ضوابط الإثبات الجنائي بين الواقع والتطبيق دراسة في الثوابت والمنطلقات

ضوابط الإثبات الجنائي بين الواقع والتطبيق دراسة في الثوابت والمنطلقات

م.م. عباس قاسم محمد الماجدي

كلية القانون / جامعة البيان الاهلية – بغداد/ العراق

[email protected]

المستخلص

بادئ ذي بدء نذكر إن الأثر المترتب على تطور المجتمعات وتقدمها وسيادة الدولة القانونية على كافة الجوانب المختلفة لنشاط الأفراد هو منعهم من اقتضاء حقوقهم بذاتهم وظهور ماهية الدعوى على اعتبار وسيلة ممنوحة من قبل المشرع للأشخاص وذلك لحل خلافاتهم عن طريق اللجوء إلى السلطة المختصة بإحقاق الحق وهي السلطة القضائية ولحماية حقوقهم, لا سيما  إن مرحلة الإثبات تعد من أهم المبادئ التي تمر بها الدعوى، حيث بمقتضاها يتمثل مصير الحق المدعى به أمام القضاء ومن ثم إصدار الحكم في الدعوى على أساس ما قدم في هذه المرحلة من وسائل او ادلة او وسائل منفيه او مثبته لادعاءات طرفي الدعوى ولذلك لمحاولة كسب كل طرف الدعوى لصالحه

المقدمة

ان الشواهد الحديثة العلمية تتضمن في أن المجتمع الإنساني شهد في الوقت الحاضر في مقابل عصر العولمة والمعلوماتية ثورة بيولوجية تحدث تغييرات خطيرة وجذرية في العالم اجمع ، حيث ان آثارها انعكست على كافة جوانب الحياة ومنها الجانب الجنائي الذي لم يكن بمنأى عن مختلف التأثيرات, و من الثابت ان البراءة او الادانة تحكمها ادلة في ضوء الثوابت أي الوسائل التقليدية والمنطلقات أي الوسائل الحديثة , وفي بادئ الأمر نذكر ان الإثبات  بصفة مجملة ان مفتاح التوصل للحقيقة وبدونه يصبح الحق في مهب الريح , كما ان نظرية الاثبات تصاغ في كل فرع من فروع القانون بما ينسجم مع متطلبات وظروف ذلك الفرع وطبيعة الدعوى القضائية التي يحكمها .

اهمية البحث

إن أهمية وسائل الإثبات أو طرقها أو أدلته تكمن في كونها تساعد الفرد لإثبات حقة أمام القضاء، فإذا ما تم رفع دعوى من قبل أي فرد ولم يحوز ما يثبت ادعاءه فمن الطبيعي أن يشكل على ذلك خسارته للدعوى، لذا وتبعا من أهمية وسائل الإثبات في التوصل للحقيقة وكون موضوع بحثنا يتعلق بوسائل الإثبات ، فإن أهمية البحث تتمثل في دراسة وسائل الإثبات في الاثبات كنموذج لبيان مدى تطبيق الوسائل ومن ثم إبراز خصوصية الوسائل

اهداف البحث

يمثل الإثبات هدف بارز بالنسبة للحقوق حيث يؤكد جهودها ويدعم صحتها ، فهو يُعتبر من ابرز مراحل الدعوى، حيث من خلاله يقدم كل طرف من اطراف الدعوى الأدلة التي تبرهن صدق دعواه واحقيته فيما يدعيه , حيث إن الحق لا يعتبر حقا قانونيا ولا يمكن الاحتجاج به تجاه الافراد مالم يعترف به القانون ويوفر له دليل لتأكيده من خلال عملية الاثبات، فالحق الذي يتجرد من الدليل يُعَدُّ هو والعدم سواء من الجانب القانوني , لذا تمثل لنا أهداف الاثبات بوصفها طريقا لاستظهار الحق، الا أن الاثبات ليس صنفا من اصناف الحق، فقد يوجد الحق من غير توافر الدليل لأثباته، ولذلك فان بعض الافراد الذين لديهم حقوق حينما يبادرون الى إقامة دعوى لاقتضاء حقوقهم لا يحصلون عليها لا لسبب إلا انهم لا يملكون الدليل المثبت لحقهم على الرغم من انهم أصحاب حق , ونظرا للأهمية التي تتمتع بها نظرية الاثبات فإنها تكون قد طبقت يوميا في كافة المحاكم لاتصالها بأصول التقاضي وحقوق الاشخاص المتقاضين .

منهج البحث

البحث تناول الاسلوب التحليلي حيث ان الإثبات هو الذي يحقّق واقعيّة القانون بربط الوقائع اللاّمتناهية بالقواعد القانونيّة التي تحكمها وقد دأبت تشريعات اكثر بلدان العالم على إحكام تحديد قواعد الإثبات وتنظيمها وجعلها تأخذ بعين الاعتبار واقع المعاملات والمراكز القانونيّة المتعددة للأطراف التي تساهم فيها، وما يطرأ على أساليبها من مستجدّات تقنيّة وتحوّلات اجتماعية واقتصاديّة ,ومتى حصل العكس وانفصلت الحقيقة القضائيّة عن الواقع، وبدت بعيدة عنه، يصبح القضاء مبعث حيرة وجدل في اطار ذلك البحث تناول ثلاث بحوث نتناول في الاول المبادئ العامة للإثبات الجنائي بمطالب أسس وسائل الإثبات وفكرة الحقيقة الجنائية اما المبحث الثاني يتناول السلطة التقديرية للقاضي بمطالب نطاق السلطة التقديرية للقاضي الجنائي والنتائج التي تحكم السلطة التقديرية للقاضي الجنائي في مجال الإثبات اما المبحث الثالث فنتطرق الى نحو وسائل الإثبات ووسائل الإثبات التقليدية الخبرة انموذجا كمطلب اول ووسائل الإثبات الحديثة البصمة الوراثية انموذجا كمطلب ثاني

المبحث الاول

المبادئ العامة للإثبات الجنائي

ان التشريعات في مختلف البلدان وضعت قواعد ومبادئ بارزة  يقوم عليها الإثبات معا لأي تلاعب بحقوق الأفراد ، وتتمثل في عبء ومحل الاثبات والحق في الإثبات . فضلا علة مبدأ حيد القاضي وان هذا الأخير له دور فعال وكبير في التحري عن حقيقة الادلة وعن وجود الواقعة مصدر الحق المتنازع فيه ، فضلا إلى أنه يسهر في تطبيق القانون, ويضاف لها قوعد مع الاثبات التي تتضمن النصوص التي تنظم الاثبات التي تنقسم إلى قواعد موضوعية وهي التي تحدد وسائل وأدلة الإثبات وتوضح كيفية تقديم هذه الأمثلة أمام القضاء وهي شكلية او إجرائية وهي التي تحدد الإجراءات التي يجب اتباعها في عرض الأداة حينما يعرض النزاع في الجهات القضائية ، وقد ضمنها المشرع  وبذلك لقد نظمت العديد من التشريعات الإثبات لما له من أهمية بارزة بالغة فهو يرتبط بقاعدة عدم جواز اقتضاء الشخص حقه بنفسه ، فعلى من يدعي وجود حق أو ينفي أن مع الطرف الآخر بأحقيته إثبات هذا واللجوء لقضاء انصافه ,كما إن الهدف الرئيسي الذي تهدف إلى تحقيقه سبل العدالة في المجتمع من جانب الجريمة ، هي عنصر الثبات لكي يستهدف إلى تحقيق العدالة ، وإثبات نسبة الجريمة ووقوعها إلى الجانب مرتكب الجريمة وفضلا على ذلك الحكم بالعقوبة الرادعة بحق الجاني الحقيقي للجريمة ، ونظرية الإثبات في القانون تكون قائمة على مبادئ عدة صاغها فقهاء القانون لتمكن السلطات المختصة للاستعانة بها في القضايا الجزائية التي تكون معروضة عليهم ،اضافة الى وجود قواعد تحدد على القاضي الوسيلة الذي يسلكها في تتبع النزاع , والحكم في نهاية المطاف ، ومثل هذه الضوابط تؤدي إلى عدم ازدواج الأحكام القضائية في القضايا التي تكون متشابهة , بسبب عشوائية القاضي في انتقاء عناصر ووسائل الاثبات دون وسائل أخرى وحريته في الاقتناع الوجداني مبنية على عناصر معينة , وبالتالي تحقيق العدالة النسبية , حيث أن العدالة المطلقة هي تلك العدالة التي تكون موجودة في المبادئ والسمات وبصدد ذلك نتناول في المطلب الاول اسس وسائل الاثبات وفي المطلب الثاني الحقيقة الجنائية

المطلب الأول

أسس وسائل الإثبات

في البدء نتناول ماهية الإثبات التي تتمثل بأنها إقامة الدليل ووضوحه على اتيان الجريمة , وعلى نسبتها إلى الفاعل ، فيراد به اثبات الوقائع البيان وجهات نظر الشارع وحقيقة وواقع قصده ، فالبحث في هذا يشهد بتطبيق وتفسير القانون وهو عادة عمل المحكمة [1] كما يقصد بالإثبات إقامة الدليل عند السلطات المختصة على حقيقة معينة بالوسائل التي تمكن القانون من تحديدها وفق القواعد التي تكون خاضعة لها [2] , حيث يتبين من خلال تعريف الإثبات أن الإثبات ينصب على ثبوت وقائع الجريمة  بركنيها المادي والمعنوي وليس على تطبيق القانون على هذه الجريمة وأيضا يتمحور الاثبات حول هوية مرتكب الجريمة وإسنادها إليه , إن فكرة الإثبات تتبلور حول العناصر المكونة للجريمة ، وقد يشمل الاثبات وقائع خارجية كالحرارة ، والمكان والزمان والمطر والظلام, كما يمكن أن يتعلق حول خصائص او عوامل فردية او صفات ما دام أن هذه العوامل لها أثر في تحديد مدى جواز تطبيق العقوبة الملائمة على شخص معين فمن الملاحظ أن الثبات لا يكون منصبا على الوقائع الداخلة في الجريمة والتي تدور حول وقوعها بل انه يتعلق بالعناصر الخارجية التي قد تؤثر في وقوع الجريمة وتساهم بشكل مباشر أو غير مباشر في توليد القناعة الوجدانية لدى القاضي بوقوع الجريمة [3], اما بخصوص من يحمل عبء الإثبات فتتلخص بالتالي :

  • فحوى الإثبات : وهذا يتمثل ويترتب في ما يمكن للمدعي  إثباته , حيث انه يتعين على المدعي أن يثبت وجود كافة أركان الجريمة بفرعيها الركن المعنوي او المادي ، كما أنه يثبت خصائص كل ركن بمعنى أخر ,  أنه يجب أن يثبت كافة الوقائع المتطلبة لإيقاع الجريمة , ومسؤولية المتهم عن هذه الوقائع [4], والسؤال الذي يثار بهذا الشأن انه إذا دفع المدعى عليه بسبب من أسباب الاباحة او التبرير أو بمانع عقاب , أو بسبب من مبادئ انتهاء الدعوى , فهل ينتقل عبء اثبات إليه بعد أن كان في الأصل على النيابة العامة , وفي خضم ذلك نجد أن الأصل في الإثبات في القانون المدني  أن المدعى عليه يصبح مدعيا في حدود الدفع الذي تقدم به ، إلا أنه في القانون الجزائي . المحكمة تقوم من تلقاء نفسها في البحث عن توافر أية حالة من حالات التبرير , أو اي مانع من موانع العقاب , أو أي سبب أخر مانع من المسؤولية , أو العقاب من غير أن يقوم المدعى عليه بتقديم دفع بذلك [5].
  • قرينة البراءة : ان الامر كقاعدة عامة أن الأصل يكون في الإنسان البراءة ، وهذه القاعدة قد تتفرع من قاعدة عبء الإثبات الذي يقع على عاتق المدني , اذ بما أن عبء الثبات يقع على عاتق المدعي ؛ فإنه يمكن أن يعد الإنسان بربنا حتى يتم إثبات العكس من قبل المدعي , لذلك فإن افتراض براءة المتهم حتى تثبت إدانته تعتبر هي إحدى اهم ضمانات الحرية الشخصية [6], لذلك فإن عدم العلم من قبل المتهم ، وبذلك تعد قرينة على البراءة في بعض أصناف الجرائم ، كأن لم يعلم بوجود المخدرات في حقيبته , علما أن العلم هو ركن خاص من عناصر جناية المتاجرة بالمخدرات وهو بحد ذاته واقعة سلبية . يقع عبء إثباتها على سلطة الملاحقة وذلك لأن هذا المبدأ مرتبط ارتباطا وثيقا بقرينة البراءة التي يستفيد منها المتهم ، فعلى النيابة العامة لدحضها أن تأتي بالدليل علي عكسها , أي على تورط المتهم ، وعلمه ، وعلى قصده الخاص في الجرائم التي تكون قصدية [7] , كما أن لهذه القاعدة نتائج يستخلص منها قواعد مهمة منها : ” أن المتهم الذي حكم ببراءته يفرج عنه في الحال ولو استأنفت النيابة الحكم , وأيضا تقديم طلب اعادة النظر من قبل المتهم أو النيابة العامة أن يكون بحكم صدر فيه عقوبة ؛ لأن إعادة النظر في قضايا البراءة قد تؤدي إلى يجب خلخلة الثقة بالأمن واستقرار الأحكام القضائية ، ولا تعتبر إجراءات التحقيق الماسة بالحرية كالاستجواب , والتفتيش ، والحبس الاحتياطي تناقضا مع افتراض البراءة ، لأن هذه الإجراءات لا تتخذ بحق المجرم كخروج على مبدأ قرينة البراءة , وإنما بناء على ما توافر ضده من أدلة اتهام ” [8]
  • القاعدة : إن القاعدة العامة المستقاة من نصوص القانون ، أن عبء الثبات يقع على عاتق المدعي , وهذا محاكاة للقاعدة العامة تنص على أن : ”  البينة على من ادعى ” وبما أن هذه القاعدة تكون قد سرت في القانون المدني ، فمن الأولى تطبيقها في القضاء الجزائي . ذلك أن من بديهيات المنطق أن لا يكون المدعى عليه مكلف بإثبات براءته , لأن الأصل في الإنسان البراءة ، ولذلك فإن عبء الإثبات يجب أن يقع على الجهة التي تسعى لإثبات الجريمة

وإثبات نسبتها إلى فاعلها الحقيقي [9]

 د- الاستثناءات من قاعدة عبء الإثبات . من ابرز الاستثناءات هي افتراض علم شريك بزواج من زنا بها , وافتراض علم المتهم بجريمة هتك العرض دون استعمال القوة , أو التهديد بحقيقة سن المجني عليها , وأنها كانت دون سن الثامنة عشر فإن النيابة لا تحمل عبء إثبات هذه الأمور , بل إنه لا يقبل من المتهم مجرد دفعه بجهله , بل يتعين عليه أن يثبت هذا الجهل  [10]

وايضا إن نظرية الاثبات في القوانين المختلفة تسودها ثلاثة مذاهب[11]

المذهب الاول: مذهب الإثبات المطلق او الحر: وفق هذا المذهب لا يحدد القانون أدلة معينة للإثبات، بحيث يلزم على الخصوم والقاضي التقيد بها, فأطراف الدعوى أحرار في تقديم أي دليل لأثبات صحة ادعاءاتهم ، والقاضي هنا يمنح دوراً فعالا وايجابياً يساعد به الخصوم على اكمال ما نقص من أدلتهم دون تحديد قيمة او حجية معينة لأي من أدلة الاثبات[12]

المذهب الثاني: مذهب الاثبات القانوني المقيد: ان القانون يحدد في اطار هذا المذهب  وسائل وادلة معينة يوجب الاخذ بها أثناء اثبات الحق المتنازع عليه، كما يحدد فعالية وقيمة كل دليل من الأدلة المحددة مسبقاً , اما دور القاضي في هذا المذهب فأنه يتمثل بأنه دور سلبي تكون وظيفته مقتصرة على الحكم في الدعوى بما ينص عليه القانون  ، دون ان يكون له صلاحية تقدير حجية ادلة الاثبات او يعطي لها غير القيمة التي حددها القانون[13]

اما المذهب الثالث: فهو مذهب الاثبات المختلط : حيث ان هذ المذهب يحتل مركزا وسطا بين المذهبين السابقين، حيث يقوم على تحديد الأدلة المعتمدة في الاثبات ويبين قوتها، وفي الوقت ذاته يمنح القاضي سلطة تقدير الادلة التي لم يحدد القانون لها قوة معينة كالشهادة والقرائن القانونية [14].

