، وتفعيل منظمة أوبك لتعبر قراراتها عن الدول المنتجة وليست مستهلكة فقط[18].

ظلت إفريقيا تشكل منذ قيام الثورة الإيرانية محورا مهما في أوليات السياسة التوسعية الإيرانية لمد نفوذها إلى خارج أراضيها، بحيث اعتبرتها إيران ساحة رحبة ومثمرة لأنشطتها، وتهدف إيران في إفريقيا إلى تحقيق عدة أهداف أهمها ما يتعلق بنشر التشيع، إذ تهدف إلى تصدير الثورة الإسلامية من خلال المؤسسات الإيرانية أو المراكز الثقافية التي تنشر الفكر الشيعي، وتعزيز نفوذها من خلال نشر جهودها في البلاد الإسلامية والمجتمعات الإسلامية التي تعيش في شرق أفريقيا، نشر المذهب الشيعي ودعم وتحريك الشيعة في المنطقة بهدف خلق قواعد محلية موالية لإيران باعتبارها مرجعية حوزتها الدينية، من أجل الضغط على الحكومات الوطنية[19].

نستشف من هذا كله، أن هناك صعوبات تحول دون فصل طبيعة التميز في الشخصية الإيرانية على المستوى الاجتماعي عن أبعاد السياسة الخارجية، هي التي تسهم بشكل كبير في خلق تماهي كبير بين السياسي والمذهبي في السياسة الخارجية الايرانية اتجاه افريقيا و إزاء باقي القوى المنافسة لها في القارة خاصة تلك التي تعتمد إستراتيجيات مشابهة لإيران، فهذا التماهي بين المذهبي والسياسي يتجلى بالملموس في الأدوات والآليات التي تعتمدها السياسة الخارجية الايرانية والأهداف التي تبتغيها من هذه الآليات، إذ في كثير من الأحيان تستعمل ايران في اطار سياستها الخارجية آليات وأدوات سياسية بغية تحقيق أهداف مذهبية، والعكس صحيح حينما تستعمل أليات ذات بعد ديني مذهبي لتحقيق أهداف سياسية، ويطبع هذا التماهي السياسة الخارجية الايرانية بنوع من التميز مقارنة مع باقي القوى المتنافسة في القارة الافريقية، وبالتالي ولا يمكن فصل السياسي والمذهبي فأفكار تلك السياسة دائما ما كانت بنت بيئتها، وتميزت عبر سنوات طويلة من السياسة الخارجية، بأنها سياسة تستمد من الصبر والمطاولة والنفس الطويل أسسا

خاصة بها في توظيف أدوات السياسة الخارجية[20].

الفقرة الثانية: آليات السياسة الخارجية الايرانية اتجاه افريقيا ومظاهر التغلغل:

بعد نجاح الثورة الإيرانية أواسط القرن الماضي، سعت إيران جاهدة لمدّ نفوذها الشيعي خارج أراضيها، وإن تغيرت أساليبها لتحقيق ذلك من الشكل الصريح لنموذج تصدير الثورة إلى التغلغل في صورة منظمات خيرية، ومؤسسات اجتماعية، مروراً بالكتب والمنشورات، حيث شرعت إيران في السعي لتحقيق العديد من الأهداف الأخرى، وفى مجالات متعددة، فبدأت تتوغل في البلدان الإسلامية في جمهوريات آسيا الوسطى ومنطقة الشرق الأوسط وإفريقيا؛ بدعوى (وحدة العالم الإسلامي) مستخدمة في ذلك وسائل عدة، منها الابتعاث الدراسي لإيران، ووجود احتكاك واتصال مباشر، والتوظيف المادي، واستثمار العلاقات السياسية، والملحقات الثقافية في توزيع المطبوعات وإقامة المدارس والحسينيات وإحياء المآتم، وأعطت أولوية في إفريقيا بلا استثناء بل قام زعماؤها بزيارة إليها لتصدير الثورة و تجذير المذهب الرافضي فيها[21].

حاولت إيران من خلال سياستها الخارجية خلق دبلوماسية تعتمد على مفهوم القوة الناعمة كما أسسها جوزيف ناي، عبر بحثها على صناعة تأثير يعتمد الحس الثوري الذي يغذي السياسة الخارجية الإيرانية في مواجهة القوى الغربية، وعلى هذا الأساس سعت عبر ألياته الدبلوماسية إلى المزج بين الديني المذهبي والسياسي لخلق جبهة إسلامية تقودها في مواجهة الغرب.

