تمارس الإدارة العمومية مجموعة من المهام والصلاحيات على قدر كبير من الأهمية وذلك لارتباطها بتلبية حاجيات الأفراد والسهر على حماية النظام العام، ولهذه الغاية مكنها المشرع من مجموعة من الإمكانيات والامتيازات، لكن الاستعمال غير الصحيح لهذه الأخيرة أو سوء استعمالها قد يؤدي إلى نشوء نزاعات بينها وبين المستفيدين من خدماتها، لهذا كان من الضروري إخضاعها لرقابة جهة محايدة ومستقلة، حماية لحقوق الأفراد وحرياتهم، وهي جهة القضاء.
وتقرير رقابة القضاء على أعمال الإدارة لا يعدو أن يكون سوى إلزام الإدارة باحترام أحكام القانون ومبدأ المشروعية، وكل خروج عنها يعطي للجهات القضائية المختصة، ولا سيما القضاء الإداري، حق إلغاء قراراتها غير المشروعة أو مطالبتها بتقديم تعويض عن الأضرار المادية أو المعنوية أو هما معًا، التي تسببت فيها للغير بسبب تصرفاتها غير المشروعة، فيقع على عاتق القاضي الإداري إعادة التوازن بين الطرفين لحمل الإدارة على احترام مبدأ المشروعية الإدارية وحماية المواطن من تجاوز وتعسف الإدارة في استعمال سلطتها وامتيازاتها.
ولئن كانت منازعات الدولة والإدارات العمومية تعتبر تجسيدا لدولة الحق والقانون وفقا لأحكام الفصل 6 من دستور المملكة الذي ينص على أن: «القانون هو أسمى تعبير عن إرادة الأمة والجميع أشخاصا ذاتيين أو اعتباريين، بما فيهم السلطات العمومية، متساوون أمامه، وملزمون بالامتثال له»، فإنه بالمقابل يجب ألا تتحول المنازعات إلى عقبة تؤثر سلبا على نجاعة الإدارة وعلى توازن المالية العمومية، وتحول دون نجاح الاستثمار والبرامج العمومية.
إن التدبير الجيد لمنازعات الدولة والإدارات العمومية، يقتضي المزاوجة بين دعم القدرات للدفاع عن حقوق الدولة والمال العام أمام القضاء وهيئات التحكيم، وبين الوقاية من المنازعات عبر تنفيذ برامج للوقاية والحيلولة دون تكرار أعمال تترتب عنها تحملات مالية مهمة. فضلا عن إرساء منظومة لليقظة بغية الرفع من منسوب التوقع القانوني وملاءمة نشاط الإدارة مع مستجدات التشريع والاجتهاد القضائي وسوابق التحكيم، خاصة وأن الآونة الأخيرة تميزت بارتفاع مضطرد لحجم الدعاوى القضائية المرفوعة في مواجهة الإدارة، مما يعتبر مؤشرا إيجابيا دالا على ارتفاع المنسوب الحقوقي ببلادنا في ظل المقتضيات الدستورية ذات الصلة.
من هنا جاءت فكرة هذا المؤلف الجماعي الذي يعتبر ثمرة مجهود مشترك اختير له كعنوان: «المنازعات الإدارية بالمغرب في ضوء المستجدات الدستورية والتشريعية والتنظيمية والقضائية»، والذي يحاول ملامسة العديد من الإشكالات التي تنشأ عن المنازعات الإدارية.
ويكتسي هذا المؤلف أهميته من وحدة الموضوع، وتعدد المساهمين من أساتذة جامعيين وباحثين بسلك الدكتوراه، وكذا تنوع محتوى المساهمات العلمية، التي تسعى الى فهم وملاءمة مجالات تدخل القضاء للبت في مختلف المنازعات الإدارية المعروضة عليه، لا سيما وأنه تضمن بين دفاته أربعة محاور رئيسية توزعت بين :
- محور أول خصص للدراسات والأبحاث؛
- ومحور ثان للتعليق على الأحكام والقرارات القضائية؛
- ومحور ثالث تم فيه عرض مجموعة من القرارات والدوريات والمناشير؛
- ومحور رابع وأخير يتعلق بالعمل القضائي الصادر عن القضاء الإداري ببلادنا.
لا شك أن هذا التنوع بمختلف صوره وأشكاله، يفرز مادة علمية دسمة في مجال المنازعات الادارية، تسهم في تعزيز النقاش العمومي، وبلورة رؤى الباحثين والمهتمين والممارسين في مجال القضاء الإداري.
إن المساهمات البحثية الجادة، والخاصة بمواضيع هذا المؤلف الجماعي ستشكل بحق مرجعا قيماً لكل المهتمين بهذا النوع من القضايا، سواء كانوا باحثين أو مختصين أو حتى المتضررين أنفسهم الذين يسعون إلى الدفاع عن حقوقهم المشروعة، لأنه سيوفر لهم الأدوات والمعرفة اللازمة لتعميق ملامسة هذه القضايا المعقدة واتخاذ القرارات المناسبة، كما من شأنه أن يغني الخزانة القانونية ببلادنا
في الختم، يسرني أن أعبر عن امتناني وشكري موصول لكافة الباحثات والباحثين على إسهاماتهم العلمية النوعية والمتميزة ،والشكر موصول الى كل من ساهم في إخراجه الى الوجود.
والله من وراء القصد وهو يهدي السبيل
.
.
والله ولي التوفيق
وحرر بالدارالبيضاء في: 04 ابريل 2025
الدكتور : رضوان العنبي
أستاذ زائر بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية –عين الشق-الدارالبيضاء
مدير مجلة المنارة للدراسات القانونية واادارية