نظام الوضع تحت المراقبة الإلكترونية ضمن أنظمة التدابير غير الاحتجازية أثناء التحقيق والمحاكمة.
Placement under electronic surveillance in systems of non-custodial measures during investigation and judgment
سعيد الكاهية
طالب باحث بسلك الدكتوراه
كليةالعلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية
جامعة القاضي عياض بمراكش
Email : [email protected]
ملخص:
موضوع البدائل الجنائية، من المواضيع الحديثة المرتبطة بالعدالة الجنائية، والتي أصبحت تفرض نفسها في النقاش الحقوقي والقانوني، على الصعيدين الوطني والدولي، والتي ترتكز على تبني وسائل وآليات كفيلة لدرء مساوئ الاجراءات الاحتجازية أثناء مراحل التحقيق والمحاكمة، والتي من شأنها المساس بمبدأ قرينة البراءة، إذ يعاب عليها أنها بمثابة إدانة قبل صدور حكم حائز لقوة الشيء المقضي به. لذلك؛ فإن الوضع يقتضي إعمال إجراءات غير احتجازية، تزكي براءة المتهم، بما يضمن كرامته وحريته، وذلك في إطار حماية الأمن والنظام العام. ومن أجل ذلك؛ فقد تم استحداث آلية المراقبة الإلكترونية كبديل عن الاعتقال الاحتياطي.
كلمات مفتاحية: التحقيق القضائي، الاعتقال الإحتياطي، قرينة البراءة، المراقبة الإلكترونية، تدابير غير احتجازية، بدائل.
Abstract :
Criminal alternatives is a modern subject of criminal justice, which has become a subject of legal and human rights debate, both at national and international level, and which is based on the adoption of means aimed at preventing abuse of detention procedures during the investigation and trial stages, which would undermine the principle of presumption of innocence. She understood that it was a conviction before a judgment had been rendered on the force of the object to be decided. Consequently, the situation requires the application of non-custodial procedures, which would maintain the innocence of the accused, in order to guarantee his dignity and his liberty, within the framework of the protection of security and public order. that’s why electronic monitoring was created.
Keywords: Presumption of innocence, pretrial detention, investigating judge, measures custodial, non-custodial, electronic surveillance.
مقدمة:
تشهد الجريمة في التاريخ المعاصر تطورا بالغ الأهمية، سواء من حيث أنواعها وصورها وطرق تنفيذها، وأيضا من حيث أساليب التصدي لها ومحاربتها ومكافحتها، إذ أن ظاهرة العولمة شكلت مناخا ملائما لحدوث كل هذه التغيرات[1]، فبفضلها تطور الفكر الإجرامي لدى المجرمين، فأصبحت التقنية الحديثة مجالا خصبا لذلك، فظهرت الجرائم العابرة للحدود والجرائم الإرهابية، وجرائم الاتجار بالبشر والجرائم المرتكبة عبر الوسائط الإلكترونية وغيرها، مما دفع بالمشرع -في كل الأقطار- إلى تسريع وثيرة التشريع، لمواكبة هذه التطورات، وذلك بسن قواعد حديثة للبحث والتحري عن الجرائم وعن مرتكبيها، وأيضا؛ في التحقيق والمحاكمة، إضافة إلى تحديث مقتضيات التجريم والعقاب لمواكبة ومسايرة كل هذه التغيرات.
ولمواكبة ومسايرة هذه التغييرات؛ كان لزاما على الكيانات التي تعاني من هذه الظواهر، التخلي عن الأساليب التقليدية في البحث والتحري عن هذه الجرائم وعن مرتكبيها أو تقديمهم للعدالة، في اعتمادها على الوسائل الحديثة في البحث والتحقيق، وأيضا؛ في مرحلة تنفيذ العقوبات المحكوم بها، فأصبحت بذلك التقنية الحديثة العنوان الجديد لبعض فروع السياسة الجنائية، خاصة في التحقيق والمحاكمة وتنفيذ الجزاء الجنائي[2].
وعلى اعتبار التوجه الجديد للسياسة الجنائية في مجال التحقيق، وما يقتضيه التوجه العالمي من إعمال التدابير غير الاحتجازية في هذه المرحلة، وذلك بإعمال آلية الوضع تحت المراقبة الإلكترونية كبديل عن الاعتقال الاحتياطي لدرء مساوئ هذا الأخير، خاصة في الحالات التي ينتهي فيها التحقيق والمحاكمة
بالبراءة -الأصل في كل إنسان- أو السقوط، أو بصدور أمر بألا وجه لإقامة الدعوى[3].
