واقع العلاقات الدولية في ظل جائحة كورونا و ما بعد الجائحة
ادمين سلطانة
دكتوراه في القانون العام
المؤسسة: جامعة محمد الخامس بالرباط
الملخص:
التحولات في العلاقات الدولية في العالم ما بعد كورونا (كوفيد 19) ستغير وجهة القيادة العالمية وسترسم شكلا جديدا من العولمة حيث أن فيروس كورونا شكل أزمة صحية غير مسبوقة في التاريخ السياسي الحديث، ليضع دول العالم أمام تحديات كبيرة و لها تبعات على العلاقات الدولية، والتي حكمت معظم دول العالم، فالعالم كان مستقرا بعلاقات تنظمها مجموعة من الاتفاقيات و المعاهدات التي حكمت التحالفات و التكتلات، و ارسي من خلالها آلية العمل للسياسة الخارجية لكل محور، لتكون الولايات المتحدةالامريكية سيدة الهيمنة و الديكتاتورية التي تحكم دول العالم، فالحليف لها هو التابع، و العدو هو من يطلع لبناء أمجاد بلاده دون تحفظ على الخطوط الحمراء التي كانت تفرضها أمريكا في حكم دول العالم. فجاءت كورونا لتضع أكبر اختبار للعالم،والتي أدخلت الجميع في دوائر الخوف والهلع بل أفقدت البعض القدرة على السيطرة في احتوائها. في هذه اللحظة التي ظهرت فيها أمريكا في موقف دول انتهازية وأنانية، وأوروبا هي أيضا ظهرت أمام هذا الحدث كقوة دولية متراخية غير متماسكة وضعيفة وغير جادة في مواجهة كورونا منذ بدايتها. وفي المقابل، ارتفعت الصين من الناحية الدولية وترقت مواقفها وقدراتها، لتتحول عندها الساحة الأوروبية إلى ساحة المواجهة بينها وبين أمريكا.
وبما أن الحقيقة هي أن كل هذه المؤشرات تدل على بدأ تغيير الموقف الدولي، بل إعادة تشكيل المواقف الدولية، وان لم يكن مؤشرا قويا على قرب انهيار المنظومة الدولية. ولكن يظل مؤشرا هاما على التغيير الكبير في طبيعة وشكل العلاقات الدولية بعد كورونا. فما هو واقع العلاقات الدولية في ظل جائحة كورونا؟ وماهو مستقبل العلاقات الدولية ما بعد كورونا؟
هذا ما سنحاول الإجابة عنه في بحثنا هذا، في محورين هامين: المحور الأول يتعلق: واقع العلاقات الدولية في ظل جائحة كورونا. والمحور الثاني: مستقبل العلاقات الدولية ما بعد كورونا.
الكلمات المفتاحية: كورونا- العلاقات الدولية – المنظومة الدولية – العولمة – التحديات
Summary:
The transformations in international relations in the post-Corona world (Coved 19) will change the direction of global leadership and will draw a new form of globalization as the Corona virus constitutes an unprecedented health crisis in modern political history, putting the world’s countries facing major challenges and having consequences for international relations, which ruled most of the world, the world was stable with relations governed by a set of agreements and treaties governing alliances and blocs, and during which the mechanism of action for foreign policy of each axis of the United States of America The lady of domination and dictatorship that governs the countries of the world, the ally is the follower, and the enemy is the one who comes to build the glories of his country without reservation on the red lines imposed by America in the rule of the countries of the world. Corona came to put the biggest test of the world, which brought everyone into circles of fear and panic, and some even lost control in containing it. At this moment when America has emerged in the position of opportunistic and selfish states and Europe, it has also emerged before this event as an incoherent, weak and unserious international force in the face of Corona since its inception. In contrast, China rose in terms of …of domination and dictatorship that governs the countries of the world, the ally is the follower, and the enemy is the one who comes to build the glories of his country without reservation on the red lines imposed by America in the rule of the countries of the world. Corona came to put the biggest test of the world, which brought everyone into circles of fear and panic, and some even lost control in containing it. At this moment when America has emerged in the position of opportunistic and selfish states and Europe, it has also emerged before this event as an incoherent, weak and unserious international force in the face of Corona since its inception. On the other hand, China has risen internationally and its positions and capabilities have risen, turning the European arena into a confrontational arena between it and America. Since the fact is that all these indicators indicate that the international that the international position has begun to change, but the restructuring of international positions, although not a strong indication of the imminent collapse of the international system. But it remains an important indicator of the significant change in the nature and form of international relations after Corona. What is the future of post-Corona international relations?
This is what we will try to answer in this research, in two important axes: the first relates to the reality of international relations under the Corona pandemic. The second is the future of post-Corona international relations.
Keywords: Corona – International Relations – The International System – Globalization – Challenges
Résumé :
Les transformations dans les relations internationales dans le monde post-Corona (Coved 19) changeront la direction du leadership mondial et entraineront une nouvelle forme de mondialisation car le virus Corona est une crise sanitaire sans précédent dans l’histoire politique récente, mettant les pays du monde face à de grands défis et ayant des conséquences pour les relations internationales, qui ont gouverné la plupart du monde, le monde était stable avec les relations organisées par un groupe d’accords et de traités qui régissaient les alliances et N États les blocs et établi à travers elle la machine de travail pour la politique étrangère de chaque axe d’être la dame de l’hégémonie et la dictature qui gouverne les pays du monde, l’allié est le suiveur, et l’ennemi est celui qui vient construire les gloires de son pays sans réserve sur les lignes rouges que l’Amérique imposait dans la domination des pays du Je perds le plus gros. Monde. En ce moment où l’Amérique est apparue dans la position des La Chine a augmenté en termes d’International et ses positions et capacités ont été améliorées, puis l’arène européenne sera transformée Sur la place. États opportunistes et égoïstes et de La confrontation entre elle et l’Europe, C’est n’importe qui a émergé avant cet événement comme une force internationale laxiste, incohérente, faible et pas sérieuse face à Corona depuis sa création. Et l’Europe,
Puisque la vérités que tous ces indicateurs indiquent que la situation internationale a commencé à changer, mais la restructuration des positions internationales, mais pas une indication forte de l’effondrement imminent du système international. Toutefois, il demeure un indicateur important du changement important dans la nature et la forme des relations internationales après Corona. Quelle est la réalité des relations internationales dans le cadre de la pandémie de Corona? Quel est l’avenir des relations internationales post-Corona ?
C’est ce à quoi nous allons essayer de répondre dans cette recherche, en deux axes importants : le premier concerne la réalité des relations internationales dans le cadre de la pandémie de Corona.
