ظاهرة الانتحار بالمغرب بين ضرورة التجريم وأسباب الإباحة -دراسة قانونية

ظاهرة الانتحار بالمغرب بين ضرورة التجريم وأسباب الإباحة

-دراسة قانونية

__________________________________________________________       أشرف الصابري

طالب باحث في سلك الدكتوراه

جامعة محمد الخامس / الرباط

_____________________________

تبتدئ حياة الإنسان بالولادة و تنتهي بالموت[1]، لكن، يفرق علماء الطب بين موت الفرد والموت الكذب – أي بين موت الإنسان و بين موت الخلايا والأنسجة [2]– ويفرق الفلاسفة بين الموت الطبيعي و القتل الرحيم أو بدافع الشفقة  أو الخلاص[3].، في حين يفرق علماء الدين بين الموت قدرا والانتحار[4]..

فمن عجل بنهاية حياة إنسان قبل حلول أجلها يرتكب جريمة من جرائم القتل، لأن القانون الجنائي يتدخل لحماية الإنسان منذ بداية الحمل وعند الوضع وما بعد الولادة بشكل عام. كما يهدف إلى تكريس الحق في الحياة و ضمان عدم المساس به[5]..

لا مجال لفتح النقاش حينما نكون أمام جان ومجني عليه، فالجاني يعاقب طبق المقتضيات القانونية المنظمة لجرائم القتل كما هي منصوص عليها و على عقوباتها في القانون الجنائي من خلال الفصول 392 /399 بالنسبة لجريمة القتل العمد[6] والفصول 449/ 458 بالنسبة لجريمة الإجهاض[7] ، و الفصل 397 المتعلق بجريمة  قتل الوليد[8]..

لكن النقاش يطرح حينما نكون أمام ما يمكن تسميته بالجرائم الذاتية أي تلك التي يكون فيها الجاني والمجني عليه متحدين في شخص واحد كما هو الشأن في حالة الانتحار.

و عليه، فالانتحار يتحقق في صورتين: الأولى يكون فيها الفاعل هو الضحية نفسه، وهذا ما يسمى بالشروع في الانتحار، في حين تتحقق الثانية بتدخل شخص آخر بتقديم المساعدة للضحية للإقدام على الانتحار[9].

فأمام تعدد صور التجريم التي خصصها المشرع لحماية الحق في الحياة مع ربطها بعقوبات سالبة للحرية قد تصل إلى السجن المؤبد أو الإعدام حسب الظروف، جاز لنا أن نتساءل عن موقف المشرع المغربي من ظاهرة الانتحار وكيف عالجها في نصوص القانون الجنائي؟

وللإجابة عن الأسئلة المطروحة ارتأينا تقسيم هذا الموضوع إلى محورين أساسيين وفق الشكل التالي:

المحور الأول: الشروع في الانتحار وانتفاء الصفة الجرمية.

المحور الثاني: المساعدة على الانتحار وضرورة التجريم.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

المحور الأول:  الشروع في الانتحار وانتفاء الصفة الجرمية

يستفاد من الفصل 392 من القانون الجنائي أن جريمة القتل لا تقع إلا على إنسان حي، وأن هذا الإنسان يتعين أن يكون سابقا في وجوده على وقوع الفعل من جهة، و ألا يكون الشخص ضحية وفاعلا للجريمة في الوقت نفسه من جهة أخرى[10] .

وعليه، فالقتل هو إزهاق لروح إنسان بفعل إنسان آخر، ولا يسمى قتلا بالمعنى الدقيق قتل الشخص نفسه أي عندما يكون المجني عليه هو الجاني نفسه، وإنما يطلق على هذه الواقعة انتحار.

و ما من شك في أن القتل الذي يرتكبه الإنسان في حق ذاته لا يعدو إلا أن يكون انتحارا كما سبقت الإشارة إلى ذلك، مما يجعله بهذه الصورة خارج نطاق القانون الجنائي لأن المنطق القانوني يتطلب مجرما وضحية حتى تمارس الدولة حقها في العقاب، غايتها في ذلك حماية حقوق الأفراد وحرياتهم وتحقيق الأمن داخل المجتمع.

لذا نجد المشرع لا يعاقب على الشروع في الانتحار سواء تحقق فعلا أو لم يتحقق[11]، في حين نجده يعاقب على تقديم المساعدة للشخص للإقدام على الانتحار وفق ما يقتضيه الفصل 407 من القانون الجنائي[12].

وعليه، فإذا كان التمييز بين الشروع في الانتحار والمساعدة عليه، يكتسب أهمية بالغة سواء على المستوى النظري أو العملي، فإن ما يلفت الانتباه في هذا الإطار هو أن المشرع اعتنق أحد التوجهات المعاصرة في السياسة الجنائية المعبر عنها بسياسة اللاتجريم[13]، ومؤداها إخراج الانتحار الأناني أو الانفرادي من دائرة التجريم والعقاب. غير أن التساؤل الذي يفرض نفسه في هذا المقام يكمن في مجمل المبررات التي تم الأخذ بها في هذا السياق، وما إذا كانت كافية حتى يظل هذا السلوك بمنأى عن مقتضيات القانون الجنائي، سيما وأن هذه الظاهرة في منحى تصاعدي داخل المجتمع المغربي في الآونة الأخيرة[14].

الجواب عن هذا السؤال، يتطلب عدم الخلط بين سياسة التجريم[15] و ضرورة التجريم من جهة، و بين سياسة العقاب[16] وضرورة العقاب من جهة أخرى، فإذا كانت ضرورة التجريم تقتضي أن يتحلى المشرع بالدقة في تحديد المصلحة الجديرة بالحماية الجنائية ألا وهي الحق في الحياة، فإن ضرورة العقاب تقتضي إنزال العقوبة على كل أفعال الإنسان بسبب ما تحدثه من اضطراب اجتماعي[17].

صحيح أن الحق في الحياة يعتبر من الحقوق الأصيلة للكائن الآدمي، إذ لا يجوز المساس به بصفة مطلقة وبأي شكل من الأشكال. ممـــا يتعين معه إضفـــاء طابع التجريم على الانتحـــــار الأنانــــي وإدخاله ضمن قائمة الأفعال المستهدفة لحياة الإنسان، (لأنه في آخر المطاف ما هو إلا إزهاق روح إنسان حي) حتى يساهم هذا التوجه – قدر الإمكان-  في التقليص على الأقل من نسب هذه الظاهرة، مادام المشرع يرتضي في أحايين كثيرة نهج سياسة التجريم كغاية ووسيلة لمحاصرة كل سلوك شاذ قد يلحق بمصالح المجتمع.

وتأسيسا على ما سبق، فإذا كان لازما قبول ما يرتبط بضرورة التجريم وفق ما تم التنويه به أعلاه[18]، فإن الأمر على خلاف ذلك حينما يتعلق الأمر بضرورة العقاب خصوصا إذا تم الأخذ بعين الاعتبار أن العقوبة لها غايات و وظائف لا يتم بلوغها إلا بعد تطبيق العقوبة من جهة، و لا يمكن إنزالها إلا بصفة شخصية من جهة أخرى، وهذا ما يستحيل تحقيقه في حالة الانتحار الأناني سواء تحققت الوفاة أو لم تحقق.

عموما، فعدم الانسجام بين ما تمليه ضرورة التجريم وما تتطلبه ضرورة العقاب، يشكل ضربا لمبدأ الشرعية ما دامت الجريمة تربطها علاقة تكاملية بالعقوبة يفرضها العدل ويلزم القانون مراعاتها، إذ لا عقوبة بدون جريمة سابقة، ولا جريمة بدون عقوبة لاحقة [19]، وهذا ما لا يمكن التسليم به حينما يتعلق الأمر بالقانون الجنائي. بيد أن لهذا المبدأ قدسية لا يمكن الاستغناء عنها أو الخروج عن مضمونها مهما بلغت بعض المصالح علوا في سلم القيم الإنسانية التي يستوجب حمايتها وإخضاعها لمقتضيات زجرية.

ويتضح من ذلك أن ثمة صعوبات يفرضها المنطق القانوني تلزم المشرع بعدم تجريم الانتحار، و هذا ما خلصنا إليه بعد فحص نصوص المدونة الجنائية، إذ نجدها ترد خلوا من أي مقتضى قانوني يجرم ويعاقب على هذا الفعل.

وعليه، يبدو هذا التوجه الذي سلكه المشرع محمودا لما يترتب عنه من نتائج مهمة، إذ من غير المستساغ أن يعاقب الشخص المنتحر سواء تحقق الانتحار أو لم يتحقق.
ففي الحالة التي يتحقق فيها الانتحار وما يصاحبها من درجة الاستهجان المعبر عنها من قبل أفراد المجتمع، ونظرا لما يشكله ذلك من تجليات الاعتداء على الحق في الحياة، فإن الشخص المنتحر لن تطاله الدعوى العمومية لأن الوفاة سبب من أسباب سقوط الدعوى العمومية[20]، ويجعلها قيدا من قيود المتابعة من جهة، وتلاشي المحل الذي كان يمكن بالعقوبة تقويمه أو إصلاحه وهو المنتحر من جهة أخرى.

وتجدر الإشارة في هذا الإطار إلى أن هذا الأمر لا يعد تعطيلا لعمل النيابة العامة في مباشرة اختصاصاتها[21]، إذ تكون ملزمة بالحضور إلى عين المكان لجمع المعطيات ومعاينة الجثة مع إخضاعها إلزاما للتشريح الطبي حتى يتسنى لها معرفة أسباب الوفاة وما إذا كانت بمساعدة الغير أم لا .

أما الحالة التي يفشل فيها المنتحر، فما الغاية من عقابه[22]، خاصة وأن من لم يوقفه رعب الموت ولا الروابط الإنسانية ولا الخوف من عقاب الآخرة إذا كان مؤمنا، لا يمكن أن توقفه القوانين التي تمس سواء جثته أو ذاكرته أو حتى ذمته المالية، حتى أن العقاب في حد ذاته عديم الفعالية سواء بالنسبة للغير أو للشخص ذاته، فمن هانت عليه نفسه يهون عليه أي عقاب. إذا ما نظرنا إلى هذه الحالة من زاوية الغرض من توقيع الجزاء، الذي يهدف بالأساس إلى تحقيق الردع، كي لا يعود الشخص مرة أخرى إلى ارتكاب نفس الفعل أو تقويم ما يمكن تقويمه بغية استئصال عناصر الخطورة الإجرامية – أو المساهمة في الانحراف- في ذاتية الشخص.

تأسيسا على ما سبق، إذا كنا مما يتفق و المنطق القانوني عدم مساءلة الشخص المنتحر أو الراغب في اﻹقدام على الانتحار في كلتا الحالتين، فلا شك أن الحديث عن الانتحار كظاهرة تعرف انتشارا واسعا في المجتمع المغربي يجعلنا نطرح من الأسئلة ما يكفي فيما تبنته الدولة من مقاربات غايتها الحد أو التقليص من نسب هذه الظاهرة المعقدة         و المتعددة الأسباب[23].

