رفيف عبد الستار المفرجي
جامعة محمد الخامس السويسي-كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية –كلية اكدال
باحثة في العلوم السياسية –طالبة دكتوراه
rafeef_almfarji@yahoo.com
هاتف: 00212673551554
ملخص
تتناول هذه الدراسة إلى الأقليات الدينية التي عاشت منذ ألاف السنيين على ارض العراق وبما لهذه الأقليات من دور تاريخي وحضاري وكونها جزء لا يتجزأ من المكون العراقي فانه ولابد من تسليط الضوء على معاناة هذه الأقليات وما تعرضت له من ظلم وإجحاف في الحقوق وانتهاك للحرمات من خلال ما تعرضت له من تهجير قسري وضعف في التشريعات القانونية مما دفع بعدد كبير من أبناء الأقليات الدينية إلى مغادرة ارض العراق أما تحت وطأة التهديد أو نظرا لصعوبة العيش في ظل الأوضاع التي عانوا منها بعد احتلال القوات الأمريكية للعراق والتدمير الذي عرفته مؤسسات العراق على كافة الأصعدة ومع دخول الجماعات المتطرفة وتحت تأثير التطرف الفكري لتلك الجماعات كانت فئات كبيرة من أبناء تلك الأقليات خارج ارض العراق لتعيش وضعا أكثر صعوبة ومأساوية في ظل سكوت دولي وتجاهل لقضيتهم وفي الوقت نفسه ضعف التشريعات القانونية داخل الدولة العراقية المنصفة لحقوقهم في العيش الكريم وصيانة كرامتهم كونهم جزء من أجزاء الفسيفساء العراقية المكونة لأبناء شعبه بمختلف الأديان والطوائف.
Abstract
This study deals with the religious minorities that have lived for thousands of years on the land of Iraq, including for the minority of historical and civilizational role and being an integral part of the Iraqi component part, it must be to highlight the suffering of these minorities have been exposed to the injustice and unfairness in rights and violation of the sanctity through hit him from forced displacement and weakness in the legislation, prompting a large number of members of religious minorities to leave the land of Iraq, either under duress or because of the difficulty of living under conditions that suffered after the US occupation of Iraq and the destruction that defined Iraq’s institutions at all levels and with the entry extremist groups and under the influence of ideological extremism of those groups were large groups of people of those minorities out of the land of Iraq to live a situation more difficult and tragic in light of Scott and international disregard for their cause at the same time the weakness of legislation within the fair Iraqi state for their rights to live in dignity and maintain their dignity because they are part of the mosaic parts Iraqi constituent of his people of different religions and sects.
وضع الأقليات الدينية في العراق (مرحلة الاحتلال وما بعده)
تقديم
تميز أهل العراق بشيوع لغة التسامح بين الطوائف الدينية دون استثناء ، عبر التاريخ الطويل ، تميزت بالتعاون والتنسيق والمحبة والتواصل بين النسيج الاجتماعي ،رغم إن هناك قلة من الأصوات ، التي تصب عكس مجرى التعايش السلمي ،وتحاول إن تحدث شرخ في الصف الوطني ، لكن محاولاتهم تتجابه بالفشل الذريع إمام التلاحم وقوة العلاقات والترابط المتين بين صفوف الشعب . لكن هذه الأصوات القليلة أخذت تكبر وتتكاثر وتتوسع وتتعمق في الحياة العامة بصورة أكثر توجسا وقلقا وخاصة بعد احتلال العراق، في إبراز وتشجيع ثقافتها الدينية المتعصبة اتجاه الأقليات الدينية غير المسلمة، وتصاعدت نغمتها أكثر من أي وقت مضى في الحياة العامة وفي التعامل السياسي بعدما انحدر واقع العراق تحت تأثير الخطاب الطائفي أو الانزلاق الخطير بعد اعتماد أسلوب الحكم على الطائفية ،بهذا الشكل المنحرف وقع العراق في براثن الطائفية ،كأنها الحل الوحيد لمشاكل العراق،وأسلوب معالجة أزمته السياسية بالمحاصصة السياسية والتقسيم الطائفي، بهذا التيه والتخبط السياسي وغياب الرؤية السياسية الواضحة ، التي فتحت أبواب جهنم ضد الأقليات العراقية غير المسلمة ، في بزوغ ثقافة دينية متشنجة بالحقد والكراهية ورفض التعايش السلمي ،بل الدق وتهويل على التوتر الطائفي ،والسعي إلى تحويل مؤسسات الدولة إلى مؤسسات طائفية وتتشبث بها من اجل انتصار طائفي على حساب الطوائف الدينية الأخرى . وهذه الخطوات الخطيرة التي تشتد وتتصاعد في كل جوانب الحياة العامة في الواقع السياسي ، تمثل ضربة قاصمة وانحراف بالعملية السياسية باعتبارها تمثل كل الطوائف الدينية والسياسية والمذهبية والقومية عن طريق الصواب وتمثل تهميش للخطاب السياسي المعتدل .إن الفكر العنصري المغلف بالدين والطائفة آخذا يتعمق بالاتجاه الخطير والسيئ الذي اخذ يحل محل مقام الولاء للوطن ، فقد برزت الطائفية في الممارسة ونهج التعامل وانزلاق نحو التخندق الطائفي وتأجيجه بالشحن في الخطابات التي تدعو إلى الفرقة والفتنة والانقسام في صفوف الشعب ، بهذا مسار الخطير أخذت الأوضاع تتفاقم أكثر فأكثر مما زاد الوضع السياسي المعقد أكثر صعوبة وتعقيدا على وجود الأقليات الدينية غير المسلمة.