Mots clés : Corona – Relations internationales – Le système international – Mondialisation – Défis
مقدمة:
أعلنت الصين في 31 ديسمبر 2019 عن تفشي مرض أطلق عليه أسم كوفيد19 في مقاطعة هوباي، وهو المرض الذي يصيب كل من ينتقل إليه فيروس كورونا، بعدها أعلنت المنظمة العالميةللصحة ان الفيروس،هو ” جائحة ” أو “وباء”، له آثار على الصحة، كما أن له أبعاده الاقتصادية والاجتماعية، والسياسية. مما جعل المنظمة، تعبئ كل جهودها ومواردها للتصدي لهذا الوباء، لأن المرض وان ظهر في الصين[1]، فقد ضرب النظام الدولي المتعولم ككل في عصر العولمة الحالي. مما جعل البشرية تخوض حربا تختلف عن الحروب التقليدية، وهي الحرب ضد كورونا. فبغض النضر عن الأسباب التي أدت لانتشار الفايروس،سواء كان ذلك بشكل طبيعي، عن طريق الانتقال من أنواع معينة من الخفافيش والأفاعي،أم أنه انتشر كسلاح بيولوجي لهيمنة دول على دول أخرى، والتي يعتقد البعض أن للصين دورا فيها. فيما يظن آخرون أن مخابرات إسرائيلية، وأمريكية، هي من اصطنعتها. ولكن كل هذا غير مهم، فالشيء الأهم، والذي يجب معرفته، هو انه هناك تغيير، أو تحول خاص في العلاقات الدولية، هاته الأخيرة التي عرفت من قبل، العديد من التحولات في النظام الدولي نتيجة أحداث كثيرة.
فمنذ أن كانت أوروبا مركز القوة في العالم، وكان النظام فيها متعدد الأقطاب بسبب مفصلية كثرة التكتلات و الأحلاف[2]، التي اتخذت شكل الحراك، مما أدى إلى انهيارها مع بداية القرن العشرين حيث انقسم العالم إلى قسمين أو تحالفين رئيسيين، ما مهد لقيام الحرب العالمية الأولى، التي أفرزت ديكتاتوريات، جعلت النظام يعيش اللاتوازن، مما أدى إلى قيام الحرب العالمية الثانية، و التي أدت نتائجها إلى حدوث تحولات و تغيرات جذرية في النظام الدولي، و في صورة توزيع للقوى عالميا. فظهر قطبان عالميان جديدان هما الولايات المتحدة الأمريكية، والاتحاد السوفياتي اللذين باتا قادرين على تقرير صورة النظام الدولي ورسم سياسة العالم والسيطرة عليه، وعرف النظام الدولي ثنائية القطبية في تلك المرحلة،واستمر على هذا الشكل طيلة فترة الحرب الباردة.التي انعكست في تلك المرحلة في العديد من المظاهر، لا سيما، سباق التسلح النووي، و استمرار تواجد الأحلاف العسكرية…الخ. وقد شهدت تلك الفترة العديد من مظاهر التقارب أحيانا، والصراع أحيانا أخرى بين هذين القطبين، وكان الصراع بين المعسكرين، الرأسمالي والشيوعي، أيديولوجيا بشكل أساسي. لكن بعد انهيار الاتحاد السوفياتي عام 1991، شهد النظام الدولي، شكلا آخر من أشكاله، حيث تربعت الولايات المتحدة الأمريكية على رأس الهرم الدولي، معلنة تفردها بقيادة العالم،وظهر النظام الأحادي القطبية. هذا النظام الليبيرالي، كان عاملا رئيسيا في الحركة المتنامية للناس عبر الحدود، سواء لأغراض التجارة أو التمويل الدولي، أو تدفق الأموال، أو العمالة، أو الدراسة، أو السياحة. لكن هذه العولمة سمحت بانتشار الفيروس التاجي بجميع أنحاء العالم.فقد اجتاح مختلف الدول في بقاع العالم، مخلفا أزمة خانقة في شتى مناحي الحياة، مما يجعلنا نتساءل عن التطور العلمي للدول المتقدمة وبنية العلاقات الدولية في مجال الصحة العالمية.
فأي مستقبل للعلاقات الدولية ما بعد كورونا؟ هل يدخل العالم عصرا جديدا أو نظاما دوليا جديدا؟، أسئلة تتكرر مع كل واقعة كبرى، ففي القرن الحالي، اقترن هذا السؤال بعدة أزمات على الصعيد العالمي[3]، و التي بدأت مع الأزمة المالية العالمية لسنة 2008، ثم الفوضى التي سادت النظام الشرق أوسطي،وخاصة بعد موجات الربيع العربي 2011، و أخيرا أزمة فيروس كورونا، التي أجبرت الجميع على إعادة التفكير في هيكل النظام العالمي و ميزان القوى الخاصة به. فلا شك أن جائحة كورونا، هي أزمة كبرى ألقت بظلالها على جوانب عديدة من نشاطات العالم،الاقتصادية، و الاجتماعية، و الصحية، و السياسية، و التكنولوجيا، و حتى العسكرية.كما أن هذه الأزمة ستترك آثارا على النظام العالمي، ربما تستمر لأجيال عديدة بالتزامن مع تغيير واضح في أنماط العلاقات الاجتماعية داخل الدول، و أنماط العلاقات الدولية في النظام العالمي[4].
وبما أن الهيمنة و القيادة، يشكلان أبرز معالم النظام العالمي، و الذي تتصارع عليهما القوى العظمى، و المتحكمة في مجريات الأحداث العالمية، فان النقاش يحتدم حول احتمالية أن يشهد العالم تغييرا في مراكز السيطرة و التحكم، و هنا يثار التساؤل المهم، وهو: من سيقود العالم بعد جائحة كورونا؟ فحقيقة، لا يمكن لأحد، الإجابة حاليا، لأن الجائحة لازالت تشد العالم. لذلك فكل ما يقال أو يكتب، هو محاولة كلامية للفهم والاستيعاب،[5] والتي تعتمد على الآليات التي اتبعتها الدول التي حققت نجاحا واضحا في احتواء كورونا، ومعالجة آثارها، على أساس أن جميع الباحثين و المحللين، يتفقون على ان ما بعد كورونا، لن يكون كما كان قبلها، فهم يتوقعون حدوث تحولات مهمة[6]، خصوصا على مستوى العلاقات الدولية، وإذا اعتبرنا إمكانية حدوث تغيير،فماهي السيناريوهات المتوقعة؟
تساؤلات كثيرة طرحناها في مقدمتنا لهذا الموضوع، و التي سنجيب عنها في بحثنا هذا من خلال محورين أساسيين: الأول يتعلق بواقع العلاقات الدولية في ظل جائحة كورونا، و المحور الثاني يتعلق بالنضرة المستقبلية للعلاقات الدولية ما بعد الجائحة.