ومن ثم، إذا كانت أسباب الانتحار أسبابا “اجتماعية” فإنه ارتباطا بما ارتضته الدولة في تبني مفهوم السياسة الجنائية بصريح المادة 51[24] من قانون المسطرة الجنائية، يقتضي الحديث عن البعد الوقائي[25] المتمثل في الحد أو التقليص من حالات الانحراف، وذلك يتجسد بالأساس في حسن تدبير السياسات العمومية وترشيدها؛ من تعليم وتشغيل وتطبيب[26]

أما إذا كانت أسباب الانتحار أسبابا “مرضية” فما موقع هؤلاء من الظهير الشريف[27] المتعلق بشأن ضمان الوقاية من الأمراض العقلية و معالجتها وحماية المرضى المصابين بها. وما توصي به منظمة الصحة العالمية فيما يفيد بضرورة إدماج سبل الوقاية من الانتحار في خدمات الرعاية الصحية بوصفها مكونا أساسيا. فالاضطرابات النفسية وما يصاحبها من الأمراض يسهم في كثير من حالات الانتحار. لذا فالتحديد المبكر للأعراض الانتحارية وإدارتها على نحو فعال عنصران مهمان في ضمان حصول الأفراد على الرعاية التي يحتاجونها[28] .

على العموم، لما كانت الاعتبارات القانونية المرتبطة بالتجريم والعقاب تقتضي عدم مساءلة الشخص المنتحر أو الشروع في الانتحار وفق المنطق القانوني السليم، فان الاعتبارات المتعلقة بالبعد الوقائي تجعلنا نطالب بمساءلة الدولة، مادامت هي المسؤولة أولا وأخيرا عن تدبير المخاطر التي تهدد استقرار المجتمع، إذ باستطاعتها تقديم الدعم الاجتماعي للأفراد المعرضون لمخاطر الانتحار ووضع استراتجيات شاملة متعددة القطاعات بشأن الوقاية من الانتحار.

المحور الثاني: المساعدة على الانتحار وضرورة التجريم

مر معنا، أن الشروع في الانتحار، سواء تحققت الغاية منه أو لم تتحقق، يعد خارجا عن نطاق القانون الجنائي تجريما وعقابا، في حين إن المساعدة عليه من قبل الغير يعد جريمة قائمة بذاتها وفق ما جاء به الفصل 407 من القانون الجنائي.

والملاحظ أن توظيف المشرع لعبارة المساعدة في هذا النص يعد خروجا عن القواعد العامة المنظمة لقواعد الاشتراك، مادام عنصر المساعدة يعتبر أحد العناصر التي تتحقق بها الجريمة عن طريق الاشتراك، وبناء عليه، فما هي المبررات التي فرضت على المشرع صياغة نص خاص لتجريم المساعدة على الانتحار وعدم الاكتفاء بالقواعد العامة ( الفرع الأول)، وما هو البناء القانوني لجريمة المساعدة على الانتحار (الفرع الثاني)

الفرع الأول: في الحاجة إلى نص خاص

يستخلص من الفصل 129[29] من القانون الجنائي أن المشاركة في الجريمة تقتضي اجتماع مجموعة من العناصر الأساسية: أولا ضرورة وجود فعل أصلي معاقب عليه، و ثانيا استلزام إتيان المشارك سلوكا يدخل ضمن الوسائل المحددة من قبيل تقديم المساعدة و التحريض، و تقديم أسلحة و أدوات، وكذلك  تقديم ملجأ أو مسكن للإيواء قبل أو بعد تنفيذ الفعل.

و في هذا السياق يذهب جانب من الفقه المغربي[30] إلى تسمية العنصر الأول بالشرط المفترض لجريمة المشاركة، لأن المشرع لا يجرم فعل المشاركة لذاته، وإنما لما يؤدي إليه من نتيجة غير مشروعة إذا كانت المشاركة تقتضي بطبيعتها وقوع فعل معاقب عليه، كما يضيف نفس الفقه بأن هذا الشرط لابد من التحقق من توفره قبل البحث في مدى توافر  الوسائل المحددة في العنصر الثاني.[31]

وغني عن البيان أن التشريعات الجنائية الحديثة تحرص على حصر الوسائل التي يتحقق بها النشاط الإجرامي في المشاركة، إذ أن المشارك لا يسأل عن الجريمة إلا إذا كانت مشاركته فيها عن طريق إحدى الوسائل التي يحددها القانون والتي سبقت الإشارة إليها، أما إذا كانت عن طريق وسيلة أخرى فلا مسؤولية عليه باعتباره مشاركا، ولو تضمن نشاطه تعضيدا لفاعل الجريمة[32].

وينبني على هذه الاعتبارات أن السلوك المكون للمشاركة حتى و إن تم تنفيذه بكافة الوسائل التي حددها الفصل 129 من القانون الجنائي، فإنه يظل بمنأى عن دائرة التجريم والعقاب إذا كان الفعل الأصلي لا يعد جريمة، كما هو الشأن بالنسبة للانتحار.

وعليه، فالمبررات التي تم الأخذ بها  في عدم تجريم الانتحار  وجعله كجريمة قائمة بذاتها، كان لها انعكاس مباشر على القواعد العامة، إذ من غير المستساغ أن يتم تطبيقها حين يتعلق الأمر بحالة الانتحار سواء تعلق الأمر بالمشاركة أو المساهمة وفق ما تم التنويه إليه سابقا.

وتأسيسا على ما سبق، نجد المشرع عند تجريمه للمساعدة على الانتحار خرج عن القواعد العامة لما أفرغ محتوى الفقرتين الثانية و الثالثة من الفصل 129 في مضمون الفصل 407 من القانون الجنائي ويكون بذلك قد جرم بشكل صريح – وبنص خاص- المساعدة على الانتحار، كما هو الحال في جريمتي المؤامرة[33] و تكوين العصابات الإجرامية[34] وكذلك جريمة التحريض على الإرهاب[35]، و من ثم، فإن هذه الجرائم تعتبر جرائم خاصة ومستقلة من خلال الصياغة التي اعتمدها المشرع، و ما تشكله من استثناء على المبدأ العام في شرعيتي التجريم والعقاب.

وإذا كنا لا نشك في أن الخروج عن القواعد العامة يعتبر حالة شاذة في السياسة الجنائية التي يعتزم المشرع تطبيقها، فإن من بين المسوغات التي جعلته يسلك هذا النهج بالنسبة لجريمة المساعدة على الانتحار هو عدم إخضاعه – أي سلوك الانتحار-  للقواعد العامة لأنه غير مجرم أصلا، أما بالنسبة للجرائم الأخرى فهي – في نظر المشرع-  على درجة قصوى من الخطورة الإجرامية  ويكون من شأنها الإخلال بالسلم العمومي[36].

وإذا كان من الضروري إبداء ملاحظة في هذا الصدد، فإن من السائغ التأكيد على أن المشرع المغربي حسنا فعل بتجريمه للمساعدة على الانتحار – ولو كان ذلك خروجا عن المبدأ العام- بعدما استعصى عليه تجريم الشروع في الانتحار، حتى يقطع الطريق على كل من سولت له نفسه مساعدة غيره على الفعل ويظل بمنأى عن العقاب مستفيدا بوجود سلوك الانتحار خارج دائرة التجريم.

وفي مقابل ذاك، نتحفظ على النهج الذي أخذ به المشرع – الخروج عن القواعد العامة- في جريمتي التحريض على الإرهاب والمؤامرة، لان هاتين الجريمتين على خلاف الانتحار إذ يرد بشأنهما نصا يجرم ويعاقب، مما يتعين معه فقط تطبيق القواعد العامة متى تم ارتكاب هذه الجرائم مقترنة بعنصري المشاركة والمساهمة دونما الحاجة إلى نص خاص.

وحتى إذا أردنا أن نقول بأن خروج المشرع عن القواعد العامة في جريمتي التحريض على الإرهاب والمؤامرة كان مرده إلى معيار الخطورة الإجرامية، فلا نعتقد ذلك، مادامت هذه الأخيرة- الخطورة الإجرامية- تقاس بنوع الجريمة أكانت جناية أم جنحة، أم محالفة، وما قد يقرره المشرع في شأنها من عقوبات ( الإعدام، السجن، الحبس …) لذلك فكل فعل يخضعه المشرع للتجريم والعقاب إلا ويكون على درجة من الخطورة و مهددا النظام العام والسلم الاجتماعي.

وفي ذات السياق،  فما يسري على تطبيق قواعد المشاركة المنصوص عليها في الفصل 129 في حالة الانتحار، يسري كذلك على تطبيق مقتضيات الفصل 430[37]  من القانون الجنائي، لأن إمكانية متابعة أي شخص بعدم تدخله لمنع وقوع الجريمة، يتعين أن يكون امتناع الشخص أو عدم تدخله لمنع وقوع فعل يعد جناية أو جنحة في القانون، والحال أن الانتحار فعل غير مجرم، وبصيغة أخرى فإن تطبيق مقتضيات الفصل 430 تتطلب وجود فعلى أصلي مجرم كما هو الشأن بالنسبة لتطبيق قواعد المشاركة.

ويبقى في الأخير أن نشير إلى مدى إمكانية متابعة بعض الأشخاص بجريمة عدم تقديم المساعدة المنصوص عليها وعلى عقوباتها في الفصل 431[38] دونما الحاجة إلى الفصل 407 المتعلق بتجريم المساعدة على الانتحار، وذلك حينما يمتنع الشخص عمدا عن تقديم المساعدة لشخص في خطر إما بتدخله أو بطلب الإغاثة، وبتعبير آخر، فإلي أي حد يمكن القول بأن هذا النص يعد كافيا لمتابعة جل الأشخاص الذين امتنعوا عن تقديم المساعدة لشخص يهدده خطر الانتحار؟

قبل الإجابة عن هذا السؤال لابد من التأكيد على أن جميع الأشخاص المعرضين للانتحار يعيشون في خطر دائم، و يرتكز هذا الخطر أساسا في عدم الاستقرار النفسي والاجتماعي وكذلك الاقتصادي…، و قلنا فيما سبق بأن الدولة هي المسؤولة أولا وأخيرا عن تأمين العيش الكريم والمشترك للأفراد داخل المجتمع، فيما ارتضته في تدبير السياسات العمومية وحسن ترشيدها، مما يتيح إمكانية مساءلتها قبل الأشخاص.

أما ما يتعلق بمدى مساءلة الأفراد عن عدم تقديم المساعدة لشخص في خطر  وهو خطر الانتحار، فلا نعتقد ذلك، لأننا نتحدث عن مقتضيات قانونية مقيدة بمبدأ الشرعية أولا، ولا يسمح بالتوسع في مدلولها ثانيا. فالخطر الذي نحن بصدده هو الخطر بمفهومه الجنائي، أي أنه كلما بلغ سلوك ما درجة من الخطورة إلا وارتأى المشرع إخضاعه للتجريم.                   وسلوك الانتحار غير مجرم ليس لأنه غير موسوم بالخطورة وإنما لصعوبة يفرضها منطق القانون. من هنا جاز القول بأن عدم تقديم المساعدة يمكن أن يكون صكا للمتابعة في كل الأفعال التي تنذر بالخطر و سبق للمشرع أن جرمها، أو تلك الحالات التي حددها بشكل صريح.

الفرع الثاني: البناء القانوني للجريمة

لا تقوم جريمة المساعدة على الانتحار إلا بتوافر مجموعة من العناصر حتى تستكمل بناءها القانوني، حيث تتطلب ركنا ماديا قوامه كل سلوك أو نشاط يؤدي إلى مساعدة الشخص على الانتحار  (أولا) وركنا معنويا قوامه القصد الجنائي يهدف إلى تحقيق الانتحار مع إنزال العقوبة المقررة قانونا في حق الفاعل (ثانيا).

