Site icon مجلة المنارة

مسؤولية الجماعات الترابية في محاربة الأوبئة بين النص والممارسة– كوفيد 19 نموذجا-

مسؤولية الجماعات الترابية في محاربة الأوبئة بين النص والممارسة

– كوفيد 19 نموذجا-

د.المصطفى المصبحي

أستاذ القانون العام

جامعة الحسن الأول

كلية الحقوق- سطات-

توطئة:

يعتبر دستور المملكة المغربية[1]محطة مهمة ومنعطفا جوهريا في إعادة الهيكلة الإدارية للدولة وأجهزتها،عبر تحديد العلاقة بين الأجهزة المركزية والجماعات الترابية[2]بغية تحديد المسؤوليات والاختصاصات، وهو ما شكل إحدى حلقات المستجدات الدستورية والقوانين المؤطرة للجماعات الترابية بمستوياتها الثلاث(الجهات[3] العمالات أو الأقاليم[4] والجماعات[5])لسنة 2015، وميثاق اللاتمركز لسنة 2018[6].

إن الهدف من القوانين الدستورية والتنظيمية المتعلقة بالجماعات الترابية المذكورة سلفا يتجلى في تكريس آفاق واسعة لإقرار الجهوية المتقدمة واحتلالها مكانة الصدارة، حتى ترقى وباقي الجماعات الأخرى بصلاحيات واسعة مبنية على مبادئ الحكامة الترابية والديمقراطية التشاركية وفلسفة التدبير الحر كأساس قوي لتدبير شؤونها، وسلطة التداول في تنفيذ المداولات والمقررات، لكن ما يهمنا مناقشته تلك الصلاحيات المتعلقة بمحاربة الأوبئة والحد من انتشارها، على اعتبار أنه من بين التحديات التي أثارت مسؤولية الجماعات الترابية وعلى أرسها الجهات في تدبير جائحة كورونا، وهو ما يدفعنا إلى طرح مجموعة من التساؤلات:

ماهي صلاحيات المجالس الجماعية في تدبير الأوبئة والأمراض المعدية؟ وأين تتجلى مسؤولية الجماعة الترابية في محاربة مرض كوفيد 19؟ لماذا دورها كان محتشما وأحيانا غائبا مقابل الحضور القوي للأجهزة المركزية؟ وهل هذا الغياب ناتج عن عدم قدرتها على ممارسة اختصاصاتها في مجال حفظ الصحة وفق مقتضيات القوانين التنظيمية؟ أم كان هناك تعسف وشطط واستئثار باتخاذ القرارات من قبل الأجهزة المركزية(وزارة الداخلية)،وإقصاء الوحدات المحلية(الجماعات الترابية)؟ وما هي تأثيرات هذه الجائحة على المجالين الاقتصادي والاجتماعي؟ وهل من سيناريوهات بعد كورونا؟

هذه التساؤلات وغيرها سنحاول تناولها من خلال ثلاث محاور، نخصص الأول لمسؤولية الجماعات الترابية في تدبير الجائحة التي تعرفها بلادنا، والثاني لتداعيات وتأثير هذه الجائحة وحسناتها، والثالث للمتوقع بعد كورونا.

المحور الأول: مسؤولية الجماعات الترابية في محاربة الأوبئة – كوفيد 19 نموذجا-

  باستقرائنا للمقتضيات القانونية والتنظيمية المحددة للاختصاصات الموكولة الجماعات الترابية، يتضح أن هذه الجماعات تشكل شريكا أساسيا للدولة في حفظ الصحة ومحاربة الأمراض المعدية وفق مقتضيات الفصل 31 من الدستور الذي ينص على أنه:” تعمل الدولة والمؤسسات العمومية والجماعات الترابية، على تعبئة كل الوسائل المتاحة، لتيسير استفادة المواطنين والمواطنات على قدم المساواة من الحق في العلاج والعناية الصحية…والعيش في بيئة سليمة…”، وتنزيلا لهذا المقتضى الدستوري نصت المادة 92 من القانون التنظيمي للجماعات على صلاحية المجالس الجماعية في التداول في القضايا المرتبطة بالتدابير الصحية ومحاربة عوامل انتشار الأمراض، كما تمارس اختصاصات ذاتية[7] داخل نفوذها الترابي كنقل المرضى والجرحى وإسعافهم، وحفظ الصحة، ناهيك عن الصلاحيات المسندة لرؤساء الجماعات الترابية في ممارسة مهام الشرطة الإدارية (الخاصة) في مجالات الوقاية الصحية والنظافة والسكينة العمومية وسلامة المرور ونقل الأموات، عن طريق اتخاذ قرارات تنظيمية أو فردية تهم الأمر المنع أو الإذن، مع اتخاذ تدابير تتعلق تحديدا بمكافحة انتشار الأوبئة والأمراض المعدية[8] تجاه المرافق والمؤسسات المفتوحة في وجه العموم، كالمقاهي والمطاعم وقاعات الألعاب ودور السنيما والمسارح وأماكن السباحة وتحديد وضبط وقت فتحها وإغلاقها، حسب تطور الحالة الوبائية باعتبارها أماكن يمكن أن تشكل بؤرا لانتشار العدوى، ليبقى التساؤل مطروحا هل فعلا تم تنزيل هذه الصلاحيات الدستورية والتنظيمية من قبل المجالس الجماعية مع حلول جائحة كورونا على مستوى الممارسة؟ وإذا كان الجواب بالنفي، فهل غيابها راجع لعدم القدرة والكفاءة لتدبير الأزمة؟ أما لظرفية الاستثنائية تحتم مركزية اتخاذ القرار وتوحيده على المستوى الوطني، على اعتبار أن السلطة المركزية أكثر تأهيلا وقدرة من الوحدات الترابية بخصوص تدبير الأزمات؟

