سياسة المجال وسؤال التنمية بالمغرب
صفاء البوهالي
باحثة بسلك الدكتوراه بجامعة محمد الخامس بالرباط
كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية –سلا-
مقدمة:
يُشكل موضوع السياسات المتعلقة بالتفاوتات المجالية، قطب رحى اهتمام الباحثين والممارسين، لما له من ارتدادات على تكريس العدالة المجالية وتحقيق التنمية في بلادنا. وقد تحكمت مجموعة من الاعتبارات في اختيارنا لهذا الموضوع فقد فرضته الظرفية الراهنة، وأيضاً تفاقم حدة التفاوتات المجالية في كل جهات المملكة.
وعلى الرغم من كل المجهودات المحمودة والمبذولة من طرف الفاعلين المتدخلين، لازال الوضع غير مريح، إذ يكتسي موضوع السياسات المتعلقة بالتفاوتات المجالية بالمغرب صبغة اجتماعية واقتصادية إلى جانب الصبغة السياسية الكامنة في الارادة السياسية الحقة للفاعلين والمتدخلين في التصدي لهذا المشكل بكل عقلانية وانسجام. خاصةً وأننا في إطار الحديث عن سياسة عمومية تتعلق بالتفاوتات المجالية وتروم إلى تحقيق تنمية بجميع مستوياتها الاقتصادية والاجتماعية والثقافية وغيرها. الأمر الذي يجعلنا نطرح التساؤل حول ما هي وضعية السياسات العمومية المتعلقة بالمجال ببلادنا ؟ وما هي السبل من أجل تعزيز سياسات ناجعة وفعالة للمجال ببلادنا؟
أولا: تشخيص وضعية السياسات المتعلقة بالتفاوتات المجالية
إن تشخيص وضعية السياسات المتعلقة بالتفاوتات المجالية يتطلب منا الوقوف بالدرس والتحليل عند المعطيات الكمية والكيفية المعتمدة سواء في التقارير الدولية والوطنية وكذلك اعتماد الخطط والبرامج والتصريحات الحكومية في هذا المجال. وفي هذا السياق، شكل ورش الجهوية المتقدمة[1] الذي جاء مع دستور 2011 نقطة تحول مفصلية أسست لنموذج جديد للعدالة المجالية والتنمية المستدامة، من خلال إعطاء الجهة مكانة الصدارة وتمتيعها باختصاصات وصلاحيات واسعة تخول لها لعب دور مهم في النهوض بالتنمية الاقتصادية والاجتماعية حسب مواردها ومقدراتها وإمكانياتها، في أفق أن تشكل الجهة كمستوى ترابي يحظى بالصدارة وفق الدستور الجديد ومقتضيات القوانين التنظيمية قطب حيوي تنموي مندمج[2].
وإنسجاماً مع السيرورة التاريخية التي عرفها التنظيم الترابي للمملكة، ووعياً من المشرع بالأدوار المهمة والحيوية التي تلعبها الجهة فقد ارتقى بها من خلال الهندسة الدستورية والقوانين التنظيمية الى مكانة بارزة وخصها باختصاصات ومهام يحددها الدستور وتركز عليها مواد القانون التنظيمي رقم 111.14 المتعلق بالجهات بما لها من اختصاصات ذاتية ومنقولة ومشتركة مع الدولة[3]. في سبيل تحقيق تنمية محلية وتكريس مزيد من الديموقراطية بين المواطنين من خلال ألية الديموقراطية التشاركية المتمثلة بالأساس بحق المواطنين والمواطنات في تقديم العرائض والملتمسات[4]. الشيء الذي يبرز بجلاء أن تفعيل صلاحيات الجهة من شأنه تفعيل الإدماج والإشراك الحقيقي للأفراد داخل المجتمع في تدبير الشأن العام والمحلي ومخاطبتهم كفاعلين ومستفيدين في ذات الحال قطعاً مع الممارسة التقليدية التي تخاطب المواطن كمستفيد.
إن تفعيل ورش الجهوية المتقدمة يتطلب بالأساس تفعيل براديغم السياسة العمومية وعدم الخلط بين المفاهيم. ويستوجب ذلك توجيه السياسة العمومية بشكل عقلاني وتدرجي يزاوج بين السياسات العمومية[5] الوطنية والسياسات العمومية الترابية[6]، وذلك من خلال نهج المقاربة المندمجة والمقاربة التشاركية والانتقائية في بلورة القرار العمومي وتنفيذه ومن تم تقييم مردوده على أرض الواقع. وكما هو معلوم لدى الجميع تحكم السياسة العمومية دورة حياتية لا غنى عنها تنطلق من تعميم المشكل وإدراجه في الأجندة الحكومية ثم اقتراح حلول وبلورة قرار عمومي في شكل برنامج عمل ترصد له موارد مالية وأطر إدارية ولوجيستيكية لتسهيل عملية التنفيذ العقلاني والسليم ومن خلاله تقييم ودراسة أثر هذه السياسة العمومية على أرض الواقع[7].
والعمل بهذه الخطاطة المنهجية يذهب بنا كباحثين وممارسين الى طرح إشكالات عديدة تطفو أهمها على السطح في شكل تساؤلات حول مدى انسجام السياسات العمومية الوطنية والسياسات العمومية الترابية؟ وهل نشتغل كفاعلين بمنطق السياسات العمومية أم بمنطق السياسات القطاعية وهنا يوجد اختلاف جوهري بينهما.
وبالعودة إلى السياسات المتعلقة بالتفاوتات المجالية، نجد أنه انتهج لها مجموعة من الاجراءات والتدابير في شكل برامج حكومية ومخططات وسياسات تروم تحقيق عدالة مجالية مندمجة وتهدف الى تكريس التنمية البشرية المستدامة. والحاصل اليوم هو أن جل هذه البرامج والتدابير المحمودة والتي لا نستطيع أن نتنكر لحصيلتها ومنجزاتها[8] لم تستطع القطع مع فلسفة التفاوتات المجالية ولم تنم بعد عن عدالة مجالية في جميع جهات المملكة، سواء تعلق الأمر بتنزيل ورش الجهوية المتقدمة واستكمال التأهيل القانوني والدعم المالي والبشري واللوجيستيكي والإداري بما ينسجم وحاجيات وخصوصيات وموارد كل جهة على حدة. أو فيما يتعلق بتوجيه السياسات العمومية ورفع التحديات التي تعيق تنفيذها على أرض الواقع وتَلَمُسِ أثرها ونتائجها على أرض الواقع في مجال مكافحة الفقر والهشاشة والنهوض بأوضاع العالم القروي وإنعاشه وتنميته وتحقيق إقلاع اقتصادي وطني وترابي. وفيما يتعلق بالنموذج التنموي الجديد بالمملكة والذي أضحى اليوم نقطة استفهام تستدعي الوقوف عندها كإشكالية أساسية تقف حجر عثرة أمام تحقيق تنمية بشرية مستدامة ببلادنا، لأنه حقيقة اليوم نحن بحاجة ماسة إلى تنمية بشرية تستثمر في الثروة البشرية وليس في التجهيزات والبنى على اعتبار أن الإنسان هو الجوهر والأساس، وأن التجهيزات والبنيات التحتية وغيرها ما هي إلا وسائل ومعبر توصلنا إلى الغاية الأساسية وهي تنمية بشرية مستدامة[9].