أولا:  الركن المادي

يتضح من خلال الفصل 407 على أن كل من ساعد عن علم، شخصا في الأعمال المحضرة أو المسهلة لانتحاره، أو زوده بالسلاح أو السم أو أدوات اللازمة للانتحار، مع علمه بأنها ستستعمل لهذا الغرض يكون مرتكبا لجريمة المساعدة على الانتحار.

ولما كان قيام الركن المادي لكل جريمة على حدة يستدعي، أساسا، نشاطا ماديا يقع من الجاني يتحقق به فعل الاعتداء، فإن قوامه في هذه الجريمة لا يخرج عن إمداد الشخص الذي يعتزم الانتحار بالوسائل والإمكانيات التي تهيئ له ذلك، أو تسهله له، أو تزيل له العقبات التي كانت تعترض طريقه، أو على الأقل تضعف منها، أي بكل عمل من الأعمال التي تعين الشخص الراغب في الانتحار لتحقيق غايته[39].

من الواضح أن المشرع لا يلزم الفاعل بتقديم وسيلة محددة بعينها، وإنما بتزويده بكل الأدوات اللازمة للانتحار كيف ما كان نوعها، والمهم منها هو تحقيق الغاية والمراد، وإذا كان المشروع الإجرامي كسائر المشروعات الأخرى لا ينفذ دفعة واحدة، إذ يسبق تحقيق النتيجة الإجرامية مراحل معينة تتراوح بين التفكير والتحضير والبدء في التنفيذ والتنفيذ التام[40]، فإن السؤال الذي يفرض نفسه في هذا السياق هو إلى أي حد تستقيم هذه المراحل في جريمة المساعدة على الانتحار ؟ و ما هي الحدود الفاصلة بين الأعمال المحضرة  للانتحار و المسهلة له؟.

للإجابة على هذين السؤالين لابد من الاسترشاد بما توصل إليه الفقه والعمل القضائي في هذا الإطار، حيث سنخصص (أ) للحديث عن مراحل الجريمة والإشكالية التي تطرحها في جريمة المساعدة على الانتحار، على أن نخصص (ب) لمناقشة الأعمال المحضرة للانتحار عن الأعمال المسهلة عليه.

  • تغير مراحل الجريمة في المساعدة على الانتحار

إن الثابت في تحليل عناصر الركن المادي للجريمة هو أن الفاعل لا يعد مرتكبا للجريمة ولا يدخل في نطاق ارتكابها، إلا إذا كان قد بدأ في التنفيذ، ولا يبدأ التنفيذ إلا بعد أن يكون قد انتهى من التحضير للجريمة بحيث يتخطى دائرة الإباحة إلى دائرة التجريم والعقاب[41].

بناء عليه، فلا شك أن القاعدة العامة تفرض بأن تمر كل الجرائم عبر هذه المراحل حتى يتسنى إنزال الجزاء في حق مرتكبها ،لكن، أحيانا نكون أمام حالات تختلف فيها بعض الجرائم عن غيرها من حيث درجة القصد والغاية من تحقيق النتيجة. فعندما نكون أمام شخص عقد العزم على تنفيذ جريمة القتل، و من أجل ذلك قطع كل المراحل سعيا نحو تحقيق النتيجة الإجرامية وهي إزهاق روح إنسان حي، ليس كمن أراد التخلص من شخص آخر من أجل الاستيلاء على ذمته المالية أو ثروته، فأقنعه بفكرة الانتحار وقدم له كل الوسائل التي تساعده على ذلك، لتتحقق نفس النتيجة في نهاية المطاف وهي الوفاة.

فبالنسبة للحالة الأولى، فهي لا تثير أي إشكال لأن الفاعل استوفى كل المراحل من بدايتها إلى نهايتها، مما يكون معها مرتكبا لجريمة القتل العمد المنصوص عليها وعلى عقوباتها في الفصل 392 من القانون الجنائي. أما الحالة الثانية فهل يمكن متابعته بجريمة المساعدة على الانتحار أم بجريمة القتل ؟ و بتعبير آخر هل يكون مرتكبا لجريمة القتل واتخذ من الانتحار وسيلة فقط، أم أنه مرتكب لجريمة المساعدة على الانتحار لأنه أتى بالأفعال الأساسية المكونة لها.

بمنتهى البساطة يعتبر مرتكبا لجريمة القتل العمد وليس مرتكبا لجريمة المساعدة على الانتحار، لأن العبرة تؤخذ بالنتيجة الإجرامية وليس بالفعل أو بالوسائل المستعملة في ارتكاب الجريمة، بيد أن جريمة القتل تتحقق بتوافر نية القتل أولا و توجيه الإرادة إلى إحداث الوفاة ثانيا، رغم التبريرات التي قد يتمسك بها، فقط ثمة خلاف بسيط يرد بين هاتين الحالتين فيما يرتبط أساسا بالقصد الجنائي وعلاقته بالنشاط المادي يتعين علينا توضيحه.

وحتى تتضح الصورة أكثر، لابد من الاستئناس بعناصر الركن المعنوي في جريمة القتل[42]، فيكفي أن نشير إلى أن الإرادة في القصد الجنائي تنتج أثرها القانوني باتجاهها إلى الفعل وإلى تحقيق النتيجة المترتبة عليه و المتمثلة في انصراف إرادة الجاني إلى إحداث الوفاة، خاصة إذا علمنا أن القانون لا يعلق أهمية على الوسيلة التي يرتكب بها القتل فطالما أنها صالحة لإحداث النتيجة –الوفاة-  تساوت أهميتها السببية[43].

ولا شك في أن اتجاه إرادة الجاني – على هذا النحو المحدد- هو المناط الحقيقي لتأثيم النشاط المادي للفاعل، إذ يكفي للمحكمة أن تستخلص من تمحيص كافة الوقائع والظروف ما يثبت على نحو ضروري توافر نية القتل، وهذا ما نستخلصه من الحالات المشار إليها. حيث إنه لا فرق – في الباعث- بين من ارتكب جريمة القتل بعد عزمه على ذلك، وبين من أقنع الغير بالانتحار وقدم له كل الوسائل من أجل الاستيلاء على ثروته، وبين من ينفذ إحدى الأفعال التي تؤدي إلى القتل متذرعا بأن الضحية كان يسعى إلى الانتحار  وهو لم يقم إلا بما طلبه منه، وهذا ما أكدت عليه محكمة النقض في أحد قراراتها[44]، من هنا كانت هذه المراحل في علاقتها بالباعث سببا لاعتبار المساعدة على الانتحار جريمة قائمة بشروطها، وتارة أخرى باعتبارها جريمة من جرائم القتل العمد.

و في سياق هذه المراحل التي تتطلبها معظم الجرائم و التي لا تخلو كل مرحلة من ترتيب آثار قانونية مهمة، فالجريمة التي استنفذت فيها كل هذه المراحل وتحققت النتيجة الإجرامية غدت جريمة تامة، والتي لم تستكمل فيها أصبحت جريمة ناقصة أو ما يصطلح عليه بالمحاولة.

فبعد أن تأكد لدينا أن الحالة الأولى ولئن تم استيفاء كل المراحل تباعا في جريمة المساعدة على الانتحار، – وحتى يمكن اعتبارها كذلك-  فإن الأمر يستدعي التدقيق أساسا في عناصر القصد الجنائي والغاية من الفعل المرتكب، من أجل تكييفها تكييفا صحيحا ومبنيا على أساس قانوني سليم. في حين أن الجريمة التي لم تستكمل فيها هذه المراحل تفتح المجال للحديث عن المحاولة، فهل يمكن تصورها في جريمة المساعدة على الانتحار؟

انطلاقا من الفصل 407 نجد المشرع يحصر قيام جريمة المساعدة على الانتحار في وقوع الانتحار فعلا وهو ما يفيد أن هذه الأخيرة تعتبر من جرائم النتيجة التي لا يمكن حدوثها إلا بتحقق النتيجة النهائية وهي الوفاة ، أما إذا تم تقديم كل الوسائل المسهلة والمحضرة  للانتحار وانتفى تحقيق النتيجة الإجرامية، وذلك مرده إلى ضغط ظروف خارجة عن إرادة الفاعل كما حددها الفصل 114[45]، فهذا لا يمنع من قيام المحاولة مادامت هذه الجريمة يرد بشأنها نص قانوني يجرم ويعاقب كسائر الجرائم الأخرى. و من ثم فلابد من الإشارة إلى أن ما يسري على المحاولة في هذا الباب قد يسري كذلك على قواعد المشاركة[46]  والمساهمة[47].

 

 

  • التمييز بين الأعمال المحضرة على الانتحار و المسهلة له

يشير  أستاذنا عبد الحفيظ بلقاضي في هذا الصدد إلى أن الوسائل المتصور تقديمها    – بشكل عام- في سائر أنواع الجرائم  تختلف من جريمة إلى أخرى، لكنها تشترك في أن تكون سابقة على ارتكاب الجناية أو  الجنحة أو معاصرة لها[48]. أي أن المساعدة قبل وقوع الانتحار ترد على الأعمال المجهزة له كتقديم المعلومات عن كيفية الانتحار ، أو تحضير المادة السامة المزمع تقديمها للشخص الراغب في الإقدام على الانتحار . أما المساعدة المعاصرة فقد ترد على الأعمال المسهلة له مما يجعل تنفيذ عملية الانتحار أيسر تحقيقا، كتمكينه من ولوج سطح البناية للرمي بنفسه من الأعلى، أو بمساعدته في ربط حبل المقصلة – المشنقة- في عنقه.

وعليه، يضيف نفس الأستاذ، أن الفارق بينها يكمن في الأثر الذي تحدثه هذه الأعمال في تنفيذ السلوك، فإذا تحقق الأثر في وقت مبكر كان من الأعمال المحضرة، أما إذا حدث أثناء التنفيذ كان من الأعمال المسهلة أو المتممة[49]،  مما يعني أن الفرق بين المساعدة  في الأعمال المحضرة والأعمال المسهلة فرق زمني فقط، فيستوي أن تكون أعمال هذه المساعدة  في المراحل الأولى والسابقة عن الانتحار بالنسبة للحالة الأولى، في حين تستهدف إتمام الفعل أو تمكينه من إنهاء عملية الانتحار في الحالة الثانية.

و بناء على ما تقدم، فإذا سلمنا أن الأعمال السابقة أو المعاصرة للانتحار لا تثير أي إشكال لما لها من نفس الآثار- تختلف فقط حسب الترتيب – باعتبارها إحدى العناصر الأساسية للنشاط الإجرامي في الجريمة التي نحن بصدد دراستها، فكيف سيكون موقف القانون من هذه المساعدة في حالة ما إذا تم تقديما بأفعال لاحقة لعملية الانتحار ؟، وذلك – على سبيل المثال- بوعد المنتحر على أن يتكفل الفاعل بنقل جثته من مكان الحادث إلى مكان آخر لإبعادها عن الأنظار، أو تخليص جثته من موقعها مع طعنها بالسلاح لإيهام الغير بأن الضحية مات مقتولا لا منتحرا.