المطلب الثاني

فكرة الحقيقة الجنائية

ان الحقيقة تعرف لغة بأنها تطابق الواقع مع المعرفة ، وليس هناك من شك ، سواء في القضاء على أن الحقيقة التي ينبغي أن يحملها الحكم الجنائي ، هي الحقيقة بهذا المعنى اللغوي البسيط هي تطابق ”  المعرفة ”  التي حصلها الحكم مع الواقع ، مع ما وقع دون ذلك الذي لم يقع  وهو ما يسمى اصطلاحا ”  الحقيقة الواقعية  ” , كما البعض تسمية هذه الحقيقة بالحقيقة الموضوعية ويقصدون بها الحقيقة ” المطلقة ” ,  ويعتبرون أنه من غير العلمي  في نظرهم  ما يقال من أن القاضي لا يمكنه أن يدرك سوى ” اليقين ” على اعتبار أن تلك النظرة بورجوازية وشخصية، وهي الفكرة المسيطرة على فقهاء القانون الجنائي السوفيتي , ” ولما كان الحكم الجنائي هو ثمرة الاجراءات الجنائية وكانت الحقيقة التي يحملها هذا الحكم هي غايتها ، كان بديهيا ان الفقه والقضاء يجمع على القول بأن ”  كشف الحقيقة الواقعية ” هو غرض الاجراءات الجنائية  , ومع ذلك فان هذه البداهة ، تصبح فارغة من المعنى ما لم نضمن مقتضيات تطبيقها عملا ، من جانب الجهات التي يسند اليها أمر الدعوى الجنائية من جهة ”  [15]، وفي جوهر القواعد القانونية التي يتصرفون على أساسها أو في خلايا من جهة أخرى ، ودون ذلك تصبح هذه البداهة شكلا ظاهريا لا مبدأ قانونيا مسيطرا وأصيلا على الجهات المكلفة بإقامة العدل ، بأن تؤسس الأحكام الصادرة في الدعوى الجنائية ، وخصوصا ما تعلق منها بالمسؤولية الجنائية لمرتكب الفعل الجرمي ، على وقائع ثابتة متطابقة مع الواقع , وترجع أهمية هذا المبدأ في خضم الدعوى الجنائية الى أن القضاء الجنائي ، لا يمكنه الوفاء بدوره القانوني والاجتماعي بطريقة مرضية الا اذا انصب العقاب والتجريم صوابا على من تعدى ، وتمثل تعديه في فعل جرمي ارتكبه فعلا وحقيقة,  اذ لا يخفى أن الحكم الجنائي الخاطئ ، ومن ثم الظالم ، يسبب ضررا لا يمكن اصلاحه لمن أدانه الحكم خطأ ، وهو أمر من شأنه أن يفقده ويفقد الكافة ، الثقة في سلطة  من سلطات الدولة ، ويظل هذا الأمر صحيحا حتى ولو كانت تلك الادانة خاطئة قد ارضت الرأي العام ، لسبب أو لسبب اخر ، لان الضرر المتسبب عنها المحكوم عليه خطأ ، يكون في الحساب النهائي خصما من مصلحة المجتمع ككل , فهذه لا تتحقق فقط من مجرد احترام القانون بشكل عام ، وانما أيضا وبصفة أصلية ، من احترام الحقوق الفردية لكل فرد ,  ومن هنا كان اجماع القضاء والفقه على أن كشف الحقيقة الواقعية هو غرض الدعوى الجنائية  فالحقيقة الواقعية هي غرض الدعوى الجنائية ، على اعتبار أن كشف هذه الحقيقة هو الأساس الوحيد الذي يبنى عليه الحل القانوني الموضوع الدعوى الجنائية , فالدعوى الجنائية على اعتبار انها سياقا قانونيا قادرا على كشف حقيقة الامر في موضوعها ، لا تستهدف ارضاء فضول البشر في مجرد المعرفة وانما تستهدف ادراك غايات عملية ومجسدة ,  حيث ان تحديد الجريمة التي ارتكبت ، والمتهم الذي ارتكبها هو وحده الذي يسمح بتوقيع العقوبة المستحقة قانونا وانفاذها فيه ، وبالتالي تحقيق رد الفعل الجنائي على الجريمة المرتكبة ، وهو أمر في ذاته يشكل ضرورة اجتماعية , وتخلل الحقيقة الواقعية هي ذاتها غرض الدعوى الجنائية حتى اذا قضى ببراءة المتهم دون أن يتحمل أية نتائج جنائية ، اذ يبقى لمجرد سيرها وتتابعها في ظل العلنية الواسعة التي تتسم بها الاجراءات الجنائية تحقيقا لوظيفتها في التأديب التخويف, بما ان الحقيقة الواقعية  هي غرض الدعوى الجنائية ، كان حتما لزاما أن يشكل قوامها على النحو الذي يضمن توافر الظروف الموضوعية التي تساعد على اظهار تلك الحقيقة الجنائية ، فمن الطبيعي أن الحقيقة الواقعية من تلقاء نفسها لا تنكشف، بل هي على الدوام ثمرة بحث شاق ومجهود مضني ، انتقاء ذهني ومتابعة فكرية ، أو كما يقول الفلاسفة في عبارة  تهكمية ” أن الحقيقة لا تنتظر من يكتشفها [16]، كما انتظرت أمريكا کریستوفر کولمبس  لأنها عادة ترقد مبعثرة في أعماق البئر ، من يجمعها بكل الثقة والجهد ، هو الذي يكتشفها  لكن البحث عن الحقيقة لا ينبغي التماسه بأية طريقة أو كيفية كائنة ما كانت ، بل أن هذا البحث ينبغي دوما أن يجري في ظروف معينة ” [17]، وبوسائل محددة يلاحظ فيها جملة الخضوع لمبادئ الشرعية من جهة واحترام الكرامة الانسانية من جانب اخرى وهذه تفرض تشكيل قوام  الاجراءات الجنائية على جانب يوفر امكانية اظهار الحقيقة واحترام مشاعر وحقوق أطراف الدعوى الجنائية بما في ذلك حقوق المتهم ، جملة وبطريقة لا تقبل التجزئة , هذا من جانب اخر ، ومن جانب أخر ، فان الحقيقة الواقعية التي يعلنها القضاء الجنائي ، تمثل دورا حاسما في نظرة القانون والمجتمع والاجراءات فبينما تكون قرينة البراءة هي المحور الذي ترتكز عليه وتنطلق منه سائر قواعد الاجراءات الجنائية ،”  فان صدور الحكم الجنائي النهائي بما يحمله من حقيقة واقعية يقلب الأمور رأسا على عقب ، اذ تدل  قرينة الحقيقة  محل  قرينة البراءة ، وتصبح الحقيقة الواقعية التي يحملها الحكم الحائز لحجية الشيء المقضي فيه عنوانا لمدة ما جاء فيه من قضاء وما يحمله من حقيقة ، على نحو لا يقبل اثبات العكس الا في أحوال محددة في القانون جاءت على سبيل الحصر هي  احوال اعادة النظر , وهذا الدور الذي تؤديه الحقيقة الواقعية  يتطلب تشكيل قوام الدعوى الجنائية والاجراءات بنحو لا للقضاء بالنطق بها ، الا اذا حصلت مصالحة  أو توفيق بين القريتين ، أي الا أذا جد ما يفرض الانتقال من قرينة البراءة إلى قرينة الحقيقة  “[18]

المبحث الثاني

السلطة التقديرية للقاضي

ان نظرية الإثبات تتبلور في المحور الذي تدور حوله قواعد أصول المحاكمات الجزائية من لحظة وقوع الجريمة إلى غاية إصدار الحكم النهائي بشأنها ، وهذا الحكم يكون بذاته نتيجة العملية المنطقية التي تمارس من قبل القاضي الجزائي بناء على السلطة الممنوحة له في تقدير الأدلة والتي تختلف حسب نوع نظام الثبات الذي يتبناه المشرع , حيث أن نظام الأدلة الجزائية يقوم على مبدأ الإقناع الشخصي للقاضي الجزائي وبمقتضاه يتمتع القاضي بحرية فعالة في الأدلة ، إذ يتوفر له استقلالا تاما لتكوين قناعته الفضائية بهذا النحو ، حيث يعتبر عبد القناعة الوجدانية للقاضي الجزائي من أهم المبادئ التي تحكم نظرية الإثبات ، لأن القاضي بحكم وفقا لقناعته بالأدلة المطروحة في الدعوى ، فتكون سلطته مطلقة وواسعة في التحري عن الحقيقة حسبما يمليه عليه وجدانه وضميره ، وأن سطلته التقديرية تنصت على تحديد الأدلة وايضاح قيمتها ,وفي طور ذلك وسنتكلم في هذا المبحث على السلطة التقديرية للقاضي  ، وسنعمل على تقسيم هذا المبحث إلى عدة مباحث في الاول نتطرق الى نطاق السلطة التقديرية للقاضي الجنائي وفي الثاني المبادئ التي تحكم السلطة التقديرية للقاضي الجنائي في مجال الإثبات

المطلب الاول

نطاق السلطة التقديرية للقاضي الجنائي

ان التنسيق بين الادلة للوصول إلى نتيجة منطقية يمكنه الامتداد اليها ويهم في هذا النسق أن يكون مصدر الاقتناع دليل تقدمه سلطة اتهام أو الدفاع طالما أنه يحمل بين طياته معالم قوته في الاقتناع , وأن المشرع العراقي يجد هذا المبدأ شرعيته بالمادة ( 147 ) من قانون أصول المحاكمات الجزائية حيث نصت الفقرة الثانية منها ” تقام البنية في الجنايات والجنح والمخالفات بجميع طرق الإثبات ويحكم القاضي حسب قناعته الشخصية “[19] ويقر القضاء هذا المبدأ في العديد من أحكامه ، حيث قضت محكمة التميز الأردنية  ” للمحكمة الجزائية أن تكون عقيدتها في أي دليل يقدم إليها في الدعوى ، والمرجع في ذلك كله يعود إلى تقدير المحكمة للدليل واطمئنانها اليه كما  قضت :  أن واضع القانون ترك المحكمة في المسائل الجزائية حق تقدير الأدلة بحيث يكون لها أن تحكم في الدعوى حسب العقيدة التي تكونت لديها بكامل حريتها وقضت بأن البيئة في المسائل الجزائية تقام بجميع طرق الإثبات ويحكم القاضي حسب قناعاته الشخصية أي أن ركن الحكم هو وجدان المحكمة ” [20] ، حيث  يتضح أن مدة الاقتناع الشخصي يقوم على ركيزتين ، الركيزة الأولى ، أن للقاضي سلطة الأدلة ، فلا وجود لأدلة مفروضة عليه أو محظورة من الاستعانة بها [21]، أما الركيزة الثانية ، ان للقاضي سلطة تقدير الأدلة المقدمة إليه وإنزالها المنزلة التي يراها على ضوء ملابسات وظروف الدعوى , وصفوة القول إن الاقتناع هو وصول القاضي إلى قناعة كاملة وتامة باقتراف المتهم للفعل المكون للجريمة من عدمه  فالاقتناع يعبر عن شخصية وذاتية القاضي كما أن هذا المبدأ يتفق مع أسلوب التفكير المنطقي والعادي في البحث العلمي ، وحتى في الأبحاث العادية إذ لا يقيد القاضي في تفكيره بأدلة معينة ، إنما يستقي الحقيقة من أي دليل ويكفل هذا المبدأ عدم بعد الحقيقة القضائية عن الحقيقة الواقعية ، فعندما يجد القاضي تقدمه طليقا في تحري الواقع من أي مصدر , فهو غير ملتزم بدليل يفرض عليه ،وفي النهاية  فإنه يصل إلى قضاء يطابق الحقيقة الواقعية قدر المستطاع بما يسمح بذلك التفكير البشري, حيث إن فلسفة التشريع تفرض أن لا يعترف بقانون إلا قانون العقل والمنطق فالإنسان ضعيف ومعرض الأخطاء [22] , اما فيما يخص الأساس القانوني لمبررات مبدأ الاقتناع الشخصي للقاضي الجزائي في تقدير الادلة 

اولا : صعوبة الإثبات في المواد  الجزائية : إن السبب في صعوبة الاثبات في المواد الجزائية يرجع إلى الدور الذي يقوم به المجرم في طمس الحرية وآثارها من ناحية أو إلى الطبيعة الخاصة بالأفعال الإجرامية من ناحية أخرى, ففيما يتعلق بالسبب الأول يتضح أن المجرمين الذين يقوم باقتراف الجرائم دون احترام ودون أن يقوموا بطمس حقائقها ، بل على العكس من ذلك كله ، فإن المجرمين المعاصرين أصبحوا يتفننون في موضوع اقتراف الجرائم وفي طمس معالمها ومحو آثارها وهو ما يترتب عليه صعوبة اكتشاف الجريمة ، كما أن غالبية المجرمين عند ارتكابهم الجريمة فإنهم يكونوا قد خططوا لها مسبق ، فينفذها في خفاء مع اتخادهم أكبر قدر ممكن من الاحتياطات للقيام بهذه الجريمة لكي لا تستطيع أجهزة الأمن ومما يصعب عليها القضاء  بمهمتها [23], أما فيما يخص بالسبب الثاني لصعوبة الإثبات في المواد الجزائية فإنه يتمثل في الطبيعة الخاصة الأفعال الجرمية ، لذلك نرى أن الاثبات في القانون المدني ينصب على تصرفات قانونية يتم إثباتها عن الضرورة وذلك بموجب الأدلة المعدة مسبقا أما الاثبات في القانون الجزائي فإنه يكون منصبا على وقائع مادية لا يمكن تحديد مسبقا ووقائع أخرى نفسية لها طابع استثنائي ، فالإثبات في المواد الجزائية ينصرف إلى الركن المادي وذلك بتقصي حقيقة الوقائع المدنية ، وإلى الركن المعنوي ينصرف ايضا وذلك بالتحقيق من قيام أو عدم قيام القصد الجزائي ، وهذا مما يستدعي أن يكون القاضي غير مقيد في تحري الوقائع من أي مصدر وغير ملزم بدليل معين يفرض عليه من أجل كشف الحقيقة ، كما يستدعي عملا تقديريا من قبل القاضي وهذا كله يتم بالاعتماد على اقتناعه الشخصي [24]

ثانيا : طبيعة المصالح التي يحميها القانون الجزائي : على العكس مما هو عليه الحال في القانون المدني يقوم بحماية مصالح خاصة وذات طابع مالي فإن القانون الجزائي يقوم بحماية كان المصالح الأساسية لأفراد من أي اعتداء عليهم ولذلك فهو يضع النص التجريمي لتحذير الأفراد من الإقدام على الجريمة ويقرر جزاء على ذلك ، وهي اهداف يستحيل أن تتحقق إذا كان القاضي مقيدة باستعمال عدد او نوع معين من أدلة الإثبات أو في تقديرها ، بل أنها تستهدف أن يخون القضاة إثبات الجريمة والخطورة الإجرامية بكل السبل ، كي يتوجهوا إليها بالعقوبة أو التدبير اللازم حسبما تقتضيه المصلحة الاجتماعية , كما أن قرينة البراءة بوصفها حماية للمتهم [25]، ومقتضيات مصلحة المجتمع في مكافحة الجريمة وكشف حقيقة الجريمة للتوازن بين مصلحة المتهم والمجتمع وأيضا فأن التطور العلمي في عملية جمع الادلة واستخدامها في عملية الإثبات يحتاج إلى قاضي يتمتع بسلطته التقديرية ،”  لأن هذه السلطة التقديرية تكون لازمة  في حال من الأدلة من الغلط أو الغش وهي تكون ضرورية أيضا لكي تجعل الحقيقية العلمية حقيقة قضائية ” [26].

ثالثا : الدور الإيجابي للقاضي الجزائي . إذا كان دور القاضي هو دور حيادي ، بحيث لا يتدخل او يتمثل في الخصومة وانما ينظر إلى متى توافر الأدلة التي يتطلبها القانون في الواقعة المعروضة عليه وبناء على ذلك يصدر حكمه فيها ، فإنه على العكس فعل ذلك حيث أن القاضي الجزائي له دور فعال في الخصومة , وتكمن مظاهر هذا الدور الإيجابي في البحث عن الحقيقة وكشفها من خلال المرحلتين الأساسيتين الدعوى وهما مرحلة المحاكمة والتحقيق بحيث أنه في مرحلة التحقيق الابتدائي يتم تمحيص وجمع الأدلة لتحديد مدى كفايتها لإحالة المتهم على المحكمة المختصة من عدمه وفي مرحلة المحاكمة [27] , فإن القاضي يعمل على مناقشة الأدلة المعروضة في القضية ويعمل على توجيه الأسئلة لمن يشاء من الشهود وأطراف الدعوى وله استظهار الحقيقة بأي أجزاء أو أي تدبير للوصول إلى هذه الحقيقة , ويورد بعض الفقهاء  ” أن من عناصر الوظيفة القضائية عنصر يسمى تمنع القاضي الجزائي بالسلطة التقديرية  , اذ بددت هذه السلطة بتحول القاضي إلى الة توضع فيها الوقائع من جهة ، فتخرج من الجهة هي الأخرى مغلفة بنص قانوني ينطبق عليها تمام الانطباق ، فتقدير الأدلة مسألة تتعلق بجوهر العدالة وهي في أساسها وإن قامت على قواعد من العقل والمنطق إلا أنها تبقى ذات حس إنساني لا يمكن تصوره في أي أنه مهما كانت دقة تقنيتها ” [28]

رابعا : اعتماد الإثبات الجزائي على القرائن الفضائية : يرى البعض من فقهاء القانون إن أهم مبرر لمبدأ الاقتناع الشخصي للقاضي الجزائي يكمن في الاعتماد الفعال على القرائن الفضائية في مجال الاثبات الجزائي ، إذ نظرا لصعوبة الإثبات الجزائي قد تنعدم الأدلة ولا يبقى أمام القاضي إلا استنتاج القرائن القضائية للوصول إلى الحقيقة ، ولذا كان من الطبيعي أن تكون للقاضي مطلق الحرية في استنتاج القرائن القضائية في المسائل المتعددة [29] , ويرى البعض الأخر إن مبدأ الاقتناع الشخصي للقاضي الجزائي يكون متفقا مع أسلوب التفكير العادي والمنطقي في الحياة العادية في البحث العلمي ، إذ لا يقيد الناس تفكيرهم بأدلة معينة وإنما يستقون الحقيقة من أي دليل من الادلة ، كما أن هذا المبدأ يكفل أن لا تكون  الحقيقة القضائية مبتعدة عن الحقيقة الواقعية [30].

المطلب الثاني

النتائج التي تحكم السلطة التقديرية للقاضي الجنائي في مجال الإثبات

هنالك عدة نتائج تنتج عن اتباع مبدأ الاقتناع  الشخصي ولا يعني ذلك أن هذه النتائج مطلقة على القاضي فهناك يوجد عدة قيود جزائية كما أنه في بعض الحالات يستثنى هذا المبدأ من التطبيق نهائيا وتكون سلطة القاضي مفيدة تماما وليس له سلطة تقديرية بتاتا ويمكن أجمال هذه النتائج المترتبة على مبدا الاقتناع الشخصي بما يلي

أولا : سلطة القاضي الجزائي في رفض او قبول أي من الأدلة فلا يحتج عليه بأن دليلا ما لا يجوز له أن يستمد اقتناعه عنه ، ويتصل بذلك سلطته في استبعاد اي دليل لا يقتنع به ، أي لا وجود لأي دليل يمنع او يفرض عليه أن يستمد اقتناعه منها [31]

ثانيا : حق تقدير الادلة يعود لقاضي الموضوع : فالقاضي هو الذي يقوم بتحديد حجية الدليل ، ومما يترتب على ذلك ، وأن المحكمة لها ان تأخذ أدلة في حق متهم ولا تأخذ بها بحق متهم آخر ، ولو كانت متشابهة .

ثالثا : مبدأ تساند الأدلة  : إن جميع الأدلة التي تقدم في الدعوى يسند بعضها بعضا ، ويستمد القاضي اقتناعه منها مجتمعة ومن ثم عليه أن ينسق بين الادلة ، وإذا قام التناقض بين الادلة كان هادفا لها ، وإذا عرض الفساد او الخلل لأحدهما فقد انصرف إليها جميعا ، وصار الحكم المعتمد على مجموعة من الأدلة أحدهما فاسد حكما باطلا ، وإن كانت ثمة ادلة اخرى صحيحة يمكن أن يعتمد عليها ، ذلك أنه لا يعرف ما كان الدليل الفاسد من نصيب في تكوين اقناع القاضي ، فيجوز أن يكون له الدور الأساسي في ذلك [32].

رابعا : للقاضي الجزائي دور إيجابي في الإثبات : إذا كان المبدأ الذي يحكم الاثبات هو اقتناعه الشخصي ، فيترتب على ذلك إعطاء سلطة واسعة في البحث عن الحقيقة أينما وجدت ، عكس القاضي المدني الذي يتصف بدوره السلبي ، إذ أنها تكون مقيدة بأدلة معينة ومفيد بما يقسمه له الخصوم . ومن هذا الجانب فإن القاضي الجزائي يكون غير مقيد بالأدلة التي يقدمها الخصوم فقط بل هو الذي يبحث عن الأدلة التي يراها مناسبة حتى ولو لم تقدم إليه من أحد ، وهذا ما نصت وأكدت عليه الفقرة ( أ ) من المادة ( 213 ) من قانون أصول المحاكمات الجزائية العراقي رقم 23 لسنة 1971 المعدل على أن  ” تحكم المحكمة في الدعوى بناء على اقتناعها الذي تكون لديها من الأدلة المقامة في أي دور من أدوار التحقيق أو المحاكمة وهي الاقرار وشهادة الشهود ومحاضر التحقيق والمحاضر والكشوفات الرسمية وتقارير الخبراء والفنيين والفرائس والأدلة الاخرى المقررة قانونا ” [33] , حيث إن المشرع كان قد أعطى للقاضي حرية في تكوين اقتناعه ، فإن هذا الامر يعني أنه لا سلطة لأحد في الرقابة على ما وصل إليه اقتناعه الشخصي ، اذ أن القناعة تعتبر من الأمور الواقعية التي تستكمل بها محكمة الموضوع  [34]

اما فيما يخص بالقيود الواردة على مبدأ الاقتناع الشخصي فمن المعروف أن حرية القاضي الجزائي في الاقتناع ليست تحكمية ، ذلك أن هناك بعض القيود عليها ، هذه القيود تعتبر قواعد جوهرية يلزم على القاضي مراعاتها عند إصدار أحكامه ، ويترتب على مخالفتها البطلان  وتتناول هذه القيود من خلال أو توافق الحكم مع العقل والمنطق ثم أن يبني الحكم على دليل طرح في الجلسة ثانيا ومن ثم صحة الأدلة ومشروعيتها ثالثا

 أولا : توافق الحكم مع العقل والمنطق : ” أن محكمة الاستئناف ليس لها إلا حق الرقابة على قناعة قاضي الموضوع إلا إذا خائف تقديره العقل والمنطق ، أي أنه عندما يعتمد في تفكيره على أساليب ينكرها المنطق السليم , وفي سبيل معرفة بعد توافق الحكمة مع العقل والمنطق هو تسبيب الحكم والتسبيب يعني أن يحدد القاصي الاسانيد والحجج القانونية والواقعية التي بني عليها حكمه حتى يقع بها غيره ولا يكفي أن يحدد الحكم بالأدلة بل يجب أن يتضمن الخلاصة الوافية الكافية لما تتضمنه الأدلة وأن يكون مشتملا على أوجه استشهاد ” [35] , حيث أن هناك قرار محكمة التمييز العراقية عن عدم توافق الحكم مع المنطق حيث قضت بأن : ” القرائن التي تدعم الشهادة المنفردة يجب أن تكون مؤيدة لإطار شهاده الشاهد وليس كذلك الشهادة المنصبة على وجود عداه سابق بين الطرفين “

ثانيا : بناء الحكم على دليل طرح في الجلسة : أن هذا المبدأ يكون تطبيقا لمبدأ شفهية المحاكمة وحق الخصوم في المواجهة ، فيتمكن الخصوم من الرد على الدليل ,  سواء بتأكيده او نفيه ، لذلك يستوجب على القاضي أن لا يأخذ بالدليل إلا بعد طرحه للمناقشة العلنية بين الخصوم ، وهذا يعني ان عدم الاعتماد على الأدلة غير المقدمة أثناء المحاكمة وعليه ان الأدلة تستبعد بما التي تقدم بعد ختام المحاكمة حتى ولو لم يصدر الحكم بعد حيث ان موقف المشرع العراقي قد تبين من خلال المادة ( 161 ) من قانون أصول المحاكمات الجزائية بأنه ” إذا نظر الدعوي قاضي وحل محله قاضي آخر قبل إصدار القرار فيها كان القاضي الخلف ان تستند في حكمه على الإجراءات التي قام بها سلفه أو أن يعيد تلك الاجراءات والتحقيقات بنفسه ” ويتضح أن المشرع العراقي في نص المادة ( 151 ) قد أعطى سلطة جوازية  للقاضي الجزائي في  اعادة او متابعة الإجراءات حسب ما تراه قناعته الشخصية [36]

 ثالثا : أن تكون الأدلة مشروعة صحيحة : ان الحكم في القضايا الجزائية متروك لقناعة المحكمة الشخصية بشرط أن يكون هناك بينات قانونية تصلح ان تكون أساسا للحكم ، فيجب أن يتم استناد اقناع القاضي إلى دليل في المعنى القانوني ، وليس إلى مجرد استدلال ، أي أنه لا يجوز ولا يمكن الاستناد إلا إلى دليل كامل الحجية ، فبعض الأدلة لا تكفي وحدها للحكم ما تم تعزز بأدلة أخرى ، وهي ما تسمى بالأدلة الانشائية او الناقصة ، ومثاله ” أقوال متهم على متهم آخر وشهادة الصغير ، ولكن عدم الاعتماد على الدليل التناقص في الحكم لا يعني استبعاده كليا فقد يورده القاضي تعزيزا للدليل الكامل المتوفر لديه”  [37] وفي قرار قضت محكمة التمييز العراقية بأن ” المحكمة تجد أن الأدلة المتحصلة في هذه الدعوى لا تكفي لإدانة المتهمين عن جريمة تصل عقوبتها إلى الإعدام ” حيث أن المشرع العراقي نص من خلال نصوح واضحة ومريحة تجسد مبدأ الاقتناع الشخصي القاضي الجزائي في المواد 213 ، 215 ، 216 , 217 , 220 ، من قانون أصول المحاكمات الجزائية رقم 23 لسنة 1971 المعدل التي أعطت سلطة تقديرية واسعة للمحكمة  وأنها تحكم في الدعوى بناء على اقتناعها الذي تكون لديها من الادلة المقدمة في أي دور من أدوار التحقيق أو المحاكمة [38]

المبحث الثالث

نحو وسائل الإثبات

تتبين في كل وسيلة إثبات تكون صادرة من الخصم نفسه مباشرة سواء اكانت بصورة كتابية كالسندات الرسمية او العادية أو بوسيلة تكون غير كتابية كاليمين والاستجواب والإقرار, وبعبارة أخرى تكون بارزة ومضيئة أن هذه الوسائل تشترك في انها تؤدي أو تساهم في إثبات الدعوى من خلالها أطرافها حصراً سواء بذواتهم أو بالمستندات التي تكون مقدمة من قبلهم من غير الحاجة لتدخل الغير أو اتخاذ إجراء يكون خارج أطراف الدعوى أو مستنداتهم وإن وسائل الإثبات التي تقوم بهذا الدور أو ينطبق عليها الامر قد تكون حديثة او تقليدية وفي ضوء ذلك نتناول مطلبين الاول الوسائل التقليدية كالخبرة والحديثة كالبصمة الوراثية

المطلب الاول

وسائل الإثبات التقليدية الخبرة انموذجا

أن القاضي الجزائي مهما بلغت درجة ثقافته وعلمه لا يمكن أن يكون ملما بكافة أصناف المعارف والعلوم ، لذلك كان له الحق بالاستعانة بأشخاص متخصصين بمواضيع محددة والذين يطلق عليهم تسمية  الخبراء ، وقد توسعت أهمية الخبرة في الوقت الحاضر بسبب تشعب مجالات العلوم وتطور وفي طور ذلك نتناول المقتضيات الاتية

أولا : ماهية الخبرة : فهي ابداء رأي فني في واقعة معينة تكون ذات أهمية في الدعوى الجزائية  ، والخبير هو كل شخص يكون له دراية بموضوع من المسائل [39]

ثانيا : الطبيعة القانونية للخبرة : لقد ثار خلاف في الفقه حول الطبيعة القانونية للخبرة ، فيما إذا كانت تعد وسيلة إثبات أم هي مجرد وسيلة تقتضي تقدير الدليل فقد اتضح إن الرأي الراجح في الفقه يذكر ان الخبرة تكون وسيلة لتقدير الدليل ، إذ أن الخبير يقر بالتعامل مع أدلة تكون قائمة وموجودة قبل مباشرة عمله ، وهو يقوم بتقدير القيمة الاثباتية لهذه الأدلة  , وقد بين المشرع العرافي القاعدة العامة لسلطة القاضي في تقدير الخبرة في المادة ( 213 ) حيث نص على ” تحكم المحكمة في الدعوى بناء على اقتناعها الذي تكون لديها من الأدلة المقدمة اليها في أي دور من أدوار التحقيق أو المحاكمة وهي وتقارير الخبراء والفنيين ” [40]

ثالثا : حجية تقرير الخبير : يقوم الخبير بعد ان ينهي الاعمال المعهودة اليه بتقديم تقرير الى المحكمة والتقرير يكون متضمنا نتائج واعمال قام بالتوصل اليها , ان التقرير شأنه يكون مثل اي دليل اخر في الدعوى لذا فهو يخضع لتقدير قاضي الموضوع واقتناعه فأن اقنعه اخذ به وان لم يقنعه يقر برفضه وله الحق في تجزئته اي الاخذ بجزء منه وترك الباقي وله الاولوية والمفاضلة بين اراء الخبراء وان المحكمة غالبا تقر بالآخذ برأي الخبير [41]

المطلب الثاني

وسائل الإثبات الحديثة البصمة الوراثية انموذجا

تكون البصمة في المجمل بأن تنصرف ماهيتها إلى بصمات الأصابع، ونعني بعبـارة (بصمات الأصـابع) كافة اصناف البـصمات ذات الخطـوط الحلميـة كبصمات كعب القدم وراحة اليد فضلا إلى بصمات الأصابع، والبصمة تكون عبارة عن بعض الخطوط البارزة التي تحاذيهـا خـطـوط أخـرى منخفضة وتكون متخذة أشكالاً متعددة على جلد أصابع الكفين واليدين وعلى أصابع وباطن القدمين ، وإن طرق إظهارها لا يتيسر إلا على الأسطح الملساء على أساس أنه خال من المنخفضات والمرتفعات التي تمنع من تكامل البصمة ومعرفة بصمات الأصابع تؤدي إلى الاستدلال على مرتكبي الجرائم، فهي لا تكون متشابهة قطعا حتى في أصابع الشخص الواحد، إلا أن بصمة الأصبع ليست البصمة الوحيدة التي تستخدم من قبل خبراء الأدلة الجنائية في تمييز المجرمين[42] , حيث ان الاكتشافات الحديثة دلت على سبل تقنية أخرى من الممكن الاستدلال بها للتعرف على المجرمين كبصمة حدقة العين وبصمة الصوت إلا أن هذا الإنجاز الذي أحـدث ثورة بارزة فـي عـالم الأدلة الجنائيـة كـان فـي اكتشاف البصمة الوراثية في العام 1984 من قبل العالم الإنكليزي أليك جيفريز عن طريق تحليل الحامض النووي (DNA) [43], كما ان الاكتشافات الطبية قضت بالإشارة في منتصف القرن التاسع عشر بأنه يوجد في نواة كل خلية من خلايا الكائنات الحية ومنها الإنسان مـا يعـرف بالحـامض النووي (DNA) [44], كما ان الحـامض النووي يتمثل في بعض التركيـب الكيميائي للكروموسومات او الجينات التـي تكون حاملـة العوامل الوراثية في جميع الكائنات الحية، وهي التي تتحكم في صفات الإنسان والوسيلة التي يعمل الانسان بها. فالإنسان تحتوي خلاياه على 46 كروموسوم تحمل كافة الصفات الوراثية التي انتقلت من الآباء إلى الأبناء حيث يرث الابن من الأب نصف العدد ومن الأم النصف الآخر ولذلك تكون في الابن صفات مشتركة بين الأب والأم. ورغـم اكتـشاف الحـامض النووي (DNA) منـذ منتصف القرن التاسع عشر، لكنه لم يكن يعرف كأداة لاكتشاف الجرائم حتى العام 1984 حينما قدم أليك جيفريز عالم الوراثة بجامعة ليستر البريطانية بحثاً أوضح فيه اهمية وجود المادة الوراثية[45]

اولا : أهمية البصمة الوراثية في الإثبات الجنائي

ان الاختبارات والتجـارب اثبتت أن لكـل كـائـن حـي حـامض نووي (DNA) منفرد في الطول والشكل والمميزات ومواقع الترسيب [46] , وقد قام البعض وضع تعريف قانوني للبصمة الوراثية بأنها “معلومات خالصة تخص شخصاً ما، والتي تميزه عن غيره، فهي وسيلة بيولوجية لتحديد شخصية الفرد، ولهذا السبب فهي يمكن أن تعتبر معلومة شخصية تحدد الهوية , ولا تقتصر أهمية البصمة الوراثية في مجال الإثبات الجنائي على تعدد المصادر ودقة النتائج التي توصل إلى معرفة الجاني” [47]، بل أن هذه الأهميـة تكون قد اتيت أيـضـاً مـن أن جـزيء الحامض النووي يكون شـديد المقاومـة لعوامـل التحلل والتعفن والعوامل المناخية المختلفة من رطوبة وبرودة وحرارة وجفاف لفترات قد تكون طويلة، وهذه الميزة فضلا إلى ميزة تعدد المصادر تغني عن الحاجة إلى وجود آثار بصمات الأصابع للمجرمين ، ويتباين الوضع بالنسبة للعظام حيث يمكن معرفة  صاحبها مهما طال الزمن عليها، وذلـك إذا وجـد لـه سـجل (DNA) أو بالتباين بـين العينـة وعينـة مـن ابنائه او أبويـه كمـا ان تقنيـة نـسخ الجينـات عـن طريـق مـا يـعـرف بـ “التفاعـل  ساعدت في ذلك[48]

ثانيا : مشروعية اختبار البصمة الوراثية

ان استخدام البصمة الوراثيـة فـي الإثبـات الجنـائـي يثير مجموعة من التساؤلات اهمها عـن مـدى مشروعية هذا الإجراء وذلك لما يقوم بفرزه هذا الاستخدام من بيانات  تعد انتهاكاً لخصوصية الفرد ومـا فيـه مـن اعتداء على السلامة الجسدية من خلال الوسيلة المستعملة فـي الحـصول علـى البصمة الوراثية, وبعبارة أخـرى يثير تساؤل هـل أن هـذا الإجراء يتعارض مع العناصر العامة للإجراءات الجنائية والحقوق المقررة للمتهم كعدم جواز المساس بسلامة وبخصوصية جسده والحق في التزام الصمت وعدم إجباره على تقديم دليل ضد نفسه , وان عدم مشروعية مثل هذا الإجراء بسبب ان الامر يقر بأن الفحص الطبي على الجاني وأخذ عينات منه يستوجب اقتطاع جزء من خلايا جسده [49]، ولابد من موافقة شخص المتهم على ذلك الامر ، بسبب ان هذا الإجراء يمثل اعتداء على سلامة الجسد ويسبب صنفا من الألم، كما أنه إجراء يكون مخالف لقاعدة عدم إجبار المتهم على أن يقدم دليلاً ضـد ذاته, ويعلل معظمهم ذلـك بـأن مقيـاس مشروعية أي وسيلة في الادلة المستحدثة في التحقيق الجنائي يترتب في عدم جواز مساس الوسيلة المستخدمة في هذا الموضوع بحياة الفرد الخاصة به أو النيل بأي قدر مهما كان حجمه يتضائل مـن كرامته الإنسانية أو سلامته المعنوية والمادية او الشخصية دون أي اعتبار للقيمة العلمية والتي يمكن أن تكون النتائج المتحصل عليها قد حظيت به من خلالها والتي يقرها مجتمع العلماء [50], وبالنسبة لموقـف قـانون أصـول المحاكمات الجزائية العراقي، فإنـه لـم يعالج هذا الموضوع بنص صريح وواضح إلا أن المادة (٧٠) منـه نصت على أن ” لقاضي التحقيق أو المحقق أن يرغم المـتهم أو المجنـي عليـه فـي جنـايـة أو جنحـة علـى التمكين من الكشف على جسمه وأخـذ تصويره الشخصي أو بصمة أصابعه أو قليل مـن دمـه أو شعره أو أظافره أو غير ذلك مما يفيد التحقيق لإجراء الفحص اللازم عليها …”. لذلك نرى أنه يمكن للمحقق او لقاضي التحقيق إجبار المتهم علـى ان يخضع لاختبـار البـصمة الوراثيـة طبقا إلى المـادة المذكورة، إذ أن المشرع العراقي لـم يكن قد قيد سلطات التحقيق من حيث نوع الفحص الطبي حينمـا ذكـر عبـارة ” أو غير ذلك مما يفيد التحقيق لإجراء الفحص اللازم عليهـا” ، وهذه العبارة من الاجمال بمكـان بحيث تستوعب جميع مـا يمكن اعتباره فحصاً بارزا يفيد التحقيق بما في ذلك الامر اختبار البصمة الوراثية , كما ان القانون يخول لجهات التحقيق مـن حق الاستعانة بالخبرة الفنية بغية عن كشف الحقيقة وذلك في المادة (69/أ) منه , ” إلا أنـه ينبغي أن تعـالج هذه المسألة بـنص خـاص بـالنظر لخصوصية البصمة الوراثية كوسيلة لكشف الجناة من جهة ومخاطر الاستخدام غير المشروع للمعلومات الوراثية أو العينات المستخدمة في التحليل والمطابقة من جهة أخرى، وأن يتضمن النص ضوابط اللجوء إلى هذه الوسيلة ومنها أن تكون الجرائم على درجة من الجسامة والتي يمكن تحديدها بالجرائم التي يجوز فيها توقيف المتهم وفقاً لأحكام المادة (١٠٩/أ و ب) من قانون أصول المحاكمات الجزائية العراقي، وأن لا يتم اللجوء إلى هذا الاختبار إلا في الأحوال التي يكون فيها استخدام هذا الاختبار حاسما في أثبات أو نفي التهمة وتوافر دلائل جدية ضد المتهم ، فضلا عن ضرورة أن يعالج النص المقترح مسألة تنظيم حفظ المعلومات الوراثية وعدم الكشف عن كل ما ليس لها علاقة بالجريمة المرتكبة إلا بموافقة المتهم حفاظا على حق الخصوصية  ” [51]

ثالثا : القوة الثبوتية للبصمة الوراثية

أن مسرح الجريمـة يتمثل بأنه هـو المكـان الـذي من الممكن أن تضبط فيـه الأدلـة الاجرامية ويرتب شرارة البحث عن المتهم ويكشف النقاب عن الأدلة  التي تكون مستمدة عن طريق الآثار التي يتركها الجاني في مسرح الجريمة ، كما ان تلك الآثار ربما تكون بقعة مني او بصاق او دم أو بول أو بصمات أصابع او خصلة شعر وغير ذلك من الاثار , كما ان التجارب الطبية الحديثة اثبتت أن لكل إنسان بصمة وراثية يختص بها من غير سواه، وأن احتمال التشابه فيها مع غيره يكون ضعيفا للغاية إلا في حالة التوائم حيث يمكن التباين في هذه الحالة من خلال بصمات الأصابع , وكما ان المختصون يرون ، فإنه يسمح الاستدلال من خلال البصمة الوراثية علىمقترف الجريمة او الفاعل والتعرف على الجاني الحقيقي عن طريق أخـذ مـا يـسقط مـن جسد الفاعل فـي مكان الجريمـة ومـا حـولـه من الامكنة ، وإجراء تحليل البصمة الوراثيـة على تلك العينات المأخوذة وتطابقـها مـع البصمات الاخرى الوراثية للفاعلين بعد إجراء الفحوصات المختبرية على بصماتهم المخزنة او الوراثية في بنك المعلومات , لذلك يمكن القول أن البصمة الوراثية تعتبر قرينة قاطعة على وجود الفاعل في مكان الجريمة خاصة عند تعدد التجارب ودقة المعامل المختبرية ومهارة خبراء البصمة الوراثية، إلا أنها ظنية في كونه هو الفاعل للجريمة ، فتطابق بصمة المتهم مع العينات المأخوذة من مكان الجريمة لا يعني ارتكابه للجريمة، فقد تكون البصمات متعددة على الشيء الواحـد، أو أن صاحب البصمة كـان موجـوداً في مكان الجريمة قبل أو بعد ذلك، كما أن وجود عينة أو أثر من المتهم على ملابس المجني عليه لا يعني بالضرورة ارتكابه للفعل الإجرامي، فقد يكون قبل أو بعد وقوع الحادثة  [52]

النتائج

  1. يتمثل مسرح الجريمـة في المكـان الـذي يمكن أن توجد فيـه الأدلـة الجرمية من خلال ترك المتهم الآثار المعتبرة
  2. الخبير بعد ان ينهي الاعمال المعهودة اليه يقدم تقرير الى المحكمة والتقرير يتضمن نتائج واعمال قام بالتوصل اليها
  3. 3-       ” أن واضع القانون ترك المحكمة في المسائل الجزائية حق تقدير الأدلة بحيث يكون لها أن تحكم في الدعوى حسب العقيدة التي تكونت لديها بكامل حريتها وقضت بأن البيئة في المسائل الجزائية تقام بكافة  طرق الإثبات ويحكم القاضي حسب قناعاته الشخصية أي أن ركن الحكم هو وجدان المحكمة
  4. من الضروري إقامة الدليل على اتيان الجريمة , وعلى نسبة الجريمة الى المتهم ، فيراد به اثبات الوقائع البيان وجهة نظر الشارع وحقيقة قصده ، فالبحث في هذا يكون متعلقا بتطبيق وتفسير القانون وهو عمل المحكمة

التوصيات

  1. انشاء جهات متخصصة من المحاميين والقانونين والقضاة ترتكز جهودهم على سبل الاثبات مع تحديد مسؤوليتهم كافة
  2. ضرورة صيانة الموارد القانونية في تطبيقها وفي اطار نشاط استخدام المجالات الحديثة من الوسائل
  3. ضرورة فتح سبل الحوار بين القانونيين لغرض صيانة التشريعات والقوانين التي تنظم وسائل الاثبات وحمايتها من المخاطر المتعددة في مجال التطبيق
  4. ضرورة استفادة الدول من تشريعات بعضها في سبيل تطوير سبل كشف الكذب مثل استخدام التنويم المغناطيسي والتنويم التحليلي التخديري وجهاز كشف الكذب مع استعمال البصمة الوراثية ع الاعتماد على بصمة الصوت والصورة وبصمات الاصابع  والاقدام والاذن او العين ايضا

[1] )  محمود محمود مصطفى ، شرح قانون الإجراءات الجنائية , القاهرة ، مطبعة جامعة القاهرة والكتاب الجامعي ، 1988  , ص 421

[2] ) جمال الزعبي , النظرية العامة لجريمة الافتراء , عمان , دار وائل للنشر , ص 377

[3] ) امال عبد الرحيم عثمان , شرح قانون الاجراءات الجنائي , القاهرة , 1988 , 399

[4] ) محمود نجيب حسني , شرح قانون الاجراءات الجنائية , القاهرة , دار النهضة العربية , ص 431

[5] ) حسن محمد امين جوخدار ,شرح قانون اصول المحاكمات الجزائية , عمان  ص 284

[6] ) الياس ابو عبد , نظرية الاثبات في اصول المحاكمات الجزائية والمدنية , ج3 , بيروت , منشورات زين الحقوقية , ص 237

[7] ) محمود محمود مصطفى ، شرح قانون الإجراءات الجنائية , المصدر السابق , ص 422

[8] ) محمود نجيب حسني , شرح قانون الاجراءات الجنائية  ,المصدر السابق , ص 433- 437

[9] ) احمد فتحي سرور , شرح قانون الاجراءات الجنائية , المكتبة القانونية , 1970  ,  ص 339

[10] ) احمد فتحي سرور , شرح قانون الاجراءات الجنائية , المصدر نفسه , 340

[11] ) عبد الرزاق أحمد السنهوري، الوسيط في شرح القانون المدني، (مصادر الإلتزام )، تنقيح المستشار أحمد مدحت المراغي،ج1 ,  الاسكندرية , منشأة المعارف ، 2003 , ص23 وما بعدها

[12] ) آدم وهيب النداوي، الموجز في قانون الاثبات، ط2 ، المكتبة القانونية، بغداد، 2007،

[13] ) عصمت عبد المجيد بكر، أصول الإثبات، ط1 ، أثراء للنشر والتوزيع، عمان، 2012، ص35.

[14] ) عباس العبودي، شرح أحكام قانون الإثبات المدني، ط1 ، دار الثقافة، عمان، 2005.

[15] ) محمد زكي ابو عامر , الاثبات في المواد الجنائية , الفنية للطباعة والنشر , الاسكندرية , مصر, ص 7

[16] ) جهاد صفا،  وسائل الإثبات في نطاق قضاء الإبطال , ط1 , بيروت ،منشورات الحلبي الحقوقية، ، 2009، ص71

[17] ) 1-            علي سلمان جميل المشهداني، قواعد الإثبات في العراق ( دراسة مقارنة )، أطروحة دكتوراه مقدمه إلى كلية القانون / جامعة بغداد، 2000 , ص 377

[18] ) محمد زكي ابو عامر , الاثبات في المواد الجنائية , المصدر السابق , ص 9

[19] ) مسوح خليل البحري , نطاق حرية الفضي الجزائي في تكوين قناعته الوجدانية ، بحث منشور ، مجلة الشريعة والقانون ، العدد الحادي والعشرية كلية القانون ، جامعة الإمارات , 2004 , ص 324

[20] ) قانون أصول المحاكمات الجزائية الأردني وتعديلات رقم 9 لسنة 1961 الباب الثاني : المادة ( 147 )

[21] ) محمود نجيب . الاختصاص والاثبات في الإجراءات الجزائية ، دار النهضة العربية ، القاهرة , 1992 , ص 60

[22] ) السيد محمد حسن شريف , النظرية العامة للأثبات الجزائي ، دار النهضة العربية ، القاهرة , 2002 , ص 87

[23] )محمود نجيب حسني , شرح الجزاءات الجنائية , ط3 ، دار النهضة المصرية ، القاهرة , ص 778

[24] ) محمد فاضل زيدان ، سلطة القاضي الجنائي في تقدير الادلة ، دراسة مقارنة , ط1 , دار الثقافة للنشر والتوزيع , عمان , ص 99

[25] ) نصر الدين مبروك , محاضرات في الاثبات الجنائي , النظرية العامة للأثبات , ج1 , دار هو للطبع والنشر الجزاء , ص 97

[26] ) زبدة مسعود , الاقتناع الشخصي للقاضي الجزائي , رسالة ماجستير ,  1984 , ص 42

[27] ) نصر الدين مبروك , محاضرات في الاثبات الجنائي , النظرية العامة للأثبات , المصدر السابق , ص 626

[28] ) محمد فاضل زيدان ، سلطة القاضي الجنائي في تقدير الادلة , المصدر السابق , ص 101

[29] )زبدة مسعود , الاقتناع الشخصي للقاضي الجزائي , المصدر السابق ,  ص 118

[30] ) محمود نجيب حسني , شرح الجزاءات الجنائية  , المصدر السابق , ص 778

[31] ) رأفت عبد الفتاح  حلاوة ، اثبات الجزائية , دار النهضة العربية ، القاهرة ، 2003 ,  ص 58

[32] ) محمود نجيب حسني , شرح الجزاءات الجنائية  , المصدر السابق , ص 63

[33] ) المادة ( 213 ) من قانون أصول المحاكمات الجزائية العراقي رقم 23 لسنة 1971

[34] ) محمود نجيب حسني , شرح الجزاءات الجنائية ,  المصدر السابق , ص 66

[35] ) حسن جوخدار , شرح قانون اصول المحاكمات الجزائية , دار الثقافة للنشر والتوزيع ، عمان ، ص 384

[36] ) قانون اصول المحاكمات الجزائية العراقي , رقم 23 لسنة 1971 المعدل , المادة 161

[37] ) فوزية عبد الستار , شرح قانتون الإجراءات الجنائية ، دار النهضة العربية , القاهرة , ص 514

[38] ) قانون اصول المحاكمات الجزائية العراقي , رقم 23 لسنة 1971 المعدل

[39] ) فوزية عبد الستار , شرح قانتون الإجراءات الجنائية , المصدر السابق , ص 527

[40] ) غازي الذيبات , الخبرة الفنية في اثبات التزوير في المستندات الخطية فقها وقانونا , دار الثقافة للنشر والتوزيع , عمان , ص 76

[41] ) محمود نجيب حسني , الاختصاص والاثبات في قانون الاجراءات , القاهرة , دار النهضة العربية , ص 130

[42] ) قدري عبد الفتاح الشهاوي، الاستدلال الجنائي والتقنيات الحديثة، دار النهضة العربية، القاهرة، ٢٠٠٥، ص٦٢

[43] ) جمال جرجس مجلع ، الشرعية الدستورية لأعمال الضبطية القضائية، النسر الذهبي، القاهرة، ٢٠٠٦، ص417

[44] ) فواز صالح، حجية البصمات الوراثية في إثبات النسب، بحث منشور في مجلة الشريعة والقانون، جامعة الإمارات العربية المتحدة، , ۲۰۰۳، ص196

[45] ) غالب حمزة البكري، ميادئ الهندسة الوراثية، مطبعة دار الحكمة، جامعة البصرة، ۱۹۹۱، ص٢٦

[46] ) عامر القيسي، في الماهية القانونية للجنين البشري، بحث منشور في مجلة القانون المقارن، جمعية القانون المقارن العراقية، العدد 43، ٢٠٠٦، ص 84

[47] ) معتز محي عبد الحميد، في البصمة الوراثية، بحث منشور على شبكة المعلومات الدولية على الموقع

http://www.alsabah.com                                                                                                          

[48] ) أحمد حسام طه تمام، الحماية الجنائية لاستخدام الجينات الوراثية في الجنس البشري، دار النهضة العربية، القاهرة , 2005 , ص۳۹.

[49] ) حسين محمود إبراهيم، الوسائل العلمية الحديثة في الإثبات الجنائي، القاهرة , دار النهضة العربية، ، ١٩٨١، ص۳۱۹ و ص478

[50] ) محمد السعيد عبد الفتاح، أثر الإكراه على الإرادة في المواد الجنائية، القاهرة , دار النهضة العربية، ، ۲۰۰۲، ص۱۹۸

[51] ) قانون اصول المحاكمات الجزائية العراقي

[52] ) مقالة تحت عنوان “البصمة الوراثية .. منجز علمي لا يعترف به القضاء” منشورة على شبكة المعلومات الدولية (الإنترنت) على موقع الجمعية السعودية لطب الأسرة والمجتمع

http://www.ssfcm.org

إقرأ أيضاً

الرقابة على الدستورية والأمن القانوني دراسة في ضوء الإجتهاد القضائي الدستوري المغربي

الرقابة على الدستورية والأمن القانوني دراسة في ضوء الإجتهاد القضائي الدستوري المغربي Constitutional control and …

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *