قراءة أولية في مشروع قانون رقم 13-73 المتعلق بمكافحة الاضطرابات العقلية وبحماية حقوق الأشخاص المصابين بها
الدكتور محمد أيت الحاج
أستاذ زائر بكلية العلوم القانونية و الاقتصادية و الاجتماعية عين السبع
مقدمة :
يحتفظ التاريخ بمقولات استطاعت أن تثبت رغم ما يمر عليها من أزمنة، صلاحها لما يعترض حياة الإنسان وأحواله ، ومن بين هذه المقولات ما جاء في مقدمة ابن خلدون من أن دوام الحال من المحال، عبارة لا تنطبق على الأحوال الاقتصادية والعمرانية والسياسية فقط بل تشمل كذلك مكانة المرء وصحته، وهو ما يتماشي و قوله تعالى »وتلك الأيام نداولها بين الناس [1] «وكذا في قوله تعالى »الله الذي خلقكم من ضعف ثم جعل من بعد قوة ضعفا وشيبة يخلق ما يشاء وهو العليم القدير [2] «.
ودوام صحة المرء وشبابه غايتين لا أحد يكره أن يتمتع بهما، لكن هيهات من ذلك فالأمراض وتقدم العمر بابان لا بد من دخولهما، وإذا كانت صحة الإنسان تعترضها الأسقام فإنه ولوقت طويل كانت هذه الأخيرة منحصرة في الأمراض ذات الطبيعة العضوية بمختلف أشكالها ،من تلك التي عجز الطب عن مداواتها أو التي استطاع العلم تشخيصها والقضاء عليها، فإننا اليوم أمام أشكال جديدة من الأمراض غير العضوية والتي تصيب الصحة النفسية للإنسان، وإن كان العلم اليوم يذهب في طريق توحيد هذه الأمراض لكون المرض النفسي له أثار عضوية والعكس صحيح.
ويسود الاقتناع اليوم أن الصحة النفسية جزء لا يتجزأ من الصحة، وهو ما ذهب إليه دستور منظمة الصحة العالمية من أن ” الصحة هي حالة من اكتمال السلامة بدنيا عقليا واجتماعيا، لا مجرد انعدام المرض أو العجز”، وعليه فإن الصحة النفسية بهذا الطرح تتجاوز مفاهيم انعدام الاضطرابات وكذا حالات العجز النفسية إلى مؤثرات أخرى من العوامل الاجتماعية والبيولوجية وذلك لتهيئ الفرد من تكريس قدراته الخاصة والتكيف مع أنواع الإجهاد العادية والعمل بتفان والإسهام في مجتمعه وكسب لقمة العيش والتمتع بالحياة ، حيث على هذا الأساس تعتبر الصحة النفسية مطلبا لكافة الشعوب تروم إلى تعزيزه وحمايته بل واستعادته.
وإذا كان الصمت هو العملة الرائجة في مواجهة الأمراض النفسية من قبل أفراد المجتمعات التي تعتبر هذه الأمراض “طابوهات” التي لا يمكن الكشف عنها للغير، فإن الواقع آخذ في التغيير اليوم، وأصبح بالإمكان البوح بها سواء للعائلة أو للمجتمع على حد سواء، بل وغدا البحث عن العلاج من الأمور المتاحة للمريض ولأهله، واقع أسهمت فيه عدة عوامل جعلت من التعريف بهذه الأمراض وإزالة ما يتضمنه المتخيل الشعبي هدفا لها، حيث كان الجميع يحصر المرض النفسي في الجنون وبالتالي صعوبة قبول ما دونه في خانة هذا المرض من قبيل الاكتئاب أو ما يعرف بالاضطرابات المزاجية، وكذا المخاوف المرضية والوسواس المرضي، إضافة إلى اضطرابات السلوك والشخصية.