للتميز هذه المرحلة بممارسة العنف والإرهاب والاضطهاد والبطش والتنكيل والظلم والإجحاف بحق هذه الأقليات ، وفي مصادرة ابسط حقوق المواطن الذي يقرها الدستور العراقي ، فقد ضاعت أحلام وتطلعات هذه الأقليات بان العهد الجديد سينصفهم بالحرية والمساواة والعدل ورفع الظلم والإجحاف وتحقيق التعايش السلمي الذي يوفر الأمن وسلام والاستقرار في الحياة العامة ؛ والمشاركة في بناء الوطن وتدعيم الوحدة الوطنية في إبراز الهوية العراقية والولاء للوطن ,، لقد بدأت تلوح في الأفق وبوضوح لا غبار عليه منذ سنوات الأخيرة ممارسة سياسية تفريغ الوطن من الأقليات غير المسلمة،التي كانت قديما تمثل أصحاب الأرض الحقيقيين وأهل العراق الأصليين الذين انشئوا حضارة وادي الرافدين وقدموها إلى الحضارة الإنسانية والعالم اجمع ، ألان تمارس ضدهم أبشع الأساليب اللانسانية مما اضطرت جموع كبيرة وواسعة بالهجرة خارج الوطن ؛بحثا عن وطن بدليل عن موطنهم الأصلي ، إن الثقافة الطائفية وخطابها المتزمت سيشعل العراق بنار الفتنة الطائفية في أي وقت ،طالما يحلو للبعض إن يلعب على وتر الطائفية والانقسام الطائفي ؛ وتغليب مصالح الطائفة على المصالح العليا للوطن .
إن هذه الممارسات لن تجلب الاستقرار للعراق ، ولن تسهم بحل المشاكل والمعضلات السياسية، بل تعمقها نحو الأسوأ وتغتال الوطن بدون رحمة وتجعل العراق في حالة صراع وانقسام وسيكون الخاسر الأكبر الوطن والمواطن،لذا فان أولى العلل الذي يعاني منها الوطن في تدهور الحالة السياسية واشتداد الأزمة السياسية ، هو التخندق الطائفي وشيوع الولاء للطائفة وتصدر الخطاب الديني المتزمت في الحياة السياسية ، وضياع الهوية العراقية وعدم المساواة بين الطوائف الدينية ، باعتبار إن الوطن للجميع وليس لطائفة واحدة .
من خلال ما تقدم فنحن إمام طرح السؤال التالي:
في ظل موجة التغير والتي تشهدها اليوم بلادنا العربية هل إن هذا التغير استطاع ضمان الحماية لحريات الأقليات الدينية والى أي حد كانت الأقليات في العراق متمتعة بالحرية لممارسة شعائرهم الدينية وكيف أثرت مرحلة الاحتلال الأمريكي وما بعد الاحتلال على هذه الأقليات الدينية؟
الفرضية:
رغم التغييرات التي طرأت بعد عام 2003 فقد عانت الأقليات من التهميش وطالب بعضها بنسبة تمثيل أكبر في المؤسسات الحديثة للدولة خصوصا إن الساحة بدأت تنفرد للأحزاب المتسلحة ووجود مليشيات. لم تتمكن الأقليات الدينية في العراق من مقاومة الظروف المفاجئة التي حدثت بعد التغيير السياسي الذي حصل في البلد ورغم إن البعض منها قد حصل على تمثيل في مجلس النواب إلا إنهم اخذوا يواجهون معضلة خطرة وتتمثل بتعرض هذه المجموعات لعمليات قتل وتهجير وخطف على يد الجماعات المسلحة بسبب التعصب الديني والأفكار الخاطئة تجاه هذه الأقليات التي تعتبرهم لا دين لهم مما اجبر الكثير من أبناء هذه المجموعات على النزوح عن أماكن تواجدها التاريخي والفرار إما إلى مناطق أكثر أمنا في العراق أو الخروج من العراق واللجوء إلى الدول المجاورة.