المحور الأول: واقع العلاقات الدولية في ظل جائحة كورونا
لا يمكن أن نرسم معالم ونتائج أي أزمة، وهي في مرحلة بدايتها أو في وسطها، بغض النظر عن مُسبِّب الأزمة، وطبيعتها، فيعمد المُحلّلون الإستراتيجيون إلى تحليل المعطيات العلمية والجيوبوليتيكية المُحيطة بالأزمة المطلوب دراسة مفاعيلها على كافة المستويات، وكلٌّ وفقاً للهواجس التي تسكنه، كما هو الحال في خضم الأزمة الحالية لجائحة كورونا، وبالتالي انعكاسها على شبكة العلاقات الدولية التي سوف تخضع حتماً للنتائج التي سوف تتبلور مع بدء انحسار الأزمة.ورغم أن بعض معالمها بدأت تتبلور، وإن كان بشكلٍ مبدئي، فإن اكتناف الغموض العلمي حول مصدر جائحة “كوفيد-19″، يبقى عائقا رئيسا أمام معرفة التحوّلات الدولية التي سوف يرسو عليها العالم مابعد الجائحة،[7]
وسنحاول في هذا المحور،التطرق إلى انعكاس هذه الأزمة على علاقات المراكز الإقليمية المهمة البينية والمتعددة وكذلك تأثيرها في تراجع دور التكتلات الدولية الكبرى، مثل الاتحاد الأوروبي.
الفقرة الأولى: تأثير جائحة كورونا على علاقات المراكز الإقليمية المهمة البينية والمتعددة
لم تقف تداعيات «كورونا» عند ضحاياه ومصابيه ومحجوريه؛ فقد أحدث الوباء توتُّراً ملحوظاً في سماء العلاقات الدولية، وكأنه يختبر قدرة البلدان على تنحية خلافاتها السياسية والعمل فريقاً واحداً لمواجهته. حيث تراجع مفهوم التضامن الدولي، والمسؤولية الجماعية والعمل المشترك، والذي من المفترض أن يكون الأساس لمواجهة جائحة عالمية، تهدد السلم والأمن الدوليين، لصالح مفهوم الأنانية الدولية خاصة من جانب الدول الكبرى، و التي دخلت في تسابق لاختطاف شحنات الأدوية و المعدات الطبية و تبادل الاتهامات حول المسئولية عن الفيروس مثلما حدث بين أمريكا و الصين. فبعد الخلاف التجاري بين أكبر اقتصادَين في العالم، ظهر الفيروس المستجد ليجعل الصراع بينهما «بيولوجيّاً»، وليتسبَّب في تبادل اتهامات بينهما حول نشأته، ناقلاً مستوى المواجهة إلى المرحلة الأشد خطراً. وبينما كسبت بكين دولاً أوروبية عبر «دبلوماسية الكمّامات»، التحقت دول أوروبية أخرى بموقف واشنطن، منتقدةً ما اعتبرته تورُّطاً صينياً في ظهور الوباء، وتضليلاً في المعلومات التي أفرجتها للعالم.[8]أيضا لاحظنا تراجع القوى العظمى عن مسؤوليتها العالمية خاصة الولايات المتحدة الأمريكية، التي هددت بالانسحاب من منظمة الصحة العالمية، ووقف التمويل الأمريكي لهان بسبب ما اعتبره الرئيس ترامب انحياز المنظمة للصين. بالإضافة إلى امتناعها(أمريكا) عن تجميد عقوباتها وعن إلغائها، بل رفعت من حدة إجراءاتها ضد إيران، على الرغم من ان هذه الأخيرة من أشد الدول تعرضا لخطر الوباء.من جانبها أعلنت الصين عن استعدادها لمد العون لكل دولة تطلبه خاصة و أن خبرتها في مقاومة الوباء أوسع من خبرات الدول الأخرى،فالصين تحاول ملأ الفراغات التي تتركها واشنطن، حيث تقوم بدور في مساعدة دول العالم، ومنظمة الصحة العالمية، ليس فقط لتغطية الفراغ، وإنما من أجل تقديم نفسها كبديل للولايات المتحدة، والإحلال مكانها، لكن تبقى الصين بالنسبة لباقي دول العالم، دولة غير واضحة، حول كيفية إدارتها للنظام العالمي، ومدى مصداقيتها، خاصة بعد الاتهامات الأمريكية لها بأنها تقف وراء ما يشهده العالم من تداعيات كارثية بسبب فيروس كورونا[9]. ولم ينتهِ الأمر عند هذا الحد، فقد رأينا الحكومة الفيدرالية الأمريكية تعاني من عدم القدرة على فرض سلطاتها على حكومات الولايات، مما أدى إلى عدم وجود خطة شاملة لمواجهة الفيروس. في المقابل كانت القيادة المركزية في الصين وأسلوب الحوكمة، كانا هما السبب في الحد من انتشار الفيروس وإصدار قرارات ينصاع إليها الجميع بسبب قيمة الجماعية Collectivisme التي يتمتع بها المجتمع الصيني وهي بخلاف الفردية، حيث أدت إلى تمدد الأزمة عند حد معين[10]
الفقرة الثانية:تراجع دور التكتلات الدولية الكبرى،” الاتحاد الأوروبي.”
مع بداية انتشار الوباء أوروبياً، كان التعبير اللفظي عن التضامن، المُبتغى بين دول الاتحاد الأوروبي مبعثاً على التفاؤل بحصادٍ إيجابي في المجال الإنساني لاتحاد ناجح نسبياً في المجالين السياسي والاقتصادي. إلا أن هذا الأمل سرعان ما تلاشى مع تزايد عدد المصابين في هذا البلد أكثر من ذاك. وشعر كل بلد بأحقية مواطنيه بالمعدات والتجهيزات التي كان توفرها محل معلومات متناقضة.خاصة بعد اتهام العديد من الدول الأوروبية مثل إيطاليا واسبانيا الأكثر تضررا من الفيروس، الاتحاد الأوروبي بالفشل في مساعدتها، وغياب وجود سياسة تضامن جماعية لمواجهة التداعيات الاقتصادية، حيث رفضت بعض دول الاتحاد مثل ألمانيا وهولندا مفهوم المسؤولية الجماعية في تحميل أعباء أزمة كورونا[11].وقد صارت الأولويات الوطنية هي الراسم للسياسات الإقليمية والدولية،[12] حتى أن هذا الشعور قد دفع البعض لإصدار تصريحات فيها من الانعزالية والأنانية والانغلاق، ما يمكن له أن يضعف أي مشروع إقليمي مهما كان متيناً كمشروع الوحدة الأوروبية.ولقد بدت الفجوة تكبر عندما توجهت إيطاليا، والتي ملأ صراخها العالم؛ مطالبة للأجهزة الطبية والمعدات، وجاءها الرد والعون من أقصى الشرق من الصين، ومن دول أخرى منها كوبا وروسيا ومصر. أيضا قول رئيس صربيا لشعبه والعالم: “إن الاتحاد الأوروبي وهم كبير”، بعد أن وجه نداء استغاثة للاتحاد الأوروبي، دون رد، فكان الجواب أيضا من الصين.