أمام كل ما سبق كان ولا بد من تحيين القاعدة القانونية التي تنظم الولوج إلى الصحة النفسية في ظل واقع وأرقام وإحصائيات مخيفة، تظهر أن هذا القطاع بحاجة إلى إعادة تنظيمه وبث الروح فيه من جديد، خاصة إذا علمنا أن النص المنظم يعود إلى الظهير الشريف رقم 295-58-1 الصادر في 30 أبريل 1955 بشأن الوقاية من الأمراض العقلية ومعالجتها وحماية المصابين بها، وبالتالي فأحكامه لم تعد تتلاءم والتطور المسجل في مجال حماية الحقوق والحريات الأساسية للأشخاص المصابين بالاضطرابات النفسية، على مستوى الاتفاقيات الدولية التي صادقت عليها المملكة أو التشريعات المقارنة وهو ما تكرس بإعداد مشروع قانون رقم 13-73 المتعلق بمكافحة الاضطرابات العقلية وبحماية حقوق الأشخاص المصابين بها، الذي ينتظر منه الكثير في سبيل الحلول محل القانون الساري المفعول، وهو ما يحتم علينا تقديم بعض القراءات والملاحظات وكذا بعض المقترحات لتفادي النقص وذلك بشكل مقتضب.
1- صياغة القانون والمعطى التقني :
لا بد في صياغة نصوص القانون من إتباع نسق يمكن من الحصول في آخر المطاف على قاعدة قانونية تحقق الغاية التي كان المشرع يتوق لها عند رغبته في التعديل، وصياغة المواد القانونية هي صناعة لا يجيدها الكثير، خصوصا وأن معظم النصوص هي عبارة عن ترجمة لغوية وأحيانا ركيكة لقوانين أجنبية لا تتلاءم والواقع الذي يسود في بلادنا، مادام أن القاعدة القانونية تحمل خاصية القاعدة الاجتماعية وبالتالي بحاجة لتنظيم سلوك اجتماعي معين وليس استنباطها من مجتمع أخر، زد على ذلك أن وضع مشروع قانون في مجال الصحة يحتاج إلى مجهود ثنائي يقتضي الإنصات إلى العاملين في مجال الصحة من أطباء وممرضين وإداريين والذين لا يملكون الدراية الكافية بالثقافة القانونية، والتي يطلع بها فقهاء القانون والعاملون به لكن دون أن تمتد إلى المسائل الصحية التي تبقى في متناول الأطر الصحية.
وعليه فصياغة المشروع تحتاج إلى هذا الثنائي من أجل حبك قاعدة قانونية تدل على المراد وتجد طريقها في التطبيق وهو ما نلاحظه مثلا في العنوان الذي جاء بعبارة مكافحة الاضطرابات العقلية والتي هي في نظر القانون صحيحة لكنها بالنسبة للأطر الصحية لا تدل على دورهم والذي هو رعاية المريض والتكفل به وليس مكافحة مرض معد أو ظاهرة متنامية. بل إن المصطلحات التي استعملت في مواد كثيرة تحمل الكثير من الوصم اتجه المريض نفسله ولا أدل على ذلك من عبارة ” إيداع مريض ” و التي تحمل معنى التشيء ولا علاقة لها بالإنسانية في شيء.
وبالرجوع إلى المادة الثانية من المشروع نجدها عرفت الاضطراب العقلي و جعلته كل اضطراب عصابي أو عقلي أو ذهني، علما أن الأطباء المختصين في الامراض النفسية يعتبرون هذا التصنيف متجاوزا و لم تعد له قيمة علمية ،[3] و هو ما يطرح التساؤل حول الجهة التي تم استقاء هذه التصنيفات منها .
أما المادة 71 من نفس المشروع فقد حملت مقتضى يحرم بشكل قطعي بعض أصناف المرض وبالضبط المرضى القاصرين من بعض طرق العلاج، حيث منعت من استعمال العلاج بالتخليج الكهربائي على القاصرين، وكان من الأفضل أن تبقي الإمكانية إذا كانت فيها مصلحة له شريطة وجود إذن مسبق من نائبه الشرعي وفي حالة الضرورة من اللجنة الجهوية مادام أن مهمة الطبيب تبقى بدل العناية الكافية من أجل رعاية هذا المريض.
إلى جانب ذلك، نجد أن هناك مقتضيات تنظيمية في حاجة إلى مزيد من الضبط لتحقيق الفعالية المنتظرة من هذا المشروع من قبيل عدم التنصيص على اللجان الإقليمية إلى جانب اللجان الجهوية [4] وذلك لتحقيق مبدأ تقريب الإدارة من المواطن والفعالية المنشودة في رعاية هذه الأمراض، خاصة أن بعض الحالات تستلزم الرجوع إلى هذا الجهاز بشكل استعجالي خارج أوقات العمل، أيام السبت والأحد والعطل.
ويلاحظ أيضا عدم التنصيص في تشكيلة هذه اللجان على النواب، و هو ما قد يطرح الاشكال في حالة غياب الطبيبان المتخصصان وضع يمكن تلافيه بالتنصيص على” طبيبان متخصصان في الأمراض العقلية ونائبين عنهما”.
ما قيل عن الطبيبان المتخصصان ينطبق كذلك على الممرض الممارس في الصحة العقلية الذي لم يشر إلى نائب له في حالة تعذر حضوره ، مع ملاحظة غياب ممثل عن الأخصائيين النفسيين ضمن تشكيلة اللجنة الجهوية، في حين تعتبر هذه الفئة من مكونات اللجنة الوطنية للصحة العقلية ، حيث نرى أنه من الأفضل .
إضافة ممثلين للأخصائيين النفسيين أحدهما تابع للقطاع العام و الآخر للقطاع الخاص، و نائبين عنهما إسوة بالأطباء.
و إذا كانت اللجنة الجهوية تظم في تشكيلتها قاض من محكمة الاستئناف المختصة ترابيا، فإن هناك صعوبة في تحديد هاته المحكمة، نموذج جهة الدار البيضاء-سطات والتي تشمل ثلاث محاكم للاستئناف (الدار البيضاء ،سطات، الجديدة) وهي كلها مختصة ترابيا ،و هو ما يحتم تبيان الأمر من جهة و النظر في شأن إمكانية تواجد ممثل عن كل محكمة استئناف لا يشارك إلا عندما يكون مختصا ترابيا
2- انتهاج سياسة عقابية اتجاه الطبيب :
يعلم الأطباء فيما بينهم أن لا يمكن مساواة جميع التخصصات ووضعها في خانة واحدة، حيث تزداد صعوبة وقساوة تخصص عن أخر، بل إن الجميع يجزم أن المشرفين على الصحة النفسية يوجدون على هرم القطاع الصحي من خلال الإكراهات المرتبطة بنوعية تخصصهم.
في ظل هذا الوضع كان ينتظر من المشروع الموجود قيد الدراسة أن يتعامل بنوع من الليونة على كل من الطبيب والممرض ومن يدور في حلقتهم، لكن العكس هو الذي نجده من خلال الاطلاع على محتويات المشروع والذي من خلال المصطلحات المستعملة في مقتضيات عدة، إستعار الصياغة الزجرية العقابية بدل المصطلحات الطبية ذات الطابع التقني، حيث نجد كمثال على ذلك المادة 87 من المشروع التي عاقبت كل طبيب أو مدير مؤسسة لا يقوم بإخبار وكيل الملك المختص وتناسى المشرع أننا أمام أطر طبية لا تتمتع بنفس الدراية القانونية حيث عومل كما لو أنه ضابط للشرطة القضائية، وكان الأحرى ضمان وصول المعلومة إلى النيابة العامة كمعطى أول ثم الحديث عن سوء نية الطبيب ومن في حكمه عند عدم تبليغه، فكيف للطبيب معرفة وكيل الملك المختص وما العمل في حالة العمل بالمداومة، وعدم التوفر على الأرقام الهاتفية أو القوة القاهرة.
في نفس السياق و تسهيلا لعمل الأطر الطبية كان من الأجدر وضع مسطرة سلسة تمكن الطبيب من إخبار النيابة العامة حول كل واقعة من شأنها تهديد السلامة الجسدية أو المادية لأي مريض قام بتشخيصه وظهرت تلك الوقائع [5]
أما المادة 88 من نفس المشروع فقد تضمنت مقتضيات يبدو أنها وضعت من جهة ليست لها دراية بأبجديات المهنة، فما معنى معاقبة مدير مستشفى للصحة العقلية عن قبوله شخصا مصابا باضطرابات عقلية للاستشفاء اللإرادي بعلة أن مؤسسته غير معتمدة لهذه الغاية لعدم توفرها على بعض الشروط، فهل يترك في الشارع أو في البيت مع أسرته أم يتم قبوله بشكل مؤقت وسط هيئة صحية لها دراية أكثر وباستطاعتها ضبط المريض ولو بشكل مؤقت في انتظار إحالته على جهة مختصة، ويبدو أن المشرع يضع نصوصا قانونية لبلد تتوفر فيه مراكز للرعاية الصحية النفسية، بكل المدن والواقع أننا أمام مؤسسات تحسب على رؤوس الأصابع.
وبالرجوع إلى المادة 94 من المشروع نجدها عاقبت مدير المؤسسة الاستشفائية للصحة النفسية بالحبس من سنة إلى ثلاث سنوات عن أفعال أقل ما يقال عنها أن مجرد إعمال المنطق يفضي إلى اعتقال جميع المديرين وبالتالي تهرب الجميع من تحمل المسؤولية في إدارة هذه المؤسسات[6]، بل إن الأمر وصل إلى درجة أن مجرد إغفال تعليق الوثيقة المتعلقة بحقوق المرضى في المؤسسة يفضي إلى عقاب يتراوح بين الحبس من ثلاثة أشهر إلى سنة وبغرامة من 10000 درهم إلى 30000 درهم أو بإحدى هاتين العقوبتين فقط. [7]
3– نقل المرضى النفسيين :
ميزت المادة الثانية من مشروع القانون رقم 13-71 بين نوعين من المرضى المتواجدين بالمؤسسات الاستشفائية للصحة العقلية قصد العلاج، الأول يكون تواجده مقرونا بموافقته ورضائه والثاني يكون بدون وجود الرضى أي استشفاء لاإرادي وفق حالات محددة، وإذا كان الصنف الأول من المرضى لا يثير إشكالات كثيرة فإنه بالنسبة لحالات الاستشفاء اللاإرادي يكون الأمر معقدا حتى قبل الوصول إلى المؤسسة الاستشفائية.
فمن ناحية أولى لا يمكن القول بوجود المريض في وضع يفرض تطبيق مقتضيات الاستشفاء اللاإرادي إلا أذا توافرت الشروط المنصوص عليها في المادة 37 من المشروع والتي أوجبت :
- أن يوجد اضطراب عقلي واضح ذو خطورة معينة يحول دون تمكن الشخص المعني من التعبير عن موافقته على الاستشفاء ويستلزم دراسة وعلاجات طبية داخل وسط استشفائي .
- أن يشكل الشخص المعني، إذا لم يتم علاجه خطرا محتملا على حياته أو صحته أو سلامته البدنية أو على حياة الآخرين أو صحتهم أو سلامتهم البدنية، أو خطرا محتملا من شأنه الإخلال بالنظام العام.
ويتم الاستشفاء اللاإرادي بناءا على قرار صادر عن اللجنة الجهوية باقتراح من الطبيب المعالج، أو مقررلمدير المؤسسة الاستشفائية للصحة العقلية، أو بمقرر عاملي أو قضائي.[8]
وإذا كانت الحالات الأولى قد لا تثير إشكال نقل المرضى باعتبار أن المقرر يكون أمرا داخليا والمريض يتواجد داخل المؤسسة الصحية، فإنه بالنسبة للحالتين الأخيرتين والتي يتم فيها إيداع المريض داخل المؤسسة الإستشفائية بمقرر صادر من العامل أو مقرر قضائي صادر عن جهة قضائية، تثار إشكالية نقل هذا المريض إلى المؤسسة الاستشفائية حيث بالرجوع إلى ظهير 1959 وبالضبط الفصل السابع عشر نجده نص على أنه ) يتخذ الباشا أو القائد في حالة خطر قريب الوقوع ثبته طبيب في شهادة أو يفشيه العموم، التدابير اللازمة بشرط أن يخبر بذلك العامل في ظرف أربع وعشرين ساعة، ويأمر العامل في ظرف ثمان وأربعين ساعة بوضع المريض تلقائيا تحت الملاحظة الطبية أو ينهي التدابير الموقنة التي أمرت باتخاذها السلطة المحلية(.
وقد كانت هناك انتظارات كثيرة بخصوص هذه النقطة التي أثارت جملة من المصاعب سواء بالنسبة للعاملين داخل المراكز الاستشفائية أو بالنسبة لكل من رجال المطافئ، القوات المساعدة، الإدارة الترابية، الأمن، رؤساء وموظفي الجماعات الترابية الحضرية والقروية تم لمندوبي الصحة، فكل هؤلاء لهم دخل بطريق مباشر أو غير مباشر مع نقل المرضى المصابين باضطرابات نفسية وبالتالي كانت هناك آمال معلقة على المشروع الجديد والتصدي لنقطة من هي الجهة المسؤولة على نقل المرضى المصابين باضطراب نفسي من الشارع العمومي أو من داخل بيت الأسرة إلى مقر العلاج.
ولتبيان الوضع أكثر نفترض أن هناك مريضا يعاني من نوبة تجعله في وضع الهائج غير المتحكم فيه ويشكل خطرا محدقا على نفسه وأفراد أسرته أو على المواطنين المتواجدين بالشارع العمومي، حيث يتم في الغالب الإلتجاء إلى الأمن أو السلطة المحلية للتدخل من أجل إيقاف المعني بالأمر وتأمين حياته وحياة غيره، لكن بمجرد الوصول إلى عين المكان تبدأ الارتجالية حيث يصعب على رجال الأمن أو الإدارة الترابية التدخل، فتتم المناداة على الوقاية المدنية لضبط الشخص المريض النفسي لكن بمجرد القيام بذلك يمتنع هؤلاء عن نقله إلى المؤسسة الصحية بدعوى عدم اختصاصهم لنقل المرضى النفسيين متشبثين بالقانون المنظم لهم والذي لا يخولهم نقل هذا النوع من المرضى، نفس المعطى يتشبث به مندوبو الصحة ومديري المستشفيات الذين يرفضون استعمال سيارات الإسعاف لنقل هؤلاء المرضى ليتم الالتجاء إلى الجماعات الترابية والتي في الغالب لا تتوفر سوى على سيارة لنقل الموتى، وعوض أن يتم نقل المريض إلى المستشفى في أقرب وقت يجد رجال الأمن أنفسهم في وضع لا يحسدون عليه وسط وضع أمني حرج يشكل خطر على الجميع ليتم الالتجاء إلى الحلول الترقيعية ويتم نقل المريض في ظروف قد تترتب عنها أثار قانونية وخيمة في حالة تعرض المريض مثلا للاختناق أو لكدمات بل قد يصل الأمر إلى الوفاة، ويتعرض الجميع إلى المسائلة.
في هذا الخضم كانت أمال هؤلاء معلقة على صياغة مقتضيات تتلافى النقص المسجل في القانون الحالي، ويتم تحديد مسطرة فعالة لنقل المرضى المصابين بأمراض نفسية وذلك بتحديد أولا الجهة المختصة بالنقل وثانيا الحالات التي يتم فيها التدخل من طرف المؤسسات العمومية بمختلف أشكالها للقيام بالنقل، وثالثا بتعداد المعدات الواجب التوفر عليها من سترة وقائية للمريض أو وسائل طبية تتناسب وخصوصية المرض، ورابعا فتح المجال أمام القطاع الخاص الذي يتوفر على سيارات إسعاف كثيرة يمكن الاستعانة بها خصوصا من طرف أهل وذوي المريض النفسي، لكن شريطة التوفر على مسعفين مدربين على التعامل مع المريض النفسي.
ويبدو أن التطرق لمسألة النقل والفراغ التشريعي ليست خاصية التشريع المغربي، بل إن الإطلاع على باقي التشريعات العربية مثل مصر[9] والسعودية[10] وكذا قطر[11] الكويت يظهر أنها جاءت فارغة من محتويات تحيل على التطبيق السليم لعملية النقل ويتم تلافي ذلك ببروتوكولات لاحقة بين وزارتي الصحة والداخلية.
وعلى العكس نجد أن التشريعات الغربية تطرقت بشكل دقيق لمسألة نقل المريض النفسي وفرقت بين الحالات التي قد تثار في ذلك، بين ما إذا كان النقل من طرف القوات العمومية أو ما إذا كان بطلب من النيابة العامة أو ما إذا كان بطلب من ذويه وأخيرا إذا ما تم النقل في المؤسسات الاستشفائية[12]، وسمحت في حالات الالتجاء إلى القطاع الخاص ونصصت على حالات الاستعجال أو عدم توافر وسيلة النقل و من هي الجهة المختصة ومدى إمكانية اللجوء إلى البدائل الأخرى.[13]
خاتمة :
لم يعد ممكنا اليوم التعامل مع المرضى النفسيين بتحيز ورفض وخوف واجتناب وإساءة معاملة، ولا يمكن ربط المرض النفسي أيضا بالقوى الخارقة أو تفسيره دائم من الزاوية الدينية، ولكن يجب إدخال النزعة الإنسانية واعتبار الاضطرابات النفسية أمراضا مثل الأمراض الجسدية التي تنتج عن تفاعل عوامل اجتماعية نفسية، بيولوجية، أمراض قابلة للعلاج كغيرها من الأمراض.
وأول خطوة في درب تحقيق هذه النتيجة هي صياغة نصوص قانونية تساعد على الوقاية والعلاج، تضمن أدمية المريض وتفوقه، تطمئن المجتمع إزاء المعني بنظامه العام، تعطي الضمانات القانونية الكافية لكل المتدخلين في الصحة النفسية، هذه النصوص التي لن تكون في المستوى إلا بإشراك فعلي لمتخصصي الطب النفسي، ولخلاصات الجهود الدولية التي سبقت إلى الاهتمام بهذا المجال والتي يأتي على رأسها )مبادئ الأمم المتحدة لحماية المصابين بعلل نفسية وتحسين الرعاية الصحية النفسية[14](.
يمثل الأفراد المصابون باضطرابات نفسية إحدى شرائح المجتمع الضعيفة والأكثر عرضة لانتهاك حقوقهم والقانون أولى بحمايتهم الجسدية، وكذا حماية مصالحهم المادية، لأن مرضهم أكثر تأثيرا في تفكيرهم وتصرفاتهم ومشاعرهم، بل إن في علاجهم ليس كباقي الأمراض حيث العنق اللفظي والجسدي المبالغ فيه يزيد من تأزم وضعهم وبالتالي الحاجة الملحة في قانون يحقق الثنائية التالية : حماية المريض وتفوقهم ضمان ممارسة الطبيب والمهنيين كافة لعملهم دون خوف من تبعات عقابية لمجرد مقاربة لا تتحقق إلا بإتباع نهج تشاركي في طرح المشروع للمناقشة العامة وإبداء الرأي والاقتراحات، وتنظيم أيام دراسية بمشاركة خبراء الصحة النفسية والتشريعيين وممثلي المنظمات الحقوقية والنقابية.
وحتى لا نكون سلبيين فإن مشروع قانون رقم 13-71 يتضمن العديد من المحاور الإيجابية التي راعت المعايير العلمية والصحية الحديثة في التعامل مع المرضى النفسيين ومع القضايا المرتبطة بها خاصة من الجانب الحقوقي وفي تلافي نقائص القانون الحالي، وتبقى هذه المساهمة رغبة في المشاركة في تلافي النقص من زاوية قانونية محضة أملاها الواجب الفكري.
[1] – سورة الأعراف ، الآية 140
[2] – سورة الروم، الآية 54
[3] – حسب ما استقيناه من بعض الجمعيات المهنية للأطباء المتخصصين في الأمراض العقلية
[4] – تنص المادة 15 من المشروع على أنه تحدث بكل جهة من جهات المملكة، لجنة جهوية للصحة العقلية يشار إليها في هذا القانون باللجنة الجهوية…
[5] – و ذلك بالقسم الثاني من مشروع القانون رقم 71-13 الذي تضمن حقوق الأشخاص المصابين باضطرابات عقلية
[6] – المادة 94من مشروع القانون
[7] – المادة 101 من مشروع القانون
[8] – المادة 35و المادة 38 من مشروع القانون
[9] – القانون 71 لسنة 2009 بشأن رعاية المريض النفسي
[10] – نظام الرعاية الصحية النفسية رقم 56 لسنة 2004
[11] – قانون رقم 16 لسنة 2016 يشأن الصحة النفسية
[12] – la loi du 18 juillet 1991 de la Belgique
[13] – En France la loi du 27 juin 1990, reformee par la loi du 5 juillet 2011
[14] – صادر سنة 1991 و يشمل مادة 25 حول الالتزامات المتعلقة و حقوق المرضى