ولتعميق البحث في موضوع المراقبة الإلكترونية كتدبير غير احتجازي من وسائل البحث والتحقيق قبل
وأثناء المحاكمة، كان لزاما التطرق إلى ماهية هذا النظام ومرجعيته التشريعية في مطلب أول، وأيضا؛ إلى
الأحكام الخاصة به، من حيث شروط اللجوء إليه وأساليب إعماله في مطلب ثاني.
المطلب الأول: نظام المراقبة الإلكترونية؛ تعريفه ومرجعيته
يعد نظام المراقبة الإلكترونية كبديل عن آلية الاعتقال الاحتياطي؛ طفرة نوعية في مجال التحقيق الجنائي، والذي يروم إبقاء المتهم خارج أسوار السجن، لكونه بديل غير احتجازي، وأيضا؛ كأسلوب حديث لضمان تنفيذ مقتضيات والتزامات نظام الوضع تحت المراقبة القضائية، والتي تلزم المتهم بالمثول للعديد من الالتزامات السلبية والإيجابية.
لذلك؛ وللخوض في تفاصيل هذا النظام الحديث، كان واجبا أولا التطرق إلى تعريفه وبحث مرجعياته التشريعية في الدول الغربية والعربية.
الفقرة الأولى: تعريف المراقبة الإلكترونية
تُعرف المراقبة الإلكترونية بأنها الأسلوب المبتكر لتنفيذ أمر الاعتقال الاحتياطي أو العقوبة السالبة للحرية خارج أسوار المؤسسة السجنية[4]، والذي يتيح للسلطات المكلفة بإنفاذ القانون الجنائي من تطبيق مضامين المراقبة القضائية في شقها المجالي أو الترابي، وأيضا؛ لتطبيق عقوبة الاحتجاز داخل مقر السكن أو الإقامة المحكوم بها على المتهم، وذلك بالسماح له من البقاء مع أهله وأسرته، والتمتع بهامش أكبر من الحرية، مقارنة مع وضعية الاحتجاز داخل السجن.
كما عرفتها المنظمة الدولية للإصلاح الجنائي بأنها؛ من الوسائل الإضافية للمراقبة القضائية، والتي تتيح للمسؤولين وللسلطات القضائية والأمنية الاطلاع على مدى امتثال المتهم لإجراءات المراقبة القضائية، فهي تساهم في متابعة مدى تنفيذ المتهم لأمر المحكمة بالبقاء في عنوان معين، أو بعدم الذهاب إلى مكان معين، وذلك باستعمال وسائل عالية التقنية والدقة في مجال الرصد[5].
وفي تعريف آخر؛ فإن المراقبة الإلكترونية، وهو إلزام المحكوم عليه أو المحبوس احتياطيا بعدم مغادرة منزله أو محل إقامته خلال المدة المحددة سلفا، بحيث يتم تتبع تنفيذ هذا الإجراء إلكترونيا[6]، وذلك بوضع أداة إرسال على يد أو كاحل المتهم أو المحكوم عليه[7]، والتي تسمح لمركز المراقبة بمعرفة مكان الشخص
المراقَب، والتأكد من تواجده في المكان والزمان المحددين من طرف الهيئات القضائية، بغية إصلاحه بعيدا عن سلب حريته والزج به في السجن، والاستفادة من الأغراض النفعية للعقوبة، بعيدا عن مساوئ الحبس[8].
وعن نظام المراقبة الإلكترونية في مجال تطبيق العقوبات السالبة للحرية، فإنه أحد أهم البدائل غير الاحتجازية، والذي من شأنه تجنيب مساوئ العقوبات السالبة للحرية قصيرة المدة، بإطلاق سراح المحكوم عليه في الوسط الحر مع إخضاعه لعدد من الالتزامات على مستوى تضييق حريته في التنقل، ومراقبة تنفيذ هذه الالتزامات بشكل إلكتروني عن بعد، وذلك عن طريق سوار إلكتروني[9]، بحيث يصبح هذا النظام وسيلة من وسائل تطبيق وتنفيذ إجراءات التحقيق الذي يقوم به قاضي التحقيق أو هيئة الحكم، وأيضا؛ نظام من أنظمة تنفيذ العقوبات المحكوم بها على المتهم[10]، بإجباره بالمكوث داخل المنزل تحت المراقبة، من أجل ملاحظة سلوكياته ومحاولة تغيير الجانحة منها، سواء أثناء مرحلة ما قبل المحاكمة، أو كشرط من شروط الإفراج بعد النطق بالعقوبة السالبة للحرية[11].
وعموما؛ فإن نظام الوضع القضائي تحت المراقبة الإلكترونية، أسلوب من أساليب تنفيذ التدابير غير الاحتجازية المأمور بها في إطار المراقبة القضائية كبديل عن الاعتقال الاحتياطي، وأيضا؛ كوسيلة من وسائل مراقبة تطبيق التزامات الإفراج الشرطي بعد الحكم على المتهم بعقوبة سالبة للحرية.
الفقرة الثانية: المرجعية التشريعية للمراقبة الإلكترونية في الدول الغربية
يرجع التطور التاريخي لظهور نظام المراقبة الإلكترونية بالولايات المتحدة الأمريكية منذ سنة 1964، بحيث تم تطوير هذا النظام لأول مرة لمراقبة تنقل المرضى النفسانيين، ليتم تطويره في السنوات الموالية القليلة، ليستغل في المجال القضائي ولأول مرة سنة 1968، كشرط من شروط الإفراج عن المعتقل، والذي يضمن التزام المفرج عنه بشرط دخوله لمسكنه في الوقت المحدد له.
وفي سنة 1971؛ تمت ملاحظة الأثر الإيجابي الذي تنتج عن استغلال هذه التقنية الجديدة، وهو النزول الملحوظ لعدد المعتقلين، ليتم تطوير هذا النظام والترويج له في باقي الولايات الأمريكية، ليعلن المعهد الوطني للعدالة سنة 1983 عن موافقته ورضاه عن هذا النظام، إن من حيث التقنية المستعملة، وأيضا؛ من حيث النتائج المبهرة له، قضائيا واقتصاديا[12].
هذه المعطيات تم تصديرها نحو باقي العالم، والبداية نحو كندا، والتي اعتمدت على آلية المراقبة الإلكترونية منذ سنة 1987 لمراقبة الجانحين، والمفرج عنهم عن اعتقال احتياطي أو من عقوبة حبسية، نظرا للميزات التي يتميز بها هذا النظام، خاصة في التكلفة الاقتصادية والحقوقية لهذا الأسلوب الجديد[13].
وبعد النجاح الذي شهده هذا النظام –ولو نسبيا- في الدول السالفة الذكر، والذي وصل صداه إلى الدول الأوروبية، وعلى الخصوص إلى الجمهورية الفرنسية، حيث صدر التقرير الرسمي المرفوع إلى رئيس الوزراء، وإلى وزير العدل، من طرف النائب Gilbert BONNEMAISON سنة 1989، بخصوص تحديث المصالح العمومية للسجون[14]، والذي خلص إلى العديد من النتائج المحفزة لتفعيل آلية المراقبة الإلكترونية ضمن الآليات القانونية والقضائية بفرنسا[15]، إلا أنه لم يتبع بإجراءات تشريعية تذكر، ليبقى الوضع على ما هو عليه إلى حدود سنة 1997، والتي ستشهد التجربة التشريعية الأولى لسن آلية المراقبة الإلكترونية بمقتضى القانون رقم 1159-97[16]، والمتعلق بالوضع تحت المراقبة الإلكترونية كآلية لتنفيذ العقوبات السالبة للحرية، المتمم والمعدل لقانوني المسطرة الجنائية والقانون الجنائي الفرنسيين. ليأتي بعده القانون رقم 516-2000[17]، والمتعلق بتقوية ضمانات قرينة البراءة وحقوق الضحايا، والذي سمح لأول مرة بوضع المتهم تحت المراقبة الإلكترونية، وهو الحق الذي سيتعزز بمقتضى القانون رقم 1138-2002[18]، والمتعلق بتوجيه وبرمجة العدالة، والذي وسع من لائحة الحالات والأوضاع التي يمكن فيها اللجوء إلى هذه الآلية الرقابية، سواء كان المتهم في حالة سراح أو في حالة اعتقال. ليكون القانون رقم 204-2004[19] المتعلق بتكييف العدالة مع تطورات الجريمة، آخر قانون أساسي المؤسسة لآلية المراقبة الإلكترونية، والذي وسع من دائرة الجرائم المشمولة بإمكانية النطق بهذه العقوبة مباشرة من قاضي الحكم، سواء بالنسبة للبالغين أو الأحداث الجانحين[20].
ومن حيث القانون الفرنسي الحالي للمسطرة الجنائية؛ فإنه نظم آلية الوضع تحت المراقبة الإلكترونية كبديل عن الاعتقال الاحتياطي في مرحلة التحقيق بمقتضى المواد من: 5-142 إلى 13-142، بعنوان الإقامة الإجبارية مع المراقبة الإلكترونية. في حين نظم آلية المراقبة الإلكترونية كوسيلة لتنفيذ العقوبة السالبة للحرية بمقتضى المواد من: 7-723 إلى 1-13-723 من نفس القانون، بعنوان الوضع تحت المراقبة الإلكترونية، كما نظم نفس الموضوع بالنسبة للأحداث بمقتضى المواد من: D32-26 إلى D32-28 بعنوان الأحكام المطبقة على الأحداث.
