ضوابط التجريم والعقاب ضمانة للحقوق و الحريات

ضوابط التجريم والعقاب ضمانة للحقوق و الحريات

عبد الصمد الكنا

ملحق قضائي و طالب بصف الدكتوراة بكلية الحقوق بسلا و خريج ماستر العلوم و المهن الجنائية بنفس الكلية

تقــــديــــــم :
يرمي النظام القانوني باعتباره مجموع القواعد التي تنظم سلوك الافراد و المجموعات و التي تكفل الدولة احترامها عند الاقتضاء عن طريق توقيع الجزاء على من يخالفها ، إلى تحقيق غرضين رئيسيين متمثلين في حفظ كيان المجتمع بإقرار النظام وكفالة المصلحة العامة من جهة ، و صون حريات الأفراد ومصالحهم الخاصة من جهة أخرى .
وتكمن وظيفة القواعد الدستورية ــ باعتبارها المجسدة لوحدة النظام القانوني ــ في بيان طبيعة العلاقة بين الفرد و الدولة ، فتحمل في طياتها القيم الأساسية للمجتمع وكذا الحقوق و الحريات العامة وتفرغها في قالب مبادئ نظرية لا تكفي بذاتها لكفالة تطبيق دقيق لها وفرض احترامها على السلطات العامة و الأفراد ، فيتدخل المشرع لكي يجرم الإعتداء على هذه الحقوق و الواجبات العامة .
وإذا كانت كافة فروع القانون تدور في فلك تحقيق المصلحة العامة وصيانة الحقوق الفردية ،فإن قواعد القانون الجنائي بمفهومه العام أشد هذه الفروع ارتباطا بهذين الهدفين ، فبينما تهتم سائر فروع القانون بتنظيم مجالات معينة ، نجد أن قواعد القانون الجنائي يتسع مجالها للحياة الإجتماعية بأسرها من خلال حماية المصلحة العامة وضمان ممارسة الافراد لحقوقهم ، و حتى تتحقق هذه الحماية يجب أن تعبر هذه القواعد أصدق تعبير عن القيم التي يؤمن بها المجتمع فيما يتعلق بالحقوق و الحريات و الواجبات العامة التي يكفلها النظام القانوني للأفراد .
فالقاعدة الجنائية تعبير يفرض به المشرع ـــ باعتباره يجسد الإردة العامة ــ إرادته على الكل، دون المساس بهذه الحقوق إلا في حدود ما تمليه الضرورة الاجتماعية للتجريم ودون إيجاد قدر من التناسب بين مقدار المساس بالحقوق و الحريات وأهمية المصلحة المشمولة بالحماية .
ومعلوم أن جملة من التغيرات الإجتماعية و الاقتصادية والسياسية التي شهدتها المجتمعات المعاصرة منذ بدايات القرن الماضي أفرزت تدخلا متزايدا للدولة في معظم مناحي الحياة ، فبرز اتجاه ملحوظ نحو اللجوء إلى التدخل الجنائي ما أدى إلى اتساع نطاق التجريم بغير ضرورة ليشمل أفعالا ليست بتلك الخطورة والتهديد الذي يهدد أمن المجتمع كما أن القيم والمصالح التي تنالها هذه الأفعال ليست بتلك الاهمية التي يتوقف عليها استمرار المجتمع و استقراره ، فبات هذا التوسع ــ أو ما يعرف في الأدبيات القانونية المعاصرة وفي الفقه الجنائي خصوصا بالتضخم التشريعي في المجال الجنائي « Inflation pénale » ـــ الذي لا يستند للضرورة يهدد الحقوق والحريات الفردية إلى درجة الإعتداء الصريح علىها وذلك بالإخلال بمبدأ التوازن بين حماية القيم والمصالح وضرورة احترام المبادئ والضمانات الدستورية التي تحكم عملية التجريم أو من خلال الحياد عن مبدا التناسب بين الجريمة والعقوبة سواء عند وضع النصوص القانونية أو عند تطبيقها بسبب الأعباء التي تثقل كاهل العدالة الجنائية ما يؤدي إلى التأخير في حسم القضايا ويحول دون قيام القضاء بدوره في ممارسة تفريد العقوبة بالشكل المناسب ، بل أثرت هذه الظاهرة على تفريد المعاملة العقابية أثناء التنفيذ
وقد ازدادت ظاهرة الهروب نحو القانون الجنائي تعقيدا بفعل التطور النوعي الجديد الذي شهده الثلث الأخير من القرن الماضي إيذانا بحلول ما يعرف بمجتمع المخاطرة
وهذه الأسطر تتعرض لضابطي الضرورة و التناسب كمعيارين يؤطران تدخل المشرع الجنائي بالتجريم و العقاب قاصدة التحديد المفاهيمي للضابطين المذكورين ، وسنسائل على ضوء هذين المفهومين جملة من الضوابط المترتبة عن قاعدة أو مبدأ الشرعية الجنائية في شقها الموضوعي من قبيل قاعدة عدم رجعية النصوص القانونية الجنائية وما ترتبط بها من تطبيق النص الأصلح للمتهم وقاعدة امتناع القياس في الميدان الجنائي … محاولين الإجابة على السؤال الذي يطرح دائما كلما تعلق الامر بالسياسة الجنائية وهو سؤال التوفيق بين ثنائية الأمن و الحرية أي تحقيق الحماية الإجتماعية الانسانية ،وبتعبير أوضح ؛ حماية المجتمع القائمة على احترام حقوق الانسان الفردية ومدى أثر الضابطين المذكورين في ذلك ؟؟. وينبغي قبل الاسترسال في الموضوع الإحاطة ببعض المفاهيم .

 مفهوما التجريم و العقاب و السياسة الجنائية :
تتمركز سياستا التجريم والعقاب في صلب اهتمام السياسة الجنائية .
أولا : مفهوم السياسة الجنائية
يُرجع الفقيه الفرنسي ‘ جورج ليفاسير ‘ أصل مصطلح السياسة الجنائية للفقيه الألماني الشهير ‘فيورباخ FEUERBACH ‘ الذي استعمله في كتابه الوسيط في القانون العقابي الصادر عام 1803وعرفها بأنها ” مجموع العمليات العقابية التي تتفاعل من خلالها الدولة ضد الجريمة ” وبهذا يوضح فيورباخ أن السياسة الجنائية ليست فرعا ملحقا بالقانون الجنائي وإنما تدخل في صميمه بل هي القانون العقابي ذاته موجها صوب هدف ما أو كما شرح فيورباخ نفسه ” الحكمة التشريعية للدولة ” La sagesse législative de l’Etat ”
وترى الاستاذة دلماس مارتي أن تصور مفهوم السياسة الجنائية تطور تدريجيا منذ فيورباخ الذي حصره بنوع من التركيز على القانون الجنائي حتى “مارك انسل” الذي سطر ضرورة أن تدرج أساليب الوقاية من الجريمة ضمن اهتمام السياسة الجنائية إلى جانب النظام العقابي فعرفها بأنها ” مجموع الاساليب ــ أو العمليات ــ التي من خلالها ينظم الجسم الاجتماعي أجوبته للظاهرة الإجرامية ” . وتسجل الاستاذة ميراي دلماس أن تصور وأفق السياسة الجنائية توسع من عدة أوجه :
 من مجرد الأساليب العقابية إلى أساليب أخرى خصوصا تلك التي تقوم على الإصلاح و الوساطة .
 من تفرد الدولة بالسياسة الجنائية إلى جعلها من اهتمام الجسم الإجتماعي برمته شريطة أن يكون تجاوب المجتمع مع الجريمة منظما بالشكل الذي يستبعد حالة تجاوب معزول عن المجتمع وغير مقبول من طرف المجموعة .
 من مجرد التفاعل وردود الافعال اللاحقة ‘réagir’ إلى الجواب أو التجاوب répondre’’ حتى يكون إلى جانب رد الفعل التفاعلي فقط réactionnelle ‘’ اللاحق للجريمة ، الجواب الوقائي الاستباقي .
 من التركيز على الجريمة إلى النظر في الظاهرة الإجرامية لتشمل جميع السلوكات الرافضة للأنظمة سواء تعلق الامر بالجريمة او الإنحراف عموما .
فللسياسة الجنائية ذاتيتها التي لا تتحدد فقط بناء على دراسة الظاهرة الإجرامية وكذا نظرة وتجاوب الجسم الإجتماعي حيالها ثم التيار الإديولوجي السائد وكذا مخرجات صراع التيارات المختلفة في المجتمعات التعددية ، لأن مجرد الوقوف عند وصف هذه العناصر يعني وصف صور السياسة الجنائية Les images وهو ما لا يفي بغرض التحديد ، بل تتحدد السياسة الجنائية بدراسة بنيتها الحقيقية la structure propre à la politique criminelle من خلال الوقوف على الخطوط les lignes التي تتكون منها هذه الصور والتي من خلالها تترابط أو تتعارض .
وانتهت الاستاذة دلماس مارتي من استعراض هذه العناصر إلى أن اختلافها من نظام إلى آخر يبرز كذلك مجموعة من الثوابت أو اللامتغيرات les invariants) ) الكونية التي لا تتغير بتغير المجتمعات المختلفة والتي من خلالها تتحدد بنية السياسة الجنائية ، فالثابت الأول هو أن لأي مجتمع إنساني كان ، مجموعة من القيم les valeurs أو موجهات نحو القيم (des orientations vers des valeurs ) تعبر عن المقبول والمرفوض ، يتم تطبيقها في النسيج الاجتماعي حين تتجسد في شكل قواعد أو معايير (des normes) وأن رفض هذه القواعد والمعايير يبرز في كل المجتمعات سواء في شكل الجريمة infraction) ) أو الإنحراف déviance)) وتعبر عن هذا الثابت الأول ب :
(الجريمةــ الانحراف Infraction- Déviance ) واختصارا (I-D ) . أما الثابت الثاني فهو تبعا لذلك التجاوب المجتمعي تجاه هذا الرفض (الجريمة و الانحراف ) فكما أن الظاهرة الإجرامية كونية فإن رد الفعل الاجتماعي المنظم كوني كذلك ويأخذ أشكالا متعددة في منحيين رئيسيين :
ــ التجاوب المقرر والمدعم من قبل الدولة Réponse étatique (Re) .
ــ التجاوب المجتمعي Réponse sociétale (Rs) .
فبنية السياسة الجنائية تتشكل بربط هذه المترابطات في أربع مستويات كما يلي :
ــ الجريمة Infraction ـــــــــ تجاوب الدولة .Réponse étatique (I—Re )
ــ الجريمة Infraction ــــــــ التجاوب المجتمعي Réponse sociétale (I—Rs )
ــ الانحراف Déviance ــــــ تجاوب الدولة Réponse étatique (D—Re)
ــ الانحراف Déviance ــــــ التجاوب المجتمعي réponse sociétale D—Rs))
ويرتبط النظام الجنائي بالمستوى الأول ( الجريمة ــــ تجاوب الدولة / I–Re ) ، إلى جانب ما تنهجه الدولة من تقنيات القانون الإداري les technique du droit administratif ( العقوبات الادارية ) ، وتقنيات القانون المدني les techniques du droit civil (الاصلاح المدني la réparation civile ) ، وكذا تقنيات الوساطة المراقبة من قبل الدولة ( التحكيم الجنائي ، المصالحة حينما يكون الوسيط فيها تابعا للدولة ومعينا من قبلها و/ أو خاضعا لرقابتها ) وهذه الآليات الثلاث الاخيرة التي تقع خارج النظام الجنائي يكون لها مكان كلما تعلق الأمر بجريمة ولم تكن هناك متابعة جنائية فيلجأ الضحية إلى التعويض في إطار المسؤولية المدنية ولو لم تحرك الدعوى العمومية ، أو الحالة التي تترتب عن الجريمة اضرار جسمانية بليغة حيث تتدخل الدولة لتعويض الضحية كما هو الأمر في النظام الفرنسي .
وعلى هذا فالسياسة الجنائية وفقا لهذا التعريف هي مجموع الإجراءات أو التدابير التي من خلالها يقدم الجسم الاجتماعي أجوبته حيال الظاهرة الإجرامية سواء تعلق الأمر بالأجوبة المرصودة من قبل الدولة ((réponses étatiques من خلال النظام الجنائي أو تقنيات القانون الإداري أو تقنيات القانون المدني أو تقنيات الوساطة ؛ وعبر وظائفها الثلاث التشريعية والقضائية و التنفيذية ، أو تعلق الأمر بالتجاوب المجتمعي (réponses sociétales) شريطة أن يكون هذا الأخير منظما ، وسواء كان هذا التجاوب سابقا أو لاحقا لارتكاب الجريمة شريطة أن يكون هذا التجاوب في مواجهة مرتكب الجريمة في وضعية محددة لا أن يتعلق الأمر بتدابير وقائية عامة تتخذ في إطار السياسة الإجتماعية العامة لا السياسة الجنائية .
وعلى هذا يمكن أن نتحدث عن تجاوب من قبل الدولة حيال الظاهرة الإجرامية من خلال سياستها التشريعية في إطار النظام الجنائي ، هذه السياسة التشريعية تشمل سياسة التجريم وسياسة العقاب وسياسة المنع ، فسياستي التجريم والعقاب تهتم بمواجهة الجريمة infraction في حين تهتم سياسة المنع بمواجهة الإنحراف déviance أو حالات الخطورة الإجرامية états dangereux .
ومن خلال هذه الدراسة المتواضعة سنتعرض للضوابط التي يجب أن تضبط تجاوب الدولة مع الظاهرة الإجرامية من خلال النظام الجنائي وعبر وظيفتها التشريعية ، مقتصرين على التجريم و العقاب على اعتبار أن ما يحكم التجريم والعقاب يحكم المنع أو تدابيرالوقاية التي تنصرف لمواجهة الخطورة الاجرامية أو الإنحراف ، باعتباره من اهتمامات المشرع الجنائي و السياسة الجنائية عموما بعد أن ننتهي من تعريف مفهومي التجريم والعقاب .

ثانيا :مفهوما التجريم والعقاب
 التجريم و العقاب لغة :
جاء في معنى الجرم في لسان العرب : الجُرْمُ التَّعدِّي والجُرْمُ الذنب والجمع أَجْرامٌ وجُرُومٌ ، وهو الجَرِيَمةُ وقد جَرَمَ يَجْرِمُ جَرْماً واجْتَرَمَ وأَجْرَم فهو مُجْرِم وجَرِيمٌ.
وللعقاب في اللغة معان كثيرة ، فقد جاء في مادة عَقَـبَ : عقب عقبا وعقوبا ،…يقال عقب الشيب أي جاء بعد السواد . وجاء في معنى لفظ “عاقب” : عاقب عقابا ومعاقبة بذنبه وعلى ذنبه : أخذه به و اقتص منه ، والاسم العقوبة ، و أعقبت الرجل أي جازيته بخير و عاقبته أي جازيته بشر ، فالعاقبة الجزاء بالخير والعقاب الجزاء بالشر .
وعلى ذلك فإن لفظ ” العقاب” وإن كان يدل على الجزاء فإن من المعاني المشتقة من الجذر اللغوي “عقب” هي الشيء الذي يأتي بعد شيء سابق عليه من حيث الوجود ، فالعقاب هو الجزاء الذي يتلوا اعتبار فعل من الأفعال مجرما .
 التجريم و العقاب اصطلاحا :
 في معنى التجريم
يقصد بمصطلح التجريم (Incrimination) ” مواجهة موقف إنساني إيجابي أو سلبي( فعل أو امتناع ) بعقاب جنائي لتهديده نمط أو شكل أو تنظيم الحياة في مجتمع معين في وقت معين ” .
فالتجريم إذا هو اعتبار فعل ما جريمة بغية رصد جزاء جنائي له ، أي إضفاء الحماية الجنائية على مصلحة معينة تعد من المصالح الإجتماعية ، وتنطوي هذه الأخيرة على المصالح العامة والمصالح الفردية وحماية مصلحة عامة ينطوي على حماية مصالح فردية والعكس صحيح أيضا ، غير أنه حال تعارض المصلحتين تتم حماية المصلحة الجديرة والأولى بالحماية كما سنرى لا حقا .
وقد شاع مصطلح التجريم مع ازدهار علم الإجرام حيث وقع التمييز لدى”جاروفالو” بين ما يعتبر جريمة طبيعية ( جريمة جنائية ) و ما يدخل في نطاق التجريم من جرائم مصطنعة ، فيسمى فعل التجريم في هذه الحالة بالتجريم القانوني باعتباره تصرفا قانونيا من المشرع لفعل أو لموقف لا يشكل في طبيعته الحقيقية أية جريمة جنائية . فهي تخلو في نظر كاروفالو من أي أثر لإدانة خلقية فلا تعتبر إجراما والعقاب عليها لا يمليه الضمير البشري وإنما تمليه إرادة الدولة .
وإذا كان الغالب في الجريمة الجنائية (الطبيعية ) صبغة العالمية فإن التجريم القانوني الذي يصطبغ بصبغة المحلية تمليه الضرورة و المنفعة ، كما أن الأساليب العقابية يحكمها ضابط التناسب .
وإذا كان الافراد يلتزمون في إطار حياتهم الاجتماعية بالتزامات معينة تجاه بعضهم البعض ، فإن هذه الإلتزامات على درجات متفاوتة الأهمية . فمنها ما هو تكميلي مثل التزام كل انسان باداء ما عليه من دين ، ومنها ما هو أولي يتعلق بها كيان المجتمع ووجوده وهي شروط جوهرية في حياة واستقرار المجتمع تستتبع جزاء أكثر شدة ، ومن هنا نشأ التمييز بين التاثيم القانوني وبين التجريم كصورة خاصة من هذا التاثيم تمثل أقصى درجاته ، فالتأثيم مهمة كل فروع القانون بينما التجريم مهمة فرع خاص هو القانون الجنائي
 في معنى العقاب
يعرف العقاب في الفقه الجنائي المقارن بوجه عام بأنه الجزاء الموضوع للجريمة وهي شديدة الإرتباط بحقوق الإنسان وحرياته ، فهي تمس حياته في عقوبة الإعدام ، وتمس حريته في التنقل وحقوقه الشخصية في العقوبات السالبة للحرية ، وتمس وضعه المالي و ذمته المالية في عقوبة الغرامة ، لهذا تعددت الإتجاهات الفلسفية التي بحثت أساس مشروعية حق العقاب وكان لكل اتجاه فلسفي مفهومه الخاص النابع من تقديره للأمور .
وعليه نتناول في مطلب أول ماهية الضرورة و التناسب على أن نخصص المطلب الثاني لتطور الضابطين وأثرهما في حماية الحقوق والحريات .
المطلب الاول: مفهوم ضابطي الضرورة و التناسب.
سبقت الإشارة في مقدمة هذه الدراسة ونحن بصدد التمييز بين مفهوم الضابط والقاعدة الفقهيين ومقارنتهما بالقاعدة والمبدأ القانوني ، إلى أننا نستعمل لفظ “ضابط” للدلالة على معنى المبدأ القانوني أو القاعدة الفقهية باعتبار أن القاعدة الفقهية يقابلها في معناها المبدأ القانوني ، وبناء على هذا التحديد المفاهيمي نسترسل في بيان ضابطي الضرورة والتناسب في اللغة والفكر القانوني والفقه الإسلامي كذلك.
الفقرة الأولى : مفهوم الضرورة لغة واصطلاحا
أولا : الضرورة في اللغة
جاء في معنى “الضرورة” في لسان العرب ؛ الضّرُورةُ اسمٌ لمصْدرِ الاضْطِرارِ تقول حَمَلَتْني الضّرُورَةُ على كذا وكذا وقد اضْطُرّ فلان إِلى كذا وكذا . بِناؤُه افْتَعَلَ فَجُعِلَت التاءُ طاءً لأَنَّ التاءَ لم يَحْسُنْ لفْظُه مع الضَّادِ . وقوله عز وجل فمن اضطُرّ غيرَ باغٍ ولا عادٍ أَي فمن أُلْجِئَ إِلى أَكْل الميْتةِ وما حُرِّم وضُيِّقَ عليه الأَمْرُ بالجوع ، وأَصله من الضّرَرِ وهو الضِّيقُ
والاضطِرَارُ الاحتياج إِلى الشيء وقد اضْطَرَّه إِليه أَمْرٌ ورجل ذو ضارُورةٍ وضَرُورةٍ أَي ذُو حاجةٍ وقد اضْطُرَّ إِلى الشَّيءِ أَي أُلْجئَ إليه .
وجاء في معاني الضرورة في معجم اللغة العربية المعاصرة ما يلي :
الضَّرُورة: اسم لما يتميَّز به الشّيء من وجوب أو امتناع، وهي خلاف الجواز و المعلوم بالضَّرورة: الثابت بصفة قطعيّة.
فالضرورة في اللغة إذا وصف يلحق الشيء فيخرج به من دائرة الجواز إلى دائرة اللزوم والوجوب .
ثانيا : الضرورة في الإصطلاح .
1/ الضرورة في الفقه الإسلامي
تطلق الضرورة عند المتكلمين على مالا يفتقر إلى تطرد واستدلال ، حيث تعلمه العامة ، يقال هذا معلوم بالضرورة أي بالبديهة . ويراد بها عند الفقهاء و الأصوليين الحاجة الشديدة الملجئة إلى مخالفة الحكم الشرعي .
وعلى هذا يتبين أن الضرورة اجتمع فيها أصلان :
الأول أنها من قبيل المصلحة ، وهذا مادل عليه كونها “حاجة شديدة ” ، حيث إنها اختصت بأعلى درجات المصلحة وأقواها وهو كونها مصلحة ضرورية .
أما الثاني فهو كونها سببا من أسباب الرخصة وهذا معنى كونها ” ملجئة إى مخالفة حكم شرعي .
والمصالح تتنوع بحسب عدة اعتبارات وحيثيات ، فباعتبار قوتها في ذاتها تنقسم إلى الكليات الخمس المشهورة ( حفظ الدين والنفس و العقل والنسل و المال ) ، ويتفرع عن كل كلية ماهو ضروري وحاجي وتحسيني وما هو مكمل لذلك الضروري و الحاجي والتحسيني . وباعتبار لحوقها بكل الناس تكون المصلحة عامة أو خاصة ، وباعتبار تأكد وقوعها أو عدمه ودرجات ذلك التاكد تكون حقيقية أو وهمية ، وتكون قطعية أو ظنية وباعتبار شهادة الشارع تكون معتبرة أو ملغاة أو مرسلة
والضرورة أقصى مراتب المصلحة المرسلة أهمية والمصلحة المرسلة مناط اجتهاد المجتهدين في الزمان والمكان وتتفاوت مراتبها فتكون ضرورية أو حاجية أو التحسينية :
والمراد بالمصـلحة المرسلة الضـرورية: ما كانت المصلحة فيه في محل الضرورة؛ بحيث يترتب على تفويت هذه المصلحة تفويت شيء من الضروريات أو كلها .
فالمصالح الضرورية هي التي تتوقف عليها حياة الناس الدينية و الدنيوية بحيث إذا فقدت اختلت الحياة في الدنيا وضاع النعيم وحل العقاب في الآخرة ، وقد روعيت هذه الضرورات في الإسلام من ناحيتين ؛ تحقيقها وإيجادها ثم المحافظة عليها . وكما تكون مراتب المصالح ضرورية تكون حاجية وتحسينية ، فالمصالح الحاجية هي التي يحتاج الناس إليها لرفع الحرج ودفع المشقة عنهم ، بحيث إذا فقدت وقع الناس في ضيق دون أن تختل الحياة ، وقد لوحظ أن جميع أقسام التشريع الاسلامي يبدوا فيها مظهر رفع الحرج . أما التحسينية فهي الأمور التي تقتضيها المروءة ومكارم الأخلاق أو التي يقصد بها الأخذ بمحاسن العادات
وبناء على ما تقدم يمكن أن نخلص إلى أن الضرورة في الشريعة الإسلامية هي الحالة التي يقع فيها المساس بمصلحة شرعية معتبرة أو مرسلة تكون ضرورية بحيث إذا وقع المساس بها اختل النظام الاجتماعي ، وقد راعى الشارع الحكيم هذه الضرورات (الدين والنفس والعقل والنسل والمال) من خلال تحقيقها وإيجادها ابتداء ، ومن خلال المحافظة عليها بالزجر عن المساس بها ومنح الرخصة في إتيان المحظور لمن وقع الخطر أو الاعتداء لديه على مصلحة من هذه المصالح .
ويقترب من هذا المعنى مفهوم الضرورة la nécessité في الفكر الجنائي الحديث .
فلا خلاف بين فقهاء الشريعة الإسلامية و الفقهاء و الفلاسفة و المفكرين الوضعيين على أن مراعاة المصالح وحمايتها هي الهدف الذي يسعى إليه أي تشريع ، ولكن الخلاف بينهم يدور حول معيار المصلحة المحمية أو مقياسها ، فهو بالنسبة للشريعة معيار مضبوط بسلامة مصالح الآخرة ، ومن ثم لا مجال لاضطرابها بين الميول والأحاسيس ، في حين أن المعيار لدى الوضعيين دنيوي قوامه الخير والشر وفق تقدير الوجدان البشري
2/ الضرورة في الفكر الجنائي الحديث .
استطاع الفقهاء المسلمون أن يدركوا في وقت مبكر علاقة المصلحة بالتشريع ووجدوا أن المصالح غاية التشريع ، وقسموا المصالح ورتبوها حسب أهميتها إلى مصالح ضرورية وأخرى حاجية وثالثة تحسينية ، واعتبر كثير منهم المصلحة المرسلة مصدرا للتشريع وجعلوا المصالح مراتب وأقسام وبعضها أهم من بعض .
“و المصالح الضرورية هي التي إذا فقدت لم تجر مصالح الدنيا على استقامة بل على فساد وتهارج وفوت حياة ، وفي الأخرى فوت النجاة و النعيم و الرجوع بالخسران المبين ”
وعلى خلاف ما كان سائدا عند علماء الشريعة من اهتمام بالمصلحة وإقامة التشريع على أساسها في وقت مبكر فإن الفكر القانوني الوضعي الذي ازدهر في الغرب ظل يربط التجريم والعقاب بمبادئ القانون الطبيعي و العدالة المطلقة ، ولم يلتفت إلى المصلحة إلا في القرون الأخيرة ، وذلك عندما نادى “بنتام” بان القانون الذي يحكم الإنسان هو قانون اللذة و الألم أي أن هدف الإنسان في الحياة هو الحصول على اللذة وتجنب الألم ، وهذا هو الأساس الذي ينبغي أن تبنى عليه سياسة التجريم والعقاب ، وتابع “اهرنج ” نفس الاتجاه الذي سار عليه بنتام في ربط القانون بالمصلحة ووصل إلى مذهبه النفعي بعد دراسته للقانون الروماني حيث خرج منها بأن عظمة القانون الروماني ليست في منطقه بقدر ما هي في معالجته للافكار طبقا للحاجات و الاهداف الإجتماعية ، ثم عرف المصلحة بمثل ما عرفها به “بنتام” أي أنها البحث عن اللذة وتجنب الالم ، وجعل هدف القانون حماية المصالح سواء كانت فردية أو اجتماعية، والهدف النهائي للقانون هو مصلحة الجماعة .
على أن المحطة الأكثر تطورا في الاتجاه النفعي كانت نظرية “روسكو باوند ” في المصالح ، والذي انطلق من حيث توقف اهرنج ، فقال : إن الظروف الإجتماعية التي تحدث عنها اهرنج و التي يتكفل القانون بحمايتها لا تقتصر على القيم المادية ، بل تشمل القيم المعنوية أيضا كحرية الاعتقاد و الكرامة … ، ولم يقف باوند هنا بل خطا خطوة أكثر جرأة عندما قام بتصنيف المصالح الاجتماعية إلى ثلاث مصالح كلية هي الملكية العامة ، و الملية الخاصة ، و الحقوق العامة يتفرع عنها العديد من المصالح الفرعية ، و القانون في نظره تنظيم اجتماعي يسعى لاشباع أكبر قدر من الاحتياجات الاجتماعية بأقل قدر من التضحيات وهكذا تبلورت فكرة المصلحة في نطاق التجريم
وفكرة المنفعة سواء في مجال الفلسفة أو في مجال القانون هي رد فعل على مذهب القانون الطبيعي الذي ظل سائدا في العصور الوسطى و حتى القرن الثامن عشر .
وهكذا تبلورت فكرة المصلحة في التنظيم القانوني عندما أعيا الدوران فيما وراء الطبيعة عقول المفكرين و انتقلوا إلى الواقع ولم يجدوا غير المنافع و المصالح ، ووجدوا أن القانون يفصل قواعده في مصالح متنازعة ، أما العدالة المطلقة فوهم ، فتغليب مصلحة على مصلحة يكون عادلا أو غير عادل في حدود الأوضاع لا بشكل مطلق وغير محدود ، وهذه العدالة النسبية هي التي تلقي على الإنسان عبئا ضخما هو أن يختار لنفسه القيم التي تقوده في تقدير المصالح . ولم يعد رجل القانون يتفهم القانون في ضوء ما وراء الطبيعة بل في ضوء الحقائق ، ومن زاوية الحاجات والمطالب التي تسود حياة الفرد وحياة المجتمع ويسعى إلى تحقيق هذه الحاجات وإجابة هذه المطالب وإيجاد التوازن بينها بالأداة القانونية المنظمة المحققة للضبط الإجتماعي .
وقريبا من التمييز الذي يقيمه فقهاء الشريعة الاسلامية بين المصالح ودرجة أهميتها من خلال دورها الإجتماعي (ضرورية ، حاجية ، تحسينية) كما رأينا سلفا يقترح “ديجي” Duguit معيارا في تقييم المصالح والقائم على الوظيفة الاجتماعية التي تؤديها المصلحة للمجتمع ، وهو معيار معتدل ومناسب ــ عكس ما وضعه الفلاسفة القدامى ــ لأنه يساعد على رسم سياسة تشريعية واضحة ودقيقة للمصالح اللازمة للمجتمع في ضوء الحاجات الاجتماعية وقدرة المصالح على إشباع هذه الحاجات ، فضلا عن أنه يعتبر وسيلة عملية وسهلة للترجيح و المفاضلة بين المصالح الاجتماعية المتعارضة . وفيما يتعلق بالمصلحة محل التجريم فلا بد أن تكون هذه المصلحة على جانب من الاهمية تكون مبررا للحماية الجنائية ،
والتجريم كما سلفت الإشارة إلى ذلك هو إكساء صفة اللامشروعية على سلوك ما يشكل اعتداء أو خطرا على المصالح الاساسية التي يتوقف عليها استقرار المجتمع واستمراره ، فمحل التجريم إذا هو السلوك ، ومناطه هو المصلحة
و التجريم هو اقصى درجات التاثيم القانوني فهو ينصب على كل سلوك يبلغ في جسامته حد الإخلال بالتزام أولي يتعلق به كيان المجتمع أي أنه شرط جوهري من شروط كيان الحياة الإجتماعية ، وهذا الإخلال يتمثل في الإضرار بهذا الشرط أو تعريضه للخطر ، فالسلوك المجرم يلحق ضررا بركيزة من ركائز الوجود الاجتماعي ، كما أن هذاه الركيزة أو هذا الشرط يلحقها خطر تكرار السلوك إما من فاعل الجريمة ذاته أو من آخر غيره . فبينما يكفل القانون الجنائي وجود واستقرار الحياة الإجتماعية فإن القوانين الأخرى تكفل لتلك للحياة ذاتها فوق ذلك مقومات الحسن والكمال .
ولا يقتصر التجريم على المصالح الضرورية أو الشروط الجوهرية لوجود الكيان الاجتماعي كما يسميه الدكتور رمسيس بهنام ، بل يمتد للضرب على كل سلوك يعد خطوة في الطريق المؤدي إلى ذلك الإضرار وذلك الخطر من باب التحوط والوقاية
فأساس التجريم في السلوك هو إخلاله إما بركيزة أساسية أو أوليه للكيان الاجتماعي أو بدعامة معززة لهذه الركيزة ، وقد تكون هذه الركيزة أدبية معنوية كما تكون مادية ، فيعد من قبيل الركيزة الاساسية على سبيل المثال عدم أخذ مال الغير خلسة ، بينما تعتبر دعامة معززة للركيزة ذاتها الالتزام بعدم صنع مفاتيح مصطنعة مما يستخدم في فتح الابواب والخزائن دون علم ورضا مالكيها . كما يعد الاتزام بالحفاظ على مال الانسان وجهده من الاقتطاع منه بطريق الغش عن طريق نقد لا قيمة له ولا يساوي شيئا ركيزة أولية للوجود الاجتماعي ، في حين أنه يكون دعامة معززة ومكملة لهذه الركيزة الامتناع عن تزييف النقد بل عن مجرد صنع أو إحراز أدوات هذا التزييف .
ويقيم الدكتور رمسيس بهنام تمييزا بين ما يعتبر دعامة معززة لمصلحة ضرورية يسميها بالركيزة الأولية للوجود الاجتماعي وبين ما يعتبر من باب الحسن والكمال ، ويري أن معيارالتمييز ميسور ، فهو ــ أي التمييز ــ يتوقف على إحساس الجماعة ذاتها في مكانها وزمانها ، فما لا تطيق الجماعة الحياة بدونه يعد من ركائز الوجود أو الدعائم المعززة لهذه الركائز ، وما تشعر بمجرد المضض في الإخلال به يتمثل على العكس في مقومات الحسن والكمال التي لا يكون مجالها التجريم وإنما التأثيم القانوني .
ففكرة الضرورة الإجتماعية للتجريم إذا تفيد أن الفعل محل التجريم يشكل ضررا أو خطرا اجتماعيا ، أي أن الفعل يمس بحق أومصلحة ضرورية و جديرة بالحماية نظرا لأهميتها الإجتماعية ، أو أن الفعل مقدمة للمساس بهذه الركيزة أو المصلحة من خلال مساسه بدعامة معززة لهذه المصلحة . وهي فكرة نسبية تتوقف على نظرة المجتمع وما يسوده من قيم وثقافات ، و اختلال معيار التجريم يؤدي إلى نتيجة مؤداها أن القانون لم يعد يعبر عن القيم السائدة في المجتمع تعبيرا صحيحا
فالضرورة الإجتماعية كضابط للتجريم والعقاب تفيد أن المشرع لايتدخل بالسلاح الجنائي إلا إذا تعلق الأمر بالمصالح الضرورية للكيان الاجتماعي أو بدعائم هذه المصالح ، بمعنى أن التجريم يكون له محل كلما دعت إلى ذلك ضرورة حماية هذه المصالح أو الشروط الأساسية ودعائمها .
و على هذا لا يجرم فعل إلا إذا كان منتهكا قيمة أو مصلحة للجماعة و تتوافر فيه أركان الجريمة طبقا للسياسة الجنائية المتبعة. ولا تمس حريات و حقوق الفرد عندما ينسب إليه ارتكاب فعل مخالف للقانون ، إلا بالقدر الضروري للدفاع عن القيم و المصالح التي يحميها المجتمع ، و بهذا لا تضار الجماعة في قيمها و مصالحها من أجل الفرد و باسم رعاية حرياته و حقوقه ، ولا تهدر هذه الاخيرة دون ضرورة تقتضيها حمايةُ قيم الجماعة.
فضابط الضرورة و التناسب يحقق الدور الإجتماعي للقانون الجنائي ، فنصوص التجريم تعبر عن القيم الاجتماعية التي يؤمن بها المجتمع لحماية مصالح ضرورية متعلقة بوجوده وأمنه ، وهي بذلك ليست ثابتة جامدة بل تتغير بتغير المصالح و القيم
والقانون الجنائي بحسبانه انعكاسا حقيقيا للشعور الإجتماعي في المجتمع يقتضي أن هذا الشعور هو معيار السلوك ، فتصبح فعلا مجرما كل ضروب السلوك التي يرى مجتمع منظم في مرحلة معينة من مراحل تطوره ضرورة تجريمها و ترتيب الجزاء عليها ، فهو أي القانون الجنائي بمثابة ” الترمومتر ” للتفكير الخلقي و الإجتماعي للمجتمع .
وقد أقر المجلس الدستوري الفرنسي مبدأي الضرورة والتناسب في التجريم والعقاب استنادا إلى المادة الخامسة والثامنة من إعلان حقوق الإنسان والمواطن ، فقد نصت المادة الخامسة على أنه ” لا يجوز للتشريع أن يمنع سوى الأعمال الضارة بالمجتمع ، كما نصت المادة الثامنة منه على أن التشريع لا يمكنه أن يفرض سوى عقوبات ضرورية على وجه الدقة و اليقين .
ولم ينفرد إعلان حقوق الإنسان و المواطن بهذا الضابط ، فقد ردده الإعلان العالمي لحقوق الإنسان حينما اشترطت المادة الخامسة منه عدم تعريض الإنسان للعقوبات القاسية أو الحاطة بالكرامة ، وعندما أجازت المادة الثامنة من هذا الإعلان لكل شخص الحق في أن يلجأ إلى المحاكم الوطنية لإنصافه من أعمال فيها اعتداء على الحقوق الأساسية التي يمنحها القانون ، و عندما نصت المادة 12 على عدم جواز تعريض أحد للتدخل التعسفي في حياته الخاصة أو أسرته أو مسكنه أو زملائه أو لحملات على شرفه و سمعته ، و لا شك أن الإعتداء و القسوة و التعسف و الوحشية أو الحط من الكرامة و الشرف و السمعة هي قواسم مشتركة في مراميها تتساوى في مدلول واحد و هو أن المساس بالحقوق و الحريات لا يستند إلى تبرير ضروري و لا يتناسب مع السبب الذي أدى إليه .
و قد أكد العهد الدولي للحقوق المدنية و السياسية الذي أقرته الأمم المتحدة في 16 ديسمبر 1966 على عدم جواز المساس بحرية أحد ما لم تكن هناك أسباب تدعو إلى ذلك وفقا للإجراءات المنصوص عليها في التشريع (المادة 9 منه) .
و أكدت الاتفاقية الأروبية لحماية حقوق الإنسان لسنة 1950 ضابط الضرورة و أوضحت المواد من 18 إلى 11 منها أن ممارسة الحقوق و الحريات يمكن أن تخضع لشروط أو قيود أو جزاءات ينص عليها القانون مما يعد تدابير ضرورية في مجتمع ديمقراطي لحماية الأمن الوطني و وحدة الكيان الإقليمي للدولة أو للمحافظة على الأمن العام ، أو الدفاع عن النظام ، أو منع الجريمة أو حماية الصحة أو الأخلاق أو حماية حقوق الغير في مواجهة إفشاء الأسرار الخاصة أو لضمان استقلال سمعة وحيدة القضاء.
و نجد مقتضيات مراعاة الضرورة الإجتماعية و التناسب متجسدة في نص الفصل السادس من دستور المملكة لفاتح يوليوز سنة 2011 الجديد حينما نص على أن: “القانون هو و أسمى تعبير عن إرادة الأمة ، و الجميع أشخاصا ذاتيين و اعتباريين بما فيهم السلطات العمومية متساوون أمامه و ملزمون بالامتثال له…” .
فالقانون أسمى تعبير عن إرادة الأمة إذ يصدر عن السلطة التشريعية المنتخبة من طرف الشعب ، و يجسد مبدأ ” السيادة للأمة ” ، لأنه من المفروض أن يعكس رغبتها و اختيارها لنمط العيش ،وهو أداة لتنظيم المجتمع و ضمان تساكن و تعايش مكوناته المختلفة و حماية مصالح و حقوق و حريات الأفراد و الجماعات داخله ، و إقامة التوازن بين المصالح المتعارضة ، و تحقيق عنصر إلزامية هذه القواعد في الضمير الجمعي. و لا شك أن عنصر الإلزام يستلزم و يستدعي مراعاة الضرورة الاجتماعية في التجريم.
كما نجد ضابط الضرورة في نص الفصل 23 من الدستور حيث ينص على أنه: “لا يجوز إلقاء القبض على أي شخص و اعتقاله إلا في الحالات و طبقا للإجراءات التي ينص عليها القانون…”
ولا شك أن أفراد المجتمع تلحقهم مخاطر التجريم والعقاب إن لم يكن في حدود الضرورة التي يجب أن تقدر بقدرها فلا يقع المساس بالحقوق والحريات إلا بالقدر الضروري الذي يتناسب مع درجة أهمية المصلحة أو الحق الذي يقع المساس به ، ومن ثم يجب مراعاة التناسب بين الهدف من التجريم وهو حماية الحقوق و الحريات التي يلحقها الضرر أو الخطر ، وبين ما يتعرض له من يتسبب في الضرر او الخطر من أخطار بسبب التجريم وكذلك الشأن بالنسبة للعقوبات التي تعبر عن التجريم فإنها يجب أن تكون متناسبة مع الهدف من التجريم والعقاب ، فلا ضرورة بدون تناسب
الفقرة الثانية : مفهوم ضابط التناسب
أولا :التناسب لغة
تفيذ لفظة تناسب في اللغة معاني التوافق و التلائم و التكافئ والتماثل و التساوي ، فهي مصدر لفعل تَنَاسَبَ ، أي توافق وتلائم وتكافئ . وفي الرياضيات يفيد تساوي نسبتين
وجاء في المعجم الوسيط في معنى نَسَبَ : تَنَاسَبَ الشيئاًن: تشاكلا ، ناسب الأمرُ أو الشيء فلاناً: لاءمه ووافق مِزَاجَه ، و التَّنَاسُبُ : التَّشابُه
فالتناسب بمعانيه اللغوية المشار إليها قانون عام يسري على مناحي الوجود المادي و الإنساني معا ، فالتوازن والتلائم والتكافئ بها تنتظم الحياة وبأضدادها تضطرب .
ثانيا :التناسب اصطلاحا
 لدى فقهاء الشريعة الاسلامية :
لقد وضع فقهاء الشريعة الاسلامية عديد القواعد التي تفيد معنى التناسب الذي نحن بصدده ، فقد ورد في كتاب قواعد الأحكام في مصالح الأنام للعز بن عبد السلام أن :” المصالح و المفاسد في رتب متفاوتة ، وعلى رتب المصالح تترتب الفضائل في الدنيا و الأجور في العقبى ، وعلى رتب المفاسد تترتب الصغائر و الكبائر وعقوبات الدنيا و الآخرة ”
ويقرر الإمام الشاطبي في كتابه الاعتصام :” إن المعاصي منها صغائر ومنها كبائر ، ويعرف ذلك بكونها واقعة في الضروريات ، أو الحاجيات أو التكميليات ، فإن كانت الضروريات فهي أعظم الكبائر وإن وقعت في التحسينيات فهي أدنى رتبة بلا إشكال ، وإن وقعت في الحاجيات فهي متوسطة بين الرتبتين .”
وفي قضية الموازنة بين المصالح فإن المقرر لدى فقهاء الشرع الاسلامي أنه “إذا تساوت المصالح مع تعذر الجمع تخيرنا في التقديم و التأخير ” كما أنه إذا اجتمعت مصالح غير متساوية فإن “اعتبار مصلحة يلزم منها مفسدة أولى من اعتبار مصلحة يلزم منها عدة مفاسد ” كما إنه من المقرر أنه ” إذا اجتمعت مصالح ومفاسد فإذا أمكن تحصيل المصالح ودرء المفاسد فعلنا ذلك امتثالا لامر الله تعالى فيهما لقوله : ( فاتقوا الله ما استطعتم ) (سورة التغابن 16 ) . وإن تعذر الدرء و التحصيل فإن كانت المفسدة اعظم من المصلحة درأنا المفسدة و لا نبالي بفوات المصلحة ، قال الله تعالى : ( يسألونك عن الخمر و الميسر . قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس . وإثمهما أكبر من نفعهما .) البقرة 211
فكما أن التناسب مقرر في العقوبة والجزاء مقرر ابتداءًا في الموازنة والترجيح بين المصالح .
 مبدأ التناسب في الفكر القانوني الحديث :
برز مبدأ التناسب و الحاجة إليه في سياق ما عرف بأزمة مبدأ الشرعية ، المبدأ الذي طبعته في البداية المبالغة في التجريد . فقد كان المبدأ نتيجة لتعسف القضاة الذي في ما قبل الثورة الفرنسية ، فسلب كل سلطة تقديرية في مجال تقدير العقوبات ، وقد أدى هذا التزمت إلى أن واجه القضاة ألوانا عديدة من الحرج حينما يرتكب المتهم الجريمة فيتحتم توقيع عقوبة قاسية جدا بغض النظر عن ظروف المتهم ، فلم يجد هؤلاء حرجا في بعض الحالات من أن يحكموا بالبراءة درءا للخضوع لعقوبة يرونها قاسية وغير ملائمة لظروفه فأصبح القاضي مجرد آلة لا وجدان لها ، وأمام هذا الوضع كان لا بد من توسيع سلطات القاضي التقديرية مع إحاطتها بقيود تحول دون تعسفه ، وكان الحل هو تفريد القوبة سواء في مرحلة التشريع أو في المرحلة القضائية أو في مرحلة تنفيذ العقوبة تحقيقا لتناسب الجريمة والعقوبة .
ويقيم بعض الفقه تمييزا بين التناسب و التوازن بحسبان هذا الأخير ضابطا عاما مؤطرا للنظام القانوني وسابقا في إعماله على مبدأ التناسب الذي يعني تناسب الجريمة والعقوبة ، ومن ثم يكون للتوازن حضور في مرحلة التجريم أي في شق القاعدة القانونية المتعلق بالتكليف (التجريم) باعتبار أن التوازن هي العلاقة بين القيم والمصالح المتباينة في أهميتها الإجتماعية والتي تقوم على أساس تقييم القيم والمصالح ودراستها في ضوء أهمية دورها الإجتماعي وصولا إلى تنظيم أو فض ما قد ينشأ بينها من صراع ، وعلى نحو يشبع حاجات الفرد و المجتمع . و التوازن بين هذه الحقوق والمصالح باعتبارها وظائف اجتماعية لها دورها في تحقيق التضامن الإجتماعي ، فإذا كانت المصحتان الضروريتان تؤديان نفس الدور الاجتماعي كانتا متساويتان من حيث الجدارة بالحماية فينبغي الموازنة بينهما ويسمي التوازن هنا بالتوازن بالتساوي وإذا كان العكس تعينت المفاضلة بينهما فيسمي التوازن هنا بالتوازن بالمفاضلة .
والحقيقة أن التناسب بمعناه اللغوي وكما عرفه فقهاء الشريعة الإسلامية يغطي معنى الموازنة بين المصالح بالمعنى المشار إليه سلفا سواء في مساواتها أو في المفاضلة بينها حيث أن الوازن يعني بالضرورة تساوي المصلحتين في أهميتهما الاجتماعية في حين أن التناسب كما يفيد التوازن و التساوي ، يفيد أيضا معنى المفاضلة بمعنى التلاؤم و التوافق ، أي أنه قد يقع ترجيح حماية مصلحة ذات أهمية على أخرى أو قد تكونان محميتان جنائيا لكن درجة جسامة الأولى أكبر من الثانية ومن هنا التمييز بين المخالفة والجنحة والجناية ، بل تتفاوت الجنح فيما بينها و الجنايات فيما بينها على مستوى العقوبة حسب درجة أهمية المصلحة التي يقع المساس بها وكلها تتعلق كما سبق أن أسلفنا بحماية شرط من الشروط الجوهرية للوجود الاجتماعي أو بدعامة معززة لهذا الشرط أو هذه المصلحة .
ومبدأ التناسب لا تقوم الضرورة في التجريم إلا به ، بحيث لا يكفي توافر الضرورة فيتم التجريم دون الموازنة بين ضرورة حماية هذه المصلحة وضرورة حماية مصلحة معينة أخرى ، وهنا يبرز مبدأ التناسب كما يبرز في العقوبة عند التشريع وعند التطبيق ، فمبدا التناسب في ذاته ذو قيمة دستورية شأنها شأن القيمة التي تتمتع بها سائر الحقوق و الحريات و المصالح العامة لانه بالإنضباط لهذا المبدأ يتم احترام كافة القيم الدستورية التي نالت حماية الدستور بطريقة منطقية متوازنة
وبناء على ذلك يحقق ضابطا الضرورة و التناسب في التجريم و العقاب الدور الإجتماعي للقانون الجنائي ، فنصوص التجريم تعبر عن القيم الاجتماعية التي يؤمن بها المجتمع لحماية وجوده و أمنه وسائر مصالحه ، والقضاء الدستوري يقع عليه عبء مراقبة مشروعية الضرورة و التناسب في التضحيات التي تتحملها القيم التي يقوم عليها النظام الدستوري ، فسلطة المشرع في تقدير الضرورة و التناسب في التجريم و العقاب ليست مطلقة وإنما تحدها الغايات التي استهدف الدستور تحقيقها فالضرورة و التناسب ضابطين ومعيارين دستوريين يجب الالتزام بهما وقد ربطت المحكمة الدستورية العليا بين الضرورة و التناسب فقالت : ” لا يجوز أن يؤثم المشرع أفعالا في غير ضرورة اجتماعية ولا أن يقرر عقوباتها بما يجاوز قدر هذه الضرورة ” كما جاء في قرار آخر : ” اتخاذ الجزاء الجنائي أداة لحمل الناس على إتيان الافعال التي يأمرهم بها أو التخلي عن تلك التي ينهاهم عن مقارفتها إذا كان مبررا من وجهة اجتماعية ولم يجاوز حدود الضرورة التي اقتضتها ظروف الجماعة في مرحلة من مراحل تطورها ”
نخلص مما سبق إلى أن ضابط الضرورة الإجتماعية للتجريم و التناسب لهما فائدتين أساسيتين أو يتفرع عنهما ضابطين أساسيين :
 التقيد بالحد الأدنى للتدخل الجنائي فلا تجريم إلا لضرورة معتبرة .
ومؤدى هذا القيد الموجه للسياسة الجنائية أن الزج بالأداة الجنائية في معترك الصراعات الإجتماعية لا يكون إلا عند الضرورة القصوى ، فالمراد بالتدخل الجنائي لا يتحدد في حماية مطلق المصالح القانونية ضد كل ما يتهددها من ألوان النيل والافتئات أو تحقيق هذه الحماية باستخدام أقصى ما تملكه الدولة من أسلحة وإنما المراد هو التخطيط لعملية ضبط الإجرام في حدوده المقبولة ، فالتجريم والعقاب لا يقدم علاجا لظاهرة الجريمة وإنما يمثل مرجعا أخيرا لا سيوغ اللياذ به إلا في نهاية المطاف .
كما أن تقيد التدخل الجنائي بالحد الأدنى ينسجم مع المنطق النفعي للدولة المعاصرة الذي يقضي بضرورة تحقيق أكبر قدر من الرفاه بأقل تكلفة ممكنة أي أن تكلفة التجريم والعقاب يجب أن تتناسب مع درجة أهمية المصلحة المحمية ولا تتجاوزها .
 حسن تعبير النصوص الجنائية عن الضمير الجمعي
وفائدة هذا القيد أن النصوص الجنائية يجب أن تحقق في النهاية الحماية اللازمة للمصالح التي تكتسي أهمية وأولوية بالغة في ضمير الجماعة وتشكل شرطا جوهريا لكيانها ووجودها واستمرارها .
 ضابط التناسب بين العقوبة و الجريمة
 خلاصة :
الخلاصة العامة التي يمكن الاستناد إليها في دراسة القيود الواردة على حق الدولة في التجريم والعقاب هي أن هذه القيود تنقسم إلى قسمين قيود موضوعية أو مادية ، وقيود شكلية ، فالقيود المادية سابقة منطقا وعقلا على القيود الشكلية ، فهذه الأخيرة مجرد قالب للقيود الموضوعية .
ومن جملة القيود أو الضوابط الموضوعية للتجريم والعقاب وأهمها ، ضابطي الضرورة والتناسب ، ونحن نرى أنهما ضابطين عامين (أو قاعدتين عامتين باصطلاح الفقهاء) ، تفرضها طبائع الاشياء وهي سابقة من حيث وجودها على مبدأ الشرعية باعتباره قيدا شكليا عاما تنضوي تحته جملة من القيود تخدم كلها حسن تعبير التجريم والعقاب عن حماية المصالح الضرورية في ضمير الجماعة وأن يكون تدخل المشرع بالتجريم متناسبا مع الهدف منه وهو حماية المصالح المذكورة .
فمبدأ الشرعية الجنائية الذي مؤداه أن لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص ، هو ضابط شكلي ظهر في سياق تاريخي كإطار يقي من التحكم ، فالجريمة والعقوبة يجب أن تفرغ في قالب قانوني يصل إلى علم الجميع ، والجريمة والعقوبة تخضع ابتداء للضرورة والتناسب وعلى هذا فالشرعية الجنائية تكريس وتعزيز شكلي للضابطين الموضوعيين المذكورين .
فالتشريع في مجال الحقوق و الحريات يخضع لمبدأ أو قاعدة الشرعية الجنائية ، و المبدأ كما ظهر في الثقافة القانونية الغربية نتاج لصراع طويل بين الفرد و الدولة ، بين ثنائية الأمن و الحرية ، هذا الصراع الذي تمخض عنه في النهاية استئثار البرلمان ــ باعتباره يجسد إرادة الشعب ــ بسلطته في التشريع في مجال الحقوق و الحريات وهو ما يعبر عنه بمبدإ الانفراد التشريعي La réserve de loi أي أن أي تشريع في مجال الحقوق و الحريات يتطلب موافقة أطراف العقد الاجتماعي .
فتمت علاقة وثيقة بين انفراد التشريع وحماية الحقوق و الحريات ، فالسلطة التشريعية تمارس بواسطة ممثلي الشعب صاحب السيادة لذلك كان طبيعيا أن يستأثر التشريع الصادر عن هذه السلطة بضمان الحقوق و الحريات وقد عبر عن ذلك المجلس الدستوري الفرنسي بعبارة قصيرة في إحدى قراراته تقول” بأن سلب الحرية يتعلق بالمشرع ”
فمن وجهة نظر القانون الدستوري يؤدي مبدأ الشرعية معنيين أو نتيجتين على الأقل نرى أنهما آلية تحقق الضرورة والتناسب في التجريم :
 الأول مفاده أن تحديد الجرائم والعقوبات تدخل ضمن الإختصاص التشريعي وهو ما يمكن تسميته بضابط الإنفراد التشريعي في التجريم والعقاب La réserve de la loi ، ومعناه أن تنظيم الحقوق و الحريات ورسم حدودها يكون بواسطة ممثلي الشعب ، ولا تتدخل السلطة التنفيذية في المساس بهذه الحقوق و الحريات دون موافقة السلطة التشريعية الممثلة للشعب سلفا ، فالتشريع على هذا النحو هو السند الذي يتوقف عليه تنظيم ممارستها وحدودها ، إذ يمثل التعبير عن موافقة الشعب من خلال النظام النيابي عما يمكن القيام به في مجال يتعلق به وحده وهو الحقوق والحريات .
 الضابط الثاني المتفرع عن ضابط أو مبدأ الشرعية الجنائية هو وضوح النص القانوني الجنائي أو اليقين القانوني الجنائي
هكذا فمبدأ أو ضابط الشرعية الجنائية و النتائج المترتبة عنه سواء تلعق الأمر بالانفراد التشريعي أو بوضوح النص القانوني الجنائي وعدم رجعية القوانين واتباع قواعد التفسير الضيق للنصوص الجنائية وامتناع القياس ماهي في نظرنا إلا ضوابط شكلية تمثل القالب الذي يتجسد فيه ضابطي الضرورة والتناسب في نصوص التجريم والعقاب وفق معناهما المفصل أعلاه ، وإن كان الأخذ بفكرة الضرورة والتناسب كضابط معياري يسائل جملة من النتائج المترتبة عن مبدأ الشرعية .
فإذا كان من المطلوب التقيد بالتفسير الحرفي للنص الجنائي فإن ذلك يفترض الدقة من جانب المشرع في التعبير عن إرادة الجماعة وهو أمر كثيرا ما لا يتوفر سواء من حيث الشكل أو الموضوع ، وكثيرا ما تشوبه تناقضات جلية ، ولا يمكن أن يطلب من القاضي ترديد هذه الاخطاء فعليه أن يبحث عن إرادة واضع القانون . ومن ناحية أخرى فإن إرادة المشرع التي ضمنها بالنص ليست مبدا جامدا محكوما بالوقائع الغجتماعية المتوافرة وقت وضع النص بل هي إرادة متطورة بتطور الوقائع الإجتماعية طالما انها تراعي المصلحة الإجتماعية الضرورية المحمية بالنص ، ذلك أن هذه المصلحة تبلور إرادة المشرع وتحدد تبعا لها نطاق تطبيق نصوصه ، والقانون لم يصنع لاجل الحاضر فقط بل يمتد للمستقبل مما يفرض تفسير معنى النص في ضوء التغيرات الإجتماعية .على أنه لا ينبغي المبالغة في ذلك حتى لا يفترض القاضي إرادة القانون ، بل يلتزم دائما بالارادة الحقيقية او المفترضة افتراضا منطقيا على ضوء الوقائع الاجتماعية الجديدة ، مع احترامه للصيغ المستعملة بالنص تحقيقا للاستقرار والامن القانوني وهو يخضع في ذلك لرقابة محكمة النقض . و إذا أعملنا هذا المنهج فإنه لا شك يسعف في تقديم الحلول الصحيحة بوجه خاص عندما يعبر القانون عن فكرة متحركة متطورة بحسب طبيعتها ، مثل النظام العام والآداب العامة و الاختراعات العلمية التي تصلح محلا أو أداة للجريمة
وإذاكان من ضوابط شرعية التجريم والعقاب عدم رجعية النص القانوني الجنائي ، وكان القانون الأصلح للمتهم استثناء على هذا الأصل بحيث كلما تعلق الأمربعدة قوانين ــ بالمعنى التقني للقانون ــ صادرة عن السلطة التشريعية ولم يتعلق الأمر مثلا بلوائح صادرة عن السلطة التنفيذية بتفويض من سلطة التشريع ، وجب تطبيق النص الأصلح للمتهم فإن هذا الاخير لا يكون صالحا للمتهم في الحالة التي يخفض فيها من العقوبة أو يعوض عقوبة الحبس النافذ بالحبس الموقوف التنفيذ أو يٌحل الغرامة محل الحبس أو يجعل من الجناية جنحة وما إلى ذلك ، بل إن القانون يكون صالحا للمتهم بالنظر لظروف الجريمة وشخصية المجرم ودرجة أهمية المصلحة اجتمعيا وبالتالي فالضرورة والتناسب قد تفرض أن يكون النص الذي يشدد العقوبة أو يشدد وصف الجريمة هو الأصلح لمتهم معين ، حتى يتحقق الردع العام والخاص ويستصلح المجرم ، فمسألة القانون الأصلح للمتهم مسالة واقع يراعى فيها ضابط الضرورة و التناسب بحيث ينظر إلى درجة أهمية المصلحة اجتماعيا فيطبق القانون المتناسب مع الفعل . فمثلا إذا كان القانون الجديد يلغي وقف التنفيذ وأنقص مدة العقوبة فإن القانون القديم يعتبر أصلح للمتهم إذا كانت ظروف الجريمة وشخصية المتهم تدعوا إلى إيقاف التنفيذ ، هذا بخلاف الحال بالنسبة لمتهم آخر لا يستحق إيقاف التنفيذ ، فإن القانون الجديد يعتبر الأصلح له .
وإذا كان من نتائج مبدأ الشرعية أو ضابط النصية عدم جواز اللجوء للقياس ، فإنه هذه النتيجة لا تتعارض مع تطبيق النصوص لصالح المتهم ، تحقيقا للضرورة والتناسب ، ومن هذه النصوص تلك التي تقرر أسباب الإباحة أو موانع المسؤولية أو موانع العقاب أو الأعذار القانونية المخففة ، ففي هذه الحالات لا يؤدي القياس إلى الإفتئات على سلطة المشرع وحده في التجريم وفرض العقاب ، بل هو استصحاب على الاصل العام في الافعال و هو الإباحة ، والقياس في هذا المجال هو تاكيد لهذا الاصل العام ومن ثم كان جائزا ، وقد استقر القضاء الفرنسي على إجازة القياس لصالح المتهم ومن أمثلة ذلك أنه قاس على السرقة بين الأصول و الفروع والأزواج التي لا تؤدي إلى غير التعويض المدني ( المادة 380 من القانون الجنائي الفرنسي ) جرائم النصب وخيانة الامانة . كما استخلص القضاء الفرنسي أن حالة الضرورة تعتبر من أسباب الإباحة رغم عدم وجود نص خاص بهذا المعنى وشأن القضاء الفرنسي في ذلك شأن القضاء المصري .

المطلب الثاني : أثر الانضباط للضرورة والتناسب في تحقيق الحماية الإجتماعية الإنسانية
يكمن الرهان أمام واضعي النصوص الجنائية و مطبقيها –وهي معادلة صعبة بطبيعة الحال – في التوفيق بين مصلحة الفرد في إنسانيته وحرياته و حقوقه ، و مصلحة الجماعة في قيمها و مصالحها و أهدافها . و سؤال التوفيق هذا هو الأساس الذي تنبني عليه فكرة الحداثة التي تستهدف مشاركة الإنسان الفردية و الجماعية في بناء المؤسسات التي ينتمي إليها وصولا إلى الموازنة المطلوبة بين الحريات الأساسية و المنافع الإجتماعية و الإقتصادية الأكثر ملائمة له ، بعبارة أخرى يكمن سؤال الحداثة في التوفيق بين أنانية القناعات البدائية و الحاجة إلى التضامن .
وإذا كانت الضرورة هي الاساس الذي يقوم عليه تدخل المشرع في تقييد الحقوق والحريات ، فإن التناسب هو الأسلوب الأنجع الواجب اتباعه في بناء قواعد التجريم .
فالنظام القانوني يقوم على التوازن بين الحقوق و الحريات من جهة و بين المصلحة العامة من جهة أخرى و هو ما يتحقق بالتناسب بين كل من الاثنين بين حماية الحقوق الفردية و بين المصلحة المتمثلة في النظام العام . فالنظام العام يقتضي تقييد حرية الفرد من خلال التجريم و العقاب الذي يخضع كذلك للضرورة الإجتماعية أي ضرورة حماية المجتمع كمصلحة دستورية و إلا فالمشرع سيلجأ إلى الاسراف في استخدام السلاح العقابي مما يؤدي إلى ما يسمى بالتضخم العقابي الذي لا يستند إلى ضرورة . ومن جهة أخرى فإن الفرد يتعرض لمخاطر التجريم و العقاب إذا لم يحسن وضع ضوابط دقيقة له تحافظ على التوازن المطلوب ، و لا يجوز أن يكون هذا التوازن مدخلا للعصف بالحقوق و الحريات على نحو يسوده التحكم و هذا يتطلب إيجاد تناسب بين قدر المساس بالحقوق و الحريات و المصالح المحمية التي تبرر هذا المساس ، و بهذا التناسب تتحقق الحماية الاجتماعية الانسانية أي حماية المجتمع القائمة على احترام حقوق الانسان و يتحقق الأمن القانوني بوصفه مظهرا لسيادة القانون بدونه تختل هذه السيادة و يهتز مبرر وجودها.
كما ترتبط مشروعية استعمال العقوبة تبعا لذلك بمدى احترام النظام القانوني لقاعدة التناسب بين الجريمة و الجزاء في كل الظروف و الأحوال .
ولكي تقترب فكرة الضرورة من فكرة التناسب يجب النظر الى كل من القاعدة و مبرر وجودها ثم تطبيقها ؛ فهي لا تكون ضرورية الا اذا وجدت لمعالجة وضع ظاهر معين فتعالجه على نحو كاف و بغير مبالغة. وهو ما سيستدعي التوازن بين المصالح و الحقوق المتعارضة بالتناسب مع الهدف من التجريم أي أن الضرورة التي تلجئ المشرع إلى تجريم سلوك معين تفترض أن التجريم و درجته يتناسبان مع الهدف من التجريم .
وليِؤدي معياري الضرورة و التناسب وظيفتهما في صيانة الحقوق والحريات وضمان التوازن بينها وبين الواجبات العامة يجب أن تتصف نصوص التشريع بالوضوح والتحديد ، فلغة المشرع يجب أن تكون واضحة ودقيقة وبسيطة يفهمها الناس على اختلاف مداركهم وثقافاتهم و أفهامهم ، لأن اللغة المعقدة تجعل القانون مغلقا ، كما أن اللغة غير الدقيقة تجعل القانون مبهما . وهكذا لا ينبغي أن يتغير معنى اللفظ الواحد باستعماله في ظروف مختلفة ؛ كما أنه إذا عبر عن معنى بلفظ معين وجب ألا يتغير هذا اللفظ إذا أريد التعبير عن هذا المعنى مرة أخرى .
و لا شك أن القضاء باعتباره ضامن الحقوق و الحريات يضطلع بدور أساسي في صيانتها بالإعمال السليم للضرورة و التناسب .
يتضح من تطور مفهوم الضرورة في كل من السياسة الجنائية التقليدية و التقليدية الجديدة و السياسة الجنائية الوضعية ، أن مفهوم الضرورة في السياسة الجنائية كان في البداية يرتكز على التعريف المجرد لماديات الجريمة و يتصف بالتجريد و المساواة الجامدة بقصد تحقيق الردع العام ، و قد كانت هذه السياسة تستهدف حماية الإرادة الحرة للفرد و تأكيد المساواة ما أدى إلى عدم التناسب بين العقوبة و الجريمة بسبب اختلاف الظروف الشخصية للمجرمين . و قد حاولت السياسة الينوكلاسيكية تلافي هذا العيب ، فنادت بمراعاة هذه الظروف عند فرض العقوبة إلا أنها اتخذت حرية الاختيار ضابطا لتحديد هذه الظروف ، و هو ما أتبتت نتائج علم الإجرام عدم صحته ، على اعتبار أنه من غير المنطقي تحقيق العقوبة على من تضعف إرادته بينما قد يؤدي هذا الضعف إلى اعتياده على الإجرام ، ولم يصلح لهذا العيب إلا التفريد التنفيذي للعقوبة ، لأنه لا جدوى لهذا التفريد إذا لم يكن القضاء بها قائما على تفريد قضائي سليم.
و هكذا فالسياسة الجنائية التقليدية و التقليدية الجديدة لم تقدم نموذجا صالحا لقيام الضرورة و التناسب على اعتبارات سليمة لإحداث توازن بين الحقوق و الحريات و بين المصلحة العامة و التي تتمثل في تحقيق أهداف العقوبة.
و بتبني فكرة الخطورة الإجرامية مع المدرسة الوضعية أصبح التناسب المطروح بين الخطورة الإجرامية ورد الفعل حيالها متجسدا في التخلص من المجرم الذي يستحيل إصلاحه ، أو إصلاحه بواسطة تدابير تتخذ ضد حالة نفسية لا ضد فعل من أفعاله ارتكبه يقينا ، الأمر الذي يعرضه للخطر.
و قد جاء الإتحاد الدولي لقانون العقوبات الذي تأسس عام 1880 على يد البلجيكي “برنس” و الألماني “ليست Lizو الهولندي “هامل” ، و كان أهم ما ميز الإتحاد في ميدان التوازن بين الحقوق و الحريات و المصلحة العامة هو إحاطة التدابير الإحترازية بالضمانات و اشتراط أن يكون فرضها بالحكم القضائي و بناء على قانون حتى لا تنتهك الحقوق تحت غطاء الضرورة .
و ظهرت ضرورة الإصلاح كضابط للتجريم والعقاب على الأقل في الإتجاه القانوني لحركة الدفاع الإجتماعي ، حيث أُسس حق الدولة في العقاب على ضرورة إصلاح أعضاء المجتمع و الإرتقاء بهم ، و تعمل الدولة على أداء هذا الواجب تجاه الفرد الذي يتعين عليه
الإمتثال لا خضوعا تحت تأثير الإكراه و إنما تنفيذا لحقه في هذا التأهيل . و رفض هذا الإتجاه الأخد بالتدابير المانعة ما لم تتوفر الضمانات اللازمة لحماية الحرية الشخصية مؤكدة أن المشكلة في التوفيق بين مبدأ الشرعية و هذه التدابير المانعة ، الأمر الذي يتطلب عدم فرضها إلا للضرورة القصوى وفقا لضمانات كافية طبقا للقانون . كما وقف هذا الإتجاه ضد مسار إضفاء الصفة الإجتماعية على القوانين الجنائية الذي كان يتم في النظم اللاثنية بخلق جرائم مادية متعددة ، و الحقيقة أن الدفاع الإجتماعي لا يرمي إلى محاربة هذا الإتجاه في ذاته ، لكنه طالب بأن لا يتم ذلك على حساب الكائن الفرد ، و إدا كان التخطيط أصبح ضروريا في القرن العشرين فإنه لا ينبغي أن يؤدي إلى تسلط الدول على الأفراد .
و في غمار هذه التيارات المختلفة ، ظهر اتجاه إلى عدم وجوب الإعتماد على قانون العقوبات و حده في معضلة الجريمة و اعتبار كافة قطاعات المجتمع مسؤولة عنها ، إلى جانب الجمعية الدولية للدفاع الاجتماعي ، و في ضوء هده النظرة ظهرت سياسة اللا تجريم ” décriminalisation” للحد من الإسراف في التجريم خاصة مع الجرائم المصطنعة التي استحدثتها بعض التشريعات …. و ظهرت هذه السياسة بوضوح في المؤتمر السادس لوزراء العدل في أوربا سنة 1970 و في الندوة العلمية الثالثة التي أقامتها الجمعيات الدولية المشتغلة بالعلوم الجنائية بإيطاليا في مايو سنة 1973 ، و كذلك الشأن في مؤتمر الأمم المتحدة الذي عقد في جنيف عام 1975. لمكافحة الجريمة و معاملة المذنبين.
و الحقيقة أن هذا الاتجاه الحديث الذي ذهب بعيدا في إعمال مبدأ الضرورة و تلافي سلبيات التضخم كما سيأتي حالا استفاد من أفكار “جاروفالو” و معاصريه من رواد المدرسة العلمية ، حينما ميز بين الجريمة الطبيعية و المصطنعة ، (Delits naturels et delits artificielle) فالجرائم الطبيعية هي الجرائم الجنائية بالمعنى الدقيق و التي لا تتغير في الزمان و المكان ، أما الجرائم المصطنعة فهي الجرائم التنظيمية المستحدثة التي تكون مناط التجريم ” Incrimination ” و هي وضع استثنائي و مؤقت أملته الضرورة و من تم يجب على المشرع الجنائي التخلص منها كلما انتفت الضرورة و المنفعة أو كلما زادت الضرورة أو قلت مقتضياتها حتى لا يسهم في التضخم العقابي. لأن التمادي في مجال التجريم أو الأخذ به على سبيل التأبيد يؤدي إلى خلق مشاكل قانونية و جنائية تؤدي في النهاية إلى عرقلة مسيرة السياسة الجنائية سواء في جانب الفعالية و النجاعة أو في جانبها الحقوقي الإنساني. فالتجريم القانوني إذًاً مشروع للضرورة و لكنه قد يكون غير مفيد في الحالات الأقل ضررا بالمجتمع وإن كانت تمس الحياة الخاصة للفرد.
و يترتب على التمييز بين الجرائم الطبيعية و الجرائم المصطنعة جملة من النتائج التي تفيد المشرع في صياغة سياسة جنائية ناجعة و وفية لمضامين حقوق الإنسان.
 يفيد هذا التمييز أولا في إعادة النظر في مبدأ “عدم العذر بالجهل بالقانون” فبينما أن إعماله بصدد الجرائم الطبيعية لا يثير أي إشكال ، فإن إعماله في تطبيق النصوص التشريعية الجنائية التي تضم “التجريمات القانونية” أو الجرائم المصطنعة من شأنه الإخلال بالحقوق والحريات .
 يفيد كذلك هذا التمييز في اختيار السياسة العقابية الملائمة ، فكلما تعلق الأمر بجرائم مصطنعة وجب تجاوز الأساليب العقابية التقليدية و تبني الأساليب العلمية الحديثة التي تعتمد على نظرية بدائل العقوبات أي على نظرية التدابير و غيرها من وسائل الإصلاح و التأهيل و هو ما يعرف بمسمى “الحد من العقاب” Dépénalisation وانتفاء الضرورة و التناسب هي معيار الحد من العقاب.
و لا يحول الحد من العقاب دون اعتبار الأفعال أفعالا غير اجتماعية ، كما أنه لا يعني إلغاء العقاب تماما و إنما يعني إما إلغاء بعض العقوبات أو منع تعددها أو تخويل جهات الإدارة سلطة فرض الغرامات كبديل للعقاب. وواقع الأمر أن الضرورة التي تدعو إلى فرض عقوبة سالبة للحرية تفرض بناء على أربعة متطلبات هي: حماية المجتمع و معاقبة الجاني و إصلاح المحكوم عليه ، و الإعداد للاندماج “المحتمل” داخل المجتمع.
 يفيد هذا التمييز أيضا في تنقية القانون الجنائي من أشكال التجريم المعاصر التي قلت أو انعدمت ضرورتها و التي يمكن أن يضمها قانون آخر خلاف القانون الجنائي حتى لا يحدث تضخم عقابي أو إفلاس عقابي إذا صحت استعارة مصطلحي التضخم و الإفلاس من مصطلحات علم الاقتصاد ، و ذلك قصد تحقيق التناسب أو ما سماه الأمريكي “كلينيس” “مبدأ نفعية أو عائدية السياسة الجنائية” الذي يقوم على مواجهة الإجرام بأقل التكاليف المالية ، حيث اعتبر هذا الأخير أنه يجب على الدولة (المشرع الجنائي) أن تراعي عند وضع العقوبات و بوجه خاص عند وضع العقوبة السالبة للحرية تكاليف السجون و “تكاليف الشرطة و القضاء…” معتمدا على نتائج الدراسات التي أنجزت بالولايات المتحدة الأمريكية من طرف لجنة “كاتزنباخ” عام 1967 و التي تؤكد حتمية تغيير السياسة الجنائية نحو سياسة أكثر عملية و واقعية تحقق الإصلاح و تحقق انخفاض مصاريف العدالة الجنائية في آن واحد.
وفي هذا الصدد أتى ميثاق إصلاح منظومة العدالة الذي صدر سنة 2013 والذي شكل ثمرة مجهودات أعضاء الهيئة العليا للحوار الوطني حول إصلاح منظومة العدالة و التي انطلقت منذ الثامن من يونيو 2012 ، بمجموعة من التوصيات توزعت كلها على ستة أهداف استراتيجية كبرى للإصلاح ومن ضمنها تلك التي أتت في إطار الهدف الرئيسي الثالث للميثاق الهادف إلى تعزيز حماية القضاء للحقوق و الحريات ، هدف تعزيز هذه الحماية انضوت تحته أهداف فرعية تمحور الهدف الفرعي الثاني منها حول تطوير السياسة الجنائية فكان من ضمن أهم التوصيات نزع التجريم عن بعض الأفعال و البحث عن حلول لها خارج المنظومة الزجرية ووضع آليات قانونية لتجنيح الجنايات ذات التأثير البسيط بما يضمن التفريد الأمثل للعقاب و التناسب بين الجريمة المقترفة و العقوبة المقررة ،إضافة إلى توسيع مجال الأخذ بالعقوبات الإدارية في ميدان الأعمال بدل العقوبات الزجرية . و حث الميثاق أيضا على تبني بدائل العقوبات السالبة للحرية كالعمل من أجل المنفعة العامة و الغرامة اليومية و الوضع تحت الإختبار و القيد الإلكتروني وحث على تعديل قانون المسطرة الجنائية و القانون الجنائي في هذا الإتجاه . وقد تضمن مشروع القانون الجنائي جملة من هذه التدابير أو البدائل في المادة 35ـ1 وما بعدها .
وتعتمد التشريعات المقارنة بالإضافة إلى هذه التدابير بدائل أخرى كالحبس الدوري أو الحبس في نهاية الأسبوع ، و تأجيل النطق يالحكم مع الوضع تحت الإختبار الذي يروم تأهيل المحكوم عليه و إصلاحه عن طريق وضعه تحت الإشراف و المراقبة لمدة محددة ، مع احترام الالتزامات المفروضة عليه و تحسين سيرته و سلوكه خلال مدة الاختبار هاته.
يستلزم إذا انضباطُ سياستي التجريم والعقاب لمتطلبات حماية الحقوق والحريات والمصلحة العامة والموازنة بينهما مراعاة الضرورة الإجتماعية والتناسب وهما مبدأين دستوريين ابتداءا وانتهاءا ، فمن جهة يلتزم المشرع بالموجهات الدستورية ، كما أن القواعد الجنائية التي تفرضها الضرورة ويتم التوافق عليها ترتفع إلى درجة القواعد الدستورية ، غير أن انضباط المشرع للضرورة الإجتماعية والتناسب في التجريم يحيل على التدويل وما يرتبط به من إشكالية الكونية والخصوصية ، كما تحيل على البحث في سبل وضع سياسة جنائية اجتماعية من خلال التنزيل السليم لما كرسه دستور المملكة لفاتح يوليوز 2011 حين أكد على تبني الديمقراطية التشاركية ، ونهج جهوية موسعة بمنح الجهة اختصاصات وصلاحيات مهمة لا شك أن للسياسة الجنائية ــ بمعناها الموسع الذي أشرنا إليه في مقدمة هذه الدراسة المتواضعة ــ مكان مهم في هذا الورش قد يسمح في ما يستقبل من الأيام بالحديث عن سياسة جنائية جهوية ليس فقط على صعيد رد الفعل المجتمعي من خلال الهيئات التمثيلية وإنما أيضا على مستوى إسهام هذه الهيئات في العملية التشريعية سواء في إطار صلاحياتها التشريعية أو من خلال اقتراح الملتمسات و العرائض التشريعية .

عصام عفيفي عبد البصير ، أزمة الشرعية الجنائية ووسائل علاجها ، دراسة مقارنة في القانون الوضعي و الفقه الإسلامي ، دار النهضة العربية ، القاهرة ، الطبعة الأولى 2004 ، ص. 11
محمد نجيب حسني ، الدستور و القانون الجنائي ، دار النهضة العربية ، القاهرة ، ط غير مذكورة ، 1993 .ص 3
( عصام عفيفي ، م س ، ص .12
) أحمد فتحي سرور ، القانون الجنائي الدستوري (الشرعية الدستورية في قانون العقوبات ، الشرعية الدستورية في قانون الإجراءات الجنائية) ، دار الشروق ، القاهرة ، الطبعة الثالثة 1424ه /2004 م ، ص .154
محمود طه جلال ، أصول التجريم والعقاب في السياسة الجنائية المعاصرة ، دراسة في استراتيجيات استخدام الجزاء الجنائي و تأصيل ظاهرتي الحد من التجريم والعقاب ، دار النهضة العربية …، الطبعة الأولى ، 2005 ، ص . 11
عبد الحفيظ بلقاضي ، التدخل الجنائي بين التقيد بالحد الأدنى و المد التوسعي الشامل : القانون الجنائي المعاصر والتغيير في النموذج الإرشادي ، مقال علمي منشور بمجلة القصر مجلة فصلية للدراسات والوثائق القانونية ، العدد العاشر ، يناير 2005 ، ص 12 .
7 يميز فقهاء الشريعة الاسلامية بين الضابط والقاعدة فهذه الاخيرة أعم من الضابط إذ هي عامة شاملة لكل أبواب الفقه بينما الضابط يختص بباب دون غيره ، يشترك الضابط و القاعدة إذا في كونهما أمر أو حكم كلي أو قضية كلية تنطبق على جزئيات ، ومن معاني الضابط كما أشرنا أنه المعيار الذي يكون علامة على تحقق معنى من المعاني في الشيء وهو شامل لكل ما يحصر ويحبس ، وتعريف القاعدة والضابط على أنهما قضية كلية أو حكم كلي منطبق بالقوة على جزئيات موضوعها ليست خاصة بالفقه دون غيره من الفنون بل هي عامة تجري في كل فن ، فهناك قواعد أصولية وقواعد نحوية وقواعد قانونية كقاعدة لا جريمة ولا عقوبة إلا بناء على قانون .
غير أن هذا الفرق بين مصطلحي القاعدة و الضابط لم يكن موضع اعتبار لدى كثير من المؤلفين في القواعد الفقهية حيث أطلقوا على ما جمع من أحكام في باب واحد أو في أبواب مختلفة عنوان القاعدة وأحيانا عنوان الكليات أو الأصول فالملاحظ في كتب الفقه أنهم يطلقون كلمة ” قاعدة ” في بعض المواطن على فرع مخصوص من الفروع ، وكذلك إطلاق الضابط على القاعدة أمر شائع في المصادر الفقهية وكتب القواعد
وإن كان التمييز بين القاعدة والضابط يترتب عنه لدى البعض تشبيه الضابط بالقاعدة القانونية والقاعدة الفقهية بالمبدأ القانوني فإننا نستعيض بلفظة “ضابط” للدلالة على مبدأي الضرورة و التناسب Principe de Nécessité et Principe de Proportionnalité ، المبدأين المؤطرين للسياسة التشريعية الجنائية في شقها الموضوعي و الإجرائي كما سيأتي . أنظر في ذلك : محمد عثمان شبير ، القواعد الكلية و الضوابط الفقهية في الشريعة الاسلامية ، دار النفائس للنشر و التوزيع ، الأردن ، الطبعة الثانية ، 1428 ه / 2008 م ، ص .12 نقلا عن كتاب ” الكليات لأبي البقاء الكفوي منشورات وزارة الثقافة السورية سنة 1981 .
الدكتور عادل حاميدي ، القواعد الفقهية وتطبيقاتها القضائية في المادة المدنية و العقارية في ضوء مدونة الحقوق العينية و قانون الالتزامات و العقود و الفقه الإسلامي ، مطبعة دار السلام ، الطبعة الثانية 2015 ، ص.91 وما بعدها
عثمان محمد غريب ، شرح قاعدة ‘ لايترك الواجب إلا لواجب ‘ من قواعد الأشباه و النظائر للإمام السيوطي رحمه الله ، مقال منشور بمجلة كلية الإمام الأعظم ، العدد الثاني،السنة الثانية 2006 الصفحات من 186 إلى 224 أنظر: http://www.iasj.net/iasj?func=issueTOC&isId=2795&uiLanguage=ar موقع المجلات الاكاديمية العلمية العراقية برعاية دائرة البحث والتطوير – وزارة التعليم العالي والبحث العلمي العراقية .
عبد الرحيم صدقي ، السياسة الجنائية في العالم المعاصر ، دار المعارف للنشر و التوزيع ،القاهرة ، الطبعة الأولى 1986 /1987، ص.38
Mireille DELMAS-MARTY , Modèles et Mouvements de Politique Criminelle ,Economica ,Paris, 1983 ,P .13
يري استاذ القانون الجنائي و العلوم الجنائية الشهير الدكتور جورج ليفاسير في سلسلة “أرشيفيات فلسفة القانون Archives de philosophie du droit ” الصادر سنة 1971 أن المشكلة الاساسية في موضوع السياسة الجنائية هي ؛ هل تدخل الوقاية من الإجرام ضمن نطاق اهتمامات السياسة الجنائية أم أنها تدخل في موضوع مواجهة الأوضاع أو العوامل المؤثرة في ارتكاب الجريمة بإجراءات وقائية مقترحة في إطار السياسة الاجتماعية ؟ . يقدم الاستاذ ليفاسير وجهة نظر غالبية رجال القانون الجنائي الفرنسيين حيث يميلون الى تبني رأي سلفهم ‘جارو GARRAUD ‘ الذي مفاده عدم امكانية فصل الوقاية عن العقاب ، مسجلا وجود خطإ في التصور الذهني لموضوع السياسة الجنائية لدى أصحاب الرأي المخالف (دي فابر ، فون ليست ، جيفانوفيتش وفيورباخ ) والذين يحصرون موضوع السياسة الجنائية في مجال علم العقاب Pénalogie ، موضحا أنه حتى في إطار النصوص التشريعية يتحقق الدور الوقائي من خلال العقاب على حالات المشاركة وكذا فكرة التشجيع على العدول الاختياري ، والعذر المعفي من العقاب حال التبليغ عن جريمة سياسية موجهة ضد الدولة فيسطر وجهة نظره في كون باب موضوع الوقاية أكثر اتساعا من باب موضوع العقاب على اساس أنه من السهل منع ارتكاب الجريمة الأولى على منع ارتكاب العود على اعتبار أن ظاهرة العود تعبير عن مكمن الخطورة الاجرامية التي لا تفيد الاساليب العقابية في علاجها وإنما التدابير الوقائية ، ثم يخلص الاستاذ ليفاسير إلى تعريف السياسة الجنائية بأنها ” علم دراسة الانشطة المختلفة في الدولة بقصد الوقاية و العقاب عن الجرائم ” .
أنظر عبد الرحيم صدقي ، م س، ص. 41 وما بعدها
Mireille Delmas-Marty , précité , p.14 à 34
Merielle delmas , opc, p.90
انظر أحمد فتحي سرور ، أصول السياسة الجنائية ، دار النهضة العربية ، القاهرة ، 1982 ، الطبعة غير متوفرة ، ص . 18 وما بعدها
لسان العرب لابن منظور ، دار صادر – بيروت ،
المنجد في اللغة ، علي بن الحسن الهنائي ، تحقيق أحمد مختار عمر – ضاحي عبد الباقي ، عالم الكتب، القاهرة ، الطبعة الثانية ، 1988 ،ص . 518
عبد الرحيم صدقي ، دور الفلسفة و السياسة الجنائية في تطوير القانون الجنائية / موسوعة صدقي في القانون الجنائي ، المجلد 15 ، الموسوعة الفنية للطباعة و النشر ، ط و السنة غير مذكورة ، ص . 29 وما بعدها
أكرم نشأت إبراهيم ، السياسة الجنائية ، دراسة مقارنة ، دار الثقافة للنشر و التوزيع ، عمان ، الأردن ، الطبعة الأولى ، 1429 ه/ 2008 م ، ص . 39
Garofalo , la criminologie ,Paris , 1982 ,p 1 et suite
رمسيس بهنام ، نظرية التجريم في القانون الجنائي ـ معيار سلطة العقاب تشريعا وتطبيقا ، منشأة المعارف بالإسكندرية ، الطبعة غير متوفرة ، 1971 ، ص .42
عبد الرحيم صدقي ، م س ، ص . 30
رمسيس بهنام ، م س ، ص .8 وما بعدها .
عبد الرحيم صدقي ، م س ، ص. 57
ترى الاستاذة ميراي دلماس ــ من خلال المفهوم الموسع الذي وضعته للسياسة الجنائية ــ أن الجزاء الذي تضعه المجموعة الإجتماعية لمخالفة قيمها المتجسدة في قواعد محددة ، ليس بالضرورة سلبيا ، وليس قانونيا بالضرورة ، فكل حمل على الخضوع للقواعد يشكل جزاء ، لكن هذا الجزاء يجب أن يتجسد في شكل قاعدة تتحقق من خلال طابعها الملزم ولو لم تكن قانونية ، وتدخل المؤلفة أشكال الوساطة وتقنيات القانون المدني والاداري وتعتبرها جزاء كلما تعلق الأمر بجريمة ولو لم تجابه بالعقوبة بمفهومها الجنائي الصرف .
لسان العرب لابن منظور ، م س ، ص .
أحمد مختار عمر ، معجم اللغة العربية المعاصرة ،
محمد بن حسين الجيزاني ، حقيقة الضرورة الشرعية وتطبيقاتها المعاصرة ، دار الوفاء ، المنصورة ، مصر ، الطبعة الثانية 1424 ه/ 2003 م ، ص . 8 ويحيل على كتاب ” الكليات ” وهو معجم في المصطلحات والفروق اللغوية لمؤلفه أبو البقاء أيوب بن موسى الحسيني الكفوي المتوفى سنة 1094 هجرية .
محمد بن حسين الجيزاني ، م س ، ص . 8 و9 ، ويحيل على كتاب المستصفى للإمام أبو حامد الغزالي ص . 251 وكذا الاشباه والنظائر للإمام السيوطي ص .77 و 78
نور الدين بن مختار الخادمي ، الإجتهاد المقاصدي ـ حجيته ضوابطه مجالاته ـ الجزء الثاني كتاب الأمة ، سلسلة تصدر عن وزارة الأوقاف و الشؤون الإسلامية بدولة قطر ، رجب 1419 ه ، السنة الثامنة عشرة ، الرقم 66 ، ص .45
تعرف المصالح المرسلة بأنها ” الأوصاف التي تلائم الشارع ومقاصده ، ولكن لم يشهد دليل معين من الشرع باعتبارها أو بإلغائها ويحصل من ربط الحكم بها جلب مصلحة أو دفع مفسدة “. أنظر كتاب الموافقات للإمام الشاطبي الجزء الأول ، ص . 39 ، وكتاب المستصفى ص .251
محمد بن حسين الجيزاني ، م س ، ص 24
وهبة الزحيلي ، نظرية الضرورة الشرعية مقارنة مع القانون الوضعي ، مؤسسة الرسالة ، بيروث ، لبنان ، الطبعة الرابعة 1405ه /1985 م ، ص .52
محمود جلال طه ، أصول التجريم والعقاب في السياسة الجنائية المعاصرة ، م س ، ص .137
منصور رحماني ، علم الإجرام والسياسة الجنائية ، دار العلوم للنشر ، الجزائر ، الطبعة غير متوفرة ، 2006 ، ص .176
أبو إسحاق الشاطبي ، الموافقات في أصول الشريعة ، دار المعرفة بيروث ، لبنان ، الجزء الثاني ، ص . 8
أحمد محمد خليفة ، النظرية العامة للتجريم ، شهادة دكتوراة منشورة من طرف دار المعارف ، القاهرة ، مصر ، 1959، ص . 104
محمود جلال طه ، م س ، ص .140
محمود جلال طه ، م س ، ص 139
منصور رحماني ، م س ، ص . 176 ويحيل على كتاب الفقيه القانوني الامريكي الشهير” روسكوباوند” :
Criminal Justice in America. By Roscoe Pound 1945 .
محمود جلال طه ، أصول التجريم و العقاب في السياسة الجنائية المعاصرة ، دراسة في استراتيجيات استخدام الجزاء الجنائي وتأصيل ظاهرتي الحد من التجريم والعقاب ، دار النهضة العربية ، القاهرة ، الطبعة الاولى 2005 ، ص .142
محمود طه جلال ، م س ، ص .108
رمسيس بهنام ، م س ، ص .11 وما بعدها
رمسيس بهنام ، م س ،ص . 19
رمسيس بهنام ، م س ، ص .25
رمسيس بهنام ، م س ، ص .25
أشرف توفيق شمس الدين ، الضوابط الدستورية لنصوص التجريم والعقاب في قضاء المحكمة الدستورية العليا ، دراسة منشورة في مجلة الدستورية التي تصدرها المحكمة الدستورية العليا بمصر العدد 13 سنة 2008 ، ص . 4
حسين جميل ، حقوق الانسان و القانون الجنائي ، معهد البحوث و الدراسات العربية ، 1981 ، ص.10
عصام عفيفي عبد البصير ، أزمة الشرعية الجنائية ووسائل علاجها ، دراسة مقارنة في القانون الوضعي و الفقه الجنائي الإسلامي ، دار النهضة العربية ، القاهرة ، الطبعة الأولى 2004 ، ص .120
السيد يس ، السياسة الجنائية المعاصرة ، دراسة تحليلية لنظرية الدفاع الإجتماعي ، دار الفكر العربي ، الطبعة الأولى ، ص.138
تنص المادة الخامسة على ما يلي :
« La Loi n’a le droit de défendre que les actions nuisibles à la Société. Tout ce qui n’est pas défendu par la Loi ne peut être empêché, et nul ne peut être contraint à faire ce qu’elle n’ordonne pas. »
وتنص المادة الثامنة على الآتي :
« La Loi ne doit établir que des peines strictement et évidemment nécessaires, et nul ne peut être puni qu’en vertu d’une Loi établie et promulguée antérieurement au délit, et légalement appliquée. »
أنظر لمزيد من التفصيل ؛
Droit pénal et droit constitutionnel (Exposé fait lors de la visite au Conseil d’un groupe de magistrats judiciaires) , Janvier 2007 – Source : Services du Conseil constitutionnel vu , http://www.conseil-constitutionnel.fr/conseil-constitutionnel/root/bank_mm/pdf/Conseil/penalconstit.pdf

أحمد فتحي سرور ، م س ، ص .129 وما بعدها .
كريم لحرش ، الدستور الجديد للمملكة المغربية – شرح و تحليل – سلسلة العمل التشريعي و العمل القضائي (3) مكتبة الرشاد ، طبعة 2012 ، ص.20
عصام عفيفي عبد البصير ، م س ، ص .117
Delmas marty ,la déclaration des droits de l’homme et du citoyen et le jurisprudence , colloque des 25 et 26 mai 1989 au conseil constitutionnel , Paris , P.U.F 1989,p.161
معجم العربية الكلاسيكية و المعاصرة ، يوسف محمد رضا ، مكتبة لبنان ، الطبعة والسنة غير متوفرة ، ص . 45
المعجم الوسيط ، إعداد مجمع اللغة العربية بالقاهرة، الجزء الأول ، الطبعة الثالثة ، 1998
قواعد الاحكام في مصالح الأنام ، الجزء الاول ، لمؤلفه أبو محمد عز الدين عبد العزيز بن عبد السلام بن أبي القاسم بن الحسن السلمي الدمشقي، الملقب بسلطان العلماء (المتوفى: 660ه) ، راجعه وعلق عليه طه عبد الرؤوف سعد ، مكتبة الكليات الأزهرية – القاهرة ، طبعة جديدة منقحة 1414 هـ – 1991 م ، ص . 41 و 42
كتاب الإعتصام ، الجزء الثاني ، لمؤلفه إبراهيم بن موسى بن محمد اللخمي الشاطبي الغرناطي أبو إسحاق ، تحقيق،سليم بن عيد الهلالي ، دار ابن عفان، السعودية ، الطبعة الأولى ، 1412هـ – 1992م ، ص .388
قواعد الاحكام في مصالح الانام ، م س ، ص .101 و 110 و 127
عبد الفتاح الصيفي ، القاعدة الجنائية ، دراسة تحليلية لها في ضوء الفقه الجنائي المعاصر ، الشركة الشرقية للنشر و التوزيع، بيروت 1971 ، ص .67
محمود جلال طه ، م س ، ص .195 وما بعدها ويحيل على الدكتور نجيب حسني في مؤلفه ؛ شرح قانون العقوبات اللبناني ــ القسم العام ــ ص .181
أحمد فتحي سرور ، الحماية الدستورية للحقوق و الحريات ، دار الشروق ، القاهرة ، 1999 ص.472
قرار المحكمة الدستورة العليا بمصر في 03/06/2000 في القضية رقم 145 لسنة 18 قضائية دستورية ، وقرارها بتاريخ 17/02/1996 مجموعة أحكام الدستورية العليا ، ج 7 رقم 22 ص 393 أشار إليها عصام عفيفي ، أزمة الشرعية الجنائية ووسائل علاجها ، م س ، ص .122 و 123
عبد الحفيظ بلقاضي ، م س ، ص .19
عبد الحفيظ بلقاضي ، م س ، ص .18
يرى الدكتور عبد الحفيظ بلقاضي في دراسته المشار إليها سلفا أن القيود التي ترد على حق الدولة في العقاب تنقسم إلى قسمين رئيسيين ، قيود شكلية تتحدد على اساسها شروط ممارسة هذا الحق و التي لا يجوز تجاوزها وهي تدور جميعا في فلك قاعدة أصلية واحدة قوامها الشرعية الجنائية ، وقيود مادية تنصب على مضمون الحق نفسه وتنتظمها القاعدة الاصلية التي تقضي بضرورة تقييد التدخل العقابي بالحد الأدنى . ويحيل بدوره على MUNOZ CONDE \ GARCIA ARAN , 1996 , p 163
عصام عفيفي ، م س ، ص . 45 وما بعدها
عصام عفيفي عبد البصير ، م س ، ص . 46
Droit pénal et droit constitutionnel , (Exposé fait lors de la visite au Conseil d’un groupe de magistrats judiciaires) , Janvier 2007 – Source : Services du Conseil constitutionnel , p . 2 ; vu : http://www.conseil-constitutionnel.fr/conseil-constitutionnel/root/bank_mm/pdf/Conseil/penalconstit.pdf .
وأشارت الدراسة إلى قرار المجلس الدستوري الصادر في 28 نونبر 1973
عصام عفيفي عبد البصير ، ص 47 وما بعدها
Droit pénal et droit constitutionnel ,pc , p .4
عصام عفيفي ، م س ، ص .56 و57
أحمد فتحي سرور ، القانون الجنائي الدستوري ، م س ، ص .86
عصام عفيفي ، م س ، ص .69
تعتبر القوانين الجنائية كل ما لم ينص على منعه وتجريمه فهو مباح ، في حين ان المباح في الفقه الإسلامي هو ما دل الدليل الشرعي على التخيير فيه أو حكم الحكم العادل بذلك في حدود قواعد الشرع وبحسب تقدير المصلحة العامة للناس . أنظر في ذلك : نظرية الضرورة الشرعية ، مقارنة مع القانون الوضعي ، م س ، ص . 25
عصام عفيفي ، م س ، ص 64
محمد أبو العلا عقيدة ، الاتجاهات الحديثة في قانون العقوبات الفرنسي الجديد ،
Abdelaziz Jazoli , Production normative et liberté ; constitution et droit pénale ;source de documentation La source –rabat ,1995 ,p . 16
محمود جلال طه ، م س ، ص .270
أحمد فتحي سرور ، القانون الجنائي الدستوري ( الشرعية الدستورية في قانون العقوبات ؛ الشرعية الدستورية في قانون الإجراءات الجنائية ) ، دار الشروق ، القاهرة ، الطبعة الثالثة 1424ه /2004 م ، ص.154 ، أنظر كذلك في معنى الحماية الاجتماعية الانسانية ، أصول السياسة الجنائية ، لنفس المؤلف ، ص .135
ميراي دلماس مارتي ، محي الدين امزازي, التحولات الممكنة للسياسات الجنائية العربية, حوار منشور من طرف المجلس الوطني لحقوق الإنسان, ص.45
أشرف توفيق شمس الدين ، م س ، ص .26
أحمد فتحي سرور ، م س ، ص . 161
احمد فتحي سرور ، م.س ، ص.163
أحمد فتحي سرور ، م س ، ص 165.
السيد يسن ، م .س ، ص .137
الى هذا تشير الاستاذة ميراي دلماس مارتي في تعريفها للسياسة الجنائية حيث لم تحصرها في مجال القانون الجنائي وحسب بل في تقنيات القانون المدني و الاداري و الوساطة واشكال رد الفعل المجتمعي عموما . أنظر ما اشارنا إليه أعلاه في مقدمة هذه الدراسة .
يعرف الدكتور محمود جلال طه الحد من التجريم بأنه ” إلغاء للوجود القانوني للقاعدة الجنائية بشقيها ، على نحو يؤدي إلى نزع الصفة الجرمية عن السلوك وبالتالي الاعتراف بمشروعيته ، وإباحته جنائيا مع إمكانية استمرار خضوعه لقاعدة قانونية أخرى غير جنائية وذلك لاسباب تستند إلى اعتبارات من الملاءمة التي تمليها السياسة الجنائية ” وهو يرى أن الحد من التجريم ليس فقط اعترافا قانونيا بمشروعية السلوك محل الاتجريم و إنما هو اعتراف اجتماعي أيضا بمشروعية السلوك وهذا ما اخذت به اللجنة الاوربية لمشاكل التجريم ، أنظر مؤلفه أصول التجريم و العقاب في السياسة الجنائية المعاصرة ، م س ، ص .251 و 254
أحمد فتحي سرور ، م. س ، ص.167
عبد الرحيم صدقي ، م. س ، ص.31 و ما بعدها
عبد الرحيم صدقي ، م.س ، ص.37
محمود جلال طه ، م س ، ص . 287 و 289 و 308 وما بعدها
يميز الدكتور محمود جلال طه بين الاشكال التقليدية للحد من العقاب وهي وقف التنفيذ البسيط ، و الافراج الشرطي وبين الأشكال الحديثة من قبيل العمل من أجل المنفعة العامة تأجيل النطق بالعقوبة و الغرامة اليومية و المراقبة الالكترونية
عبد الرحيم صدقي ، م س ، ص.281
ميثاق إصلاح منظومة العدالة الذي أصدرته الهيئة العليا للحوار الوطني وقدمت وزارة العدل مضامينه يوم الخميس 13 شتنبر 2013 ، أنظر موقع وزارة العدل: http://www.justice.gov.ma
نور الدين العمراني ، سياسة التجريم و العقاب في إطار القانون الجنائي المغربي :الحاجة للمراجعة و التحيين ، مجلة القبس المغربية للدراسات القانونية و القضائية ، العدد الأول 1/ يونيو2011 ،مكتبة دار السلام للطباعة و النشر و التوزيع ، الرباط، ص .255 وما بعدها

إقرأ أيضاً

التأطير الدستوري لمقتضيات  الوظيفة العمومية على ضوء دستور 2011

التأطير الدستوري لمقتضيات  الوظيفة العمومية على ضوء دستور 2011 الوعبان لرباس  باحث في سلك الدكتوراه …

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *