مفهوم الكتلة الدستورية لدى الفقه الدستوري المقارن
إخلاص عزولة
باحثة بسلك الدكتوراه
كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية -سطات
طالما يقوم القاضي الدستوري بمهمة الرقابة على دستورية القوانين فإن هذا يحيلنا إلى الوقوف على السند المرجعي الذي يعتمده من أجل ممارسة هذه الرقابة وبالتالي تأثيرها على حماية الحقوق والحريات. وإذا كان القضاء الدستوري المقارن ساهم في بلورة قواعد مرجعية أساسية تشكلت فيما أصبح يطلق عليه الفقه الدستوري وحتى القضاء الدستوري فيما بعد بالكتلة الدستورية، لكن قد يكون من البداهة التسليم بأن القضاء الدستوري المغربي بالرغم من تجربته التي تكاد تغيب فيها حماية حقيقية للحريات والحقوق بشكل واضح، إلا أن ذلك لا يمنع من القول بأن دستور 1992 أعاد نوعا من النفس إلى مفهوم الحماية مع إقرار الرقابة على دستورية القوانين العادية التي توطدت مع دستور 1996 وتعززت بموجب دستور 2011 الذي دشن عهدا جديدا في وظيفة القضاء الدستوري وفي مجال الضمانات الحمائية الخاصة بالحريات والحقوق الأساسية، ورغم ذلك فإن هذا التراكم لم يؤسس لطرح نقاش فقهي حقيقي حول طبيعة الكتلة الدستورية على غرار الفقه الدستوري المقارن.
بداية تجدر الإشارة إلى أن القواعد التي نعطيها مرتبة سامية من داخل كتلة الدستورية لها أصل دستوري. وبعبارة أخرى فإن هذه النظرية تحيل إلى تسلسل هرمي داخل مجموع القواعد التي لها مصدر في النصوص الدستورية. وعليه فإن القواعد الدستورية المتراتبة في علاقتها ببعضها البعض لها أساس مباشر أو مشتق من نص ذي قيمة دستورية. وبالنتيجة فإن هذه القواعد لها كلها وجود وضعي. وباختصار فإننا سنحدد القواعد ذات المرتبة العليا داخل النص الدستوري من خلال عنصرين: قيمة عليا للقواعد الدستورية الأخرى وقيمة أصلية دستورية. لذلك يجب توضيح مختلف الأطروحات القائلة بوجود تسلسل هرمي داخل كتلة الدستورية.
ويوجد لدى الفقه الدستوري خصوصا الفرنسي نوعين من التسلسل الهرمي داخل كتلة الدستورية، فبعض الكتاب يفرضون تراتبية بين مختلف النصوص المكونة لكتلة الدستورية، أما البعض الآخر فيقترح تراتبية ليس بين النصوص وإنما بين مختلف أحكام هذه النصوص بالنظر إلى المحتوى والمضمون الخاص بكل حكم دستوري.
الفرع الأول: الأطروحات المتعلقة بوجود تسلسل هرمي بين النصوص المكونة لكتلة الدستورية
قبل عرض مختلف هذه الأطروحات فإنه يتوجب أن نحدد بإيجاز ما المقصود ب كتلة الدستورية؟ كتلة الدستورية بالمعنى الواسع تشمل “جميع القواعد ذات القيمة لعليا على تلك القيمة التي للقانون، وحيث يبقى المجلس الدستوري هو المسؤول على ضمان هذا الاحترام”[1] ويدخل في نطاق هذا المعنى حتى القوانين التنظيمية. في المقابل فإن كتلة الدستورية بالمعنى الضيق تعرف بكونها ” مجموعة المبادئ والقواعد ذات القيمة الدستورية والتي يتوجب على السلطة التشريعية احترامها”[2].
من أجل تحديد مجموعة من النصوص التي على أساسها يتم مراقبة القانون، فقد استعمل الفقه عبارة “كتلة الدستورية”[3]، فهذه العبارة تعد ابتكارا فقهيا محضا، وأول من أطلق عليها هذا الاصطلاح هو الفقيه الفرنسي Claude Emery ومن بعده العميد Louis Favoraeu الذي يعود إليه الفضل في إطلاقها بصورة فعالة من حيث تبيان مفهومها وما تتضمنه من مكونات[4]، وكان أغلب الكتاب يرجعون هذا المفهوم إلى اكتشاف “لويس فافورو” من خلال تقديمه لمقالات “أيزنمان”، لكن في الحقيقة فقد كان “إيمري كلاود” هو من استعمله لأول مرة عام 1970 عندما أكد بأن المجلس الدستوري أقام كتلة دستورية فعليه أثناء تعليقه على قرار المجلس الدستوري الصادر في 1969 بشأن نظام الجمعية الوطنية، لكن تعليقه هذا جاء في سياق مناقشة القيمة القانونية لديباجة دستور 1958 التي اعتبرها “ريموند جانو” لا تحتوي أية قيمة دستورية بعلة أن القول بذلك يؤدي إلى السير في طريق حكومة القضاة، في حين ذهب “كلاود إيميري” على العكس بقوله أنه من المنطقي أن تعد مقدمة الدستور من القواعد الأساسية المشكلة لما يسمى ب”الكتلة الدستورية”[5] .
إلا أن أغلب الفقهاء يعتبرون بأن العميد “فافورو” هو من استعمل عبارة الكتلة الدستورية بشكل جيد والذي صممها انطلاقا من مفهوم “كتلة المشروعية” التي استلهمت إلى حد كبير فكر “شارل إيزنمان” بالرغم من توظيفها بشكل قبلي[6].
وهكذا تبنى العميد مفهوم الكتلة الدستورية المجازي بعدما أصدر المجلس الدستوري الفرنسي ثلاثة قرارات أكدت بأن المبادئ والقواعد الدستورية لا توجد فقط في مواد الدستور، وهو الأمر الذي أدى به إلى أن يطور هذا المفهوم ليتحول إلى نظرية لها أبعاد وآثار في مجال القانون الدستوري، كما أن أغلب الفقه لم يساير القول الذي اختزل الكتلة الدستورية في النصوص التي تشكل مضمون الدستور والمتسمة بالعمومية والاقتضاب والتي تبقى عاجزة عن تأمين الحماية اللازمة للحريات والحقوق، لأجل ذلك دأب الفقه وعلى رأسهم جورج فيديل[7] نحو القول بوجود مفهومين لكتلة الدستورية مفهوم ضيق يقصر كتلة الدستورية على نصوص الدستور، ومفهوم واسع يشمل إلى جانب نصوص الدستور مجموعة من القواعد والمبادئ التي تعد مرجعا للقاضي الدستوري وتشكل بموجبها هرما دستوريا مكونا من مجموعة من القواعد ذات الطبيعة الدستورية.
وبالرغم من ذلك فهناك من الفقه[8] من يرجع أول استعمال لعبارة “كتلة الدستورية” إلى أحد الرسائل حول المجلس الدستوري والصادرة سنة 1960 لكاتبها “كلافييغ Clavière”[9]، قبل أن يُؤَكد على مفهومها ومداها العميد “لويس فافورو” سنة 1971 أثناء تعليقه على قرار المجلس الدستوري رقم DC-44[10].
ومن زاوية التطور المفاهيمي، فإن مفهوم الكتلة الدستورية لم يستقر إدراكيا ولم تحدد معالمه المعرفية بدقة، ذلك لأن القاضي الدستوري خصوصا في التجربة الفرنسية، ما فتئ ينعته بأكثر من نعت، ويستعمل عبارات مختلفة من قبيل “القواعد المرجعية” وأحيانا يطلق عليها “القواعد” أو “المبادئ” التي قد تكون أو لا تكون لها “قيمة دستورية”، وأحيانا أخرى يسميها القاضي الدستوري ب”المقتضيات ذات الطابع الدستوري”، أو “المقتضيات الدستورية” و”المبادئ والأهداف ذات القيمة الدستورية”، وهو ما يظهر أن عبارة “كتلة الدستورية” عبارة فقهية ترمز إلى استعمالات قضائية مختلفة[11]، وقد يختلف مفهومها ومضمونها حسب اختلاف كل تجربة دستورية، إلا أن معناها العام لا يدل سوى على مصفوفة من المرجعيات التي يعود إليها القضاء لكي يقر بمخالفة أو عدم مخالفة النصوص التشريعية الصادرة عن البرلمان للدستور.
لذلك نجد بعض الفقه يتجه بالقول الى أن “كتلة الدستورية” كتعبير مجازي هي غير موجودة في الأصل، وهو الموقف الذي عبر عنه الأستاذ “جون ميشيل بلانكي” في مقالته المعنونة “كتلة الدستورية أم تنظيم دستوري؟” التي يستهل في مقدمتها بنتيجة سابقة بقوله بأن “كتلة الدستورية غير موجودة le bloc de constitutionnalité n’existe pas”[12] بالرغم من كونها مفيدة، وأنها لا تعدو أن تكون سوى مفهوما ملصقا notion étiquette””، يجتمع تحت نفس المصطلح من القبولات المتنوعة جدا، والتي تعادل عدم تحديد المعنى من خلال “ابتذال الأدلة”، وهو ما جعله يتبنى مفهوما آخرا بديلا عن الكتلة الدستورية يضع معالمه فيما يسميه ب”التنظيم الدستوري Ordre constitutionnel” باعتباره نظام مرجعيات القاضي système de références de juge[13]، فهو عبارة عن المجموعة التي يجب احترامها بالنظر إلى الدستور[14].
إن إعطاء تعريف موحد لكتلة الدستورية يبقى أمرا صعب المنال على مستويين، الأول نظري يتعلق بالدستور نفسه الذي غالبا ما يحيل إلى عبارات مختلفة ولا يضع أي تعريف أو تحديد، لذلك يبقى تحديد مفهومها من هذه الزاوية نفسها عاما يتعلق بكل الأحكام التي نص عليها الدستور نفسه والقواعد التي كرسها والمبادئ التي نص عليها صراحة، الأمر الذي يترك –على المستوى الثاني- للممارسة العملية القضائية سلطة واسعة في تفسير هذه النصوص واستخراج المبادئ والأهداف منها، وفي كل الأحوال فكتلة مرجعية القاضي تبقى غير معرفة بذاتها وإنما يتم استنتاجها بشكل صريح أو ضمني من خلال القرارات التي يصدرها بشأن الرقابة على الدستورية.
في المغرب فإن تحديد مفهوم كتلة الدستورية من طرف الفقه ظل محكوما بالسجال النظري لفقه القانون العام الفرنسي، ولم يتم استثمار هذا المفهوم من زاوية علاقته مع حماية الحقوق والحريات الأساسية منذ تشكيل الغرفة الدستورية إلى غاية العهد الجديد الذي دشنه المجلس الدستوري وكذا بداية المحكمة الدستورية مع دستور 2011، فكتلة الدستورية أخذت بمعناها العام باعتبارها تشكل منظومة مرجعية القاضي الدستوري في ممارسة وظائفه والتي تكرست أغلبها في الفصل والنظر في توزيع الاختصاصات بين السلطتين وكذا مراقبة الانتخابات والاستشارات الانتخابية، وبمعنى ينطلق من مفهوم التسلسل الهرمي للقواعد التي يأتي الدستور في قمتها، نزولا عند القواعد الأدنى درجة منه والتي يفترض فيها أن تكون متسقة مع أحكامه وغير مخالفة للمبادئ التي نص عليها، خصوصا مبدأ الفصل بين السلطات ومبدأ المساواة إضافة إلى بعض المبادئ التي كانت قبل دستور 2011 ذات قيمة دستورية والتي تحولت بموجب هذا الأخير إلى مبادئ دستورية كقرينة البراءة واستمرارية المرفق العام ومبدأ المناصفة وتكافؤ الفرص إلى غير ذلك من المبادئ والأهداف الدستورية الجديدة، او التي يمكن ان يضفي عليها القاضي الدستوري صفة المبدأ ذي القيمة الدستورية.
وعلى العكس من ذلك، فإن نظام مرجعيات القضاء الدستوري في فرنسا على وجه الخصوص، أثارت نقاش حادا بين الفقه خصوصا وأن القضاء الدستوري استلهم مجموعة من المبادئ غير المكتوبة في الدستور، وهو ما جعلهم يتحدثون عن قواعد ومبادئ ما فوق دستورية ويطرحون مسألة السمو الدستوري من جديد على بساط البحث، إضافة إلى الافتراض من داخل منظومة المرجعيات هاته بوجود تراتبية فيما بين هاته المرجعيات الدستورية[15].
ومن الواضح أن معالجة مشكلة التسلسل الهرمي في كتلة الدستورية فإن المعنى الثاني هو الذي يمكن الأخذ به، ذلك لأن كتلة الدستورية بالمعنى الواسع تتضمن بالضرورة القوانين التنظيمية، لكن هذه القوانين تقع في مرتبة أدنى من الدستور.
وكما يشير العميد جورج فيديل “فعندما يصرح القاضي الدستوري بمخالفة قانون عادي لقانون تنظيمي فإن أسباب الإدانة هو في آخر المطاف مخالفة لأحكام المادة 46 من الدستور”[16]. على هذا الأساس أخذنا كتلة الدستورية بمفهومها الضيق، وبهذا المعنى فإنها تتكون حصريا من النصوص ذات المستوى الدستوري[17]، مواد دستور 1958 وديباجته، وهذه الأخيرة تشير من جهة إلى إعلان 1789[18] ومن جهة أخرى إلى ديباجة دستور 1946[19] والتي تشير بدورها إلى “المبادئ الاساسية المعترف بها من طرف
قوانين الجمهورية”[20] وإلى “المبادئ الخاصة الضرورية لعصرنا الحالي”[21]، وبالتالي فإن قواعد القانون الدولي[22] والمبادئ العامة للقانون[23] لا تشكل جزءا من كتلة الدستورية.
بمجرد القول بكون كتلة الدستورية مكونة من نصوص عديدة فإن مشكلة تراتبية هذه النصوص أحدها في علاقتها بالأخرى تبدو مطروحة لا محالة[24]، فهل كل النصوص التي تشكل جزءا من كتلة الدستورية لها نفس القيمة؟ ألا يمكن لبعضها في حالة التنازع أن تكون لها الأفضلية على النصوص الأخرى؟ وعلى سبيل المثال هل يمنح إعلان 1789 الأولوية على أحكام ديباجة دستور 1946 أم لا؟ وهل تعطى الأولوية لمواد الدستور؟[25]
لقد أجاب جانب من الفقه بالإيجاب. في هذا الصدد يرى بعض الكتاب أن هناك تسلسل هرمي بين النصوص المكونة بكتلة الدستورية، وبحسب أطروحتهم، فإن أي نص يشكل جزءا من كتلة الدستورية يسود على نصوص أخرى لهذه الكتلة. لكن المثير للاهتمام يتمثل في كون هؤلاء المؤلفين الداعمين لمثل هذه التراتبية لا يتفقون على المرتبة التي سيتم تعيينها في التسلسل الهرمي لهذا الحكم أو ذاك. بالنسبة للبعض فإن إعلان 1789 هو الذي يحتل المرتبة الأولى في التراتبية، بالنسبة للآخرين فإن ديباجة دستور 1946 هي التي تسود على باقي أجزاء كتلة الدستورية.
الفقرة الأولى: أطروحة سمو إعلان 1789
تأييدا لهذه الأطروحة فإنه يتم إثارة حجتين من طرف المدافعين عن سمو إعلان 1789 على كل مكونات كتلة الدستورية:
- الحجة الأولى تستند على الطبيعة المطلقة وغير القابلة للتصرف imprescriptible للحقوق المنصوص عليها في الإعلان، وعلى سبيل المثال، فإن “فرونسوا غوغل François Goguel” يؤكد أن إعلان 1789 له مكانة سامية على “المبادئ السياسية والاقتصادية والاجتماعية الخاصة الضرورية لزمننا” المعلن عنها في ديباجة 1946. ووفقا له فإن هذا السمو له ما يبرره جيدا، ذلك أنه مستنتج من العبارات نفسها المتضمنة في إعلان 1789، على أنه لا يقصد بها أنها تتطابق مع حالة معينة من تطور تاريخ الانسانية وتطور المجتمعات، فالحقوق التي يعلن عنها تنتمي إلى الإنسان باعتباره إنسان، إنها مطلقة وغير قابلة للتصرف، وبالعكس فإن المبادئ المبينة في ديباجة دستور 1946 تم الإعلان عنها بطريقة صريحة “اللازمة خاصة لزمننا”، وبالتالي فهي قد لا تكون ضرورية لزمننا الماضي كما قد لا تكون ضرورية للمستقبل، وعليه فإن المبادئ الضرورية بشكل خاص لزمننا، على عكس الحقوق المعلنة في إعلان 1789، تتأثر بدرجة معينة من الطوارئ والنسبية[26].
وبالمثل اعتبر “ستيفان ريالس “Stéphane Rials بأن هناك من جانب بعض المبادئ التي تشكل أساس Base كل حركة قانونية، مبادئ لا يسمح نظامنا القانوني من خلال إعلان 1789 بسنها وإنما معرفتها على أنها أدنى أو أعلى، طبيعية وغير قابلة للتصرف، إنها تتمتع بتوافق استثنائي. ومن جانب آخر يوجد من جهة مبادئ تتفق مع لحظة معينة من حضارتنا القانونية-البارزة في الواقع، ولكن بصورة واضحة أقل درجة من سابقاتها التي غالبا ما تكون محددة بالنظر لأخلاق القرن الأخير- ومن جهة أخرى هناك مقترحات قانونية برنامجية والتي هي بالتأكيد ليست موضع إجماع للرأي(التأميم مثلا)، تبدو ارتباطا بظروف إعدادها أنها تتسم بطابع التوجيه البسيط في بعض الأحيان(على سبيل المثال عندما تنص ديباجة دستور 1946 على أن “الأمة تضمن للفرد والأسرة الشروط اللازمة لتنميتهم” أو أن “كل العمال يشاركون من خلال منتدبيهم الوسطاء في التحديد الجماعي لشروط العمل كما تدبير المقاولات[27].
أندري دو لوبادير و بيير ديلفولفي André de Laubadère et Pierre Delvolvé بدورهما اعترفا بالطبيعة الليبرالية للمبادئ المعلن عنها في إعلان 1789 والطبيعة التدخلية لمبادئ عام 1946، ووضعا أيضا المبادئ الليبرالية في الصدارة. وبالنسبة لهما فإن المبادئ التدخلية تأتي في المرتبة الثانية (تم الإعلان عنها بالإضافة “en outre”). وبقدر ما تتعارض مع المبادئ السابقة فإنها تسود عليها. ولكن بغض النظر عن تلك التي تطبق بالضرورة، فإن المبادئ اليبرالية تجد موضعها للتطبيق. وبشكل بسيط فإن هذه الأخيرة تشكل حقا عاما droit commun في حين تشكل المبادئ الأخرى استثناء. قد تبدو الصيغة شديدة جدا، إلا أنه يجب أن نعتبر التدخلية interventionnisme التي دعت إليها الديباجة تشكل جزءا من نظام تحافظ عليه الليبرالية[28].
- الحجة الثانية تركز على الطبيعة التكميلية لديباجة دستور 1946، في الواقع فإن العبارات نفسها لديباجة دستور 1958 أكدت على أن مقدمة دستور 1946 “تؤكد” و”تكمل” إعلان 1789[29]، وعلى هذا الأساس، تأكيدا على الطابع التكميلي لمقدمة دستور 1946، جون فرونسوا فلوس Jean-François Flauss يعتبر أن الحقوق الاجتماعية لها “مرتبة أدنى وثانوية في كتلة القواعد ذات القيمة الدستورية”[30]، ووفقا له فإن “الحقوق الاجتماعية يمكنها أن تغني، ولكن ليس بتر amputer، الحقوق والحريات الناجمة عن إعلان 1789[31]، وبعبارة أخرى فهذا يعني أن المبادئ الدستورية الناتجة عن إعلان 1789 مقارنة بتلك الناجمة عن مقدمة 1946 تتمتع بقوة أعلى، وبالنتيجة فإنه في حالة النزاع فإن الأولوية تكون للأولى على الثانية[32].
الفقرة الثانية: أطروحة سمو ديباجة دستور 1946
في الاتجاه المعاكس، اعتبر بعض الكتاب أن نص ديباجة دستور 1946 لها نوع من السمو على تلك الواردة في إعلان 1789، ودعما لهذه الأطروحة وكما لاحظ جورج فيديل، هناك حجتين مقدمتين: الأولى تقول بكون النص الحديث يجب أن تكون له الأفضلية على النص القديم، والثانية تقول بكون “المبادئ الخاصة الضرورية لزمننا” يجب أن تكون منتصرة على مبادئ جاءت من أوقات أخرى[33].
- الحجة الأولى تنطلق من تطبيق قاعدة Lex posterior derogat priori والتي تقابلها بلغة القانون بالعربية “قاعدة النص اللاحق يلغي السابق”، ووفقا لهذه القاعدة يكون للنص الأخير في حالة النزاع الأسبقية على القديم. وتطبيقا لهذه القاعدة على كتلة الدستورية، أكد “لويس فليب Loïc Philip أن “الأحكام الواردة في دستور 1958 تسمو على الأحكام الواردة في ديباجة دستور 1946 والتي تسمو على المبادئ الأساسية المعترف بها من طرف قوانين الجمهورية، والتي بدورها تسمو على إعلان 1789، ومن ثم فإن الأحكام الواردة في هذا النص لا يمكن أن تعطى لها قيمة دستورية إلا بقدر ما لا تتعارض مع أحكام دستورية أخرى لاحقة، ونطاقها يجب تحدده في ضوء القيود التي يمكن بعد ذلك إدخالها في نصوص ذات قيمة دستورية[34].
- أما بالنسبة للحجة الثانية فقدمها خلال سنة 1974 الأستاذ فرونسوا لوشير François Luchaire، فوفقا له “فإن إعلان حقوق الإنسان والمواطن 1789 يجيب على متطلبات تلك المرحلة، ولكن في عصرنا الحالي، هناك متطلبات أخرى: الملكية كحق لا تنتهك حرمته ومقدس، أصبحت وظيفة اجتماعية؛ المساواة في الحق تم تجاوزه من خلال الاهتمام بالمساواة المادية، لذلك فإن إعلان 1789 لا يجب تفسيره كما لو كان في بداية الثورة الكبرى، ولكن وفقا لمتطلبات عصرنا، وبالطبع مع الأحكام العامة لدستور 1958 وديباجته كما ديباجة دستور 1946. ويقول فرونسوا لوشير في هذا الصدد هناك حكم في دستورنا الحالي، يبدو أنه أساسي “فرنسا جمهورية…اجتماعية” وهذا التأكيد هو الذي يوفر مفتاح تفسير إعلان 1789 والذي يجعله يتوافق مع متطلبات عصرنا الحالي[35].
بالنسبة للمغرب وإن كانت الديباجة قد طرحت اختلافات فقهية حول مدى اندراجها ضمن كتلة الدستورية نظرا لكون الدستور لم يكن يحيل إلى أي مقتضى يجعلها جزءا من احكامه كما أن القضاء الدستوري لم يحل إليها أثناء الرقابة على دستورية القوانين، بيد أن دستور 2011 جاء ليؤكد بكون تصدير الدستور يشكل جزءا لا يتجزأ من الدستور، وهو ما جعل القضاء الدستوري يستند إلى تصدير الدستور ويجعله مرجعا في إقرار المخالفة الدستورية وعدم المطابقة، وهو ما تأكد في مجموعة من القرارات التي تم إصدارها.
وفي سياق الحديث عن الديباجة وتطورها في الدساتير المغربية، يقول الأستاذ أشركي في إحدى مداخلاته، إن الحديث عن التطور الدستوري للديباجة، يطرح ملاحظتين، الأولى حددها في استقرار ديباجة دستور 1962 على حالها واستمرارها بدون تغيير إلى حدود سنة 2011، إذ باستثناء ما نص عليه دستور 1992 في ديباجته من إعلان “تشبث المملكة المغربية بحقوق الإنسان كما هي متعارف عليها عالميا”، لم يحدث أي تغيير على الديباجة سواء في حجمها، حيث ظلت متضمنة لصفحة واحدة وتحتوي على ثمانية أسطر وسبعون كلمة، أو في مضمونها، التي ظلت تضم ثلاثة مبادئ وخمسة التزامات كلها تتعلق بالسياسة الخارجية للمغرب. بينما حدد الملاحظة الثانية في ضعف إحالة القضاء الدستوري عليها في ظل المرحلة السابقة على دستور 2011، فهو لم يذكرها إلا مرة واحدة وكان ذلك سنة 1963 بمناسبة نظر الغرفة الدستورية بالمجلس الأعلى في دستورية النظام الداخلي لمجلس النواب، حين اعتبرت أحد مقتضياته مخالفة للمبدأ المنصوص عليه في “فاتحة الدستور” وهو “أن المملكة المغربية دولة إسلامية”، بل وحتى في هذه الإحالة الوحيدة، يستطرد الأستاذ أشركي، فإن القضاء الدستوري لم يحل على الديباجة لوحدها بل ربط ذلك بمقتضيات الفصل السادس من دستور 1962، التي تقول إن “الإسلام دين الدولة”.