وتتعدد الأدوات التي تنفذ من خلالها إيران سياستها الخارجية، فهناك دبلوماسية القوة الناعمة والمساعدات التنموية، ودبلوماسية النفط، ودعم العلاقات التجارية والاقتصادية، والأدوات الثقافية والدينية والعقائدية والتمدد الشيعي، حيث استخدمت إيران مجموعة من المؤسسات الرسمية والمنظمات الخيرية في تنفيذ أهدافها[22].

1/السفارات والمراكز الثقافية: تلعب الملحقات الثقافية التابعة للسفارة الإيرانية دورا كبيرا في دعم التغلغل الإيراني داخل منطقة القرن الإفريقي عن طريق استغلال المال في نشر التشيع، وذلك بدعم الجمعيات والأنشطة الثقافية والفنية الهادفة للتعريف بالثقافة الإيرانية، والتأثير على الفئات الفقيرة

والمهمشة[23].

2/المساعدات التنموية: تدرك إيران أنها ليست بقوة عظمى ذات قدرات عسكرية واقتصادية عالمية كبيرة، بيد أنها تطمح إلى أن تكون قوة إقليمية مؤثرة، وتعمل على خلق النموذج الإيراني الذي يستطيع جدب اهتمام وتأييد المجتمع الدولي، ولعل سياسة المساعدات التنموية تعد من أبرز هذه الأدوات التي تستخدمها الدبلوماسية الإيرانية لتحقيق هذه الغاية، وبناء على ذلك، تحاول إيران أن تستخدم برنامج التعاون الدولي لتحقيق أهداف سياستها الخارجية اتجاه القارة الأفريقية، أي أن سياسة المساعدات التنموية التي تقدمها للدول الافريقية تمثل تطبيقا عمليا لمفهوم القوة الناعمة، وعملت إيران على ضخ أموال طائلة لبلدان القارة الأفريقية، وتصدير النفط بأسعار زهيدة، وتقوم بتطوير البنية التحتية، وإنشاء المصانع[24].

3/تأسيس تيارات شيعية: لا يقتصر دور المراكز الثقافية الإيرانية في دعم الأنشطة الثقافية لنشر التشيع، إنما يتعداها لتمويل تيارات فكرية بهدف إعدادها للتأثير مستقبلا في سياسات الدول الافريقية، ويعتبر التشيع في الوقت الحاضر هو السلاح الإيراني لكسب الدعم والتأييد في الشوارع السنية، وهو وسيلة تستخدم من قبل إيران للترويج لأيديولوجيتها ونموذجها في السياق الأوسع للشرق الأوسط، ويكشف التشيع مدى طائفية إيران ومشروعها الثيوقراطي المذهبي وسعيها إلى تحقيقه، وبأنها المرجع الديني والسياسي في العالمين العربي والإسلامي.

وتوظف إيران مؤسسات مثل مركز أهل البيت في جيبوتي والذي يعد من أهم المراكز التي تنشر التشيع والأكثر نشاطا في جيبوتي والذي يقوم بأنشطة دعوية من قبيل الندوات والملتقيات، إضافة إلى حسينية الرسول الأعظم، وجمعية النور التي تعد فاعل أساسي في المجتمع المدني للبلاد، والمركز الثقافي لجماعة المستبصرون، ومؤسسة جعفر الصادق للبحوث التي تعنى بالمجال العلمي.

4/المعونات والحوافز الاقتصادية: تهتم إيران باستخدام المساعدات الاقتصادية والإنسانية وإستغلال العلاقات الاقتصادية باعتبارها أداة من أدوات السياسة الخارجية، واستغلال حالة الفقر والمجاعة في هذه الدول الفقيرة لتوطيد علاقاتها بالدول ونشر التشيع، وقد سعت إيران لتعميق علاقاتها الإقتصادية استجابة للضعوط الدولية بشأن برنامجها النووي المثير للجدل في محاولة منها لتوسيع العلاقات الثنائية والمتعددة الأطراف مع الآخرين من أجل التجارة، ويبدو أن إيران سعت في بناء علاقاتها على الصعيد الافريقي الى إقامة شبكة مناهضة للغرب[25].

بالإضافة إلى هذه الآليات توظف إيران آليات وأدوات أخرى مثل الإعلام والثقافة، ومجلس خبراء الخلافة (الأوصياء) وأدواره في إعداد وتأهيل الكوادر العاملة في مجال نشر الفكر الايراني والدعوة، والبعثات الدينية الايرانية، والمراكز الصحية والمستشفيات التي تجمع بين الطابع الخيري والاستثماري.

تسعى إيران من خلال هذه الآليات إلى زيادة نفوذها بإفريقيا في مواجهة القوى الدولية المتنافسة في القارة خاصة تلك التي تتبنى سياسة خارجية تتشابه في مميزاتها السياسة الخارجية الايرانية المعتمدة وبالأخص في نقطة التماهي بين السياسي والديني المذهبي، وقد مكنت هذه الآليات من تحقيق عدد من المكتسبات التي ساعدت إيران بتعميق تغلغلها في إفريقيا، ومن أبرز مظاهر التواجد الإيراني في إفريقيا التعاطف الشعبي الذي خلقته إيران لنفسها في مواجهة الغرب خاصة منطقة القرن الإفريقي، وتأثر بعض الرؤساء الأفارقة بنموذج الثورة الإيرانية، ولعل أبرزهم رئيس جزر القمر عبد الله سامبي الذي درس في إيران، وقد أسهم هذا في توطيد العلاقات الايرانية القمرية عبر توقيع وثائق تفاهم لتوسيع العلاقات السياسية وتقديم المساعدات الإيرانية لتطوير عدد من المشاريع[26].

إضافة إلى هذا تم تعميق العلاقات مع كينيا من خلال توقيع عدد من إتفاقيات التعاون في مجالات التجارة، البنوك، النفط، الزراعة، الصناعة، المعادن، الصحة والأدوية، كما تم الإتفاق على تشكيل لجان متخصصة منبثقة عن اللجنة الاقتصادية المشتركة، ومكنت زيارة رافسنجاني لأوغندا أيضا عدد من اتفاقيات التعاون في مجال التجارة والاقتصاد، والاستثمار المشترك في الزراعة، الكهرباء، المعادن، المياه، النفط، البريد والاتصالات، التعليم والنقل. ومع تولي أحمدي نجاد الرئاسة الايرانية حققت إيران مكتسبات كبيرة نتيجة لسياسة تعميق وتعزيز الاطار الاتفاقي الذي يجمع ايران بالدول الافريقية عبر توقيع عدد من اتفاقيات التعاون ومذكرات التعاون في عدد من الميادين، الأمر الذي أسهم في زيادة تغلغل إيران في هذه البلدان وتوسيع نفوذها في إفريقيا، وكانت زيارته لجزر القمر من أهم الزيارات إذ تم توقيع وثائق تفاهمات لتوسيع العلاقات السياسية وتقديم المساعدات لتطوير المشاريع في مجال التطوير والإرشاد في الجزر.

أما بخصوص الجانب الديني فقد استغلت إيران التقارب الايراني الافريقي على المستوى الاقتصادي والسياسي من أجل نشر التشيع في البلدان الافريقية وبالأخص منطقة شرق أفريقيا والقرن الأفريقي، إذ تستغل عدد من الحركات  والجماعات ففي إثيوبيا مثلا تستغل الأحباش، هي فرقة باطنية تنسب إلى زعيمها عبد الله بن محمد العبدري الهرري الحبشي ويُطلِق الأحباش على أنفسهم اسم جمعية المشاريع الخيرية الإسلامية، ويقدّمون أنفسهم على أنهم من أهل السُنّة، إلا أنهم يخالفونهم في العديد من المسائل العقدية والفقهية، يُعتبر عبدا لله الهرري المولود عام 1910م في مدينة هرر الإثيوبية، هو المؤسس لحركة الأحباش، وقد درس أصول الفقه وحفظ القرآن وهو ابن سبع سنوات، واستقر في مكة المكرمة لفترة زمنية قصيرة، وتعرّف هناك على عدد من العلماء، ثم ذهب إلى الشام ودرس في المسجد الأموي في دمشق علوم الحديث، وظهر نشاطه في سوريا عام 1950م، ثم انتقل إلى لبنان، وهناك وجد المأوى والنصير، واستغل ظروف الحرب الأهلية اللبنانية وتمكن من نشر أفكاره وكوّن أتباعه المنتشرين في العالم اليوم، حيث أسس جمعية عالمية هي جمعية المشاريع الخيرية الإسلامية عام 1983م، ولهذه الجمعية أكثر من 33 فرعا في أنحاء العالم خارج لبنان، بجانب فروعها بالداخل، وتعتبر جمعية المشاريع الخيرية الإسلامية هي واجهة نشاط الأحباش[27].

