Site icon مجلة المنارة

مبدأ استقلالية العمل البرلماني بالمغرب تأثير العلاقة المتبادلة بين السلطتين التشريعية والتنفيذية

مبدأ استقلالية العمل البرلماني بالمغرب تأثير العلاقة المتبادلة بين السلطتين التشريعية والتنفيذية

                                                                                                                              تاغزوت حسن[1]

                                                                                 طالب باحث بالسلك الماستر حكامة المؤسسات الدستورية والسياسية

                                                                                                                       ابن زهر اكادير

ملخص:

   اكد  الدستور المغربي لسنة 2011 بصريح العبارة في فصله الأول ان  النظام الدستوري بالمغرب نظام ديمقراطي برلماني ،يقوم على اساس مبدأ فصل السلطات وتوازنها وتعاونها ،والذي يمكن استخلاصه من هذا الفصل ان هناك استقلالية نسبية فيما يتعلق بالعلاقة المتبادلة بين السلطتين والتشريعية والتنفيذية ،التي تتجلى في تدخل سلطة في نطاق اختصاص اخرى وذلك في نطاق حدده القانون والقوانين الداخلية والتنظيمية  ،في هذا الصدد اعاد المشرع الدستوري النظر في هذه العلاقة وذلك معززا بمجموعة من المستجدات التي لم تكن مندرجة في الدساتير السابقة ،كتخويل مجلس النواب ولأول مرة مهمة تنصيب الحكومة ،ثم تخفيض نصب القيود الرقابية التي كانت تعرقل الاداء البرلماني  بمقارنته مع التجارب الدستورية السالفة،بالموازاة خول ايضا للسلطة التنفيذية مجموعة من اليات  في اطار العلاقة المتبادلة بينها وبين السلطة التشريعية،فيها شق يندرج ضمن سلطة الحلول اي ان السلطة التنفيذية تحول مكان السلطة التشريعية وتمارس كل اختصاصاتها ؛الملك نموذجا ،او بصفة جزئية ؛الحكومة،اما الشق الثاني يندرج ضمن ممارسة السلطة التنفيذية الرقابة على السلطة التشريعية.في هذه الورقة سنحاول التفصيل في هذا الجانب المتمثل في العلاقة المتبادلة بين السلطتين التنفيذية والتشريعية ومستحضرين المستجدات والمقتضيات الواردة في الوثيقة الدستورية الحالية والأنظمة الداخلية للبرلمان.

     الكلمات الدالة :

 النظام الدستوري المغربي . السلطتين التشريعية والتنفيذية . العلاقة المتبادلة . التوازن  والتعاون . الرقابة . الحلول.

تقديم:

 يقسم الفقه التقليدي وظائف الدولة إلى ثلاث  وظائف، جاعلا من هذا التقسيم الثلاثي أساسا لتوزيع السلطة، فقامت هيئة مختصة  بالتشريع سميت “بالسلطة التشريعية” وهيئة مختصة بوظيفة التنفيذ سميت “السلطة التنفيذية” والهيئة الأخيرة تقوم بوظيفة  تطبيق القانون والفصل في النزاعات تسمى “السلطة القضائية”.

 لقد أرتبط هذا التقسيم الثلاثي لوظائف الدولة بفكرة الفصل بين السلطات، فظهور المبادئ الديمقراطية وقيام الدعوة إلى الحد من اختصاصات الملوك والمناداة بحقوق الأفراد وحرياتهم، كل ذلك أدى إلى ظهور ما عرف باسم مبدأ الفصل  بين السلطات، الذي يقصد به الحد من السلطة والحيلولة دون تحولها  إلى سلطة استبدادية. ويعد الفيلسوف الفرنسي مونتيسكيو من أهم رواد  هذا المبدأ من خلال إبرازه كمبدأ أساسي لتنظيم العلاقة بين السلطات  العامة في  الدولة، وكوسيلة لتفتيت السلطة ومنع تركيزها في يد واحدة  على نحو يهدد حريات الأفراد ويعرض حقوقهم للخطر.

 وقد ترتب عن تطبيق مبدأ الفصل بين السلط أن اتخذ رجال  الفقه الدستوري من هذا المبدأ معيارا للتمييز بين النظم السياسية المختلفة، حتى أصبح التقسيم الرئيسي للأنظمة السياسية في  الفقه التقليدي يعتمد على تكييف العلاقة التي تنشأ بين كل سلطة  وغيرها من السلطات العامة في الدولة وبالذات بين السلطتين التشريعية  والتنفيذية .

ولهذا يقسم الفقه التقليدي أنظمة الحكم النيابية من حيث السلطة الراجحة فيه، وخاصة بين السلطتين التشريعية والتنفيذية إلى ثلاث صور: النظام الرئاسي، النظام الرئاسي والنظام البرلماني.

 وترجع نشأة النظام البرلماني في انجلترا في القرنين السابع عشر والثامن عشر، وأخذ شكله التام في القرن التاسع عشر بعد انتقال سلطات  الملك إلى الوزارة التي  أصبحت مسؤولة عن أعمالها وسياستها أمام البرلمان[2]، ويتميز هذا النظام بأنه يقوم على التوازن بين السلطتين التشريعية والتنفيذية[3] ، كما يتميز بمجموعة من خصائص ومميزات.

 لذلك اعتمدته بعض الدول سواء كانت دول غربية أو عربية وأقرته في وثيقتها الدستورية؛ فالمملكة المغربية أقرت في جميع دساتيرها بالنظام البرلماني، واعترفت بمبدأ الفصل بين السلطات في صورته التي تقوم على الفصل النسبي والمرن في دستورها الحالي على وجه الخصوص [4]، وذلك حينما استعملت اصطلاح السلطات،  وخصصت  لكل سلطة  باب منفردا، ثم باب يبرز مظاهر العلاقة المتبادلة بين السلطتين التشريعية والتنفيذية [5].

 شرح المفاهيم :

 يقف هذا الموضوع على عدة مفاهيم أساسية يستوجب منا تحديدها وتعريفها، وهي كالتالي:

 النظام البرلماني:

وضعت  عدة تعاريف للنظام البرلماني من طرف  فقهاء القانون الدستوري.  فالبعض يعرفه بأنه ذاك النظام الذي يتميز بقيام تعاون بين السلطة التنفيذية والسلطة  التشريعية  بالرغم من  أن السلطة الأولى مستقلة عن الثانية إلا أنها مسؤولة أمامها[6].

كما يعرف البعض الأخر النظام البرلماني بأنه ذلك النظام الذي يوجد فيه رئيس أعلى للدولة يمارس اختصاصاته بواسطة وزراء  مسؤولين  أمام برلمان منتخب من الشعب يملك أن يثق فيها فيبقيها أو لا يثق فيها فيسقطها ، وتملك هي أن تطلب إلى رئيس الدولة حله والاحتكام إلى الشعب في صورة انتخابات جديدة [7].

السلطة التشريعية:

تتكون من مجلس تتكون من غرفتين أو غرفة واحدة، ويختلف هذا المجلس في تركيبته  على حسب طبيعة النظام القائم في الدولة، ويضم أعضاء منتخبين من طرف الشعب سواء بصفة مباشرة أو غير مباشرة، ويمارس وظيفة التشريع والرقابة .

 السلطة التنفيذية:

تعتبر الجهاز الذي ينفذ القوانين ويمارس وظيفة التشريع في بعض المجالات بصفة استثنائية، وتختلف تركيبتها باختلاف طبيعة النظام: فبالنسبة للنظام الرئاسي فنجدها أحادية بمعنى أنها تتكون من رئيس الدولة ووزرائه عكس من النظام البرلماني التي تتكون من جزأين: الجزء الأول لرئيس الدولة، الجزء الثاني للحكومة وتركيبتها المؤلفة من الوزير الأول أو رئيس الحكومة والوزراء .

أهمية الموضوع :

 يكتسي موضوع  تأثير العلاقة المتبادلة بين السلطتين التشريعية والتنفيذية في النظام الدستوري المغربي أهمية بالغة،  لكون التعديل الدستوري لسنة 2011 ارتقى بالمؤسستين على مستوى الاختصاصات ووسع مجال اشتغالهم  بالإضافة إلى أنه أعاد النظر في العلاقة المتبادلة بينهما .

الإشكالية :

 يعالج الموضوع إشكالية محورية وهي:

 ماهي مظاهر العلاقة المتبادلة بين السلطتين التشريعية والتنفيذية في النظام الدستوري المغربي ؟

 وتنقسم هذه الإشكالية إلى سؤالين فرعيين وهما:  

الاو: ما هي مظاهر الرقابة   السلطة التشريعية على السلطة التنفيذية ؟

 الثاني : ما هي مظاهر العلاقة التدخل أو الحلول  والرقابة السلطة التنفيذية  على السلطة التشريعية ؟

 الفرضية:

يفترض هذا الموضوع فرضيتين :

 الأولى: أن التعديل الأخير للوثيقة الدستورية قام بإعادة النظر في مبدأ الفصل بين السلطات الذي جعله مرنا ونسبيا وإعمال علاقة متوازنة بين السلطتين التشريعية والتنفيذية من خلال توسيع مجال اشتغالهم وتقييد سلطات الملك في هذا الصدد.

 الثانية: برغم من  التعديل الدستوري إلا أن هناك هيمنة للسلطة  التنفيذية على جميع المؤسسات المتمثلة في سلطة الملك وليس الحكومة، وأن المقتضيات الدستورية الجديدة التي تبلورت بقيت حبيسة النص ولم يتم انزالها  على أرض الواقع.

سوف نتأكد من صحة هاتين الفرضيتين أثناء تحليلنا موضوع الدراسة .

المنهج المعتمد:

سنعتمد المنهج التحليلي القانوني ثم المنهج الوظيفي؛ فالأول: من خلال اعتماد النصوص القانونية (الدستور والقوانين التنظيمية) وتحليلها، والثاني من خلال إبراز الوظائف التي تقوم بها السلطتين التشريعية والتنفيذية في إطار العلاقة فيما بينهما.

التصميم المعتمد:

 المطلب الأول: مظاهر الرقابة بين السلطة التشريعية على السلطة التنفيذية.

 الفقرة الأولى: التنصيب البرلماني والاستجواب من خلال الأسئلة والتصويت على القوانين.

 الفقرة الثانية : التحقيق البرلماني والمسؤولية الوزارية السياسية. 

 المطلب الثاني: مظاهر علاقة التدخل ورقابة السلطة التنفيذية على السلطة التشريعية.

 الفقرة الأولى: الملك.

 الفقرة الثانية : الحكومة. 

 المطلب الأول: مظاهر رقابة السلطة التشريعية على السلطة التنفيذية

 تقرر الدساتير البرلمانية عادة للسلطة التشريعية حقوق معينة تمارسها في مواجهة الحكومة، وتحقق باستعمال رقابتها الفعالة على أعمال السلطة التنفيذية وتصرفاتها، وهذا موجود عند تناول ودراسة مظاهر رقابة السلطة التشريعية على السلطة التنفيذية في النظام البرلماني [8].

يقترب النظام الدستور المغربي من النظام المتبع في البلاد ذات الدساتير البرلمانية، حيث أخذ المشرع الدستوري المغربي فيما يتعلق بطبيعة العلاقة بين السلطتين التشريعية والتنفيذية بجوهر النظام البرلماني، فأقام العلاقة بين هاتين السلطتين على أساس التعاون والرقابة المتبادلة وذلك من خلال  التنصيب البرلماني واستجواب الحكومة من خلال الأسئلة (الفقرة الأولى) ، والتحقيق البرلماني والمسؤولية الوزارية النيابية  (الفقرة الثانية ).

 الفقرة الأولى: التنصيب البرلماني واستجواب الحكومة من خلال الأسئلة

أقر المشرع المغربي عدة وسائل وإجراءات التي تبادر من خلالها السلطة التشريعية رقابتها على أعمال الحكومة، وتتمثل هذه الوسائل في التنصيب البرلماني (أولا) ثم استجواب الحكومة من خلال الأسئلة (ثانيا).

أولا: التنصيب البرلماني

 تعددت القراءات الفقهية والسياسية خلال الدساتير السابقة ( 9 أكتوبر 1992 -7 أكتوبر 1996 ) حول التنصيب البرلماني ما بين اعتبار الحكومة  منصبة من لدن  الملك، وما بين  اعتبار أن الحكومة لها مسؤولية مزدوجة،  وهذه القراءات اعتمدت للدفاع عن أطروحتها على ثلاث  مدارس.[9]

 المدرسة الأولى : مدرسة المركزية الأوروبية أو ما يعرف بخطاب المركزية الأوروبية، الذي يعتبر بأن كل تحليل للنظام الدستوري ينبني على مرجعية غربية والتأثر بدستور الجمهورية الخامسة لسنة 1958 مقابل استبعاد المصادر المغربية العربية الإسلامية.

 المدرسة الثانية : مدرسة الثنائية التي تعتبر كل تحليل للنظام الدستوري يقوم على ازدواجية المكونات الإسلامية والتأثير الغربي، وهذا يعني أن فلسفته ترتكز من خلال التحليل الثنائي بين التقاليد والأعراف من جهة والغرب من جهة ثانية (الإرث المزدوج) .

 المدرسة الثالثة : مدرسة القانون الخليفي  تعتبر  بأن خصوصية  الدساتير المغربية تجر في حمولتها القانون الخليفي الذي يشكل جوهر الطابق الأسمى  العلوي للدستور المغربي المتميز بالحصانة المطلقة، في حين يتضمن الطابق الأسفل سمو تقنيات دستورية منظمة لعلاقة الحكومة بالبرلمان .

 بالرجوع إلى مقتضيات الفصل ستون من دستور 1996 نجده في الفقرة الثانية يشير إلى تقديم البرنامج  من طرف وزير الأول إلى مجلس البرلمان بعد تعيين الملك لأعضاء الحكومة،  ويجب أن يتضمن هذا البرنامج الخطوط الرئيسية الذي تنوي الحكومة القيام به في مختلف المجالات ، مرورا بعد ذلك إلى الفقرة الثالثة التي حدد  فيها المناقشة والتصويت وفق الشروط المنصوص عليها في الفقرتين5 و 7 ويرتب الأثر المشار إليه في الفقرة الأخيرة منه.

  بناءا على ما سبق طرحه ومن خلال قراءتنا المتواضعة نجد أن المشرع الدستوري في الفصل المشار إليه أعلاه من الدستور 1996 أنه نص على:

 بعد التعديل الدستوري ( 29 يوليوز 2011) كرس الفصل 88 التوجه الذي تسير عليه الأنظمة البرلمانية [10]، التي تعطي الأولوية لسيادة منطق صناديق الاقتراع واحترام ما تفرزه الخريطة السياسية للمؤسسة التشريعية [11]، بالإضافة إلى عدم  قدرة المؤسسة الملكية على إعفاء الحكومة وهذه هي الخاصية المميزة لدستور 29 يوليوز 2011 ، وتتجلى في أن الملك لا يمكنه بناء على رغبته أو سلطته التقديرية أو بمبادرة منه أن يعفي بعض الحكومة[12] .نخلص مما سبق أن الوثيقة الدستورية حسمت في إشكالية التنصيب البرلماني من خلال التنصيص الفقرة  الثالثة من الفصل  المشار إليه أعلاه ، على أن  الحكومة تعتبر منصبة بعد حصولها على ثقة مجلس النواب المعبر عنها بتصويت الأغلبية المطلقة للأعضاء الذين يتألف منهم لصالح البرنامج  الحكومي .

ثانيا :استجوب الحكومة من خلال الأسئلة

 يعد السؤال  الوسيلة الأولى والأكثر شيوعا لمباشرة الوظيفة الرقابية على أعمال الحكومة  من قبل  أعضاء البرلمان، وذلك لإمكان القيام به من جانب أي عضو من هؤلاء الأعضاء [13] والسؤال في حقيقته هو مجرد استفهام العضو عن أمر يجعله، أو رغبته في التأكد  من الحصول واقعة علم بها ، أو استعلامه عن نية السلطة التنفيذية في أمر من الأمور .

 من هذا المطلق فقد اقر المشرع الدستوري المغربي حق أعضاء المجلس  البرلماني في توجيه أية اسئلة للحكومة أو أحد الوزراء وفق لأحكام الدستور والأنظمة الداخلية للبرلمان.

 لقد نصت التجارب الدستورية المتعاقبة على أحقية أعضاء البرلمان في مسألة أعضاء الحكومة كل في مجال اختصاصاته، وقد تطرق الظهير المؤسس للمجلس الوطني الصادر بتاريخ 3 غشت 1956 في الفصل 15 [14] لموضوع الأسئلة البرلمانية، ثم جاء دستور 1962 ليتضمن فصله 56 عبارة وتخصص بالأسبقية جلسة كل أسبوع لأسئلة أعضاء البرلمان وأجوبة الحكومة[15]، أما دستور 1992 فقد أضاف في فصله 56 عبارة : يجب ان تدلي الحكومة بجوابها خلال العشرين يوما التالية لإحالة السؤال عليها ويحتفظ بنفس الفصل ومضمونه ضمن الدستور المراجع  لعام 1996.

 ثم جاء التعديل الدستوري لسنة 2011 لينظر في مسألة الأسئلة البرلمانية حيث خصص لها باب السادس المتعلق بالعلاقات بين السلطتين التشريعية و التنفيذية، عكس الدستور السابق لسنة 1996 الذي كان يدرجها في الباب المتعلق بممارسة السلطة التشريعية.  وقد خصص لها دستور 2011 ثلاثة فصول:

 وقد جاء النظامان الداخليان لكل من المجلس النواب ومجلس المستشارين لتوضيح كيفية ممارسة الأسئلة، حيث تعتبر إحدى الوسائل التي تخول للبرلمان من متابعة  النشاط الحكومي، فتوجه إما شفويا أو كتابيا حسب الإجراءات والقواعد المنصوص عليها في النظام الداخلي للبرلمان  فالسؤال الشفوي يقصد به طلب جواب عن سؤال يقدمه النائب إلى الوزير الأول  أو الوزراء حول السياسة العامة للحكومة أو السياسات الخاصة القطاعية في الحالة الأولى يقدم ( للوزير الأول) رئيس الحكومة حاليا وفي الثانية يتولى الوزراء  الجواب بحسب القطاعات التي تقع إشرافهم أو وصايتهم[16].

والواقع أن أي نائب أو مستشار له حق تقديم أسئلة شفهية، كما يتولى مكتب المجلس تحديد الشروط المتعلقة بإيداع الأسئلة الشفهية، وتبليغها ونشرها يمكن لمكتب المجلس أن يحول كل سؤال شفوي له طابع محلي إلى سؤال كتابي بعد إشعار صاحب السؤال بذلك كتابة، وللنائب أو النائبة  أو النائب المعني بالأمر الموافقة على تحويل الشفهي إلى سؤال كتابي [17].

تبعا لذلك، فقد حدد النظام الداخلي، لمجلس النواب لسنة 2004، اليوم الذي تجري فيه المناقشة بين النواب والوزراء في يوم الأربعاء من كل أسبوع، في حين النظام الداخلي لمجلس النواب لسنة 2017 غيرها ليوم الاثنين وذلك استنادا للمادة 263 من نفس النظام الداخلي.

 بالنسبة للنظام الداخلي لمجلس النواب 2004 تتحدد المسطرة المتبعة في عرض السؤال والتعقيب على الجواب من طرف النائب ثم الإجابة عن السؤال والرد على التعقيب من طرف الوزير وفق المسطرة التالية [18]:

نجد النظام الداخلي لمجلس النواب لسنة 2017 قلص من مدة طرح سؤال والإجابة عليها من طرف الحكومة وجعلها في دقيقة واحدة وذلك ما ورد في المادة 263.

 إذا حال مانع دون حضور النائب في الجلسة، يحول سؤاله كتابي كما لا يجيب عن الأسئلة إلا رئيس الحكومة (الوزير الأول السابق ) أو الوزراء  المعنيين بالأمر، وفي حالة تغييب الوزير الذي يهمه السؤال مباشرة  يمكن أن ينوب  عنه أحد زملائه من الوزراء [19].

أما بالنسبة للنظام الداخلي لمجلس المستشارين فإن المدة المحددة لنائب ليقدم ملخصا لسؤاله والإجابة عن هذا السؤال من طرف الوزير المعني لا تتجاوز ثلاث دقائق. أما التعقيب على الجواب من طرف النائب والرد على هذا التعقيب من الوزراء لا تتجاوز دقيقتين، فنرى مع النظام الداخلي الجديد لمجلس المستشارين لسنة 2014 أنه غير في مدته 254 الإطار الزمني للسؤال والإجابة عنه من قبل الحكومة على الشكل التالي:

أما إذا حال مانع دون حضور صاحب الأسئلة الشفهية فعليه أن ينوب عنه أحد زملائه ليبين سبب تغييبه، ويؤخر في الشأن سؤاله، إلى الجلسة الموالية وإلا يحول سؤاله تلقائيا إلى سؤال كتابي [20] .

 ولا يجب عن الأسئلة إلا رئيس الحكومة أو الوزراء المعنيين بالجواب في مدة زمنية تعادل المدة المخصصة لعرض الأسئلة .[21]

 تعد الأسئلة الآنية إلى جانب الأسئلة الشفوية العادية نوع من الأسئلة الشفهية  وتمتاز بكون مدة الرد عليها قصيرة بسبب ما لهذه الأسئلة من أهمية، لأنها تتعلق بقضايا ظرفية تستأثر باهتمام الرأي العام الوطني  وتستلزم إلقاء الأضواء عليها، أو باستعجال من قبل الحكومة من طريق مجلس أو مجلس المستشارين ويبلغ رئيس الحكومة مجلس النواب أو مجلس المستشارين هذا السؤال إلى الحكومة بعد استشارة  رؤساء الفرق بمجرد ما يتوصل به ويتم الجواب عنه في أول جلسة قادمة  للأسئلة الشفهية ليوم الثلاثاء؛ بالنسبة للمستشارين يوم الأربعاء [22].

 بالنسبة لمجلس النواب[23] تخصص الساعة الأولى يوم الثلاثاء عند الاقتضاء للأسئلة الآنية المبرمجة في مجلس النواب، أو مجلس المستشارين [24] . أما على مستوى النظامين الداخليين  لمجلس النواب أو المستشارين لسنتي 2017و2014 ، فالأول يحدد الأسئلة الآنية في الفرع الثالث من خلال مقتضيات المادة 262 التي تنص في فقرتها الأخيرة  تجري  المقتضيات الواردة في المادتين 263و267 من هذا النظام الداخلي على الأسئلة التي تتعلق بالقطاعات الحكومية المحددة في برنامج عمل الدورة المنصوص عليها في المادة 262 من هذا النظام الداخلي ، أما الأسئلة الموجهة  لأعضاء الحكومة غير المعنيين بالبرمجة السالفة الذكر فإنه لا يمكن أن يتجاوز  عدد الأسئلة ثلاثة وتخصص دقيقتان لكل سؤال ونفس  الحصة  للحكومة. فبالنسبة للأسئلة الآنية بمجلس المستشارين فقد حددتها المادة 257 تركت للمادة 258 تحديد شروط إجراء هذه الأسئلة في النظام الداخلي لمجلس المستشارين 2014.

 كما أن النظام الداخلي لمجلس النواب 2004 وكذلك النظام الداخلي لمجلس المستشارين ، والتعديل الجديد لنظامان الأول لسنة 2017 والثاني لسنة  2014 ينظمان كيفية ممارسة الأسئلة الكتابية [25].

 حيث تقرر الأسئلة المكتوبة ويعلن الرئيس في البداية كل جلسة عن مضمونها، وتنشر في الجريدة الرسمية وفق ما هو منصوص عليه في باقي المواد. وتعتبر مسطرتها بسيطة ومن مميزاتها بكونها أداة فعالة في يد البرلمانيين للحصول على معلومات أو توضيحات من السلطة التنفيذية [26]، كما يمكن اللجوء إلى هذا النوع من الأسئلة خارج الدورات البرلمانية للاستعلام ولاستخبار [27].

الفقرة الثانية : التحقيق البرلماني والمسؤولية الوزارية السياسية

 يتوفر البرلمان المغربي على آليات تخول له الحق في الرقابة على الحكومة من خلال إحداث لجان مهمتها تكمن في التحقيق في قضية معينة ومحددة ( الأول) ثم إثارة المسؤولية السياسية للحكومة مما يؤدي إلى استقالة الحكومة استقالة جماعية  أو فردية (ثانيا).

أولا: التحقيق البرلماني

 يعتبر وسيلة بموجبها يستطيع البرلمان الوقوف على حقيقة معينة عن طريق  فحص عمل  معين أو سياسة معينة، وهذه الآلية تمكن البرلمان أن يكتشف عيوب  الحكومة من الناحية الإدارية أو المالية أو السياسية، فبواسطة التحقيق يمكن التعرف على الانحرافات التي تنطوي عليها الأداة الحكومية لذلك تحتل أهمية في النظام الدستوري  المغربي من خلال التنصيص  على لجان مؤقتة تدعى باللجان لتقضي الحقائق  في الفصل 67[28] من الدستور 2011 وينحصر دورها في معالجة قضايا محددة، وينتهي  وجودها بانتهاء تلك المهمة التي أنيطت بها .

 وتتشكل بمبادرة من الملك أو بطلب من ثلث أعضاء مجلس النواب أو  مجلس المستشارين [29]؛ وتتألف لجان لتقصي الحقائق من ممثل كل فريق  ومجموعة  نيابية، ولا يجوز أن يشارك في أعمال اللجنة لتقصي الحق كل نائبة أو نائب سبق أن اتخذت ضده إجراءات تأديبية من أجل عدم حفظ أسرار مماثلة. ومهمتها  مؤقتة وتنتهي  بإيداع تقرير لدى مكتب المجلس وعند الاقتضاء  بإحالته على القضاء من قبل رئيس مجلس النواب طبقا للمقتضيات الفصل 67 من الدستور، كما لا يجوز تكوين لجان لتقصي الحقائق  في وقائع تكون موضوع متابعات قضائية مادامت هذه المتابعات  جارية وتنتهي مهمة كل لجنة سبق تكوينها فور فتح تحقيق  قضائي  في الوقائع التي قضت تشكليها .[30]

تخصص جلسة عامة لمناقشة تقرير لجان تقصي الحقائق داخل أجل لا يتعدى أسبوعين من تاريخ إيداعه لدى مكتبي المجلس  النواب والمستشارين [31]

يوجد أيضا من بين لجنة مراقبة  صرف الميزانية  من مكتب المجلس النواب أو في مكتب مجلس المستشارين ، تتشكل هذه اللجنة بمبادرة  من مكتب المجلس النواب على أساس التمثيل  للفرق أو المجموعات  البرلمانية[32] ،  تتكون هذه اللجنة في المجلسين معا من 13 عضوا يتفق  النظامان الداخليان على أن لا يكون من بينهم أعضاء المكتب حيث لا يعطي لهم الحق في المشاركة في أعمالها إلا إذا طلب منهم تقديم  معلومات أو المعطيات حول صرف الميزانية [33] .يتحدد الغرض من إحداثها  في التحقق من سلامة صرف ميزانية المجلس للسنة المنصرمة ، حيث ترفع  تقريرا في هذا الشأن إلى المجلس داخل أجل شهر من تشكيلها  على أن تعقبه مناقشة .[34] وفي حالة إذا ما عاينت وجود اختلالات  تتعلق بقواعد صرف الميزانية، يعطيها النظام الداخلي لمجلس  المستشارين[35] صلاحية رفع تقرير خاص بذلك إلى المكتب رفقة التقرير العام الخاص بمهمة مراقبة صرف الميزانية التي  أحدثت من أجلها .

 ثانيا : المسؤولية السياسية للوزراء

 تعتبر المسؤولية الوزارية السياسية حجر الزاوية في النظام البرلماني ، وإحدى دعاماته وأركانه الجوهرية الأساسية، بحيث إذا تخلف هذا الركن سواء نظريا أو عمليا لا يمكن اعتبار نظام الحكم برلمانيا ، ولقد قرر المشرع الدستوري المغربي  لمجلسي  البرلمان وسيلتين لإثارة مسؤولية الحكومة ، بحيث منح ملتمس الرقابة لمجلس النواب (أ)، وملتمس المساءلة  لمجلس المستشارين (ب).

ملتمس الرقابة: ( مجلس النواب)

 تعد تقنية ملتمس الرقابة من أهم الوسائل التي تتم بواسطتها مراقبة البرلمان للحكومة وتأتي هذه المبادرة من عضو أو أكثر من أعضاء البرلمان،  وعند تقديم الملتمس  تتم مناقشته من طرف جميع الأعضاء، فتقدم آراء مؤيدي ومعارضي الحكومة متبوعة بانتقادات لسياستها، ليتم التصويت الذي على أساسه إما أن تستمر الحكومة في أداء مهامها أو تقديم  استقالتها .[36]

وقد أشارت الدساتير المتعاقبة بدءا من الدستور  1962، 1970،1972 ،1992،1996 ، و 2011  وكذا الأنظمة  الداخلية للمجالس إلى كيفية استعمال ملتمس الرقابة، وعليه يمكن  لمجلس النواب أن يعارض مواصلة الحكومة تحمل مسؤوليتها بالتصويت  على ملتمس الرقابة، ولا يقبل هذا الملتمس إلا إذا وقعه  على الأقل خمس الأعضاء الذين يتألف منهم المجلس [37]، على عكس الفصل 76 من الدستور السابق لسنة 1996الذي كان يحدد الأعضاء الموقعين على المتلمس في الربع . ويحدد المكتب تاريخ مناقشة الملتمس لتتم على الأقل سبعة أيام من تاريخ إيداعه، شريطة ألا يسحب هذا الملتمس بعد الشروع  في مناقشته، والتي تستمر  إلى أن يقع التصويت بعد ثلاثة أيام كاملة على إيداع الملتمس، وهذا التصويت يكون بالأغلبية  المطلقة للنواب وعند الموافقة تستقيل الحكومة استقالة جماعية، وإذا وقعت الموافقة على الملتمس فلا يقبل بعد ذلك تقديم أي ملتمس أخر  طيلة سنة [38].

ملتمس المساءلة (مجلس المستشارين )

تعتبر تقنية توجيه تنبيه للحكومة تقنية جديدة في المراقبة  خولها  الدستور لمجلس المستشارين ، وعليه يجوز لهذا الأخير أن يصوت على هذا الملتمس بتسليم مستند خاص إلى رئيس المجلس مرفقا بتوقيع خمس أعضائه ولا تصح الموافقة على  ملتمس التنبيه إلا بتصويت الأغلبية لأعضاء المجلس بعد مضي ثلاثة أيام كاملة على إيداعه [39].

وبعد مصادقة المجلس يوجه الرئيس نص التنبيه إلى رئيس الحكومة الذي تتاح له أجل ستة أيام ليعرض أمام مجلس المستشارين موقف الحكومة من الأسباب التي أدت إلى توجيه التنبيه عليها، وبعد تقديم  هذا الأخير للتصريح حول الملتمس، تنظم المناقشة باقتراح من المكتب وندوة الرؤساء على ألا يعقبها التصويت.[40]

 المطلب الثاني: مظاهر التدخل والرقابة السلطة التنفيذية على السلطة التشريعية

 تتكون السلطة التنفيذية في النظام البرلماني من جهازين: الأول هو الملك والثاني هي الحكومة. بالرجوع إلى خصائص هذا النظام فإنه يقوم على أساس التوازن والتعاون بين السلطتين، لذلك اقر المشرع المغربي عدة وسائل للملك (الفقرة الأولى) والحكومة (الفقرة الثانية ) لرقابة عمل البرلماني وحلول محله وممارسة في بعض الأحيان اختصاصاته.

 الفقرة الأولى: الملك

 أفصح الدستور المغربي عن مركز الملك ودوره ومكانته في الحياة السياسية  من خلال السلطات الواسعة التي خولها له، التي لا يتمتع بها رؤساء الدول التي تأخذ بالنظام البرلماني (المؤسسة الملكية بالبريطانية) وتندرج هذه الاختصاصات في إطار علاقته بالبرلمان وهي كالتالي : رئاسة افتتاح الدورات التشريعية وحل البرلمان  (أولا)، والتشريع والمصادقة (ثانيا).

 أولا: رئاسة افتتاح الدورات التشريعية وحل البرلمان

 خول الدستور للملك صلاحية رئاسة افتتاح الدورات التشريعية (أ) ووسيلة حل البرلمان (ب) في هذا الصدد سوف نحاول تفصيل في كيف يتم ذلك:

رئاسة افتتاح الدورات التشريعية:

عندما وضع أول دستور بالمملكة تم إقرار سلطة الملك بمناسبة رئاسة افتتاح الدورات التشريعية ، الذي حصر انعقاده في دورتين (نونبر وابريل) [41] ، بعد  الأحداث التي عرفتها الساحة السياسية سنة 1965  والضغوط التي تعرضت لها الأغلبية من قبل المعارضة، أدى في آخر المطاف إلى إعلان عن حالة استثناء ، ففي سنة 1970  قام الملك بتعديل الدستور الذي قوى صلاحيته من خلال إعادة النظر في طريقة عقد دورات البرلمان سواء العادية  والاستثنائية وجلساته السرية.  فالدورات العادية أصبحت الأولى منها تفتح برئاسة الملك في الجمعة الثانية من شهر أكتوبر، بينما تفتح الثانية في شهر أبريل لكن دون أن يتولى الملك رئاستها، وتجدر الإشارة أن الدساتير المتعاقبة  على وجه الخصوص دستور الحالي سنة 2011 تماشى مع نفس الطرح في فصله 65.[42]

ب): حل البرلمان

 يعتبر حل البرلمان عن طريق إنهاء نيابته قبل النهاية الطبيعية للفصل التشريعي أهم حق يقرره الدستور للسلطة التنفيذية في مواجهة السلطة التشريعية.

 لقد أنشأ حق الحل في بريطانيا لينتقل بعد ذلك إلى الدساتير البرلمانية من بينها المغرب.  فالفصل 51 من الدستور نص على أن للملك له حق حل مجلسي البرلمان، أو أحدهما بظهير[43] طبقا  للشروط المحددة في الفصول  96 و 97 و 98  من الدستور:

للملك بعد استشارة رئيس المحكمة الدستورية وإخبار رئيس الحكومة ورئيس مجلس النواب ورئيس مجلس المستشارين ، أن يحل بظهير المجلسين معا أو أحدهما ، وتوجيه خطاب  للأمة ، عكس الدستور السابق لسنة 1996 من خلال مقتضيات الفصل 88 أن الملك يحل البرلمان بعد استشارة رئيس المجلس الدستوري سابقا .

2) إذا تم حل البرلمان لا يستطيع الملك حل البرلمان الجديد الذي تم انتخابه إلا بعد مضي سنة على انتخابه ما عدا في حالة تعذر توفر أغلبية حكومية داخل مجلس النواب الجديد.

كملاحظة: يمكن القول على أن الدستور الحالي قيد من سلطات الملك المتعلقة بحق الحل لأن في الدستور المنصرم كان الملك  يستشير  شخصية واحدة وهي رئيس الغرفة الدستورية أثناء قيام العملية المذكورة ، بينما الدستور الحالي رفع من عدد أعضاء  الذين يستشيرهم الملك في هذه المسألة.

ثانيا: التشريع والمصادقة

يتدخل الملك في علاقته مع البرلمان في التشريع بعض القوانين من خلال عرض التعديل الدستوري على الاستفتاء أو طلب إصدار القوانين (أ)، والمصادقة والتوقيع على المعاهدات في المجال الدبلوماسي (ب).

1) عرض التعديل الدستوري على الاستفتاء: تنص المادة 172 من الدستور: للملك حق اتخاذ المبادرة قصد مراجعة الدستور ويعرضه بمقتضى ظهير شريف على الأمة لفرض الاستفتاء، وهذا الظهير يوقع من طرف الملك بمفرده أو بالعطف من رئيس الحكومة.[44]

2)طلب إصدار القوانين

 إن سلطة الإصدار مستمدة من الدستور الذي ينص على أن الملك  يصدر الأمر بتنفيذ القانون خلال الثلاثين يوما التالية لإحالته إلى الحكومة  بعد تمام الموافقة عليه [45]، فالإصدار ما هو إلا نتيجة  نابعة من الالتزام بتنفيذ الإرادة التشريعية للبرلمان المستمدة من الدستور، إذ الملك بإصداره  للقانون يكون هذا الإصدار  بمثابة الإعلان الرسمي لميلاد القانون وتوجيه أمر إلى السلطات المعنية بتنفيذه، وبدون موافقة الملك لا يصح القانون قابلا للتنفيذ .

3) طب قراءة جديدة لمشروع أو مقترح قانون

  حسب مقتضيات الفصل 95 من الدستور للملك أن يطلب من كلا مجلسي البرلمان أن يقرأ قراءة جديدة كل مشروع أو مقترح قانون وتطلب القراءة الجديدة بخطاب ولا يمكن للبرلمان أن يرفض هذه القراءة الجديدة.

خول الدستور للملك صلاحيات المصادقة والتوقيع على المعاهدات في المجال الدبلوماسي واستنادا إلى أحكام الفصل 55 من الدستور، يوقع الملك على المعاهدات ويصادق عليها، غير انه لا يصادق على المعاهدات السلم والاتحاد التي تهم رسم الحدود، معاهدات التجارة، أو تلك التي تترتب عليها تكاليف تلزم مالية الدولة، ويستلزم تطبيقها اتخاذ تدابير تشريعية، أو بحقوق وحريات المواطنات والمواطنين العامة والخاصة، إلا بعد الموافقة عليها من قبل البرلمان .

 ويواجه الفصل 55 في فقرة الأخيرة مشكلة المعاهدات  التي لا تتفق مع نصوص الدستور فلا يمكن المصادقة عليها إلا بعد إتباع  الإجراءات الواجبة  لتعديل الدستور.

 الفقرة الثانية: الحكومة

 تجدر الإشارة أن السلطة التنفيذية في النظام البرلماني تتكون في طياتها من شقين الشق الأول تحدث عنه في الفقرة الأولى،  الشق الثاني هو الحكومة وهو الذي  يهمنا في هذه الفقرة والتي تتكون من رئيس الحكومة (النظام المغربي ) أو الوزير الأول (النظام البريطاني) والوزراء ويمكن أن تضم كتاب الدولة [46]، في إطار مظاهر العلاقة بين الحكومة  والبرلمان وتتجلى في مسألتين : الأولى : ممارسة الحكومة بعض اختصاصات  البرلمان في إطار التشريع بمعنى حلول الحكومة مكان البرلمان( أولا)، ثم مراقبة العمل البرلماني من خلال جدولة  أعماله أو اثارة مسؤوليته كحله أو طلب منح الثقة منه (ثانيا) 

أولا: تشريع الحكومة في مجالات البرلمان

يعد البرلمان من حيث المبدأ المشرع الأصلي، والحكومة المشرع الثانوي لكن مع التجربة العملية تعد المشرع الأصلي بكونها تتوفر على ادارين وخبراء متخصصين في المجال التشريعي . تمارس الوظيفة التشريعية  عبر مجموعة من التقنيات المتمثلة في التفويض التشريعي(أ) و التشريع بقوة القانون (ب)

بناء على مقتضيات الفصل 70 من الدستور الحالي، يجوز للحكومة بعد إذن من البرلمان وخلال ظرف زمني محدد ولغاية معينة وبواسطة مراسيم أن تتولى التشريع في الميادين التي تدخل أصلا في اختصاص البرلمان، والملاحظة التي يمكن تسجيلها هنا تكمن في كون تفويض السلطة التشريعية يقوم على بعض الشروط المنصوص عليها في الفصل المشار إليه أعلاه ، وذلك أن الدستور يفرض أن يكون التفويض متعلقا بموضوع  معين ؛ ومحدد  بزمان معين؛ أخيرا يجب  عرض هذه المراسيم على البرلمان للمصادقة  عليه عند انتهاء  الآجال الذي حددها قانون الإذن بإصدارها ويبطل قانون الإذن  إذا ما وقع حل مجلس البرلمان أو أحدهما .

تمارس الحكومة هذه الصلاحية بمقتضى الفصل 81 من الدستور المغربي الحالي لسنة 2011 الذي ينص على أنه يمكن للحكومة أن تصدر خلال الفترة الفاصلة بين الدورات وباتفاق مع اللجان التي يعنيها الأمر في كلا المجلسين، مراسيم  قوانين يجب عرضها بقصد المصادقة عليها من طرف البرلمان خلال دورته العادية الموالية[47]. يمكن استنتاج من خلال مقتضيات الفصل أن التشريع المسموح به هنا هو ذلك الذي يتم في المدة الفاصلة بين دورتين برلمانيتين، أما إذا كان البرلمان منعقدا فلا مجال اللجوء إلى هذه التقنية، إذ يمكن للحكومة أن تطلب من مجلس البرلمان المصادقة على ما تبناه من قوانين دون أن تتعدى مجال صلاحيتها أما إذا كان مجلسا البرلمان غير قائمين بسبب حلهما أو انتهاء ولايتهما  التشريعية فلا مجال لاستعمال هذه التقنية أيضا ذلك أن الاختصاصات  التشريعي في هذه الحالة ينتقل إلى الملك.

 ثانيا : رقابة الحكومة للعمل البرلماني

 يتولى البرلمان مهمة الرقابة في النظام البرلماني باعتباره الممثل لإرادة الشعبية، ولكن في بعض الأحيان تكون الحكومة هي من تتولى عملية الرقابة على العمل البرلماني  من خلال التحكم في جدول أعماله ودوراته السرية (أ) ،ثم إثارة المسؤولية من خلال حله وطلب من الحكومة أن يمنحها الثقة (ب).

  تنص المادة 82 من الدستور المغربي الحالي أن مكتب مجلسي البرلمان يضع جدول أعماله، ويتضمن هذا الجدول مشاريع ومقترحات  القوانين بالأسبقية ووفق الترتيب التي تحدده الحكومة [48]، كما يمكن للحكومة المطالبة بتغيير جدول أعمال المجلس  بزيادة أو نقص أو تبديل نص أو عدة نصوص .[49]

 تنص المادتين 143 من النظام الداخلي لمجلس النواب و 105 من النظام الداخلي لمجلس المستشارين على عقد جلسات سرية بطلب من رئيس الحكومة بالإضافة إلى صلاحية جمع البرلمان في دورة استثنائية أما بمرسوم من الحكومة وذلك استنادا لأحكام الفصل 66 من الدستور وفي الأخير يخول الدستور للحكومة حق وظيفة ختم الدورات الاستثنائية بمجرد استنفاذ النقاش في القضايا المدرجة فيه .[50]

تتخذ إثارة المسؤولية من الحكومة للبرلمان مظهرين : الأول عندما تكون الحكومة هي المراقبة بمعنى أنها تراقب البرلمان على وجه الخصوص مجلس النواب في هذا الصدد تستعمل  تقنية حل البرلمان [51]، والثاني عندما تكون في حالة المراقبة وتطلب من البرلمان أن يمنحها الثقة.

حل البرلمان (مجلس النواب)

فرض الدستور في فصله 104 إمكانية حل مجلس النواب من طرف رئيس الحكومة شريطة استشارة الملك ورئيس المجلس ورئيس المحكمة الدستورية  بمرسوم يتخذ في مجلس وزاري، يقدم رئيس الحكومة أمام مجلس النواب  تصريحا يتضمن بصفة خاصة دوافع قرار الحل وأهدافه، بينما يعود أمر حل مجلس المستشارين إلى الملك فقط .

منح طلب الثقة (مجلس النواب )

يهدف هذا الإجراء للتأكد من مواصلة الأغلبية البرلمانية دعم العمل الحكومي، وهذا ما جاءت به مقتضيات الفصل 103 من الدستور : أنه يمكن لرئيس الحكومة لدى مجلس النواب مواصلة عمل الحكومة  ، تحمل مسؤوليتها بتصويت يمنح الثقة بشأن تصريح يدلي به في موضوع السياسة العامة وبشأن نص يطلب الموافقة عليه. ومن خلال ما سبق يتبين بأن طلب الثقة يكون بمبادرة من رئيس الحكومة ولكن الموافقة عليه تكون فقط أمام مجلس النواب دون مجلس المستشارين، والسبب في ذلك راجع لكون الدستور يجعل مجلس النواب هو المختص بتنصيب  الحكومة بعد عرض البرنامج الحكومي مباشرة بعد التنصيب الملكي  لرئيس وأعضاء الحكومة.

خاتمة:

نخلص في الأخير إلى أن المشرع الدستوري حاول في الوثيقة الدستورية لسنة 2011 تعزيز سلطات البرلمان وتوسيع اختصاصات، وأعاد النظر في الاطار العلاقة المتبادلة بين السلطتين التشريعية والتنفيذية بخلاف ما كان منصوص عليه في الدساتير السابقة وتتجلى في :

من الملاحظ أن هذه الأمور التي أشارت إليها الوثيقة الدستورية لا نلمس جزء بسيط منها على أرض الواقع، بمعنى أن الممارسة العملية بعيدة كل البعد عن المقتضيات الدستورية. حيث نجد أن الملك لا يزال يتدخل في إعفاء وزراء سواء كان الإعفاء  فرديا أو جماعيا بدون أخد إذن من رئيس الحكومة، بل حتى تنصيب الحكومة يكون شكليا من طرف البرلمان لأن البرنامج الحكومي يتم دراسته في المجلس الوزاري الذي يترأسه الملك وبالتالي لا يمكن معارضة أي برنامج مر من هذا المجلس من طرف البرلمان، مما يدل حضور التوجهات الملكية في البرنامج الحكومي وليس توجهات الأغلبية التي تصدرت الانتخابات .

ونشير أخير إلى أهمية الوسائل وآليات الرقابية التي خولها الدستور لأعضاء البرلمان من أجل مراقبة عمل الحكومة، إلا أن هناك ضعف على مستوى الممارسة، وهذا ليس راجع لكثرة المساطر أو الإجراءات،وإنما نظرا لوجود نسبة الأمية مرتفعة في صفوف اعضاء البرلمانية وضعف التكوين وغياب إرادة سياسية حقيقية.

ومن خلال ذلك نقترح  لتجاوز هذه المعوقات ما يلي:


[1] hassantaghzout132@gmail.com

-حسن مصطفي البحري ن الأنظمة  السياسية المقارنة الحديثة ، الطبعة الثالثة 1440 هـ 2019 صفحة 65.[2]

[3] -Rodslad robert , le regime ( pris : M.giad 1924   p:1(

-راجع الفصل الأول من الدستور المغربي لسنة 2011 ص 9[4]

-راجع  الأبواب الرابع والخامس والسادس من نفس الدستور من الصفحة 31 إلى صفحة 60.[5]

[6] -Adrant .philippe.Institutions politique  droit constitutionnel ( paris .L.G.D.J.1 edition  2000 p232.

-د، يحيى الجمل ، الأنظمة السياسية المعاصرة (القاهرة ، دار الشرق  طبعة 1977 ،ص 171.[7]

-حسن مصطفى الجري الرقابة المتبادلة بين السلتطين التشريعية والتنفيذية كضمان نفاد القاعدة القانونية ، أطروحة الدكتوراه ، 2006. صفحة 717[8]

الفصل الأول من الدستور المغربي لسنة 2011 مرجع سابق [9]

-أمين سعيد ، البرلمان في ظل الدساتير المغربية ( من دستور 14 دجنبر 1962  إلى دستور 29 يوليوز 2011  ، مجلة القانون المغربي العدد [10]

24  شتنبر 2014 ص 270

-امين سعيد المجلس الدستوري بين العلاقة الدستورية والمنظومة السياسية دروس في وثيقة 29 يوليوز 2011 منشور ضمن مؤلف جماعي التنصيب البرلماني  الحكومة  بنكيران الثانية إشكاليات  مواقف سلسلة  الحوار العمومي[11]

العدد الخامس ، 2014 ص 74.

-الفقرة الثالثة من  الفصل 47 من الدستور المغربي لسنة 2011[12]

-د، رمضان محمد بطيخ، التطبيقات العملية لضوابط الحصانة البرلمانية ووسائل وإجراءات البرلمانية الرقانية. صفحة 73[13]

-أنظر المقتضيات الفصل المذكور أعلاه ، محمد النار البرلمان الحكومة ، رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المدرسة الوطنية لإدارة[14]

-لتفصيل راجع الفصل 100 من الدستور 2011[15]

-المادة 284 من النظام الداخلي لمجلس النواب 1998.[16]

-النظام الداخلي لمجلس النواب رقم 65/27 بتاريخ 30 أكتوبر 2013[17]

-المادة 159 من النظام الداخلي لمجلس النواب 2004[18]

-المادة 266 من النظام الداخلي لمجلس النواب لسنة 2017 ، والمادة 160 من النظام الداخلي لمجلس النواب المادة 299 من النظام الداخلي[19]

لمجلس المستشارين 1998.

-المادة 298 من النظام الداخلي لمجلس المستشارين 1998[20]

-المادة 255 النظام الداخلي لمجلس المستشارين 2014[21]

-المادة 252 النظام الداخلي لمجلس المستشارين 2014.[22]

-المادة 164 من النظام الداخلي لمجلس النواب المادة 302 من النظام الداخلي لمجلس المستشارين 1998[23]

-المادة 164 من النظام الداخلي لمجلس النواب المادة 302 من النظام الداخلي لمجلس المستشارين [24]

-المواد 165-166 من النظام الداخلي لمجلس النواب  2004والمواد 167-168-169 من النظام الداخلي لمجلس المستشارين[25]

المادتين 176-277 من النظام الداخلي لمجلس النواب سنة 2017، المواد 257-258-259 من النظام الداخلي لمجلس المستشارين 2014.

كلثوم جمال الدين القانون البرلماني المغربي أطروحة لنيل دكتوراه في القانون العام ، وجدة 2005/2006 صفحة 250[26]

-المرجع نفسه الصفحة 250[27]

-راجع الفصل 67 من الدستور لتفصيل في حيثيات الفقرة الثانية [28]

– المادة 284 من النظام الداخلي لمجلس النواب [29]

 المادة 77 من النظام الداخلي لمجلس المستشارين

المادة 179 من النظام الداخلي لمجلس المستشارين

-المادة 286 من النظام الداخلي لمجلس النواب 2017[31]

 المادة 17 من لاقانون التنظيمي رقم 08513

المادة 80 من النظام الداخلي لمجلس المستشارين

-المادة 31 من النظام الداخلي لمجلس الواب [34]

-المادة 45 من النظام الداخلي لمجلس المستشارين [35]

-عبد الله ناصف ، مدى توازن السلطة مع المسؤولية السياسية في الدول الحديثة . ص 111[36]

-الفصل 105 من الدستور 2011 والمادة 253 من النظام الداخلي لمجلس النواب [37]

–الفصل 105 من الدستور 2011 ، المادة 257 من النظام الداخلي لمجلس الهنواب ، المادة 231 من النظام الداخلي لمجلس المستشارين [38]

-الفقرة الأولى من الفصل 106 من المادتين 234[39]

-الفقرة الثانية من الفصل 109 من المادة 234، 235، من النظام الداخلي لمجلس  المستشارين [40]

-في دستور 1962 ، كانت دورة الأولى تفتح في 18 نونبر والدورة الثانية في الجمعة الأخير من شهر ابريل ويراسهما معا الملك (الفصل 35)[41]

-للمزيد راجع الفصل 65 من الدستور 2011 الصفحة 40.[42]

-لمعرفة ما هو الظهير المغربي راجع أطروحة محمد اشركي ، الظهير المغربي في القانون العام .[43]

 الفقرة الأخيرة من الفصل 42 من الدستور 2011[44]

-الفصل 50 من الدستور 2011[45]

-الفصل 87 من دستور 2011[46]

-الفصل 81 من الدستور المغربي لسنة 2011.[47]

-المادة 130 من الفصل الداخلي لمجلس النواب ، المادة 103 من النظام الداخلي لمجلس المستشارين [48]

-المادة 140 من النظام الداخلي لمجلس النواب  المادة 105 من النظام الداخلي لمجلس المستشارين [49]

-الفصل 68 من الدستور 2011[50]

-الفقرة الأخيرة من الفصل 66 من الدستور[51]

Exit mobile version