بيد أن مسألة التقرير بكون الديباجة جزء من الدستور، وإن كانت تبدو أنها حسمت النقاش فإن الامر بالنسبة للأستاذ أشركي تطرح مشكلة حول طبيعتها القانونية، فهو يقول بأنه إذا كان ذلك يجعل الحسم في موضوع الطبيعة القانونية للديباجة يعود إلى اجتهاد القضاء الدستوري، فإن هذا الاجتهاد هو نفسه ليس مستقرا على موقف محدد، وإنما يتنازعه اتجاهين. الاتجاه الأول، لا يصبغ أية قيمة قانونية على الديباجة وإنما يستعين بها لتفسير بنود الدستور، وفقا لما سارت عليه مثلا المحكمة الدستورية العليا الإسبانية حينما اعتبرت إن الديباجة لا تكتسي أية قيمة معيارية ولكنها تعد عنصرا هاما في بيان مدلول ومدى القواعد الدستورية، وأكد عليه أيضا أحد محرري دستور هذا البلد لسنة 1978 عندما أشار إلى أن “الديباجة عبارة عن سجل نوايا”. أما الاتجاه الثاني، فيضفي عليها الصبغة القانونية، ويبرز أكثر في اجتهاد القضاء الدستوري الفرنسي. فرغم أن الدستور الفرنسي، يقول المتحدث، لم ينص على أن الديباجة جزء لا يتجزأ منه فقد استند عليها القاضي الدستوري لكي يقرر حقوقا محددة، خاصة منذ قراره الشهير لسنة 1971 المتعلق بحرية تأسيس الجمعيات، والذي اعتبره أحد الفقهاء الفرنسي بأنه بمثابة “قضية ماربوري ضد ماديسون” الفرنسية.
وإذا كان اجتهاد القضاء الدستوري المغربي لم يتجاهل كليا قضية الديباجة، حيث سبق له أن أحال إليها مرة واحدة في ظل الدساتير السابقة، لدى نظر الغرفة الدستوري بالمجلس الأعلى في مدى دستورية مقتضيات النظام الداخلي لمجلس النواب، وأكثر من تسعة مرات في ظل الدستور الحالي، فالملاحظ عليه، يشير الأستاذ محمد أشركي، هو أنه لم يكتف بالإشارة إليها وحدها بل ربطها بمقتضيات وأحكام دستورية، مفضلا بذلك تجنب “الاجتهاد التأويلي” والاعتماد أكثر على ما أسماه “الاجتهاد التكاملي”، الذي يتعامل مع مقتضيات الدستور باعتبارها مقتضيات متكاملة يفسر بعضها البعض[36].
وإذا كان القول بكون استحضار الاجتهاد التكاملي قولا صائبا فهذا لا ينفي كون الاجتهاد الدستوري يعتمد على التبرير أكثر من التفسير رغم كون القاضي يربط الديباجة بفصول ومبادئ دستورية أخرى وهذا ما يتضح من خلال حيثيات مجموعة من قرارته.
ففي قراره رقم 817 صرح المجلس الدستوري بما يلي: “حيث إنه، فضلا عن الإشارة في فصله 17 إلى “اللوائح والدوائر الانتخابية المحلية والجهوية والوطنية” فإنّ الدستور، إلى جانب المبادئ الأساسية التي تضمنها في مجال ممارسة المواطنين والمواطنات لحقوقهم السياسية، جعل المشاركة والتعددية من مرتكزات الدولة الحديثة التي يسعى إلى توطيد وتقوية مؤسساتها (التصدير)، كما أقر عددا من الأهداف الدستورية التي يدعو إلى بلوغها، والمتمثلة بصفة خاصة في تعميم الطابع الفعلي لحرية المواطنات والمواطنين والمساواة بينهم ومن مشاركتهم في الحياة السياسية (الفصل 6)….”وحيث إن الدستور متكامل في مبادئه وأهدافه“.
وفي قراره رقم 819 صرح المجلس الدستوري بما يلي: ” إن الدستور بتأكيده على أن “الانتخابات الحرة والنزيهة والشفافة هي أساس مشروعية التمثيل الديمقراطي”… وبإسناده، في ذلك، للأحزاب السياسية دورا محوريا لا سيما في التعبير عن إرادة الناخبين، وبدعوته لأعضاء مجلسي البرلمان إلى الوفاء لانتماءاتهم السياسية ومن خلالها لتعاقدهم مع ناخبيهم… إنما يرمي إلى “توطيد وتقوية مؤسسات دولة حديثة” كما ورد في تصدير الدستور؛
وفي قراره رقم 818 صرح كذلك بما يلي: ” …إن الديمقراطية المواطنة التي جعلها الدستور في فصله الأول، إلى جانب ربط المسؤولية بالمحاسبة، من مقومات النظام الدستوري للمملكة والتي تتلازم فيها الحقوق بالواجبات، كما يشير إلى ذلك الدستور في تصديره، بالإضافة إلى الدور الدستوري المخول للأحزاب السياسية في الحياة الوطنية بموجب فصله السابع، يجعل حرية المنتخب في تغيير انتمائه السياسي مقيدة بحقوق الناخبين وحقوق الهيئات السياسية التي رشحته لمهام انتدابية، في نطاق تعاقد معنوي بين الطرفين”. وكذا في قراره رقم 854 الذي صرح فيه بما يلي: ” وحيث إن هذه المبادئ والمعايير مستمدة عموما من أحكام الدستور الواردة على وجه الخصوص في التصدير وفي الفصول 16 و19 و154 و155، فليس في مقتضيات المادة المذكورة ما يخالف الدستور”.
نفس الشيء مع قراره رقم 921 الذي جاء فيه:” وحيث إنه، لئن كان يحق للمشرع، لا سيما من أجل حماية أمن وحرية المواطنات والمواطنين وضمان سلامة السكان وسلامة التراب الوطني وصيانة المال العام، كما هو وارد على التوالي في تصدير الدستور وفي فصليه 21 و36″. وقراره كذلك رقم 924 الذي صرح فيه: ” وحيث إن توطيد وتقوية مؤسسات دولة حديثة يعد غاية دستورية، كما يشير إلى ذلك الدستور في تصديره”.
واستمر القاضي الدستوري على نفس المنهج التبريري في العديد من القرارات باعتبار الديباجة أساس عدم المطابقة مع الدستور[37]، علاوة على استحضارها في منهجه لإلغاء نتائج الاقتراع، وهذا ما يتضح مع قراره رقم 996 الذي جاء فيه ما يلي:” وحيث إن المطعون في انتخابه، باعتماده “السوسية” تسمية للائحته الانتخابية بما يتضمنه ذلك من إيحاءات ودلالات تمييزية، يكون قد خالف بالفعل أحكام الدستور الذي نص في تصديره على تشبث المملكة المغربية “بوحدتها الوطنية والترابية، وبصيانة تلاحم وتنوع مقومات هويتها الوطنية، الموحدة بانصهار كل مكوناتها، العربية – الإسلامية، والأمازيغية، والصحراوية الحسانية”، وعلى حظر كل أشكال التمييز بسبب الثقافة أو الانتماء الاجتماعي أو الجهوي أو اللغوي، كما خالف أيضا أحكام الفصل الأول من الدستور فيما تضمنه من أن الوحدة الوطنية متعددة الروافد تعد من الثوابت الجامعة التي تستند عليها الأمة في حياتها العامة”.
الفرع الثاني: الأطروحات التي تفرض تسلسلا هرميا بين مختلف الأحكام الدستورية
وفقا لهذه الأطروحات فإن هناك تراتبية ليس بين مختلف النصوص المكونة لكتلة الدستورية، ولكن بين مختلف أحكام هذه النصوص وذلك بالنظر إلى محتواها الخاص، إن مسألة التراتبية بين القواعد الدستورية تمت صياغتها من طرف العميد جورج فيديل Georges Vedel وبنوع من السخرية humour: «يجب أن نتساءل في مجموع القواعد التي لها مصدرا في الدستور، عما إذا كان القاضي الدستوري لا يعترف بنوع من التراتبية، إذا لم يكن هناك بالنسبة له قواعد من الدرجة الأولى والدرجة الثانية أو الدرجة الثالثة. هناك نكتة شهيرة ساخرة تقول “أن كل الرجال متساوون ولكن البعض أكثر مساواة من الآخرين”، ألا يمكن أن يقال “أن جميع القواعد المكتوبة في الدستور دستورية، ولكن بعض هذه القواعد هي أكثر من غيرها؟»[38].
يقدم بعض الكتاب جوابا إيجابيا على هذا السؤال، بالنسبة لهم هناك نوع من التسلسل الهرمي داخل المعايير الدستورية، وهم يعتقدون أن أحكام الدستور لها قيمة مختلفة. فبعض القواعد les normes والتي تعتبر أساسية بالنظر إلى محتواها هي أعلى مرتبة من غيرها، وكذلك حسب هذه الأطروحة فإن الأحكام التي تندرج في الدرجة الأولى في التسلسل الهرمي تشكل قيودا على المراجعة الدستورية.
وبعبارة أخرى، وفقا لهؤلاء كما يشير إلى ذلك جورج فيديل «يوجد في الدستور مبادئ أساسية جدا والتي تبقى آمنة حتى من السلطة التأسيسية في المستقبل»[39]. على المستوى المادي توجد أحكاما بالنظر إلى أهميتها مستثناة من أي مراجعة دستورية، وبالنتيجة فإن هذه المبادئ ستكون محرمة ليس فقط على السلطة التشريعية بل حتى على السلطة التأسيسية. إضافة لذلك هناك من الفقه الفرنسي من يعتقد أن أحكام الدستور التي تشكل النواة الصلبة للحقوق الأساسية لها قيمة سامية مقارنة مع الأخرى، وبالعكس اعتبر آخرون أن أحكام الدستور التي تمس السيادة الوطنية هي التي تسمو على الأخرى[40].
الفقرة الأولى: أطروحة سمو الأحكام الدستورية التي تتعلق بالنواة الصلبة للحقوق الأساسية
هناك من يعتقد أن الحقوق الأساسية ليس لها نفس القيمة، “فبعض الحقوق تعتبر أكثر أساسية من الأخرى”[41]. وبالنسبة لهم أيضا هناك حقوق أساسية من الدرجة الأولى ومن الدرجة الثانية، ونتيجة لذلك يضعون تراتبية بين الأحكام الدستورية المتعلقة بالحقوق الأساسية من الدرجة الأولى والأحكام الأخرى، ولذلك في رأيهم أنه في حالة وجود تنازع فإنه يجب أن تسود الأحكام الدستورية المتعلقة بالحقوق والحريات الأساسية من الدرجة الأولى على الأحكام الأخرى، والتالي فإن القاعدة التي يطرحها قانون المراجعة الدستورية يجب ألا تكون متعارضة مع قاعدة لحقوق أساسية من الدرجة الأولى. وبهذا المفهوم فإن القواعد الدستورية المتعلقة بالحقوق والحريات الأساسية من الدرجة الأولى تشكل قيدا على المراجعة الدستورية.
وحسب بعض المؤلفين كذلك، فإن القاضي الدستوري تبنى في اجتهاده تراتبية مادية للحقوق الأساسية، ويرى هؤلاء أن المجلس الدستوري في فرنسا يؤمن حماية وضمانة مختلفة للحقوق الأساسية بالنظر إلى مضمونها.
وعلى سبيل المثال، يعتقد “برونو جنفوا” أن القاضي الدستوري وضع تراتبية مادية للحقوق والحريات المضمونة[42]، ووفقا له فإن ” الحقوق المعلن عنها في الإعلان ليست كلها مضمونة بنفس الدرجة”[43]، ولذلك فهو يقترح معايير مختلفة من أجل وضع تسلسل هرمي للحقوق الأساسية: درجة التحديد المكرسة، نقطة معرفة ما إذا كانت تحمل استثناءات أو مزاجات، درجة التعلق بالرأي السائد من طرفه، مدى رقابة القاضي على الأعمال والقرارات التي يشكك فيها أو التي يفحصها. واستنادا إلى هذه المعايير، يعتقد أن الحريات التي “تبدو أكثر حماية، هي الحرية الفردية، حرية الرأي والوجدان وكذلك حرية الصحافة”[44].
وكما لاحظ جورج فيديل، فإن هذا يؤدي إلى القول بـأن “بعض المبادئ والحقوق ستكون بالنسبة للقاضي من الدرجة الأولى، في حين أن البعض الآخر ستكون لها درجة ثانية أو ثالثة، ومن خطوة إلى أخرى يمكن أن ينتهي بنا المطاف إلى نوع من التصنيف للحريات العامة إلى أصناف متسلسلة ومتراتبة هرميا[45].
وبالمثل يعتقد Dominique Turpin أن هناك خارج التسلسل الهرمي الشكلي Formelle “هرمية مادية من الناحية الواقعية”[46]، بالنسبة له ليس هناك مساواة في القيمة بين مختلف الأحكام المتضمنة في أية قواعد Normes التي تشكل كتلة الدستورية[47]، وأكد أن أحكام إعلان 1789 لا ينبغي أن توضع في صنف واحد: “إن بعضها يتطلب في الحقيقة تدخلا تشريعيا وتوفيقا بينها وفقا لتوجيهات المجلس الدستوري، في حين أن البعض الآخر أي تلك المنصوص عليها في المادة 1 و 2 تشكل النواة الصلبة التي يسود عليها دائما مفهوم “ما بعد الطبيعيين” الخاضع لإرادة الأغلبية البرلمانية سريعة الزوال”.
وبالتالي هكذا يمكن لتراتبية أن تخفي تراتبية أخرى، وهو ما ينتج عنه بناء مرجعية معيارية مكونة من طابقين: في القاعدة la base تتموقع نواة حقوق الإنسان الطبيعية وغير القابلة للتصرف التي يظل حفظها هدف كل الجمعيات السياسية”. وهكذا توجد سلسلة ثلاثية بين قواعد كتلة الدستورية: بين تلك المعلن على أنها حقوق طبيعية، بدون تعارض ولا إدراك، لأنها تعتبر من عدة أوجه، لها نفس مفهوم الحرية وكرامة الشخص الإنساني، وهو ما يعني ويدعم كل البيانات القانونية، وبالتالي غياب الهرمية، وبين الإنشاءات الممكنة لهذه القواعد الأساسية، والبناءات التي لا يمكن تجنبها، ولكن يمكن التغلب عليها من خلال التشريعات. وبين الأولى والثانية في النهاية توجد تراتبية هرمية والتي قام المجلس الدستوري بفرض احترامها بدقة شديدة[48].
ويعتقد ستيفان ريالز أيضا بأنه: “سيكون من المناسب تكريس سمو الحرية –وبالتالي المادة 2 من إعلان 1789- على باقي المبادئ الدستورية الأخرى”[49]. أما بالنسبة ل لويس فافورو فإنه لا يقبل بوجود تسلسل هرمي شكلي بين إعلان 1789، وديباجة دستور 1946 ودستور 1958، وهو لذلك يتساءل “عما إذا كان من الضروري التمييز بين مختلف الحقوق والحريات بالنسبة للحماية التي يؤمنها القاضي الدستوري”[50] وبالتالي يقترح أيضا التمييز “بين الحريات من الدرجة الأولى والثانية”[51]. وقام بوضع كل من الحرية الفردية وحريات تكوين الجمعيات والصحافة(المكتوبة) والتعليم في الدرجة الأولى[52]، لأنه وفقا له فإن الحريات الأربعة “تستفيد من حماية معززة على ثلاث نقاط[53]: “بالنسبة لهذه الحريات أولا وقبل كل شيء، فإن الترخيص المسبق لا يمكن أن يضعه المشرع”[54]، وثانيا فيما يتعلق بهذه الحريات فإن “المشرع لا يمكن له أن يتدخل فيها إلا من أجل الرفع أو تقوية الحماية التي يقوم بتأمينها”[55]، وثالثا وأخيرا، فإن هذه الحريات يجب أن تكون هدفا لتطبيق موحد في مجموع التراب”[56].
وعليه نكون قد رأينا الأطروحات المختلفة والتي تضع تمييزا بين الحريات والحقوق من الدرجة الأولى والثانية، ويمكن للمرء أن يتساءل عما إذا كان هناك حقا تراتبية قانونية، لأنه من بين هؤلاء الكتاب، مثل لويس فافورو[57] وبرونو جنفوا [58] رفضوا بشكل قاطع وجود تراتبية بين أحكام كتلة الدستورية. وهو ما دفع برونو جنفوا بنعت هذه التراتبية ب”المادية” Matérielle على النقيض من التراتبية الشكلية[59].
وبالنسبة لفافورو يلخص ذلك بقوله: “هذا لا يعد تراتبية هرمية حقيقية، حتى ولو نعتناها ب “المادية”[60]، وتحدث فقط عن حريات من الدرجة الأولى وحريات من الدرجة الثانية[61]. وبالرغم من أنه حتى لو بدا لنا أن هؤلاء المؤلفين لم يؤكدوا دائما على وجود تسلسل هرمي شكلي بين القواعد الدستورية، فإن نتيجة هذه الأطروحة تعود إلى نفس الشيء، وكما لاحظ ذلك العميد فيديل فإنه “بشكل تدريجي من خطوة لأخرى يمكن أن ننتهي إلى تصنيف للحريات العمومية إلى أصناف متعددة مرتبة هرميا”[62].
وفي الحقيقة فإن الذي قد يبدو حاسما يتمثل في كون الحقوق الأساسية من الدرجة الأولى تسمو على الأخرى في حال التنازع بين الحقوق الأساسية من الدرجة الأولى والأخرى حسب منطق هذه الأطروحة، وعليه ففي حالة قيام سلطة المراجعة الدستورية بطرح قاعدة متعارضة مع حق أساسي من الدرجة الأولى، فإن القاضي سيعطي الأفضلية أو الأسبقية لهذه الأخيرة. ويبدو من الواضح أن هذا يعود إلى تأثير يعادل الأطروحات التي تفترض تراتبية شكلية بين المعايير الدستورية. وباختصار، وفقا لهذا المفهوم فإن الحقوق الأساسية من الدرجة الأولى، ستكون عمليا بعيدة عن متناول سلطة المراجعة الدستورية.
إن هذه النتيجة يمكن أن تكون أكثر وضوحا وفقا لتأكيد “روبير بادنتر” الذي يقول:” يوجد في نظمنا الدستورية حريات غير مادية(معنوية) لا يمكن للسلطة التأسيسية أن تقوم بإزالتها. فقط الحقوق التي لا تنتمي إلى هذه النواة المقدسة وحدها يمكن تغييرها”[63]. أما ماريز جودريس فقد ذهب بالقول بأنه “في الحقيقة فإن كل حكم دستوري يتعلق بحقوق الإنسان بحكم طبيعته لا يمكن أن يكون من الناحية الجوهرية موضع مراجعة[64].
الفقرة الثانية: أطروحة سمو القواعد normes الدستورية المتعلقة بالسيادة الوطنية
يعتقد بعض الفقه أن أحكام الدستور المتعلقة بالسيادة الوطنية لها قيمة أعلى من غيرها، وبناء عليه فإن هذه الأحكام غير قابلة للتصرف intangibles ليس فقط بالنسبة للسلطة التشريعية وإنما أيضا بالنسبة لسلطة المراجعة الدستورية. وعلى سبيل المثال يعتقد ليو هامون أن هناك في الدستور “مبادئ أساسية لا يمكننا الرجوع إليها مرة ثانية”[65] il y a dans la Constitution des principes fondamentaux sur lesquelles on ne peut pas revenir. لذلك وفقا له فإن السيادة الوطنية تقع ضمن هذه الفئة من المبادئ[66]، كما أكد الأستاذ على أن “برلمانا يلغي السيادة الوطنية أو يشوهها سيكون بشكل جدي برلمانا يرمي إلى التمييز في الحق بين الفرنسيين على أساس الدين أو العرق أو طبقتهم”[67].
أما الأستاذ أوليفي بود بطريقة أكثر منهجية يفترض تراتبية بين قواعد الدستور انطلاقا مما إذا كانت تمس أولا تمس سيادة الشعب، وبالتالي فإنه يضع مكانة عليا للأحكام الدستورية المتعلقة بسيادة الشعب في التسلسل الهرمي للقواعد الدستورية[68]. ونتيجة لذلك تصبح هذه الأحكام غير قابلة للمس فيما يتعلق بسلطة المراجعة الدستورية.
وهكذا يظهر أولا، أن أوليفي بود ينتقد المذهب السائد، والذي مفاده أنه “لا يمكن أن يكون هناك سمو لمادة من مواد الدستور على أخرى، أو أيضا سمو مبدأ دستوري كمبدأ السيادة على قاعدة دستورية”[69]، ويرى أنه ” وفقا للمنطق هذا، فإن السيادة الوطنية ليس لها قيمة قانونية أكثر من أي حكم دستوري يصدر في شكل مراجعة”[70]، وبالتالي فإن الأستاذ بود يؤكد على أن السيادة الوطنية تعتبر عنصرا دستوريا غير قابل للمس[71]، وأيضا بالنسبة له: “فإن التحفظات على السيادة لا يمكن أن تمارس من طرف سلطة المراجعة الدستورية وإنما فقط من قبل السلطة التأسيسية”[72]. لأنه يمكن للعمل السيادي وحده أن يتراجع عن قرار تأسيسي acte constituant. وإذا كان قانون المراجعة الدستورية غير قادر عن إزالة عائق السيادة الوطنية، فذلك لأنه يجب أن تفسر على أنها تشكل جزءا من أحكام غير قابلة للمس في الدستور. وبالتالي فإن سيادة الدولة (التي تنطوي على السيادة الوطنية) تشكل قيدا مستقلا ويستمد ضمنيا من التفسير المنطقي والنسقي للدستور[73].
وهكذا وفقا ل “بود” فإن التحفظات السيادية تشكل جزءا من القيود المادية المفروضة على قانون المراجعة الدستورية، وهذه التحفظات السيادية لا تشمل فقط السيادة الوطنية، بل أيضا سيادة الدولة (القوة العمومية puissance publique) التي هي شرطها المسبق. وبالتالي فإن سيادة الدولة تشكل جزءا من التحفظات السيادية وهي لذلك عنصر دستوري غير قابل للتصرف، وبصفتها محمية ضد المراجعة[74].
هذا بالإضافة إلى أن “بود” أكد على وجود تراتبية بين الفقرتين الثانية والثالثة من المادة 89 من الدستور الفرنسي، حيث أن الفقرة الثانية التي تنص على مسطرة الاستفتاء الشعبي من أجل المراجعة الدستورية تسمو على الفقرة الثالثة التي تنص على المصادقة البرلمانية. ويرى أن المواد التي تتعلق بالسيادة لا يمكن أن تكون محل مراجعة من خلال مسطرة المصادقة البرلمانية، ولكن فقط عن طريق الاستفتاء التأسيسي[75]. وكما أشار نفس الباحث فإن لهذه الأطروحة “أثر قانوني باعترافها بسمو بعض الأحكام الدستورية على الأخرى”[76]. كما يضيف بأن هذه الأحكام السامية هي تلك التي تتصل بسيادة الشعب، وباختصار فإن أحكام الدستور المتعلقة بسيادة الشعب غير قابلة للمس من طرف سلطة المراجعة، وبالتالي تشكل قيودا مفروضة على المراجعة الدستورية.
وختاما يبدو أن لدى الفقه الدستوري إلى جانب هذا النقاش حول تراتبية الاحكام الدستورية وسمو بعضها على البعض الآخر، جانب آخر انصب على نقد مختلف هذه الاطروحات على اعتبار ان الاحكام الدستورية في مجملها لها قيمة واحدة وطبيعة واحدة، وهو النقاش الذي يمكن استثماره في إطار دراسة مستقلة منصبة على الحجج التي استند إليها هؤلاء لنفي التراتبية داخل الكتلة الدستورية.
غير أن طرح هذا النقاش يهدف في عمومه إلى إثراء الدراسات الدستورية واستثمارها في إطار الاجتهادات التي ابتدأت المحكمة الدستورية في إرسائها خصوصا في الجانب المتعلق بحماية الحقوق والحريات الأساسية التي كرسها دستور المملكة لسنة 2011.
[1] Georges Vedel, « La place de la Déclaration de 1789 dans le bloc de constitutionnalité », La Déclaration des droits de l’homme et du citoyen et la jurisprudence, (Colloque des 25 mai et 26 mai au Conseil constitutionnel), Paris, P.U.F., 1989, p.49.
[2] Louis Favoreu, « Bloc de constitutionnalité », in Olivier Duhamel et Yves Meny (sous la direction de ), Dictionnaire constitutionnel, Paris, P.U.F., 1992, p.87.
[3] Dominique Rousseau, droit du contentieux constitutionnel, édition Montchrestien, 2006, p: 101.
[4] Charlotte Denizeau, Existe-t-il un bloc de constitutionnalité ? Paris, LGDJ, 1997.p14-15.
[5] Claude Emeri, Gouvernement des juges ou veto des sages. Article publie en R.D.P, 1990. P.343.
[6] انظر: هنري روسيون، المجلس الدستوري، ترجمة محمد وطفه، المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع، لبنان، الطبعة الأولى 2001، ص: 57.
Guillaume Drago, contentieux constitutionnel Française, thenis RUF, Denis, 1998, p 215.
[7] – Georges Vedel, La place de la déclaration de 1789 dans le bloc de constitutionnalité, in La déclaration des droits de l’homme et du citoyen et la jurisprudence, colloque des 25 et 26 mai 1989 au conseil constitutionnel, paris, PUF, 1989, p 49.
[8] Jean-Michel Blanquer, Bloc de constitutionnalité ou ordre constitutionnel ? in Mélanges Jacque Robert : libertés, Paris, Montchrestien, 1998, p 228.
[9] J. Clavière-Schiele, les techniques juridictionnelles du conseil constitutionnel, Mémoire de DES de droit public, Université de Paris, 1960, notamment p. 81.
[10] Louis Favoreu, le principe de constitutionnalité : essai de définition d’après la jurisprudence du conseil constitutionnel, in recueil d’études en hommage à Charles Eisenmann, 1975.
[11] – انظر في هذا الصدد:
يوسف حاشي، في النظرية الدستورية، منشورات الحلبي الحقوقية- بيروت، طبعة 2009، ص 319-320.
– Genevois Bruno, Normes de référence du contrôle de constitutionnalité et respect de la hiérarchie en leur sein, in l’état de droit,Mélanges en l’honneur de Guy Braibant, Paris, Dalloz, 1996, p.321.
[12] V.Jean-Michel Blanquer,OP.cité, p.227-238.
[13] Ibid, p: 228.
[14] Ibid, p.235.
[15] V: Georges Vedel, « Souveraineté et supraconstitutionnalité », Pouvoirs, 1993, n° 67, p.82.
[16] Vedel, « La place de la Déclaration de 1789… », op. cit., p.49-50.
[17] Vedel, « La place de la Déclaration de 1789…», op.cit., p.52; Favoreu, « Bloc de constitutionnalité », op.cit., p.87 ; Louis Favoreu, « Les normes de référence », in Louis Favoreu (sous la direction de-), Le Conseil constitutionnel et les partis politiques, Journée d’études du 13 mars 1987, Travaux de l’Association française des constitutionnalistes, Paris, Economica et Presses universitaires d’Aix-Marseille, 1988, p.75.
[18] كما هو معلوم، تشير ديباجة دستور 1958 إلى إعلان 1789. وهكذا، أقر المجلس الدستوري صراحة بالقيمة الدستورية لإعلان 1789 في قراره رقم 73-51 DC بتاريخ 27 ديسمبر 1973، الضريبة على الدخل، خلاصة قرارات المجلس الدستوري، 1973، ص 25.
Voir pour cette décision : Louis Favoreu et Loïc Philip, Les grandes décisions du Conseil constitutionnel, Paris, Sirey, 7e édition, 1993, n° 21, p.275-290.
للاطلاع على قائمة القرارات الأخرى التي طبّق فيها المجلس إعلان 1789، انظر:
Favoreu et Philip, op.cit., 7e éd., p.278-288.
[19] تشير ديباجة دستور 1958 إلى ديباجة دستور عام 1946. وهكذا أكد المجلس الدستوري على دمج مبادئ ديباجة دستور 1946 في الكتلة الدستورية في قراره رقم 74-54 DC من 15 كانون الثاني / يناير 1975، الإجهاض الطوعي.
Recueil des décisions du Conseil constitutionnel, p.19 (Favoreu et Philip, op.cit., 7e éd., p.315).
[20] هذه المبادئ تجد أصولها في ديباجة دستور عام 1946. تم تطبيقها لأول مرة من قبل المجلس الدستوري في القرار رقم 71-44 DC بتاريخ 16 يوليو 1971، حرية تكوين الجمعيات.
Recueil des décisions du Conseil constitutionnel, p.29 ; Favoreu et Philip, op.cit., 7e éd., p.255 257.
للاطلاع على قائمة المبادئ المعترف بها في قوانين الجمهورية التي وضعها المجلس الدستوري، انظر:
Favoreu et Philip, op.cit., 7e éd., p.258-259.
[21] على سبيل المثال، يعتبر المجلس الدستوري ك “مبدأ ضروري بشكل خاص في عصرنا” مبدأ المساواة بين الجنسين (décision du 30 décembre 1981, Recueil des décisions du Conseil constitutionnel p.41)، حق اللجوء (décision du 9 janvier 1980, Recueil des décisions du Conseil constitutionnel, p.29)، الحق في العمل (décision du 28 mai 1983, Recueil des décisions du Conseil constitutionnel, p.41)، حرية تكوين النقابات (décision du 19-20 juillet 1983, Recueil des décisions du Conseil constitutionnel, p.29). من أجل أمثلة أكثر حول هذه المبادئ يمكن الرجوع إلى المراجع التالية:
Dimitri Georges Lavroff, Le droit constitutionnel de la Ve République, Paris, Dalloz, 1995, p.175 ; Dominique Rousseau, Droit du contentieux constitutionnel, Paris, Montchrestien, 3e édition, 1993, p.99; Dominique Turpin, Contentieux constitutionnel, Paris, P.U.F., 1986, p.71-72 ; Bruno Genevois, La jurisprudence du Conseil constitutionnel : principes directeurs, Paris, Les Editions sciences et techniques humaines, 1988, p.200-203, 263-264.
[22] C.C., n° 74-54 du 15 janvier 1975, Interruption volontaire de grossesse, Recueil des décisions du Conseil constitutionnel, p.19. Voir Favoreu et Philip, op.cit., 7e éd., p.295-319 ; Favoreu, « Les normes de référence », op.cit., p.74-75.
ومع ذلك، تجدر الإشارة إلى أنه مع القرار رقم 308 308 DC من 9 أبريل 1992 والقرار رقم 92-312 DC من 2 سبتمبر 1992، نشأت مسألة تغيير السوابق القضائية في العقيدة الفقهية.
Voir Lavroff, Le droit constitutionnel…, op.cit., p.186-188 ; Favoreu et Philip, op.cit., 7e éd., p.808-809 ; Rousseau, Droit du contentieux constitutionnel, op.cit., p.105-108. Etienne Picart, « Vers l’extension du bloc de constitutionnalité au droit européen », Revue française de droit administratif, 1993, p.47 54 ; Henry Roussillon, Le Conseil constitutionnel, Paris, Dalloz, 2e édition, 1994, p.58-59 ; Genevois, « Le Traité sur l’Union européenne et la Constitution révisée », op.cit., p.949.
[23] أولاً، يلاحظ أن بعض المؤلفين يطلق عليها “المبادئ ذات القيمة الدستورية” (انظر على سبيل المثال:
Lavroff, Le droit constitutionnel…, op.cit., p.176 ; Turpin, Contentieux constitutionnel, op.cit., p.74 ; ; Roussillon, Le Conseil constitutionnel, op.cit., p.54.
بغض النظر عن التسمية، هذه هي المبادئ التي يشير إليها المجلس الدستوري دون الاعتماد على أي نص. لقد أشار المجلس الدستوري في مقررين صادرين عام 1979 إلى المبادئ العامة للقانون (فصل السلطات واستمرارية الخدمة العامة) دون تحديد المصدر النصي لهذه المبادئ:
C.C., n° 79-104 DC du 23 mai 1979, Territoire de Nouvelle Calédonie, Recueil des décisions du Conseil constitutionnel, p.27-30 ; C.C., n° 79-105 DC du 25 juillet 1979, Droit de grève à la radio et à la télévision, Recueil des décisions du Conseil constitutionnel, p.33).
مع هذه القرارات بعض المعلقين، مثل لويس فافورو، يعتقد أن الإشارة إلى ظهور المبادئ العامة للقانون ذات القيمة الدستورية كعنصر جديد من كتلة الدستورية. (Favoreu et Philip, op.cit., 4e édition, p.433) . وقد تم الطعن في مثل هذا الاستنتاج لدى الفقه. في الواقع، كما يظهر العميد فيديل، يمكن إرفاق المبادئ العامة للقانون بالنصوص الدستورية. لكن المجلس الدستوري، في الماضي، فشل في بعض الأحيان لشرح مرجعها.
(Vedel, « La place de la Déclaration dans le ‘bloc de constitutionnalité’ », op.cit., p.51 ; Id., « Souveraineté et supraconstitutionnalité », op.cit., p.82-83). Id., « Le précédent judiciaire en droit public français », Journées de la Société de législation comparée, 1984, p.287.
وأخيرًا، كما لاحظ لويس فافورو، منذ عام 1980، تم استبعاد المبادئ العامة للقانون ذات القيمة الدستورية من الكتلة الدستورية.
(Favoreu, « Bloc de constitutionnalité », Dictionnaire constitutionnel, p.88. Id., « Les normes de référence », op.cit., p.71-73. Pour ce débat voir encore, Genevois, La jurisprudence du Conseil constitutionnel op.cit., p.98-100, 203-204.
[24] Thierry Di Manno, Le Conseil constitutionnel et les moyens et conclusions soulevées d’office, Paris, Economica, Presses universitaires d’Aix-Marseille, 1994, p.147 ; Dominique Rousseau, Droit du contentieux constitutionnel, Paris, Montchrestien, 3e édition, 1993, p.108 ; Dominique Turpin, Contentieux constitutionnel, Paris, P.U.F., 1986, p.77.
[25] Vedel, « La place de la Déclaration de 1789… », op.cit., p.48.
[26] François Goguel, « Objet et portée de la protection des droits fondamentaux », Colloque international d’Aix-en-Provence des 19, 20, 21 février 1981, in Revue internationale de droit comparé, 1981, p.444. (Le même rapport se trouve également in Louis Favoreu (sous la direction de-), Cours constitutionnelles européennes et droits fondamentaux, Actes du IIe Colloque d’Aix-en-Provence des 19-21 février 1981, Paris, Economica, Presses universitaires d’Aix‑Marseille, 1982, p.236) ; Voir également du même auteur, La jurisprudence du Conseil constitutionnel, Cours I.E.P., 1983-1984, p.202.
[27] Stéphane Rials, «Les incertitudes de la notion de constitution sous la Ve République», Revue du droit public, 1984, p.603.
[28] André de Laubadère et Pierre Delvolvé, Droit public économique, Paris, Dalloz, 5e édition, 1986, p.101.
[29]الفقرة الأولى من ديباجة دستور عام 1958 تنص: “… إعلان عام 1789، أكدته واستكملته ديباجة دستور عام 1946”.
«… la Déclaration de 1789, confirmée et complétée par le préambule de la Constitution de 1946 ».
[30] Jean-François Flauss, « Les droits sociaux dans la jurisprudence du Conseil constitutionnel », Droit social, 1982, p.652.
[31] Ibid.
[32] Ibid., p.652-653.
[33] Vedel, « La place de la Déclaration de 1789… », op.cit., p.53.
[34] Loïc Philip, « La valeur juridique de la Déclaration des droits de l’homme et du citoyen du 26 août 1789 selon la jurisprudence du Conseil constitutionnel », in Etudes offertes à Pierre Kayser, Presses universitaires d’Aix-Marseille, 1979, T.II, p.335-336. Cependant notons que Loïc Philip constatait que « le Conseil constitutionnel n’a pas davantage consacré cette… interprétation. En effet, aucune de ses décisions n’a, jusqu’à présent, fait prévaloir un principe constitutionnel de 1958 ou de 1946 sur un principe contenu dans la Déclaration de 1789 » (Ibid., p.336.).
[35] François Luchaire, « Le Conseil constitutionnel et la protection des droits et des libertés du citoyen », in Mélanges M. Waline, Paris, L.G.D.J., 1974, p.572-573.
[36] أحمد بوز، أشركي يقرأ ديباجة دستور 2011 .. صدمة نفسية و”رموز غائبة”، مقال منشور بموقع هسبريس بتاريخ 19 فبراير 2019، على الرابط التالي: https://www.hespress.com/orbites/422695.html
[37] انظر القرارات التالية: 943.14 والقرار رقم 954.15 والقرار قم 970.15 وقراريه 1009.16 و1010.16، علاوة على قرارات المحكمة الدستورية رقم 37.17 و66.17 و97.19.
[38] Vedel, « Souveraineté et supraconstitutionnalité », op.cit., p.83.
[39] Georges Vedel, « Introduction », in La Constitution et l’Europe, Journée d’étude du 25 mars 1992 au Sénat, Paris, Montchrestien, 1992, p.30.
[40] Il est évident que théoriquement on peut aussi juger essentielles les autres dispositions de la constitution. Par exemple on peut estimer que les dispositions de la constitution qui déterminent les caractéristiques de l’Etat ont une valeur supérieure par rapport aux autres.
[41] حسب تعبير هنري روسيون (المجلس الدستوري، م.س)، والذي استعمل هذه الصياغة من أجل نقد هذه الأطروحة.
[42] F. Gazier, M. Gentot et B. Genevois, «La marque des idées et des principes de 1789 dans la jurisprudence du Conseil d’Etat et du Conseil constitutionnel», Etudes et documents – Conseil d’Etat, n° 40, Rapport public, 1988, p.181.
[43] Ibid.
[44] Ibid.
[45] Vedel, « La place de la Déclaration de 1789… », op.cit., p.61.
[46] Dominique Turpin, Contentieux constitutionnel, Paris, P.U.F., 1986, p.86.
[47] Ibid.
[48] Ibid., p.86-87.
[49] Rials, « Les incertitudes de la notion de constitution… », op.cit., p.604.
[50] Louis Favoreu, « Les libertés protégées par le Conseil constitutionnel », in Dominique Rousseau et Frédéric Sudre (sous la direction de – ), Conseil constitutionnel et Cour européenne des droits de l’homme, Actes du Colloque de Monpellier des 20 – 21 janvier 1989, Paris, Editions S.T.H., 1990, p.37.
[51] Ibid.
[52] Ibid.
[53] Ibid.
[54] Ibid.
[55] Ibid.
[56] Ibid.
[57] فيما يتعلق القرار رقم 81-132 DC من 16 يناير 1982 (التأميم)، ويقول لويس فافورو ولوي فيليب أنه “يبدو بالتالي أن هناك بداية التسلسل الهرمي بين المبادئ الضرورية خاصة لوقتنا ” (Favoreu et Philip, op.cit., 7e éd., p.482). يضيفان أنه “على أي حال، لم يأت شيء بعد لتأكيد هذا التفسير” (المرجع السابق). فيما بعد لويس فافورو أكد بصورة قاطعة في عام 1989: “اعلان حقوق الإنسان، ديباجة دستور 1946 و1958 يتم وضعهم على قدم المساواة…: لا يوجد تسلسل هرمي بينهم” (Favoreu, «Les libertés protégées par le Conseil constitutionnel» , op.cit., p.37).
في ندوة مكرسة لإعلان 1789، يقول العميد فافورو بشكل أوضح: “لقد جادلت ببساطة بأن هناك نوعين من الحماية، الحماية القوية والحماية الموهنة. أنا لا أضع تسلسلًا هرميًا، لكنني ألاحظ ببساطة وجود نوعين من الحقوق، من وجهة نظر درجة الحماية التي سيستمتعون بها. أتفق معك …، لأقول إنه ليس تسلسلاً حقيقياً، حتى لو كانت تسمى مادية.”
(L’intervention orale de Louis Favoreu au Colloque des 25 et 26 mai 1989 au Conseil constitutionnel, in La Déclaration des droits de l’homme et du citoyen et la jurisprudence, Paris, P.U.F., 1989., p.69.
[58] “فيما يتعلق بتسلسل القواعد القانونية ، فإن جميع المبادئ ذات القيمة الدستورية تكون على نفس المستوى”
(Genevois, La jurisprudence du Conseil constitutionnel, op.cit., p.197.).
[59] Gazier, Gentot et Genevois, « La marque des idées et des principes de 1789… », op.cit., p.181.
حتى أن برونو جينيفوا يشير إلى أنه “غير مرتبط بشكل خاص بالتسلسل الهرمي المادي”، ومع ذلك لا يترك برونو جينيفوا هذه الفكرة من التسلسل الهرمي. في نفس المداخلة، يتحدث عن “مفهوم التسلسل الهرمي بحكم الواقع hiérarchie de fait” في الحقوق والحريات.
(L’intervention orale de Bruno Genevois au Colloque des 25 et 26 mai 1989 au Conseil constitutionnel, in La Déclaration des droits de l’homme et du citoyen et la jurisprudence, Paris, P.U.F., 1989, p.66).
[60] L’intervention orale de Louis Favoreu au Colloque des 25 et 26 mai 1989 au Conseil constitutionnel, in La Déclaration des droits de l’homme et du citoyen et la jurisprudence, op.cit., p.69.
[61] Favoreu, « Les libertés protégées par le Conseil constitutionnel », op.cit., p.37.
[62] Vedel, « La place de la Déclaration de 1789… », op.cit., p.61.
[63] L’intervention de Robert Badinter au Colloque des 25 et 26 mai 1989 au Conseil constitutionnel, in La Déclaration des droits de l’homme et du citoyen et la jurisprudence, Paris, P.U.F., 1989, p.33.
[64] Maryse Baudrez et Jean-Claude Escarras, « La révision de la Constitution italienne : doctrine et complexité des faits », in La révision de la constitution, (Journées d’études des 20 mars et 16 décembre 1992, Travaux de l’Association française des constitutionnalistes), Paris, Economica, Presses universitaires d’Aix-Marseille, 1993, p.141.
[65] L’intervention orale de Léo Hamon au Colloque du 25 mars 1992 au Sénat, in La Constitution et l’Europe, op.cit., p.222.
[66] Ibid.
[67] Ibid.
[68] يعتقد أوليفييه بود أنه “هناك تسلسل هرمي مادي داخل الدستور يتم بموجبه تطبيق مبدأ السيادة على أي نص دستوري آخر يؤثر عليها “
(Olivier Beaud, « La souveraineté de l’Etat, le pouvoir constituant et le Traité de Maastricht : remarques sur la méconnaissance de la limitation de la révision constitutionnelle », Revue française de droit administratif, 1993, p.1068.
[69] Ibid., p.1054.
[70] Ibid., p.1059.
[71] Ibid., p.1061.
[72] تجدر الإشارة إلى أن البروفيسور بود يفهم من “السلطة التأسيسية” حصرا السلطة التأسيسية “الأصلية”.
Voir Ibid., p.1056 ; Olivier Beaud, « Maastricht et la théorie constitutionnelle », Les Petites affiches, 31 Mars 1993, n°39, p.14-17 et 2 avril 1993, n°40, p.15.
[73] Beaud, « La souveraineté de l’Etat… », op.cit., p.1061-1062.
[74] Ibid., p.1062.
[75] Ibid., p.1064.
[76] Ibid., p.1063.