 

الخاتمة:

من خلال كل ما سبق يتضح لنا وبالملموس أن التنافس السعودي الإيراني يبلغ أشده في القارة الأفريقية، وأن كل طرف يحاول تقديم نفسه كنموذج تنموي مثالي لخلق شراكات دولية قادرة على تنمية القارة الأفريقية، غير أن هذه المثالية التي تحاول كل من إيران والسعودية إظهارها للدول الأفريقية ليست سوى ظاهر يغلف خبث استعماري من نوع جديد، تسعى من خلاله الدولتان لطمس الهوية الدينية لبلدان الأفريقية من خلال التسويق لنماذج تدين –وهابي، شيعي- تشجع وتمول الإرهاب والعنف في بقاع متنوعة في العالم.

وتبعاً لهذا يتوجب على البلدان الأفريقية أن تحسن استغلال الظرفية الراهنة والتي تتمتع فيها باهتمام دولي كبير وتنافس محموم، والبحث قدر الإمكان عن اقتناص الفرص التنموية التي من شأن هذا التنافس الدولي أن يوفرها، وتحقق تنمية تخدم مواطنيها، وتبحث عن شراكات قائمة على التعاون رابح-رابح، كالفرص التي توفرها إستراتيجية التعاون للمملكة المغربية التي تعتمد إستراتيجية تعاون جنوب-جنوب قائمة على منطق رابح-رابح.

إضافة إلى البعد الإقتصادي لإستراتيجية التعاون المغربية الأفريقية، تعتبر المملكة المغربية في الجانب الديني أفضل نموذج تدين بإشراف إمارة المؤمنين وما يميز هذا النموذج من اعتدال ووسطية، نظراً لابتعاد المملكة المغربية عن كل الأزمات والصراعات التي ترتكز على أسس الدينية أو العرقية أو الطائفية.

[1] – الوهابية هي التيار السلفي الثالث بدأت في نجد أوائل القرن الثامن عشر ميلادي على يد محمد بن عبد الوهاب ويدور نشاطها المركزي حول الدعوة والمستندة حرفيا على مصادرها، وقد سعت هذه الحركة إلى إنشاء مدارس دينية تروج لأفكارها رافضة البدع وتقديس الأشخاص ورجال الدين والتعاليم الصوفية وكما تبنت العداء الطائفي ضد الشيعة؛ للمزيد من التفاصيل راجع شوقي، ذكي، العلاقة بين الدين والسياسة في افريقيا: دراسة لبعض حركات الإسلام السياسي والأصولية المسيحية، الطبعة الأولى، القاهرة، المكتب العربي للمعارف، 2015.

[2] – أيمن، شبانة، حراك دبلوماسي: أهداف التوجه السعودي نحو قارة أفريقيا، مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة، الموقع الرسمي للمركز، أبريل 2016.

[3] – أيمن شبانة، حرك دبلوماسي: أهداف التوجه السعودي نحو قارة أفريقيا، مرجع سابق.

[4] – عبد الرحمن عبد الله عبد الرحمن يحيى، العوامل المؤثرة في السياسة الخارجية السعودية، بحث مقدم لنيل شهادة الماجستير في العلوم السياسية، جامعة الخرطوم، السودان، 2010-2009، ص140-141.

[5] – زكرياء أزم، الدبلوماسية الدينية للمملكة المغربية إتجاه أفريقيا: الآليات والمنافسة، مجلة العلوم السياسية والقانون، المركز الديمقراطي العربي المانيا- برلين، العدد الخامس، ديسمبر 2017، 361-362.

[6] – شيرين الطربلسي-مكارثي، مملكة الإنسانية؟ قيم المملكة العربية السعودية وأنظمتها ومصالحها في مجال العمل الإنساني، ترجمة أمينة نوحي، معهد التنمية فيما وراء البحار، لندن، المملكة المتحدة، سبتمبر 2017، ص3.

[7] – أيمن شبانة، حرك دبلوماسي: أهداف التوجه السعودي نحو قارة أفريقيا، مرجع سابق.

[8] – ماجد بن ضيف الله، تصور إستراتيجي للسياسة الخارجية السعودية تجاه القرن الأفريقي، رسالة مقدمة لنيل شهادة الماجستير، جامعة نايف العربية للعلوم الأمنية، كلية العلوم الإستراتيجية، 2016-2015، ص86.