أما في بلجيكا؛ فالقانون الصادر بتاريخ 27 دجنبر 2012[21] والمتعلق بأحكام مختلفة في ميدان العدالة، يعد بمثابة المصدر التشريعي للوضع تحت المراقبة الإلكترونية، بحيث يمكن لقاضي التحقيق؛ ولضرورة حماية الأمن العمومي، أو في حالة ارتكاب المتهم لجريمة يعاقب عليها بالحبس لمدة عام أو أشد، يمكنه أن يصدر أمرا بالاعتقال، سواء في مؤسسة سجنية، أو بالوضع تحت الاعتقال المراقب إلكترونيا. وهذا الأخير؛ لضمان حضور المعني بالأمر في مكان محدد بشكل متواصل، باستثناء الترخيصات الصادرة عن قاضي التحقيق.
هذا التحول التشريعي جاء نتيجة الوضع القائم ببلجيكا من حيث ازدياد عدد المتابعين أمام المحاكم الزجرية، ولطول مدد الاحتجاز السابق عن المحاكمة. وهي العوامل التي أدت إلى ارتفاع عدد المعتقلين سواء الاحتياطين أو المدانين، ليرتفع النقاش حول تسريع وثيرة التشريع في المجال الجنائي، خاصة الإجرائي منه، وذلك من أجل تسهيل وتبسيط الإجراءات الجنائية والتفكير في الحلول الجذرية للمشاكل السالفة الذكر، والتي كان أهمها؛ اعتماد وسيلة المراقبة الإلكترونية كآلية لتطبيق أمر الوضع تحت الاعتقال الاحتياطي، ليس داخل السجن، وإنما خارجه، بمكان إقامة المتهم أو أي مكان يحدده قاضي التحقيق[22].
الفقرة الثالثة: المرجعية التشريعية للمراقبة الإلكترونية في الدول العربية
دأبت الدول العربية على مواكبة التطورات العالمية والدولية في مجال التشريع، سواء تلك الصادرة عن المنظمات الأممية، أو الخاصة بكيانات محددة. فإذا كانت هذه الدول قد لاءمت قوانينها في أكثر من مرة مع المتغيرات الحقوقية والتشريعية، الأوروبية منها على وجه الخصوص، في مجال الحقوق والحريات والولوج إلى العدالة، فإن موضوع بدائل الإجراءات والعقوبات السالبة للحرية من بين هذه المواضيع التي استأثرت باهتمام المشرع المغربي والعربي.
ولعل مبادرة وزارة العدل بالمغرب في صياغة مسودة مشروع قانون المسطرة الجنائية، والتي تؤسس لشرعنة اللجوء إلى المراقبة الإلكترونية كآلية لتتبع تنفيذ تدابير المراقبة القضائية الصادرة عن الوكيل العام للملك، طبقا للمادة 73، وأيضا لإدراج المراقبة الإلكترونية كتدبير من تدابير والتزامات الوضع تحت المراقبة القضائية الصادرة عن قاضي التحقيق طبقا للمادة 161، وعلى طرق تنفيذها في المواد من: 1-174 إلى 3-174 من المسودة، كلها مؤشرات تدل على أن المغرب قد اختار الأخذ بالتقنيات الحديثة في مجال السياسة الجنائية، سواء في مرحلة البحث والتحري عن الجرائم ومرتكبيها أو في مرحلة التحقيق
والمحاكمة[23].
وتعد الجزائر؛ الدولة الأولى عربيا، والثانية إفريقيا، بعد دولة جنوب إفريقيا، والتي أدرجت آلية المراقبة الإلكترونية في قانونها للإجراءات الجزائية، بمقتضى الأمر عدد 15-02[24] المؤرخ في 23 يوليوز 2015، كآلية من آليات مراقبة تنفيذ التزامات الرقابة القضائية الصادرة عن قاضي التحقيق، والمنصوص عليها في المادة 125 مكرر 1 من نفس القانون[25].
والجدير بالذكر في هذا الموضوع؛ هو أنه بالرغم من تنصيص المشرع الجزائري على آلية المراقبة الإلكترونية لضمان تنفيذ التزامات الرقابة القضائية المنصوص عليها في المادة 125 مكرر 1 من قانون الإجراءات الجزائية، إلا أنه قد نص في آخر هذه المادة[26] على أن تفعيل هذه الآلية مرهون بقانون تنظيمي ينظم هذا التفعيل، وهو ما لم يصدر عن المشرع الجزائري إلى حين كتابة هذه الأسطر[27]، مما يجعل هذا النظام –خاصة في مرحلة التحقيق- في خانة العدم، لعدم التنصيص عن كيفياته وشروطه وأساليبه[28].
وتبنت دولة الإمارات العربية المتحدة -بدورها- نظام الوضع تحت المراقبة الإلكترونية، سواء أثناء التحقيق أو المحاكمة، وذلك بمقتضى المرسوم بقانون اتحادي رقم (17) لسنة 2018 بشأن تعديل بعض أحكام قانون الإجراءات الجزائية الصادرة بالقانون الاتحادي رقم 35 لسنة 1992، إذ عرَّف هذا القانون نظام الوضع تحت المراقبة الإلكترونية[29] وميز بين أنواعها؛ بين الوضع المؤقت تحت المراقبة الإلكترونية في مرحلة التحقيق والمحاكمة[30]، وبين الحكم بالوضع تحت المراقبة الإلكترونية كبديل عن العقوبة المقيدة للحرية[31]، وأخيرا بين الإفراج عن المحكوم عليه ووضعه تحت المراقبة الإلكترونية[32].
وبين إصدار القانون وتنفيذه، فقد أصدرت وزارة الداخلية الإماراتية بيانا تعلن فيه عن جاهزيتها التامة لتنفيذ أحكام هذا القانون، وذلك بعد مرور المدة القانونية المحددة في 6 أشهر من تاريخ صدوره للعمل بأحكامه وتطبيق مقتضياته، وأيضا؛ بعد القيام بجميع الاستعدادات المادية واللوجستيكية لإنجاح هذه
التجربة الفريدة[33].
المطلب الثاني: الأحكام الخاصة بالوضع تحت المراقبة الإلكترونية
يدخل نظام الوضع تحت المراقبة الإلكترونية ضمن آليات وإجراءات التحقيق، فهو أسلوب حديث يعتمد على تقييد بعض الحريات لدى الإنسان، سواء في التنقل، أو في الاجتماع مع أشخاص آخرين، أو الذهاب إلى أماكن معينة؛ وذلك باعتماد آلية الرصد الإلكتروني، والتي تعتمد على مراقبة المتهم والتأكد من تواجده داخل الرقعة الجغرافية المحددة له سلفا من طرف قاضي التحقيق، تحت طائلة الجزاءات التأديبية المتمثلة أساسا في استبدال التدبير بآخر، أو اللجوء إلى الاعتقال الاحتياطي.
ولطبيعة هذا النظام الاستثنائية، لمساسه بالحريات الأساسية للأفراد، ولتعارضه مع مبدأ قرينة البراءة،
فإنه كان لزاما على المشرع سن أحكام خاصة بهذا النظام، لتوضيح شروط إعماله، إضافة إلى أساليبه
وآلياته.
الفقرة الأولى: شروط الوضع تحت المراقبة الإلكترونية
يتميز نظام الوضع تحت المراقبة الإلكترونية بفرنسا[34]؛ بأنه نظام ووسيلة لتنفيذ أمر الإقامة الإجبارية، والذي يصدره قاضي التحقيق أو قاضي الحريات والاعتقال[35]، وذلك بوضع المتهم تحت تدابير المراقبة الإلكترونية للتأكد من تنفيذ هذا الأمر، بحيث عبر عنه المشرع الفرنسي بالإقامة الجبرية مع المراقبة الإلكترونية[36]، كإجراء من إجراءات التحقيق والمحاكمة، والذي يصدره قاضي التحقيق أو قاضي الحريات والاعتقال بمبادرة منهما، أو بطلب من المتهم، والذي بمقتضاه؛ يتم إجبار المعني بالأمر بعدم مغادرة سكانه أو مكان إقامته، إلا بشروط يحددها هذا القاضي، طبقا للفقرة الأولى والثانية من المادة 5-142[37] من قانون المسطرة الجنائية الفرنسي. ويمكن إصدار أمر الوضع تحت الإقامة الإجبارية مع المراقبة الإلكترونية ضد متهم متابع بارتكاب جرائم يعاقب عليها القانون بعقوبة حبسية لا تقل مدتها عن سنتين أو بعقوبة أشد، طبقا للفقرة الأولى من نفس المادة. ولتعزيز ضمانات قرينة البراءة؛ فلقد اشترط المشرع الفرنسي على قاضي التحقيق وقاضي الحريات والاعتقال تعليل قراراتهم بالإقامة الإجبارية مع المراقبة الإلكترونية، وذلك بعد التأكد من توفر شروطها،
[1]– إلهام العلمي، “أثر عولمة التجريم والعقاب على السياسة الجنائية”، دراسات جنائية، تأملات وتوصيات، مؤلف جماعي، منشورات كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية، جامعة القاضي عياض بمراكش، سلسلة الندوات والمؤتمرات، العدد 57، ص: 123.
[2]– فؤاد بنصغير، “المحامي تحت المراقبة الإلكترونية على ضوء الباب الخامس مكرر من مشروع تعديل قانون المسطرة الجنائية”، مجلة المحاكم المغربية، العدد 162، 2018، ص: 238.
[3]– عمر سالم، المراقبة الالكترونية طريقة حديثة لتنفيذ العقوبة السالبة للحرية خارج السجن، دار النهضة العربية، الطبعة الأولى، القاهرة، مصر، 2000، ص:41.
[4]– مختارية بوزيدي، “المراقبة الالكترونية ضمن السياسة العقابية الحديثة”، مجلة الدراسات الحقوقية، المجلد 3، العدد 2، ص: 99.
[5]– المنظمة الدولية للإصلاح الجنائي، بدائل التدابير الاحتجازية، دراسة حالة لعدد من الدول العربية: الأردن، الجزائر، المغرب، اليمن، تونس ومصر، أيار/مايو 2014، ص: 16، دراسة منشورة على الرابط التالي:http://www.primena.org/ar/publications/105
[6]– ساهر إبراهيم الوليد، “مراقبة المتهم إلكترونيا كوسيلة للحد من مساوئ الحبس الاحتياطي، دراسة تحليلية”، مجلة الجامعة الإسلامية للدراسات الإسلامية، المجلد الحادي والعشرون، العدد الأول، يناير 2013، ص: 663.
[7]– بعيدا عن المجال القضائي والزجري، فإن السوار الالكتروني عرف العديد من الاستعمالات، في المجال الاجتماعي والأمني والطبي. بحيث؛ وعلى سبيل المثال، يستعمل لمراقبة الأشخاص المسنين الذين يعانون من أمراض النسيان، أو أمراض نفسية، أو مرض الزهايمر، والتي تفقد الانسان المريض الذاكرة، مما يعرضه للتيه، خاصة في المدن الكبرى التي تشهد كثافة سكانية عالية. وما يجعل الأمر في غاية الخطورة؛ هو أن في بعض الحالات تكون هذه الحالات ملزمة بتتبع وصفات علاجية ضد أمراض مزمنة، وأن التوقف عن متابعة هذه الوصفات ولو لفترة وجيزة يمكن في أكثر الحالات أن يؤدي إلى الوفاة. للاستزادة؛ يرجى مراجعة:
Louis PLOTON, « Libres propos ; Maladie d’ALZHEIMER et dispositifs d’assistance et/ou de surveillance électronique », Gérontologie et société, Fond. Nationale de Gérontologie, 2012/2, vol. 35, n° 141, pages: 207 et s.
[8]– عبد الإله المتوكل، “تساؤلات حول آفاق استعمال السوار الالكتروني في التشريع الجنائي المغربي”، المجلة الالكترونية للأبحاث القانونية (ردمد 2605-7476: ISSN)، العدد 2، 2018، ص: 44.
[9]– عبد الكبير بلعرابي، وعبد العالي بشير، “نظام المراقبة الإلكترونية، نحو سياسة جنائية جديدة”، مجلة القانون والمجتمع، العدد 10، 2017، ص: 6.
[10]– Office des Nations Unies contre la drogue et le crime, Manuel des principes fondamentaux et pratiques prometteuses sur les alternatives à l’emprisonnement, Série de manuels sur la justice pénale, Publication des Nations Unies, Vienne, 2008, page: 24.
[11]– Adalberto CARIM ANTONIO, Les Peines Alternative Dans Le Monde, Thèse Pour Le Doctorat Au Droit Prive Et Sciences Criminelles, Faculté De Droit Et Des Sciences Economiques, Université De LIMOGUES, 2011, Page: 286.
[12]– Adalberto CARIM ANTONIO, Op. Cit., page: 287.
[13]– James BONTA, Suzanne WALLACE-CAPRETTA et Jennifer ROONEY, « La surveillance électronique au Canada », Solliciteur général Canada, mai 1999, page : 3, Rapport publié sur le site : www.securitepublique.gc.ca/cnt/rsrcs/pblctns/lctrnc-mntrng-cnd/index-fr.aspx (Date d’accès : 24/10/2019).
[14]– Gilbert BONNEMAISON, « La modernisation du service public pénitentiaire », Rapport au garde des Sceaux et au Premier ministre, 1990. Cité par : Martine KALUSZYNSKI, « Le développement du placement sous surveillance électronique en Europe, genèses, circulation des modèles et diversité des problématiques », Justice et technologies : surveillance électronique en Europe, Presses Universitaires de Grenoble, CERDAP (Centre d’Etudes et de Recherche sur la Diplomatie, l’Administration Publique et le Politique), 2006, page : 13, note :3.