وعلى الرغم من الرهانات غير الأوروبية، على انهيار المشروع الأوروبي والتنبؤات بفشله، إلا انه سرعان ما عاد إلى الواجهة.[13] فقد نقل مصابين من مشافي فرنسا التي تقع في مقاطعات مجاورة لألمانيا للتخفيف عن المشافي الفرنسية، وكذا كان الأمر مع إيطاليا في الاتجاهين. وتحركت مؤسسات الاتحاد الأوروبي، وخصوصاً الاقتصادي منها؛ لتحريك أموال طائلة لإدارة الأزمة الطارئة.لكن ما يعيب على هذا الاتحاد المهم هو غياب تفصيلٌ هام عمن انتقد بشدة فشل المشروع الأوروبي في إيجاد الردود الصحية السريعة على اجتياح الوباء للقارة العريقة. هذا التفصيل يتعلق بغياب أية إدارة موحدة للمسألة الصحية ضمن المؤسسات الأوروبية، ليس عن إهمال ولكن ترجمة لرغبة الدول الأعضاء منذ المفاوضات الأولى لترك المسائل الصحية ضمن المسائل السيادية لكل دولة عضو. فلا مفوضية أوروبية للصحة كما يوجد للاقتصاد وللسياسة الخارجية وللمال…الخ. وبالتالي، ومن خارج هذه المنظومة، من الطبيعي أن يكون التنسيق عاجزاً، وخصوصاً في المراحل الأولى، عن الاستجابة للاحتياجات الطارئة. فأي مستقبل ينتظر الاتحاد الأوروبي؟ فقد يرتبط ذلك المستقبل بالقدرة على إظهار القوة والتضامن الاقتصادي في إنقاذ الدول المتضررة بشكل كبير، وهو ما قد يجعل تلك الدول الغاضبة الآن من تأخر الاستجابة الأوروبية للوباء، تضع ذلك الغضب جانبًا من أجل الاستفادة من المساعدات الاقتصادية من الدول الأغنى، وتحديدًا: ألمانيا وفرنسا.[14]
الفقرة الثالثة: أزمة المؤسسات الدولية والإقليمية
أبرزت هذه الأزمة وجود قصور شديد للغاية لدى كل من المؤسسات الدولية والإقليمية، والتي أصبحت غير قادرة على أداء عملها، والاكتفاء بدور المتفرج، باستثناء بعض الخُطب الرنّانة التي عجزت عن إيجاد حلول لعلاج الأزمة ومساندة شعوب الدول الأعضاء فيها،ولعل أهمها ما تعانيه الأمم المتحدة من الارتهان ومن عدم الاستجابة السريعة،[15] حيث لوحظ تباطؤ في دور الأمم المتحدة في مواجهة هذه الأزمة التي تعصف بالعالم. فمنظمة الصحة العالمية وهي إحدى وكالات الأمم المتحدة كانت الأقل تعاطيًا مع أزمة دولية، هي من صميم مهامها وواجباتها الأممية، وباستثناء إعلانها عن كورونا وباء عالميا وربما بعض التصريحات الخجولة، لم نلاحظ أي نشاط فاعل في مواجهة الفيروس، أو وضع خطة إستراتيجية لمواجهة كارثة إنسانية مثل كورونا، ورغم كل العيوب التي تعاني منها منظمة الأمم المتحدة، إلا أن اللوم يقع على الدول الأعضاء فيها وبشكل خاص الولايات المتحدة الأمريكية التي ما برحت تعمل خلال العقدين الماضيين على تهميش هذه المنظمة.[16]
يرتبط بأزمة النظام أيضًا، فشل النموذج التنموي الذي تدعو إليه المؤسسات الاقتصادية والمالية الدولية[17] (البنك الدولي وصندوق النقد الدولي) وهو ما يُعرف بتوافق واشنطن.Washington Consensus ، هذا النموذج الذي يقضي بإزالة الدعم المُوجّه إلى الطبقات الدنيا والحد من دور الدولة في حياة شعوبها، أيضا هذه المؤسسات[18] عجزت عن استيعاب الأخطار الجديدة التي تهدد الأمن والسلم الدوليين وظهرت منحصرة على مفهوم الأمن التقليدي الذي أثبت عدم شموله للأخطار التي تحيط بالحضارة الإنسانية.والجهاز الأول المسئول عن هذا الخبو هو مجلس الأمن الدولي. ليس هذا وحسب ولكنها أيضًا أثبتت عدم قدرتها على حشد وتعبئة الجهود الدولية لوضع خطة إستراتيجية لمواجهة هذا الخطر، وانحصر دورها على إلقاء الخطب وبعض المبادرات الصغيرة محدودة الأفق فضلاً عن بقائها –المؤسسات الدولية والإقليمية- رهينة مؤامرات سياسية وابتزازات من جانب الممولين والمانحين بها.
فقد رأينا الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يقطع التمويل عن منظمة الصحة العالمية، وكذلك عجز وزراء مالية الاتحاد الأوروبي عن التوصل إلى اتفاق بشأن إعداد خطة مالية متكاملة لمواجهة أزمة فيروس كورونا، وذلك بسبب الخلافات بين الدول الأوروبية حول أولويات هذه الخطة المالية. كما أن هذه المؤسسات تعاني من مثل هذه الأزمات، إذا فلابد لتلك المؤسسات أن تعيد النضر في مصدر تمويلها والبحث عن مصادر تمويل أكثر استدامة. تكون بعيدة عن ابتزاز القوى العالمية لها.وبالإضافة إلى الأزمة المالية للمؤسسات الدولية والإقليمية، فهي تعاني أيضا من أزمة حوكمةGouvernance Crisis ترتبط بآلية صنع واتخاذ القرار داخلها، التي من أهم أسبابها البيروقراطية المستشرية داخل أروقة أجهزتها. هنا أيضا نقول بان جائحة كورونا، أعادت مسألة رسم حدود السيادة الوطنية، الأمر الذي يفسد مفاهيم كثيرة استمر الجدل بشأنها في عصرنا هذا، وهنا أعني العولمةGlobalisation، والإقليميةRégionalisme، والأمن الإنساني[19].