[9] – فهد مزبان خزار الخزار، التوجه الإيراني إزاء أفريقيا: رؤية جيوبوليتيكية، مجلة الدراسات الإيرانية، العدد 14، السنة 2011، ص 19.

[10] – علي متولي أحمد، التغلغل الإيراني في الشرق أفريقيا وانعكاساتها على الأمن القومي الخليجي (2005-2014)، مجلة سياسات عربية، عدد ماي 2016، ص72.

[11] – شريف شعبان مبروك، السياسة الخارجية الإيرانية في أفريقيا، مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية، أبوظبي، العدد 166، الطبعة الأولى، 2011، ص12-13.

[12] – إبراهيم المقدادي، موسوعة إيران والتشييع السياسي، الجزء الأول، مركز المزماة للدراسات السياسية والبحوث، دبي، الطبعة الأولى، 2018، ص295 فما فوق بتصرف.

[13] – شريف شعبان مبروك، السياسة الخارجية الإيرانية في افريقيا، مرجع سابق، ص 20.

[14] – فهد مزبان خزار الخزار، التوجه الإيراني إزاء إفريقيا: رؤية جيوبوليتيكية، مرجع سابق، ص 23.

[15] – لهذا السبب يرجع الاهتمام الايراني الكبير بمنطقة القرن الافريقي إذ تكتسي هذه المنطقة في الجغرافيا السياسية للعالم أهمية كبيرة، إذ تطل دول هذه المنطقة على المحيط الهندي من جهة وتتحكم في المدخل الجنوبي للبحر الأحمر، حيث مضيق باب المندب من جهة أخرى، وبالتالي فإن دوله تتحكم في التجارة العالمية، خاصة تجارة النفط القادمة من دول الخليج والمتوجهة إلى أوروبا، والولايات المتحدة، كما أنها تعد ممراً لأي تحرات عسكرية من أوروبا أو الولايات المتحدة الأمريكية باتجاه منطقة الخليج العربي: للمزيد من المعلومات راجع: جلال الدين محمد صالح، القرن الأفريقي.. أهميته الإستراتيجية وصراعاته الداخلية، مجلة قراءات أفريقية، العدد الأول، 2004، ص100.

[16] – علي متولي أحمد، التغلغل الإيراني في الشرق أفريقيا وانعكاساتها على الأمن القومي الخليجي (2005-2014)، مرجع سابق، ص73.

[17] – شريف شعبان مبروك، السياسة الخارجية الإيرانية في افريقيا، مرجع سابق، ص20-21.

[18] – فهد مزبان خزار الخزار، التوجه الإيراني إزاء إفريقيا: رؤية جيوبوليتيكية، مرجع سابق، ص 23.

[19] – إبراهيم المقدادي، موسوعة إيران والتشييع السياسي، مرجع سابق، ص 303.

[20] – ياسر عبد الحسين، السياسة الخارجية الإيرانية، مستقبل السياسة في عهد الرئيس حسن روحاني، شركة المطبوعات للتوزيع والنشر، الطبعة الأولى، 2015، ص21.

[21] – إبراهيم المقدادي، موسوعة إيران والتشييع السياسي، مرجع سابق، بتصرف.

[22] – شريف شعبان مبروك، السياسة الخارجية الإيرانية في افريقيا، مرجع سابق، ص63.

[23] – إبراهيم المقدادي، موسوعة إيران والتشييع السياسي، مرجع سابق، ص 310.

[24] – شريف شعبان مبروك، السياسة الخارجية الإيرانية في افريقيا، مرجع سابق، ص 64-65.

[25] – إبراهيم المقدادي، موسوعة إيران والتشييع السياسي، مرجع سابق، ص305.

[26]  – سها إسماعيل محمد، الدور الإيراني في أفريقيا، التقرير الإستراتيجي الأفريقي، مركز البحوث الأفريقية، معهد البحوث والدراسات الأفريقية، جامعة القاهرة، 2014، ص 467.

[27] – محمد خليفة صديق، توسع الأحباش في إثيوبيا بين الرفض الشعبي والمساندة الحكومية، مقال منشور في الموقع الرسمي لسلسلة الرائد، بتاريخ فبراير 2015، للإطلاع أكثر: http://www.alrased.net/main/articles.aspx?selected_article_no=6976

Exit mobile version