[15]– تمثلت الدوافع الأولى لتبني نظام المراقبة الإلكترونية بفرنسا بالنسبة للمعتقلين احتياطيا وللمحكوم عليهم بعقوبات سالبة للحرية، تمثلت أساسا في أنها:
- أداة فعالة لإعادة الإدماج داخل المجتمع، لأنها تسمح للمحكوم عليهم بعقوبات سالبة للحرية قصيرة المدة، بتجنب ولوج السجن والاتصال بالسجناء الآخرين المحكومين بعقوبات طويلة الأمد، ودرء مخاطر الاعتقال من تفكك الروابط الأسرية أو فقدان العمل، مع إمكانية ربط الرصد الإلكتروني ببرنامج اجتماعي تعليمي يمكن المستفيد من ممارسة نشاط مهني أو الخضوع للتدريب.
- أداة مميزة لمحاربة اكتظاظ السجون.
- وسيلة أرخص من الحبس من أربع إلى خمس مرات، من الناحية المادية، من أجل رعاية المدانين، على اعتبار أن تكلفة هذا النظام (في تاريخه) تبلغ ما بين 80 و 120 فرنك في اليوم للشخص الواحد، مقابل حوالي 400 فرنك في كتكلفة يومية لكل سجين
للاستزادة؛ يرجى مراجعة:
Rapport n° 3 de M. Georges OTHILY, fait au nom de la commission des Lois, déposé le 2 octobre 1996, SÉNAT, Session ordinaire de (1996-1997), Proposition de Loi n° 400 consacrant le placement sous surveillance électronique comme modalité d’exécution des peines, (disponible au format pdf, 35 pages), publié sur le site: www.senat.fr (date d’accès : 24/10/2019).
[16]– القانون المتعلق بالوضع تحت المراقبة الإلكترونية كآلية لتنفيذ العقوبات السالبة للحرية، الصادر بتاريخ 19 دجنبر 1997، والمعبر عنه كما يلي:
Loi n° 97-1159 du 19 décembre 1997 consacrant le placement sous surveillance électronique comme modalité d’exécution des peines privatives de liberté, JORF n°295 du 20 décembre 1997, page : 18452.
[17]– القانون المتعلق بتقوية ضمانات قرينة البراءة وحقوق الضحايا، الصادر بتاريخ 15 يونيو 2000، والمعبر عنه كما يلي:
Loi n° 2000-516 du 15 juin 2000 renforçant la protection de la présomption d’innocence et les droits des victimes, JORF n° 0138 du 16 juin 2000, page : 9038, texte n° 1.
[18]– القانون المتعلق بتوجيه وبرمجة العدالة، الصادر بتاريخ 9 شتنبر 2002، والمعبر عنه كما يلي:
Loi n° 2002-1138 du 9 septembre 2002 d’orientation et de programmation pour la justice, JORF du 10 septembre 2002, page : 14934, texte n° 1.
[19]– القانون المتعلق بتكييف العدالة مع تطورات الجريمة، الصادر بتاريخ 10 مارس 2004، والمعبر عنه كما يلي:
Loi n° 2004-204 du 9 mars 2004 portant adaptation de la justice aux évolutions de la criminalité, JORF n° 59 du 10 mars 2004, page : 4567, texte n° 1.
[20]– René LEVY et Anna PITOUN, « L’Expérimentation du placement sous surveillance électronique en France et ses enseignements (2001-2004), Déviance et Société, Médecine & Hygiène, 2004/4, Vol. 28, page : 414.
[21]– القانون الصادر بتاريخ 27 دجنبر 2012، المتعلق بأحكام مختلف في ميدان العدالة، المتمم والمغير للقانون الصادر بتاريخ 20 يوليوز 1990، والمتعلق بالاعتقال الاحتياطي (السالف الذكر)، والمعبر عنه بما يلي:
Loi du 27 décembre 2012 portant des dispositions diverses en matière de justice, Moniteur Belge du 31 Janvier 2013, page : 5286, Entrée en vigueur le 10 Février 2013.
[22]– Laura AUBERT, « Plaidoyer pour une nouvelle approche de la détention avant jugement », Revue de science criminelle et de droit pénal compare, Dalloz, 2012/2 N°2, page: 460, Et ; Marie-Sophie DEVRESSE, « La surveillance électronique des justiciables », Courrier hebdomadaire du CRISP, 2014/22, N° 2227-2228, page : 60.
[23]– لطيفة بنخير، “الوضع تحت المراقبة القضائية في ضوء مسودة قانون المسطرة الجنائية”، المجلة المغربية للقانون الجنائي والعلوم الجنائية، العدد 3، 2017، ص: 182.
[24]– الأمر رقم 15-02 المؤرخ في 23 يوليو 2015، يعدل ويتمم الأمر رقم 66-155 المؤرخ في 8 يونيو سنة 1966 والمتضمن قانون الإجراءات الجزائية، جريدة رسمية عدد 40 بتاريخ 23 يوليو سنة 2015، ص: 28.