   منذ الثاني من شهر مارس 2020 عرف المغرب أول حالة مصابة بفيروس كورونا المستجد، باشرت السلطات المركزية على رأسها المؤسسة الملكية، اتخاذ إجراءات وطنية استباقية للحد من انتشار هذا الفيروس، حيث بنيت هذه الإجراءات على مقاربة الصحة أولوية قصوى بغض النظر عن الكلفة والآثار الاقتصادية والاجتماعية ، فكان أول إجراء إحداث صندوق خاص بتدبير الجائحة بمبادرة من طرف ملك محمد السادس، وهو ما لقي تجاوبا واسعا من قبل باقي المؤسسات والجماعات الترابية والقطاع الخاص والمواطنين، وتم إغلاق المجال الجوي والبحري المغربي أمام المسافرين، وإلغاء التجمعات والتظاهرات الرياضية والفنية والثقافية، وتوقيف الدراسة بالجامعات والمعاهد وجميع المؤسسات التربوية وقطاع التكوين المهني، وإغلاق المساجد وتعليق الجلسات بمختلف محاكم المملكة، إضافة إلى الإجراءات المتعلقة بالنقل العمومي، وإغلاق المحلات الغير ضرورية(المقاهي، المطاعم، الحمامات، ملاعب القرب، فضاءات الملاهي والترفيه…) وتدابير متعلقة بالحجر الصحي، وتخصيص اعتمادات مالية للمتضررين من جائحة كورونا…الخ.

   يلاحظ إذن أن كل التدابير المذكورة سلفا لعبت فيها سلطات المركزية الإدارية[9](المؤسسة الملكية، وزارة الداخلية، وزارة الصحة، الأطقم الطبية بشقيها العسكرية والمدنية، وزارة الاقتصاد والمالية، الأمن، الجيش، الدرك، الوقاية المدنية، والإعلام الرسمي) دورا أساسيا من خلال نجاعة التدخلات والجهود الميدانية، في غياب شبه تام للجماعات الترابية، باستثناء مساهمة البعض منها في الصندوق المخصص لتدبير الجائحة، أو القيام بعملية تعقيم الشوارع بطريقة غير منتظمة ومسترسلة، مما يوضح بجلاء المسافة الضوئية الحاصلة على مستوى اختصاصات الجماعات الترابية بين النص القانوني والمستوى الواقعي، ولربما أن هذا الشرخ كنتيجة لعدم تأهيل الجماعات على المستوى المالي، التقني،الأطر ذات الخبرة والكفاءة في التسيير سيما وقت الأزمات كفرضية أولى.

   الفرضية الثانية وهي الأرجح – وهو ما نميل إليه-أنه بمجرد الإعلان عن حالة الطوارئ عن طريق صدور مرسوم بمثابة قانون رقم 2-20-292[10]بهدف مكافحة مرض كوفيد 19، هذا الأخير أفرز تدبيرا مركزيا وعموديا جعل الوزارات الأم تتكفل بإصدار القرارات والتعليمات المتعلقة بتدبير الجائحة[11]، وتهميش الجماعات الترابية والتدخل في اختصاصاتها المنصوص عليها في القوانين التنظيمية، كتدخل وزارة الداخلية في ميزانيات الجماعات عن طريق تعديل في مسطرة اتخاذ القرارات المتعلقة بفتح وبرمجة وتحويل الاعتمادات، ومنع دورات المجلس – علما أن الوضعية تستوجب مساءلة المجالس الترابية من طرف المعارضة على الإجراءات المتخذة للحد من انتشار الوباء وتتبع تطوره داخل نفوذ الجماعة الترابية -،إضافةإلى دورية وزير الداخلية[12] التي تضمنت تعليمات موجهة إلى رؤساء الجماعات الترابية حول وقف آجال أداء وإيداع القرارات الخاصة بالرسوم المحلية التي تدبرها الجماعات، والآجال المتعلقة بالمستحقات المهنية، مما يعتبر تعطيلا للمقتضيات القانونية المتعلقة بالجبايات المحلية،ناهيك عن التضييق من ممارسة الشرطة الإدارية لصالح السلطات المحلية وأعوانها، وإلغاء مباريات التوظيف، زد على ذلك التعليمات الخاصة بتقليص وترشيد النفقات وتخصيصها لما هو ضروري ومستعجل، وهو ما يدفع إلى طرح التساؤل التالي:

 ما مدى مشروعية هذه القرارات والقوانين والتدابير المؤطرة لحالة الطوارئ، في حالة تعارضها مع القوانين التنظيمية للجماعات الترابية، والحال أن القوانين التنظيمية أرقى وأسمى درجة من القوانين العادية، لأنها تأتي في المرتبة الثانية بعد الدستور وقبل القوانين العادية، مما يعد مسا بمبدأ سمو القوانين ومراعاة تراتبيتها هذا من جهة، ومن جهة أخرى ما دور مبدأ التدبير الحر[13]ومبدأ التفريع[14] في ممارسة الجماعات الترابية لصلاحياتها كمبدأين دستوريين، ونصت عليهما القوانين التنظيمية المتعلقة بالجماعات الترابية؟

قد يرى البعض أن الظرفية هي ظرفية وطنية استثنائية، والأمر يتعلق بالصحة العامة كركن من أركان النظام العام الثلاث(الأمن العام/ الصحة العامة/ السكينة العامة)، حيث تعتبر الدولة  المسؤول الأول على الحفاظ عليه، هذا تصور لا نقاش فيه ولا يختلف عنه اثنان، لكن كان من الأجدر أن تتحمل الجماعات الترابية مسؤوليتها وتتدخل بشكل قوي ومباشر مع دعمها من قبل السلطة المركزية وتحت إشرافها، لربما ستساهم في التخفيف من الاكراهات الاقتصادية والاجتماعية الترابية لأنها الأقرب إلى المواطن وبشكل مباشر.