الإطار النظري
يذهب بعض الباحثين وعلماء الاجتماع المعاصرين إلى تصنيف المجتمعات من حيث تنوعها الديني والمذهبي والقومي والعرقي واللغوي والثقافي إلى ثلاثة أنماط هي: المجتمعات الفسيفسائية غير القابلة للاندماج، والمجتمعات النقية عرقياً أو دينياً أو قومياً، ,وهذه الأنماط تقع بينهما المجتمعات القائمة على التنوع والقابلة للاندماج في الوقت ذاته، فالمجتمعات العربية تتصف بالتـنوع الديني والمذهبي والقومي واللغوي والثقافي، ولكنها جميعاً قابلة في الوقت ذاته للاندماج.[1]
إذا ما أردنا الحديث عن الأقلية فلا بد وان نعرفها هي مجموعة من الأفراد الذين تربطهم خصائص قومية أو اثنيه أو دينية أو لغوية تختلف عن خصائص غالبية سكان الدولة المعنية، وهذا لا يعني إن الأقلية تكون ضعيفة أمام الأغلبية، وخاصة إن انطلقنا من واقعنا .
وتتصف هذه الأقليات من تسامي في الفكر والأخلاق وتطبيق القوانين المراعية مع إيمانها بالآخر والاعتراف به وتكيفها في محيطها وما يتطلب منها العيش المشترك من تضحيات، ليس ما تحمله أديانهم من محبة وتسامح وتواضع وحسب بل كونهم سكان البلاد الأصليين.
من حيث إن الأكثرية هي التي تصنع الأقلية إما بمنحها الامتيازات وإما بحرمانها من الحقوق، وللمنح أو الحرمان أثر واحد في النهاية. فمنح جماعة معينة امتيازات من أي نوع ومن أي درجة من شأنه أن يضاعف عزلة هذه الجماعة عن الجماعات الأخرى ويقوي لديها شعورها بالاختلاف والتمايز، أي من شأنه أن يولد لديها وضدها في الوقت نفسه نعرة دينية أو مذهبية أو قومية.
على هذا أشارت معظم مواثيق الأمم المتحدة إلى حقوق خاصة للأقليات مثل: الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وميثاق الأمم المتحدة ، واتفاقية منع جريمة إبادة الأجناس، والاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري، والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، والعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، والإعلان بشأن القضاء على جميع أشكال التعصب والتمييز القائمين على أساس الدين أو المعتقد، واتفاقية حقوق الطفل، وإعلان حماية الأقليات الصادر عن الجمعية العامة في 18 تشرين الثاني 1992، وكذلك الصكوك الدولية الأخرى ذات الصلة التي اعتمدت على الصعيد العالمي أو الإقليمي ، وجاء في ميثاق الحقوق المدنية و السياسية في المادة 27 منه : ( في تلك الدول التي تتواجد فيها أقليات عرقية أو دينية أو لغوية يجب ألا ينكر على الأشخاص الذين ينتمون إلى تلك الأقليات الحق في مجتمع فيه أعضاء آخرون من مجموعتهم في التمتع بثقافتهم , و ممارسة طقوسهم الدينية و استخدام لغتهم الخاصة بهم) .[2]
و عليه عرفت الأقليات على أنها : ( هي تجمع أناس في دولة يشتركون في خاصية مشتركة , و تكون عادة إما جنسية أو دين أو عرق أو لغة أو صفة متماثلة).[3]
وتعرف الموسوعة الأمريكية الأقلية { بأنهم جماعة لها وضع اجتماعي داخل المجتمع أقل من وضع الجماعات المسيطرة في نفس المجتمع وتمتلك قدرا أقل من النفوذ والقوة وتمارس عددا أقل من الحقوق مقارنة بالجماعة المسيطرة في المجتمع. وغالبا ما يحرم أفراد الأقليات من الاستمتاع الكافي بحقوق مواطني الدرجة الأولي}.[4]
إن عبارة ومفهوم ومصطلح الأقلية القومية والدينية تطور من وجهة نظر هيئة الأمم المتحدة منذ تأسيسها عام 1945 إلى وقتنا الحاضر واستقر مفهومها الاممي في مؤتمر فينا عام 1994 كالأتي : ( إن الأقليات القومية والدينية هي المجموعات التي صارت أقلية داخل حدود الدولة نتيجة أحداث تاريخية وقعت ضد إرادتها والعلاقة بين مثل هذه الأقلية والدولة علاقة مستديمة وأفرادها من مواطني هذه الدول).[5]
وبمراجعة تاريخية لحالة حقوق الإنسان في الدول العربية وخصوصا العراق تظهر إنها متأخرة كثيراً في ميدان حقوق الإنسان، والعراق كغيره من بلدان الشرق الأوسط عبارة عن مزيج من مختلف الأعراق والطوائف يعيش فيه العرب والأكراد والتركمان والكلدوآشوريين والأرمن والشبك وغيرهم من المجموعات العرقية أو الدينية.
1-دور أبناء الأقليات في نهضة العراق قبل الاحتلال
الأقليات القومية والدينية في العراق ساهمت وبشكل فعال في تطوير الحياة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية في البلاد. فمنذ تأسيس الدولة العراقية وأبناء هذه الأقليات يشاركون في تسيير الحياة السياسية والمشاركة في ترتيب أوضاع البلاد الاجتماعية والاقتصادية وعكس بقية البلدان ؛فقد تميز العراق بطابعه التعددي والقومي والديني والمذهبي اللافت وظهر هذا في الأثر البادي حالياً على الحياة المجتمعية والاقتصادية والسياسية وكذلك الثقافية في العراق وعملية مراجعة صغيرة للميراث التاريخي والسياسي والثقافي العراقي ستجعلنا نكتشف مئات الأسماء التي تنحدر من هذه الأقليات لعبت دوراً مشهوداً في التاريخ العراقي الحديث جنباً بجنب مع بقية مواطنيهم من أبناء العراق.
ومن هنا فإن العراق يعد من أكثر البلدان ازدحاما بالأعراق والأديان والطوائف القديمة والحديثة فغدا مجتمعه من أكثر مجتمعات المنطقة مشكلات وتعقيدات وتتلون فسيفساء مجتمعه من كل الأطياف[6].
إن مساهمة ومشاركة أبناء هذه الأقليات في بناء ونهضة العراق كانت كبيرة وكيف إنهم نظروا لأنفسهم كعراقيين مواطنين أصلاء عليهم واجبات، ولهم حقوق في ظل المظلة العراقية الجامعة لابد من القول بأن بعض هذه الملل والطوائف العراقية العريقة هي قديمة جدا عاشت في وادي الرافدين وعلى جانبيه منذ ألاف السنين بل ويمنحنا التاريخ جملة من المعلومات الهائلة عن أدوارهم الناصعة في تشكيل الحضارة العربية الإسلامية ومدى ما قدّموه من مشاركات علمية وأدبية ومهنية وحرفية صناعية وثقافية ومعيشية في الإلف سنة الأخيرة، ولمعت من بين الأقليات أسماء من المبدعين والشعراء والعلماء والأطباء والمهندسين والمترجمين والصنّاع الماهرين ؛وعاشوا في مجتمع متنوع بين الحضر والريف وهم على أتم حالة من الانسجام والود في الدواخل العراقية وكانوا يتعرضّون لكل التحديات الخارجية أسوة بأغلبية العراقيين. [7]
2- الأقليات الدينية بعد عام 2003
إن الأقليات القومية والدينية الصغيرة العراق عاشت عبر الدهور متميزة بأنشطتها وحيويتها وأمانتها وإنتاجها وإجادتها العمل ومهاراتها في مهن عديدة بل وشارك العديد من أبنائها كعراقيين وطنيين بصيرورة النهضة الثقافية ومشروعات تقدم العراق في القرن العشرين.[8]
إن الخلط بين الدين والسياسة أصبح معادلة يعتمدها الكثير ممن تبوأ مناصب حكومية وضحية هذه المعادلة هو المواطن العراقي ، فسياسة التصفية والقتل هل هي أجندة المستقبل؟؟ وإذا كانت كذلك فكيف لنا أن نلغي تاريخ وموروث امتد لآلاف السنين اشترك فيه كل هؤلاء من عرب وكرد ومسيح وتركمان وصابئة و ازيدية ؟؟ إن الاضطهاد الذي تعتمده بعض الجهات السياسية والمسلحة ضد الأقليات ما هو إلا انتهاك متعمد لحقوق الإنسان التي نصت عليه الدساتير والقوانين الدولية وإذا ما أردنا أن نحقق مواطنة مشتركة وتحقيق مصالحة حقيقية وجب الاهتمام بالأقليات الموجودة التي بدأت تنقرض شيئا فشيئا.[9]