[25]– ليلى طلبي، “الوضع تحت المراقبة الإلكترونية”، مجلة العلوم الإنسانية، عدد 47، جوان 2017، المجلد (أ)، ص: 254.
[26]– تنص الفقرة الأخيرة من المادة 125 مكرر 1 من قانون الإجراءات الجزائية الجزائري على أنه: “… تحدد كيفيات تطبيق المراقبة الالكترونية المنصوص عليها في هذه المادة عن طريق التنظيم”.
[27]– “وحسب التصريحات الرسمية، فقد شرعت محكمة جزائرية في تجربة هذا النظام، حيث أصدر قاضي التحقيق لدى محكمة تيبازة (50 كلم غرب العاصمة) أول قرار بوضع متهم في قضية “ضرب وجرح بالسلاح الأبيض” بتاريخ25 ديسمبر 2016 تحت الرقابة الإلكترونية بواسطة السوار الإلكتروني بدلا من حبسه مؤقتا، وذلك على أن يتم تعميمه بشكل تدريجي على باقي ولايات الجزائر”، عن: نسيمة مروان، “المراقبة الإلكترونية بديل جديد عن الحبس المؤقت ودعم لقرينة البراءة”، حوليات كلية الحقوق والعلوم السياسية، المجلد 8، العدد 2، 2017، ص: 171، هامش رقم 1.
[28]– نسيمة مالك، “نظام المراقبة المستحدثة دعم أم اعتداء على قرينة البراءة”، المجلة الجزائرية للعلوم القانونية والاقتصادية والسياسية، المجلد 54، العدد 3، ص: 167.
[29]– عرَّف قانون الإجراءات الجزائية الإماراتي الصادر بالقانون الاتحادي رقم 35 لسنة 1992، والمعدل بالمرسوم بقانون اتحادي رقم 17 لسنة 2018 بشأن تعديل بعض أحكام قانون الإجراءات الجزائية، عرَّف الوضع تحت المراقبة الإلكترونية في الفقرة الأولى من المادة 355 منه، حينما نصت على أن: “إجراء الوضع تحت المراقبة الإلكترونية، هو حرمان المتهم أو المحكوم عليه من أن يتغيب في غير الأوقات الزمنية المحددة له عن محل إقامته أو أي مكان آخر يعينه الأمر الصادر من النيابة العامة أو من المحكمة المختصة بحسب الأحوال، ويتم تنفيذه عن طريق وسائل إلكترونية تسمح بالمراقبة عن بُعد، وتلزم الخاضع لها بحمل جهاز إرسال إلكتروني مدمج، طوال فترة الوضع تحت المراقبة. …”.
[30]– المواد من (361) إلى (368) من قانون الإجراءات الجزائية الإماراتي أعلاه.
[31]– المواد من (369) إلى (379) من قانون الإجراءات الجزائية الإماراتي أعلاه.
[32]– المواد من (380) إلى (385) من قانون الإجراءات الجزائية الإماراتي أعلاه.
[33]– أنظر في ذلك؛ المقال المنشور على الموقع الالكتروني الرسمي لوزارة الداخلية الإماراتي بعنوان: “مجلس القضاء برأس الخيمة، البدء فعليا بالمراقبة الإلكترونية، والداخلية تعلن جاهزيتها التامة للمنظومة”، بتاريخ الجمعة 03 مايو 2019، تاريخ الولوج إلى الموقع: 27 أكتوبر 2019. الرابط: www.moi.gov.ae/ar/media.center/news/7932308.aspx
[34]– نظام الوضع تحت المراقبة الالكترونية في مرحلة التحقيق والمحاكمة.
[35]– رامي متولي القاضي، “نظام المراقبة الإلكترونية في القانون الفرنسي والمقارن“، مجلة الشريعة والقانون، جامعة الإمارات العربية المتحدة، المجلد 29، العدد 63، 2015، ص: 302.
[36]– عبر عنه المشرع الفرنسي في قانونه للمسطرة الجنائية بما يلي:L’assignation à résidence avec surveillance électronique.
[37]– تنص الفقرة الأولى والثانية من المادة 5-142 من قانون المسطرة الجنائية الفرنسي على ما يلي:
Article 142-5 :
Modifié par Loi n°2019-222 du 23 mars 2019 – art. 54 (V) ;
« L’assignation à résidence avec surveillance électronique peut être ordonnée, d’office ou à la demande de l’intéressé, par le juge d’instruction ou par le juge des libertés et de la détention si la personne mise en examen encourt une peine d’emprisonnement correctionnel d’au moins deux ans ou une peine plus grave.
Cette mesure oblige la personne à demeurer à son domicile ou dans une résidence fixée par le juge d’instruction ou le juge des libertés et de la détention et de ne s’en absenter qu’aux conditions et pour les motifs déterminés par ce magistrat. (…) ».