جائحة كورونا كشفت ما بجعبة وزارة الداخلية في وقت مبكر بخصوص مبدأ التدبير الحر ومبدأ التفريع بخصوص تدبير شؤون الجماعات الترابية،وهو ما يجعلنا ندرك بالفكر والحس أن استقلالية هذه الجماعات مؤسس ومبني على الاستقلالية النسبية،حيث يتضح ذلك بجلاء من خلال الرقابة الممارسة عليها بشتى أشكالها من قبل الأجهزة المركزية:

– رقابة على الأشخاص:

يمارس سلطة الرقابة على الجماعات الترابية الأجهزة الوصية من خلال تعيين أعضاء الهيئات اللامركزية أو توقيفهم أو عزلهم أو حل المجلس برمته والحلول محله، وذلك  وفق ما يقتضيه القانون، وتجد هذه الرقابة سندها القانوني من خلال مقتضيات الفصل 89 من دستور 2011 الذي ينص على أنه:” تمارس الحكومة السلطة التنفيذية، تعمل الحكومة تحت سلطة رئيسها على تنفيذ البرنامج الحكومي وعلى ضمان تنفيذ القوانين، والإدارة موضوعة تحت تصرفها، كما تمارس الإشراف والوصاية على المؤسسات والمقاولات العمومية”.

وينص الفصل 145 كذلك على أنه:”يمثل ولاة الجهات وعمال العمالات والأقاليم السلطة المركزية في الجماعات الترابية، ويعمل الولاة والعمال باسم الحكومة على تأمين تطبيق القانون وتنفيذ النصوص التنظيمية للحكومة ومقرراتها، كما يمارسون المراقبة الإدارية، يساعد الولاة والعمال تحت سلطة الوزراء المعنيين بتنسيق أنشطة المصالح اللاممركزة للإدارة المركزية، ويسهرون على حسن سيرها”.

2- رقابة على الأعمال:

يشمل هذا النوع من الرقابة التصرفات والأعمال والأنشطة التي تقوم بها الوحدات الترابية ومدى احترامها للتشريع والقوانين التنظيمية للتوجهات العامة للدولة،وهي إما رقابة سابقة أو لاحقة.

   فالرقابة السابقة التي تمارس على الهيئات اللامركزية تظهر من خلال ضرورة الحصول على الإذن المسبق من الأجهزة المركزية متى كانت مطالبة بذلك ، وإلا يعتبر تصرفها غير مشروع وتحت طائلة البطلان. أما الرقابة اللاحقة فهي تتجلى في ضرورة مصادقة السلطة المركزية – السلطة الحكومية المكلفة بالداخلية- على القرار أو التصرف الصادر عن الهيئة المحلية كشرط لنفاذه وخروجه حيز الوجود، سواء كانت هذه المصادقة صريحة أوضمنية، وحق السلطة المركزية كذلك في ممارسة سلطة الحلول من خلال حل المجالس المحلية،حالة ما إذا تقاعست أو امتنعت هذه المجالس الترابية عن مزاولة مهامها، حيث تعين السلطة المركزية من يقوم مقامها وعلى حسابها .

   من خلال ما سبق يتضح على أن رقابة السلطة المركزية على الوحدات اللامركزية تتعلق يحق التصديق، التوقيف، الإلغاء والحلول[15]، وهي ترتكز على مبدأين وهما مبدأ المشروعية ومبدأ الملاءمة[16].

مبدأ المشروعية: ينبني هذا المبدأ على مدى مطابقة الاختصاصات الموكولة للهيئات اللامركزية للقانون والتشريعات المعمول بها.

– مبدأ الملائمة: يتجلى في الحرص على ملائمة تصرفات هذه الهيئات مع الظروف التي اتخذت فيها، وتناغمها وانسجامها مع مقتضيات حسن سير عمل المرافق العمومية، حيث من حق السلطة المركزية القضاء بإلغاء هذه التصرفات أو سحبها أو تعديلها ما لم يترتب عليها حقوق مكتسبة للغير.

  وتتعرض هذه الرقابة إلى مجموعة من الانتقادات حول مضايقات الهيئات المحلية في مباشرتها للقيام بأعمالها وكونها تمس باستقلالية هذه الهيئات، وينضاف إلى ما تم ذكره سلفا:

– سلطة الحكومة على ميزانية الجهة.

– قرارات الجماعات الترابية خصوصا ذات الصبغة المالية غير قابلة للتنفيذ دون التأشير من السلطة المكلفة بالداخلية.

– الوالي هو الممثل للسلطة التنفيذية على مستوى الجهة – مندوب الحكومة جهويا والساهر على تنفيذ مقرراتها-، حيث يعتبر المحرك والمنسق الأساسي والفعلي بين المصالح اللاممركزة على المستوى الجهوي والإقليمي.

– الأجهزة المركزية تتواصل مباشرة مع السكان نائبة عن الهيئات المحلية بخصوص تتبع تطور الوضعية الوبائية من خلال (تشخيص الوضع، حملات تحسيسية تتعلق بخطورة الوباء وكيفية التعامل معه، أرقام، إحصائيات، إجراءات…).

    وفي نظرنا فرغم الايجابيات المترتبة على مركزية القرارات المتعلقة بهذه الجائحة، فإن هذه المركزية لا تسلم من سلبيات أضرت بالجانبين الاجتماعي والاقتصادي، لأن القرار المركزي – سيما المتعلق بإجراءات الحجر الصحي-، الذي يتم تنزيله على جميع جهات وعمالات وأقاليم وجماعات المملكة بشكل موحد ودون مراعاة للوضعية الوبائية لكل جهة أو إقليم، مما تسبب في متاعبتهم الجانبين الاقتصادي والاجتماعي في وقت مبكر من بداية الحرب مع الفيروس، حيث كان بالأحر ىأن يتضمن القرار المتعلق بالحجر الصحي وحالة الطوارئ مقتضيات مختلفة باختلاف الحالة الوبائية لكل جهة، فمثلا لو تم مقارنة الجهات الجنوبية بجهة الدار البيضاء-سطات أو جهات الشمال لكان من الصائب تخفيف القيود على الجهات الجنوبية، لأن وضعيتها لا تستوجب تطبيق مقتضيات الحجر الصحي بشكل الكلى، وإنما تطبيق إجراءات تجعل من الدورة الاقتصادية لا تعرف التوقف والشلل طالما أنها لم يحل بها الوباء بعد، حيث ستساهم في الاقتصاد الوطني وستقدم المساعدة للجهات المتضررة من الجائحة عبر صندوق التضامن بين الجهات، أو على الأقل تتحمل أعباءها الاقتصادية والاجتماعية، وفي ذلك تقاسم المسؤولية بين المركز والمحيط (الدولة والجماعات الترابية)، وبالأحرى التخفيف من العبء المالي الملقى على عاتق صندوق جائحة كورونا.

وبالتالي فكان من تبعات مركزية القرار في تدبير الجائحة، أن الجهات الناجية من الوباء تدفع ثمن انتشاره بجهات أخرى، حيث كان من الصواب أن تستمر الجهات الجنوبية للمملكة في الإنتاج الاقتصادي، بمعنى كان على الحكومة إصدار قرارات مختلفة – تهم الحجر الصحي- باختلاف الوضعية الوبائية لكل جهة أو إقليم من حيث الانتشار والتحكم في الحد منه، وهو ما تبنته الحكومة لما رغبت في تطبيق تخفيف الحجر الصحي، حيث صنفت جهات المملكة وأقاليمها بين المنطقة رقم واحد تنعم بتخفيف لقيود الحجر الصحي والمنطقة رقم اثنان التي بقيت ملزمة بتطبيق مقتضيات المرسوم إلى إشعار آخر، وتدابير أخرى تتعلق بالتنقل بين المدن والجهات تبعا لتطور الحالة الوبائية ودرجة انتشارها بكل جهة أو إقليم.

المحور الثاني: تداعيات جائحة كورونا وحسناتها

أولا: الجانب السلبي لكوفيد 19:

 لقد ترتب عن ظهور فيروس كورونا تطبيق قواعد الحجر الصحي وحالة الطوارئ مما تسبب في إغلاق بري وبحري وجوي، وبالتالي تبعات اقتصادية واجتماعية صعبة، حيث سبق وأن صرح المندوب السامي للتخطيط، على أن المندوبية ستخفض توقعاتها لمعدل نمو الاقتصاد المغربي لعام 2020 بنسبة الثلث، إلى 2.2 بالمائة ، نظرا لتأثر الاقتصاد الشديد بسبب الجائحة وتزامن ظهورها مع موسم فلاحي عرف قلة التساقطات(الجفاف).

  وفي نفس السياق بعثت الحكومة المغربية للاتحاد الأوربي في 26 مارس 2020 رسالة تشير فيها إلىأن المملكة من المتوقع أن تتكبد خسائر ثقيلة في القطاعات الحيوية، وعلى أرسها السياحة والطيران والمبادلات التجارية وقطاع السيارات…مشيرة إلى أن الاتحاد الأوربي يشكل 58 بالمائة من صادرات المغرب، و59 بالمائة من الاستثمارات الأجنبية المباشرة، و70 بالمائة من قطاع السياحة بالمغرب.

   والى حدود منتصف شهر أبريل صرح وزير التشغيل والإدماج المهني بأن حوالي 113.000 شركة أنشطتها متوقفة تماما، وأكثر من 700.000 موظف لم يتمكنوا من العمل أو تم فصلهم، أما بخصوص النقل الجوي فإن الوباء تسبب في خسائر إجمالية تبلغ حوالي 728 مليون دولار وتطال 225.000 وظيفة، ناهيك عن تحويلات الشتات المغربي الذي يلعب دورا مهما عي تحريك عجلة الاقتصاد، حيث يقوم بتحويل حوالي 69 بالمائة من المغاربة المقيمين بالخارج ربع الدخل السنوي تقريبا لبلادهم.