المحور الثاني: مستقبل العلاقات الدولية ما بعد كورونا
إن هذا الوباء المفاجئ لا يضع تحديات هائلة أمام أمن الصحة العامة العالمية فحسب،بل أصبح كمحطة هائلة للانعطاف في مسار العالم[20]. لان التجربة قد علمت انه مع كل جائحة هائلة، و مع كل مواجهات حروب مدمرة، تسقط أنظمة تدبير علاقات دولية و تولد أنظمة جديدة يؤرخ لها كقطائع في مسار تطور البشرية، وواضح اليوم، أن سنة 2020 هي سنة انعطاف من ذات المستوى في التاريخ.[21]لذلك فأغلب المحللون الدوليون يناقشون الوضع حول العالم بعد انتهاء هذا الوباء و التغيرات المصاحبة له.[22]إن من سيحدد مستقبل العالم وشكل النظام العالمي الجديد هو الذي سينتصر في الحرب ضد جائحة كورونا المستحدثة، وسيكتب التاريخ بطرق غير مسبوقة، ويصعب التنبؤ بها عن تلك الأحداث، إذ سيتعرض النظام العالمي إلى حالة من التشويش، وعدم الاستقرار الداخلي على مستوى العلاقات الدولية.[23]بدوره أعرب رئيس معهد بروكينغز، “جون ألين” عن اعتقاده أن التاريخ، كما هو معهود دائما، سيكتبه “المنتصرون” خلال أزمة فيروس كورونا، موضحا أن كل بلد، وبشكل متصاعد كل فرد، يواجه التداعيات الاجتماعية لهذا الوباء، وبطرق جديدة ذات مفعول قوي.وقال إن البلدان التي ستصمد في وجه الوباء، بفضل أنظمتها السياسية والاقتصادية الخاصة، وكذا من منظور الصحة العمومية، ستتفاخر بنجاحها على حساب البلدان التي ستواجه تداعيات مختلفة ومدمرة.[24]
وأضاف أن هذه الأزمة تنذر بإعادة ترتيب بنية القوى الدولية بطرق لا يمكننا أن نتخيلها، وأن فيروس كورونا سيواصل تأثيره السلبي على النشاط الاقتصادي، وسيرفع من حجم الخلافات بين الدول.[25]طبعا لا يمكن أن نستخلص دروسا من هذه الأزمة في الوقت الحالي لكن، بناء على التوقعات المختلفة لخبراء العلاقات الدولية حول سيناريوهات التغيرات والتعديلات المرتقبة في العلاقات بين الدول على المستوى الإقليمي والدولي، فسأقوم بطرح ثلاثة سيناريوهات، تمثل ثلاث نظريات لمستقبل العلاقات الدولية ما بعد كورونا.
الفقرة الأولى: استمرار النظام الأحادي القطب بقيادة أمريكية
يؤكد هذا السيناريو استمرار تفوق الدور الأمريكي في العالم، وقدرته على فرض النفوذ والإرادة الأمريكية، واستمرار اتهام الصين بالمسئولية عن الأزمة الراهنة. ففي نظر أصحب هذا السيناريو أن أمريكا وُلدت عظمى وستظل عظمى بفضل نظام اقتصادي، وقيم تدّعي عالميتيهما،حتى مع تحدي وجود القيادة الصينية، ويُراهن هؤلاء على قدرة نظام الحوكمة الأمريكية على تخطي الأزمات مهما كانت درجة خطورتها، والتاريخ خير شاهد على ذلك.[26]فإذا ما نظرنا إلى الأحداث المتكررة في التاريخ الحديث والمعاصر والتي جعلت الكثير يعتقد بنهاية الحقبة الأمريكية ، على سبيل المثال – في عام 1958 م عندما أطلق الاتحاد السوفيتي القمر الاصطناعي الأول سبوتنيك – كان الاعتقاد القائم بان “هذه نهاية أمريكا ” . وفي سبعينيات القرن الحالي مع أزمة حظر الدول العربية للنفط و إنهاء ارتباط الدولار بالذهب، كان الجميع يعتقد بأن هذا هو نهاية الهيمنة الأمريكية، لكن ما حصل كان على النقيض.[27]أيضًا نمط الحكم في الولايات المتحدة الأمريكية،يتمتع بخاصية التصحيح التلقائي Autocorrection ، والتي تُمكِّنه من التكيف والتأقلم مع الأزمات المختلفة وتجعله يتعلم من أخطاء الماضي ويفرض أنماطًا جديدة من السلوك تجعله يتسيد دومًا، فالحوكمة الأمريكية، لم ولن تواجه أزمة وجود من وجهة نظرهم، هذا بخلاف أنظمة سياسية واقتصادية أخرى. إذًا يمكن القول بأن الانعكاسات والآثار التي خلفها فيروس كورونا على مستوى العلاقات الدولية، وإن كانت آثارها واضحة وقوية للغاية، وأيضا صنعت شرخا واضحا في الذهنية السياسية الدولية، إلا أن ذلك وإلى الآن على أقل تقدير لا يمكن أن يؤثر بشكل جذري في النظام العالمي أو حتى على مستوى العلاقات الدولية. وبمعنى آخر، إن النظام العالمي الذي تقبع على رأسه الولايات المتحدة الأميركية سيستمر كما هو خلال العقد الثالث من القرن الحادي والعشرين على أقل تقدير، وأن هذه الأخيرة ستبقى القوة الأولى على المستوى الدولي، وأن ما يحدث لن يجعل من الصين أو حتى روسيا تحتل مكانة الولايات المتحدة الأميركية في النظام العالمي القائم[28].فصحيح أن المركزية الأميركية في تراجع واضح منذ أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001, ولكن كما سبق القول إن ذلك لا يعني نهاية المركزية الأميركية بسبب فيروس كورونا،
الفقرة الثانية: نظام ثنائي القطب بقيادة كل من الصين وأمريكا
يعطينا السيناريو الثاني تنبؤًا باحتمالية وجود منعطف أو نقطة تحول عظمى في النظام العالمي وفي دور الولايات المتحدة الأمريكية، ومن ثَمَّ في توازن القوى العالمية، وذلك لأن أزمة كورونا هي الأخطر والأشرس من بين كل الأزمات التي واجهت النظام العالمي منذ الحرب العالمية الثانية. ومن ناحية أخرى طرحت الأزمة الراهنة تحديًا أمام مبررات استمرار قيادة الغرب للنظام العالمي بعدما أحرزه من إخفاقات واختراق للمنظومة القيمة التي شكّلها، ودعا إليها، وفرضها بالقوة في بعض الأحيان. وفي حقيقة الأمر، لا يوجد لدينا أدلة على قدرة النظام العالمي على التغلب على الأزمة الراهنة وتكيفه لاستمرار القيادة الأمريكية للنظام العالمي في مقابل تحديه للصعود الصيني. حيث أن الجديد في هذه الأزمة أنها كشفت لنا ولأول مرة عن سعي الصين لاحتلال مكانة سياسية كبرى عالميًا بعد أن كانت تأخذ دور المتفرج في العديد من الأزمات العالمية.هذا ما يؤكد أن فترة ما بعد كورونا ستعرف صراعا ما بين الدول الكبرى،حول إعادة بناء نظام جديد قد تترتب عليه تطورات مخيفة حول تقاسم الزعامة العالمية، فيما بين الصين وأمريكا، وإعادة تشكيل أحلاف جديدة في أفق خلق توازنات جديدة، من أجل الاتفاق على خارطة طريق لتقاسم النفوذ من جديد، فيما بين الدول الكبار.فأصحاب هذه النظرية،يرون أن الولايات المتحدة الأمريكية، لن يكون بإمكانها إبقاء الوضع على ما كان عليه أو بالأحرى الاستمرار بالنظام العالمي القائم، ذلك أن جائحة كورونا تجعل من إعادة رسم خارطة العلاقات الدولية، على أسس جديدة، حاجة حتمية.
الفقرة الثالثة: مبدأ التضامن والتعاون الدولي في ظل نظام متعدد الأقطاب
يرى السيناريو الثالث أن الولايات المتحدة الأمريكية ستظل قوة سائدة ولكن أكثر ضعفًا في قيادتها للنظام العالمي مع احتفاظها بالعديد من الامتيازات التي راكمتها على مدار قيادتها للنظام الدولي. ومن الممكن أن ينتج هذا السيناريو نظامًا دوليًا ثنائي القطبية ولكنه رخو إلى درجة كبيرة للحد الذي نستطيع أن نطلق عليه متعدد الأقطاب.فأزمة كورونا ستفضي إلى تغيير واضح في هيكل النظام الدولي، حيث ستسرع من التحول من نظام الأحادية القطبية، الذي تسيطر فيه الولايات المتحدة الأمريكية على التفاعلات الدولية، منذ انتهاء الحرب الباردة إلى نظام متعدد الأقطاب الذي تكون فيه لروسيا والصين، أدوارا بارزة، على الصعيد السياسي والاقتصادي، إلى جانب أمريكا، وهو ما بسهم في خلق التوازن والاستقرار في العلاقات الدولية[29].
فلا يمكن القول (وهذا هو رأيي الشخصي) بأن النظام العالمي الحالي على وشك الانهيار بسبب الجائحة؛ لأن الاعتماد المتبادل بين الدول وانتشار السلام النووي، يعقدان التفكير في حرب القوى العظمى للسيطرة وتقويض أسس النظام القائم وبناء نظام عالمي آخر[30]. وهذا ما سيجعل الدول تتشبث بالنظام العالمي القائم؛ من خلال التعاون المتعدد الأطراف وإيجاد حلول للمشاكل والأزمات الكبرى، برغم أن الخسائر الاقتصادية ستكون وخيمة وتؤدي إلى سقوط أو فشل دول بعينها[31].فمن المتوقع أن ترتقي العلاقات الدولية بين مختلف الأمم، وأن تقام على المنطق والعقلانية، والرغبة في التعاون المتبادل لان المصالح تطغى في أغلب الأحيان على العقل فتنشب التوترات والمخاصمات، كما أنه من المتوقع أيضا أن يرتفع مستوى هذا التعاون بين الدول في المجالات الصحية والطبية، حتى لو انتهى عهد كورونا[32]. فقد أيقظ هذا الأخير الأمم على النقص في المستلزمات الطبية والصحية والتعاون في هذا المجال ضروري حتى لا تكون هناك مفاجآت صحية مستقبلا. فالصحة تتطلب تعاون عدة أشخاص قانونيين دوليين، لأنها تدخل في صلب السيادة التي تتمتع بها الدول، ولهذا لكي تنجح في وضع سياسة دولية للصحة العامة. يستدعي ذلك بالضرورة، التعاون بين الدول نفسها وبينها وبقية الفاعلين الدوليين من المنظمات الدولية[33].أيضا لابد من إيجاد نظام اقتصادي وسياسي متعدد الأطراف، تكون فيه كل دول العالم شريكاً في نظام عالمي قائم على التشاركية. ولن يكون هذا أيضا،إلا بتفعيل دور هذه المؤسسات والمنظمات الدولية وإن كانت ضعيفة في الوقت الحالي، إلا أن تقوية قوانينها وسلطتها العالمية سيكون هو الحل الوحيد لضمان استقرار العالم، فأكثر ما نحتاج إليه للتعافي من أزمة «كورونا» أن نؤسس لنظام متعدد الأطراف،فبعد أن بدأت المؤشرات الاقتصادية بالتعافي بعد إجراءات إعادة الفتح ظهرت الحرب الباردة لتلوح بالأفق، لذا من الأفضل تجميدها قبل أن تبدأ.[34].لأننا نعرف الطبيعة البشرية التي تقول” أنه عندما يصل الإنسان إلى المياه الهادئة ينسى ما فعلته العواصف منذ أيام في البحر الهائج، و يعود إلى طبيعته القديمة.[35]“كما أن العلاقات الأوروبية ـ الأوروبية وإن تغيرت بعض الشيء على المستوى القريب، فسينتهي مع الوقت، ولعل هذه الجائحة تعيد من جديد ترابط الاتحاد الأوروبي في نظام أقوى وأكثر تلاحما، يعيد للقارة العجوز مكانتها السابقة.
وبلا شك ومن جانب آخر ستخلف آثار فيروس كورونا تموضع العديد من القوى العالمية الكبرى أو حتى تلك القارية والنامية منها في صف واحد في مواجهة مثل هذه الأحداث، وبتصوري سيكون ذلك بشكل أكبر وأوضح بين روسيا والصين وبعض الدول الحليفة لها، كذلك دول مجلس التعاون الخليجي التي بتصوري ستعلن خلال المرحلة القادمة عن تحالف خليجي صحي أشبه بالسياج الأمني مركز خليجي للتدخل المبكر ضد الأوبئة والأمراض والأسلحة البيوكيميائية والإرهابية المحتملة.[36]
إذًا وكما سيخلف فيروس كورونا آثارا سلبية من جهة، سيترك كذلك نواحي إيجابية على مستوى العلاقات الدولية
الخاتمة
يشكل هذا الوضع الذي تسبب به كورونا اختبارا للعالم وقدرته على التعاون ووضع الخلافات السياسية والاقتصادية جانبا.فنحن نعيش لحظة تاريخية حاسمة للإنسان. ليس فقط بسبب فيروس كورونا، بل لأن الفيروس يحضرنا للوعي بالعيوب العميقة التي تواجهها البشرية. فالعالم معيب وليس قوياً بما فيه الكفاية للتخلص من الخصائص العميقة المختلة في النظام الاقتصادي والاجتماعي العالمي كله، ولا بد من استبداله بنظام عالمي إنساني كي يكون هناك مستقبل للبشرية قابل للبقاء.ففيروس كورونا علامة تحذير ودرس للبشرية، وعلينا أن نبحث في الجذور التي تؤدي إلى الأزمات، والتي ربما تكون أسوأ مما نواجهه اليوم، والتحضير لكيفية التعامل معها ومنعها من الانفجار[37]. أيضا أزمة كوفيد 19 كشفت عن ضعف الحوكمة العالمية، و عدم قدرتها على حماية شعوب العالم من الظلم الاجتماعي، فلابد أن يحدث تغيير كبير في المفاهيم، مما ينعكس على الحوكمة العالمية، لتصبح حوكمة عادلة و ليست منحازة، ليعود هذا بصورة ايجابية على التعاون الدولي[38].فمعركة كورونا تحتاج إلى صوت الحكمة والعقل و الضمير واحترام الإنسانية، و إعادة قراءة تامة للأولويات، و بناء منظومة أخلاقية و سلوكية بين الدول ترتقي إلى المعاني السامية، و القيم النبيلة للحس بالمسؤولية، والعمل الجاد، و الصبر، وأخذ الدروس والعبر مما جرى و مما يجري حولنا.[39]
نستخلص أن ما أظهرته أزمة كورونا، وقبلها أزمة الإرهاب الدولي والتطرف. هو أن مستقبل الأزمات القادمة التي سيواجهها العالم،لن تكون بنفس طبيعة الأزمات التقليدية التي كانت تحدث بين الدول، وعليه، فإن تلك الأزمات ستكون بحاجة إلى مشاركة المجتمع الدولي لمواجهتها[40]، من هنا، فإن التوجه المأمول بعد أزمة «كورونا»، هو وجود نظام جديد قائم على التضامن الدولي.[41] الذي يتحقق حينما لا تتغلب المزاجية الذاتية لأية دولة على جهود حشد الطاقات الدولية لمواجهة الوباء. والانتباه إلى قضية الدول التي تطال عقوبات من قبل أمريكا، كفنزويلا وإيران و كوبا و سوريا و كوريا الشمالية، وروسيا وقطاع غزة و اليمن.