وجاء في تقرير لمنظمة هيومن رايتس إن الأقليات الإثنية والدينية في العراق التي تشكل عشرة في المائة من مجموع سكان البلاد، ضحية عنف غير مسبوق قد يؤدي إلى زوالها. ونبهت المنظمة التي تدافع عن حقوق الإنسان إلى إن الأقليات الاثنية والدينية في العراق تواجه درجات من العنف غير مسبوقة، وهي مهددة في بعض الحالات بالزوال من وطن أجدادها، فمثلا طائفة الصابئة المندائية، كان يقدر عددها قبل سنة 2003 بـ250000 بينما يقدر عددها الآن بأقل من 50000 شخص.[10]
يتواجد في العراق أقليات قومية ودينية منذ ألاف السنين مثل ) الكلدان– السريان– الأشوريين- والأرمن والصابئة المندائين واليزيد والشبك والكاكائين واليهود) وغيرهم من المكونات القومية والدينية الصغيرة وكانت بعضها تشكل الأكثرية في العراق لكن بمرور الزمن ،ولأسباب تتعلق بالظروف السياسية والاضطهاد الديني والقومي حصلت تغييرات ديموغرافية وجيوسياسية جعلت من بعض الشعوب والقوميات أقليات صغيرة مهددة بالانقراض والتلاشي.[11]
والأقليات في عراقنا نسبتهم 11,25% موزعة كالتالي (2,75 مليون مسيحيين – 250000 يزيديين – 150000 شبك – 125000صابئة – يوجد عدد من العوائل اليهودية) طبعاً هذه الأرقام اعتمدت على اخر احصاء للسكان في العراق عام 1999 وذلك لعدك وجود تعداد رسمي جديد لكافة مكونات الشعب العراقي.
رسم بياني يبن النسبة المئوية لتمثيل الأقليات الديني
ومن خلال هذا الرسم البياني التالي نستطيع إن نصل إلى انخفاض أعداد أبناء الطائفة المندائية الذين أما طالتهم يد الغدر والإرهاب أو اضطروا للهجرة خارج العراق.[12]
الرسم البياني :عدد أبناء الطائفة الصابئة قبل 2003 وبعد2013
وحسب تقديرات الأمم المتحدة، فإن 50 في المائة تقريبا من المسيحيين العراقيين، الذين يقدر عددهم بمليون في آخر إحصاء لسنة 2003، يحتمل أنهم غادروا البلاد إلي البلدان المجاورة، ، بينما استطاع الآخرون الفرار إلي الدول الغربية من أجل الانضمام إلي عائلاتهم الكبيرة هناك ، تاركين وراءهم أنقاض أكثر من 30 كنيسة دمرها الإرهاب.[13]
رسم بياني يرصد تواجد الطائفة المسيحية قبل 2003 وبعد 2013 اعتمادا على إحصائية الأمم المتحدة
3- حقوق الأقليات في الدستور العراق لعام 2005
بعض مواد دستور العراق الاتحادي اعتبرت الإسلام دين الدولة الرسمي ومصدر أساس للتشريع ؛ولا يجوز سن قانون تتعارض مع ثوابت أحكام الإسلام وجاءت مواد أخرى منه تقول انه لا يجوز سن قوانين تتعارض مع مبادئ الديمقراطية ؛وكذلك لا يجوز سن قوانين تتعارض مع الحقوق والحريات الأساسية الواردة في هذا الدستور بذلك أوقع الدستور نفسه في إشكال وتناقض ،وان هذا الاختلاف والتقاطع والتناقض في الدستور جعل منه محل خلاف وأزمات وصراعات وتوترات مؤجلة وصامتة بين التكتلات، والتيارات والأحزاب السياسية ذو التوجه الديني المتشدد والمتعصب من جهة وبين العلمانيين والديمقراطيين والتقدميين والمكونات غير المسلمة من جهة أخرى[14].
