عقد تقديم خدمة الاستشارة الفنية و الاستشارة القانونية
في ضوء القانون المغربي
محاولة في تحديد الطبيعة القانونية
محمد سالمي
طالب باحث بصف الدكتوراه
جامعة محمد الخامس بالرباط
كلية العلوم القانونية و الاقتصادية
و الاجتماعية ــ سلا ــ
تمهيـــــــــــــد:
يحتاج كل شخص إلى مساعدة غيره عند قيامه بكافة التصرفات القانونية و ذلك من أجل تنويره و تبصيره حول أثار الاتفاقات أو العقود أو العمليات المالية و غير المالية التي يقدم عليها، إن في المجال المدني آو التجاري، بل و حتى الإداري، حيث تحتاج الإدارة عند اتخاذ قراراتها أو القيام بكافة أعمالها إلى دراسات قبلية متنوعة.
فكل الأشخاص إذن، سواء أشخاص القانون العام أو أشخاص القانون الخاص يحتاجون إلى المساعدة على كشف الجوانب القانونية و التقنية لما يبرمونه من عقود أو ما يصدر عنهم من تصرفات، و ذلك من أجل تفادي النزاعات، لما تؤدي إليه هذه الأخيرة من التأثير سلبا على المراكز القانونية للمتعاملين في مجال المال و الأعمال على الخصوص. و عليه فاللجوء إلى وسائل وقائية و غير تنازعيه بات امرأ ضروريا لنمو نشاط الأفراد و الجماعات على حد سواء.
و مما يدفع إلى مثل هذا التوجه أن عالم اليوم الذي يتسم بتطور التقنية و السرعة في المعاملات يعرف حركية كبيرة و تغيرات مطردة في الحياة السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية، بشكل يصعب معه على كل فرد أو جماعة استيعاب كل جوانب قضية من القضايا التي يراد فك ألغازها، و لهذا فعادة ما تتم الاستعانة بالمتخصصين للمساعدة على حل مختلف المشاكل كل من زاوية تخصصه.
و قد ساعد على نمو علاقات تبادل المعارف بين الأشخاص ظهور فئات أو طوائف مهنية و تزايدها من حين إلى أخر كنتيجة طبيعية لنمو و تشعب كافة مناحي الحياة البشرية. فمن الثابت أن التنوع في الأنشطة المهنية كان و لا يزال ضرورة حتمية، لأن كل شخص مهما كان ملما بخبايا مجال أو عدة مجالات فإنه لا يمكنه الإحاطة بكافة الميادين العلمية و الاقتصادية و الاجتماعية و القانونية وغيرها، لهذا فان مبدأ التعاون بين بني البشر قائم بل هو واجب لأن الله تعالى و هب لكل نفر نباهة و حذاقة خاصة في فن أو حرفة معينة لا تتوفر لدى الجميع.
انطلاقا من هذه التوطئة نخلص إلى حاجة الأفراد كما الجماعات إلى آليات للاستفادة من كفاءة وخبرات المختصين لتوجيه تعاملاتهم و ترشيد نفقاتهم و التدبير الجيد لاستثماراتهم، كما أن اللجوء إلى مثل تلك الوسائل يندرج أيضا في إطار السياسة التشاركية و التدبير المعقلن، و كل هذه المفاهيم مجتمعة تصب في إطار مفهوم شامل هو الحكامة الجيدة.
و من الآليات التي يعتمد عليها سيرا في هذا التوجه آلية الاستشارة، فهذه الأخيرة أصبحت تحتل مكانة مهمة ضمن خدمات القطاع الرابع، رغم أنها في حقيقة الأمر ليست بخدمة جديدة، فقد عرفها الإنسان منذ زمن بعيد، كما أن الشريعة الإسلامية أولت للشورى و التشاور عناية خاصة، ومن الأمثلة الدالة على ذلك قول الله عز و جل في سورة الشورى:
“واللذين استجابوا لربهم و أقاموا الصلاة وأمرهم شورى بينهم ومما رزقناهم ينفقون“[1]. وكذلك قوله عز من قائل في سورة آل عمران:
” فبما رحمة من الله لنت لهم، و لو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك،فاعف عنهم واستغفر لهم و شاورهم في الأمر، فإذا عزمت فتوكل على الله، إن الله يحب المتوكلين“[2] .
هذا، وقد كان ولاة أمور المسلمين يلجئون إلى مشورة العلماء كلما استعصى عليهم أمر من أمور الدين و المجتمع.
أما في عصرنا الحالي فقد أصبحت الاستشارة أداة فعالة لدى الإدارة تلجأ إليها دائما لتصريف أعمالها، فهي – أي الاستشارة – من المساطر الضرورية و الإلزامية أحيانا المعمول بها في مختلف الهيئات و المؤسسات الإدارية[3].
و بالانتقال إلى مجال القانون الخاص، فإذا كان تقديم الاستشارة لا يتم بشكل مجاني إلا ما كان على سبيل المجاملة أو الإحسان، فإن الاتفاق الذي يربط بين من يطلب المشورة و الشخص المستشار الذي له دراية يضمن لكلا الطرفين حقا شخصيا في إطار عقد يتبادلان فيه عدة التزامات[4].
وجدير بالذكر أن تقنية التعاقد ضرورية في أي مجتمع يعتمد على النهج الليبرالي و يعرف تقسيما للعمل و المعارف بين مختلف الطبقات.
وما يلاحظ في هذا الصدد هو ظهور أنماط جديدة من العقود ومن ضمنها عقود تقديم الاستشارة (contrats de conseil)، وهي التي تعرف انتشارا واسعا في القطاع الرابع (قطاع الخدمات) الذي يجمع بشكل خاص كل صناعات المادة الرمادية[5].
أما بخصوص منشإ هذه العقود فليس فقط القانون المدني الفرنسي لسنة 1804 من يجهل وجود عقد المشورة، و لكن أيضا لم تتح الفرصة للاجتهاد القضائي خلال القرن 19 لمعالجة نزاعات متعلقة بعقود المشورة، فلم تظهر تلك العقود في الميدان القانوني إلا في القرن العشرين و بالصيغة الحالية. و قد تطورت تلك العقود بشكل كبير تحت تأثير التقنيات المستعارة من قانون الدول الأنجلوساكسونية. و لذلك، فإن عقد الاستشارة “consulting” الذي وجد صدى جد موسع في و.م.أ قد استلهم منه و بقوة القانون الألماني و القانون الفرنسي[6].
و استنادا إلى هذه المعطيات يمكن القول أن منشأ العقد كان في القانون الأمريكي قبل أن يتوغل في مختلف القوانين المقارنة بفعل انتشار الثورة الصناعية و انتقال الرساميل عبر العالم.
أما فيما يتعلق بمجالات العقد فتتعدد بتعدد الأنشطة المهنية، و يزداد نطاقه من حيث الميادين التي يتواجد فيها بتزايد و تعقد مجال الأعمال، و يضاف إلى ذلك عامل أخر وهو دخول مجموعة من الشركات و مكاتب الدراسات على الخط، فلم يعد أمر تقديم الاستشارة يقتصر على أفراد معينين، و لهذا يمكن تصور العقد في كل مجالات الحياة الاقتصادية منها و الاجتماعية و السياسية، و حتى ما يتعلق بالحياة الشخصية و النفسية للإنسان؛ و لا يستثنى من ذلك إلا ما كان غير مشروع و ما كان مخالفا للآداب و الأخلاق الحميدة.
غير أنه بشكل عام، و انسجاما مع العنوان المسطر لهذه الدراسة سنعمد إلى تقسيم الاستشارة إلى استشارة فنية / تقنية ثم قانونية.
ففي المجال القانوني نجد أن المحامي أساسا هو المؤهل قانونا لإعطاء الاستشارة القانونية، و كذلك الشأن بالنسبة للموثق و وكيل الأعمال[7]، أما باقي الممارسين للمهن القانونية فهم ممنوعون من ذلك قانونا في الأنظمة المنظمة لمهنهم أو بحكم انضوائهم في إطار الوظيفة العمومية. في حين نجد في الواقع أن هناك مجموعة من الشركات و المكاتب من يقدم عدة خدمات من ضمنها الاستشارة القانونية.
و يقصد بالاستشارة الفنية أو التقنية تلك المتعلقة بمختلف الأنشطة المهنية التي تعتمد على التقنية، وكذا الأنشطة التي تعتمد على العلم والمعرفة، كما تدخل في هذا النطاق مهنة الطب والهندسة المعمارية، و كذا الخدمات المتعلقة بالتقنية المعلوماتية[8]، زد على ذلك مختلف الأنشطة العلمية، كالبحث العلمي و نقل التجارب و الخبرات، و المجال لا يسع لذكر المزيد من الأنشطة التي تتنوع وتزداد يوما بعد يوم.
على أن هناك أنشطة يقوم بها مهنيون يجمعون بين مختلف الميادين، كما هو الشأن بالنسبة للاستشارة في مجال تنظيم المقاولة[9] ، و كذا الاستشارة في الميدان المحاسبي و المالي. فصحيح أن تقديم المشورة يتطلب الإلمام بالقواعد الفنية المتعارف عليها في تلك المجالات، و لكن أيضا يستلزم الأمر أن يكون المستشار ملما بالجوانب القانونية ، ففي هذه الحالة يكون المستشار تقنيا و قانونيا في ذات الوقت[10].
بعد هذه المعطيات التمهيدية حول عقد تقديم الاستشارة يأتي الحديث عن طبيعته القانونية، أي وصفه أو تكييفه القانوني. و لا يخفى على الباحثين في القانون، و الممارسين و المهتمين به أهمية هذه العملية و خطورتها[11] .
و التكييف “عملية قانونية اجتهادية، تقوم على اجتهاد القاضي في فهم الواقع و القانـــون، بحيث أن القاضي لا يستطيع أن يطبق القانون إلا بعد تكييف الواقع مثلما لا يعرف القاعدة الواجبة التطبيق إلا بعد هذا التكييف” [12].
