Site icon مجلة المنارة

قراءة في بعض إشكالات نظام المساعدة القضائية في القانون المغربي” مقاربة نظرية وعملية “

قراءة في بعض إشكالات نظام المساعدة القضائية في القانون المغربي

” مقاربة نظرية وعملية “

مبارك الازعر

باحث في سلك الدكتوراه

مختبر البحث في القانون والفقه والعمل القضائي

كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بأكادير

أستاذ عرضي بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بأيت ملول

جامعة ابن زهر

مقدمة

لم يكن قانون المساعدة القضائية معروفا بالمغرب قبل سنة 1912، فأول تشريع نظمها هو قانون 12 غشت 1913، الذي كان يطبق أمام المحاكم العصرية فقط، مقتبسا من قانون 1851 الفرنسي، وانسجاما مع قانون المغربة والتوحيد الذين أقرهما قانون 26 يناير 1965، صدر قانون جديد ينظم المساعدة القضائية على ضوء المستجدات التي أفرزها القانون السابق[1].

                        واستنادا إلى ذلك،نظم المشرع المغربي المساعدة القضائية بمقتضى المرسوم الملكي بمثابة قانون الصادر بتاريخ فاتح نونبر 1966[2]، كما نظم البعض من عناصرها بمقتضى مجموعة من النصوص الخاصة المتفرقة كقانون المسطرة المدنية[3] والقانون المنظم لمهنة المحاماة[4] وظهير التعويض عن حوادث الشغل والأمراض المهنية[5]، بالإضافة إلى نصوص أخرى واردة في قوانين خاصة.

                        ويمكن تعريف نظام المساعدة القضائية بأنه مؤسسة تسعف كل متقاض أثبت عوزه من الإعفاء من أداء الرسوم والمصاريف القضائية اللازمة لممارسة الدعوى القضائية، أو ممارسة طعن أو أي إجراء قضائي آخر، مع إمكانية استفادته من خدمات محام يؤازره في دعواه بدون أي مقابل مادي، وذلك إما بقوة القانون أو بناء على طلب يقدمه إلى الجهة المختصة[6].

ويعاني نظام المساعدة القضائية بالمغرب العديد من الإشكالات التي تعترض التطبيق السليم لهذا النظام الحيوي الذي يرتبط بمبادئ قضائية جوهرية لعل أبرزها مبدأ المساواة أمام القضاء، مبدأ حق الولوجية إلى القضاء، ومبدأ المجانية[7]، لكن وبعد مرور ما يقارب 54 سنة على إقراره، نتساءل عن مدى إمكانية استمرار العمل بالمرسوم الملكي المنظم للمساعدة القضائية؟ أم أن الحاجة باتت ملحة لإعادة النظر فيه ومحاولة إصلاحه؟

ولمعالجة هذا الموضوع على نحو يشمل كافة عناصره، قررنا أن نخصص شقه الأول للإشكالات القانونية لنظام المساعدة القضائية المغربي، (المبحث الأول)، على أن نفرد الشق الثاني للإشكالات العملية لهذا النظام (المبحث الثاني).

المبحث الأول: الإشكالات القانونية لنظام المساعدة القضائية

                        إن أبرز الإشكالات القانونية التي يعاني منها هذا النظام تتجلى في عدم مواكبته للتطورات المتسارعة التي أصبحت تميز المنظومة القانونية والقضائية بالمغرب (المطلب الأول)، إضافة إلى إشكال مرور عقود من الزمن على إصداره (المطلب الثاني).  

المطلب الأول: عدم مواكبة المرسوم المنظم للمساعدة القضائية للمنظومة القانونية والقضائية

سنتطرق بداية لإشكالية تشتت المقتضيات القانونية المنظمة للمساعدة القضائية (الفقرة الاولى)، لنتطرق بعد ذلك لإشكالية أخرى وهي تناقض النص المنظم للمساعدة القضائية مع نصوص قانونية أخرى (الفقرة الثانية).

الفقرة الأولى: تشتت المقتضيات المنظمة للمساعدة القضائية

لعل من بين المؤاخذات التي تسجل على نظام المساعدة القضائية بالمغرب الحالي، هو اعتماد الممارسة العملية لنظام المساعدة القضائية على نصوص متعددة ومتشتتة، فبالإضافة إلى المرسوم الملكي الصادر في 1966، فإن الأمر يتجاوز ذلك إلى مجموعة من النصوص القانونية المتفرقة، ومنها:

كل مخالفة لهذه المقتضيات تعرض مرتكبها للعقوبات المنصوص عليها في الفصل 243 من القانون الجنائي “.

ويظهر مما سبق، أن الحاجة أصبحت ماسة إلى جمع شتات النصوص القانونية المتفرقة المؤطرة لنظام المساعدة القضائية في قانون أساسي واحد، درءا لكل اختلاف أو ريب أو تجاذب بين النصوص، وأيضا في سبيل تبسيط المساطر المتعلقة بهذا النظام، وتيسير سبل الاستفادة منه.

الفقرة الثانية: تعارض النص المنظم للمساعدة القضائية مع نصوص أخرى

إن ما يزيد التأكيد على أن المرسوم المنظم للمساعدة القضائية لا يلاءم المنظومة القانونية المغربية، هو ما تتضمنه بعض مقتضياته من تناقض وعدم انسجام مع القوانين ذات الصلة، فعلى سبيل المثال تنص عليه الفقرة الثانية من الفصل 16 من المرسوم الملكي المنظم للمساعدة القضائية على أنه:

“… ويجب على كاتب المكتب في جميع الحالات التي وقع فيها سحب المساعدة القضائية أن يبلغ ذلك فورا إلى العون المختص بوزارة المالية الذي يقوم بالتحصيل والتوزيع تبعا للقواعد المبينة في الفصل 13 “.

فإذا كانت الفقرة الثانية من الفصل 16 المذكور أعلاه، تلزم كاتب المكتب بتبليغ سحب المساعدة القضائية إلى العون المختص بوزارة المالية الذي يقوم بالتحصيل والتوزيع، فإن هذا المقتضى سيطرح إشكالية مدى ملائمته مع المادة 3 من القانون 97ـ51 بمثابة مدونة تحصيل الديون العمومية[9] كما وقع تغييرها وتتميمها بمقتضى المادة 25 من قانون المالية لسنة 2005، والتي تنص على مجموعة من المحاسبين العموميين المكلفين بالتحصيل ـ كالخازن العام للمملكة، الخازن الرئيسي، المؤدي العام للأجور، الخزنة الجهويون، خزنة العمالات، الخزنة الإقليميون ـ ، وعليه يتضح مرة أخرى عدم ملائمة المرسوم الملكي بمثابة قانون المساعدة القضائية للقوانين ذات الصلة، لذلك نهيب المشرع التدخل لتعديله نفيا لأي تعارض، وللحيلولة دون الوقوع في إشكاليات يكون المتقاضي المعوز في غنى عنها.

المطلب الثاني: تقادم النص القانوني المنظم للمساعدة القضائية

إذا كان النص القانوني المنظم للمساعدة القضائية يعود إلى فترة الستينيات من القرن المنصرم، فإن عملية الاستفادة منه بشكل كبير لا تتحقق للعديد من مرتفقي العدالة في العقد الثاني من القرن الواحد والعشرين، وهذه النتيجة التي ليست من صنع الخيال وإنما ترجمة حقيقية لما حملته نتائج مجموعة من الدراسات والبحوث الميدانية[10]، التي تم انجازها حول هذا الموضوع، والتي عكست تحسر بعض المتقاضين لعدم استفادتهم منها لاعتبارات سنحاول ذكرها.

                        إن المرسوم الملكي بمثابة القانون المنظم للمساعدة القضائية لم يعد يواكب تطورات الحياة الاقتصادية والاجتماعية والعلاقات الأسرية الحديثة، علاوة على عدم مسايرته للتحولات التي عرفها التنظيم القضائي، بحيث لا يشمل مبدأ المساعدة القضائية النزاعات المعروضة على المحاكم المتخصصة[11]، باستثناء المادة 3 من القانون المحدث للمحاكم الإدارية[12]، والتي تخول لرئيس المحكمة الإدارية منح المساعدة القضائية طبقا للمسطرة المعمول بها في هذا المجال، وما جاء في القانون المحدثة بموجبه محاكم استئناف إدارية[13]، مع تسجيل بعض اللبس والغموض حول المساعدة القضائية أمام المحاكم التجارية، لا فيما يتعلق بإمكانية الاستفادة منها، أو الجهة المختصة بمنحها.

                        والحق يقال، أن نظام المساعدة القضائية كما كان معروفا في الأنظمة الغربية ولا زال قائما في القانون المغربي، أثبت عدم فاعليته، ولذلك فإن العديد من التشريعات قامت بتعديل هذا النظام منذ مدة، فالمشرع الفرنسي على سبيل المثال، قام بالمحاولات الأولى منذ تاريخ 3 دجنبر 1972 سعى من خلالها إلى إنقاذ هذا النظام، عن طريق تعميمه لكي يمتد إلى المساعدة الجزئية إلى جانب المساعدة الكلية[14].

                        بالرغم من ذلك، فإن هذا الإصلاح الجزئي لم يأتي بنتائج مهمة، لذلك عمد المشرع الفرنسي مرة أخرى عل تعديله بشكل جذري عن طريق إحداث ما يسمى بنظام المساعدة القانونية الصادر بتاريخ 10 يوليوز 1991، والذي تم تعديله هو الآخر بتاريخ 18 دجنبر 1999 بمقتضى القانون رقم 1163ـ98[15]، وهو ما ليس عليه الحال بالنسبة للقانون المغربي، حيث بقي المرسوم الملكي المنظم للمساعدة القضائية على ما هو عليه إلى حدود اليوم، اللهم التعديل الوحيد الذي لحق الفصل 13 منه بمقتضى قانون المالية لسنة 1992.

 المبحث الثاني: الإشكالات العملية لنظام المساعدة القضائية

 سنخصص هذا المبحث لدراسة العديد من الإشكالات العملية التي يتخبط فيها نظام المساعدة القضائية في القانون المغربي، ولعل أبرز وأخطر هذه الإشكالات هو جهل المتقاضين أصلا بمضمون هذا النظام الذي توصلت إليه العديد من الدراسات الميدانية المنجزة في هذا الصدد، (المطلب الأول).

فضلا عن إشكالات ومعيقات أخرى جعلت الحاجة ملحة أكثر من أي وقت مضى إلى إصلاح هذا النظام بشكل يستجيب للتطورات التي يشهدها المغرب على الصعيدين القانوني والقضائي (المطلب الثاني).

المطلب الأول: إشكالية جهل المتقاضين بمضمون نظام المساعدة القضائية

إن التطبيق السليم لنظام المساعدة القضائية يصطدم بإشكالية أخرى أكثر تعقيدا، ألا وهي جهل المتقاضين بمضمونها، حيث يفترض قياس تفعيل المساعدة القضائية في الحياة القضائية للمتقاضي المعوز، مسائلة هذا الأخير حولها وحول شروطها، ولكن قبل هذا وذاك عن مدى معرفته بهذا النظام الذي يعتبر جوهر ضمان ولوج جميع الفئات الاجتماعية إلى العدالة والاستفادة من خدماتها التي تعتبر حقا مشروعا يضمن الحقوق ويثبت الأمن بين المواطنين[16].

وعن جهل المتقاضين بمضمون هذا النظام، يرى بعض الباحثين أن ” حالة الفقر التي تعيشها فئات واسعة من المجتمع المغربي تحول بينها وبين اللجوء إلى القضاء، وحالة الأمية التي تعانيها شرائح عريضة من المجتمع تحول بينها وبين الاستفادة من المساعدة القضائية، فهي لم تسمع بهذه الأخيرة لا في التلفزة ولا على أمواج الإذاعة، وحتى داخل المحاكم لا توجد ملصقات ولا إعلانات تعرف المواطن بحقيقة وجود نظام يكفل حق الولوج إلى القضاء بالمجان “[17].

وقد أسفرت البحوث والدراسات الميدانية التي أجريت بخصوص إمكانية استفادة المتقاضين الذين شكلوا عينة هذه الدراسات من المساعدة القضائية، عن نتائج مخجلة لمدى سريان هذا الإجراء المهم بين مرتفقي العدالة، حيث أنه ومن خلال القراءة السريعة لهذه الدراسات، يتضح أن الأسباب الحقيقية الكامنة وراء عدم الاستفادة من هذا النظام تتجلى بالأساس في عدم معرفة المتقاضين أصلا بوجود نظام المساعدة القضائية[18].

إن النسبة المستفيدة من المساعدة القضائية وإن كانت ضئيلة مقارنة مع عدد المتقاضين المعوزين، إلا أنها تعبر عن واقع الممارسة الذي تنفتح عليه منظومة العدالة، وإن كانت هذه الوضعية تدعوا إلى التفكير بجدية في وضع برامج تشرك فيها المواطنين بصفة خاصة، حيث بالاستناد إلى المرسوم الملكي المنظم للمساعدة القضائية، والأبحاث التي أجريت بهذا الخصوص، يتضح بشكل لا ريب فيه اللبس القانوني الكبير الذي يتخبط فيه المتقاضي، إن لم نقل الجهل بالقانون الذي يكفل هذا الحق من الأساس.

حيث تم اختبار متغير مهم في إطار الدراسات الميدانية، والذي لطالما اعتبر مهما في فهم وتفسير العديد من الظواهر، ويتعلق الأمر بمتغير المستوى الدراسي للمتقاضين، لمعرفة العلاقة بين المستوى الدراسي ومدى المعرفة بالمساعدة القضائية والاستفادة منها، وخلصت إلى تقارب كبير بين نسب الجهل بهذا النظام حسب جميع وضعيات التمدرس وعدمها[19].

واستنادا إلى ما سبق يتضح، أن من بين أهم إشكاليات نظام المساعدة القضائية من الناحية العملية، هو غياب الوعي من قبل المتقاضين بصفة عامة والمتقاضين المعوزين بصفة خاصة، حيث أن هناك حالات كثيرة من المتقاضين بحاجة ماسة إلى المساعدة القضائية، ولم يطلبوها، ومن بين الأسباب التي حالت دون ذلك هو عدم الوعي بهذا النظام، فالممارسة العملية أثبتت أن بعض الهيئات القضائية لا تسدي النصح للمتقاضين لتوعيتهم بهذا النظام[20].

 فبين الجهل بالقانون المنظم للمساعدة القضائية عند البعض من مرتفقي العدالة، وتشتت نصوصه وغموضها أحيانا أخرى، يبقى نظام المساعدة القضائية أمام محك أداء الرسالة التي أقر من أجلها، حيث يواجه هذا النظام العديد من الصعوبات والعراقيل كما مر معنا، منها ما هو مرتبط بجهل المتقاضين بمضمونه، ومنها ما يتعلق بغموض النص القانوني في تحديد بعض الإجراءات التي تجعل التوافق على جوهره في خدمة العدالة ومساعدي القضاء والمتقاضين على حد السواء، وبالتالي فإن تحقيق إصلاح منظومة العدالة، وتفعيل مبدأ المساواة أمام القضاء والقانون، يصعب الحديث عنه بل ولن يتأتى في نظرنا إلا بإعادة النظر في نظام المساعدة القضائية.

المطلب الثاني: قراءة في ضوء مشروع القانون رقم 10ـ58 المنظم للمساعدة القانونية والقضائية

بعدما تعالت أصوات الباحثين والممارسين مطالبة بسن نظام جديد للمساعدة القضائية، وجعله مواكبا للتطور الذي عرفه النظام القانوني والقضائي المغربي، تراءت بالفعل ملامح التغيير، في سبيل تجاوز الصعوبات التي أفرزها التعامل بنظام المساعدة القضائية الحالي، حيث تم سن مشروع القانون رقم 10ـ58 المتعلق بالمساعدة القانونية والقضائية من طرف وزارة العدل[21].

وما تجدر الإشارة إليه بداية، هو أن هذا المشروع أحيط بسرية تامة أثناء صياغته، إضافة إلى إبعاده على النقاش العمومي، رغم أنه قانون يهم شريحة هامة من المجتمع، ويرتبط بحق التقاضي بالنسبة للفئات الفقيرة، إضافة إلى ذلك فإن هذا المشروع لم يرى النور منذ سنة 2010 إلى حدود اليوم، وتم إقباره، وحذفه من جميع المواقع الرسمية (الموقع الرسمي لوزارة العدل والموقع الرسمي للأمانة العامة للحكومة)، مما يطرح معه التساؤل عن مصير هذا المشروع وعن الأشواط التي قطعها.

وقد تضمن هذا المشروع، حسب واضعيه مقتضيات ستكفل حق الشخص في الولوج إلى العدالة وتقريب القضاء من المتقاضين من الناحيتين المعنوية والإجرائية، والموازنة بين الاعتبارات المالية، والاجتماعية والإنسانية قبل منح المساعدة المطلوبة، الأمر الذي من شأنه تكريس مبدأ المساواة أمام القضاء واحترام حقوق الدفاع وقواعد المحاكمة العادلة، حيث يهدف هذا المشروع كإطار قانوني عام لتنظيم المساعدة القانونية والقضائية تحقيق عدة غايات[22]، وتجاوز الإشكالات التي يتخبط فيها القانون الحالي[23].

فأول ما يلاحظ على هذا المشروع، هو تضمنه لمقتضيات جديدة تتعلق  بالمساعدة القانونية، وذلك من خلال تمكين المتقاضين عبر مكاتب يتم إحداثها بمحاكم المملكة من الإرشاد والتوجيه والتوعية بالإجراءات الإدارية والقضائية، على أن يتم تحديد تشكيلة هذه المكاتب وطريقة عملها بمقتضى نص تنظيمي[24].

كما حاول مشروع القانون جمع شتات النصوص القانونية المتفرقة في قانون أساسي واحد، باعتبار النظام الحالي كما سبق وأشرنا تتجاذبه نصوص متفرقة بين أكثر من قانون، بالإضافة إلى توسيع مجال الأشخاص المستفيدين من المساعدة القضائية[25]، وتمديد نطاق هذه المساعدة لحالات ووضعيات اجتماعية صعبة أحوج ما تكون إليها[26]، كذوي الاحتياجات الخاصة، والمهاجرين وطالبي اللجوء، وضحايا الإرهاب، وضحايا العنف ضد النساء[27].

ووضع المشروع أيضا مقتضيات خاصة بتحديد أتعاب المحامين في إطار المساعدة القضائية، إلا أنه اكتفى بالنقل الحرفي لمحتوى المادة 41 من القانون المنظم لمهنة المحاماة، ولم يأتي بأي جديد يذكر، اللهم  محاولته جمع شتات النصوص المتفرقة[28]، وفي نفس الصدد رتب المشروع المسؤولية المدنية عن إخلال أو تقصير المحامي في مباشرة المساعدة القضائية[29]، ومن شأن تطبيق هذا المقتضى حسب العديد من الباحثين[30] ردع العديد من المحامين والمساهمة في تخليهم عن سلوكياتهم اللامبالية والتي يطبعها التهاون كلما تعلق الأمر بملف المساعدة القضائية[31].

وحاصل القول، أن هذا المشروع حاول تجاوز بعض نقائص النظام الحالي، حيث صرحت مذكرته التقديمية بأنه يهدف إلى تحقيق عدة غايات، من خلال الاستجابة لكثير من مطالب الحقوقيين والفئات المتدخلة في جهاز العدالة، ويتأكد ذلك من خلاله حرصه على ما يلي[32]:

كما أن هذا المشروع ، وبما له من حمولة قانونية أقل ما يمكن القول عنها أنها خطوة إلى الأمام تروم فاعلية مؤسسة المساعدة القضائية، فإنه بدوره حفته مجموعة من الإختلالات.

ويتأكد ذلك من خلال السرية التامة التي أحيط بها في مختلف أطوار إعداده والتي تشكل سمة سلبية، وتكرس الاستفراد بالقرار، فإنه لم يسمح بالإطلاع عليه إلا في الآونة الأخيرة، مما ينم عن إبعاد موضوع مهم ذو حمولة اجتماعية وحقوقية عن النقاش العمومي البناء، كما لم يتوفق المشروع ذاته في إيجاد جميع الأجوبة الكفيلة بتجاوز كافة المعيقات التي تطبع النظام الحالي[33].

إذ حافظ المشروع المذكور على نفس الهيكلة التي يقدمها المرسوم الملكي بمثابة قانون المساعدة القضائية الحالي، ولم يتجرأ على تقديم مقترحات جذرية، كما حافظ على نفس طرق منح المساعدة القضائية، وأثقل ذلك بآجال طويلة ومساطر تتناقض والرغبة في تبسيط المسطرة والإجراءات[34]، فعلى سبيل المثال فإن بعض مقتضياته ـ منها المادة 23 ـ لا تسعف على هذا الفهم، نظرا لاشتراطها على طالب المساعدة القضائية أن يثبت أن دخله الشهري لا يتجاوز الحد الأدنى القانوني للأجور، أو يدلي بشهادة تثبت وضعيته المادية مسلمة من السلطات المحلية المختصة، أو من السلطات الدبلوماسية أو القنصلية المختصة وشهادة بعدم الضرائب.

خاتمة:

بعدما حاولنا البحث من خلال هذه الدراسة المقتضبة عن أبرز الإرهاصات التي يعاني منها نظام المساعدة القضائية في القانون المغربي، الأمر الذي مكننا من الإطلاع على أهم التشريعات المرتبطة خصوصا بنظام المساعدة القضائية بالمغرب، وتقييمها في ضوء التطورات التي عرفها المجتمع المغربي على كافة المستويات، وما لحق منظومة العدالة من تحولات، وما وصلت إليه التشريعات المقارنة التي كانت محط دراستنا من تطورات، نخلص إلى أن نظام المساعدة القضائية بشكل عام يعاني من اختلالات عميقة، أدت إلى بون وهوة شاسعين بين المتقاضين ومؤسسات العدالة بشكل عام، مما أثر سلبا في ثقتهم في جهاز العدالة، وتتجلى هذه الاختلالات في مجموعة من المظاهر ، منها ما يتعلق بالجانب التنظيمي، والجانب الإجرائي، وأخرى تتعلق بالأرضية القانونية.

وما تجدر الإشارة إليه في الأخير هو أن نظام المساعدة القضائية لم يعد في عصر الحقوق والحريات مسألة القيام بعمل إحساني، أو حضور الدفاع، بل إنه أضحى مسألة من صميم عمل الدولة، وجزءا من سياستها الاجتماعية، وآلية من آليات تحقيق السلم الاجتماعي، وتكريسا لقاعدة المساواة بين المواطنين أمام القضاء والقانون، والحرص على تكافؤ الفرص في الدفاع عن الحقوق وقدسية القانون، لذلك فإن نظام المساعدة القضائية يتجاوز طابعه التقني ليفصح عن طابعه الحقوقي الاجتماعي.


[1] ـ يعتبر قانون المساعدة القضائية لسنة الصادر في 22 يناير 1851 أول قانون متكامل يتناول هذا الموضوع في فرنسا، وكانت المبادئ التي تضمنها هذا القانون أساسا لقوانين المساعدة اللاحقة، لذا يرفعه بعض الباحثين إلى منزلة الدستور بالنسبة لها، وهو أساس قوانين المساعدة التالية له، ولا يعني ذلك عدم تنظيم المساعدة قبل صدور قانون 1851، فهناك محاولات عديدة سبقت صدور هذا القانون، إلا أنها كانت قاصرة، لأنها تناولت المساعدة القضائية في مواضع متفرقة، وفي نصوص متناثرة في ثنايا القوانين التي تتناول أساسا موضوعات أخرى.

ينظر: ـ السيد عبد العال تمام، المساعدة القانونية، دار النهضة العربية، (بدون ذكر باقي البيانات)، ص 25.

لكن بالنسبة لبعض التشريعات الأخرى، فقد تأخر صدور أول قانون للمساعدة القضائية، ففي التشريع الانجليزي مثلا صدر أول قانون للمساعدة القضائية في يوليو 1949، فأمكن بذلك للطبقات الفقيرة ولوج القضاء بدون تحمل نفقاته، وذوو الموارد المحدودة صار بوسعهم رفع دعاويهم على حساب الدولة، كما يحق لهم تنصيب محامين من اختيارهم دون التحمل بأتعابهم.

يراجع: ـ اللورد ديننج، آفاق القانون في المستقبل، ترجمة هنري رياض و عبد العزيز صفوت، دار الجيل، بيروت، الطبعة الأولى، سنة 1991، ص 113. 

[2] ـ مرسوم ملكي رقم 65-514 بتاريخ 17 رجب 1386 بمثابة قانون يتعلق بالمساعدة القضائية؛ الجريدة الرسمية عدد 2820 بتاريخ 3 شعبان 1386 (16 نونبر 1966)، ص 2379؛ كما تم تغييره بمقتضى المادة 15 من الظهير الشريف رقم 1.92.280 الصادر في 4 رجب 1413 (29 ديسمبر 1992) المعتبر بمثابة قانون المالية لسنة 1993؛ الجريدة الرسمية عدد 4183 بتاريخ 5 رجب 1413 (30 ديسمبر 1992)، ص 1836.

[3] ـ ظهير شريف بمثابة قانون رقم 1.74.447 بتاريخ 11 رمضان 1394 (28 شتنبر 1974) بالمصادقة على نص قانون المسطرة المدنية، كما وقع تغييره وتتميمه الجريدة الرسمية عدد 2330 مكرر بتاريخ 13 رمضان 1394 (30 شتنبر 1974)، ص 2741.

[4] ـ ظهير شريف رقم 1.08.101 صادر في 20 من شوال 1429 (20 أكتوبر 2008) بتنفيذ القانون رقم 28.08 المتعلق بتعديل القانون المنظم لمهنة المحاماة، الجريدة الرسمية عدد 5680 بتاريخ 7 ذو القعدة 1429 (6 نوفمبر 2008)، ص 4044.

[5] ـ ظهير شريف رقم 190ـ14ـ1 صادر في 06 ربيع الأول 1436 (29 ديسمبر 2014) بتنفيذ القانون 12ـ18 المتعلق بالتعويض عن حوادث الشغل، الجريدة الرسمية عدد 6328 بتاريخ 01 ربيع الأول 1436 (22 يناير 2015)، ص 489.

[6] ـ لمزيد من التوسع، راجع: مبارك الازعر، نظام المساعدة القضائية في القانون المغربي بين النص القانوني ومتطلبات الاصلاح، رسالة لنيل دبلوم الماستر في القانون الخاص، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية أكادير، جامعة ابن زهر، السنة الجامعة 2016ـ2017، ص 25 وما يليها.

[7] ـ راجع: عتيقة بلجبل، علاقة مبدأ المساواة أمام القضاء بكفالة حق التقاضي، مجلة الاجتهاد القضائي، العدد التاسع، ص 160 وما يليها.

[8] ـ جاء في الفقرة الأولى من الفصل 56 ما يلي: ” يأمر القاضي المقرر أو القاضي المكلف بالقضية شفويا أو برسالة مضمونة من كتابة الضبط – الطرف الذي طلب منه إجراء من إجراءات التحقيق المشار إليها في الفصل 55 أو الأطراف الذين وقع اتفاق بينهم على طلب الإجراء أو تلقائيا – بإيداع مبلغ مسبق يحدده لتسديد صوائر الإجراء المأمور به عدا إذا كان الأطراف أو أحدهم استفاد من المساعدة القضائية … “.

[9] ـ ظهير شريف رقم 1.00.175 صادر في 28 من محرم 1421 ( 3 ماي 2000) بتنفيذ القانون رقم 15.97 بمثابة مدونة تحصيل الديون العمومية.

[10] ـ من بين الدراسات والبحوث الميدانية التي توصلت إلى هذه النتائج، راجع:

ـ جمعية عدالة، مرجع سابق، ص 66 وما يليها.

ـ عبد العزيز إدزني، مرجع سابق، ص 255 وما يليها. 

[11] ـ وزارة العدل، دليل محاكم الاستئناف الإدارية والمحاكم الإدارية، منشورات جمعية نشر المعلومة القانونية والقضائية، العدد 18، مارس سنة 2009، ص 92.

[12] ـ ظهير شريف رقم 1.91.225 صادر في 22 من ربيع الأول 1414 (10 سبتمبر 1993) بتنفيذ القانون رقم41.90 المحدث بموجبه محاكم إدارية، منشور بالجريدة الرسمية عدد 4858 بتاريخ 21 دجنبر 2000.

[13] ـ راجع في ذلك: محمد النجاري، المساعدة القضائية أمام المحاكم الإدارية، مجلة المحامي، العدد 25ـ26، سنة 1994.

[14] ـ عبد الرحمان الشرقاوي، عبد الرحمان الشرقاوي، التنظيم القضائي بين العدالة المؤسساتية والعدالة المكملة أو البديلة، مطبعة ياديب، الرباط، الطبعة الثالثة، سنة 2017، ، ص 26.

[15] ـ نشير إلى أنه، استمرت التعديلات المُدخلة على قانون المساعدة القانونية الفرنسي إلى حدود سنة 2016، وذلك بمقتضى القانون رقم 274ـ2016 الصادر في 07 مارس 2016.

وعلى غرار المشرع الفرنسي، سعت مجموعة من التشريعات المقارنة إلى تطوير أنظمتها المتعلقة بالمساعدة القضائية وتطويعها لتتلاءم مع تطور منظومتها القانونية والقضائية، ومن هذه التشريعات نذكر المشرع التونسي، الذي كان ينظم الإعانة العدلية بموجب الأمر المؤرخ في 13 فبراير 1922، وتم تدعيمه بعد إحداث هياكل القضاء الإداري بالأمر عدد 882 لسنة 1972، المؤرخ في 26 سبتمبر 1974، المتعلق بالإعانة العدلية لدى المحاكم الإدارية، وبعد ذلك وقع إلغاء أمر سنة 1922 وإصدار القانون عدد 52 لسنة 2002 المؤرخ في 3 جوان 2002 والمتعلق بالإعانة العدلية.

ـ يراجع أحمد الورفلي، التقرير التمهيدي للدورة الدراسية المنظمة من طرف المعهد الأعلى للقضاء بتونس، في موضوع ” الإعانة العدلية “، يوم: 17 أكتوبر 2017، ص 4.

ونفس الأمر بالنسبة للتشريع الجزائري، حيث تم إخضاع قانون المساعدة القضائية لعدة تعديلات استمرت إلى حدود سنة 2009، فبعد إقرار الدستور الجزائري للمساعدة القضائية، جسدها المشرع الجزائري وأصبح العمل بها حقيقة منذ صدور الأمر رقم 66ـ158 المؤرخ في 8 يونيو 1966 المتعلق بالمساعدة القضائية، وتم تعديله بعد ذلك بالأمر رقم 66ـ298 المؤرخ في 26 سبتمبر 1966، هذا الأخير التي تم إلغاؤه بموجب الأمر رقم 71ـ57 المؤرخ في 3 غشت 1971 الساري المفعول، ليتم بعد ذلك تعديله بالقانون رقم 01ـ06 المؤرخ في 22 يوليوز 2006، وكذا بالقانون 09ـ2009 المؤرخ في 25 فبراير 2009.

ـ يراجع: يوسف دلاندة، قانون المساعدة القضائية، دار هومة للطباعة والنشر والتوزيع، الجزائر، (الطبعة غير مذكورة)، سنة 2009، ص 2.

بيد أن المشرع المغربي ـ وللأسف الشديد ـ لم يساير هذا الركب، حيث بقي المرسوم الملكي لسنة 1966، بما يحمله من ثغرات وإشكالات، دون تعديل أو مراجعة إلى حدود اليوم، اللهم التعديل اليتيم بمقتضى قانون المالية لسنة 1992 والذي لم يكن جوهريا حيث شمل فقط الفصل 13 منه.      

[16] ـ جمعية عدالة، الحق في الولوج إلى العدالة ومعايير المحاكمة العادلة، منشور بشراكة مع مؤسسة فريدريش ايبرت وبدعم من وزارة الخارجية الألمانية، (باقي البيانات غير مذكورة)، ص 66.

[17] ـ رشيد صدوق، إستراتجية تنمية العدالة بالمغرب، دار النشر المغربية، الدار البيضاء، (بدون ذكر الطبعة)، سنة 2013، ص 102.

[18] ـ وفي هذا السياق، تندرج النتائج المحصل عليها من الدراسات الميدانية حول مدى استفادة المتقاضين من المساعدة القضائية وحول علمهم بوجودها، تبرز نسبة %93 من مجموع المتقاضين المستجوبين لم يستفيدوا من المساعدة القضائية كما يمنحها لهم القانون لمن يستحقها، في مقابل %07 فقط ممن أجابوا بأنهم قد استفادوا من هذه المساعدة.

فالأسباب الحقيقية الكامنة وراء عدم الاستفادة من نظام المساعدة القضائية تتوزع حسب هذه الدراسات على الشكل التالي، والتي يتصدرها عدم معرفة المتقاضين أصلا بوجود نظام المساعدة القضائية بنسبة %66 ممن أجابوا بأنهم لم يستفيدوا من هذه المساعدة، متبوعة بنسبة %21 ممن اعتبروا أن القضايا التي تقدموا بموجبها إلى العدالة لا تحتاج إلى مساعدة قضائية بالرغم من أن هذه الأخيرة لم يحدد نوع القضايا التي سيستفيد أصحابها من هذا الامتياز القانوني، بقدر ما هو نظام موجه لمساعدة الأشخاص المعوزين غير القادرين على تحمل صوائر الدعوى بشكل عام.

وفيما يتعلق بنفس الدراسة الميدانية، وأثناء وضع اختيار ” القضية لا تحتاج إلى المساعدة القضائية “، إلى جانب خيارات أخرى كان الغرض منها جس النبض لدى المتقاضين، هل يعلم بالجوهر المقصود من المساعدة القضائية أم أنه يجب عن شيء لا يعلم مغزاه كما اتضح مع مستجوبين في هذه الدراسة، فكانت النسب جد مخجلة، حيث تنضاف نسبة %21 التي تمثل نسبة المستجوبين عن اقتراح “مضلل” ينم عن الجهل وعدم المعرفة الحقة بمضمون القانون، إلى نسبة %66 من الذين اعترفوا صراحة أنه ليست لهم أية دراية أو معرفة بنظام المساعدة القضائية، لترتفع بذلك نسبة الجاهلين لهذا النظام بمقتضى التحليل المراقب لأجوبة المتقاضين أفراد العينة إلى نسبة %87 من مجموع من عبروا عن عدم استفادتهم من المساعدة القضائية بشكل عام، وإل جانب هذه النسبة الكبيرة التي تمثل السبب الرئيسي لعدم الاستفادة من هذا النظام ينضاف سبب آخر يوسع نسبة عدم المعرفة ويتعلق الأمر بنسبة %02 التي عبر من خلالها المستجوبون عن عدم وجود إمكانية المساعدة القضائية.

ـ جمعية عدالة، مرجع سابق، ص 67ـ68ـ69.   

[19] ـ معلوم أن التعليم والمستوى الدراسي يعد مؤشرا أساسيا في ترتيب الدول من حيث درجة التنمية التي تتحقق فيها، ولذلك كان من الضروري قياس متغير التعليم بالنسبة للمساعدة القضائية والوعي بها، فمن خلال الدراسة الميدانية التي أجريت بهذا الخصوص، أصبحت جميع أسلاك التعليم التي من المفترض أن يمر بها المتقاضون أثناء تمدرسهم متساوية في غياب تأثيرها على المعرفة بنظام المساعدة القضائية مع عدم التمدرس بشكل نهائي.

حيث تُبرز النتائج المتوصل إليها كما سبق وأشرنا في المتن أعلاه، تقاربا شديدا بين نسب الجهل بالمساعدة القضائية وحسب جميع أسلاك التعليم وانعدامها، فكانت النسب تباعا على النحو الآتي: %12 لغير المتمدرسين، %10 لمن درسوا في السلك الابتدائي، %14 بالنسبة للمستجوبين الذي درسوا بالسلك الإعدادي، %11 بالنسبة للمتمدرسين في السلك الثانوي، وأخيرا نسبة %07 بالنسبة لمن درسوا بالجامعة، متقدمين بذلك عن من درسوا فقط بالمسيد والذين مثلوا نسبة %06 من المستجوبين الذين يجهلون بالمساعدة القضائية والحق في الاستفادة منها.

ـ جمعية عدالة، مرجع سابق، ص 72.     

[20] ـ أثبتت بعض البحوث الميدانية الأخرى، التي أجريت بهذا الخصوص، أن المتقاضين المستفيدين من المساعدة القضائية، كان مصدر علمهم هو المحامي، وتكثر هذه الحالات في القضايا التي تكون فيها المصاريف القضائية باهظة كحوادث السير، مما يؤدي بالمحامين إلى تقديم النصح لزبنائهم في حالة ضعفهم المادي إل تقديم طلبات المساعدة القضائية في شقها المتعلق بالإعفاء من الرسوم القضائية، وقد أرجع المستطلع رأيهم من المحامين والقضاة مشاكل تطبيق نصوص المساعدة القضائية كما رأينا سابقا إلى عدم وعي المتقاضين بهذا النظام وحدوده.

ـ يراجع: عبد العزيز إدزني، نظام المساعدة القضائية في المادة المدنية: دراسة نظرية وعملية، أطروحة لنيل الدكتوراه في القانون الخاص، كلية الحقوق مراكش، جامعة القاضي عياض، السنة الجامعية 2014ـ2015، ص 314.  

[21] ـ عرفت الساحة القانونية في الآونة الأخيرة، وجود مقاربتين لمعالجة الإشكاليات التي يعاني منها النظام الحالي للمساعدة القضائية، فبالإضافة إلى المقاربة الأولى التي جسدها مشروع قانون المساعدة القانونية والقضائية المشار إليه في المتن أعلاه والمعد من طرف وزارة العدل، ظهرت مقاربة ثانية جسدتها مسودة مقترح قانون المساعدة القانونية والقضائية الذي أعدته فيدرالية جمعيات واتحادات المحامين الشباب بالمغرب، حيث تم الاشتغال على مسودة مقترح القانون الأخيرة، لمدة سنتين وفقا لمنهجية مختلفة تماما عما هو متبع، كما تم الحرص على احترام مبدأ قدسية القانون بتيسير الولوج إلى مؤسسة القضاء، والتعاون مع مختلف المتدخلين في الموضوع على أساس سياسية واضحة متفق عليها، علاوة على مراعاة التطورات التي طبعت المنظومة القانونية والقضائية المغربية، دون تناسي التطورات التي وصلت إليها التشريعات المقارنة في هذا الباب، والالتزامات التي تطوق المملكة المغربية على الصعيد الدولي.

يراجع في هذا الصدد: منير بلغيتي، المساعدة القانونية والقضائية المعالجة والاختيارات، الندوة الوطنية لجمعية هيئات المحامين بالمغرب، مكناس في 15ـ14 مايو 2010، مطبعة دار القلم، الرباط، (باقي البيانات غير مذكورة(، ص 17.

وبالتالي يكون المحامون بصفة الفاعل الأساسي في نظام المساعدة القضائية قد دخلوا بدورهم على الخط، بتقديم الخطوط العريضة لمسودة مقترح القانون المذكور، مختلف تماما للتصور الذي وضعته وزارة العدل لدى الأمانة العامة للحكومة، حيث يتميز مقترح القانون المذكور الذي كان يروج له المحامون عن طريق بعض الفرق النيابية داخل البرلمان بكونه يجعل من نظام المساعدة القضائية ” مؤسسة عمومية ” قائمة الذات، بدل المكاتب التي تتواجد حاليا على مستوى كل محاكم المملكة سواء في المحاكم الابتدائية أو في محاكم الاستئناف ومحكمة النقض.

حيث ينصب المقترح المذكور الوزير الأول كرئيس للمجلس الإداري ” للمجلس الوطني للمساعدة القضائية ” وهو مؤسسة عمومية تتمتع بالشخصية المعنوية وتمول وفقا للمقتضيات المتعلقة بتمويل المؤسسات العمومية، ويتكون أعضاءها من نقباء هيئات المحامين الممارسين إضافة إلى خمسة أعضاء يعينهم الوزير الأول باقتراح من وزير العدل بالنظر إلى كفاءتهم لمدة ثلاثة سنوات غير قابلة للتجديد، وتحاكي تجربة المساعدة القضائية في شكلها الذي يتضمنه مقترح القانون المذكور تجربة “مؤسسة الوسيط” من خلال تركيزها على إحداث مراكز الاستقبال، والإعلام القانوني في الدائرة الترابية لكل محكمة، وتهتم هذه المراكز باستقبال الأشخاص، وتوجيههم، والاستماع إلى تظلماتهم، وتقديم الخدمات المستعجلة إليهم، وهي مصالح دائمة الاشتغال، يسهر عليها المحامون المسجلون في السجل المحلي للمساعدة القضائية.

ويذكر أن مقترح القانون المذكور قد انكبت على إعداده فدرالية جمعيات واتحادات المحامين الشباب بدعم مالي من سفارة هولندا والجمعية الأمريكية للمحامين والقضاة، وقد تم إعداده لتجاوز التنافر بين الواقع العملي للمساعدة القضائية وفلسفتها، وغياب التوجيه والاستشارة، وتشتت النصوص، والبطء في الاستفادة من نظام المساعدة القضائية.

ـ للمزيد من التفصيل حول مقتضيات مسودة مقترح القانون الذي تقدم به المحامون، يراجع:

ـ عبد الرحيم الأمين، عدالة القرب بالمغرب: محاولة في وضع المقومات وتقييم الحصيلة، مطبعة المعارف الجديدة الرباط، 2013، ص 113.

ـ منير بلغيتي، مرجع سابق، ص 18 وما يليها.

[22] ـ المذكرة التقديمية لمشروع القانون رقم 10ـ58 المتعلق بالمساعدة القانونية والقضائية.

[23] ـ من بين المؤاخذات التي تعاب على المرسوم الملكي المنظم للمساعدة القضائية حاليا، حسب المذكرة التقديمية لمشروع القانون رقم 10ـ85 ، نذكر:

تراجع: المذكرة التقديمية لمشروع القانون 10ـ58 المتعلق بالمساعدة القانونية والقضائية .

[24] ـ تراجع: المواد 1ـ2ـ3 من مشروع القانون 10ـ58 المتعلق بالمساعدة القانونية والقضائية.

[25] ـ تراجع: المادة 5 من المشروع.

[26] ـ يلاحظ أن هذا المشروع جاء مسترشدا ومتضمنا للكثير من مقتضيات القانون العربي الاسترشادي للمساعدة القضائية ومذكرته الإيضاحية، والذي اعتمده مجلس وزراء العدل العرب في دورته الرابعة والعشرين بالقرار رقم 746 بتاريخ 27 نونبر 2008، ومن ذلك على الخصوص ما يتعلق بتوسيع مجالات المساعدة القضائية حسب المواد الأولى والثانية والثالثة والرابعة منه.

حيث تنص المادة الأولى على أنه : ” يقصد بالمساعدة القضائية : الإعفاء من الرسوم والمصروفات القضائية أو دفعها كلها أو بعضها عمن يثبت عجزه عن دفعها، كما تشمل انتداب محام.”

أما المادة الثانية من القانون العربي الاسترشادي فتنص على أنه: ” تقدم المساعدة القضائية في الحالات الآتية: تحقيقات النيابة العامة، والدعاوى القضائية كلها وما يتصل بها أو يتفرع عنها من إجراءات ولائية أو تحفظية أو تنفيذية، والاستشارة القانونية وصياغة العقود “.

وتنص المادة الثالثة على أنه: ” تشمل المساعدة القضائية: رسوم الدعاوى والطلبات كلها أو بعضها، ورسوم الأوراق القضائية كالشهادات والملخصات وغيرها، ورسوم التنفيذ، وأجر نشر الإعلانات القضائية، والمصروفات الأخرى التي يتحملها طالب المساعدة، وانتداب محام، و أتعاب الخبير المنتدب “.

والمادة الرابعة تنص على أنه : ” يستفيد من المساعدة القضائية كل من:  الأشخاص الطبيعين الذين يثبت عجزهم ماليا، والأشخاص المخاطبين بقوانين خاصة تعفيهم من الرسوم والمصروفات القضائية، والأشخاص الاعتبارية الخيرية وذات النفع العام التي يثبت عجزها ماليا “.

[27] ـ تراجع: المادة 8 من المشروع.

[28] ـ تراجع: المادة 44 من المشروع.

[29] ـ تراجع: المادة 45 من المشروع.

[30] ـ أنظر:

ـ لمياء بوزيان، الولوج إلى العدالة، رسالة لنيل دبلوم الماستر في القانون الخاص، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعيةـ السويسي، جامعة محمد الخامس، الرباط، السنة الجامعية: 2010ـ2011، ص 132.

ـ عبد الرحيم الأمين، مرجع سابق، ص 117.

[31] ـ تضمن المشروع المذكور العديد من المستجدات الأخرى، من قبيل مراجعة تشكيلة مكاتب المساعدة القضائية، بتخويل رئاستها لرئيس المحكمة أو من ينوب عنه، وإضافة ممثل عن هيئة المفوضين القضائيين مع الحفاظ على التشكيلة السابقة، وتوفير ضمانات بخصوص تعليل مقرر المساعدة،  ووضع آجال لصدوره، وضبط طرق الطعن.

كما تضمن المشروع التنصيص على حق جميع مساعدي القضاء في استخلاص أتعابهم المقدمة في إطار المساعدة القضائية من الجهة المكلفة بصرف هذه الأتعاب، بمقتضى الفقرة الثانية من المادة 73 التي تنص على أنه : ” يتقاضى جميع مساعدي القضاء في نطاق المساعدة القضائية أتعابا من الجهة المكلفة بصرف هذه الأتعاب يتم تحديد مبلغها وطريقة صرفها بمقتضى نص تنظيمي.”

ولمزيد من التوسع بخصوص المستجدات التي جاء بها هذا المشروع، يراجع:

ـ لمياء بوزيان، مرجع سابق، ص 129 وما يليها.

ـ عبد الرحيم الأمين، مرجع سابق، ص 112 وما يليها.

ـ منير بلغيتي، مرجع سابق، ص 15 وما يليها.

[32] ـ المذكرة التقديمية للمشروع.

[33] ـ منير بلغيتي، مرجع سابق، ص 15.

[34] ـ للتوسع راجع منير بلغيتي، مرجع سابق، ص 16.

Exit mobile version