  وبناء على معطيات نشرت بالموقع الالكتروني لمجلة فرنسا 24 صرح بها المصرف المركزي بالمغرب أن البلاد عرفت وستعرف ركودا اقتصاديا قد يصل إلى 5.2 من هذا العام وهو الأشد منذ ما يزيد عن 20 سنة، نتيجة لتأثيرات الحجر الصحي الذي سطرته المملكة المغربية للحد من انتشار فيروس كورونا، مما تسبب في شلل العديد من القطاعات الاقتصادية بالمغرب، كما أدت الجائحة إلى فقدان ما يقارب 726 ألف وظيفة، ما يعادل 20 بالمائة من اليد العاملة في المقاولات المنظمة، استنادا على إحصاءات المندوبية السامية للتخطيط، إضافة إلى توقع عجز في الموازنة لسنة 2020 يقارب معدل 7.6 بالمائة.

ثانيا: الجانب الايجابي لكوفيد 19:

رغم الأضرار والخسائر التي تسببت فيها جائحة كورونا على المستوى الصحي والاقتصادي والاجتماعي والنفسي، فقد كان لها وقع إيجابي على مجالات ومستويات متعددة نوجزها في النقط التالية:

– انخفاض التلوث البيئي، وتراجع انبعاث ثاني اوكسيد الكربون، حيث حققت كورونا ما عجز المجتمع الدولي على تحقيقه في المجال البيئي، وبالتالي منحت الكرة الأرضية فرصة للتنفس دون أي إجراء بشري.

– كورونا بمثابة آلية كشفت عن خطورة العولمة على دول العالم ككل، ومنحت الدول فرصة اختبار قدراتها الاقتصادية والاجتماعية والصحية والتربوية، ولعل ذلك سيؤدى إلى انخفاض معدل الإفراط في الاعتماد على عولمة يشكل كلي.

– كورونا عجلت بمشاريع طالما تماطلت الحكومات في إنجازها وخروجها حيز الوجود، وهي مشاريع تم تنزيلها على أرض الواقع قهرا ورغما عنها، (رقمنة الإدارة، التعليم عن بعد، توسيع قاعدة المعاملات النقدية الالكترونية، إنشاء خريطة الكترونية للفئات الهشة، إعادة النظر في سياسة وأهداف الفئات الهشة…)

– أجهزة صحية للكشف انخرطت فيها المقولات والشركات

– الشاشات الافتراضية أصبحت في زمن كرونا تستقطب الملايين وتنشأ فضاء تواصليا أكثر شفافية وحرية للرأي والتعبير.

– توقف الحرب في العديد من الدول.

– ارتفاع ملموس في مجال التضامن والتكافل الاجتماعيين على المستوى الداخلي.

– التضامن الدولي( مساعدات طبية وأدوية من المغرب إلى عدة دول افريقية واوربية)

– من حسنات كورونا الإقرار بأهمية الصحة والتعليم، مما يستوجب إعادة النظر في القطاعين، وكفى من الحرص الشديد على تحقيق الموازنات الماكرو-اقتصادية التي يجعل من التمويل لا يرقى إلى مستوى التطلعات والنتائج المسطرة لرفع التحدي وتطوير البحث العلمي، لأنه مدخل أساسي للتنمية وللرقي بالمجتمعات.

المحور الثالث: السيناريوهات الممكنة بعد الجائحة:

   من خلال المحور السابق يتضح أن جائحة كورونا كانت لها نتائج غير متوقعة وغير مرغوب فيها على مستوى الجماعات الترابية والدولة ككل مست المجال الاقتصادي بقوة، ولا يخفى انه قبل جائحة كرونا والتقارير الدولية تصنف الاقتصاد بالمغربي بالهش، ويعاني مشاكل متعددة ابرها المديونية التي تسير بشكل تصاعدي وبمستويات مخيفة، فكيف سيكون الوضع في ظل جائحة كورونا، الوضع الاقتصادي صعب للغاية، حيث تضررت قطاعات حيوية جدا، ومعها الارتفاع المفاجئ في نسبة البطالة،لان ضعف الطلب بسبب الحجر الصحي تنج عنه انخفاض في معدل الإنتاج، مما سيؤدي إلى تسريح اليد العاملة، أي فقدان الشغل وبالتالي تفاقم الوضع الاقتصادي والاجتماعي، مما سيدفع بالدولة إلى اللجوء للديون الخارجية بشكل اضطراري كحل للحد من استفحال الأزمة ولو بشكل مؤقت.

   لكن الخطير في الأمر هو بعد الخروج من الجائحة، ستطالب المؤسسات المانحة للديون علما أن التعافي من التبعات الاقتصادية لفيروس كورونا ستحتاج سنوات، وكل تأخر في أداء الديون الخارجية يترتب عنه غرامات مالية، وأمام هذا الوضع ما على الدولة إلا اللجوء إلى الزيادة في الضرائب أو خلق ضرائب جديدة، والسيناريو الثاني اللجوء إلى تبني خوصصة للمرافق المثقلة لكاهل مالية الدولة، وهي إجراءات غير مرحب بها من قبل الفرد والمجتمع هذا على المستوى الاقتصادي.

أما على المستوى الصحي، فإن هذه الصدمة المفاجئة ودون سابق إخطار لفيروس كرونا المستجد وتبعاته الصحية سيلزم لا محال إعادة النظر في المنظومة الصحية وجعلها أكثر استعدادا وتأهبا لمثل هذه الأوبئة وغيرها من الأخطار الصحية، وبخصوص قطاع التعليم لابد من الشروع في تطوير أساليب التعليم عن بعد وجعله أكثر كفاءة، من خلال تجاوز ما عاشه التلاميذ والطلبة وأساتذتهم من اكراهات على مستوى تلقين الدروس عن بعد، أو فيما يتعلق بالتواصل بين المؤسسات التعليمية وبين مكوناتها، وسياسيا لابد من تدبير الأزمات بشكل تشاركي وعدم احتكار جميع التدخلات من طرف الدولة لوحدها، لأنه لو قدر الله وخرج انتشار الفيروس عن السيطرة وهزمت الدولة أمامه، لوقعت كارثة إنسانية حقيقية، ولن تجد الدولة من يساعدها من جماعات ترابية ومؤسسات عمومية وقطاع خاص ومجتمع مدني،- لقلة خبرتها وتدخلها في تدبير الأزمات-  وهي كلها هيئات يمكن أن تقوم بتدخلات مهمة جدا أثناء الأزمات لو منحت لها فرصة المشاركة بشكل حقيقي، وبالتالي لابد من إعادة النظر في انسجام القوانين التنظيمية المتعلقة بالجماعات الترابية مع الواقع والممارسة، حتى لا تبقى الجماعات الترابية بمثابة استنساخ للبنيات المركزية على المستوى المحلي، وصناعة بيروقراطية محلية لا تتوفر على  سلطة حقيقية ولا على وسائل التدخل داخل النفوذ الترابي.

أما على المستوى الدولي أكيد سيبدأ التفكير في إمكانية إعادة النظر في النظام الاقتصادي العالمي والسياسات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية المتبعة، والمرتكزة على اعتبارات نفعية، بعيدة عن الاعتبارات الإنسانية، والتفكير في التعامل مع البشرية وفق مبادئ إنسانية بعيدة عن الاستغلال من طرف الدول الغنية على حساب الفقيرة، مما سيؤشر في مرحلة لاحقة على تراجع العولمة بأبعادها السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي جعلت من الإنسان مجرد سلعة تبادلية في السوق الاستهلاكي العالمي، المبني على السباق نحو الاحتكار والعقوبات على حساب مصلحة الإنسان والحرية والعيش الكريم.


[1]– الدستور الجديد للمملكة المغربية، صادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.11.91 بتاريخ 29 يوليوز 2011، منشور بالجريدة الرسمية عدد 5952 في 17 يونيو 2011 .

[2] – ينص الفصل 135 من الباب التاسع المعنون بالجهات والجماعات الترابية الأخرى من الدستور على أنه:” الجماعات الترابية للمملكة هي الجهات والعمالات والأقاليم والجماعات، الجماعات الترابية أشخاص اعتبارية خاضعة للقانون العام وتسير شؤونها بكيفية ديمقراطية، تنتخب مجالس الجهات والجماعات بالاقتراع العام المباشر، وتحدث كل جماعة ترابية أخرى بقانون، ويمكن أن تحل عند الاقتضاء محل جماعة ترابية أو أكثر من تلك المنصوص عليها في الفقرة الأولى من هذا الفصل.

[3]– القانون التنظيمي رقم 111.14 المتعلق بالجهات الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.15.83 الصادر في 20 رمضان 1436 الموافق ل 07 يوليوز 2015.

[4]– القانون التنظيمي رقم 112.14 المتعلق بالعمالات والأقاليم  الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.15.84 الصادر في 20 رمضان 1436 الموافق ل 07 يوليوز 2015.

[5]– القانون التنظيمي رقم 113.14 المتعلق بالجماعات الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.15.85 الصادر في 20 رمضان 1436 الموافق ل 07 يوليوز 2015.

[6]– المرسوم رقم 2.17.618 الصادر في 18 ربيع الآخر 1140 الموافق ل 26 دجنبر 2018 بمثابة ميثاق وطني للاتمركز الإداري، الجريدة الرسمية عدد 6738.

[7] – المادة 77 من القانون التنظيمي المتعلق بالجماعات.

[8]– المادة 100 من نفس القانون.

[9]– المركزية الإدارية نسق إداري يقتضي تجميع وتركيز جميع الوظائف والسلطات الإدارية في يد الحكومة المركزية، حيث تهيمن على جميع الاختصاصات وتباشرها بمفردها انطلاقا من العاصمة مستعملة وسائلها المالية واللوجستيكية والبشرية، أي ليس هناك حياة قانونية للجماعات الترابية. يراجع محمد يحيى:”المغرب الإداري”، مطبعة اسبارطيس طنجة، الطبعة 2012.

   يتضح من خلال هذا المفهوم أن الدولة في ظل المركزية الإدارية تنفرد بجميع القرارات سواء تعلق الأمر بالوحدات المركزية أو الترابية، وذلك في سبيل تحقيق الوحدة الوطنية سياسيا وإداريا واقتصاديا واجتماعيا، وبالتالي فالمركزية ضرورة لا يمكن الاستغناء عنها من أجل تقوية السلطة العامة سيما في أوقات الأزمات، حيث تعمل على فرض هبة الدولة وتوحيد سياستها على جميع المرافق العامة في جميع أنحاء التراب الوطني، وهو ما يؤدي إلى التنسيق المحكم والمتجانس بين جميع الهيئات والإدارات نظرا لتوحيد مصدرها، كما يساعد النظام المركزي على تحقيق وإنجاز مشاريع واوراش كبرى لا تستطيع الوحدات المحلية القيام بها، ونشير كذلك إلى أن التجربة الميدانية اتبثت أن السلطات المركزية أكثر خبرة بالمقارنة بالهيئات اللامركزية على مستوى التسيير، ورغم كل هذه الايجابيات والمزايا التي تقدمها المركزية الإدارية، فهي لا تخلو من انتقادات وعيوب.، سنثيرها علاقة بتدبير أزمة جائحة كورونا.

[10]– مرسوم بقانون رقم 2.20.292 الصادر في 28 رجب 1441 الموافق ل24 مارس 2020 ، يتعلق بسن أحكام خاصة بحالة الطوارئ الصحية، منشور بالجريدة الرسمية عدد 6867 مكرر، ص 1782.

المادة الثانية من المرسوم حددت الجهات المكلفة بتحديد مجال تطبيق حالة الطوارئ والإجراءات الواجب اتخاذها، حيث تم إسناد هذا الاختصاص لوزارة الداخلية (الاختصاص الأمني) ووزارة الصحة (الاختصاص الصحي)، حيث تنص على أنه:” يعلن عن حالة الطوارئ الصحية عندما تقتضى الضرورة ذلك، طبقا لأحكام المادة الأولى، بموجب مرسوم، يتخذ باقتراح مشترك للسلطتين الحكوميتين المكلفتين بالداخلية والصحة، يحدد النطاق الترابي لتطبيقها،ومدة سريان مفعولها،والإجراءات الواجب اتخاذها.ويمكن تمديد مدة سريان مفعول حالة الطوارئ الصحية وفق الكيفيات المنصوص عليها في الفقرة الأولى.

إلا أن المادة الثالثة من المرسوم في نظرنا جعلت الحكومة تحتكر كل السلطات بديها، من خلال حصر اتخاذ جميع الإجراءات اللازمة  بواسطة مراسيم، ومن زاوية أخرى احتكار المقررات التنظيمية والإدارية التي تشتغل بها الإدارات العمومية والجماعات الترابية عادة. وفيما يلي نصها:” على الرغم من جميع الأحكام التشريعية والتنظيمية الجاري بها العمل، تقوم الحكومة، خلال فترة إعلان حالة الطوارئ، باتخاذ جميع التدابير اللازمة التي تقتضيها هذه الحالة، وذلك بموجب مراسيم ومقررات تنظيمية وإدارية، أو بواسطة مناشير وبلاغات، من أجل التدخل الفوري والعاجل للحيلولة دون تفاقم الحالة الوبائية للمرض، وتعبئة جميع الوسائل المتاحة لحماية حياة الأشخاص وضمان سلامتهم

[11]– المادة الخامسة من المرسوم المتعلق بحالة الطوارئ تنص على أنه:” يجوز للحكومة إذا اقتضت الضرورة القصوى ذلك، أن تتخذ بصفة استثنائية أي إجراء ذي طابع اقتصادي أو مالي أو اجتماعي أو بيئي يكتسي صبغة الاستعجال، والذي من شأنه الإسهام بكيفية مباشرة، في مواجهة الآثار السلبية المترتبة عن إعلان حالة الطوارئ  الصحية المذكورة.

[12] – دورية وزير الداخلية الصادرة بتاريخ 11 مايو 2020.                  

[13] – نص على مبدأ التدبير الحر الفصل 136 من الدستور كأحد مرتكزات التنمية الترابية تعزيزا للامركزية الإدارية، ويفيد معنى التدبير الحر أن الجماعات الترابية تفصل وتقرر بمداولاتها بكيفية حرة ومستقلة في اختصاصاتها وصلاحياتها دون تدخل من أية جهة أخرى، وفق الضوابط التشريعية والتنظيمية، والتوجهات العامة للدولة، وفي ذلك سياق التأكيد على استقلالية الجماعات الترابية، في تدبير شؤونها وتوسيع هامش مبادراتها التنموية. ويمكن مناقشة مبدأ التدبير الحر من نقطتين أساسيتين:

أولا: الاستقلال الإداري.

مفاد ذلك أن الدولة لا تتدخل إلا لضمان احترام الجماعات الترابية للمقتضيات الدستورية والتشريعية والتنظيمية دون تدخل في خياراتها وأطروحاتها التنموية، لأن اللامركزية أولا هي اعتراف بقبول ميلاد أشخاص اعتبارية ترابية أخرى غير الدولة، وهو اعتراف يترتب عنه منح الشخصية الاعتبارية بمعنى الاستقلاليين الإداري والمالي، وهو ما يتعارض على المستوى الواقعي مع المقتضيات المتعلقة بالوصاية والرقابة والملائمة التي بطبيعتها تستلزم حتما مشاركة السلطة المركزية في مسلسل اتخاذ القرارات، والهيمنة في اتخاذها أحيان كثيرة، فمتطلبات التنمية الشاملة اليوم تحتم تجاوز الرقابة الإدارية بمفهومها الضيق والتقليدي، التي تساهم في عرقلة العمل المحلي، الذي يتطلب السرعة والمرونة والتكييف لمواكبة التطورات الحاصلة على المستوى الترابي وفي مختلف الميادين والمجالات.

ثانيا: الاستقلال المالي.

  يشكل الجانب المالي عصب حياة الجماعات الترابية وعنصرا أساسيا في تدبير الشأن العام الترابي، لذلك فمن المطلوب تعبئة وتعزيز الموارد المالية للجماعات الترابية نظرا اتساع اختصاصاتها وتعدد مجالات تدخلها، الأمر الذي يحتم ضرورة منحها هامشا واسعا من الحرية في تحصيل وصرف أموالها سواء تعلق الأمر بالتسيير أو الاستثمار، لدى يعتبر مبدأ التدبير الحر نواة أساسية لاستقلالية مالية الجماعات الترابية، لأنه يتيح لها إمكانية تقوية سلطاتها المالية بخصوص فرض الضرائب والرسوم والجبايات والتحكم في النفقات، وإعداد الميزانية وتنفيذها، وتقييمها بعد ذلك في إطار قانون التصفية.

[14]– منصوص عليه في المادة 93 من القانون 111.14 المتعلق بالجهات، ويعتبر مبدأ التفريع آلية جديدة لتنظيم السلطة وتوزيعها داخل الدول والأنظمة الحديثة، تبناه المشرع المغربي جاعلا منه مبدأ دستوريا- الباب التاسع المتعلق بالجهات-، وآلية لتوزيع الاختصاصات بين مختلف الهيئات الترابية، وقد عرفه الميثاق الأوربي للحكم المحلي بأنه: منح ممارسة المسؤوليات العمومية بشكل أفضل للسلطات الأكثر قربا من المواطنين، مع ضرورة الأخذ بعين الاعتبار الجودة والفعالية والمردودية.

  في تعريف آخر يعد مبدأ التفريع مبدأ عاما لتنظيم مؤسساتي يعطي الأسبقية للقاعدة على القمة(أي أسبقية الوحدات الترابية على الإدارة المركزية)، حيث يعتبر من الأعراف السياسية والفلسفية القديمة للفكر الأوربي الذي جعل التنظيم المجتمعي يرتكز على سمو الفرد وكرامته. المناظرة الدولية المغاربية المنعقدة بمراكش حول موضوع “مبدأ التعاقد تجلياته وإسهاماته في الديمقراطية التشاركية.

   ظهر مبدأ التفريع بالمغرب من خلال قوانين اللامركزية وعدم التركيز، حيث أشار إليه بشكل ضمني القانون رقم 96/47 المتعلق بالجهة آنذاك، حيث صنف اختصاصات المجلس الجهوي إلى اختصاصات ذاتية واستشارية ومنقولة من طرف الدولة، وبعد ذلك تم التنصيص عليه صراحة ولأول مرة في المبادرة المغربية للحكم الذاتي التي تقدمت بها المملكة المغربية إلى الأمم المتحدة في ابريل 2007. منشور على موقع المجلس الملكي الاستشاري للشؤون الصحراوية. www.corcrs.com

وتظهر أهمية مبدأ التفريع من خلال كونه يسلط الضوء على إشكالية توزيع الاختصاصات بين الدولة ومصالحها اللاممركزة في إطار عدم التركيز الإداري من جهة، وبين الدولة ومختلف الجماعات الترابية من جهة أخرى. ويحتوي هذا المبدأ على مفاهيم ودلالات متنوعة كاللامركزية والحكامة المحلية والإدارة الحرة والديمقراطية والمواطنة…وغيرها من المفاهيم التي تحدد عن طريق توزيع الاختصاصات بين القاعدة والقمة، وتعتبر التجربة الألمانية الرائدة في هذا المجال، حيث يعتبر مبدأ التفريع من المبادئ الأساسية التي ينبني عليها تنظيم الفدرالية على المستوى المؤسساتي، وكذلك على مستوى توزيع الاختصاصات بين الدولة الفدرالية وباقي الدويلات المكونة لها، التي تتميز بنظام التسيير الذاتي حفاظا على تنوعها الإقليمي. يراجع عبد الالاه منظم: تجربة الجهوية الموسعة بألمانيا الفدرالية، مقال منشور بسلسلة اللامركزية والإدارة المحلية، عدد مزدوج11/12 حول الجهوية المتقدمة بالمغرب، مطبعة بريس طوب الرباط، الطبعة الثانية 2011، ص:163.

[15] – يفهم من الحق في التصديق أنه على ضوء المبدأ القاضي بالنفاذ القانوني لمقررات الهيئات اللامركزية، فإن البعض منها يلزم التصديق عليه من طرف سلطة الوصاية، أي أن تنفيذ هذه المقررات يبقى موقوف التنفيذ حالة عدم المصادقة عليها، أما الحق في التوقيف أو الإلغاء فهو يدخل في إطار الإجراءات التأديبية التي يمكن لسلطة الوصاية أن تتخذها، سواء تعلق الأمر بأحد أعضاء المجلس أو بالمجلس ككل، حيث بإمكان سلطة الوصاية توقيف القرارات المخالفة للنصوص التشريعية والتنظيمية، وفي نفس الوقت فإن هذا الإلغاء أو التوقيف يعتبر قرارا إداريا يعطي للهيئات اللامركزية حق الطعن فيه أمام الجهات المختصة. ينظر المهدي بنمير: “الإدارة المركزية والمحلية”، سلسلة اللامركزية والجماعات المحلية، المطبعة والوراقة الوطنية مراكش، ص:24.

  أما حق الحلول يمكن اعتباره وجها تدخليا لسلطة الوصاية الإدارية ويتعلق الأمر بكل تصرف قد يمس بسير المصلحة العامة بشكل طبيعي، حيث تتدخل أجهزة الوصاية لتأمين سير هذه المصلحة لحساب وعلى مسؤولية هذه الوحدات المحلية، والحل يتم عن طريق مراسيم حكومية يتداول بشأنها داخل مجلس الوزراء مدعما بذكر أسباب اتخاذ هذا الإجراء، وعموما سلطة الحلول يمكن نعتها بأقبح أنواع الرقابة وأكثرها مسا وتأثيرا علىالهيئات المحلية وتهديدها، حيث تضرب استقلاليتها في الصميم. لكنها في نظرنا شر لابد منه حفاظا على المصلحة العامة.

[16]– Charles debbach: “science administrative”, dalloz 4eme edition 1980 p: 225/226.

Exit mobile version