[1]: إبراهيم عوض” كورونا والنظام الدولي ” مجلة الشروق 7 مارس 2020 متواجدة على الموقع الالكتروني التالي: shorouknews.Com تم الدخول له يوم 24 يونيو 2020
[2]: شرين الخطيب ” هل تعيد حرب الفايروس تشكيل النظام الدولي ” صحيفة الصدى 21 مارس2020 متواجدة على الموقع الالكتروني التالي: www.essada.info تم الدخول له يوم 24 يونيو 2020
[3]: عبد الرحمن الحديدي ” كورونا والسياسة: إعادة التفكير في توابث النظام العالمي ” اضاءات 4 مايو 2020 متواجد على الموقع الالكتروني التالي: https://www.ida2at.com/corona-politics تم الدخول اليه يوم 1 يوليو 2020
[4]: د قحطان حسين طاهر” من سيقود النظام العالمي بعد جائحة كورونا؟ مركز المستقبل للدراسات الإستراتيجية/ 23 حزيران2020 متواجد على الموقع الالكتروني التالي: mcsr.netLnews576
[5] : Moulay Omar Mharzi : L’impact de la Covid-19 sur les relations internationales : opinion : Juin 19, 2020/ https://www.policycenter.ma/opinion/limpact
[6]: د محمد السقاف ” التحولات المحتملة للعلاقات الدولية بعد جائحة كورونا: مجلة الشرق الأوسط، العدد 15174 / 14 يونيو 2020 aawsat.com
[7]:ميشال حداد ” العلاقات الدولية بعد جائحة كورونا، لن تكون كما قبلها” مجلة أسواق العرب 23يونيو2020 موجود على الموقع الالكتروني التالي:https://www.asswak-alarab.com/19984تم الدخول إليه يوم 27يونيو 2020
[8]: كريمة الحفناوي” فيروس كورونا وإعادة ترتيب العلاقات الدولية” نشر هذا المقال في العدد 13 من مجلة الهدف الرقمية 1مايو2020 المتواجد على الموقع الالكتروني التالي: http://hadfnews.ps/post/68042 تم الدخول إليه يوم 30 يوليو 2020
[9]: محمد خلفان الصوافي ” بعد كورونا نظام دولي متضامن” البيان 10 يونيو2020 متواجد على الموقع الالكتروني التالي: https://www.albayan.ae/opinions/articles/2020-06-10- تم الدخول إليه يوم 1يوليوز 20201.3880099
[10]:عبد الرحمن الحديدي” كورونا والسياسة: إعادة التفكير في توابث النظام العالمي” اضاءات. 4 ابريل2020 متواجد على الموقع الالكتروني التالي: https://www.ida2at.com/corona-politics-rethinking-global-system-constants/تم الدخول اليه يوم 7 يوليو 2020
[11] : مثل إصدار سندات كورونا لتكون آلية ديون متبادلة لتقليل التداعيات الاقتصادية اللازمة، للمزيد أنظر: آراء “كورونا والعلاقات الدولية ” بوابة الأهرام. 15 ابريل 2020 متواجدة على الموقع الالكتروني التالي:http://gate.ahram.org.eg/News/2396249.aspxتم الدخول إليه يوم 6 يوليو 2020
[12]: أزمة كوفيد19 أظهرت هشاشة الاقتصادات الأوروبية، ومما يزيد من حدة الأزمة أن المسائل الصحية لا تقع تحت مسؤولية الاتحاد الأوروبي مباشرة،بل تقع تحت طائلة الدول والحكومات وهذا يعتبر مفارقة كبيرة، فكم من مرة سمعنا مسئولين في الاتحاد الأوروبي يقولون بان قضايا الصحة العامة تدخل في إطار مسؤولية الدول و ليس الاتحاد الأوروبي. لكن اليوم تغير الخطاب، إذ أصبحنا نسمع نداءات تدعو الاتحاد الأوروبي إلى المزيد من التعاون من أجل الحد من تفشي وباء كورونا. للمزيد انظر:جيل غرساني” أزمة كورونا- فرصة لإعادة النضر في العلاقات الدولية وجعلها أكثر توازنا” 27 مارس 2020 متواجدة على الموقع الالكتروني التالي: https://www.france24.com/ar/20200327-تم الدخول إليه يوم 6 يوليو 2020
[13]: د سلام الكواكبي” جائحة كونية وعلاقات دولية بين الثنائية والمتعددة، ما هو خيار المستقبل. مجلة شؤون عربية، العدد 182/2020متواجد على الموقع الالكتروني التالي: https://arabaffairsonline.com/ تم الدخول إليه يوم 6 يوليو 2020
[14]: عبد الرحمان بن يحيي” العلاقات الدولية ما بعد كورونا – هل ستتكون تحالفات جديدة” مجلة ساسة بوست/ 30 مايو 2020 متواجد على الموقع الالكتروني التالي:https://www.sasapost.com/تم الدخول اليه يوم 1 يوليو 2020
[15]: يحدث كل هذا وسط تساؤل الكثيرين عن غياب الأمم المتحدة عن المشهد، الجائحة ستغيِّر خريطة السياسة الدولية بعد انحسارها” محرر الشؤون الدولية” كورونا يؤزم العلاقات الدولية” مجلة القبس 23 ابريل 2020 متواجد على الموقع الالكتروني التالي:
: https://alqabas.com/article/5769808تم الدخول إليه يوم 28 يونيو 2020
[16]: د علي مطر” دور الأمم المتحدة ومستقبلها في ظلل أزمة كورونا / المنار 25بونبو2020 متواجد على الموقع الإلكتروني التالي: manar.com/page -4365 تم الدخول إليه يوم 29يوليوز 2020
[17]: يرى مدير مركز “تشاثام هاوس” للأبحاث بلندن، روبين نيبليت، أن كوفيد 19 يدفع حاليا الحكومات، والشركات، والمجتمعات إلى تعزيز قدراتها على التعامل مع فترات طويلة من الانطواء الاقتصادي الذاتي. أنضر:
“كيف سيصبح النظام السياسي والاقتصادي بعد كورونا” العربي 25 مارس 2020 متواجد على الموقع الالكتروني التالي: https://www.alaraby.co.uk/politics/2020/3/25/تم الدخول اليه يوم 1 يوليوز2020
[18] :Ali Lahrichi /LESRELATIONS INTERNATIONALES AU TEMPS DUCORONAVIRUS : ECOACTU /https://www.ecoactu.ma/relations-internationales-coronavirus-2
[19]:عبد الرحمن الحديدي” كورونا والسياسة: اعادة التفكير في توابث النظام العالمي” مرجع سابق