وحتى نقطع الشك باليقين، فإنه لا مجال للحديث عن المساعدة اللاحقة في الانتحار لسببين رئيسيين ؛ أولهما يتعلق بما أقره المشرع و بشكل صريح في الفصل407، حيث إنه في معرض تحديده للوسائل التي يمكن أن تحقق بها المساعدة ذكر بالحرف الأعمال المحضرة أو  المسهلة للانتحار. وثاني السببين  يمكن تلخيصه في أن الأعمال اللاحقة لعملية الانتحار على الرغم من أنها تتصل بها على نحو وثيق، فإن تكييفها يتخذ وصفا آخر وقد يعتبر جريمة مستقلة، كجريمة تشويه الجثة أو جريمة إخفائها[50].

وتطبيقا لذلك، فما تم التأكيد عليه بشأن الأعمال اللاحقة للانتحار، قد يجد سنده أيضا عند الحديث عن التحريض على الانتحار. وذلك لمجموعة من الاعتبارات، من بينها أن المشرع عند تجريمه للمساعدة على الانتحار نقل محتوى الفقرتين الثانية والثالثة من الفصل 129 و أفرغها في مضمون الفصل 407، و تجاهل بذلك تماما الفقرة الأولى التي تتحدث عن التحريض كما بين الوسائل التي تتحقق بها جريمة المشاركة إلى جانب المساعدة بأعمال سابقة أو معاصرة.

وإذا أردنا أن نقول بأن التحريض على الانتحار مشمول بمقتضى الفصل 407 فلماذا ميز المشرع بين الأعمال المحضرة والمسهلة على التحريض في الفصل 129؟

و لتوضيح هذا الأمر لابد من التأكيد على أن المساعدة على الانتحار تتحقق بمجموعة من الصور رغم اختلافها من الناحية الزمنية كما سبق توضيح ذلك، في حين أن التحريض اعتبره بعض الفقه[51]  تأثيرا مباشرا على المحرّض أو حمله على الانتحار أو إقناعه بذلك، وبعبارة أخرى فالتحريض على الانتحار يقصد به خلق فكرة الانتحار لدى الشخص الآخر ثم دعم هذه الفكرة بغية تحويلها إلى التصميم على الانتحار والإقدام عليه[52].

ويترتب عن ذلك، أن النشاط التحريضي قد يتخذ شكل حركات عضوية كالإشارة والكلام أو الكتابة، وقد يترك بعضها أثرا ملموسا في العالم الخارجي، وقد يقتصر على مجرد الأثر المعنوي، وعليه، فالفارق بين المساعدة على الانتحار والتحريض عليه يتجسد في كون المساعدة لا شأن لها بخلق فكرة الانتحار فالفاعل هنا يقدم المساعدة المادية والمعنوية بمظهرها الخارجي الملموس فقط، كتقديم السلاح، أو الإدلاء بمعلومات أو إرشادات قد تفيده في عملية الانتحار، في حين أن التحريض يتخذ طابع نفسي يتوجه به المحرض إلى المحرّض فيؤثر في إرادته ويعزز لديه فكرة الانتحار[53]، كما نظيف إليها شرط الرضا ففي المساعدة يكون الشخص راغبا في الانتحار ويدعمه الفاعل بوسائل محضرة أو مسهلة، أما في حالة التحريض فان المحرّض قد لا يكون راغبا في الانتحار منذ البداية، لكنه يقتنع بالفكرة وتؤثر في إرادته بعد أن حُمّل على ذلك من طرف شخص وتحولت في آخر المطاف إلى الرضا بالانتحار.

ونتيجة لكل ما تقدم، فعند تجريم المشرع للمساعدة على الانتحار عن طريق إفراغه للفقرتين الثانية والثالثة من الفصل 129 في مضمون الفصل 407، مع تجاهل تام للفقرة الأولى التي تنص على التحريض، يستفاد منها أن المساعدة على الانتحار في القانون الجنائي المغربي تعتبر جريمة والتحريض عليه لا يعد كذلك بصريح النص.

واعتبارا لعلة التمييز، فقد يحدث أن تجتمع هاتان الوسيلتان في واقعة واحدة، كأن يقوم الشخص (أ) بتحريض شخص(ب) على الانتحار ويقدم له كل الوسائل التي ستعينه على ذلك، كما هو الشأن في العمليات الفدائية[54]، حيث يقوم زعماء بعض الجماعات المتطرفة بخلق فكرة الانتحار لدى أعضائها بحجة الجهاد في سبيل الله[55] و وعدهم بدخول الجنة، ومن أجل ذلك، يتم إمدادهم بكل الوسائل التي سيفجرون بها أنفسهم ومن ثم، فهل يمكن أن نعتبر هذا السلوك يندرج ضمن المساعدة على الانتحار أم أنها جريمة تقبل وصفا آخر؟

بالرجوع إلى قانون 03/03 المتعلق بالإرهاب نجد المشرع يعتبر الجريمة الإرهابية كل مشروع فردي أو جماعي يستهدف المس الخطير بالنظام العام بواسطة العنف أو التخويف أو الترهيب، بما فيها الاعتداء عمدا على حياة الأشخاص أو على سلامتهم أو حرياتهم أو اختطافهم[56].

كما يستفاد كذلك من الفصل 5- 218[57] أن كل من قام بإقناع الغير بأي وسيلة من الوسائل لارتكاب جريمة من الجرائم المنصوص عليها في الفصل 1-218، يعتبر مرتكبا لجريمة التحريض على الإرهاب بهذا التحديد فالمشرع يكون قد وضع حدا لكل نقاش أو لبس قد يرد في المثال المشار إليه أعلاه، إذ كلما تعلق الأمر بالتحريض والمساعدة من أجل القيام بفعل من الأفعال المحددة في الفصل -1-218 إلا و كان الفعل يشكل جريمة إرهابية، ويستوي في ذلك أن يكون باستعمال السلاح أو العنف أو التهديد، أو عن طريق العمليات الاستشهادية أو الفدائية. أي أن الواقعة التي نحن بصددها سيكون فيها الفاعل مرتكبا لجريمة التحريض على الإرهاب بدلا من جريمة المساعدة على الانتحار. مع ضرورة التنبيه في سياق هذه المقارنة إلى أن التحريض كجريمة مستقلة في نصوص القسم الخاص تختلف من حيث الصياغة من كل جريمة إلى أخرى[58].

ثانيا:  الركن المعنوي وعناصر العقاب

إن الحديث عن الطبيعة القانونية لجريمة المساعدة على الانتحار من أجل إنزال العقوبات المقررة في حق مرتكبها، يتطلب منا أن نقف عند الركن المعنوي (أ) ثم نبحث فيما بعد في عناصر العقاب التي خصصها لها المشرع (ب).

  • الركن المعنوي للجريمة

لا شك أن ضرورة وجود الركن المعنوي في كل الجرائم يهدف بدرجة أولى إلى تحديد طبيعتها القانونية، وما إذا كان ارتكابها عمدا أو خطأ حتى يتم اختيار العقوبة الملائمة لها. والقصد الجنائي المتطلب في هذه الجريمة هو القصد العام، الذي يتمثل أساسا في توافر عنصري العلم والإرادة، وعبر عنه المشرع صراحة بقوله ” من ساعد عن علم… ومع علمه بأنها ستستعمل لذلك…” مؤكـــدا بهذا مـــــا نص عليه في القســـــم العـــام مــــن القانــون الجنائي في الفصــل 133[59]،  وأوجب القانون أن يكون القصد العام في جريمة المساعدة على الانتحار بأن تتجه فيه الإرادة إلى تقديم المساعدة عن طريق الوسائل المحضرة والمسهلة للانتحار وهو يعلم بأنها ستستعمل لذلك الغرض.

وإذا توافر القصد بعنصريه، مضافا إلى باقي الأركان الأخرى، تحققت جريمة المساعدة على الانتحار كجريمة عمدية، ولا عبرة عندئذ بالبواعث ولو كانت شريفة كتذرع الفاعل بأن مساعدته لم تكن إلا من أجل تخليصه من معاناة  لا تطاق.

أما القصد الجنائي الخاص، و إن كان لا يشير إلى شيء آخر مختلف في عناصره ومميزاته عن القصد العام، فإنه ينصرف بتوجبه الإرادة إلى تحقيق النتيجة الإجرامية بنية محددة أو بباعث معين قد يدفعه إلى الجريمة[60]، فقد سبق أن قلنا بأن الدور المنوط به يتمثل تارة في كونه ضروريا لقيام بعض الجرائم، و تارة أخرى في اعتباره عنصرا يتحدد به وصف الجريمة والعقوبة المقررة في شأنها.

  • عناصر العقاب

انطلاقا من الفصل 17 من القانون الجنائي الذي يشير إلى أن أقل مدة لعقوبة الجنحة هي شهر و أقصاها خمس سنوات، نجدها هي نفس العقوبة المقررة لجريمة المساعدة على الانتحار، حيث نص المشرع على ذلك بالحرف في الفصل المنظم لها ” …يعاقب بالحبس من سنة إلى خمس سنوات..”

ومن الواضح أن هذه العقوبة ذات حد واحد مما يقيد من السلطة التقديرية للقاضي في مجال تطبيقيها، بحيث لا يبقى أمامه إذا ما أراد النزول عن هذا الحد إلا إعمال مقتضى المادة 146[61] من القانون الجنائي التي تقرر الظروف القضائية المخففة إذا توافرت شروطه في المتهم من جهة، ومن جهة أخرى، يمكن أن تعوض هذه العقوبة بالتدابير الوقائية، إذا كان الفاعل مصابا بخلل في قواه العقلية من شأنه أن يعدم إدراكه أو إرادته[62]. ويبقى أن نشير في الأخير إلى أن الفاعل يمكن أن يعفى بشكل نهائي من المسؤولية الجنائية متى ثبت أن الجريمة تم ارتكابها تحت ضغط الإكراه[63] .

 

 

 

 

 

 

ولختم هذا الموضوع لابد من التذكير بأن ظاهرة الانتحار أصبحت تعرف تزايدا ملحوظا في الآونة الأخيرة مما يتعين معه تفعيل كل التدابير المؤسساتية وغير المؤسساتية من أجل احتوائــــها أو على الأقـــــل التقليل من نسبهــــا، لأن الدفع بالأداة الجنائيــة يبقــــــــــى إجــــراءا محـــــدودا ودون جدوى، خصوصا بعد عجز المشرع عن تجريم الانتحار لذاته نتيجة لصعوبات يفرض منطق القانون التقيد بها من جهة.

ومن جهة أخرى إننا نستحسن توجه المشرع عند تجريمه للمساعدة على الانتحار حتى وإن كان ذلك خروجا عن القواعد العامة حتى لا تظل خارج نطاق التجريم والعقاب، كما هو الحال بالنسبة لسلوك الانتحار الاختياري، مما قد يكون ذلك تشجيعا على ارتكاب جرائم القتل عن طريق هذا السلوك.

لكن بالرغم من استحسان هذا التوجه، فإننا نعتقد بأن الفصل المنظم لجريمة المساعدة على الانتحار لا يزال تشوبه بعض النواقص. ويتضح ذلك أكثر إذا ألقينا نظرة على بعض التشريعات العربية، كالتشريع العراقي[64] على وجه التحديد، حيث إنه في معرض تحديده لهذه الجريمة نجده اعتبر في الفقرة الأولى كلا من التحريض والمساعدة عناصر تتحقق بها هذه الجريمة، في حين أن المشرع المغربي اقتصر فقط على المساعدة دون التحريض. مما يتعين عليه استدراك ذلك، كما أنها تخصص الفقرة الثانية لتشديد العقاب في حالة ارتكابها ضد قاصر أو ضد كل  شخص عديم الأهلية، والحال أن النص المغربي يرد خلوا من هذا المقتضى، إلا أن المشرع تفطن إلى ذلك واستدركه على إثر التعديلات التي شملت الفصل 407 في مشروع القانون الجنائي[65]، بل أضاف إليها الأصول والأزواج، وكل من له ولاية أو سلطة أو كفالة على الضحية .

 

 

قائمة المراجع المعتمدة :

أولا : النصوص القانونية وفق آخر التعديلات:

  • القانون الجنائي
  • مشروع القانون الجنائي
  • قانون المسطرة الجنائية
  • قانون مدونة الأسرة
  • قانون العقوبات العراقي

ثانيا: الكتب والمجلات

أ –  باللغة العربية

  • علي عبد القادر القهوجي، قانون العقوبات- القسم الخاص- جرائم الاعتداء على المصلحة العامة وعلى الإنسان والمال، منشورات الحلبي، طبعة2002.
  • إبراهيم بو الفلفل، السلوك الانتحاري لدى الشباب في المجتمع الجزائري، دراسة تحليلية لإحصائيات الانتحار بولاية جيجل للفترة (2000/2008)، مقال منشور بمجلة علوم الإنسان والمجتمع، العدد 04، ديسمبر 2012.
  • الإمام البخاري، كتاب الطب، الجزء الخامس الطبعة الثالثة، دار بن كثير، بيروت، 1987.
  • الإمام النووي، رياض الصالحين من كلام سيد المرسلين، تقديم/ محمد جميل غازي، دار الجيل، بيروت- لبنان، بدون سنة الطبع.
  • جمهورية أفلاطون، نقلها إلى العربية حنا خباز، دار بيروت 1969)
  • حسن بشا العمليات الاستشهادية، دار قتيبة للطباعة والنشر، الطبعة الأولى، بيروت 2003.
  • دوركايم” الانتحار، ترجمة حسن عودة، الهيئة العامة السورية للكتاب، مطابع وزارة الثقافة، سنة 2011.
  • عبد الحفيظ بلقاضي القانون الجنائي المغربي القسم الخاص، مطبعة عزيزة، الطبعة الرابعة، 2013/2014.
  • عبد الحفيظ بلقاضي، مدخل إلى الأسس العامة للقانون الجنائي المغربي، دار الأمان، للنشر والتوزيع، الرباط، طبعة 2003.
  • عريوة عبد الله، طرق الوقاية والعلاج لظاهرة الانتحار في المجتمع الجزائري من منظور الخدمة الاجتماعية الإسلامية: دراسة ميدانية بمنطقة الحضنة ولاية المسيلة، رسالة لنيل شهادة الماستر،جامعة الجزائر،كلية العلوم الإنسانية والاجتماعية، قسم علم الاجتماع، السنة الجامعية 2008/2009.
  • مجلة القضاء والقانون، عدد 139.
  • مجلة مجموعة قرارات المجلس الأعلى، المادة الجنائية: من 1981 إلى 1995، الرباط 1996.
  • محمد الإدريسي العلمي المشيشي، سياسة التجريم: الواقع و الأفاق، سلسلة المعارف القانونية والقضائية، الجزء الأول، دار نشر المعرفة، الطبعة الأولى 2013.
  • محمد زكي أبوعامر، قانون العقوبات- القسم الخاص-، الدار الجامعية للنشر والتوزيع، طبعة 1989.
  • محمود سلوم الجبوري، التغرير بالنفس في الشريعة الإسلامية والقانون، مقال منشور بمجلة تكريت للعلوم القانونية والسياسية، المجلد الثالث، السنة الثالثة، العدد 20.
  • محمود نجيب حسني، المساهمة الجنائية في التشريعات العربية، دار النهضة العربية، الطبعة الثانية .
  • محمود نجيب حسني، شرح قانون العقوبات-القسم العام- دار النهضة العربية، بدون سنة الطبع.
  • محي الدين أمزاري، العقوبة؟ منشورات جمعية تنمية البحوث والدراسات القضائية، مطبعة الأمنية ، الرباط، 1993 .
  • الوقاية من الانتحار: ضرورة عالمية، منظمة الصحة العالمية، المكتب الإقليمي للشرق المتوسط، 2013.

 

ب –   باللغة الأجنبية

 

  • Alexandro baratta, politique criminel, entre la poltique en criminal de segirdad, y la politica social, tonada, de libratudaddelita y seguridade la habtantes, MEXICO D.F.I, Detaricalsiglo, xxl. Programma système pénal, perechashunnenas de F. La Mucly, Comissar, EUROPEA 1997.
  • Aude Mullier, le droit face a la mort volontaire, mémoire pour le DEA  de droit social, mention droit de la santé, université de Lille 2 – droit  et  sante, faculté des sciences juridique politique et sociales.année universitaire 2001/2002.
  • Mme Slimani Amin, la place de la prévention de la récidive dans la politique pénal au Maroc, in:(قرارات محكمة النقض، الغرفة الجنائية، الجزء 20، مطبعة الأمنية الرباط 2015
  • PAR VENCENT CARON, XAVIR DELASSAULT, GHISLAINE STREBELLE – BECCAERT, Risque suicidaire : enjeux et responsabilité, droit  applique, les cahiers du DRH, numéro 152, mars 2009.
  • STIFANI (G), LEVASSEUR (G) et BOULOUG (B), Droit pénal général , 16 éd, Dalloz- Delta, 1997. N 230, p 197
  • Surveillance et prise en charge des détenus suicidaire au sein établissements pénitentiaires, Etude a joursau 31 mars 2009, le cas de la Pologne. MINISTER DE LA JUSTICE, SERVICE DES AFFAIRES EUROPEENNES ET INTERNATIONALES/ PARIS/2009.

 

 

[1]– لابد من الإشارة إلى أن الموت المقصود هنا هو الموت الطبيعي أو الموت الحقيقي لا الموت الحكمي أو الاعتباري، فإذا كان الأصل أن شخصية الإنسان تنقضي وتزول بالموت الطبيعي، فإن الضرورة أحيانا تفرض وجوب الحكم باعتبار الإنسان ميتا وإنهاء شخصيته من الوجود لوجود ظروف تدعو إلى الشك وترجيح احتمال وفاته على احتمال وجوده في الحياة، حينما يتعلق الأمر بالشخص المفقود وذلك وفق ما تقتضيه المادة 327 من مدونة الأسرة.

[2]– يقصدون بموت الفرد توقف أجهزة الحياة لديه عن أداء وظائفها توقفا تاما وأبديا، وأهمها توقف الجهاز العصبي والدموي والتنفسي عن العمل. أما موت الأنسجة فلا يتحقق في ذات اللحظة التي تتوقف فيها أجهزة الحياة، وإنما يتراخى إلى ما بعد موت الفرد، بل قد تفصل بينهما ساعات أو أيام ويقرر الأطباء أن في بعض الأحيان تتوقف أجهزة الحياة عن العمل لفترة مؤقتة، وتعود بعدها إلى العمل تلقائيا أو عن طريق تدخل طبي ويطلقون على الموت في هذه الحالة بالموت الكذب.( للتوسع أكثر راجع في هذا السياق: علي عبد القادر الفهوجي، قانون العقوبات- القسم الخاص- جرائم الاعتداء على المصلحة العامة وعلى الإنسان والمال، منشورات الحلبي، طبعة 2002، ص 198 وما بعدها.)

[3]–  يقوم هذا الطرح على أن القتل إشفاقا أو بدافع الشفقة مشكلة إنسانية لا سيما أن العدوان الواقع في مثل هذا القتل لا ينبعث عن نفس إجرامية وإنما عن نفس رحيمة على الإنسان الذي يكون محلا لهذا العدوان، أي أن من قام بهذا السلوك لا يمكن اعتباره مجرما تتأصل في نفسه النزعة الإجرامية، بل هو إنسان يمتلئ قلبه بالشفقة والرحمة وتنطوي نفسيته على عاطفة نبيلة ودافع شريف. حالات كثيرة سجلها التاريخ في هذا الصدد فيكفي أن نستعرض تلك الوقائع التي أثيرت فيها هذه القضية فكان لها وقع بليغ لدى الرأي العام وتأثر بها القضاء، وتتلخص في قيام  أحد وكلاء النيابة الفرنسيين بقتل زوجته المصابة بشلل نصفي ناشئ عن إصابة دماغية واعترف أمام المحكمة أنه قام بواجبه تجاه زوجته التي كانت تعاني آلاما لا تطاق. ( للتوسع أكثر راجع: محمد زكي أبوعامر، قانون العقوبات- القسم الخاص-، الدار الجامعية للنشر والتوزيع، طبعة 1989، الصفحات، 232/233/234/235.)

فانسياقا وراء ضغط المشاعر الإنسانية التي تنطق بها الواقعة ومئات الوقائع المشابهة لها، كانت كافية ليرتكز عليها موقف مجموعة من المفكرين والفلاسفة التي تنظر إلى القتل بدافع الشفقة لإنهاء الألم، أو تخليصا للمعاناة التي يكابدها بعض المرضى في مرض لا ينفع معه علاج. لا يرقى إلى مستوى الجريمة مادام أن هذا السلوك يقدم خدمة للمجتمع كما أشار الفيلسوف اليوناني أفلاطون في الكتاب الثالث من مؤلفه الجمهورية  إلى ما يفيد أن ” على  كل مواطن في دولة متمدنة، واجبا يجب أن يقوم به، لأنه لا يحق لأحد أن يقضي حياته بين الأمراض والأدوية، إذ على الحاكمين أن يضعوا قانونا واجتهادا كما نفهمه نحن، مؤداه وجوب تقديم العناية للمواطنين الأصحاء جسما وعقلا، أما الذين تنقصهم سلامة الأجسام، فيجب أن يتركوا للموت سالمين، وألا تمنح الحياة إلا لمن هو أهل لها.( جمهورية أفلاطون، نقلها إلى العربية حنا خباز، دار بيروت 1969)

[4]– يتأسس هذا التوجه على أن النفس البشرية ملك لباريها وخالقها، وأن الإنسان مؤتمن عليها، ليس له أن يعتدي عليها فيؤذيها أو يزهقها بغير حق، فهناك مجموعة من الدلائل بالكتاب والسنة تبين شرع الله في ما يرتبط بالموت الاختياري والموت المقدر، يكفي أن نشير في هذا السياق إلى بعض من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية الشريفة على سبيل المثال لا الحصر كما يلي:

–  ” ولا تقتلوا النفس التي حرمها الله إلا بالحق ” (سورة الأنعام الآية 151)

–  ” يا أيها الذين امنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما”                  ( سورة النساء الآية 29-30)

– ” ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة وأحسنوا إن الله يحب المحسنين” ( سورة البقرة الآية 195)

– وروى عن البخاري عن رسول الله في شأن النهي عن قتل النفس فقال ” من تردى من جبل فقتل نفسه، فهو في نار جهنم يتردى فيها خالدا مخلدا أبدا، ومن قتل نفسه بحديده  فحديديته بيده يتوجأ بها في نار جهنم مخلدا فيها أبدا ( الإمام البخاري: كتاب الطب، الجزء الخامس الطبعة الثالثة، دار بن كثير، بيروت، 1987م، ص 2179).

وفي رواية لمسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله عليه وسلم قال” لا يتمنى أحدكم الموت، ولا يدع به قبل أن يأتيه، إنه إذا مات انقطع عمله، وإنه لا يزيد المؤمن عمره إلا خيرا ” ( الإمام النووي: رياض الصالحين من كلام سيد المرسلين، تقديم/ محمد جميل غازي، دار الجيل، بيروت- لبنان، بدون سنة الطبع، ص 219).

[5]–  يشير في هذا السياق الدكتور عبد الحفيظ بلقاضي إلى أن احترام  حياة الإنسان منذ نشأتها حتى انقضائها من الأسس الثابتة  للمدنية، لا سيما أن القوانين الحديثة تمتاز بحرصها الشديد على معاقبة كافة صور الاعتداء على الحق الطبيعي للإنسان في الوجود والبقاء، وذلك لما يمثله من الأسس المرجعية في سلم القيم القانونية الجديرة بحماية القانون الجنائي.( للتوسع أكثر: راجع مؤلفه القانون الجنائي المغربي القسم الخاص ، مطبعة عزيزة، الطبعة الرابعة، 2013/2014، ص 38، ص 31).

[6]– ينص الفصل 392 من مجموعة القانون الجنائي على أنه ” كل من تسبب عمدا في قتل غيره يعد قاتلا، ويعاقب بالسجن المؤيد، لكن يعاقب القتل بالإعدام في الحالتين الآتيتين:

– إذا سبقته أو صحبته أو أعقبته جناية أخرى ؛

– إذا كان الغرض منه إعداد جناية أو جنحة أو تسهيل ارتكاب أو إتمام تنفيذها أو تسهيل أو فرار الفاعلين ”

[7]– ينص الفصل 449  من مجموعة القانون الجنائي على أنه”  من أجهض أو حاول إجهاض امرأة حبلى أو يظن أنها كذلك، برضاها أو بدونها سواء كان ذلك بواسطة طعام أو شراب أو عقاقير أو تحايل أو عنف أو أية وسيلة أخرى، يعاقب بالحبس من سنة إلى خمس سنوات وغرامة من مائتين إلى خمسمائة درهم. وإذا نتج عن ذلك موتها، فعقوباتها السجن من عشر إلى عشرين سنة”

[8]– ينص الفصل 397 من مجموعة القانون الجنائي على أنه” من قتل عمدا طفلا وليدا يعاقب بالعقوبات المقررة في الفصلين 392 و 393 على حسب الأحوال المفصلة فيها.

إلا أن الأم سواء فاعلة أصلية أو مشاركة في قتل وليدها، تعاقب بالسجن من خمس إلى عشر سنوات، ولا يطبق هذا النص على مشاركيها ولا على المساهمين معها”

[9]–  ويعبر ” دوركايم” عن هاتين الحالتين، بالانتحار الأناني بالنسبة للحالة التي يقتنع فيها الشخص بوضع حد لحياته بإرادته، والانتحار الغيري، بالنسبة للحالة التي يدفع إليها الغير سواء بالتحريض أو بتقديم المساعدة. الانتحار، تأليف أميل دوركايم، ترجمة حسن عودة، الهيئة العامة السورية للكتاب، مطابع وزارة الثقافة، سنة 2011، ص 265 و 170.

[10]– عبد الحفيظ بلقاضي ، القانون الجنائي – القسم الخاص-  مرجع  سابق ، ص 40

[11]– في الحالة  التي لم يتحقق فيها الانتحار تسمى كذلك بمحاولة الانتحار وهي فعل يقدم من خلاله الفرد على المساس  بحياته دونما تحريض أو مساعدة من طرف شخص آخر، أو تضحية لقيمة اجتماعية ما، دون أن ينتهي بوفاة المعني بسبب ضعف التدبير أو لتدخل طرف خارجي في الوقت المناسب. راجع إبراهيم بو الفلفل، السلوك الانتحاري لدى الشباب في المجتمع الجزائري، دراسة تحليلية لإحصائيات الانتحار بولاية جيجل للفترة (2000/2008)، مقال منشور بمجلة علوم الإنسان والمجتمع، العدد 04، ديسمبر 2012، ص 65.

[12]–  وهذا ما سنعمل على توضيحه بالدراسة والتحليل في المحور الثاني من هذا البحث.

[13]–   يدخل في إطار سياسة اللا تجريم  بشكل عام تنقية المنظومة القانونية الجنائية من الجرائم التي لم يعد المجتمع يعتبرها مكتسبة لخطورة على نظامه، أو لم تعد تنتهك القيم العليا التي يؤمن بها ويحميها، أي حصر وبيان ما بقي مضرا بالمجتمع، وما صار سلوكا عاديا أو مباحا، وما تغير من عدد الجرائم ونسبها بتطبيقات متعددة ومتنوعة تشتمل في حدود معينة تكريس الواقع، وذلك بإضافة جرائم جديدة أو إلغاء جرائم قديمة أو تحبين معطياتها بتخفيف الظروف أو بالتجنيح أو بنزع صفة التجريم عن بعض الأفعال، أو بعدم التجريم أصلا متى كانت الضرورة تفرض ذلك كما هو الشأن في حالة الانتحار الاختياري. راجع في هذا الإطار : محمد الإدريسي العلمي المشيشي، سياسة التجريم: الواقع و الأفاق، سلسلة المعارف القانونية والقضائية، الجزء الأول، دار نشر المعرفة، الطبعة الأولى 2013، ص12 )

  – 13حيث كشف السيد “عبد العزيزالعماري الوزير المكلف بالعلاقات مع البرلمان والمجتمع المدني” على معطيات صادمة عن ظاهرة الانتحار بالمغرب مؤكدا أن حالات الانتحار بالمغرب وصل عددها 1628 ما بين سنتي 2000 و 2012، مشيرا إلى أن المعدل السنوي يصل إلى 135 حالة في كل سنة. وذلك  في معرض الإجابة عن الأسئلة الشفوية بمجلس النواب، الثلاثاء 02 غشت 2016، أورد في ذلك تقريرا نشر في الموقع الالكتروني لجريدة هسبريسwww.hespresse.com، تاريخ الزيارة، 02/08/2016، على الساعة  h 48 minute 22.

14/15- إن سياسة التجريم وسياسة العقاب تعد إحدى المرتكزات الأساسية  التي تقوم عليها السياسة الجنائية، ويعبر هذه الأخيرة  بمجموعة من المبادئ والتصورات والمناهج والوسائل القانونية وغير القانونية التي تعتمدها الدولة، ضمن سياستها العامة، في ظروف اجتماعية وسياسية واقتصادية وثقافية خاصة بفترة محددة من الزمن. ( راجع في هذا السياق: محمد الإدريسي العلمي المشيشي، مرجع سابق، ص 11).

وبتعبيرآخر فهي تهدف إلى منع الإجرام ومحاربة مظاهره بوضع إستراتيجية شاملة للإجابة عن أوضاع الإجرام والانحراف غايتها في ذلك هي المساهمة في بناء النموذج المستحسن للضبط الاجتماعي، أنظر:

– Alexandro baratta, politique criminel, entre la poltique en criminal de segirdad, y la politica social, tonada, de libratudaddelita y seguridade la habtantes, MEXICO D.F.I, Detaricalsiglo, xxl. Programo sistema penal, perechashunnenas de F. La Mucly, Comissar, EUROPEA 1997.

[17]– ينص الفصل الأول من مجموعة القانون الجنائي على أنه ” يحدد التشريع الجنائي أفعال الإنسان التي يعدها جرائم، بسبب ما تحدثه من اضطراب اجتماعي، ويوجب زجر مرتكبها بعقوبات أو بتدابير وقائية”

وتجدر الإشارة إلى أن الصياغة التي اعتمدها المشرع في هذا الفصل في حاجة إلى تدقيق، أو إلى استبدال كلمة الإنسان بكلمة الأشخاص، مادمت كلمة الإنسان ينصرف القصد منها إلى مفهوم الشخص الطبيعي دون الشخص المعنوي، والحال أن الجريمة كما يمكن ارتكابها من طرف الشخص الطبيعي يمكن ارتكابها كذلك من طرف الشخص المعنوي، ويتضح هذا  بعد أن أقر المشرع بمعاقبة الأشخاص المعنوية بمقتضى الفصلين 126 و 127 من القانون الجنائي.

 

 

[18]– إلا أن هناك اعتبارات أخرى لا تستقيم مع هذا الطرح حيث ترجح عدم تجريم الانتحار إلى كون فعل الانتحار في حد ذاته لا يتجاوز الشخص المنتحر، فهو لا يمس المجتمع في شيء، وأن العقاب حسب فقهاء القانون مقترن بوجود ضرر تجاه الغير، ومادام الانتحار غير ضار للآخرين فلا يمكن اعتباره تصرفا مخالفا للقانون من جهة، ومن جهة أخرى فإن رغبة الشخص في وضع حد لحياته لا يخرج عن مبدأ حرية الإنسان في التصرف في نفسه.

إلا أننا نعتقد غير ذلك إذا كان اعتقادنا في محله، لأن المجتمع المغربي تحكمه بعض الضوابط المستمدة من الدين الإسلامي التي تأبى الانصياع وراء الحريات الفردية والإقرار بها، إضافة إلى درجة الاستهجان والاضطراب الاجتماعي الذي يشعر به الأفراد إزاء كل عملية انتحار. وإذا كان ذلك فعلا لا يحقق ضررا ماديا للآخرين فقد يفتح المجال لتحقق الضرر المعنوي نتيجة للشعور بالإحباط وفقدان الأمل في الحياة وتناقضاتها.

أنظر في هذا السياق:

1/ طرق الوقاية والعلاج لظاهرة الانتحار في المجتمع الجزائري من منظور الخدمة الاجتماعية الإسلامية: دراسة ميدانية بمنطقة الحضنة ولاية المسيلة، رسالة لنيل شهادة الماستر تقدم بها، عريوة عبد الله، جامعة الجزائر، ، كلية العلوم الإنسانية والاجتماعية، قسم علم الاجتماع، السنة الجامعية 2008/2009، ص 21.

2/ Aude Mullier, le droit  face a la mort volontaire, mémoire pour le DEA  de droit social, mention droit de la santé, université de Lille 2 – droit  et  sante, faculté des sciences juridique politique et sociales.année universitaire 2001/2002, page 41

[19]–  مع الأخذ بعين الاعتبار تلك الحالات الخاصة التي تشكل حدودا فعلية لمجال العقوبة وتظهر نسبية مفهوم الجريمة، لأن ما يعتبره المشرع  بصورة مجردة  سلوكا ممنوعا ومجرما، ينظر إليه في أحوال استثنائية وبرخصة تشريعية، كضرورة اجتماعية تستحق الحماية كأسباب الإباحة والتبرير التي تضع حدا لتطبيق العقوبة على الرغم من ارتكاب الجريمة ( راجع: محي الدين أمزازي، العقوبة؟ منشورات جمعية تنمية البحوث والدراسات القضائية، مطبعة الأمنية ، الرباط، 1993 ص 48).

[20]–  تنص المادة 4 من قانون المسطرة الجنائية على أنه ” تسقط الدعوى العمومية بموت الشخص المتابع، وبالتقادم وبالعفو الشامل وبنسخ مقتضيات القانون الجنائي التي تجرم الفعل، وبصدور مقرر اكتسب قوة الشيء المقضي به. وتسقط بالصلح عندما ينص القانون صراحة على ذلك”

[21]–  راجع في ذلك  الباب الأول و الباب الثاني من القسم الأول من الكتاب الأول من قانون المسطرة الجنائية، المتعلق بالتحري عن الجرائم ومعيناتها.

[22]–  سيما إن العقوبة بشكل عام  قد تكون من بين الأسباب التي تساعد على الانتحار، أو حتى سوء التدبير لأوضاع السجناء داخل المؤسسات السجنية أنظر في هذا الاتجاه:

Surveillance et prise en charge des détenus suicidaire au sein établissements pénitentiaires, Etude a joursau 31 mars 2009, le cas de la Pologne. MINISTER DE LA JUSTICE, SERVICE DES AFFAIRES EUROPEENNES ET INTERNATIONALES/ PARIS/2009. Page 7 et 8 et 9 et 12 et 13.

[23]– لا بأس من التذكير هنا أنه إذا كان علم الاجتماع الجنائي وعلم النفس الجنائي ينظرون إلى الانتحار من زاوية بعده الاجتماعي والاقتصادي والنفسي في تفسير ظاهرة الانتحار، فإن باستحضارنا لتطور المجتمع المعاصر بخصائصه ومميزاته الذي أفرز تناقضات لم تكن معروفة في المراحل الأولى لدراسة ظاهرة الانتحار يتأكد معه أن العمل وطبيعيته وحتى أمكنته أصبح مصدرا للانتحار ومسرحا له. للتوسع أكثر في هذا السياق أنظر:

– PAR VENCENT CARON, XAVIR DELASSAULT, GHISLAINE STREBELLE – BECCAERT, Risque suicidaire : enjeux et responsabilité, droit  applique, les cahiers du DRH, numéro 152, mars 2009.

[24]–  تنص المادة  ” يشرف وزير العدل على تنفيذ السياسة الجنائية ويبلغها إلى الوكلاء العامين للملك الذين يسهرون على تطبيقيها. وله أن يبلغ إلى الوكيل العام للملك ما يصل إلى علمه من مخالفات القانون الجنائي، وأن يأمره كتابة بمتابعة مرتكبيها أو يكلف  من يقوم بذلك أو أن يرفع إلى المحكمة المختصة ما يراه الوزير ملائما من ملتمسات كتابية ”

[25]إلى جانب سياسة التجريم وسياسة العقاب ترتكز السياسة الجنائية  أيضا على سياسة المنع من الانحراف أو الوقاية من الجريمة بشكل عام، و ذلك باتخاذ مجموعة من التدابير الوقائية الاستباقية لتفادي الانحراف والمساس بالمصالح الضرورية للحياة، خصوصا أن أسباب الجريمة داخل الجماعة متنوعة ومتعددة لا يمكن حصرها في أي حال من الأحوال، مما يعني ضرورة استعمال وسائل غير مباشرة تؤهل الفرد لتأدية وظيفته الاجتماعية على أحسن وجه، دون الاضطرار لسلوك طريق الانحراف من جهة، وتسخير القوة البشرية لإحداث تنمية شاملة في المجال الاقتصادي أساسها التنظيم الاجتماعي من جهة أخرى. ولن تتأتى هذه التنمية إلا بتنمية الإنسان في قواه الجسمية والعقلية والفكرية والروحية والأخلاقية.

[26] – Dans le même ordre d’idées, les modalités de préventions relatives au phénomène de suicide ne sort pas de se cadre ceci est dit dans la mesure où la criminalité en général nécessite une gestion administrative et financé importante de l’état, elle déstabilise l’économie, gène le développement et menace  l’ordre social  dont valeurs et  ses fondement pour faire face a la délinquance, voir : Mme Slimani Amin, la place de la prévention de la récidive dans la politique pénal au Maroc, in:(نشرة قرارات محكمة النقض، الغرفة الجنائية، الجزء 20، مطبعة الأمنية الرباط، سنة 2015، ص 172).

[27]– ظهير شريف رقم 1.58.295، الصادر في 21 شوال 1378 الموافق ل 30 أبريل 1959

[28]– الوقاية من الانتحار: ضرورة عالمية، منظمة الصحة العالمية، المكتب الإقليمي لشرق المتوسط، 2013، ص 77.

[29]– ينص على أنه ” يعتبر مشاركا في الجناية أو الجنحة من لم يساهم مباشرة في تنفيذها ولكنه أتى أحد الأفعال الآتية:

1/ أمر بارتكاب الفعل أو حرض على ارتكابه، وذلك بهبة أو وعد أو تهديد أو إساءة استغلال سلطة أو ولاية أو تحايل أو تدليس إجرامي،

2/ قدم أسلحة أو أدوات أو أية وسيلة أخرى استعملت في ارتكاب الفعل، مع علمه بأنها ستستعمل لذلك،

3/ ساعد أو أعان الفاعل أو الفاعلين للجريمة في الأعمال التحضيرية أو الأعمال المسهلة لارتكابها مع علمه بذلك،

4/  تعود على تقديم مسكن أو ملجأ أو مكان للاجتماع لواحد أو أكثر من الأشرار الذين يمارسون اللصوصية أو العنف ضد أمن الدولة أو الأمن  العام أو ضد الأشخاص  أو الأموال مع علمه بسلوكهم الإجرامي.. ”

[30]– عبد الحفيظ بلقاضي، مدخل إلى الأسس العامة للقانون الجنائي، الجزء الأول، دار الأمان للنشر والتوزيع، الطبعة الأولى، الرباط 2003، ص 224 و 225.

[31]– وهو نفس النهج الذي أكدته محكمة النقض في إحدى قراراتها حيث جاء فيه ” يعتبر مشاركا من ساعد أو أعان الفاعل في الأعمال التحضيرية أو المسهلة لارتكاب الجريمة مع علمه بذلك… ولكي يكون فعل المشارك خاضعا للعقوبة يجب أن يكون هنالك فاعل أصلي قابل بأن تناله العقوبة ”  القرار 4808 الصادر بتاريخ 3 ماي 1990، ملف جنائي عدد 6245/89، مجموعة قرارات المجلس الأعلى، المادة الجنائية: من 1981 إلى 1995، الرباط 1996، ص 362.

[32]– محمود نجيب حسني، المساهمة الجنائية في التشريعات العربية، دار النهضة العربية، الطبعة الثانية، ص 260

[33]– ينص الفصل 175 على أن ” المؤامرة هي التصميم على العمل متى كان متفقا عليه ومقررا بين شخصين أو أكثر ”

[34]– ينص الفصل 293 على أن ” كل عصابة أو اتفاق مهما كانت مدته أو عدد المساهمين فيه، أنشئ أو وجد للقيام بإعداد أو ارتكاب جنايات ضد الأشخاص أو الأموال، يكون جناية العصابة الإجرامية  بمجرد ثبوت التصميم على العدوان باتفاق مشترك ”

[35]–  ينص الفصل 5-218 على أنه ” كل من قام بأي وسيلة من الوسائل بإقناع الغير بارتكاب جريمة من الجرائم المنصوص عليها في هذا القانون أو دفعه إلى القيام بها أو حرضه على ذلك يعاقب بالعقوبات المقررة لتلك الجريمة”

[36]–  للتوسع أكثر في هذا السياق أنظر عبد الحفيظ بلقاضي، مدخل إلى الأسس العامة للقانون الجنائي، مرجع سابق، ص 195 الهامش رقم 40.

[37]– ينص الفصل على أن” من كان في استطاعته  دون أن يعرض نفسه أو غيره للخطر، أن يحول بتدخله المباشر دون وقوع فعل يعد جناية ، ودون وقوع فعل يعد جنحة تمس السلامة البدنية للأشخاص ، لكنه أمسك عمدا عن ذلك، يعاقب بالحبس من ثلاثة أشهر إلى خمس سنوات وغرامة من مائتينإلى ألف درهم أو بإحدى هاتين العقوبتين”

[38]–  ينص الفصل على أن ” من أمسك عمدا عن تقديم المساعدة لشخص في خطر، رغم أنه كان يستطيع أن يقدم تلك المساعدة أما بتدخله وإما بطلب الإغاثة، دون تعريض نفسه أو غيره لأي خطر، يعاقب بالحبس من ثلاثة أشهر إلى خمس سنوات وغرامة من مائتين إلى ألف درهم أو بإحدى هاتين العقوبتين فقط”

[39]– وللمزيد من التوضيحات في هذا الإطار أنظر:

1/ عبد الحفيظ بلقاضي، مدخل إلى الأسس العامة للقانون الجنائي، مرجع سابق، ص 229.

2/ محمود نجيب حسني، المساهمة الجنائية في التشريعات العربية، مرجع سابق، ص 266

[40] – STIFANI (G), LEVASSEUR (G) et BOULOUG (B), Droit pénal général , 16 éd, Dalloz- Delta, 1997. N 230, p 197.

[41]– عبد الحفيظ بلقاضي، مدخل إلى الأسس العامة للقانون الجنائي، مرجع سابق، ص 196.

[42]– على أن نتطرق إلى الركن المعنوي لجريمة المساعدة على الانتحار بنوع من التفصيل في العنصر الثاني من هذا الفرع.

[43]– للمزيد من التوضيحات راجع ما أورده الأستاذ عبد الحفيظ بلقاضي في معرض حديثه عن القصد الجنائي في جرائم القتل، في مؤلفه القانون الجنائي المغربي القسم الخاص، سبقت الإشارة إليه، من الصفحة 57 إلى الصفحة 74.

[44]– حيث جاء فيه ” أن رفض المحكمة تكييف الأفعال على أنها مساعدة على الانتحار أو تسهيلا له، بعلة أن المتهم قام بالفعل المادي للجريمة وهو ذبح الضحية بسكين إلى إن فارقت الحياة يعتبر تعليلا مناسبا “، قرار عدد 6156، ملف جنحي عدد 865185، صادر بتاريخ 24/09/1987، قرار منشور بمجلة القضاء والقانون، عدد 139،  الصفحة  149 و ما يليها.

– ومن المفيد أن نشير هنا إلى أن الشخص الذي يسعى إلى إقناع الغير بالانتحار ويقدم له كل الوسائل التي تسهل عليه الانتحار من أجل الحصول على منفعة معينة بعد وفاته، يكون مرتكبا لجريمة القتل العمد – كما سبق توضيح ذلك- شأنه شأن باقي الأشخاص الذين يرتكبون جرائم القتل العمد. فقط هذا الشخص يتميز عن غيره بنوع من الذكاء الإجرامي- إن صح القول- لأنه يسعى من خلال هذه الطريقة  إلى التملص من المسؤولية الجنائية على فرضية أن الانتحار غير محرم، أما الحالة التي يكون فيها يعلم بأن القانون يجرم يعاقب على جريمة المساعدة على الانتحار فإنه يسعى  إلى استبدال وصف الجريمة حتى يمكن متابعته بهذه الأخيرة لأن عقوبتها أقل شدة من عقوبة جريمة القتل.

[45]–  ينص الفصل على أن ” كل محاولة ارتكاب جناية بدت بالشروع في تنفيذها أو بأعمال لا لبس فيها، تهدف مباشرة إلى ارتكابها، إذا لم يوقف تنفيذها أو لم يحصل الأثر المتوخى منها إلا لظروف خارج عن إرادة مرتكبها، تعتبر كالجناية التامة ويعاقب عليها بهذه الصفة”

[46]– وذلك مثلا بأن يقوم الشخص (أ) بتحريض شخص(ب) على أن يقدم المساعدة للشخص (ج) لحمله على الانتحار، للمزيد من التفاصيل حول الوسائل التي يمكن أن تتحقق بها المشاركة راجع الفصل 129 سبقت الإشارة إليه.

[47]– ينص الفصل 128 من القانون الجنائي على أنه يعتبر مساهما في الجريمة كل من ارتكب شخصيا عملا من أعمال التنفيذ المادي لها، ومنه فيفترض أن يكون المساهم هو من قدم إلى جانب الفاعل الأصلي إحدى الوسائل المحضرة أو المسهلة للانتحار.

[48]–  وهو نفس التوجه لدى الأستاذ محمود نجيب حسني، في مؤلفه: المساهمة الجنائية في التشريعات العربية، مرجع سابق، ص 260، 261، 263.

[49]– عبد الحفيظ بلقاضي، مدخل إلى الأسس العامة للقانون الجنائي، مرجع سابق، ص 229.

[50]– لابد من الإشارة إلى أن المشاركة اللاحقة  في الجريمة بشكل عام إن لم تكن وفق ما حددته الفقرة الرابعة من الفصل 129، فلا يمكن اعتبارها مشاركة في الجريمة، بقدر ما يمكن اعتبارها جريمة مستقلة، وهذا ما قضت به محكمة النقض في إحدى قراراتها، ومما جاء فيه ” يتعرض للنقض لعدم انبنائه على أساس قانوني الحكم القاضي بثلاث سنوات حبسا من أجل جناية المشاركة في الضرب والجرح المفضيين إلى الموت بدون نية القتل، عندما أخذ لتحليل المشاركة بأعمال لاحقة للجريمة في حين أن تلك الأعمال وإن كانت قابلة لتكييف آخر فإنها لا تدل على المشاركة كما يتطلبها القانون ولا تبرر العقوبة المحكوم بها ” قرار المجلس الأعلى عدد 513 تاريخ 7 أبريل 1965، أورده الأستاذ عبد الحفيظ بلقاضي، مدخل إلى الأسس العامة للقانون الجنائي، مرجع سابق، ص 233، الهامش رقم 156.

[51] – راجع في ذلك أكثر تفصيلا، محمود نجيب حسني، المساهمة الجنائية في التشريعات العربية، دار النهضة العربية، الطبعة الثانية، ص 288.

[52]–  وفي سياق هذا الأمر، حرص المشرع المغربي في الفقرة الأولى من الفصل 129 على أن التحريض لا يتحقق إلا إذا جرى تنفيذه بإحدى الوسائل المحددة سلفا من وعد وتهديد أو هبة، أو إساءة استغلال سلطة أو ولاية، أو تحايل أو تدليس.

[53] – محمود نجيب حسني، شرح قانون العقوبات-القسم العام- دار النهضة العربية، بدون سنة الطبع، ص 242.

[54]-يقصد بالعمليات الفدائية أنها مجموعة من الأعمال الإجرامية التي تنفذ في الأماكن العمومية للمساس بحرية الأشخاص وممتلكاتهم عن طريق تفجير المواد المفرقعة أو المتفجرة بما فيها تفجير الأشخاص لأنفسهم بما يحملونه من مواد مفخخة أو قابلة للانفجار. كما يعتبرها البعض بأنها عمليات انتحارية لأن ولو اختلفت الوسائل فالمتفجر في هذه الحالة يقتل نفسه بنفسه.ونحن لن نتردد باعتبارها كذلك لان من أراد أن يضع حدا لحياته فقد يسلك جميع السبل من أجل تحقيق غايته.

– للمزيد من التوضيحات في هذا الشأن أنظر:

1/ حسن بشا العمليات الاستشهادية، دار قتيبة للطباعة والنشر، الطبعة الأولى، بيروت 2003، ص 120 وما بعدها.

2/ محمود سلوم الجبوري، التغرير بالنفس في الشريعة الإسلامية والقانون، مقال منشور بمجلة تكريت للعلوم القانونية  والسياسية، المجلد الثالث، السنة الثالثة، العدد 20، ص 157.

[55]– للإشارة فإن اعتبار العمليات الفدائية جهادا في سبيل الله انقسم فيها أهل العلم إلى مذهبين فهناك من يراها كذلك وهناك من يرفضها كالتالي:

– المذهب الأول قال به جمهور من الفقهاء من المالكية والشافعية والحنابلة  وهو قول الزيدية.

وتتلخص حججهم أن لرهب العدو وجرؤ المسلمين عليهم يقتضي أحيانا تضحية المسلمين برجل من رجاله في سبل النكاية والمصلحة  بان ينغمس في صفوف العدو ولو تيقن بأنه سيموت وسمي ذلك شراء لما وعدهم عليه من الثواب، وذلك مصداقا لقوله عز وجل ” أن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة يقاتلون في سبيل الله فيقتلون ويقتلون وعدا عليه حقا في التوراة والإنجيل والقران ومن أوفى بوعده من الله فابشروا بيعكم الذي بايعتم به وذلك هو الفوز العظيم” سورة التوبة الآية 111.

-المذهب الثاني: قال به الأمامية وهو قول لأهل العلم المعاصرين محمد العثمين وابن باز الألباني، ويعتبرون ذلك انتحارا وقتلا للنفس بغير حق لأن من أقدم على تفجير نفسه يكون قاتلا لها وواقعا في المنهي عليه لأنه أزهق روحه بنفسه، وما العمليات الاستشهادية إلا قتل للنفس أو التسبب في قتلها وذلك مصدقا لقول الله سبحانه وتعالى ”  ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما” سورة النساء الآية 29.

وقوله أيضا “من أجل ذلك كتبنا على بني إسرائيل أنه من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا ومن أحياها فكمن أحيا الناس جميعا ” سورة المائدة الآية 32.

للمزيد من المعلومات أنظر:محمود سلوم الجبوري، التغرير بالنفس في الشريعة الإسلامية والقانون،مرجع سابق، ص 157 إلى ص 161.

 

[56]– ينص الفصل 1-218 على أنه ” تعتبر الجرائم الآتية أفعالا إرهابية، إذا كانت لها علاقة عمدا، بمشروع فردي أو جماعي يهدف إلى المس الخطير بالنظام العام بواسطة التخويف أو الترهيب أو العنف:

1/ الاعتداء عمدا على حياة الأشخاص أو على سلامتهم أو حرياتهم أو اختطافهم

2/  تزييف أو تزوير النقود أو سندات القرض العام، أو تزييف أختام الدولة والدمغات أو الطوابع والعلامات، أو التزوير أو التزييف المنصوص عليه في الفصول 360 و 361 و 362  من هذا القانون.

3/ التخريب أو التعييب أو الإتلاف …………”

[57]– –  ينص الفصل 5-218 على أنه ” كل من قام بأي وسيلة من الوسائل بإقناع الغير بارتكاب جريمة من الجرائم المنصوص عليها في هذا القانون أو دفعه إلى القيام بها أو حرضه على ذلك يعاقب بالعقوبات المقررة لتلك الجريمة”

[58] –  وهذا الاختلاف يجد سنده في التحريض والوسائل التي يتحقق بها، وعلى سبيل المثال قارن في ذلك جريمة التحريض على الإرهاب المشار إليها مع جريمة التحريض على الإجهاض المنصوص عليها وعلى عقوباتها في الفصل 455 .

[59]– ينص على أن ” الجنايات والجنح يعاقب عليها إلا إذا ارتكبت عمدا.

إلا أن الجنح التي ترتكب خطا يعاقب عليها بصفة استثنائية في الحالات الخاصة التي ينص عليها القانون .

أما المخالفات فيعاقب عليها حتى ولو ارتكبت خطا، فيما عدا الحالات التي يستلزم فيها القانون صراحة قصد الإضرار ”

[60]– للاطلاع على العلاقة بين القصد العام والقصد الخاص والحدود التي تفصل بينهما، راجع مؤلف عبد الحفيظ بلقاضي، مدخل إلى الأسس العامة للقانون الجنائي المغربي، مرجع، من الصفحة 255 إلى الصفحة 257.

[61]– ينص على أنه ” إذا تبين للمحكمة الزجرية، بعد انتهاء المرافعة في القضية المطروحة عليها أن الجزاء المقرر للجريمة في القانون قاس بالنسبة لخطورة الفاعل أو لدرجة إجرام المتهم فإنها تستطيع أن تمنحه التمتع بظروف التخفيف…”

[62]– ينص الفصل 134 من القانون الجنائي على أن ” لا يكون مسؤولا ويجب الحكم بإعفائه، من كان وقت ارتكابه الجريمة المنسوبة إليه، في حالة يستحيل عليها معها الإدراك أو الإرادة نتيجة لخلل في قواه العقلية.

وفي الجنايات والجنح يحكم بالإيداع القضائي في مؤسسة لعلاج الأمراض العقلية وفق الشروط المحددة في الفصل 76  …”

[63]– يشير الفصل 124 من القانون الجنائي في فقرته الثانية، إلى أنه لا جناية ولا جنحة ولا مخالفة إذا اضطر الفاعل ماديا إلى ارتكاب الجريمة أو كان في حالة استحال عليه معها، استحالة مادية، اجتنابها وذلك لسبب خارجي لم يستطع مقاومته.

[64]– على سبيل المثال فالمشرع العراقي نص في الفصل 408 على ما يلي:

1/ يعاقب بالسجن مدة لا تزيد عن سبع سنوات من حرض شخصا أو ساعده على الانتحار إذا تم الانتحار بناء على ذلك وتكون العقوبة الحبس اذا لم يتم الانتحار ولكن شرع فيه.

2/ إذا كان المنتحر لم يتم 18 من عمره أو ناقص الإدراك والتمييز أو الإرادة عد ذلك ظرفا مشددا ويعاقب الجاني بعقوبة القتل عمدا أو الشروع فيه حسب الأحوال.

3/ لا عقاب على من شرع في الانتحار.

[65]– ينص الفصل 407 من مشروع القانون الجنائي على أنه ” يعاقب بالحبس من سنة إلى خمس سنوات وغرامة مالية من 2.000 إلى 20.000 درهم من ساعد، عن علم، شخصا في الأعمال المحضرة أو المسهلة لانتحاره أو زوده بالسلاح أو السم أو الأدوات اللازمة للانتحار، مع علمه بأنها ستستعمل لهذا الغرض وذلك في حالة وقوعه.

تضاعف العقوبة إذا ارتكبت الجريمة، ضد قاصر أو من طرف أحد الزوجين في حق الزوج الأخر أو إذا ارتكب من طرف أحد الأصول أو الكافل أو شخص له ولاية أو سلطة على الضحية أو مكلف برعايته”

إقرأ أيضاً

التأطير الدستوري لمقتضيات  الوظيفة العمومية على ضوء دستور 2011

التأطير الدستوري لمقتضيات  الوظيفة العمومية على ضوء دستور 2011 الوعبان لرباس  باحث في سلك الدكتوراه …

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *