Site icon مجلة المنارة

مبادئ التنمية المستدامة في نطاق قانون الماءالضبط الاداري نموذجا

مبادئ التنمية المستدامة في نطاق قانون الماء

الضبط الاداري نموذجا

مصطفى الباهي

     باحث في سلك الدكتوراه

جامعة محمد الخامس الرباط   

كلية العلوم القانونية و الاقتصادية و الاجتماعية السويسي

stof1433@gmail.com

تقديم عام

لقد اكتسب مصطلح التنمية المستدامة أهمية كبيرة بعد ظهور تقرير لجنة بريت لأند ،و الذي صاغ تعريف للتنمية المستدامة  على أنها  تنمية تسعى إلى تلبية حاجيات و طموحات الأجيال الحاضرة من الموارد البيئية من دون الإخلال بقدرات  الأجيال القادمة  على تلبية  حاجياتها [1]، وبمقتضى هذا التعريف يجب على الأجيال الحاضرة عدم تجاهل حقوق الأجيال المقبلة في بيئة سليمة .هذا التعريف  يحدد الإطار العام للتنمية المستدامة التي تحث على التساوي بين الأجيال  كلما تعلق الأمر باستغلال موارد طبيعية [2].بل أنها ايضا محاسبة الذات على ما اقترفته في الماضي من أعمال مسيئة لإيجاد السبل الناجعة لترسيخ قانون التنمية المستدامة [3].

و يعتمد تفعيل التنمية المستدامة على مجموعة من المبادئ تعتبر ركائز أساسية للتحقيق  تنمية ورفاه الأجيال الحالية دون المساس بقدرة الأجيال القادمة في تلبية حاجياتها. من أهم هذه المبادئ نجد مبدأ الاحتياط الذي يحث على  العمل  قبل الحصول على أي دليل للاحتمال تحقيق الضرر فهو موجه كليا نحو المستقبل باستعمال معطيات علمية و بموجبه يجب على الدولة اتخاذ كافة التدابير اللازمة للاستدراك تدهور المحتمل للبيئة  حتى في حالة غياب  يقين علمي بأضرار النشاط المزمع القيام فمبدأ الحيطة يقوم على أساس التوقع موجه كليا أو جزئيا نحو المستقبل [4]ومن الناحية القانونية فهذا المبدأ منصوص عليه ضمن المادة الخامس عشر من إعلان ريو حول البيئة و التنمية حيث أعطت معنى أولي للمبدأ على أنه لا يحتج بالافتقار إلى العلم اليقيني كسبب لتأجيل اتخاذ التدابير الاحتياطية لحماية البيئة[5] .ونجد كذلك مبدأ المشاركة الذي يهدف إلى إشراك كل الفاعلين في مجال البيئة من سلطات مركزية ومحلية و مجتمع مدني من خلال تمكن الهيئات الرسمية و المدنية من المشاركة في إعداد و تنفيذ مخططات التنمية[6]  ××× ،ومن المبادئ الأساسية للتنمية المستدامة أيضا مبدأ الإدماج الذي يحث على إدراج الاعتبارات البيئية  عند تخطيط المخططات التنموية و الاقتصادية والاجتماعية فكلما تعلق الأمر بحماية البيئة فان الوقاية تكون أقل تكلفة بكثير من العلاج حيت أصبحت الدول تضع في حسبانها التكاليف و المنافع النسبية كلما تعلق الأمر بالبيئة ،وقد تضمن الفصل الثامن من جدول أعمال القرن الواحد و العشرين متطلبات الرئيسية اللازمة لدمج الأبعاد البيئية عند صنع القرار[7]….ومبدأ الملوث المؤدي الذي يفرض تحمل تكاليف التلوث كرادع يجعل المتسببين في التلوث يتصرفون وفق متطلبات التنمية المستدامة وقد أكدت العديد من المؤشرات و الاتفاقات على تعزيز استعمال وتجسيد مبادئ التنمية المستدامة على مستوى الممارسة فهذا المبدأ أتبث فعاليته في تحقيق تنمية مستدامة لكونه مرتبط بالجانب الاقتصادي للنشاطات الملوثة وبتالي يجعل من المؤسسات الملوثة تتصرف بطريقة تنسجم فيها أثار نشاطها مع التنمية المستدامة قد نص عليه لأول مرة من طرف منظمة التعاون و التنمية الاقتصادية حيث طالبت بجعل التكاليف الخاصة بالوقاية و مكافحة التلوث على عاتق الملوث [8] يظهر تنفيذه تشريعيا من خلال الوسائل الجزائية أو المدنية أو الادارية أو المالية و التي تتلاءم مع الضرر البيئي  كما يطبق المبدأ إداريا من خلال نظام الترخيص السابق للممارسة الأنشطة و كذلك إجراء دراسات التأثيرات البيئية .

و باعتبار المغرب أحد أعضاء المجتمع الدولي فقد عمل المشرع المغربي على إنتاج مجموعة من النصوص القانونية لتنظيم استغلال واستعمال الموارد البيئية حيث أصدر العديد من النصوص القانونية المتعلق بتنظيم استغلالها و استعمالها وفق أسس العدالة و المساواة و بما  أن الماء من أهم العناصر البيئة  فهو عصب الحياة لا غنى عنه عملت عدة دساتير على توفير الحماية للحق في الماء فأصبح القانون يهتم بتنظيمه و حمايته و بتالي أصبح يتعين و ضع الآليات القانونية الكفيلة بتكريس مبادئ هذا الاهتمام فكان أول نص قانوني يخص الماء في المغرب سنة[9]1914،وبعد استقلال المغرب أصبحت النصوص القانونية المتواجدة أقل فعالية ولا تستجيب للإشكالات التدبير المائي و التي تفاقمت مع تزايد الطلب على الماء ،ولذالك أصدر المشرع المغربي قانون جديد للماء وهو قانون 10-95 لكن مع اصدار دستور  2011تم التأكيد على الأهمية القصوى التي يوليها المغرب للماء في الفصل31 [10].و الذي يؤكد حق جميع المواطنين في الولوج للماء و إلى بيئة نظيفة و تنمية مستدامة و،على واجب  الدولة و المؤسسات العمومية و الجماعات الترابية في العمل من  أجل تعين كل الوسائل المتاحة لتسهيل ولوج متساوي للمواطنات و المواطنين  ،و توفير الشروط التي تتيح لهم التمتع بهده الحقوق فكان من الضروري على المشرع مواكبة هذا التطور الدستوري خاصة بعد التأكد من أن المقاربة المعتمدة في الماضي  و التي وفرت للبلاد مخزونان من الموارد المائية و الحد من مخاطر الفيضانات قد استنفدت طاقتها أو كادت خاصة فيما يتعلق بالقدرة على تنظيم الموارد القابلة للتعبئة لمواجهة حاجيات جديدة من جهة، كما شهد المغرب في السنوات خلت تفاقما في وضعية الضغط على الموارد المائية بسبب العادات الغير اقتصادية و العدوانية و الضارة في استغلال الموارد المائية[11] كل هذا جعل المشرع المغربي  يصدر قانون جديدا للماء يحمل رقم 36-15بموجب الظهير الشريف رقم 1-16-13الصادر في السادس من ذي القعدة 1437الموافق ل10 غشت 2016 .

فإلى إي حد انعكس مفهوم التنمية المستدامة و مبادئها على مستوى هذا القانون  وما هي أساليب تجسيد هذه المبادئ في قانون الماء؟

بعد الإطلاع على القوانين المتعلقة بتدبير و تنظيم الماء  نجد أن المشرع المغربي استعمل  أساليب متنوعة جسد من خلالها المبادئ الأساسية للتنمية المستدامة ،حيث اعتمد على أساليب متنوعة لحماية الماء أهمها الضبط الإداري أو الشرطة الإدارية التي تشكل مجموعة من  القيود و الضوابط التي تمارسها الإدارة  بالاعتماد على وسائل تنظيمية عامة و أخرى تمس الأفراد فهي تدبير وقائي[12] ، حيث جعل المشرع المغربي من الضبط الإداري أسلوبا قانونيا لتنزيل تقنيات مبادئ  التنمية  المستدامة عند استغلال و استعمال الماء حيث اعتمد تقنيات عامة تمس و تفرض بشكل عام و أخرى خاصة تفرض على كل شخص طبيعي أو اعتباري يستغل و يستعمل الملك العام المائي 

 المبحث الاول :الأنظمة التقنية العامة للضبط الاداري لحماية الماء.

عرف القانون الدولي للبيئة مند السبعينات تطورا كبيرا لمواجهة الأخطار البيئية الجديدة حيث أصبح قانون موجه نحو المستقبل في إطار التنمية المستدامة، ومن هنا ظهر مبدأ الحيطة و الذي بموجبه يكون على الدولة اتخاذ كافة التدابير لمواجهة التدهور البيئي وحتى في حالة  غياب العلم القاطع حول الآثار الناجمة عن الأنشطة المزمع القيام بها، فالضرر الذي يهدف مبدأ الاحتياط منعه هو ضرر يصعب على المعرفة العلمية توقعه أو تحدد أثاره و نتائجه على البيئة  أي عدم وجود يقين علمي فيما يتعلق بماهية الضرر البيئي[13]  حيث يتميز هدا المبدأ بخاصية الاستباق و التوقع[14]، و من الناحية القانونية فان هذا المبدأ منصوص عليه ضمن المبدأ الخامس عشر من إعلان ريو حول البيئة و التنمية ،يؤكد على أنه لا يحتج بالانتظار إلى اليقين العلمي كسبب لعدم  اتخاذ التدابير الاحتياطية لحماية البيئة[15]وقد تم تنزيل هذا المبدأ في التشريع المائي المغربي من خلال الضبط الإداري الذي يمارس من قبل السلطات الادارية المختصة بالاعتماد على أدوات قانونية عامة متنوعة   .

     المطلب الاول التحديد الاداري  لتجسيد مبدأ الاحتياط البيئي في قانون الماء

انطلاقا من قاعدة أنه على كل مالك معرفة حدود ملكه حتى يتمكن من معرفة ماله و ما عليه انطلاقا من ملكيته ،نجد الأشخاص المعنوية العامة تعمل على تحديد حدود أملاكها،و عموما  تحكم عملية و ضع الحدود الأملاك العامة قواعد قانونية خاصة فالإدارة تعين حدود ملكها بصفة منفردة ويمكن اعتبار التحديد الإداري إجراء قانوني  يتم بمقتضاه تعين حدود الملك العام للدولة أو الجماعات الترابية  بهدف حمايته من كل  ترام ،و يندرج الماء ضمن الأملاك العامة حسب المادة الخامسة من قانون الماء الجديد[16] و التي لا يتطلب تحديدها سوى تطبيق شبه تلقائي للقواعد التي وضعها المشرع حيث يكون القرار الصادر عن الإدارة قرار كاشف غير منشئ للمك العام الطبيعي ،هذا ما أكدته المادة التاسعة من قانون الماء  الجديد فتحديد  ضفاف الملك العام المائي من اختصاص لجنة خاصة مكلفة بجمع  تعرضات العموم في إطار بحث عمومي بعد إخبار المعنيين بالأمر بجميع و سائل الإشهار و فق مقتضيات قانون نزع الملكية من أجل المنفعة العامة وبتالي نكون أمام مسطرة ذات نظام ذاتي  فالإدارة  تعبر عن تحديد الملك العام المائي  بواسطة قرار تنظيمي يهدف لصيانة النظام العام.[17]

و على اعتبار إمكانية أن هذه القرارات قد تمس حقوق و حريات الأفراد خصوصا الملاك المجاورين للملك المعني بالتحديد الإداري  فقد خول المشرع بموجب قانون المحدث للمحاكم الإدارية بالمادة الثامنة منه اللجوء إلى القضاء الإداري سواء من أجل إلغاء قرارات التحديد الغير الشرعي و يستعيد المالك ملكه و يمكنه من الحصول على تعويض إذا ما كان قدلحقه ضرر و في حالة عدم رفع دعوى أو لم يمارسها داخل الآجال القانونية له أن يسلك طريقا أخر اعتمدته محكمة التنازع الفرنسية سنة 1873 تطبيقا لنظرية نزع الملكية الغير المباشرة و يطلب من القاضي العادي تعويضا عن فقدانه لملكه[18] .

فرغم الطابع الإنفرادي للإدارة من خلال إصدار قرار تعيين الملك العام المائي  إلا أن الأمر لا يخلو من محاولة الموازنة و التخفيف من حدة القرار من خلال إشراك الجيران في طلب التحديد من جهة وكفالة الضمانات القضائية لحماية حقوقهم من جهة أخرى وبالتالي يكون تحديد الملك العام المائي أحد آليات تجسيد مبدأ الاحتياط التي يعبر عن السلطة الانفرادية للإدارة بإصدارها للقرار تنظيمي يمثل القواعد العامة الآمرة بهدف صيانة و حفظ النظام العام إلا أنها و  من خلال اعتمادها على  البحث العمومي  في مسطرة التحديد الإداري تحاول تطبيق مبدأ المشاركة أي إشراك الملاك المجاورين في اتخاذ هذا القرار  لكن هذا التجسيد يبقى معيبا لغياب نصوص تنظيمية تنظم العملية و تحدد اللجان المكلفة بجمع التعرضات،و بتالي فالبحث العموم يبقى مجرد إجراء شكلي في ظل غياب الأحكام التي تضبط البحث العمومي كالجهة التي تقوم به و الوثائق التي يجب أن يتكون منها الملف الذي يعرض على الوزير الأول للمصادقة عليه بمرسوم و كيفية مباشرة مجموعة من الاجراءات.

حسب المشرع المغربي ضم الملك العمومي المائي يتطلب تفعيل مسطرة نزع الملكية مع احترام الارتفاقات الناتجة عن القوانين و الأعراف و يعتبر كل من نزع الملكية و الارتفاق أنظمة

قانونية تجسد مبدأ الاحتياط البيئي و المشاركة .

حق الملكية مضمون دستوريا لكن هذا الحق ليس مطلقا بل محاصرة بعدة قيود لتحقيق المصلحة

العامة[19]كقيد نزع الملكية للمصلحة العامة  فهي امتياز استثنائي للدولة للوصول إلى نزع المكية عقار لأجل المنفعة العامة لابد من مجموعة من الإجراءات التي تتولى الجهة النازعة مباشرتها تحقيقا لأكبر قدر من الضمانات للمنزوعة ملكيتهم  وقد حدد المشرع في قانون الماء الجديد  الحالات التي تطبق فيها مسطرة نزع الملكية  :

وقد اختار المشرع تفعيل مسطرة نزع الملكية من أجل المنفعة العامة عند ضم الملك العام المائي   حتى يتفادى السقوط في منازعات إدارية حول حق الانتفاع من الأملاك الخاصة فمسطرة نزع الملكية و خاصة  مرحة إعلان المنفعة العامة هي أهم مرحلة فمن خلالها يتقرر إضفاء صبغة المنفعة العامة على أملاك خاصة  فيصبح صاحب الملك  مقيدا  بتخصيص ملكه  للمنفعة العامة  وإذا كان مقرر المنفعة العامة يحدد فقط المنطقة اللازمة لإنجاز المشروع فإنه أحيانا مباشرة الأملاك التي يشملها نزع الملكية والتي تعين عادة في مقرر آخر يليه يدعى ” مقرر التخلي ويصدر في أجل سنتين تبتدئ من تاريخ نشر المقرر القاضي بإعلان المنفعة العامة في الجريدة وتجدر الإشارة إلى أنه يجب إجراء بحيث داري قبل اتخاذ القرار الذي تعين فيه الأملاك المراد نزع ملكيتها والذي هو إما قرار إعلان المنفعة العامة وإما قرار التخلي نفسه ويشرع في البحث بنشر مشروع التعميم الذي يتم إشهاره على نطاق واسع بالجريدة الرسمية والجرائد الوطنية وبإيداعه في مكتب الجماعة التابع لها العقار ويجب إخبار السلطة المحلية بهذا المشروع مصحوبا بتصميم يوضع العقار أو العقارات المزمع نزع ملكيتها و هدف هو إطلاع الملاك أو المعنيين بصفة عامة وتسجيل ملاحظاتهم حول العملية كما يتم إيداع نسخة من قرار التخلي بإدارة المحافظة العقارية التابع لها العقار أو العقارات المقرر نزع ملكيتها [20].

و يبقى القضاء وحده ضمانة للمالك من خلال رقابة القضاء على شرط المنفعة العامة مناط نزع الملكية فهي الأساس الذي بني عليه هذا النظام ككل. في ظل عدم وجود مفهوم دقيق لفكرة المنفعة العامة كان لزاما على القضاء أن يوفر رقابة فعالة للمنفعة العامة. وأمام عجز الرقابة العادية لكبح أوجه الانحراف الذي يشوب عمل الإدارة في تقديرها للمنفعة العامة كان من الواجب على القضاء أن يستوعب هذه الأمور ويطور رقابته في هذا الصدد بهدف خلق توازن يوفر حماية حقيقة للملكية الخاصة.

 إن نزع الملكية العقارية لا يتم قانونا إلا مقابل تعويض عادل وهذه قاعدة أساسية في نظام نزع الملكية لامحيد عنها. ووصولا لهذه الغاية وضع المشرع مجموعة من الآليات والوسائل فقد فرض أن يتم تقويم العقار المنزوع من قبل لجنة إدارية تضم متخصصين في ميدان العقار وبتخويل القضاء الحكم بالتعويض، فالإدارة لا يمكنها أن تكون خصما وحكما في نفس الوقت. لذا كان لابد على القضاء التخلص من هاجس المال العام انصياعا لرغبات الإدارة لأن الأمر في الحقيقة يتعلق بتعد على الملكية لا الإضرار والإجحاف بها أكثر عن طريق إقرار تعويض غير مناسب وغير عادل. إن دور القضاء يتجلى في خلق توازن حقيقي بين مصالح الخواص ومصالح الإدارة في حماية المال العام.

  عموما فالمرحلة القضائية في  مسطرة زع الملكية لا تناقش سوى التعويض و هنا يكون المشرع قد ضيق على الخواص  التنازع حول الأملاك التي قد تضم الى الملك العام المائي بالاعتماد على ربط عملية  الضم الملك العام المائي بالمنفعة العامة  ونلمس في هذا  تطبيقا لمبدأ الاحتياط البيئي .

لقد جعل المشرع المغربي من الارتفاق آلية من آليات الحماية الاستباقية للمياه ، إما لتحقيق منفعة عامة كمنع البناء على مشارف المجاري المائية  و ذللك استجابة لمطالب  الأمن و الصحة و الجمالية و إما لتحقيق منفعة خاصة  فهي تشكل قيدا قانونيا على الملكية  من شأنها الحد من تصرفات المالك في عقاره خلافا للقاعدة القانونية المنصوص عليها دستوريا في الفصل الخامس و الثلاثون. 

       وعموما  عرفت المادة 39 من مدونة الحقوق العينية الارتفاقات الطبيعية بأنها “تحمل تفرضه الوضعية الطبيعية للأماكن على عقار لفائدة عقار مجاور”، ويدخل في عداد الارتفاقات الطبيعية حق المسيل والصرف فما المقصود بحق المسيل والصرف وكيف يتم التعويض عنهما؟ 
تنص المادة 60 من مدونة الحقوق العينية عل ما يلي”تتلقى الأراضي المنخفضة المياه السائلة سيلا طبيعيا من الأراضي التي تعلوها دون أن تساهم يد الإنسان في إسالتها، ولا يجوز لمالك الأرض المنخفضة أن يقيم سدا لمنع هذا السيل كما لا يجوز لمالك الأرض العالية أن يقوم بما من شأنه أن يزيد من عبء الارتفاق الواقع على الأرض المنخفضة،انطلاقا من مقتضيات هذه المادة فإن مجرد حق المسيل والصرف لا يترتب عنه أي تعويض لصاحب العقار المر تفق به وذلك على اعتبار أنه بدوره يستفيد من هذا الحق غير أنه يمكن له مطالبة باقي المستفيدين بالمساهمة في القيام بالتجهيزات اللازمة لحماية العقارات المجاورة لمجرى المياه من الفيضانات كالمساهمة في حفر مجرى أو بناء ساقية أوسد وذلك دون المس بحقوق باقي المرتفقين. واستثناءا من المبدأ العام الذي لا يرتب أي تعويض عن حق المسيل والصرف فإنه يحق لصاحب الأرض المنخفضة الحق في التعويض وذلك في حالة زيادة عبء الارتفاق الطبيعي لسيل المياه كأن تغمر المياه عقاره بالكامل وذلك تطبيقا لمقتضيات المادة 61 من مدونة الحقوق العينية. 
عموما فان الارتفاقات الطبيعية لا يترتب عنها أي تعويض إلا إذا ألحقت هذه الارتفاقات أضرار بالغة وجسيمة بالعقار المرتفق به وزاد ذلك من الأعباء والمصاريف المادية لمالك العقار المرتفق به، والتي ينفقها من أجل الحفاظ على عقاره من الهلاك. 
أما فيما يتعلق بالارتفاقات القانونية وخاصة تلك المقررة للمنفعة الخاصة فيستحق التعويض عنها، وتتحدد هذه الارتفاقات في حق المجرى الذي نظمه المشرع في إطار المواد من 65 إلى 59 [21]من مدونة الحقوق العينية، وهو من حقوق الارتفاق المقررة بمقتضى القانون بحيث لا يجوز لملاك الأراضي منع من يثبت له حق المجرى من تمرير الماء بأرضهم، ويعرف حق المجرى بأنه الحق في تمرير ماء الري من مورده بأرض الغير للوصول به إلى الأرض المراد سقيها به وذلك عبر مجرى أو مواسير ويقوم صاحب العقار المرتفق من المجرى بإنشاء هذا المجرى بالعقارات المر تفق بها على نفقته الخاصة،ويدفع مقابل ذلك تعويض مناسب يتم تحديده طبقا للعادات والأعراف المعمول بها في هذا المجال وبتراضي الأطراف هذا ويجب أن يقام المجرى في مكان لا ينتج عنه إلا أقل ضرر، وإذا تفاقمت الأضرار على العقار المرتفق به من جراء إهمال صاحب العقار المر تفق كعدم قيامه بالإصلاحات والترميمات اللازمة للمجاري فإنه يتحمل التعويض عن هذه الأضرار التي لحقت صاحب العقار المرتفق به. وفي مقابل ذلك لا يحق لمالك العقار المر تفق به منع مالك العقار المرتفق من الدخول إلى الأرض من أجل القيام بالإصلاحات والترميمات اللازمة للاستمرار حق المجرى وكل ضرر ينتج عن هذا المنع يتحمل مسؤوليته مالك الأرض.  وأيضا تتطابق هذه المادة مع مقتضيات قانون الماء  من خلال المادة الخامسة عشرة و التي خولت لكل مالك عقار يرغب بتجميع و استعمال مياه الأمطار  حق الحصول على ممر بالأراضي الوسيطة .

كما حمل المشرع المغربي في المادة السابعة عشرة [22] الملكيات المجاورة لمجاري الماء و البحيرات و القناطر و الأنابيب و قنوات السقي  المخصص الاستعمالات العمومية ارتفاقات تصل الى أربعة أمتار  لتسهل عملية المرور و الوصول لهده المنشات  مع احترام الآجال القانونية و سائل الأخبار المعمول بها  حسب المادة الثامنة عشرة من قانون الماء.

 ومنه يكون المشرع المغربي قد اعتمد على الارتفاق بنوعيه الطبيعي و القانوني لترسخ مبدأ

الاحتياط البيئي عند كل استعمال او استغلال للمياه   .

المبحث الثاني  انظمة الضبط الاداري الخاصة لحماية الماء .

يشكل الضبط الإداري  بصفته الانفرادية و الخاصة أهم الوسائل  القانونية لحماية الماء من الأخطار المستقبلية بحيث يتخذ قرار مسبق قبل وقوع الضرر فهو يهدف الى حماية الماء من كل أشكال التلوث البيئي الناتجة عن الأنشطة البشرية.

وقد اعتمد المشرع المغربي في قانون الماء على تقنيتين أساسيتين للتحكم في أنشطة الأفراد عند استعمال الماء و استغلاله لحماية الملك العمومي المائي من أي ضرر محتمل، حيث اعتمد على نظام الترخيص و الامتياز لضبط نشاط الأفراد المتعلق بالماء.

تعتبر التراخيص  أهم الوسائل  الأكثر تحكما و ناجعة  لتحقيق حماية مسبقة   لتفادي الاعتداءات 

فهي ترتبط دائما بالمشاريع و الأنشطة  ذات الأهمية و الخطورة على البيئة .

و يمكن تعريف الترخيص على أنه الإذن الصادر من الإدارة  المختصة بممارسة نشاط معين و لا يجوز ممارسته بغير الإذن و تقوم الإدارة بمنح الترخيص إذا توفرت الشروط اللازمة التي يحددها القانون و تكاد تقتصر سلطتها التقديرية على التحقق من مدى توفر هذه الشروط و اختيار الوقت المناسب لإصدار الترخيص[23]،   فالترخيص عمل إداري فردي يتخذ شكل قرار إداري يتوقف على منحه و تسليمه ممارسة نشاط أو إنشاء منظمة ولا يمكن لأي حرية أن توجه أو تمارس من دونه.

وعموما قد اعتمد المشرع المغربي على التراخيص عند كل استغلال للمياه في إطار ضمان الموارد المائية و تنميتها المستدامة، وتضمن القانون 36-15المتعلق بالمياه و الذي سبق ذكره على نظام قانوني خاص للاستعمال الموارد المائية  حيث منع القيام أي استغلال  لهذه الموارد من طرف أي  شخص طبيعي أو معنوي إلا بعد الترخيص  لصاحبها التصرف لفترة معينة في منسوب وحجم الماء ،فرخصة  استعمال الماء تمكن طالبها حسب قانون الماء للقيام بالعمليات التالية [24].

من خلال ما سبق يتضح أن المشرع المغربي جعل من نظام الترخيص آلية لحماية الملك العام المائي من الهذر و الاستغلال الغير الرشيد بشكل يضمن استدامته، ويرجع الاختصاص في منح  هذه التراخيص  إلى وكالة الحوض المائي،  ويبقى دور المجلس الجماعي استشاري  بصورة شكلية ذلك ان رأي المجلس الجماعي ليس بالرأي الملزم لوكالة الحوض المائي كما أن منح هذه التراخيص مرتبط بمسطرة البحث العلني و التي  تشكل مجرد شكلية  ذللك أن البث في طلب الترخيص  من اختصاص مدير وكالة الحوض المائي الذي يصدر قراره سواء بقبول أو رفض الترخيص بعد اطلاعه على نتائج البحث العلني و رأي المجلس الجماعي حسب المادة  المادة السابعة من المرسوم التنفيذي  المتعلق بتحديد مسطرة منح التراخيص والامتيازات المتعلقة بالملك العام المائي[25].

وانطلاقا مما سبق فمقرر الترخيص يتضمن مجموعة من الاجراءات التي على المستفيد الالتزام بها  كالتدابير التي يجب على المستفيد من الترخيص القيام بها لتجنب  تدهور الملك العام المائي [26]…… كما يمكن لوكالة الحوض المائي سحب التراخيص عند عدم احترام الشروط التي يتضمنها الترخيص بعد إعلام المعني بالآمر داخل الآجال القانونية المحددة دون تعويض.

لقد جعل قانون الماء من نظام الامتياز تقنية نظم من خلالها استغلال الملك العام المائي ، ونظام الامتياز هذا نظام قديم عرفه المغرب  من خلال معاهدة الجزيرة الخضراء 33ويشكل الامتياز حقا عينيا لمدة محددة من الزمن لا تخول للمستفيد منه أي حق للملكية على الملك العام المائي  وقد حددت المادة قانون33  الجديد  لمجالات تطبق الامتياز [27].ويعود اختصاص عقد الامتياز لوكالة الحوض المائي و التي تحدد على الخصوص الصبيب و الحجم و المساحة و كذلك الاغراض و أنماط الاستغلال و استعمالات الملك العام المائي  و طريقة أداء الاتاوات من طرف صاحب الامتياز ،وقد قلص المشرع المغربي من مدة الامتياز حيث جعلها لا تتعدى 30سنة  قابلة للتمديد وكما هو الشأن في نظام الرخص فكل مخالفة للشروط الامتياز تقابل بسحبه بعد إعذار موجه لصاحب الامتياز [28]، ويخضع الامتياز لنفس مسطرة الترخيص إذ يخضع ايضا للبحث

العلني مع اشتراط مطابقته للتوجهات المخطط الجهوي للتهيئة المندمجة للموارد المائية في حالة وجوده  وكل رفض للامتياز يجب ان يكون معللا .

من خلال ما سبق نستطيع القول أن  الإرادة السياسية المغربية اليوم تسير في اتجاه التدبير المندمج و المستدام  للموارد المائية ، يظهر ذلك بشكل واضح من خلال عمل المشرع المغربي على تنزيل مبادئ التنمية المستدامة  في قانون الماء الجديد  و استعماله تقنيات قانونية متطورة  ،وذلك من خلال تطبيقات  الأسلوب الانفرادي للتدبير الملك العام المائي  كما هو الشأن في التحديد الإداري و الضم الإداري للملك العام المائي ،والتقنيات التي يعتمدها كنزع الملكية من أجل المنفعة العامة و البحث العلني و كذلك نظام الارتفاق وما يفرضه من قيود على أصحاب العقارات  سواء لتحقيق مصلحة عامة أو خاصة  عند كل استعمال أو استغلال للماء .

و يبقى نظامي الترخيص و الامتياز أحد القيود الأكثر التصاقا بالخواص و التي تحد من الاستعمال المفرط و الضار بالمركب المائي  و تفرض قيود على أصحاب التراخيص او الامتياز .

 ورغم كل هذا فان  تدبير الملك العام المائي يعرف إختلالات كبيرة ترتبط من جهة  بنظام الترخيص و الامتياز  و التي حاول  المشرع من خلالهما على الموازنة بين متطلبات استعمال و استغلال الموارد المائية من  وتنزيل مبادئ التنمية المستدامة عند كل استعمال من خلال  تكريس مبدأ الملوث الباعث  بفرض رسوم و إتاوات على المستفيدين من رخص و امتيازات استعمال الماء وكذلك اعتماد البحث العلني  كإجراء أساسي في  للاستفادة من الموارد المائية  للتنزيل مبادئي الاحتياط البيئي و المشاركة  إلا أنه يتضح أن المشرع لا زال بعيد كل البعد عن تفعيل الاستغلال المعقلن للماء ذللك أن البحث العلني،و الذي يشكل مرحلة أساسية في أغلب الآليات التي اعتمدها المشرع المغربي للتنزيل مبادئ لتنمية المستدامة  من خلاله  تجمع الملاحظات و التعرضات، لا يعتبر سوى إجراء شكلي مسطري وكذلك في ظل غياب  فرض صريح و مباشر على المستفيدين من الرخص و الامتيازات القيام بدراسات التأثيرات البيئية كإجراء قبلي للتمكن من استغلال و استعمال الماء بل يجب فرض نظام التقييم البيئي بموجب نص قانوني و تنويع آليات التقييم بين التقييم البيئي الإستراتيجي و دراسة التأثير على البيئة و بطاقة التأثير على البيئة و الافتحاص البيئي[29] ، و من جهة أخرى ترتبط بالمركب البشري و المتدخلين في القطاع أكتر من ارتباطها بالنصوص القانونية فيبدو أن العمل التشريعي للحدود اليوم حاول  تنظيم مجال الملك العام المائي ، لكن يبقى إشكال الموارد البشرية  هي العنصر الذي يراهن عليه مجال تدبير الماء فالمغرب اليوم في حاجة لموارد بشرية متخصص في تدبير الموارد المائية و رقابة حسن استغلالها∙


2012/2013حسونة عبد الغني ، الحماية القانونية للبيئة في اطار التنمية المستدامة  رسالة دكتوراه جامعة محمد خضرية بسكرة سنة [1]

24حسونة عبد الغني ،مرجع سابق ص[2]

[3] PAUL DU BACKER.LES INDICATEURES FINANCIERS DU DEVELOPPEMMENT DURABEL.PARIS EDITION 2005 PP16-32

[4] Martin-bidou,le principe de précaution en droit internationale de l’environnement ,RGDIP ;OCTOBRE-D2CEMBRE ;1999 N 03 ,P 633

[5] Pierre-MQARIE. Droit International Publique ;4emme Edution ; Dalloz ;Paris ;1998 ;P101.

25حسونة عبد الغني، مرجع سابق ص[6]

26حسونة عبد الغني مرجع سابق ص[7]

153ص 2007عنصر كمال، مبدأ الحيطة في انجاز الاستثمارات رسالة ماجستير في الحقوق جامعة جييجل [8]

1925و1919حول الاملاك العامة و المتمم بالظهيرين 1914فاتح يوليوز 1332الظهير الشريف الصادر في السابع من شعبان [9]

للتنفيد الدستور 2011يوليوز23 الموافق 1432شعبان27 الصادر بتاريخ 1-11-91ظهير شريف رقم [10]

17-18ص2014  تقرير المجلس الاقتصادي و الاجتماعي و البيئي حول الحكامة عن طريق التدبير المندمج للموارد المائية للسنة [11]

 2013سنة94محمد البعدوي ،المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية عدد[12]

60ص2007محمد صافي يوسف م،بدأ الاحتياط البيئي لوقوع الاضرار البيئية دراسة في اطار القانون الدولي  دار النهضة العربية القاهرة [13]

24حسون عبد الغني، نفس المرجع السابق ص[14]

[15] MARTIN-BIDOU ,le principe de précutation en droit international de l environnement, RGDIP ;octobre- décembre ;p 633

[16] المادة الخامسة من قانون 36/15 (يتكون الملك العام المائي من جميع المياه القارية سواء كانت سطحية او جوفية او عذبة او اجاج او مالحة او معدنية او مستعملة و كذا مياه البحر المحلات المسال في  الملك العمومي المائي و ماحقاتها المخصص لاستعمال عمومية

[17] André de laubadere ,traité de droit administratif tom 2,edition 12 , page 224 

[18] بوجمعة بوعزاوي ،القانون الاداري للأملاك الطبعة الاولى 2013

11-12ص2016سنة 16هناء بنطامة، نزع الملكية كإجراء لتنفيذ وثائق التعمير سلسلة البحوث الجامعية العدد  [19]

[20] ظهير شريف رقم 254-81-1 صادر في 11 من رجب 1402 بتنفيذ القانون رقم 81-7 المتعلق بنزع الملكية لأجل المنفعة العامة وبالاحتلال المؤقت (ج. ر. بتاريخ 3 رمضان 1403 – 15 يونيه 1983).

1432 من ذي الحجة لسنة25  الصادر في  1-11-178  المتعلق بمدونة الحقوق العينية الصادرة بتنفيد الظهير الشريف رقم 39-08 القانون رقم [21]

[22]  ظهير شريف رقم 1-16-113  الصار في 6ذي القعدة 1434 بتنفيذ قانون رقم 36-15 المتعلق بالماء  ج ر عدد6494   بتاريخ 25 /08/2016 ص6305

355 ص 2009طارق ابراهيم  الامن البيئي النظام القانوني لحماية البيئة دار الجامعة الجديدة مصر [23]

24المادة 28   من الظهير الشريف رقم 1-16-113  الصار في 6ذي القعدة 1434 بتنفيذ قانون رقم 36-15 المتعلق بالماء  ج ر عدد6494   

[25] الجريدة الرسمية رقم 4558 الصادرة يوم الخميس 5 فبراير 1998 مرسوم رقم 2-97-487 بتحديد مسطرة منح التراخيص والامتيازات المتعلقة بالملك العام المائي

[26] المادة31 من الظهير الشريف رقم 1-16-113  الصار في 6ذي القعدة 1434 بتنفيذ قانون رقم 36-15 المتعلق بالماء  ج ر عدد6494   

[27] المادة  33من ظهير شريف رقم 1-16-113  الصار في 6ذي القعدة 1434 بتنفيذ قانون رقم 36-15 المتعلق بالماء  ج ر عدد6494   

من ظهير شريف رقم 1-16-113  الصار في 6ذي القعدة 1434 بتنفيذ قانون رقم 36-15 المتعلق بالماء  ج ر عدد6494   من الظهير الشريف35 المادة [28]

المتعلق بالتقييم البيئي 19-49مشروع قانون رقم [29]

Exit mobile version