[20] :Pierre Bouchilloux : covid 19 et relation internationale. Classe International.9 /6/2020. Classe-internationale.com19 et
[21]: لحسن العبسي ” كورونا.. هل نهاية العولمة الاقتصادية ونهاية ثنائية شمال جنوب، و ثنائية المركزية الغربية/العالم / انفاس بريس 28يونيو2020 متواجد على الموقع الالكتروني التالي: anfaspress.com
[22]: شينخوا/ مقالة خاصة” كيف سيبدو العالم بعد جائحة فيروس كورونا الجديد” ARABIC;NEWS;CN متواجدة على الموقع الالكتروني التالي: arabic. news ; cnL2020-04-02L1389
[23]:محمد كاظم المعني ” جائحة كورونا وازمة النظام العالمي الجديد” مركز البيان للدراسات والتخطيط” 11/4/2020 متواجد على الموقع الالكتروني التالي: https://www.bayancenter.org/2020/04/5815/ تم الدخول اليه يوم 1يوليوز 2020
[24]: ” كيف سيصبح النظام العالمي” مجلة العربي، مرجع سابق
[25]: أزمة جائحة كورونا لم تثير فقط إشكالية التحول في بنية النظام الدولي؛ وإنما أثارت بشكل أعمق اشكالية دور الدولة والمجتمع في الحفاظ على معدل كافي من الإنتاج المحلي، وخاصة الأدوات والأجهزة الطبية بعد ما ضربت جائحة كورونا القطاع الصّحي، ما يجعل الدول تعيد الاعتبار للإنتاج المحلي حتى لو كان أكثر تكلفة والتخلي عن سياسة الاستيراد في عصر سوف يشهد انتشار العدّيد من الفيروسات والأوبئة القاتلة.انضر : منصور أبو كريم ” هل يشهد العالم الدولي تحولا بعد انحصار كورونا” مدونات من الجزيرة /19 ابريل2020 متواجدة على الموقع الالكتروني التالي: www. Aljazeera.net/blogs تم الدخول اليه يوم 30 يونيو 2020
[26]: عبد الرحمن الحديدي” كورونا والسياسة: إعادة التفكير في توابث النظام العالمي” مرجع سابق
[27]: بندر الشرعي ” مستقبل العلاقات الدولية بعد جائحة كورونا ” المشهد العام / 8 يونيو 2020/متواجد على الموقع الالكتروني التالي:https://almashhadalaam.com/posts/10633 تم الدخول اليه يوم 1 يوليوز 2020
[28]: محمد بن سعيد الفطيسي” مستقبل العلاقات الدولية في ظل فيروس كورونا كوفيد 19 ” يومية الوطن 5 ابريل2020 متواجدة على الموقع الالكتروني التالي:http://alwatan.com/details/379395
[29]: كورونا والعلاقات الدولية، بوابة الأهرام: مرجع سابق
[30]: يتوقع ” المنظر السياسي الأمريكي وأستاذ العلاقات الدولية في جامعة هارفرد” ستيفنوالت(Stephen M. Walt)أن وباء كور ا، سيخلق عالمًا أقل انفتاحًا وأقل ازدهارًا وأقل حرية. ما كان يجب أن نصل إلى هذه النتيجة، ولكن الجمع بين فيروس قاتل، وتخطيط غير ملائم وقيادة غير كفؤة وضعت البشرية على مسار جديد ومثير للقلق انظر: سعود الشرفات ” العلاقات الدولية ما بعد كورونا” مجلة مؤمنون بلا حدود للدراسات والأبحاث 30 مارس 2020 متواجد على الموقع الالكتروني التالي: www. mominoun .com./article/7079/ تم الدخول إليه يوم 30 يونيو2.
[31]: محمد البوشيخي ” النظام العالمي ما بعد كورونا” “عربي 21” / 22 مايو 2020 متواجد على الموقع الالكتروني التالي: https://arabi21.com/story/1272144 تم الدخول إليه 1 يوليو 2020
[32]: عبد الستار قاسم ” تداعيات كورونا على العلاقات الدولية والإنسانية” 2 ابريل2020 متواجد على الموقع الالكتروني التالي:https://www.trtarabi.com/opinion/ 24969تم الدخول إليه يوم 25 يونيو 2020
[33]: مثل منظمة الصحة العالمية والمنظمات الدولية غير الحكومية؛ الاتحاد الدولي لجمعيات الصليب الأحمر، والهلال الأحمر وأطباء بلا حدود، والبنك الدولي ومنظمة التجارة الدولية ومنظومة الأمم المتحدة نفسها، وربما قد يندهش البعض أن نشير بهذا الصدد إلى مجلس الأمن الدولي وكيف يكون له دور، وهو الذي يعتقد أنَّ مسؤوليته الرئيسية تنصبُّ على صون السلم والأمن الدوليين.انظر: محمد سقاف ” كورونا و القانون الدولي ” الشرق الأوسط، 14 أبريل 2020 مـ رقم العدد [15113]متواجد على الموقع الالكتروني التالي:https://aawsat.com/home/article/2232591تم الدخول اليه يوم 29 يونيو 2020
[34]: يوسف الشريف” من يجمد الحرب الباردة” البيان 29مايو2020 متواجد على الموقع الالكتروني التالي: https://www.albayan.ae/opinions/articles/2020-05-29-1.3870036تم الدخول إليه يوم 24 يونيو2020
[35]: حميد الرميحي” التغيير سيكون في الاقتصاد أكثر منه في العلاقات الدولية” : فرانس 24 اعداد : وسيم الاحمر 9%88%D8%B3%D9%8A%D9%85-%D8%A7%D9%84%D8%A3%D8%AD%D9%85%D8%B1 نشرت في: 23/04/2020
[36]: محمد بن سعيد الفطيسي. مرجع سابق
[37]: نعوم تشومسكي ” كيف سيغبر كورونا العلاقات الدولية : الفجر متواجد على الموقع الالكتروني التالي: https://www.elfajr.org/2020/04/22/ تم الدخول إليه يوم 30 يونيو 2020
[38]: مقالة خاصة / شينخوا مرجع سابق
[39]: عودة أرشيد الشديفات” أثر فيروس كورونا على العلاقات الدولية” مجلة الأنباط 8 ماي2020 متواجدة على الموقع الالكتروني التالي:http://www.alanbatnews.net/post.php?id=284300 تم الدخول إليه يوم 30 يونيو 2020
[40]: للمزيد أنظر:يوسف اليوسفي” العلاقات الدولية بعد كورونا” مجلة العمق 19 يونيو 2020 متواجد على الموقع الالكتروني التالي:
al3omk.com.5531.html تم الدخول اليه يوم 27 يونيو 2020
[41]: محمد خلفان الصوافي ” بعد كورونا – نظام دولي متضامن” البيان / 10 يونيو2020موجود على الموقع الالكتروني التالي: www.albayan.ae/opinions/articles/13880099