إن مثل هذه الممارسات المتشنجة والسالبة للحريات تعتبر اعتداء واضطهاد لحريات وحقوق المكونات القومية والدينية غير المسلمة دستوريا ودينيا وإنسانيا واجتماعيا ،وهو تدخل سافر في الحريات الفكرية والشخصية الذي يتقاطع مع بعض مواد الدستور وفي نفس الوقت يشجع الجماعات المتطرفة والمتشددة والإرهابية والعصابات للتمادي والاستمرار في الاعتداء على المكونات غير المسلمة ،أبتزازها وتهجيرها وتصفيتها وقتلها التي بدأت بعد سقوط النظام السابق 2003 ولا زالت مستمرة لغاية اليوم.[15]
وفي مواد أخرى يضمن الدستور العراقي الجديد وخاصة في المادة (40) منه لأتباع الديانات والمذاهب في العراق حرية ممارسة الشعائر الدينية وإدارة الأوقاف وتكفل الدولة حرية العبادة وحماية أماكنها و تنص المادة (39) على ((أن العراقيين أحرار في الالتزام بأحوالهم الشخصية حسب ديانتهم أو مذاهبهم أو أديانهم أو معتقداتهم أو اختياراتهم)).[16]
ويقر الدستور العراقي استخدام اللغات التي تتحدث بها الأقليات القومية والدينية في لمؤسسات الرسمية والخاصة حيث تنص المادة (4 / أولا ً) على ((حق العراقيين بتعليم أبنائهم باللغة الأم كالتركمانية والسريانية والأرمينية وغيرها في المؤسسات التعليمية الحكومية وفقا ً للضوابط التربوية أو بأي لغة أخرى في المؤسسات التعليمية الخاصة)) وتضمن المادة (4 / رابعا ً) على أن ((اللغة التركمانية واللغة السريانية لغتان رسميتان في الوحدات الإدارية التي يشكلون فيها كثافة سكانية)) وتنص المادة (4 /خامسا) على انه ((لكل إقليم أو محافظة اتخاذ أي لغة محلية أخرى لغة رسمية أضافية أذا أقرت غالبية سكانها ذلك باستفتاء عام)).[17]
من جانب آخر يشمل الأقليات مضمون المادة (14) التي تساوي بين جميع العراقيين بلا استثناء حيث تنص على أن ((العراقيين متساوون أمام القانون دون تمييز بسبب الجنس أو العرق أو القومية أو الأصل أو اللون أو الدين أو المذهب أو المعتقد أو الرأي أو الوضع الاقتصادي أو الاجتماعي)).[18]
4- تهميش الأقليات
لا زالت الأقليات القومية والدينية الصغيرة في العراق الجديد تعاني التهميش السياسي والإداري فضلا عن استمرار استهدافهم من قبل الإرهاب والعصابات والتطرف .إن أعمال العنف والتطرف انعكست على الأقليات أكثر من باقي المكونات الأخرى لكونهم الحلقة الأضعف والأسهل في المعادلة السياسية المكونة، و بعيدا عن معاير الكفاءة والنزاهة والإخلاص في توزيع المناصب والمسؤوليات، وان ضغوطا تعاني منها الأقليات فيما يتعلق بحقوقهم وتقرير مصيرهم والحصول على حقوقهم القومية والدينية المشروعة كشركاء أساسيين في الوطن للحفاظ على هويتهم حيث منذ الاحتلال والى يومنا والمكونات الصغيرة فقدوا أشياء أساسية في حياتهم وهي الأمن والاستقرار والسلام والمستقبل المضمون والحقوق.[19]
وتم إقصاء الأقليات من مواقع صنع القرار والوظائف المهمة والحساسة والقيادية والأمنية والعسكرية في الدولة بسبب انتماءهم لدين أخر أو قومية أخرى ؛ولا ينتمون للكتل السياسية الكبيرة مما جعلهم غير قادرين على حماية أنفسهم ومناطق تواجدهم بسبب انعدم ثقتهم بقوات الشرطة والأمن المتواجدة في مناطقهم والتي تدير الأمور حسب أهواء وتوجيهات الكتل والأحزاب التي تنتمي إليها وبعضها تكون مخترقة من قبل الإرهاب والتطرف والعصابات. [20]
إن ما تم الإشارة إليه في أعلاه يدخل ضمن عملية استهداف الأقليات في العراق تؤدي الى تهجرهم وإفراغ العراق منهم حيث يذبحون يوميا من قبل الإرهاب والتطرف والعصابات ،وقد أصبح معلوما إن استمرار تنفيذ مثل هذه الجرائم الشنيعة بحقهم يجري أمام أنظار الحكومة العراقية والبرلمان الاتحادي والكتل السياسية الكبيرة والمجتمع الدولي وهيئة الأمم المتحدة من دون أي حلول ملموسة ومقنعة على الأرض في الوطن لحمايتهم وضمان حقوقهم القومية والدينية والتاريخية والإنسانية المشروعة كأبناء أصلاء لوطنهم وشركاء فيه، وليس ضيوف وكذلك عدم صدور فتاوى شرعية دينية من علماء ومراجع الدين الإسلامي السنية والشيعية لتحريم واستباحة دم وأموال أبناء الأقليات بشكل واضح وصريح و لهذا لا زال المواطن من أبناء الأقليات خائفا على مستقبله مما يجعله التفكير بالهجرة لإيجاد وطن جديد وبديل للامان والعيش الكريم بكرامة وكبرياء.[21]
5-استمرار استهداف الأقليات
إن استمرار استهداف الأقليات الدينية في العراق يعني إن المشكلة لا زالت قائمة بدون حلول واقعية وان الحماية الأمنية والإجراءات والتدابير المتخذة من قبل الحكومة العراقية والبرلمان الاتحادي على الأرض ليست جدية وفعالة وكافية ومقنعة ؛حيث لازالت تعاني الأقليات الدينية من الوعود وكلمات التضامن وردود الفعل الإعلامية الرسمية والحزبية والدينية الايجابية للحكومة والبرلمان والكتل السياسية العراقية الكبيرة وبعض رجال الدين بعد كل عملية استهداف.
لكن يبقى موقف الحكومات العراقية الاتحادية المتعاقبة على بغداد هشا ًوضعيفا ًوغير منصفا فيما يخص حقوق وحماية الأقليات وبقية المكونات الصغيرة ومنذ 2003 ولغاية اليوم كان موقفها يقتصر على الشجب والإدانة والاستنكار والمناشدة بالبقاء وعدم مغادرة الوطن للهجرة من دون أي ضمانات بالحقوق والأمن بشكل جدي ، وكذلك يتم مطالبة هذه الأقليات الدينية بالصبر والتمسك بالأرض والممتلكات العقارية ، في الوقت الذي تتحدث الإنباء عن موجه جديدة غير مسبوقة لنزيف الهجرة والنزوح بين أبناء الأقليات أما إلى إقليم كردستان الأمن أو سهل نينوى أو إلى خارج العراق (سوريا والأردن وتركيا ولبنان ومصر) كمحطة أولى بحثا عن الأمان والعيش الكريم.[22]
أما مزاعم وشكوك البعض بأبناء الأقليات ومستقبلهم بترويج مفاهيم مغلوطة مفادها إن أبناء الأقليات من السهل تهجيرهم لسببين الأول إنهم اقل تمسكا وتشبثا بالأرض والوطن من غيرهم من مكونات الشعب العراقي والثاني وجود تسهيلات دولية لاستقبالهم كاللاجئين باعتبارهم مضطهدين فعليا في وطنهم لكن واقع حال أبناء الأقليات يقول غير ذلك ويدحض ويفند هذه المزاعم جملة وتفصيلا بما لا يدع مجالا للشك لأنهم واجهوا كل المخططات والمؤامرات والصعوبات التي كانت تستهدفهم وتهمشهم ولا زال الكثير منهم يقاوم ويلتصق بالأرض والوطن بأيمان وقناعة وثقة لا تهتز وان أبناء الأقليات ومنهم شعبنا قدموا تضحيات جسيمة للتمسك بأرضهم ووطنهم ومبادئهم وحقوقهم وحرياتهم المشروعة لأنهم شركاء أساسين فيه بثقة وقناعة حقيقية راسخة ووعي وطني وقومي صادق حيث تحملوا الحصار الاقتصادي ودفعوا فاتورته غاليا من دماء وعرق أبنائهم ولم يتركوا ويغادروا وطنهم.[23]
ومن الأسباب الأخرى لقتل وحرمان وتهميش وإقصاء وتهجير أبناء الأقليات هو تسلل وتغلغل مفاهيم ومضامين ثقافية ودينية مغلوطة ومقلوبة ودخيلة إلى جسم المجتمع العراقي بغفلة من حيث يقوم الإرهاب والتطرف باستغفال عقول الناس البسطاء وتتمحور هذه المفاهيم في تهميش وإقصاء وإلغاء وتكفير المكونات الدينية والقومية الصغيرة (غير المسلمة) بعد ( 2003) استطاعت التنظيمات الإرهابية الدينية والقومية المتطرفة تمرير هذه المفاهيم ضد أبناء الأقليات غير المسلمة تستند إلى بعض الفتاوى المنتمية للفكر المتطرف ، حيث بموجبها يستبيحون دماء وأملاك وأعراض أبناء المكونات غير المسلمة إن مثل هذه الفتاوي شجعت مثل المتطرفين على استباحة حرمة كنيسة سيدة النجاة ودماء المصلين فيها وحرمة بيوت المسيحيون في بغداد والموصل ؛ إضافة للتهديدات والابتزاز والتهجير القسري ترهيبا وغيرها من الأساليب التي أدت إلى هجرة الغالبية العظمى من أبناء الأقليات بحثا عن ملاذ امن .[24]
[1] -احمد سيد النجار،نكبة العراق،مطبوعات مركز الدراسات السياسية والإستراتجية،القاهرة ،2003،ص39
[2] – نص إعلان الأمم المتحدة لحقوق الأشخاص المنتمين إلى أقليات دينية،اعتمدته الجمعية العامة في قرارها47/135
[3] –نيفين مسعد،النزاعات الدينية والمذهبية والعرقية في الوطن العربي،مجلة المستقبل العربي،العدد364،يونيو2009،ص66
[4] -http://www.infoplease.com/encyclopedia/1uslitbio.html
[5] -نص إعلان الأمم المتحدة لحقوق الأشخاص المنتمين إلى أقليات دينية،اعتمدته الجمعية العامة في قرارها47/135
[6] -علي عباس مراد،إشكالية الهوية في العراق:الأصول والحلول،مجلة المستقبل العربي،العدد390،اغسطس2011،ص89
[7] -رشيد الخيون ،ضد الطائفية ،نشر دار المدارك،لبنان،ط1،2011،ص44
[8] -مختار لامني ،الأقليات في العراق ضحية أخرى ،مجلة المستقبل العربي،العدد369،نوفمبر 2009،ص159
[9] -دهام محمد العزاوي،مسيحيو العراق :ضحية الحاضر والمستقبل،مجلة المستقبل العربي،العدد405،نوفمبر 2012
[10] -تقرير هيئة الهلال الأحمر،المهجرون العراقيون، مجلة المستقبل العربي،العدد352،يونيو 2008،ص110
[11] -نيفين مسعد،النزاعات الدينية والمذهبية والعرقية في الوطن العربي،مجلة المستقبل العربي،العدد364،يونيو2009،ص66
[12] -اعتمد الرسم الباني على احصائية اخر تعداد سكاني للعراق عام 1999 وما بعد 2003 اعتمد على الارقام المقدمة من مجلي الاقليات الدينية والذي شكل بعد الاحتلال للاهتمام بشؤون الاقليات داخل وخارج العراق
[13]– مختار لامني ،الأقليات في العراق ضحية أخرى ،مجلة المستقبل العربي،العدد369،نوفمبر 2009،161
[14] -الدستور العراقي لعام 2005،ديباجة
[15] -حميد حمد السعدون،العراق وثقافة الإخضاع السياسي،مركز دراسات الوحدة العربية،بيروت،ط1،2006ص98
[16] -الدستور العراقي لعام 2005
[17] -الدستور العراقي لعام 2005
[18] -المصدرالسابق
[19] -مسعود الظاهر ،تداعيات العدوان على العراق،شؤون الأوسط ،عدد111،صيف 2033،ص20
[20] -هاني فارس،الآثار السياسية والاجتماعية للحرب على العراق،مجلة المستقبل العربي،العدد295سبتمبر 2003،ص36-40
[21] -مصطفى علي العبيدي،صفحات من احتلال العراق ،الدار العربية للعلوم والنشر،بيروت ،ط1،2008،ص138
[22] -اليزبيث فيريس،عودة اللاجئون العراقيين إلى ديارهم،مجلة المستقبل العربي،العدد372،فبراير 2012،ص 135
[23] – مصطفى علي العبيدي،صفحات من احتلال العراق ،الدار العربية للعلوم والنشر،بيروت ،ط1،2008،ص138
[24] -توبي دودج ،العراق على طريق رجوع للدكتاتورية ،مجلة المستقبل العربي ،العدد403،سبتمبر 2013،ص118-120