ولا يمكن إنكار أهمية التكييف في مجال العقود، ذلك أن إعمال قواعده يمكن من “التعرف على ما إذا كان العقد موضوع النزاع عقدا مسمى أو غير مسمى، و بالتالي ما هي القواعد و الأحكام التي ينبغي أن تطبق عليه “[13].
غير أن ما نبتغيه في هذا المقام هو إيجاد موقع لعقد المشورة بتصنيفه في خانة عقد من العقود المسماة تفاديا لفكرة العقد غير المسمى[14] التي لا تقدم لنا حلا شافيا، و بالتالي لا تسعفنا في الوصول إلى الغاية المأمولة من عملية التكييف.
و إذا كانت عملية التكييف من حيث المبدأ منوطة بالقاضي[15]، و الذي يخضع في ذلك لرقابة محكمة النقض[16]، فإن عدم عثورنا على أحكام أو قرارات تهم العقد موضوع البحث في القضاء المغربي و قلتها في القضاء الفرنسي، يجعلنا نستأنس بالتكيف الفقهي، كما أن عملية التكييف – في نظرنا- ليست شأنا للقاضي فحسب، بـل تهم أطراف العقد أنفسهم و كذلك المحامي و المستشار، هذا فضـلا عن أن التكييف بوصفه رياضة ذهنية يعتبر من صميم عمل الباحث القانوني.
و من أجل القيام بالتكييف السليم يتعين إتباع ضوابط تكييف العقود التي تفرض دراسة عدة عناصر، منها عناصر عرضية و هي صفة المتعاقدين و شكل العقد[17]، و منها ما يعد من قبيل العناصر الضرورية أو الدائمة و هي الالتزامات الجوهرية في العقد و دور الإرادة في تحديد تلك الالتزامات[18].
إلا أن عقد المشورة يستلزم التعامل معه بنوع من الخصوصية، فهو من العقود التي أفرزتها الممارسة، و نظرا لأهميته سواء من الناحية النفسية أو الاقتصادية، فإنه يستلزم إيجاد إطار قانوني يؤويه، لذلك سنبحث مدى إمكانية إدخاله في طينة عقد من العقود الكلاسيكية المعروفة، و هذه العملية فضلا عن أنها ستبعدنا من السقوط في فخ العقد غير المسمى أو عقد من نوع خاص (sui generis) فإنها إذا ما بلغنا النتيجة المتوخاة سيكون في متناولنا نظام يتكون من قواعد آمرة و أخرى مكملة للعقد المتوصل إليه و بالتالي استبعاد مقتضيات العقود الأخرى المصنفة.
هذا، و إذا كانت العقود المسماة وفق التعريف المشار إليه آنفا كثيرة، منها ما هو منظم في التقنين المدني، و منها ما خصه المشرع بحيز مهم في قوانين خاصة، فحسبنا في هذا المقام أن نقتصر على العقود الكبرى الأكثر تداولا، و هي العقود التقليدية المعروفة، حيث سينحصر البحث على عقد البيع و عقد الوكالة و عقد الشغل ثم عقد المقاولة، و لما كان هذا الأخير يتقاسم بعض الخصائص مع عقد المشورة، بالإضافة إلى اتسامه بمرونة تجعله يكون الوعاء الأصلح لاستيعاب العديد من المعاملات الجديدة، فإنه بذلك يكون الأقرب ليكيف على أساسه عقد المشورة (المبحث الثاني)، في حين تظهر مقارنة عناصر عقد المشورة بالمقتضيات المتعلقة بالعقود الثلاثة الأخرى نوعا من عدم التلاؤم بينها و بين العقد محل الدراسة (المبحث الأول).
المبحث الأول
التكييــــفات غير المطابقة مع خصوصيات عقد تقديم الاستشارة
إن العقود التي وقع الاختيار عليها لمقارنتها بعقد المشورة يمثل كل منها صنفا من الأصناف، فهذا الاختيار لم يكن من قبيل الصدفة أو الاعتباط ، فهناك عقد يمثل عائلة العقود المرتبطة بالأموال[19] وهو عقد البيع (المطلب الأول) ، و هناك عقدين تم انتقاؤهما من فئة عقود الخدمات و هما عقد الوكالة (المطلب الثاني) ثم عقد الشغل (المطلب الثالث).
و الحقيقة أن غاية الدراسة في هذا المقام هي محاولة الدفاع عن فكرة عدم توافق العقود المشار إليها أعلاه مع العقد محل البحث، و هذا ما يفسر عنونة هذا المبحث بصيغة تأكيدية.
فلنناقش فرضيات تكييف تلك العقود بعقد المشورة، حيث سنخصص لكل فرضية مبحثا مستقلا.
المطلب الأول
عقد تقديم الاستشارة و فكرة عقد البيــــع
يبدو لأول وهلة أنه من غير المنطقي تقريب عقد المشورة الذي اتفقنا على أن محله أداء خدمات ذهنية، بعقد البيع الذي يتعلق بملكية شيء[20] ، لكن المقارنة هنا ليست على أساس عقد البيع التقليدي، إنما المقصود هو بيع من نوع خاص يتعلق بالخدمات، و في الواقع إن الأمر هنا يتعلق بطرح فكرة العميد سافاتييه[21] الذي سارت على نهجه الأستاذة [22].Mialon
فلنقم بعرض الفكرة (الفقرة الأولى ) ثم بعد ذلك نحاول تقييمها (الفقرة الثانية).
الفقرة الأولى
عرض فكرة بيع الخدمات ( طرح R. SAVATIER )
على غرار أهل الاقتصاد تحدث جانب من فقه القانون الذي تمت الإشارة إليه عن بيع الخدمات، و في علم القانون فإن البيع محدود في نطاقه بينما في علم الاقتصاد يعد بيعا كل تبادل للسلع أو الخدمات مقابل مبلغ مالي[23].
فالقانون إذن تأخر بالمقارنة مع الاقتصاد، و هذا التأخر لا يفسره سوى تشبث رجال القانون بلغة مخرجة من القانون الروماني بوفاء[24]، و بات تحيين هذه اللغة أمرا يفرض نفسه، و بالتالي إحداث تغيير لإيجاد مكان لبيع الخدمة، لكون عقد البيع له قدرة على التوسع[25].
و لربما كان تنصيص الفصل 1598 من القانون المدني الفرنسي على أن كل شيء يدخل في التجارة هو قابل للبيع[26]، وعليه، فالقول بأن تقديم خدمة يكون مقابل ثمن، يفترض اعتبار تلك الخدمة مشمولة بالتجارة، والدين الناتج عن أداء تلك الخدمة يدخل في ذمة الشخص الطبيعي أو المعنوي، فالخدمة بهذا المعنى ” تدخل في التجارة “[27].
بالإضافة إلى ذلك، فإن العميد سافاتييه حاول تبرير موقفه بقوله إن البيوع الواردة على الخدمات ليست كالبيوع الواردة على الأشياء لأن هذه الأخيرة بيوع ناقلة للحقوق، بينما الأشياء التي تسلم في إطار بيع الخدمة تستهلك و يمكن بيعها، طالما أن التيار الكهربائي مثلا يستهلك بمجرد التزود به أمر ثابت[28].
و لم نجد من مؤيد لموقف سافاتييه هذا سوى رأي الأستاذة ميالون[29] التي ضربت نفس المثال و ذهبت أبعد من ذلك في تحليلها، حيث اعتبرت أن العناصر المشتركة بين النوعين من البيوع أي بيع الأشياء العادية و بيع الخدمات هي الثمن و الأداء المقابل له، بيد أن بيع الخدمات غير ناقل، فمحله شيء مستهلك هو ذكاء المستشار و معارفه[30]، و هي كالتيار الكهربائي، فهذه الأشياء تستهلك في لحظة واحدة و لكنها تخلف آثارا غير مباشرة بالنسبة للمستفيدين منها .
فإلى أي حد يعتبر هذا التحليل صحيحا ؟ و هل هناك من اعتبارات لدحضه أو تأييده؟
هذا ما سنحاول مقاربته في المطلب الموالي.
الفقرة الثانية
تقييم فكرة بيع الخدمات
بداية، إن بيع الخدمات كما تقدم هي فكرة تعبر عن منظور اقتصادي محض، و الاقتصاديون يهتمون بتحليل عملية التبادل و لا يقدمون تعريفا للبيع[31]، أضف إلى ذلك أن التعريف الذي أعطاه سافاتييه رغم غلافه الاقتصادي إلا أنه يبقى تعريفا لرجل قانون، و يظهر ذلك تحديدا من خلال استعمال عبارة
«échangiste indépendant» أي متبادل مستقل، و في ذلك ما فيه من حمولة قانونية مفادها استبعاد العمل المأجور المتسم بوجود علاقة التبعية[32].
و يواجهنا تساؤل آخر ستمكننا مناقشته من تفكيك فكرة بيع الخدمة أكثر، و هو مدى إمكانية اعتبار الخدمات و منها الاستشارة سلعة أو شيئا كباقي الأشياء المادية أو غير المادية القابلة للبيع و الشراء؟
بالرجوع إلى بعض الكتابات المتعلقة بعقد البيع، نجد أن محل الحق الذي ينتقل بموجب عقد البيع يمكن أن يكون أشياء غير مادية، كالحقوق الشخصية و المعنوية كما هو الشأن بالنسبة لحوالة الحق المنصوص عليها في الفصل 195 ظ.ل.ع[33]، و ” كالأعمال الذهنية المتمثلة في براءة الاختراع أو الرسوم الصناعية أو النماذج الصناعية أو علامات الصنع أو الإنتاج الأدبي أو الفني أو العلمي بالمعنى المضبوط أو بالمعنى الواسع الذي يستغرق كل ما يتصل بالإنسان من العلوم و منها الإنتاج الفقهي”[34]، فكل هذه الأشياء معنوية بطبيعتها كالمشورة تماما، غير أن الأولى يخضع بعضها للتسجيل حماية لمالكها فهي أشياء قابلة للملكية، و بالتالي فهي قابلة للانتقال بكافة الطرق بينما المشورة تعتبر خدمة تنتهي بمجرد تسلمها[35].
أما بالنسبة لبيع أو حوالة الدين الوارد ذكره في الفصل 202 من ظ.ل.ع ( انظر كذلك الفصل 1689 مدني فرنسي) فلئن تعلق الأمر بدين ناتج عن خدمة فإنه يفترض وجود ثلاثة أطراف: هي المحيل و المدين المحال عليه و الدائن، في حين أن عقد المشورة يربط بين طرفين هما المستشار و الزبون اللذين تسود بينهما علاقة ثقة أكثر منها مجرد علاقة اقتصادية، و هو ما تعجز نظرية عقد البيع عن استيعابه لأن عقد المشورة يتميز بوجود عنصري الثقة و الاعتبار الشخصي، على عكس عقد البيع الذي لا يهم فيه سوى المحل.
و بخصوص المثال الذي ضربه العميد سافاتييه و أيدته في ذلك الأستاذة ميالون، الذين شبها الخدمات الذهنية بالتيار الكهربائي، يتعين القول بأنه تشبيه في غير محله، فصحيح أن التيار الكهربائي خدمة يستفيد منها الناس بمقابل، و لكن هذا المقابل في الحقيقة يؤدى للشخص المعنوي العام أو الشركة الخاصة المفوضة من قبل الدولة لتغطية تكاليف إنتاج الطاقة الكهربائية التي تتطلب تسخير طاقات بشرية و آلات و معدات تقنية معقدة؛ و مهما يكن، فإن التيار الكهربائي له وجود مادي و ليس من الأشياء غير المحسوسة كالخدمات الفكرية أو الذهنية[36].
و مما يجدر لفت الانتباه إليه في خضم هذا النقاش أن العميد سافاتييه نفسه الذي تبنى فكرة ” بيع الخدمات ” في مقالته المشار إليها آنفا، عاد بعد سنة من ذلك فأفصح بأن عقد المشورة عقد غير مسمى[37].
وختما لهذا المطلب، و تأسيسا على المعطيات أعلاه، يتعين التأكيد على أن نظرية عقد البيع تعجز عن استيعاب فكرة بيع الخدمات في انتظار اعتراف قد يأتي من المشرع بفعل التطورات الاقتصادية، و إلى حينها تبقى فرضية اعتبار عقد المشورة من قبيل البيوع فكرة مردودة، فماذا إذن عن عقد الوكالة ؟
المطلب الثاني
عقد المشــــورة و فرضية عقد الوكــــــــالة
بعد أن درسنا فرضية تواؤم عقد المشورة بعقد البيع كان لزاما أن نقوم بنفس العملية بالنسبة لعقد الوكالة، على اعتبار أن هذا الأخير و عقد البيع يشكلان أصلا لكل العقود، فالثاني يسمح بنقل الثروات، و الأول يساعد على تطوير الحركية القانونية[38]، و من تم فعقد الوكالة يصلح ليكون وعاء لمختلف أنشطة الأشخاص الطبيعية و المعنوية، و هو يجد أيضا موطئ قدم له في مجال المهنة الحرة، و إذا اتفقنا على أن عقد المشورة له انتشار واسع في كافة المهن الحرة، فإنه يجدر التساؤل عن إمكانية التقائه بعقـــد الوكالة، و بعبارة أخرى هل يعد عقد المشورة من قبيل عقد الوكالة ؟ أم أن في الأمر مجرد التباس لا غير ؟
الفقرة الأولى
نظرة عامة حول عقد الوكالة
جوابا عن التساؤل أعلاه يحسن بنا إلقاء نظرة عامة حول عقد الوكالة من حيث تعريفه و خصائصه و بعض أنواعه، ثم نبين عناصر اشتراكه و اختلافه بالعقد المبحوث عن تكييفه .
أولا: تعريف عقد الوكالة و خصائصه:
يعتبر عقد الوكالة من العقود المسماة الكبرى، و لا أدل على ذلك اعتناء مختلف التشريعات المعاصرة بتعريفه و ضبط أحكامه، و حسبنا في هذا المقام أن نقتصر على المشرع المغربي الذي لا يختلف عن باقي التشريعات في اعتبار الوكالة عقدا ” بمقتضاه يكلف شخص شخصا آخر بإجراء عمل مشروع لحسابه، و يسوغ إعطاء الوكالة أيضا لمصلحة الموكل و الوكيل، أو لمصلحة الموكل و الغير، بل و لمصلحة الغير وحده “[39].
انطلاقا من هذا التعريف يمكن استخلاص أهم الخصائص المميزة لعقد الوكالة نجملها في النقط التالية[40]:
- إن عقد الوكالة من عقود التراضي، أي أن انعقاده يتوقف على إرادة المتعاقدين[41]، بحيث يتطابق قبول أحدهما بإيجاب الآخر .
- إن المحل في عقد الوكالة يكون دائما تصرفا قانونيا[42]، لحساب الغير، و هو ما يميزه عن العقود الواردة على الملكية كالبيع و الهبة ، و كذلك عن عقد الشغل الذي يرد بالأساس على الأعمال المادية ، كما هو الشأن بالنسبة لبعض أنواع عقد المقاولة.
- إن عقد الوكالة من عقود الاعتبار الشخصي[43]، إذ أن كلا المتعاقدين يدخل في اعتباره شخصية الآخر، و يترتب عن ذلك أن واقعة وفاة الموكل أو الوكيل تنهي الوكالة التي كانت بينهما .
و يمكن أن نضيف إلى تلك الخصائص أن عقد الوكالة من العقود غير اللازمة بحيث يستطيع كلا الطرفين فسخه دون الرجوع للآخر، و هو أيضا من عقود الأمانة و مؤدى هذا أن الوكيل لا يسأل عن سلامة ما يحوزه للموكل و لا يضمنه إلا إذا ثبت أنه تسبب في تلفه بتقصيره أو تعمده[44] .
و في الخلاصة إن عقد الوكالة يميزه أثره المتمثل في تخويل شخص سلطة تمثيل آخر للقيام بتصرف ما .
ثانيا: أنــــــــواع الوكالــــــــة :
لمعرفة أنواع الوكالة يتعين دراستها من حيث هي مدنية أو تجارية، كما ينبغي تمييز الوكالة العامة عن الخاصة، ثم ننتهي بتبيان الفرق بين الوكالة العادية و الوكالة بالعمولة و الوكالة في الخصومة.
1- الوكالة المدنية و الوكالة التجارية :
إن عقد الوكالة هو عقد مدني[45]، و هذا من حيث المبدأ، إذ يمكن أن يكون عقدا تجاريا إذا توافرت شروط معينة، و إذا أصبح تجاريا بتوافر تلك الشروط لا يغير ذلك من طبيعته و لا تستبعد قواعده الأساسية الواردة في القانون المدني[46] .
و المعيار المحدد للطابع المدني أو التجاري لعقد الوكالة هو صفة الموكل و الوكيل ثم المحل الذي ترد عليه الوكالة هو عمل مدني أو تجاري؟ فإذا كان الموكل تاجرا و أبرمت الوكالة لتنفيذ عمل تجاري بالنسبة له عدت الوكالة تجارية[47]، و نفس الحكم بالنسبة للوكيل، غير أن الوكالة تعتبر مدنية من جهته إذا لم يكن تاجرا و لو كان العمل تجاريا و الموكل تاجرا .
2- الوكالة العامة و الوكالة الخاصة و الوكالة في الخصومة :
الوكالة العامة هي التي يعطي فيها شخص لآخر توكيلا عاما في جميع أموره و سائر أحواله[48]، فلا يعين فيها محل التصرف القانوني، فهذه الوكالة بحسب الفصل 813 من ظ.ل.ع ” تمنح الوكيل صلاحية غير مقيدة لإدارة كل مصالح الموكل، أو هي التي تمنحه صلاحيات عامة غير مقيدة في قضية معينة”، أما الوكالة الخاصة بحسب الفصل 891 من ظ .ل.ع ف ” هي التي تعطى من أجل إجراء قضية أو عدة قضايا أو التي لا تمنح الوكيل إلا صلاحيات خاصة “، و هكذا إذا انصبت الوكالة على بيع معين فيجب أن تنحصر على محل ذلك البيع، و إذا تعلق الأمر بأعمال الإدارة فيجب ألا تخرج عما اتفق عليه الطرفين باستثناء التصرفات، و كذلك التوابع الضرورية وفقا لما تقتضيه طبيعة الوكالة، و ذلك طبقا لما تقضي به الفقرة الثانية من الفصل 891 المشار إليه .
أما الوكالة في الخصومة فهي تخول للوكيل الدفاع عن حقوق الموكل أمام القضاء و يتعلق الأمر بحالة المحامي و الوكيل الشرعي[49].
3- الوكالة بالعمولة و الوكالة العادية :
إن الأنواع التي تم الخوض فيها حتى الآن تندرج في خانة الوكالة العادية، فهي تنبثق كلها من فكرة النيابة، أما الوكالة بالعمولة و إن كانت لا تخرج عن هذا الإطار، فإن الوكيل حين قيامه بالتصرف المنوط به يظهر مظهر الأصيل تجاه الغير، حيث يتعاقد باسمه، و بالتالي تنصرف إليه آثار ما يبرمه من تصرفات لا إلى موكله، على أن يقدم لهذا الأخير حسابا عما كلف به، و هي عقد تجاري بطبيعته و قد نظمته مدونة التجارة في المواد 422 و ما بعدها.
بعد هذه النظرة الموجزة عن عقد الوكالة، نتوصل إلى انطباع عام و هو أن هناك تشابها بين عقد الوكالة و عقد المشورة، غير أن ذلك لن يسعف في اعتبار أعمال تقديم المشورة من قبيل الوكالة، و هذا ما سنحاول توضيحه في الفقرة الموالية.
الفقرة الثانية
دحض فرضية اعتبار عقد المشورة نوعا من الوكالة
في البدء يجدر الإقرار بالتقاء عقد المشورة و عقد الوكالة في عدة خصائص، و أولها خاصية الاعتبار الشخصي التي تسود بين الأطراف في كلا العقدين، فكما رأينا بأن شخصية الوكيل أو الموكل تعتبر ذات أهمية قصوى بالنسبة لكل منهما بل إن ذلك يعد من الخصائص الجوهرية في عقد الوكالة، فإنه من باب أولى أن تكون شخصية المستشار محل اعتبار بالنسبة للزبون في عقد المشورة، لأن الأمر يتعلق هنا بتوجيه قرارات قد تكون مهمة جدا، و لا تخلو المسألة من بعض الخطورة أحيانا، و لهذا يحرص الزبون دائما على اختيار شخص له دراية كبيرةىت و رجل عارف بأصول فنه أكثر من غيره، و عليه يصعب أن توكل مهمة تقديم المشورة لشخص لا تتوفر فيه هذه المواصفات.
بالإضافة إلى ذلك نجد أن عنصر الثقة له دور مهم في كلا العقدين، و الثقة مطلوبة عند إنشاء العقدين و تزداد ضرورتها عند التنفيذ.
و مما ينبغي الإشارة إليه في هذا الصدد أن كلا العقدين يعتبران من عقود الخدمات، و يمكن أن نضيف إليهما عقد المقاولة و عقد الشغل.
و بخصوص مسألة الطبيعة المدنية أو التجارية للعقدين فإنهما يعتبران مدنيين من حيث الأصل، لكن عقد الوكالة يصبح تجاريا وفق الشروط التي بيناها آنفا، أما بالنسبة لعقد المشورة فهو يكون تجاريا بالتبعية بالنسبة للمستشار الذي يمارس نشاطه في شكل شركة تجارية.
و بالرغم من هذه النقط التي يلتقي فيها عقد المشورة و عقد الوكالة، فإن هناك عناصر تبعد تماما إمكانية التطابق بين العقدين، و أهم هذه العناصر هو خاصية التمثيل القانوني الذي يميز عقد الوكالة، و هو في ذات الوقت التزام أساسي للوكيل، فالوكالة ضرب من ضروب النيابة؛ و كما مر بنا فإن المهمة الرئيسية للمستشار هو تقديم معارف و نصائح للزبون، و هناك من اعتبر المشورة من قبيل التصرفات المادية[50] ، مع العلم أن المشورة هي شيء يدور في الذهن، اللهم إذا استثنينا ما يصاحبها من دراسات في شكل وثائق أو برامج معلوماتية، و مهما يكن فالمشورة تنأى عن التصرفات القانونية التي تشكل الالتزام المترتب عن الوكالة.
و يترتب عن كون الوكيل نائبا عن الموكل، أن هذا الأخير هو المسئول عن آثار التصرف الذي كلف الوكيل بإجرائه، و هذا وجه آخر للتباين بين الوكالة و المشورة، فالمستشار يقدم مشورته أصالة عن نفسه و هو مستقل في ذلك و هو المسئول عن آثار إعمال نصيحته وليس الزبون الذي يطبق ما يملى عليه، و حتى و لو تعلق الأمر بالوكالة الخاصة، فالأمر لا يختلف، أما في حالة الوكالة بالعمولة فإذا كان الوكيل يقوم بتصرفات باسمه الشخصي و يبقى مسئولا عن ذلك، فإنه في النهاية يرجع للموكل.
و لئن تبنى بعض الفقه المغربي[51] عقد الوكالة في تكييفه للعلاقة بين المهني و الزبون في مجال المهنة الحرة، فإنه تبنى تكييفا آخر هو عقد المقاولة[52]، ثم تبنى جانب أخر التكييف الذي يجمع بين الوكالة و المقاولة[53]، مما يعني أن الوكالة لا تغطي كافة الأعمال التي تدخل في مجال المهنة الحرة.
و إجمالا ، نقول إن وجود بعض الخصائص و العناصر المشتركة بين عقدي الوكالة و المشورة لا تسعف و لا تشفع في القول بالتطابق بين العقدين لأن المقارنة بينهما أثبتت تباعدا بين الالتزامين الرئيسين الناتجين عن العقدين، و النتيجة أن عقد المشورة لا يدخل في خانة عقد الوكالة.
فلنقارن الآن عقد الشغل بعقد المشورة.
المطلب الثالث
عقد المشـــورة و إمكانية إلحاقه بعقد الشــغل
قد يبدو لأول وهلة أنه لا يوجد تنافر بين عقد الشغل و عقد المشورة من منطلق أن محل التزام كل من المستشار و الأجير هو القيام بعمل أو أداء خدمة معينة، لكن باستقراء العناصر التي يتسم بها عقد المشورة، و التي وقفنا عليها عند تعريفه و عند مقارنته بالعقود السابقة مع استحضار مميزات عقد الشغل، أمكن القول بأن هذا الأخير أبعد من أن يحيط بالعلاقة التي تربط بين المستشار و زبونه.
فقد عرف جانب من الفقه[54] المغربي عقد الشغل بكونه ” اتفاقية بمقتضاها يضع شخص ، يسمى الأجير نشاطه المهني في خدمة شخص آخر يسمى المؤاجر يكون له سلطة عليه و يؤدي له مقابلا يسمى الأجر ” .
أما في مدونة الشغل الصادرة سنة [55]2003 فقد ارتأى المشرع في المادة السادسة أن يعرف بالأجير و المشغل عوض التعريف بالعقد الذي يجمعهما، و ما يهمنا في هذا المقام هو الأجير الذي ورد تعريفه في الفقرة الأولى من المادة المشار إليها أعلاه، حيث قضت بأنه ” يعد أجيرا كل شخص، التزام ببذل نشاطه المهني، تحت تبعية مشغل واحد أو عدة مشغلين، لقاء أجر، أيا كان نوعه ، و طريقة أدائه “.
و من خلال التعريف أعلاه تتبدى لنا العناصر المكونة لعقد الشغل، و هي الأجر و أداء الشغل وعلاقة التبعية[56].
و بالمقارنة مع عقد المشورة، فإن هذا الأخير بدوره يحتوي على عنصر الأجر أو الأتعاب التي يأخذها المستشار نظير ما يقدمه من المشورة التي تماثل أداء الشغل، و يبقى العنصر الثالث في عقد الشغل و المتمثل في علاقة التبعية هو الذي لا نجده في عقد المشورة .
فكما سبق القول فإن المستشار يقوم بعمله بشكل مستقل عند تقديمه للمشورة، فلا يتلقى تعليمات أو أوامر من قبل الزبون أو صاحب العمل.
و تجدر الإشارة أن التبعية التي تم أخذها كمعيار للتمييز بين عقد المشورة و عقد الشغل هي التبعية القانونية[57]، لأن التبعية الاقتصادية[58] لها مفهوم واسع و قد نجدها في عقد المشورة، فالمبالغ التي يحصل عليها المستشار من خلال النصائح و الاستشارات التي يقدمها للمتعاملين معه قد تشكل المصدر الوحيد لكسب معيشته.
و لعل هذا ما جعل الباحثين في مجال المهن الحرة يستبعدون عقد الشغل في تكييف علاقة المهنيين الأحرار بزبنائهم[59].
أما الاعتبار الثاني لعدم قبول فكرة عقد الشغل، خاصة في مجال المهنة الحرة، فهو أن إطلاق العنان لإبرام عقود الشغل من طرف المهنيين الأحرار بصفتهم كأجراء سيؤدي إلى نتيجة غير طبيعية و غير منطقية و هي أنهم سيستفيدون بالإضافة إلى الأحكام الواردة في القوانين المنظمة لمهنهم من الحماية التي يقررها القانون الاجتماعي لمصلحة الأجراء[60].
غير أن هناك استثناء لهذا المبدأ و هو إمكانية اشتغال بعض المهنيين مع بعض المؤسسات التي تزاول نفس نشاطهم و غيرها، كما هو الشأن بالنسبة للطبيب المتعاقد مع مؤسسة استشفائية وطبيب الشغل الذي يتعاقد مع مؤسسة لمعاينة أجرائها[61]. إلا أن عقد الشغل في هذه الحالات يربط بين المهني و المؤسسة التي تشغله لا بينه و بين زبنائها.
و توخيا لرفع الالتباس، فإن عدم تواؤم عقد الشغل مع المهن الحرة، لا يعني عدم صلاحية نشاط تلك المهن ليكون محلا لعقد لشغل، فالقول بعدم تناسب عقد الشغل مع مؤسسة الطب الحر مثلا ” لا يعني تنافي مهنة الطب مع عقد الشغل، فالنشاط الطبي قابل لأن يكون محلا لهذا الأخير”[62].
و لعل الداعي لهذا التوجه هو أنه في المجتمعات الرأسمالية يتم ضخ الرساميل في قطاع الخدمات الأخرى، و لا توجه نحو أنشطة المهن الحرة، و هذا ما جعل بعض الأطباء و رجال القانون و المهندسين يتجهون للعمل كأجراء[63].
و لكن ما تجدر ملاحظته، أن هؤلاء الذين يعملون في هذا الإطار في الغالب يتنازلون عن الامتيازات التي تمنحها لهم القوانين المنظمة لمهنهم و ينصاعون بإرادتهم لمشغليهم .
و على هذا الأساس، يمكن القول في ختام هذا المبحث أنه إذا كان عقد المشورة لا يتعلق بنقل الملكية فهو ليس بعقد بيع، و لا بالتمثيل القانوني فهو ليس بوكالة، و تنعدم فيه علاقة التبعية فهو ليس بعقد للشغل، فهذه العناصر التي لا نجدها في عقد المشورة تنأى كذلك عن عقد المقاولة، و النتيجة المنطقية لذلك اعتبار عقد المشورة ضربا من ضروب عقد المقاولة، و هذا ما سنفصله في المبحث الموالي .
المبحث الثاني
التكييـف المقترح: عقد تقديم الاستشارة عقد مقـاولة
بعد أن استعرضنا في المبحث السابق العقود التي لا تتلاءم مع عقد المشورة، حيث أثبتت عملية التكييف عجز نظريات تلك العقود عن احتضان أعمال تقديم المشورة إما لانعدام الأساس القانوني، أو لتفردها ببعض العناصر و المميزات التي لا نجدها في عقد المشورة، لا يتبقى لنا سوى العقد الرابع من العقود التي تم انتقاؤها في إطار البحث عن التكييف الصحيح للعقد محل البحث.
و قبل الخوض في الاعتبارات التي ينبني عليها تكييف عقد المشورة على أساس عقد المقاولة، لا بأس من التذكير بأهمية هذا الأخير خاصة في الوقت الراهن؛ فتحت غطائه تمارس مجموعة من الأنشطة الاقتصادية و مختلف المعاملات مدنية كانت أو تجارية، و في الحقيقة يمكن الحديث اليوم عن عدة عقود للمقاولة كنتيجة للنمو الاقتصادي المطرد من جهة، و من جهة أخرى دخول هذه العقود في الحياة اليومية للأعمال[64].
و لا تخرج أعمال المهن الحرة عن هذا الإطار، لذلك سنركز عليها لبسط حيثيات التكييف الذي نحن بصدده ، و مما يعضد هذا الطرح أن أصحاب تلك المهن هم المعنيون أكثر من غيرهم بتقديم الاستشارة.
و بناء على ذلك، يتعين الوقوف عند موقف القانون و الفقه و القضاء من علاقة المهنيين الأحرار بزبنائهم، لكن الأهم هو معرفة موقع عقد المشورة في خضم ذلك (المطلب الأول). و الواقع أن عقد المقاولة يشمل بالإضافة إلى بعض أعمال المهنيين الأحرار خدمات أخرى تقنية و اقتصادية وعلمية، قد يلتبس بعضها بخدمة تقديم الاستشارة، و هو ما يحتم علينا تمييز العقود المتعلقة بتلك الخدمات عن عقد المشورة (المطلب الثاني).
المطلب الأول
أسـس اعتبار عقد المشـورة من قبيل عقد المقــاولة
لتأسيس اعتبار عقد المشورة عقدا للمقاولة أو ما يسمى بالإجارة على الصنعة، تحتم الضرورة المنهجية الانطلاق من القانون المغربي، على أن ندعم هذا الطرح بموقف الفقه المغربي (الفقرة الأولى)، و توخيا للزيادة في تعميق و تأصيل الفكرة نرى أن نعرج على الوضع في القانون الفرنسي نصا وقضاء و فقها (الفقرة الثانية).
الفقرة الأولى
الوضع في القانون المغربي
عرف الظهير المنظم للالتزامات و العقود المغربي عقد المقاولة في الفقرة الثانية من الفصل 723 بقوله “إجارة الصنعة عقد بمقتضاه يلتزم أحد الطرفين بصنعه شيء معين في مقابل أجر يلتزم الطرف الآخر بدفعه له “[65].
إلا أن ما يلاحظ هو قصور هذا التعريف كما هو الشأن بالنسبة لتشريعات مقارنة أخرى في الإحاطة بكافة عناصر و خصائص عقد المقاولة، و من أهم تلك العناصر استقلال المقاول في أداء التزاماته، و هذا ما جعل القضاء يتدخل لسد هذا النقص[66].
بالإضافة إلى ذلك، لا يكفي الوقوف عند منطوق الفصل 723 من ظ.ل.ع. للقول بأن المشرع قد عرف عقد المقاولة و كفى، إذ يتعين النظر للفصول الآتية بعده، و ذلك من باب أن فصول قانون ما يكمل و يشرح بعضها بعضا وفقا لما تمليه مدرسة الشرح على المتون.
و عليه، و كما لاحظ بعض الفقه المغربي[67]، فإنه ينبغي ربط الفصل 723 المذكور أعلاه بما ينص عليه الفصل 724، حيث أكد على أنه ” يعتبر القانون بمثابة إجارة الصنعة، العقد الذي يلتزم بمقتضاه الأشخاص الذين يباشرون المهن و الفنون الحرة بتقديم خدماتهم لزبنائهم، و كذلك الشأن بالنسبة لأصحاب العلوم و الفنون و الحرف “.
و النتيجة المنطقية لهذا التحليل أن عقد المقاولة صالح لتأطير علاقة المهني الحر بزبونه، مع أن عقد الوكالة[68] يتدخل أحيانا لتأطير جو انب من تلك العلاقة، خاصة في حالة المحامي.
و إذا ما سلمنا بأن أهم ما يقدمه أصحاب المهنة الحرة لزبنائهم هي خدمات ذهنية، فإن جمع هذا المعطى مع النتيجة التي توصلنا إليها أعلاه يؤدي بنا للقول بأن الأعمال الذهنية قابلة لأن تكون محلا في عقد المقاولة.
و هكذا يمكن أن نضيف إلى التعرف التشريعي لإجارة الصنعة أو عقد المقاولة أن المحل الذي يدفع في مقابله الأجر قد يرد على أداءات ذهنية، زد على ذلك عنصر الاستقلال في أداء المقاول لالتزاماته كما تم الإيماء إليه آنفا، و هذا ما يمكن من إعطاء تعريف أدق لعقد المقاولة بالقول إنه عقد يلتزم بمقتضاه أحد الطرفين بالقيام بعمل مادي أو ذهني و بصفة مستقلة في مقابل أجر يلتزم الطرف الآخر بدفعه له[69] .
و باستقراء بعض الدراسات المتخصصة في الفقه المغربي[70]، نجـــــــد أن هناك إجماعا على تكييف علاقة المهنيين الأحرار بزبنائهم على أساس عقدي أولا، ثم صلاحية عقد المقاولة لتأطير تلك العلاقة ثانيا، فلا اجتهاد مع مورد نص الفصل 724 من ظ .ل.ع. .
غير أن الأستاذ محمد الكشبور[71] يرى – محقا في ذلك- بأن هذا التكييف و إن كان عاما فهو ليس مطلقا، فلا ينطبق على كافة الأعمال التي يمارسها المهنيون، و يمكن التلميح في هذا الصدد إلى عقد الوكالة الذي يؤطر العلاقة بين المحامي و زبونه في حالة تمثيله أمام القضاء.
و في مجال الهندسة المعمارية نجد أن المهندس يقوم بتمثيل رب العمل أمام الغير و تصفية الحساب مع المقاول، و هذه أعمال تدخل في إطار الوكالة[72].
فمجال الوكالة كما تقدم عرضه آنفا محدد، إذ ينحصر في أعمال تمثيل المهنيين لزبنائهم للقيام بتصرفات قانونية، و بما أن المشورة ليست من قبيل تلك التصرفات، و لا تتطلب التمثيل، فإنه يتعين في حالة الاتفاق على تقديمها تكييف ذلك الاتفاق على أنه من قبيل عقد المقاولة وفق التعريف المركب الذي تم إيراده لهذا الأخير.
أما في غير مجال المهنة الحرة، فإن الإشكال لا يطرح بحدة عند تكييف العلاقة التعاقدية بين الشركات التي تقدم خدمة الاستشارة و كذلك مكاتب الدراسات مع زبنائهم، فتلك المؤسسات تقوم بمجموعة من الأعمال التي يختلط فيها ما هو مادي و ما هو فكري، على أنه كثيرا ما يحصل أن تفوت أمر إنجاز الأعمال المطلوبة منها لغيرها في إطار التعاقد من الباطن، و عقد المقاولة هو الذي يتيح التعامل مع مثل هذه الوضعيات، و هو الأقدر لضبطها[73] .
الفقرة الأولى
الوضع في القانون الفرنسي
بالانتقال إلى الوضع في القانون الفرنسي، نجد أن التقنين المدني بعد أن عرف إجارة الصنعة بكونها عقدا يتعهد أحد الأطراف بموجبه بالقيام بعمل لفائدة الأخر لقاء ثمن يتفقان عليه[74]، وذلك في الفصل 1710، عاد في الفصل 1779 ليقسم الإجارة على الصنعة إلى ثلاثة أصناف هي إجارة الخدمة و إجارة أصحاب عربات نقل الأشخاص و البضائع ثم إجارة المهندسين و المقاولين ( المقصود هنا مقاولي البناء ) و تقنيي الدراسات و العملة أو السوق .
و رغم اعتناء المشرع الفرنسي في الفصول اللاحقة بتلك الزمرة من الخدمات، فإنه لم يشر قط إلى الخدمات الفكرية في نطاق الإجارة على الصنعة، و هذا ما يدفعنا للتساؤل عن موقف القضاء و الفقه في فرنسا ؟.
الحقيقة أن القضاء الفرنسي قد تصدى لسكوت القانون المدني على تحديد الطبيعة القانونية لتقديم الخدمات الفكرية، حينما قرر بأن الأعمال ذي الطبيعة الفكرية غير مستثناة من تعريف عقد المقاولة[75].
و قد أيد الفقه الفرنسي ما ذهب إليه القضاء هناك، حيث لم يتردد مؤلفو المراجع الحديثة التي عدنا إليها خلال إعداد هذه الدراسة في تصنيف عقد المشورة ضمن زمرة العقود التي توجد تحت ستار عقد كبير هو عقد المقاولة[76].
و الحقيقة أن هذا الموقف ليس بجديد في الفقه الفرنسي، فمنذ 1971 أي إثر صدور مقالة سافاتييه حول بيع الخدمات اعتبر بعض الفقه[77] مكتب الاستشارة مقاولا فكريا، و يعتبر كذلك بحسب نفس الفقه مقاولين فكريين أصحاب المهن الحرة، و منهم المحامون و الأطباء و الأساتذة[78].
و بعد هذا التحليل الذي ركزنا فيه على موقف القانون و الفقه في المغرب، ثم رأي القضاء و الفقه الفرنسيين الذين كانا أكثر جرأة من القانون المدني الفرنسي، هذا الأخير الذي يمكن القول بأن الظهير المنظم للالتزامات والعقود المغربي كان أحسن ضبطا و دقة و تنظيما منه في تنطيق عقد المقاولة[79].
و بعد هذا لم يعد هناك مجال للشك في أن عقد المشورة هو عقد مقاولة، لكنه عقد مقاولة فكرية، فهو ينصب على أداءات ذهنية.
غير أن الأخذ بهذا التكييف قد يوقع في فخ التباس عقد المشورة مع بعض عقود الخدمات المشابهة والمنضوية تحت لواء عقد المقاولة، و لهذا سنحاول رفع ذلك الالتباس في المبحث الموالي .
المطلب الثاني
تمييز عقد تقديم الاستشارة عن بعض عقود المقاولة المتعلقة بالخدمات الفكرية
في هذا الموضع فسيتم التطرق للعقود المتعلقة بالمعلومات و التعليم ثم بالعقود التي يكون هدفها الحصول على خدمات ذات الصلة بمجال الابتكار و البحث العلمي.
و نظرا لكون عقد المشورة من العقود المتعلقة بالإعلام[80]، فإن هذا المعطى هو ما يجعله يلتبس مع بعض العقود في هذا المجال، و لهذا يتعين توضيح مضمون تلك العقود ( الفقرة الأولى)، كما أن عقد المشورة لا يختلف في بنيته و موضوعه عن بعض العقود المتعلقة بالأنشطة العلمية لهذا كان لزاما التطرق لهذه الأخيرة (الفقرة الثانية ) .
الفقرة الأولى
تمييز عقد المشورة عن العقود الأخرى المتعلقة بالإعلا.
و هذه العقود كما مر بنا هي عقد التعليم و عقد تقديم المعلومات .
أولا: عقد التعليم و عقد المشورة :
عقد التعليم شكل من أشكال عقد المقاولة يلتزم بمقتضاه أستاذ بنقل مجموعة معارف لمتعلم ليبغ مستوى تقنيا و فكريا معينا [81].
و لعل ما نص عليه صراحة من الفصل 724 من ظ. ل. ع يؤكد على أن هذا العقد يدخل في نطاق إجارة الصنعة [82] ؛ و إذا كان هذا العقد يشترك مع عقد المشورة في الأداءات الفكرية الملقاة على عاتق المقاول المستشار و الأستاذ، فإن هذا الأخير يقوم ببعض الأعمال المختلفة ، فهو يلقن دروسا و يقيم المتعلم من خلال امتحانات و تمارين، و هي أمور لا يقوم بها المستشار، و إن كانت بعض الالتزامات الثانوية يشتركان فيها مثل تقديم المساعدة التقنية و الالتزام بالتبصير، و كل منهما ملزم ببذل عناية لا بتحقيق غاية.
ثانيا: عقد تقديم المعلومات و عقد المشورة :
42– يتخذ عدد من المقاولات الكشف عن المعلومات لزبناء خاصين كنشاط لها، و قد أطر المشرع الفرنسي هذه الأنشطة بالقانون 28 شتنبر 1942 و المعدل بقانون آخر صدر في 23 أكتوبر 1980 الذي يحدد شروط ممارسة مهنة مديري و مسيري الوكالات الخاصة للأبحاث[83]، و هذه المقتضيات تهم وكالة المحققين الخواص كما تشمل وكالات المعلومات التجارية .
كما يتم تقديم مثل هذه المعلومات كعمل ملحق أو مكمل لخدمات أخرى، كما هو الشأن بالنسبة لبعض الأبناك التي تفصح لزبنائها عن وضعية مقاولات في حالة مشابهة[84]، و يمكن الإشارة كذلك في هذا الصدد إلى أن بعض الوكالات العقارية تقوم بالإفصاح عن بعض المعلومات المهمة لزبنائها أحيانا.
و كيفما كان الحال، فإن نشاط تقديم المعلومات سواء أكان رئيسيا أو ثانويا، فإنه يمارس في قالب قانوني واحد و هو عقد المقاولة[85]، و بتعبير أوسع إنه عقد لأداء خدمات؛ غير أنه عنــد القيام بهذه الأنشطة ينبغي احترام ما يفرضه النظام العام و ما تفرضه القوانين مثل ضرورة الالتزام بعدم إفشاء السر المهني .
و يجدر إبداء ملاحظتين إزاء هذه الخدمات، الأولى : أنها و إن كانت تتشابه مع خدمة الاستشارة بل يمكن القول أنها استشارة ناقصة، إذ ثمة عنصر ينقصها لكي نصبح أما عقد للمشورة، و هذا العنصر هو توجيه الزبون، فالذي يقدم المعلومات لا ينصح الزبون بالقيام بعمل أو الامتناع عن عمل، فهو و إن لم يكن في موقف حياد فهو ينبغي أن يكون موضوعيا، و هذا ما يقرب خدمة تقديم المعلومات من الالتزام بالإعلام[86].
أما الملاحظة الثانية فهي أن القانون المغربي لا يعترف بمثل هذه الأنشطة إلى حين كتابة هذه السطور، و إن كانت مهنة المحقق الخاص تمارس في الواقع فإن ذلك يتم في غياب إطار قانوني.
الفقرة الثانية
تمييز عقد تقديم الاستشارة عن بعض العقود المتعلقة بالأنشطة العلمية / عقود القانون المدني الاقتصادي
لقد أفرز التقدم الاقتصادي و العلمي بروز أشكال تعاقدية جديدة من أجل نقل المعرفة والتكنولوجيا
لتعم أكبر عدد من الناس، غير أن هذه العملية تخضع لتقنين ضابط حتى لا تهدر حقوق مالكي و صانعي المهارات الجديدة .
و لهذا الغرض، أنشأت عقود جديدة سميت بعقود القانون المدني الاقتصادي[87] منها عقد نقل التجربة و عقد البحث العلمي.
أولا:عقد المشورة و عقد نقل التجربة contrat de know-how (_de savoir-faire) :
ينصرف مضمون عقد نقل التجربة (savoir faire ) إلى نقل طريقة الصنع من شخص لآخر لينتج هذا الأخير منتوجا جديدا [88] .
و الواضح أن هذا العقد يشترك مع عقد المشورة في طبيعة الخدمات المؤداة، فهي خدمات فكرية، ويلحق بكلا العقدين عادة التزام ثانوي بالمساعدة التقنية، و الزبون في كلا العقدين يلتزم بأداء مالي لقاء الخدمة التي تقدم له.
إلا أنه تجدر الملاحظة أن المستشار في عقد المشورة لا يقوم بنقل خبرته و أسراره في الصنع إنما يكتفي بتوجيه الزبون بناء عليها، فهو ليس بحاجة لتبيان كيفية استخدام معارفه كما هو الشأن في عقد نقل التجربة، و هذا ما يؤدي إلى استبعاد إمكانية التطابق بين العقدين.
ثانيا: عقد المشورة وعقد البحث العلمي :
يهدف عقد البحث العلمي إلى تحقيق غايات ثلاث : إما تطوير مشروع إلى مرحلة معينة، و إما تسليم الزبون معارف جديدة، أو تقديم حل لمسألة تقنية معينة.
و واضح أن الفرق بين عقد المشورة و عقد البحث العلمي يكمن في أن التزام المستشار محدد الغاية، و إن كانت لا تتحقق دائما، إلا أن عليه استثمار المعلومات المتوفرة لديه و بذل عنايته لبلوغ تلك الغاية، أما في عقد البحث العلمي فالملتزم بالبحث لا ينطلق من معطيات جاهزة بل عليه الابتكار و العمل على خلق آليات تمكن الزبون من تطوير و تأهيل مشروعه.
و هكذا نخلص في نهاية هذا المبحث إلى أن تكييف عقد المشورة على أساس عقد المقاولة لا ينبغي أن يسقطنا في فخ اعتباره عقدا من عقود الخدمات الحديثة في ميدان المعلومات و الأنشطة العلمية .
و لهذا يحق القول باستقلالية عقد المشورة بمفهوم خاص[89]، و هو ما برهنت عليه عملية التكييف، حيث توصلنا من خلال مقارنته بالعقود المسماة الكبرى إلى أن عقد البيع لا يستوعبه، كما تعجز نظرية عقد الوكالة على أن تحتوي مضامينه، و كذلك الشأن بالنسبة لعقد الشغل الذي يتميز بعنصر التبعية، والنتيجة أن عقد المشورة عقد مقاولة، غير أن التحليل الذي قمنا به في هذا الإطار أوصلنا إلى أنه عقد مقاولة من نوع خاص، فهو عقد مقاولة وارد على خدمات أو أداءات فكرية، غير أنه يختلف عن عقود المقاولة الأخرى لتميز كل منها بأداء ذهني مختلف أو بخصوصية معينة .
– الآية 37 من سورة الشورى. [1]
[2] – الآية 159 من سورة آل عمران.
3 – تعد الاستشارة من المساطر الإدارية غير القضائية إلى جانب مساطر أخرى، أنظر بهذا الشأن :
– محمد الأعرج، المساطر الإدارية غير القضائية، المجلة المغربية للإدارة المحلية و التنمية، سلسلة أعمال و مؤلفات جامعية، عدد47 ، ص :113 .
غير أنه ينبغي التمييز بهذا الصدد بين الاستشارة و التشاور داخل الإدارة، فالتشاور هو نمط للتدبير يعتمد على الاستشارة كآلية من آليته، أما الآليات الأخرى فهي المشاركة و التعاقد أنظر:
- Ali ELMHAMDI, “le concept de la concertation dans l’administration publique, essai d’une analyse théorique” revue juridique , politique, et économique du Maroc , n° 16 , décembre 1984, ps: 189 et 99.
[4] – سيتم استعمال مصطلح “عقد المشورة” للتعبير عن هذا العقد في هذه الدراسة.
[5]– v. M-F MIALON, « actualité des contrats de conseil : l’intervention législative et réglementaire en matière d’ingénierie de travaux publics et d’architecture, Rev. Trim. Dr. Civ., 1976, p 20.
[6] – v. P. PADIS, US et coutumes du bureau Allemend, la déontologie de Rechtsawalt , Gaz. Pal., 1970, 1, doctr., p : 79.
[7] – تم تنظيم مهنة وكيل الأعمال منذ 1945 رغم النقاش المثار حول عدم تفعيل الظهير المنظم لها عمليا، غير أن هناك من لا زال يتمسك بمقتضياته كأساس لممارست نشاطه االمهني، خاصة الكتاب العموميون محرري العقود العرفية، أنظر بالفرنسية:
Dahir de 12 Janvier 1945 (27 Moharrem 1364) reglementant la proffession d’agent d’affaires, B.O. 1683 de 12 Janvier 1945.
رغم ما ي
– انظر د. أحمد محمد أسعد ، نحو إرساء نظام قانوني لعقد المشورة المعلوماتية، دار النهضة العربية ، ط1، 1990.[8]
[9]– M. F. Mialon, “Etude juridique d’un contrat de conseil, le contrat de conseil en organisation d’entreprise, RTD. Civ., 1973, p 20.
– [10] و الواقع أنه في هذه المجالات تتوفر الشركات التي تعرض خدماتها الاستشارية على عدد من المتخصصين بمن فيهم القانونين و التقنيين، و بالتالي يسهل على تلك الشركات تقديم استشارات متنوعة.
[11] – للتوسع أكثر في موضوع التكييف القانوني راجع أطروحة عبد الرزاق أيوب: التكييف القانوني، الأسس النظرية و الجوانب العملية، أطروحة دكتوراه في القانون الخاص نوقشت في كلية الحقوق بالدار البيضاء، الموسم الجامعي 2003-2004 .
[12] – هذا التعريف للأستاذ أحمد أدريوش في مؤلفه : المدخل لدراسة قانون العقود المسماة، البوكيلي للطباعة و النشر
و التوزيع، القنيطرة ، 1995، ص :53، نبذة رقم 72.
[13] – نفس المرجع، ص :56 رقم 76 .
[14] – و العقد المسمى contrat nommé “هو الذي نظمه المشرع و ميزه عن غيره باسم خاص و أحكام خاصة ” ، انظر : مأمون الكزبري ، نظرية الالتزامات في ضوء قانون الالتزامات و العقود المغربي ، الجزء الأول ، مصادر الالتزامات ، مطبعة النجاح الجديدة ، البيضاء، 1974، ص 32 ، نبذة رقم 16.
[15] – انظر بهذا الخصوص : أحمد أدريوش، المدخل ، م س، ص 53، ثم عبد الرزاق أيوب، الأطروحة المشار إليها أنفا، ص 10 و 11 و غيرهما، ثم انظر كذلك: إدريس العلوي العبدلاوي، شرح القانون المدني، النظرية العامة للالتزام، نظرية العقد، مطبعة النجاح الجديدة، الدار البيضاء، 1995، ص 60.
– Alain BENAPENT, « Qualification et classification des contrats », note sous css. Ass. Plén., 21 décembre 2007, Revue des contrats, Avril 2009, p : 327.
[16] – حول المسألة انظر : محمد الكشبور ، م س ، ص: 322.
[17] -عبد الرزاق أيوب، الأطروحة السابقة، ص 338 و ما بعدها .
[18] – نفس المرجع ، ص 345 و ما بعدها .
[19] – كون هذه العقود مرتبطة بالأموال ، فهي تهدف إلى نقل حق على شيء أو استعمال هذا الشيء لصالح المتعاقد.
[20] – يرى ذ. محمد شيلح بأن العبرة ليست بالشيء في حد ذاته و إنما بقابليته للتملك و التمليك ، و لذلك فإنه ” لا يمكن أن يتمثل نطاق المبيع إلا في الحق ” ، محمد شيلح : مرشد الحيران إلى الفهم المحمود بفك القيود عن نكت أحكام البيع المنضود في القانون المغربي للالتزامات و العقود ، مطبعة انفو برنت، فاس، ط 2، 1999، ص 145، نبذة رقم 226 .
[21]– R. SAVTIER , “la vente de service “, D. chron. , 1969, p 145 et s.
[22]– M. F. Mialon, “Etude juridique d’un contrat de conseil, le contrat de conseil en organisation d’entreprise, RTD. Civ., 1973, n°1, p 345.
[23] – R. SAVATIER, “la vente de service “, article précité, p 233.
[24] – Omar AZIMAN, op. cit., p. 249.
[25] – ibidem.
[26] – R. SAVATIER, “la vente de service “, article précité, p 233, spéc. n° 23.
[27] – ibidem.
[28] – ibidem.
[29] – M. F. MIALON, « Etude juridique d’un contrat de conseil…», article précité, p 25, n° 40.
[30] – ibidem, dont elle a dit que « l’objet de la vente de service peut donc être défini comme la transmission abstraite du produit de l’intelligence ».
[31] – v. Omar AZIMAN, la profession libérale au Maroc, édition de la faculté des science juridiques, économiques et sociales, Rabat, 1980, préface de Jean DEPREZ., p 250.
[32] – سيتم الوقوف عند هذه الفكرة عند تكييف عقد المشورة بعقد الشغل.
[33] – انظر في هذا الصدد : خالد عبد الله عيد، العقود المسماة وفقا لأحكام قانون الالتزامات و العقود المغربي، الجزء الأول : أحكام عقد البيع، دون ذكر دار الطبع ، الرباط ، 1980، ص 221، نبذة 284.
[34] – محمد شيلح ، مرشد الحيران، مرجع سابق، ص ،169 نبذة 263 .
[35] – عمر عزمان، المرجع المشار إليه أنفا بالفرنسية، ص 260.
[36] – إذ يمكن قياس كمية الطاقة المستهلكة بوحدة الكيلواط.
[37]– SAVATIER (R),” Les contrats de conseil professionnels en droit privé ” , D. 1972, Chronique ххш, n° 29.
علما أن هذه المقالة نشرت سنة 1972 في حين نشرت المقالة المتعلقة ببيع الخدمات سنة 1971 ، انظر البيانات التي تمت الإشارة إليها آنفا .
[38] – Malaurie , Aynès et GAUTIER , op. cit. , p 271, n° 520.
[39] – الفصل 897 من الظهير المنظم للالتزامات و العقود .
[40] – انظر في هذا الصدد الأستاذ عبد السلام أحمد فيغو ، العقود المدنية الخاصة في القانون المغربي، مطبعة الأمنــــــية بالرباط، نشر دار الأمان بالرباط ودار الأفاق بالدار البيضاء، 1428ه/2008م، ص 136.
[41] – أحمد عبد الرزاق السنهوري ، الوسيط في شرح القانون المدني، الجزء السابع، دار النهضة العربية، ص 465 نبذة 208 .
[42] – Malaurie et autres, op. cit., p 286, n° 541 .
[43] – Malaurie et autres, op. cit., p 293, n° 551 .
[44] – أنظر في هذه الخصائص الأخيرة: الدكتور عبد السلام احمد فيغو، المرجع السابق ، ص 137.
[45] – نفس المرجع ،ص: 139.
[46] – نفسه.
[47] – نفس المرجع، ص 171.
[49] – نفس المرجع، ص 179.
[50]– N . REBOUL, les contrats de conseil, PAUM, 1990 , préface de Philipe DELEBEQUE, n° 84, p: 84.
[51] – الأستاذ عمر عزمان في أطروحته السابقة، ص 261 و ما بعدها .
[52] -نفس المرجع ، ص 256.
[53] – نفسه المرجع، ص 265.
[54] – موسى عبود، دروس في القانون الاجتماعي، مطبعة النجاح الجديدة، الدار البيضاء، 1407 ه /1987 م ، ص 169.
[55] – القانون رقم 99-65 المتعلق بمدونة الشغل، الصادر بتنفيذ الظهير الشريف رقم 1.03.194 المؤرخ ب 14 من رجب 1424 /11 سبتمبر 2003، ،الجريدة الرسمية رقم 5167 ،8 دجنبر 2003.
[56] – انظر تفصيل هذه العناصر في المرجع أعلاه، ص 173 و ما بعدها .
[57] – لأن هذه التبعية هي التي تقتضي أن يخضع الأجير لأوامر و تعليمات المشغل ، انظر : موسى عبود ، مرجع سابق ، ص 177 .
[58] – حول أبعاد التبعة الاقتصادية ، انظر نفس المرجع أعلاه في نفس الصفحة ، حيث أكد على أن ” المعيار الاقتصادي للتبعية من شأنه أن يوسع نطاق الحماية القانونية للشغل ، فهو يشمل كثيرا من أنواع النشاط التي تنعدم فيها التبعية القانونية “.
[59] – عمر عزمان ، أطروحته السابقة، ص 248.
[60] -انظر بالتحديد :عمر عزمان، أطروحته السابقة، ص 248.
و في المجال الطبي : أحمد أدريوش ، العقد الطبي ( تأملات حول المشاكل القانونية التي تثيرها العلاقة بين الطبيب و زبونه ) ، منشورات سلسلة المعرفة القانونية ، مطبعة الأمنية ، الرابط ، 1430 هـ/ 2009 م ، ص 31، حيث يقول إن النتيجة لتلك الوضعية ستؤدي إلى تقويض الأساس الذي قامت عليه فكرة تكييف العقد الطبي على أساس عقد الشغل.
[61] – موسى عبود ، المرجع السابق، ص 180.
[62] – و قد خصه المشرع المغربي بالتنظيم في المواد 51 و ما بعدها من القانون رقم 10.94 المتعلق بممارسة مهنة الطب و الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.96.123، صادر في غشت 1996، ج.ر عدد 4432 بتاريخ 21 نونبر 1996 ص 2513 ، انظر في التعليق على هذا القانون :
– رجاء الناجي مكاوي ،” لمحة وجيزة عن البناء العام للقانون رقم 99-10 المتعلق بممارسة مهنة الطب”، المجلة المغربية للقانون و السياسة و الاقتصاد، العدد 29، سنة ،1997 ص 151 و ما بعدها – بالفرنسية- .
[63] – عمر عزمان ، الأطروحة السابقة، ص 248 .
[64] – cf .Louisa IGOUDIOL, le régime des contrats d’entreprise, Mémoire pour le master en droit privé des contrats (sous la direction de Nadège REBOUL), faculté de droit de Versailles saint-Quantin- en y veline, 2006, p 6, précis. infra 11 et 12 .
[65] – أما الفقه الاسلامي فنجده يتحدث عن الأجير الخاص و الأجير المشترك، فأما الأجير الخاص فهو الذي يستأجر مدة معلومة ليعمل فيها، و لا يجوز له أثناء المدة المتعاقد عليها أن يعمل لغير مستأجره (إنه عقد الشغل في منظور القانون الحديث)؛ أما الأجير المشترك فهو الذي يعمل لأكثر من واحد فيشتركون جميعا في نفعه ، كالصباغ و الخياط و الحداد و النجار و الكواء ( و هذا ما يماثل عقد الأجارة على الصنعة أو عقد المقاولة في التشريعات الحديثة).
– أنظر بهذا الصدد : السيد سابق، فقه السنة ، الجزء الثالث، دار الفتح للإعلام العربي، ط 21، القاهرة، ص 145-146.
كما يمكن الرجوع كذلك بهذا الخصوص إلى مؤلف الدكتور وهبة الزحيلي : الفقه الاسلامي و أدلته الجزء 9، المستدرك ، طبع دار الفكر، ط 1، 1996م، ص 321 حيث أورد تعريفين لعقد المقاولة ، أولهما تعريف ابن عابدين في رد المختار 4/ 212 حيث يقول “هو طلب العمل من الصانع في شيئ مخصوص “، ثم التعريف الوارد في مجلة الأحكام العدلية بأنه: ” عقد مع صانع على عمل شيئ معين في الذمة”، المجلة م 124.
[66] – أنظر بهذا الصدد : ذ عبد القادر العرعاري : “مفهوم عقد المقاولة في القانون المدني – دراسة مقارنة بالفقه الإسلامي – “، مجلة الإحياء ، العدد 4 من السلسلة الجديدة، الرقم المتسلسل 16، ص 61، نبذة 10 .
[67] -انظر بالتحديد :
– عمر عزمان ، الأطروحة ، ص 259 .
– أحمد أدريوش ، مسؤولية الأطباء المدنية بالمغرب، محاولة في تأصيل فقه القضاء و اجتهاد الفقه ، منشورات جمعية تنمية البحوث و الدراسات القضائية، سلسلة الرسائل و الأطروحات الجامعة، الرباط 1989، ص 139 .
[68]– يعد عقد الوكالة من التكييفات المقبولة في مجال المهنة الحرة، انظر عمر عزمان، م.س، ص 261 .
[69] -انظر التعريف الذي قدمه الأستاذ أحمد أدريوش في مؤلفه مسؤولية الأطباء المدنية ، م س ، ص 129، حيث يقول بأن عقد المقاولة هو ” العقد الذي يلتزم أحد طرفيه بأن يقدم الآخر عملا ماديا أو فكريا، أو فنيا مقابل أجر يلتزم الطرف الآخر بدفعه له ، و يتجدد المقابل بحسب العمل المنجز أو بشكل جزافي “. و قد سبق للأستاذ عمر عزمان أن عرف عقد المقاولة انطلاقا من الفصلين 723 و 724 المذكورين بقوله :
” … il y a donc lieu pour éviter tout malentendu, de compléter la définition de l’article 723 par les disposition de l’article suivant. le contra d’entreprise est alors celui par lequel une personne s’engage à accomplir un travail matériel ou intellectuel déterminé moyennant un prix que l’autre partie s’engage à lui payer “.
[70] – انظر في المجال الطبي :
– احمد أدريوش، العقد الطبي، م س، ص59.
-Leila BEN SEDRIN ECH CHERIF EL KETTANI, la responsabilité civile Pénal et disciplinaire du médecin au Maroc, insuffisance et défaillances d’un système, publication de la REMALD, collection « manuels et travaux universitaires », n° 68, 2006, p 60.
و في مجال الهندسة المعمارية راجع: عبد القادر العرعاري، م س، ص 43، نبذة 29، حيث يقول إن المهندس المعماري “يرتبط بزبونه بمقتضى عقد مقاولة كأصل عام”.
[71] – محمد الكشبور، ” المهن القانونية الحرة ، انطباعات حول المسؤولية و التأمين “، المجلة المغربة للقانون و اقتصاد التنمية، عدد 25، ص 135 .
[72] – راجع: عبد القادر العرعاري، م س، نبذة 29، ص 44.
[73] – راجع الفصل 739 من ظ .ل .ع .، و سنعود للحديث عن التعاقد من الباطن في الفرع الثاني من الفصل الأول من الباب الثاني .
[74]– l’article 1710 du code civil français dispose que «Le louage d’ouvrage est un contrat par lequel l’une des parties s’engage à faire quelque chose pour l’autre, moyennant un prix convenu entre elles. ».
[75]– cass. 3ème civ. 8 fév. 1984, bull. civ. n° 51, pour les calculs et plans faits par un ingénieur–conseil : « les travaux d’ordre intellectuel ne sont pas exclue de la définition du contrat d’entreprise ».
[76] – cf. F. COLLART DUTILLEUL et PH. DELEBELQUE, op. cit., p 644, n° 780 ; MAlAURIE et AYNES, op. cit., p 452, n°752. Voir également : Jaque GUESTIN, Françoise LABARTHE; Cyril NOBLOT, Traité du contrat d’entreprise, L.G.D.J, 2008, p 925, n°567.
[77] – G. Cornu, «appréciation des devoir de conseiller de gestion dans le contrat d’organisation d’entreprise » obs. sous cass. civ., 21 déc. 1964 (J.C.P, 1965, 14005), Rev. trim. dr. civ., 1971, p170.
[78]– G. Cornu, « réduction judiciaire de honoraire excessif du conseil en organisation », Obs. sous Renne, 17 avril 1969, Rev. trim. dr. civ., 1971, p 172et 173. , 1971, p170.
[79] – و لئن كان هذا التفوق قد يوحي بنباهة مشرع ظهير الالتزامات و العقود المغربي و حسن توقعه لتغير الظروف و المعطيات الاقتصادية و الاجتماعية، بحيث يبدو أحوط بالمستجدات من نظيره الفرنسي في هذا الباب، فلربما يرجع ذلك لاعتبارات تاريخية تتمثل بالأساس في صدور الظهير في فترة الاستعمار أو ما يسمى بعهد الحماية على المغرب، حيث كان هاجس المرونة في نقل الثروة قائما، فضلا عن كون معظم المهنيين و الخواص الفرنسيين عموما حينها يستفيدون أكثر من تلك المقتضيات.
[80] – Cf. François COLLART DUTILLEUL et Philippe DELEBELQUE, op. cit., p 64, n°776, dont on trouve que les contrats relatifs à l’information sont : les contrats d’enseignement, de renseignement et de conseil.
[81]– F. COLLART DUTILLEUL et Ph. DELEBELQUE, op. cit. , p 642, n° 777.
[82] – جاء الفصل المذكور بالعبارات التالية: ” …و كذلك الشأن بالنسبة للأساتذة و أرباب الفنون و الحرف “.
[83]– F. COLLART DUTILLEUL et PH. DELEBELQUE, op. cit. , p 643, n°779 .
[84] – مع ضرورة الالتزام بما يقتضيه السر المهني في هذا المجال.
[85]– idem,p 643, n°779 .
[86] – أنظر في مفهوم الالتزام بالإعلام من أجل التوسع: بوعبيد عباسي ، الالتزام بالإعلام في العقود دراسة في حماية المتعاقد و المستهلك، المطبعة و الوراقة الوطنية ، مراكش، 2008، و في تعريف الإعلام بالتحديد ص : 34 .
و هناك نوعان من الإعلام في هذا الصدد : إعلام عام و إعلام خاص، و كلاهما من الوسائل القانونية لحماية المستهلك ، أنظر في تفصيل ذلك :
– مهدي منير، المظاهر القانونية لحماية المستهلك، أطروحة دكتوراه في القانون الخاص من كلية العلوم القانونية و الاقتصادية و الاجتماعية بوجدة، 2004-2005، ص : 182 و ما بعدها.
[87] – M. F. Mialon, art. préc., p 22, n° 34.
[88]- même article, p 23, n° 36.
[89] – و يمكن تعريف عقد المشورة في ضوء ما تقدم من تحليل بأنه ذلك العقد أو الاتفاق الذي يتعهد بموجبه شخص (مستشار) متخصص في مجال معرفي أو تقني بأن يؤدي أداءات فكرية أو ذهنية و بصفة مستقلة لفائدة شخص آخر ( هو الزبون ) قصد توجيه قرارات هذا الأخير بشكل إيجابي و ذلك نظير أجر يتفق عليه الطرفين.