مركز المعارضة البرلمانية في النظام السياسي والدستوري المغربي على ضوء دستور2011
إعداد الطالب الباحث:بوتاقي طارق.
مركز دكتراه القانون العام
تمثل المعارضة البرلمانية أحد المفاصل الأساسية للنظام البرلماني،فهي رقيب مفوض من لدن الشعب على الحكم ،وحتى يتأتى لها مباشرة الوظيفة الرقابية على الأداء الوظيفي للحكومة،كان ولا بد للدستور وأن يقر لها بمنظومة من الأدوات التشريعية والرقابية التي تستعملها حسب الحالة والضرورة،فعلى طول المسار الدستوري المغربي من سنة 1962 إلى غاية سنة 2011،و مدار المراجعات الدستورية التي شهدها المغرب بعد الدستور الأول سنة 1962 مرورا بمراجعة سنتي 1970و1972 فمراجة كل من 1992و1996 عرف مركز المعارضة في النظام السياسي والدستوري المغربي تأرجحا في الأداء دون تغيير على مستوى المنزلة مع ارتقاء بالحقوق والمنزلة على مستوى النص الدستوري والتشريعي مع مراجعة سنة2011، مقابل تدهور على المستوى الأداء الوظيفي العملي.
فما المقصود بالمعارضة البرلمانية؟ وهل تمكن المشرع بالفعل من تعضيد مركز المعارضة البرلمانية في النظام السياسي والدستوري المغربي؟
- ماهية المعارضة البرلمانية
سنحاول بداية تحديد مفهوم المعارضة في إطار ما يخدم الإشكالية البحثية موضوع مقالتنا ،فالأحزاب السياسية تعتبر من المفاهيم السياسية الحديثة ، و نتاج للديمقراطية ومبدأ سيادة الشعب ، إذ يعرف الحزب السياسي على أنه : تجمع أو تنظيم يضم مجموعة من الأشخاص يعتنقون نفس المبادئ السياسية ، أو يسود بينهم اتفاق عام حول أهداف سياسية معينة ، يعملون على تحقيقها ، ويسعون إلى ضمان تأثيرهم الفعال في إدارة الشؤون السياسية للدولة ، ويخوضون المعارك الانتخابية أملا منهم في الحصول على المناصب الحكومية أو تسلم إدارة دفة الحكم. وتأسيسا عليه فإن الأحزاب السياسية، في الأنظمة الديمقراطية، تعتبر ركن الارتكاز في الحياة السياسية والدستورية، إذ لا يمكن أن نتصور وجود نظام ديمقراطي دون أحزاب سياسية تتمتع بحرية ممارسة نشاطها السياسي عبر مراقبة عمل الحكومة من خلال ممثليها في البرلمان والهيئات المنتخبة، وتوجيه النقد لها وإظهار أخطائها للرأي العام. وفي مقابل الأحزاب التي تكون في التكتل الحكومي، وتعمل على تنفيذ البرنامج الذي انتخبت من أجله، نجد أحزاب أخرى في المعارضة تباشر وظيفة مراقبة ومحاسبة الحزب الحاكم أو الأحزاب المتكتلة في الحكومة.
وفي هذا الخصوص، تجدر بنا الإشارة إلى أن مفهوم المعارضة يختلف باختلاف الزمان والمكان، فهو يرتبط ارتباطا وثيقا بوجود السلطة فضلاً عن الحريات العامة في الأنظمة الديمقراطية ومدى ديمقراطية النظام السياسي. و بالرغم من أن ظهور مفهوم المعارضة اقترن كتعبير وكقوة سياسية بظهور الديمقراطية غير المباشرة في أوروبا منذ العام 1826، خصوصا في المملكة المتحدة، فإنه يُعتبر مفهوما من المفاهيم الحديثة في علم السياسة، فمنذ القدم وإلى مدة قريبة لم يكن مفهوم المعارضة موضوعاً للتعريف بالعناصر والفئات التي تختلف مع السلطة الحاكمة، كما لم تكن أيضاً المعارضة متناولة في البحث الدقيق والتحليل الشامل من قبل العلماء والمفكرين السياسيين، أما اليوم فيلاحظ أن المفكرين السياسيين يتناولون بالتحليل المعارضة وأثرها في الحياة السياسية.
كلمة المعارضة في ” اللغة” تعني الصد والتعارض والتباين،أما في”الاصطلاح” فأعطاها فقهاء القانون الدستوري معنيان،أحدهما عضوي (شكلي)والآخر مادي(موضوعي)،فيقصد بالمعارضة وفق المعيار الشكلي مجموع القوى والهيئات التي تراقب الحكومة وخططها وقد يكون من بين أهدافها الحلول محلها، عن طريق الفوز في الانتخابات أو غيره، وتكتب في اللغة الآتينية كما يلي (opposition)، أما وفق المعيار المادي أو الموضوعي،فتعني مجموع الفعاليات والأنشطة التي تروم انتقاد الحكومة ومراقبة خططها وأنشطتها،ويكون ذلك من قبل قوى وهيئات تمثل المعارضة العضوية،كما قد يكون من قبل فئات وشخصيات من داخل الحكومة نفسها خاصة إذا كانت حكومة ائتلافية.
أما اصطلاحا فيمكن تعريف المعارضة البرلمانية على ثلاث مستويات انطلاقا من وصفها حالة أو علاقة أو وظيفة:فكحالة هي تصطلح على “الأقليات الانتخابية”التي ترتبط بالأغلبية من خلال الاعتراف المتبادل،من حيث امتلاك هذه الأخيرة لسلطة إتحاد القرار، مقابل اعتراف الأغلبية للمعارضة من حيث هي أقلية بحق تبني رأي مخالف عبر معارضتها للمشاريع المقدمة لها[1].أما كعلاقة ،فتهتم أكثر بطبيعة العلاقة التي تربطها بالحكومة،ومن خلفها أغلبيتها،وبشكل عام هي علاقة تحمل عنوان عدم دعم الحكومة حيث تشمل المعارضة البرلمانية جميع التشكيلات السياسية الموجودة في البرلمان،والتي لا تمنح دعما للسياسات التي يقدمها مالكو السلطة[2] .
بينما تعريف المعارضة البرلمانية وظيفيا،يحيلنا على الاهتمام بوظيفتها داخل النظام السياسي،وفي هذا الصدد ترتبط المعارضة البرلمانية بشبكة مفاهيمية من قبيل التمثيل،التعددية السياسية،التناوب،من خلال “الحد ومراقبة السلطة”[3] .
انطلاقا من ما تقدم ، يمكن أن نقول أن المعارضة البرلمانية هي مجموع الفاعلين اللذين لم تخول إليهم شرعية الانتخاب أو طبيعة التحالف ألأغلبي،إمكانية التمثيل داخل السلطة التنفيذية،ما يسمح لها أن توظف فضاء البرلمان وما يسمح به من إمكانية التعريف والتأثير والضغط من خلال أداء وظيفتها التشريعية والرقابية والتقييمية والدبلوماسية لإبراز رؤية مغايرة لما تقدمه السلطة القائمة،والذي لا يمثل فقط موقف المعارضة لما هو قائم أو ما هو مقترح،بل أيضا مشروعا بديلا تعمل على تسويقه والوعد بتنفيذه في حالة الوصول إلى السلطة عن طريق التناوب .[4]
هذا المفهوم جعل من المعارضة عنصرا جوهريا لتحقيق التوازن في جل الأنظمة السياسية ،فبدونها تصبح الديمقراطية كما يقول- جورج بوردو-“من قبيل الأوهام”،لقد مكننا هذا التوصيفمن التمييز بين المنزلة التي تحظى بها المعارضة البرلمانية في الدول المتقدمة حيث تضاهي في أهميتها مكانة الأغلبية الحكومية،من قبيل إنجلترا إذ أن الملكية في إنجلترا،اعتبرت دائما ولازالت ،المعارضة مكون أساسي من مكونات النظام السياسي الإنجليزي يتوجب استشارته في الشؤون المتعلقة بمصير البلاد،انطلاقا من مبدأ التداول السلمي للسلطة،وأنها في يوم من الأيام ستصل إلى السلطة،ما سمح للمعارضة في البرلمان الإنجليزي بتوظيف الآليات السياسية بمرونة والإفادة من تجربتها السياسية وبين المغرب ، وبين مركزها في المملكة المغربية كدولة من الدول السائرة في طريق النمو ذات الخصوصية التاريخية والدينية والتقليدية حيث توظف المعارضة في نظامها البرلماني كآلية لخدمة رغبة وتوجه النظام السياسي ،فالمعارضة النموذجية التي تحبذها الملكية في المغرب تقوم في أساسها على “معارضة حكومة ملك المغرب “ وليس معارضة ملك المغرب وفي حالة تحقق هذا الأخير ستنتقل من معارضة داخل النظام إلى معارضة خارج النظام،ما يجعل المعارضة المثلى في تصور المؤسسة الملكية بالمغرب هي تلك المعارضة “البناءة” و “الرفيعة”،و“المحترفة”،على أن لا تتجاوز الخط المرسوم الذي يعني قبل كل شئ السلطة السياسية ونظام الدولة ” فيكون مآلها السياسي في معادلة “الحزب كدعامة للنظام”.فقد عرفت علاقة المعارضة بالنظام السياسي في المغرب مند الاستقلال إلى حدود 2011 تقلبات تراوحت بين الاختلاف والإقصاء،والتوافق والاحتواء،حيث تحولت إلى معارضة مؤسساتية.
وتأسيسا عليه،يمكن القول أن الأحزاب السياسية، في الأنظمة الديمقراطية، تعتبر ركن الارتكاز في الحياة السياسية والدستورية،فلا يمكن أن نتمثل نظاما ديمقراطيا دون أحزاب سياسية تتمتع بحرية ممارسة نشاطها السياسي في مراقبة عمل الحكومة من خلال ممثليها في البرلمان والهيئات المنتخبة، وتوجيه النقد لها وإظهار أخطائها للرأي العام. ففي مقابل الأحزاب التي تكون في التكتل الحكومي، تعمل على تنفيذ البرنامج الذي انتخبت من أجله ،نجد أحزاب أخرى في المعارضة تباشر وظيفة مراقبة ومحاسبة الحزب الحاكم أو الأحزاب المتكتلة في الحكومة. أما في الخصوصية المغربية فهي دعامة أساسية للنظام ما دامت تزاول نشاطها في حدود الخطوط المرسومة لها.
وفي هذا الخصوص،لابد أن نشير إلى أن مفهوم المعارضة يختلف باختلاف الزمان والمكان،فهو يرتبط ارتباطا متينا بوجود السلطة فضلاً عن الحريات العامة في الأنظمة الديمقراطية ومدى ديمقراطية النظام السياسي. وعلى الرغم أن ظهور مفهوم المعارضة اقترن مولده كتعبير وكقوة سياسية بظهور الديمقراطية النيابية في أوروبا منذ عام 1826، خصوصا في المملكة المتحدة، فلازال إلى حدود الساعة يُعتبر مفهوما من المفاهيم الحديثة في علم السياسة فمنذ القدم وإلى مدة قريبة لم يكن مفهوم المعارضة موضوعاً للتعريف بالعناصر والفئات التي تختلف مع السلطة الحاكمة، كما لم تكن أيضاً المعارضة متناولة في البحث الدقيق والتحليل الشامل من قبل العلماء والمفكرين السياسيين، أما اليوم فيلاحظ أن المفكرين السياسيين يتناولون بالتحليل المعارضة وأثرها في الحياة السياسية.
في هذا الصدد، حاولت تدخلات بعض الأكاديميين أن تقدم لنا تعريفا مانعا للمعارضة البرلمانية،و نجد من بينهم الأستاذان نجيب با محمد وعبد الرحيم المصلوحي،حيث إتفقا على أن المعارضة هيئة أو مؤسسة مشكلة من مجموع النواب أو المجموعات النيابية غير المشاركة في الحكومة ولا تدعمها بشكل منتظم،وتساهم في العمل البرلماني على مستوى التشريع والمراقبة والدبلوماسية ،كما أنها عبارة عن سلطة مضادة على المستوى الدستوري،و تبحث عن طريق مباشرة وظائفها واختصاصاتها المحددة بالدستور وبالقانونين التنظيميين لمجلسي البرلمان،عن انتقاد الحكومة وتقديم بدائل للسياسة الحكومية.وهو الاتجاه الذي ذهب إليه الأستاذ أحمد البوز،حيث أكد أن نشوء المعارضة بمعناها العام ارتبط بنشوء السلطة ،وعادة ما تعرف من خلال موقعها إزاء السلطة على اعتبار أنها تحيل على القوى السياسية التي لا تقع في السلطة وتعارض من يوجد فيه ،كما أن المعارضة السياسية بمفهومها الحديث تبدو مرتبطة أكثر ببروز النظام البرلماني التمثيلي وبتطور النظام الحزبي التنافسي في السياق الغربي،حيث اتخذت طابعا مؤسساتيا وأضحت الوثائق الدستورية تقر بشرعيتها في الوجود،وبأحقيتها في التمثيل المؤسساتي،وفي التوفر على الموارد اللازمة التي تسمح لها بالقيام بالوظائف المنوطة بها.وقد تم التأكيد على أن المعارضة بشكل عام تعيش أزمة تنظيم ونظام وليس أزمة أداء،وجاء الدستور المغربي لسنة 2011 ليحسم في المكانة التي ينبغي أن تحتلها في النظام السياسي والدستوري ،حيث انحاز المغرب إلى الدول القليلة التي عملت على دسترة المعارضة وتكريس حقوق لفائدتها.
انطلاقا من ما تقدم ،يمكن القول أن المعارضة البرلمانية هي مجموع الفاعلين اللذين تخول إليهم شرعية الانتخاب أو طبيعة التحالف الأغلبي،إمكانية التمثيل داخل السلطة التنفيذية،و توظف فضاء البرلمان وما يخوله من إمكانية التعريف والتأثير والضغط من خلال أدائها لوظائف التشريع والرقابة والتقييم والدبلوماسية ،لإبراز رؤية مغايرة لما تقدمه السلطة القائمة،والذي لايمثل فقط موقف المعارضة لما هو قائم أو ما هو مقترح،بل أيضا مشروعا بديلا تعمل على تسويقه والوعد بتنفيذه في حالة الوصول إلى السلطة عن طريق التناوب [5].
المحور الأول : ضعف المركز الدستوري للمعارضة البرلمانية خلال فترة ماقبل دستور2011
إن الوضع المذكور سلفا في الحالة المغربية ،فرض علينا التسائل عن الوظيفة الحقيقية للمعارضة على ضوء التوازنات السياسية المتصلة بطبيعة النظام السياسي الدستوري المغربي في مرحلة مابين 1963-2011 ؟وحدود دورها؟ والأسباب المرتبة لمحدودية وظيفتها؟فماهية وظيفة المعارضة في النظام السياسي والدستوري المغربي؟وحدودها؟
أولا: وظيفة المعارضة وتثمين أدائها السياسي خلال مرحلة 1963-2011.
إن الظروف السياسية الذي مر بها المغرب خلال محطات مرحلة ما قبل سنة 2011، لم يكن مساعدا لأحزاب المعارضة المنبثقة عن الحركة الوطنية ، على ممارسة نشاطها السياسي والحزبي في جو نقي وصاف ، خصوصا إذا علمنا أن الفكر الحزبي في المغرب منذ ولادته ،لم تكن له علاقة بالنزعة الديمقراطية بقدر ما ارتبط بروزه بالنزعة الوطنية،وفي هذا السياق، نذكر أن كتلة العمل الوطني انبثقت في سياق المواجهة مع الاستعمار،الفرنسي سنة 1934لتتعرض للانشقاق سنة 1936،ويبرز على إثرها الحزب الوطني تحت قيادة علال الفاسي والحركة القومية بقيادة محمد حسن الوزاني،التي تحولت بدورها إلى حزب الشورى والاستقلال،ومن هنا نرصد تبلور خاصيتين أساسيتين تتجلى في التضايق من المنافسة،وتغييب الديمقراطية الداخلية،فقد قدم كل حزب من هذه الأحزاب نفسه كممثل للشعب بأكمله، واشتغل منذ البداية معتمدا على مبدأ “الإجماع” الذي كان يرفض كل اختلاف، ما سيفضي فيما بعد إلى تنامي ظاهرة الإنشقاقات الحزبية المحكومة بمنطق الصراع القبلي،في إطار ماسماه(الإنقساميون)بالفوضى المنظمة،التي ارتبطت بدورها إما بطموحات الأشخاص في الزعامة،وبتدبير من السلطة،أو من أجل إحداث نوع من الفرز السوسيوسياسي من قبيل حالة الانشقاق التي ضربت حزب الاستقلال سنة 1959 ما سيؤثر في الفترة اللاحقة على تشكيل المعارضة عقب دسترة النظام السياسي المغربي سنة 1962 ووظيفتها وحدود تأثيرها ،فباستثناء الولاية التشريعية الأولى(1963-1965) حيث كانت المعارضة، ممثلة في حزبي الاستقلال والاتحاد الوطني للقوات الشعبية، قادرة نسبيا على ممارسة نوع من الضغط على الحكومة في خضم عدم استقرار أحزاب “الأغلبية” داخل مجلس النواب[6].
أما الولايات التشريعية منذ 1977 إلى 1997 فقد نمت عن واقع “معارضة ملجمة”وقاصرة إكتفت في ظل الظروف السياسية القائمة آنئذ بالاحتجاج السياسي والمؤسساتي،وتأسيسا على ما سبق ذكره شهد برلمان 1977-1983 عجزا حقيقيا للمعارضة قياسا بالولاية التشريعية 1963 -1965 إذ وجدت نفسها ممثلة بستة عشر نائبا (خمسة عشر عن الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية ونائب عن حزب التقدم والاشتراكية”). وهو ما جعل أحد الباحثين يصف هذه الولاية ب“برلمانية شبه إجماعية”.على الرغم من كون الولاية التشريعية (1984-1992) شهدت إعادة الاعتبار النسبي للمعارضة البرلمانية داخل البرلمان على مستوى الأرقام(78) وعودة حزب الاستقلال إلى صفوف المعارضة البرلمانية بعدما أستنزف سياسيا خلال مشاركته في الحكومة، فقد ظلت في محصلتها مجرد اجترار للولايات التشريعية السالفة، إذ وجدت نفسها غير قادرة عدديا عن إرغام الحكومة على الرضوخ لبعض مطالبها على المستوى التشريعي كما ظل منطق الاستمرارية مهيمنا في السياسة الحكومية التي حاولت المعارضة “إدانتها” سياسيا من خلال ملتمس الرقابة في ماي 1990. نفس الوضع سيتكرس مع برلمان الولاية التشريعية الخامسة(1993-1997)،حيث ظلت أحزاب الحركة الوطنية الممثلة في موقع المعارضة،بحصولها على 115 مقعدا من أصل 333 لتظل “الأغلبية” حكرا على الأحزاب الموالية استراتيجيا للاختيارات الرسمية، خلافا لما كان يوحي به السياق العام من أن المغرب يعيش مرحلة تراض السياسي من أجل الانتقال إلى مرحلة التناوب على المسؤولية الحكومية.
أما خلال فترة دستور 1996 فقد شهدت برلمانات 1997-2002-2007 إختيارالأحزاب المنبثقة عن الحركة الوطنية وذات الامتداد الشعبي والتاريخي في منعطف تاريخي الانتقال إلى تدبير الصراع من داخل النسق،بعدما كانت تدبره خارج النسق في مرحلة السبعينات والثمانينات، وفي هذا الصدد ،يقول الأستاذ محمد ضريف “مما أدى إلى انتصار الاستراتيجيا الاحتوائية”، وأكثر من ذلك أدى إلى تحول في طبيعة المعارضة السياسية بالمغرب، إذ لم تعد هناك معارضة للحكم بل أضحت معارضة صرفة للحكومة، ولم يعد الصراع حول طبيعة نظام الحكم الذي ساد في مرحلة الستينيات والسبعينيات قائما وإنما انحصر في طبيعة السياسة الحكومية متبعة، بل إن المعارضة للحكومة ستختزل في معارضة لوزارة الداخلية تحديدا[7]. هكذا تحولت المعارضة من معارضة نظام الحكم إلى معارضة حكومة ليست في الحقيقة سوى أداة تنفيذية لا تصنع الخيارات الكبرى ولا السياسات العامة.
هذه الوضعية فرضت علينا التساؤل عن الوظيفة الحقيقية للمعارضة البرلمانية التي تتحول إلى “معارضة محتومة” في ظل توازنات سياسية متصلة بطبيعة النظام السياسي. وهو واقع غالبا ما جعل الأحزاب المتموقعة استراتيجيا في المعارضة مهددة بـ”الضمور السياسي” الذي يظل نتيجة حتمية لواقع “التغييب القهري” عن ممارسة المسؤولية الحكومية ترتيبا على قواعد التناوب السياسي[8].
وعليه،فرغم المكانة التي احتلتها المعارضة في التجربة البرلمانية المغربي خلال مرحلة مابين 1962-2011 ،فإنها لم تكن معارضة واحدة بل كانت معارضات بالجمع،فمن جهة ، هي لم تجتمع على قاسم إيديولوجي أو فكري أو تاريخي مشترك بين جميع أحزابها ،ومن جهة أخرى ظلت باستمرار تشكوا من ضعف رأسمالها الانتخابي وأرصدتها الشعبية،وتمزق نسيجها التنظيمي،و ضعف وحدتها الداخلية[9]. ومن جهة ثالثة،لم تتمتع بوضع قانوني خاص يكسبها حقوقا محددة تميزها عن الأغلبية البرلمانية،ويخولها وضعا متميزا إزاءها.ما يسمح بالقول،أن انغلاقها على ذاتها،وتخبطها في فعلها قاد إلى تدني شعورمكوناتها بالانتماء إلى المؤسسة البرلمانية، وبالتالي ضعف الدافع للمبادرة والفعل كتحصيل حاصل لفقدان الثقة في القدرات والمؤهلات.
فكل معارضة لا يمكن أن تكون فاعلة ونافدة،إلا إذا تمتعت بمركز قانوني ودستوري خاص،وتحقق فيها تنظيم داخلي جيد لمكوناتها،وهياكل وأجهزة وبنيات،تسهر على حسن التسير والتخطيط،إلى جانب وجود قيادة ديمقراطية[10].
ثانيا:الأسباب الذاتية والموضوعية لضعف وظيفة المعارضة في النظام السياسي والدستوري المغربي.
من خلال قراءتنا للممارسة التشريعية والرقابية والدبلوماسية للمعارضة البرلمانية ،حاولنا تحديد مواطن الضعف الوظيفي للمعارضة،الناجمة عن العديد من الأسباب المرتبطة جوهريا بضعف التنسيق،وغياب رؤية فكرية واضحة ،والتوجهات الموحدة، إلى جانب غياب تقاطع مذهبي،ما قاد إلى بروز معارضات برلمانية صغيرة وغير وفاعلة،كما نسجل خلال هذه المرحلة من الدراسة أن معظم الأحزاب السياسية المغربية بصرف النظر عن قوتها العددية في مختلف الولايات التشريعية،لم تستهويها المعارضة حيث ظل اللحاق بها يتم بعد انسداد أفق الانتماء إلى التحالف الحكومي ما دفعنا إلى التساؤل عن الوظيفة الحقيقية للمعارضة البرلمانية في النسق السياسي المغربي[11].
يمكن لنا أن نشخص مشكل المعارضة ،خلال مرحلة الدراسة هذه، في:
-خلال الفترة 1962-2011 لم يحدد لا الدستور ولا الأنظمة الداخلية مفهوم المعارضة،كما أنها برزت كمعارضات بالجمع ،وليست بالفرد،فمن جهة لم تجتمع على قاسم إيديولوجي أو فكري أو تاريخي مشترك،ومن جهة أخرى فقد أضحت تعاني من ضعف أرصدتها الشعبية،فضلا عن تمزق نسيجها التنظيمي،وتراجع شعبيتها، رغم ما خولها دستوري 1992-1996 من حقوق تعزز مركزها في مواجهة الحكومة،فقد عازتها النجاعة والحكمة،وغياب مخطط واضح للفعل والتحرك،ومباشرة دورها التشريعي والرقابي ،ومناقشة السياسات العمومية،والمساهمة الفاعلة في الدبلوماسية البرلماني.
أضف إلى ذلك ان الفصل الثالث من دساتير المغرب المغرب المتعاقبة ظل يرسم بوضوح حدود وظائفها في النظام السياسي المغربي ويحصرها في تنظيم وتمثيل المواطنين،ويكرس الخلط القائم بينها وبين الجماعات المحلية والمنظمات النقابية والغرف المهنية[12].
فمعانات المعارضة من النظرة الفردية والمصالح الضيقة،و التمثلاث السلبية لدى الأحزاب السياسية المشكلة لها، عرقل تشكل ثقافة المعارضة،حيث أن الكثير منهم ينظر إليها “كشر لابد منه” فبخلاف التموقع في الأغلبية ،الذي يمكنها من الحصول على امتيازات مختلفة تقل مقارنة بحالة الاصطفاف في المعارضة،فالمعارضة الجيدة هي تلك التي تستوحي قراراتها من ثقافة جيدة تسمح لها بالانتقال من مجرد معارضة منبرية إلى قوة الفعل والدينامية وطرح السياسات البديلة المبنية على مقومات موضوعية وعقلانية[13].
كما تعاني من ضعف ذاتي ،لأسباب من بينها ضعف التنسيق بين مكوناتها،وتشكلها من خليط هجين من الأحزاب،إلى جانب أحزاب أخرى خبرت ممارسة السلطة والاصطفاف في الأغلبية أكثر من المعارضة،ما جلها تقع باستمرار خلال هذه المرحلة من الدراسة تحت طائلة الحكومة والأغلبية المساندة لها،هذا علاوة على تعرضها إلى متغيرات داخلية فرضها تعقد العمل البرلماني بمختلف تجلياته ، ومتغيرات البيئة الخارجية السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي شهدها المغرب في الفترة الممتدة بين 1962 إلى2011 ،حيث عجزت باستمرار عن تطوير أدوات اشتغالها، و خطابها،من أجل التأقلم مع المعطيات المستجدة بشكل مستمر ودائم.
ضعف التواصل الخارجي للمعارضة،نظرا لضعف انفتاحها على المواطنين،ومختلف فئات المجتمع المغربي والتفاعل معهم،من خلال استثمار أدوات الاتصال الجماهير،وضعف إطلاعها على حاجيات وانشغالات المواطنين على مستوى التشريع والسياسات العامة خصوصا ما يتعلق منها بتحديد الأولويات ،لأن المعلومات التي من المحيط الخارجي،تكون أكثر أهمية من تلك التي يتحصل عليها من مكاتب البرلمان،والكشف عن الإختلالات و أوجه القصور والضعف في السياسات الحكومية[14].كما أن استقرار المكونات الحزبية المشكلة للمعارضة لمدة طويلة،وغياب إمكانية التداول على المجال الحكومي،جعل صفة المعارضة البرلمانية لصيقة بأحزاب معينة،إلى درجة الخلط بين الوظيفة والدور والإيديولوجيا.[15]
فمضمون المذكرات الدستورية لأحزاب الكتلة خلال مطلع التسعينات ،وتصورها لمسألة الإصلاح السياسي،انطلقت من فكرة إعادة التوازن بين المؤسسات الدستورية،ما من شانه حسب وجهة نظرها أن يرتب،تعزيزا ودعما لوظيفة المعارضة البرلمانية في النظام السياسي المغربي[16]. هذا فضلا عن تباين قوتها العددية بين مجلسي النواب والمستشارين، إذ نلاحظ في هذا الصدد أن المعارضة البرلمانية في مجلس المستشارين تحوز قوة عددية تجعلها أكثر نجاعة في مجابهة الحكومة وهو وما يتجلى من خلال الجدولين التاليين:
ثالثا :تقييم أداء المعارضة البرلمان في مرحلة ما قبل دستور2011 بين النجاح والإخفاق
يمكن أن نقول أن قوة المعارضة البرلمانية بالمغرب اختزلت في المعارك الصحفية عبر الاستجوابات دون قوة في الحياة السياسية والبرلمانية وتظل أهم النجاحات،التي تمكنت من تحقيقها خلال هذه المرحلة السياسية والدستورية من تاريخ الدولة،هي المساهمة العملية في توفير الشروط الضرورية للانتقال الديمقراطي.أما إخفاقاتها فتتجلى في افتقاد القدرة على التجديد والتغيير السياسي وبلورة مواقف سياسية تخدم أرصدتها الحزبية وفشلها في تقديم برنامج واضح وواقع،و تدرعها المستمر بتنفيذ البرنامج الملكي، بسبب رصيد أحزابها عقب المشاركة في حكومة التناوب التوافقي ما رتب انشقاق مجموعة من أحزابها ،فتحولت فسيفساءها،إلى مجرد دعامة للنظام السياسي في مواجهة التخلف السياسي والاقتصادي،لا سيما عقب تحالف الملكية مع أحزاب المعارضة و الذي تغذى مطلع التسعينات بقدوم الإتحاد الاشتراكي، و نزوعها المتدرج نحو الاعتدال خلال مرحلة تحمل المسؤولية الحكومية، مقارنة بالأحزاب غير المعارضة للنظام السياسي التي طبعها الاستقرار السياسي ،حيث يخبوا وزنها السياسي ويتقوى بين الحين والآخر،من قبيل لفديك والإتحاد الدستوري[17]، خلافا لأحزاب المعارضة في الأنظمة الديمقراطية التي تروم الوصول إلى السلطة السياسية والحكم كتوجه مركزي ،وعليه فالحقيقة المستخلصة من ما سلف ذكره هو أنه خلال هذه المرحلة من الدراسة ، لم يكن بالإمكان الحديث عن ديمقراطية تمثيلية تفويضية، إذ أن عجز الأحزاب عن مباشرة وظيفتها التمثيلية والمؤسساتية جعلها تنقلب إلى ممارسة وظيفة أخرى تسمى الوساطة في البرلمان وعلى مستويات أخرى[18].
نخلص بالقول ،إلى أن أي تفكير للمشرع الدستوري في النهوض بمركز المعارضة في النظام السياسي والدستوري المغربي، وتأهيلها والارتقاء بأدائها التشريعي والرقابي والدبلوماسي،يجب أن يؤسس له على علاقة جديدة بين الأغلبية والمعارضة قوامها الاحترام،وإلغاء ثقافة الإقصاء وتشجيع التعاون لمواجهة الإكراهات المطروحة بخصوص تدبير السياسات العمومية التي تحتاج إلى تظافر غير مشروط للجهود كل من موقعه يقترح آراء وتصورات من شأنها أن تفيد في تجويد صناعة التشريع،فالأغلبية والمعارضة هم عبارة عن كل برلماني لا يمكن أن يتجزأ،ولا يمكن لأي من الطرفين أن يعمل ويشتغل بشكل جيد في غياب الطرف الآخر[19]. فالنخبة المشكلة للمعارضة السياسية يمكنها أن تساهم وبقوة في إعادة “تشكيل” المجتمع وتقديم الاقتراحات البناءة وخلق فضاء فكري تناقش في إطاره كل القضايا المطروحة على الساحة الوطنية.
لابد من الإشارة إلى أنه ،لا يمكن أن تحل أي قوة أخرى مكان المعارضة السياسية الواعية والبناءة.فالتفكير في إيجاد آليات أخرى، أو العودة إلى أنماط من التنظيمات القديمة والتقليدية قد يحمل في طياته الكثير من الأخطار الخفية التي لا يمكن التكهن بها في الوقت الحالي[20].
المحور الثاني : الإرتقاء بالمركز الدستوري للمعارضة البرلمانية في ظل دستور2011
جاء دستور فاتح يوليوز حاملا معه مجموعة من المستجدات التي تهم توزيع السلطة بين المؤسسات الدستورية،والنهوض بمنزلة المؤسسة التشريعية لاسيما مركز المعارضة فيها،من خلال تطوير أدواتها التشريعية والرقابية والدبلوماسية،والارتقاء بآداءها. لقد جاء دستور 2011 مختلفا عن ماسلف من دساتير المغرب،فقد أقر لأول مرة وصراحة بشرعية وجود المعارضة البرلمانية عبرمنطوق الفقرة الثانية من الفصل 60 من الدستور التي أعلنت صراحة على أن”المعارضة مكون أساسي في المجلس، وتشارك في وظيفتي التشريع والمراقبة…”.
فهل حمل دستور2011 ما كان منتظرا منه وإستجاب لمطالب الفرقاء السياسيين بخصوص منزلة المعارضة البرلمانية.من أجل الإجابة عن هذا التسائل بإقتضاب ستنحصر دراستنا في هذه النقطة على مظاهر تقوية الدور التشريعي والرقابي للمعارضة البرلمانية.
أولا : تقوية الدور التشريعي للمعارضة البرلمانية:
نعلم أن المعارضة البرلمانية [21] عبارة مجموعة من ممثلي الأمة في مجلسي البرلمان، يمثلون قوى وهيئات سياسية في مجلس النواب ونقابية في مجلس المستشارين،للتعبير عن أراء ومصالح فئات اجتماعية معينة لها أهداف ومشاريع وخطط تختلف عن أهداف وخطط السلطة السياسية القائمة،غير أنها لا تمتلك الوسائل التشريعية والآليات التي تمتلكها الحكومة في تنفيذ خططها وبرامجها،ما يجعلها في وضع العاجزعن تحقيق أهدافها والوقوف في وجه السلطة الحكومية،وحيث أن ما يهمنا هو مناقشة الدور التشريعي الجديد للمعارضة البرلمانية في البرلمان المغربي على ضوء دستور 2011 ،وما حمله التعديل الأخير من حقوق جديدة وأدوات تشريعية للمعارضة في مواجهة الحكومة وأغلبيتها البرلمانية ،ومن أجل التخفيف من أخطائها ومحاولة تقويم انحرافها.
فلمدة ليست بالقصيرة هيمن الاعتقاد في الدراسات الدستورية والسياسية حول التجربة البرلمانية المغربية وظاهرة الأحزاب السياسية أن موضوع المعارضة موضوع سياسي بالدرجة الأولى،نظرا لتأثره بالثقافة الدستورية للجمهورية الفرنسية الخامسة التي لم تولي الاهتمام الكافي بموضوع المعارضة حتى منتصف السبعينيات من القرن العشرين،أما في المغرب فقد تركز اهتمام الفقه الدستوري على موقع المعارضة ووظيفتها في النظام السياسي الدستوري المغربي،إذ جرب خيارات عديدة من قبيل الصراع ثارة والاستثنائية تارة، لينهي علاقته بالمعارضة بالتوافق قبل حدث الاستخلاف بالتناوب التوافقي[22].خلال هذه المرحلة من حياة المغرب السياسي غابت إمكانية التداول على المجال الحكومي من جراء الاستقرار الطويل الأمد لمكونات المعارضة،فأضحى وصف المعارضة لصيق بأحزاب معينة بذاتها،ماصعب مسألة التميز بين الدور أو الوظيفة والإيديولوجيا،هذا علاوة عن عجزها على بلورة خطاب إصلاحي خاص بوظيفة المعارضة.ولغرض بحث هذه النقطة في علاقتها بموضوع بحثنا،فقد ارتأينا أن نناقشها انطلاقا من محاولة الإجابة الإشكالية الجزئية التالية ،بالنظر لارتباطها العميق بموضوع أطروحتنا:
كيف تمثلث المؤسسة الملكية والأحزاب السياسية الدور التشريعي المنتظر للمعارضة ؟ما هي المستجدات الدستورية التي حملها التعديل الدستوري 2011 و القانون التنظيمي للمعارضة من أجل النهوض بوظيفتها التشريعية في مجلسي البرلمان؟ وما أهو اثر هذه المستجدات على أدائها التشريعي؟
من خلال قراءتنا للخطاب الملكي ل9 مارس 2011 ،نلاحظ أنه حدد سبع مرتكزات مؤطرة لعملية مراجعة دستور1996 ،ومن بينها ما ورد في المرتكز الخامس من الخطاب،والمتمثل في “تعزيز الآليات الدستورية لتأطير المواطنين،بتقوية دور الأحزاب السياسية،في نطاق تعددية حقيقية،وتكريس مكانة المعارضة البرلمانية والمجتمع المدني”،وهو ما يمكن أن نستخلص منه،أن المشرع الدستوري المغربي بصدد الإعلان عن” المعارضة البرلمانية”فاعلا دستوريا جديدا إلى جانب المجتمع المدني والأحزاب السياسية،ونستدل على ذلك بفصله لمفهوم المعارضة على الأحزاب السياسية،إذ وردة غير مقترنة بأداة حزبية،كما أن إستيعاب دلالتها لا يمكن ان يتأتى إلا من خلال استحضار باقي مركزات الخطاب الملكي ل9 مارس2011 نالتي شددت على “ترسيخ دولة الحق والمؤسسات وتوطيد مبدا فصل السلط،وتوازنها وتعميق ودمقرطة وتحديث المؤسسات وذلك من خلال برلمان يتمتع بإختصاصات جديدة،تسمح له من النهوض بوظائفه التمثيلية والتشريعية والرقابية،إلى جانب حكومة منبثقة عن الإرادة الشعبية،تحوز ثقة الأغلبية المشكلة لمجلس النواب.
نستنتج من ماسبق ذكره،ان مضامين الخطاب الملكي ل9 مارس 2011 تكرس دستوريا وبوضوح المركزالجديد للمعارضة البرلمانية في النظام السياسي المغربي ،خصوصا من خلال مباشرة الوظيفة التشريعية على قدم المساواة مع الأغلبية البرلمانية عبر تمكينها من الآليات الضرورية لإثراء المجال التشريعي .أما الأحزاب السياسية فقد أجمعت من جانبها على وجوب النهوض بمركز المعارضة ،وتمكينها من دور فاعل على مستوى التشريع والرقابة والدبلوماسية البرلمانية،وإخطار القضاء الدستوري،وبرز ذلك بجلاء من خلال مذكرات الأحزاب السياسية.
وتتجلى أبرز مظاهر تقوية الدور التشريعي للمعارضة في تنصيص دستور 2011 على مجموعة من الإجراءات والتدابير لصالح المعارضة البرلمانية، من شانها النهوض بالوظيفة التشريعية المسندة إلى المؤسسة البرلمانية، وتخويل المعارضة مجموعة من الوسائل والآليات ، صنفها المشرع الدستوري حقوقا لتمكينها من المشاركة في إنتاج القوانين، وفي عملية صناعة القرار السياسي. ما يتماشى و التاريخ السياسي للبرلمان المغربي التي طبعته معارضة قوية أكثر من حكومة قوية،مع تحكم الأغلبية بإستمرار في خيوط العمل البرلماني ووقوف المعارضة على التاريخ موقف المحتج دون ضغط أو تأثير،ما دعى المشرع الدستوري بمناسبة دستور 2011 إلى تبني منهجية تشاركية تمكن المعارضة من قنوات لتصريف أعمالها، ما من شأنه أن يسهم في تقوية مؤسسة البرلمان ككل أغلبية ومعارضة. وذلك على النحو التالي:
أ/ ما نص عليه الفصل العاشر من الدستور، من أن هذا الأخير يضمن للمعارضة البرلمانية مكانة تخولها حقوقا، من شأنها تمكينها من النهوض بمهامها، على الوجه الأكمل، في العمل البرلماني والحياة السياسية. حيث يضمن لها خاصة الحقوق التالية: حرية الرأي والتعبير والاجتماع ، حيز زمني في وسائل الإعلام الرسمية يتناسب مع تمثيليتها ، الاستفادة من التمويل العمومي، وفق مقتضيات القانون ، المشاركة الفعلية في مسطرة التشريع، لاسيما عن طريق تسجيل مقترحات قوانين بجدول أعمال مجلسي البرلمان ،رئاسة اللجنة المكلفة بالتشريع بمجلس النواب، وهذا من شأنه أن يسهم في تفعيل القاعدة القانونية، التوفر على وسائل ملائمة للنهوض بمهامه المؤسسية، المساهمة الفاعلة في الدبلوماسية البرلمانية، للدفاع عن القضايا العادلة للوطن ومصالحه الحيوية. وهذا في نظرنا من شأنه أن يرفع الحصار والتهميش الذي كان مفروضا على المعارضة داخل البرلمان، والذي كان يدفع بها في بعض الأحيان إلى البحث عن قنوات وطنية وأجنبية لتسريب آرائها ومواقفها،علاوة على حق إحالة القوانين على المحكمة الدستورية،الحق في ممارسة السلطة عن طريق التناوب الديمقراطي[23]، محليا وجهويا ووطنيا، في نطاق أحكام الدستور. وهذا من شأنه في نظرنا أن يفتح المجال أمام المعارضة للمساهمة في تحمل المسؤولية، وأن لا تظل خارج السرب تغرد وتصيح.
ومن ثمة نلاحظ أن دستور 2011 مكن مؤسسة البرلمان المغربي من آليات فعالة مقارنة مع ما كان سائدا في ظل التجارب البرلمانية السابقة، متوخيا مساهمتها في العمل التشريعي بكيفية فعالة وبناءة، خصوصا وأنه نص بوضوح في الفقرة الأخيرة من الفصل العاشر المشار إليه أعلاه على أنه تحدد بموجب قوانين تنظيمية أو قوانين أو بمقتضى النظام الداخلي حسب الحالة كيفيات ممارسة فرق المعارضة لهذه الحقوق.
أظف إلى ذلك ما جاء به الفصل 69 من الدستور بقوله يحدد النظام الداخلي بصفة خاصة : قواعد تركيب وتسيير الفرق والمجموعات البرلمانية والانتساب إليها، والحقوق الخاصة المعترف بها لفرق المعارضة،عدد اللجان الدائمة واختصاصها وتنظيمها، مع تخصيص رئاسة لجنة أو لجنتين للمعارضة، على الأقل، مع مراعاة مقتضيات الفصل 10 من هذا الدستور. ما يعني أن المشرع الدستوري المغربي أصبح مقتنعا بدور المعارضة كمكون من مكونات البرلمان في إرساء دعائم الديمقراطية داخليا وعلى جميع المستويات، وبأن استقرار النظام السياسي المغربي مرهون بتقوية المؤسسات الدستورية خصوصا المؤسسة التشريعية بنية ووظيفة وأداءا، وليس بتبخيس وظائفها أو تهميش أدوارها، لأن من شأن ذلك أن يخلخل قواعد التوازن المفروض احترامها في كل تعاقد دستوري أساس البناء الديمقراطي، والممارسة السياسية المواطنة الحقة الوظيفة التشريعية للبرلمان المغربي[24].
غير أنه إذا كان الفصل 60 من دستور 2011 ينص على أن المعارضة مكون أساسي في المجلسين،تشارك في وظيفة التشريع والمراقبة،فإن واقع الممارسة يخالف ذلك،إذ لم يتوفر للمعارضة الإمكانيات والوسائل اللازمة لممارسة حقوقها والقيام بوظائفها الدستورية،ويمكن أن نسترشد في التدليل على ذلك من خلال معاناتها من التضييق على مستوى التشريع ،فإلى حدود 10 دجنبر2014كان هناك 140 مقترح قانون موجودة بالبرلمان ،منها 79 مقترح قانون تقدمت به المعارضة ظلت تنتظر،حيث لم يتم الاهتمام بها من قبل الحكومة ،إذ أن الأدوار التي من المفروض أن تقوم بها المعارضة في مجال التشريع والرقابة والدبلوماسية البرلمانية وغيرها،تعاني من الحصار الحكومي ومازالت دون المستوى المطلوب.
بهذا الخصوص تجدر الإشارة إلى مثالين حول مظاهر التضييق على المبادرة التشريعية للمعارضة بشكل خاص وللبرلمان بشكل عام،ويهم المثال الأول مشروع القانون التنظيمي المتعلق بقانون المالية،الذي تقدمت المعارضة والأغلبية بخصوصه مقترح قانون انخرطت فيه الحكومة،ووصل النقاش إلى مرحلة متقدمة،وفجأة تراجعت الحكومة بحجة أنه ليس من صلاحية البرلمان بصفة عامة معارضة وأغلبية القيام بمبادرات تشريعية تهم القوانين التنظيمية،باعتبار أن هذه الأخيرة تبقى حكرا على الحكومة وحدها،لأن هذه القوانين تدرس في المجلس الوزاري،وبالرغم من المجلس الدستوري صحح الوضع ،إلا أن التضييق الحكومي على البرلمان استمر بعد ذلك،والمثال الثاني يهم القانون التنظيمي المتعلق بلجنة تقصي الحقائق الذي تم تجميده لمدة طويلة بعد أن خرج إلى حيز الوجود. ما يجعل من تفعيل الامتياز التشريعي المنصوص عليه في الدستور للمعارضة البرلمانية يتوقف على إرادة الأغلبية الحكومية[25].
ثانيا: تقوية الدور الرقابي الجديد للمعارضة البرلمانية في دستور 2011.
هل شكل مشروع الدستور الجديد امتدادا أم قطيعة مع الدستور القديم؟
مشروع الدستور الجديد يشكل من طبيعة الحال امتدادا واستمرارية للدستور القديم، مادام الملك محمد السادس هو من قام بمبادرة تعديله، من خلال وضع خطاب 9 مارس ،فمما لاشك فيه أن أي إصلاح دستوري في المغرب لن يتأتى له أن يكتمل ،دون الاستثمار في اتجاه تفعيل دور المعارضة البرلمانية، كأحد الأضلع المفصلية في تأمين وتطوير العمل البرلماني وترشيده نحو المسار الصحيح،من أجل ذلك لم يكن هنالك من مناص سوى التفكير والتأمل في كيفية تأهيلها وتبوئها المنزلة التي تليق بحجمها الحقيقي في سياق بناء صرح الديمقراطية البرلمانية الحقه، حيث أن التأهيل الذي نتحدث عنه لا ينحصر فقط في تأهيل على المستوى الدستوري والقانوني بل يشمل أيضا الـتأهيل المؤسساتي والعملي[26].
وعليه فإن الإصلاحات التي مست مؤسسة البرلمان المغربي في شقها المرتبط بتوسيع صلاحياته الرقابية ،سوف تعزز ولو نسبيا من مركز البرلمان في النظام السياسي و الدستوري المغربي، غير أنها ستبدو ناقصة إذا لم يواكبها تعزيز لمركز المعارضة البرلمانية، فالحكومة كما أسلفنا في مجموعة من مراحل هذه الدراسة،يجب أن تكون مسندة بأغلبية برلمانية، تدعمها في برنامجها، وقراراتها،ما يجعل من الصعب عمليا أن تساهم هذه الأغلبية في إسقاط الحكومة، وهنا تبرز أهمية وظيفة المعارضة البرلمانية في مباشرة نقد وتقييم ورقابة بناءة دائمة على النشاط الحكومي من خلال تفعيل الأدوات الرقابية التي خولها إياها الدستور، فالمعارضة البرلمانية ، يتوجب الاستماع إليها واحترام آرائها حتى وإن كانت تشكل الأقلية التي تمثل قطاعا من المجتمع و تدافع عن مصالحه .
فما هي إذن حدود الدور الرقابي الجديد للمعارضة البرلمانية في المغرب، وما مدى مساعدة الامكانيات التي خولتها دستور 2011 المعارضة البرلمانية في بلوغ الأهداف التي رسمها لها المشرع الدستوري، وما درجة تأثير المكانة المستحدثة والقوية للمعارضة في دستور 2011 على أدائها الرقابي في الواقع؟
عرفت حقوق المعارضة البرلمانية تقييدا من طرف المشرع الدستوري على مدار التجربة الدستورية التي عرفها المغرب طيلة ما يقارب النصف قرن، ابتدءا من دستور 1962، حتى دستور [27]1996،ورغبة منه في الإرتقاء بمركزها ووظيفتها،حملالوثيقة الدستورية لسنة 2011 مقتضيات جديدة ، تروم النهوض بالعمل البرلماني، والعمل على تطويره وعقلنته ومأسسته، لا سيما ما تعلق منه بدور ووظيفة المعارضة البرلمانية في خضمه، حيث مكنتها المراجعة المذكورة من منزلة متميزة لم يسبق لها مثيل في التاريخ السياسي والدستوري المغربي، مخولة إياها مجموعة من الحقوق الجديدة، أملا في أن تكون شريكا مهما في صناعة التشريع و رقابة نشاط السلطة الحكومية جنبا إلى جنب مع الأغلبية البرلمانية.
وهذا ما يتضح لنا من خلال منطوق الفصل 10 من الدستور، حيث ينص على أنه” يضمن الدستور للمعارضة للمعارضة البرلمانية مكانة تخولها حقوقا، من شأنها تمكينها من النهوض بمهامها، على الوجه الأكمل، في العمل البرلماني و الحياة السياسية. ويضمن الدستور بصفة خاصة للمعارضة الحقوق التالية: ………المشاركة الفعلية في مراقبة العمل الحكومي، لاسيما عن طريق ملتمس الرقابة، و مساءلة الحكومة، و الأسئلة الشفوية الموجهة للحكومة، واللجان النيابية لتقصي الحقائق، المساهمة في اقتراح المترشحين وفي انتخاب أعضاء المحكمة الدستورية، تمثيلية ملائمة في الأنشطة الداخلية لمجلسي البرلمان ،رئاسة اللجنة المكلفة بالتشريع بمجلس النواب، التوفر على وسائل ملائمة للنهوض بمهامها المؤسسية.,,,,”، طبقا لأحكام الفصل 7 من هذا الدستور، ممارسة السلطة عن طريق التناوب الديمقراطي، محليا و جهويا ووطنيا، في نطاق أحكام الدستور.
يجب على فرق المعارضة المساهمة في العمل البرلماني بكيفية فعالة و بناءة،تحدد كيفيات ممارسة المعارضة لهذه الحقوق، حسب الحالة، بموجب قوانين تنظيمية أو قوانين أو بمقتضى النظام الداخلي لكل مجلس من مجلسي البرلمان”.
و إذا ما دل الفصل 10 من الدستور على شئ فإنما يدل على أن المشرع الدستوري المغربي خول المعارضة النيابية مجموعة من الحقوق الدستورية لتفعيل دورها الرقابي ومباشرة الضغط على الحكومة والمشاركة في ضبط عملها،لاسيما عن طريق مسائلتها من خلال الأسئلة الشفوية،ولجان تقصي الحقائق،وملتمس الرقابة[28]،نفس المقتضى تضمنه الدستور الجزائري في المادة 180 منه والدستور التونسي في الفصل 60 منه[29].
،حيث خولها دستور 2011 حق التقدم بطلب تشكيل لجان تقصي الحقائق ، وبخلاف الدساتير السابقة، عمد الدستور الحالي في الفصل 67 إلى خفض عدد البرلمانين اللازم توقيعهم للتقدم بطلب تشكيل هذه اللجان إلى الثلث عكس 1996، الذي كان يشترط توفر الأغلبية، وهذا فيه دلالة على إمكانية تقديم المعارضة البرلمانية طلب لتشكيل لجان تقصي الحقائق، مما سيفعل من دور المعارضة في الرقابة والضغط على الحكومة [30].
يتبين بشكل واضح من خلال المقتضيات أعلاه أن المعارضة البرلمانية من خلال مقتضيات الدستور المغربي الجديد2011، أصبحت تحوز منزلة دستورية فريدة، حيث بإمكانها و بقوة الدستور أن تشارك في الرقابة على العمل الحكومي، وهذا الأمر من شأنه أن يرفع الحيف والتهميش الذي كانت تعاني منه في ظل دساتير مرحلة ماقبل دستور2011. ذلك أن الوسائل و الآليات الرقابية التي كان مخولة لها في دساتير المرحلة السابقة، لم تكن لتمكن المعارضة من أداء وظيفتها الرقابية على الوجه الأمثل،بالنظر للشروط المسطرية المعقدة و النصاب القانوني الكبير المتعلق بأهم آليات الرقابة كتكوين لجان نيابية لتقصي الحقائق، أو الطعن في دستورية القوانين العادية، وكذلك رئاسة إحدى اللجان البرلمانية الدائمة كلجنة العدل و التشريع…
فقد نص الفصل 10 من الدستور نزولا عند رغبة المعارضة على الأسئلة البرلمانية كآلية فعالة بين يديها لتسليط الضوء على قصور دور الحكومة و أغلبيتها البرلمانية من خلال تقديم الأسئلة والتركيز على وزير معين من أجل ردعه عن تنفيذ مشروع او برنامج ترى فيه تهديدا للقيم والمشاريع التي تحملها،حتى وإن لم يصل تأثيرها إلى طرح المسؤولية السياسية للحكومة وعاد المشرع الدستوري إلى التأكيد عليها في منطوق الفصل 100 من الدستور مع إلزام الحكومة بالرد خلال العشرين يوما التالية لإحالة السؤال عليها.أما بخصوص حق المعارضة في تشكيل لجن لتقصي الحقائق،فقد حاول المشرع تجاوز شرط تقديم الطلب من لدن أغلبية أعضاء المجلس،حيث نص في منطوق الفصل 67 من الدستور الجديد على أنه “يجوز أن تشكل بمبادرة من … أو بطلب من ثلث أعضاء مجلس النواب” حيث سيمكن خفض النصاب القانوني المعارضة البرلمانية من إمكانية اللجوء على هذه الوسيلة الرقابية.هذا علاوة على اختصاص تقييم السياسات العمومية الذي أنيط بالبرلمان المغربي من خلال منطوق الفصل 70 من دستور2011 ،كما نص الفصل 101 في الفقرة الثانية منه على أنه ” يعرض رئيس الحكومة أمام البرلمان الحصيلة المرحلية لعمل الحكومة،إما بمبادرة منه أو بطلب من ثلث أعضاء مجلس النواب…”[31].
كما اتجه المشرع الدستوري إلى التخفيف من حدة العقلنة البرلمانية،من خلال تخفيض النصاب القانوني لإيداع ملتمس الرقابة إلى حدود الخمس وفق منطوق الفصل 105،مامن شأنه أن يسمح للمعارضة البرلمانية من تفعيل هذا الحق الدستوري ومباشرة دورها الرقابي على اكمل وجه رغم صعوبة تحقق الأغلبية البرلمانية لإسقاط الحكومة لاسيما إذا كانت الأغلبية متماسكة،حيث أن مجرد محاولة الإيداع ستشكل ضغطا على الحكومة . علاوة على تخفيضه للنصاب القانوني المطلوب بخصوص مجلس النواب من شرط الأغلبية في الدساتير السابقة إلى ثلث الأعضاء مايسمح للمعارضة البرلمانية بعد التنسيق بين مكوناتها بطلب عقد دورة استثنائية حيث تنص مقتضيات الفقرة الأولى من الفصل 66 من الدستور على أنه“يمكن جمع البرلمان في دورة إستثنائية،إما بمرسوم أو بطلب من ثلث أعضاء مجلس النواب،أو أغلبية اعضاء مجلس المستشارين”[32]..
دون أن ننسى المشرع الدستوري المغربي في دستور2011 أدان ظاهرة “الترحال البرلماني” تحت طائلة تجريد كل برلماني تورط في ذلك من صفة ممثل لأمة،حيث نص الفصل61 من الدستور على أنه “يجرد من صفة عضو في أحد المجلسين،كل من تخلى عن انتماءه السياسي،الذي ترشح باسمه في الانتخابات،أو الفريق،أو المجموعة البرلمانية التي ينتمي إليها…”.وتتخذ المحكمة الدستورية القرار بناءا على إحالة من رئيس المجلس المعني [33] .
وكل المقتضيات الدستورية السابقة الذكر، تؤكد نظريا، بأن دستور 2011 شكل قطيعة مع الدساتير السابقة على عدة مستويات، من بين أهمها ما يتعلق بالرقابة البرلماني على العمل الحكومي، ودور المعارضة في إطار النظام البرلماني المغربي الجديد[34].
كما تم توسيع حق الإحالة على المحكمة الدستورية ليشمل المعارضة من خلال تخفيض النصاب القانوني،إلى خمس أعضاء مجلس النواب،أو أربعين عضوا من مجلس المستشارين [35].
فمن خلال القراءة التفكيكية والتحليلية التي قمنا بها، للدور الرقابي الجديد للمعارضة البرلمانية في المغرب ومدى تطابق الصلاحيات الجديدة التي منحها دستور 2011 مع الالتزامات الملقاة عليها، ومدى مساعدة هذه الإمكانيات المعارضة البرلمانية في بلوغ الأهداف التي رسمها لها المشرع الدستوري،نلاحظ إتساع درجة التقاطع والتباعد بين المركز التي تحتله المعارضة دستوريا وبين أدائها واقعيا لممارسة حقوقها ومباشرة وظيفتها الرقابية على العمل الحكومي ،ففي الولاية التشريعية 2011-2016 وسنتين من الولاية التشريعية2016-2021تقدمت المعارضة بأكثر من 9200 سؤال كتابي أجابت منها الحكومة عن 3035 سؤال فقط ،وتقدمت المعارضة ب2053 سؤال ،وأجابت الحكومة عن 944 سؤال فقط حصائل المعارضة تشريع ورقابة.
نتائج علمية:
1-ليس هناك ريب في أن منزلة المعارضة البرلمانية في دستور 2011 أصبحت أرقى من منزلتها في الدساتير السابقة لكون المشرع الدستوري سمى المعارضة البرلمانية بالاسم بعد أن كانت نكرة في الدساتير السابقة ،وعمل لأول مرة على دسترة بعض حقوقها الخاصة، وأضفى مرونة على تفعيل بعض الآليات الرقابية والتشريعية ، واستجاب للعديد من المقترحات التي تضمنتها مذكرات بعض الأحزاب السياسية، إضافة إلى تقدم بعض فصول الدستور المغربي الجديد على بعض فصول الدستورين الفرنسي، والإسباني.
2ـ إن السمات الإيجابية التي طبعت مجموعة مهمة من فصول الدستور الجديد لا تمنعنا من القول بأن المشرع الدستوري المغربي لم يأخذ بالعديد من الآليات الرقابية الجريئة التي تضمنتها بعض المذكرات الحزبية كحق استجواب الوزير الأول ووزرائه، ومساءلتهم. وتخفيض النصاب القانوني إلى الحد الأدنى عند اللجوء إلى تحريك بعض الآليات الرقابة، كإحالة القوانين على المحكمة الدستورية، وتشكيل لجان تقصي الحقائق،، أوالآليات التشريعية من طرف المعارضة، كعقد الدورات الاستثنائية.
خاتمة
نخلص بالقول إلى أن تناول موضوع مركز المعارضة البرلمانية في النظام السياسي والدستوري المغربي على ضوء دستور2011 بالدراسة والتحليل فتحنا على إمكانات، وتساؤلات لا تنتهي، استطعنا من خلالها الكشف عن أهم الأعطاب والمشاكل التي إعترت ولازال تعتري الدور التشريعي والرقابي للمعارضة. ولعل أهم ما يمكن تسجيله هنا هو أن مشاركة المعارضة في صنع القرار السياسي بالمغرب لا زالت حتى بعد المراجعة الدستورية 2011 تعاني من ضعف مأسسة حقيقية في الاشتغال، وضعف ثقافة المشاركة في صنع القرار والبناء،و تأهيل الفاعلين لمباشرة المهام التي المنوطة بهم في الدستور الجديد، علاوة على ضعف مضمون المشاركة في النصوص القانونية المؤطرة لها، وانفتاح الفصول الدستورية على تأويلات متعددة قد تفرغ الديمقراطية التشاركية من مضمونها التشاركي. هذا علاوة عن ضعف واضح في الأداء .. ما يمكن معه القول أن هذه التجربة لازالت تحتاج إلى المزيد من المأسسة والتقعيد والوضوح القانوني.
[1] – William Gills : L’oppositions parlementaire :étude de droit comparé ;Revue du droit public n5 ;2006 p1349.
[2] – Michel Hating : Opposition parlementaires,gouvernement minoritaires et dimocratie inclusive , L’exemple des pays Scandinaves Revue international de( politique comparée vol 18 n2 2011 p46
[3] – Revue du droit public n 4,2002 p1135,lleconstitutionne garatie ommeMarie-Claire Ponthoreau ,L’opposition
[4] –Rozenberg et Eric Thiers : Enquet sur L’opposition parlementaire,IN « L’opposition parlemetaire »,sous la direction de Olivier rozenberg et EricThiers,la documentation francaise 2013.
[5] – Rozenberg et Eric Thiers : Enquet sur L’opposition parlementaire,IN « L’opposition parlemetaire »,sous la direction de Olivier rozenberg et EricThiers,la documentation francaise 2013.
[6] – Octave Marais, “l’élection de la chambre des représentants du Maroc”, A.A.N, 1963, p85-106. “Chronique politique Maroc “, A.A.N, 1964, p121-131
[7] – أنظر ص 104 من المغرب في مفترق الطرق، قراءة في المشهد السياسي، لمحمد ضريف،منشورات المجلة المغربية لعلم الاجتماع السياسي.
[8] – Bernard Badie et Jacques Gerstle ,Sociologie politique ,Paris ,PUF,1979 ,p9
[9] – أنظر ص 37 من مقالة لنور السداة حميوي تحت عنوان “المؤسسة التشريعية بين تاثير الفعل الخارجي وتداعيات الممارسة الداخلية” منشورات مجلة مسالك الفكر والسياسة والإقتصاد عدد 25-26 صادر عن مطبعة النجاح الجديدة بالدار البيضاء الطبعة الاولى 2014 .
[10] – أنظر مقالة لعثمان الزياني تحت عنوان في تشريح مقومات “المعارضة البرلمانية النافذة “في المغرب منشورة بتاريخ 2 يونيو 2013 على المجلة الإلكترونية Maroc Droit.com.
[11] – أنظر ص 29 من مرجع عبد الإله بلقزيز ” المعارضة الديمقراطية في المغرب:جسامة التضحيات وخيبات الحصاد”،مجلة نوافد،العدد الثاني،أكتوبر 1988 .
[12] – أنظر ص215و216 من كتاب البرلمان المغربي “البنية والوظائف دراسة في القانون البرلماني المغربي” لأحمد بوز صادر عن مطبعة المعارف الجديدة طبعة 2011 الرباط.
[13] – أنظر مقالة ل د عثمان الزياني تحت عنوان :في تشريح مقومات “المعارضة البرلمانية النافذة “في المغرب.
[14] أنظر مقالة ل د عثمان الزياني تحت عنوان :في تشريح مقومات “المعارضة البرلمانية النافذة “في المغرب
[15] – Sanaa Mokhtari.La répartition spaciale des partis politique Marocains selon deux axes . mémoire de la maitrise en science politique .univercite de Quebec a Montrél.Mai 2009.
[16]– أنظر ص72 من مرجع لمحمد أتركين تحت عنوان نظام المعارضة البرلمانية منشورات مجلة الحقوق سلسلة “الدراسات والابحاث”الطبعة الأولى 2014 صادر عن مطبعة المعارف الجديدة بالرباط.
[17] – أنظر ص 53-54 من مجلة فريديش آيبرت.
[18] – أنظرص55 من مجلة الأحزاب فريديريتش أيبرت.
[19] – مقالة ل د عثمان الزياني تحت عنوان :في تشريح مقومات “المعارضة البرلمانية النافذة “في المغرب.
[20] – أنظرمحاضرة للدكتور أحمد عظيمي قدمها في إطار فعاليات اليوم البرلماني المنظم من طرف المجموعة البرلمانية للجبهة الوطنية الجزائرية بالمجلس الشعبي الوطني، حول دور المعارضة في بناء الديمقراطية في الجزائر: 28 جانفي 2010 منشورات المجلس الوطني الشعبي.
[21] – أخد النظام الداخلي لمجلس النواب بقواعد النظام التصريحي للمعارضة ،حيث أن الفرق والمجموعات التي تريد الإنتماء إلى المعارضة،هي التي تستفيد من الحقوق المنصوص عليها في الفصل العاشر من الدستور،وكذا المقتضيات دات الصلة المنصوص عليها في مواد النظام الداخلي،وعليها أن تقدم تصريحا مكتوبا لرئاسة مجلس النواب،يتضمن إختيارها للمعارضة،وهذا التصريح يكون موضوع إعلان في الجلسة العمومية الموالية لهذا الإشعار،كما ينشر في الجريدة الرسمية.وهذا النظام التصريحي المبني على الإختيارية ،يمكن أن يتم سحبه في أي وقت.كما يلاحظ أن سحب التصريح لم يؤطر بشكل موازي لشكلانية إيداعه،إذ لم تشترط المادة 35 من النظام الداخلي سوى نشرهذا السحب بالجريدة الرسمية،وهو ما يفهم منه أن السحب يكون أيضا وفق وثيقة مكتوبة توجه إلى رئيس المجلس.
[22] – أنظر ص72 من مؤلف “نظام المعارضة البرلمانية” لمحمد أتركين منشورات مجلة الحقوق سلسلة” الدراسات والأبحاث” الطبعة الأولى 2014 صادر عن مطبعة المعارف الجديدة الرباط.
[23] – أنظر الفصل 130 من دستور المملكة المغربية 2011.
[24] – قراءات في الاختصاصات ونظرات في المقاربات الدكتور مساعد عبدالقادر،Moussaid69@hotmail.com.
[25]– أنظرص222 من دراسة في القانون البرلماني المغربي تحت عنوان البرلمان المغربي البنية والوظائف لأحمد بوز صادر عن مركز الأبحاث والدراسات في اللوم الإجتماعية وحدة البحث الدراسات الدولية والدبلوماسية مطبعة المعارف الجديدة 2011 الرباط.
[26] – مقال ل د عثمان الزياني تحت عنوان: تشريح مقومات المعارضة البرلمانية النافذة “في المغرب منشورة على موقع Maroc Droit.
[27]– مقالة لنجيم مزيان تحت عنوان جديد المعارضة البرلمانية في دستور 2011.
[28]– أنظر ص84 من مرجع لمحمد أتركين تحت عنوان نظام المعارضة البرلمانية منشورات مجلة الحقوق سلسلة “الدراسات والابحاث”صادر عن مطبعة المعارف الجديدة بالرباط الطبعة الاولى 2014.
[29]– أنظرص124و 151 من دساتير دول المغرب العربي منشورات المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية عدد289 الطبعة الثانية صادر عن مطبعة المعارف الجديدة الرباط 2016.
[30] – أنظر عرض ماستر تحت إشراف الأستاذ الحاج مسعود.
[31] – أنظر الفصول10-67 -70-100- 101 من دستور المملكة المغربية 2011.
[32]– أنظر الفصول 66 و105 من دستور المملكة المغربية 2011.
[33]– أنظرص39 من “دراسة نقدية للدستور المغربي لعام 2011 “لمحمد مدني وإدريس المغروي وسلوى الزرهوني http://www.constitutionnet.org/sites/default/files/the_2011_moroccan_constitution-arabic_-_low.pdf .
[34] – مقالة ل ذ د أحمد مفيد تحت عنوان الرقابة البرلمانية على العمل الحكومي في الدستور المغربي الجديد ahmedmoufid@yahoo.fr.
[35] – أنظر مقالة تحت عنوان” إختصاصات المحكمة الدستورية في دستور2011″،منشورة في جريدة الإتحاد الإشتراكي يوم20-02-2013،وعلى الموقع الإلكتروني مغرس، https://www.maghress.com/alittihad/168124