ثانيا: تحديات تنزيل ورش الجهوية المتقدمة
عرفت مرحلة التنزيل صدور مجموعة من النصوص القانونية، التي تسعى في مجملها الى تكريس نموذج جهوي قادر على تحقيق التنمية المطلوبة لجهات المغرب، غير أن هذا الدور التنموي يبقى رهين مدى توسع هامش حرية المبادرة في برمجة المشاريع وتنفيذ المخططات التنموية عبر البرمجة المالية. فالاستقلال المالي يعتبر اهم اسس التنمية المحلية، فالمؤشرات المالية والمحاسبية تبين ان الموارد الذاتية لا تغطي في أحسن الأحوال أكثر من 60 في المائة[10] من النفقات الجارية، وهي التكاليف المتعلقة بالسير العادي للجماعة بدون مشاريع تنموية. وأمام هذا الضعف فقد عمدت الحكومة انسجاما مع أحكام الدستور والقانون التنظيمي للجهات إلى رفع حصيلة الضريبة على الشركات، والضريبة على الدخل المرصدة للجهات من 2 في المائة إلى 3 في المائة، في أفق بلوغ 5 في المائة وكذا الضريبة على عقود التأمين من 13 في المائة إلى 20 في المائة توزع على الجهات على الشكل التالي:
- 50 في المائة بالتساوي على الجهات؛
- 37.5 في المائة بناء على عدد سكان الجهة؛
- 12.5 في المائة بناء على مساحة الجهة[11].
إضافة إلى اعتمادات من الميزانية العامة تقدرب 2 مليار درهم في أفق بلوغ سقف 10ملايير درهم سنة2021، أي ما مجموعه 5.2 مليار درهم[12]. وهو ما سيساعد على تعزيز البنيات التحتية الجهوية في أفق تحقيق تنمية مجالية عادلة ومتوازنة، كما يمكن للجهات الحصول على تسبيقات مالية تقدمها الدولة في شكل تسهيلات في انتظار استخلاص المداخيل الواجب تحصيلها برسم الموارد الضريبية، وبرسم حصتها من ضرائب الدولة.وبالتالي فدور الدولة مكمل ومدعم لدور الجهة في تحقيق التنمية المنشودة وهي بمثابة شريك حقيق للجهة فالدعم المالي الذي تقدمه الدولة سيساهم في تعزيز قدرات الجهة في مجال التنمية كما سيساهم في الحد من التفاوتات بين الجهات.
غير أنه بالرغم من أهمية الموارد المرصدة من طرف الدولة للجهة، تبقى الجبايات المحلية أحد أهم الأسس التي يجب ان يقوم عليها الاستقلال المالي للجهة، وبالرجوع للقانون المنظم للجبايات المحلية (47.06) نجده قد ميز بين الرسوم المحددة النسبة وهي خارج السلطة التسعيرية للجهة، وهي الرسم على رخص الصيد البحري والمحددة بمقتضى المادة 115 من قانون الجبايات المحلية. والرسوم الغير محددة السعر بشكل ثابت والمتمثلة في الرسم على استغلال المناجم[13] والرسم على الخدمات المقدمة بالموانئ[14]. وبالتالي وطبقا لقانون الجبايات المحلية فالجهة تستفيد من ثلاثة رسوم تحدد سعر رسمين منها أما الرسم الثالث فقد حدد المشرع ثمنه بشكل ثابت. إذن فالمجلس الجهوي يتمتع بسلطة تحديد سعر مانسبته 66.66 في المائة من رسومه الذاتية، غير أن هذه النسبة لا قيمة لها على اعتبار أنها لا تمثل سوى رسمين في الواقع. لذلك نخلص إلى نتيجة مفادها أن المجالس الجهوية لا تمارس أي تأثير على سياستها الجبائية[15]. وهو الأمر الذي يستدعي اعادة النظر فيه، فالدور التنموي للجهة يعد في واقع الأمر أحد تمظهرات الاستقلال المالي على مستوى التدبير وممارسة الاختصاصات وتمويلها، فحرية المبادرة المالية والقدرة على برمجة المشاريع باستقلالية يعتبر اهم التحديات التي تتعلق بالاستقلال المالي. وإذا كانت الضمانات القانونية والمالية تثير من الغموض ما يقوي ويعزز فرص ومظاهر التدخل الرقابي أو التأثير أو التوجيه المباشر للسلطات المركزية، فان القدرة على التدبير التنموي يبقى في واقع الامر رهين هذا الوضع وتبقى قدرة الجهة على تحقيق التنمية المحلية وعلى التدخل الاقتصادي والتخطيط التنموي اهم مظاهر اشكال الاستقلال المالي للجماعات المحلية.[16]وبالتالي فهذا الدور التنموي للجهة يقتضي تضافر كافة الجهود وتعبئة مختلف الامكانات المادية والبشرية حتى تكون الجهة قادرة على تدبير شؤونها المالية وقدرتها على تمويلها.
ثالثا: على مستوى التصاميم الجهوية
إيماناً من المشرع المغربي بفضائل الجهة ودورها في تحقيق التنمية المنشودة، عمل المشرع التنظيمي بانسجام مع المعطى الدستوري على التذكير بضرورة استحضار دور الجهة في عمليات اعداد برامج التنمية الجهوية[17] والتصاميم الجهوية لإعداد التراب الوطني. وتبعاً لذلك يضع ويتبنى المجلس الجهوي تصور الجهة ومخطط تنميتها في المجالات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية والتصميم الجهوي للإعداد التراب الوطني تطبيقاً للمادة 82 من القانون التنظيمي[18]. غير ان هذا الدور التنموي المناط للجهة يبقى رهين بمدى توسع نطاق حرية المبادرة في برمجة المشاريع وتنفيذ المخططات التنموية عبر البرمجة المالية. إلى جانب عدم تفعيل شركات التنمية الجهوية وضعف مردود الوكالات الجهوية لتنفيذ مشاريع الجهة على اعتبارها تجربة جنينية أبصرت النور حديثاً.
- دور الجهات في إعداد سياسات عمومية ترابية:
ضعف مبادرات الجهات في إعداد سياسة عمومية ترابية، تفعيلاً لمقتضيات الفصل 137 من دستور 2011، والذي ينص على دور الجهات والجماعات الترابية الأخرى في تفعيل السياسة العامة للدولة، وإعداد السياسة العامة الترابية من خلال ممثليها في مجلس المستشارين.
رابعا: توجيه السياسات العمومية:
إن توجيه سياسات عمومية تروم إلى إبراز نماذج تنموية جهوية يتطلب توفر تصور إستراتيجي وفلسفة إرساء نماذج تنموية جهوية عبر معالجة مجموعة من الإشكالات والمعضلات التي يعاني منها بالدرجة الأولى المواطنين والمواطنات في حياتهم اليومية المعيشية وفي مستويات، نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر:
- مجال مكافحة الفقر:
عانى أفراد المجتمع المغربي لردح من الزمن من براثين الفقر ولازال الى يومنا هذا، فرغم التقدم الحاصل على مستوى تقليص نسبة الفقر، وذلك بحسب تقرير المندوبية السامية للتخطيط والبنك الدولي الذي سجل انخفاض مؤشرات الفقر بعد أن كانت تسجل 15,3 فالمائة سنة 2001 لتصل 8,9 في المائة سنة 2007 لتصبح 4,8 في المائة سنة 2014 [19]، وتعميم التعليم الابتدائي، وتوفير السكن الاجتماعي الى حوالي النصف، وتوصيل الساكنة القروية بالماء الصالح للشرب والكهرباء. ناهيك عن فك العزلة عن ثلاثة ملايين نسمة في الوسط القروي.كما يسجل منسوب الفقر والهشاشة في الوسط القروي مؤشرات مقلقة جداً مقارنة مع مؤشرات الفقر والهشاشة في الوسط الحضري، حيث نجد 79,4 في المائة من الفقراء و64 في المائة من الأشخاص في وضعية هشاشة. ناهيك عن انتشار الأمية بمؤشرات كبيرة 47,7 في المائة من الأشخاص الذين يعانون الأمية في الوسط القروي مقابل 22,2 في الوسط الحضري بالنسبة للساكنة البالغة عشر سنوات فما فوق[20]. لكن وعلى غرار كل هذه المجهودات المحمودة لم نستطع رفع التحديات التي تواجه هذه السياسات العمومية الاجتماعية في مجال مكافحة الفقر[21]، ويعود ذلك بالأساس إلى كثرة المشاريع والبرامج الموجهة لمكافحة الفقر في الوسطين الحضري والقروي وتعميمه بربوع المملكة، وتعدد الفاعلين والمتدخلين في القطاع العام والخاص في غياب تام لمقاربة تشاركية تعتمد التشارك والتنسيق والالتقائية بينهم. ناهيك عن غياب تخطيط استراتيجي وتصور يتميز بالشمولية ويأخذ بعين الاعتبار خصوصية طبيعة ومؤهلات وحاجيات كل جهة من جهات المملكة.
- مجال تنمية العالم القروي:
تشكل تنمية العالم القروي القطرة التي أفاضت الكأس، فعلى الرغم من كل المجهودات المبذولة من طرف الفاعلين الحكوميين والمنتخبين والمتدخلين في شخص برامج المبادرة الوطنية للتنمية البشرية[22] لنهوض بأوضاع العالم القروي ومعالجة الإشكالات التي يعاني منها الساكنة في العالم القروي إلا أن الأمر لم يعطي النتائج المتوخاة. وباعتماد لغة الأرقام، يشكل عدد الساكنة القروية ما يقدر بـ 13415808 بمجموع جهات المملكة مقارنة مع عدد الساكنة الحضرية الذي يمثل ما مجموعه 20432439 بمجموع جهات المملكة. أما مؤشرات الهجرة من الوسط القروي الى الوسط الحضري فهي في تزايد مستمر [23]. في جانب أخر، نجد أنه رغم التطور الطفيف الذي حصل على مستوى مؤشرات الولوج للتربية والتكوين والبنيات التحتية والخدمات الاساسية، الى جانب انتقال امد الحياة من 47 سنة عام 1962 بما يضم (57 في الوسط الحضري و43 في الوسط القروي) الى 75 سنة عام 2014 بما يشمل (57 في الوسط الحضري و43 في الوسط القروي)، وبلغ الولوج الى الماء الشروب 95 فالمئة عام 2014 مقابل 14 في المائة عام 1995، غير أن هذا الانتقال يرافقه ضعف في الاستفادة إذ لا يتجاوز 55,3 في المائة في نهاية سنة 2014.
وانتقل معدل وصل الساكنة بالكهرباء 96.5 في المائة سنة 2014 بعدما كان بنسبة 18 في المائة عام 1995. غير أن 1,3 مليون شخص لا يستفيدون اليوم من الربط الكهربائي. ناهيك عن مؤشر ولوج الساكنة الى الشبكة الطرقية حيث بلغت النسبة 85 في المائة في يوليوز 2016. إلا أنه ومع تعدد الفاعلين المحلين والجهويين في البرامج المعلن عنها سواء المتعلق بالبرنامج الوطني الأول للطرق القروية أو البرنامج الوطني الثاني للطرق القروية كرس غياب الانسجام والتنسيق في تفعيل حقيقي لفك العزلة عن العالم القروي. وأخيراً وليس أخراً، نجد تحسناً على مستوى نسبة التمدرس بحيث انتقل على سبيل المثال لا الحصر عدد الاطفال المتمدرسين الذين يبلغون من العمر ما بين 6 سنوات و 11سنة في الوسط القروي من نسبة 95,9 في المائة الى 98,3 في المائة خلال الفترة الممتدة من 2014 الى 2015[24]. إلا أن بُعدَ المؤسسات التعليمية عن مجموعة من الدواوير والقرى والقرى الجبلية، الى جانب جملة من المعيقات التي تلعب فيها طبيعة المناطق الجبلية وخصوصيتها الجغرافية دوراً في صعوبة التنقل الى المدارس واستفادة أطفال الوسط القروي مثلهم من باقي الأطفال في ربوع جهات المملكة من حقهم في التمدرس والتعلم.
في مستوى أخر، نجد أن تنمية العالم القروي يستدعي أيضاً ضخ تمويلات كافية لدعم البرامج المخصصة لتنمية العالم القروي على المستويين الجهوي والمحلي، ناهيك عن ضعف التأطير والتشجيع للمشاريع المتوسطة والصغيرة الى جانب غياب تمويل كافي يدعم حاملي هذه البرامج ويغذي ثقافة المقاولة والريادة والمشاريع في قاموس الساكنة القروية والجبلية.
كما تجدر الإشارة ونحن نتحدث عن السياسات العمومية، أن إعداد هذه الأخيرة تحكمها عدة اعتبارات تحد من فعاليتها ومن بين الملاحظات التي يمكن إبدائها في هذا الصدد ما يلي :
- ملاحظة رقم 1: اعتماد حلول جزئية وهيمنة الرؤية القطاعية وتعدد المتدخلين يؤدي الى ضعف تطور مؤشرات التنمية وارتفاع الكلفة بسبب تجزيئ السياسات العمومية وخضوعها للمنطق القطاعي الضيق[25].
- ملاحظة رقم 2: عدم ترتيب الأولويات يؤدي الى القيام بأعمال مجزئة تفتقر للتكامل وهو ما ينعكس سلبا على التنمية المجالية كل هذا يؤدي الى تعدد الرؤى وتعدد المتدخلين والى ضعف مؤشرات التنمية المجالية.
- ملاحظة رقم 3: خضوع اعداد ميزانية الدولة للمقاربة القطاعية التي يحكمها التنافس وسعي كل قطاع الى ابراز اولوياته على حساب باقي القطاعات عوض التكامل والاندماج.
- ملاحظة رقم 4: غياب البعد التشاركي في سيناريو إعداد السياسة العمومية، على اعتبار أن ادماج واشراك الساكنة في عملية اعداد وبلورة القرار العمومي وتنفيذ وتقييم هذه السياسة من شأنه تعزيز المقاربة التشاركية في صنع السياسة العامة للدولة وأيضاً تكريس للتدبير الجيد والعقلاني لهذه السياسات ويُضفِي صبغة التفعيل الناجع للحكامة الاجتماعية المجالية والترابية[26].
خامسا: آليات لتعزيز السياسات المتلعقة بالتفاوتات المجالية
- تقوية المؤسسات الجهوية مدخل أساسي لمعالجة التفاوتات المجالية:
يتطلب البناء المؤسساتي الترابي الجديد مقاربات جديدة للسياسات العمومية المتعلقة بمعالجة التفاوتات المجالية. ذلك ان تشجيع اختصاصات هذه المجالات الترابية باعتبارها فضاءً لتحقيق نمو متكافئ بين الجهات يعتبر توجها راجحا على الصعيد العالمي،[27]حيث هنالك العديد من التحديات التي يجب على الجهة تحقيقها سواء المتعلقة بالتعمير وبفك العزلة عن المناطق النائية، او توفير العقار والبنيات التحتية والخدمات الاجتماعية، والجاذبية والكفاءات والابتكار. وهو ما يقتضي تنسيق وانسجام المشاريع الجهوية سواء من خلال برامج التنمية الجهوية، والتصاميم الجهوية لإعداد التراب الوطني باعتبارهما وسيلتين اساسيتين للتنمية المجالية – مع السياسات العمومية ذات البعد المجالي، بما يحقق النجاعة والفعالية. وهو ما يستدعي ايضا اعادة النظر بشكل موضوعي في قواعد النظام الجبائي للجهة بشكل يتماشى مع طبيعة الادوار التنموية المسندة لها، عبر الاخذ بنماذج التجارب الجهوية الرائدة على مستوى تدبير جباياتها. كما يتطلب الامر تسريع اعداد ميثاق للاتمركز الاداري يكرس مقاربة تعتمد على القرب وتوفر شروط التكامل والانسجام مع الجهوية، ويتجه الى قضايا العمق المرتبطة بالتنظيم ومناهج العمل والأجرأة على مستوى كل وحدات التنظيم الترابي.كما يجب على المنتخبين الترويج للمؤهلات الجهوية والفرص الاستثمارية والمواكبة وتبسيط المساطر والاجراءات وتوفير الوعاء العقاري والموارد البشرية المؤهلة وتعزيز الرأسمال المادي واللامادي خدمة للتنمية المجالية[28].
هذا، ويجب العمل على إصلاح قانون الجبايات المحلية رقم 47.06، حتى يستجيب للمتطلبات والمبادئ التي نادى بها الدستور في العديد من فصوله، ولتجاوز الوضع الجبائي الراهن بثغراته واكراهاته المتعددة والمختلفة، واستجابة للتوجهات والمبادئ الناظمة للتنظيم الجهوي والترابي التي تبناها الدستور، وتماشيا مع الأهداف والمبادئ التي اقترحناها كخارطة طريق للإصلاح المحتمل، نقترح بعض الإجراءات القانونية والتقنية والتنظيمية والمسطرية التي تنسجم مع هذا المطلب الإصلاحي الجديد، حيث ترتكز حول ستة محاور أساسية يجب أن يشملها الإصلاح :إدراج الحكومة في قوانين المالية المبالغ المرصودة للمجالس الجهوية وباقي المجالس الترابية على أن تقدم للبرلمان تقارير خاصة ترافق مشاريع قوانين المالية وقوانين التصفية حول إستعمال هذه الموارد . وفرض رسوم جديدة تتناسب مع خصوصيات كل جهة على مستعملي التجهيزات الأساسية الكبيرة كالمطارات والمحطات السككية الكبرى. تعزيز الموارد الإقتراضية للمجالس الجهوية بتوسيع طاقات صندوق التجهيز الجماعي واشراك القطاع البنكي في المشاريع القابلة للتمويل البنكي ..والترخيص للمجالس الجهوية باللجوء الى السندات الداخلية بداية ثم الخارجية ثانيا شريطة الاستعدادلاعتماد التنقيط بالنسبة لإصداراتها على غرار ما تقوم به الدولة.
- إعداد سياسات شاملة ومندمجة للتنمية الاقتصادية:
- يكون هدفها الحد من التفاوتات المجالية، وذلك عبر عدة اليات ابرزها وضع سياسة ضريبية واضحة ومنصفة ومحفزة تساعد على تطوير مسالك اقتصادية داخل الجهات.
- تنويع المنظومة الانتاجية للاقتصاد الوطني، وذلك عبر الاستفادة من المؤهلات والخصوصيات التي تتوفر عليها جهات المغرب وكذا التوظيف المعقلن للموارد الطبيعية لكل جهة(موارد غابوية مائية طاقية…).
- اعتماد المقاربة اللامركزية المنصفة على مستوى استثمارات الدولة، في مختلف مناطق التراب الوطني وعدم الاقتصار على جهات وتهميش الاخرى. حيث ان اربع جهات (الدار البيضاء-سطات و الرباط-سلا-القنيطرة وطنجة-تطوان-الحسيمة ومراكش-اسفي)، تقتطع وحدها 80 في المائة من هذه الاستثمارات[29].
- إقرار نموذج للحكامة المجالية:
- وضع شبكة لتنقيط الجهات وتصنيفها وقياس قدراتها وهو ما سيساعد على التوفر على معطيات دقيقة حول وضعية التفاوتات المجالية وبالتالي معرفة مكامن الضعف والقصور ومعالجتها.
- تحديد رؤية شمولية ومندمجة للتنمية المجالية، قائمة على تحدي الاستباق وأجرأتها في اطار متجانس يساعد على خلق إلتقائية المشاريع والفاعلين وعلى تعضيد الوسائل المرصودة للتنظيم، ولأدوات التقييم والمراقبة والمحاسبة من اجل مضاعفة الاثار والقيمة المنتجة[30].
- اعتماد استراتيجية للتسويق الترابي كألية لتحقيق التنافسية المجالية، وهو ما يحتاج الى تنمية الكفاءات والموارد القادرة على اليقظة لرصد المتغيرات الترابية [31].
- التنسيق والتواصل المشترك بين المستوى المحلي والمستوى الوطني، بما يضمن إلتقائية الرؤى والمبادرات ويساهم في خلق سياسات عمومية ناجعة وفعالة في مجال محاربة التفاوتات المجالية.
- توفير مناخ أعمال سليم وبيئة مناسبة للاستثمار تشجع القطاع الخاص في مجال تنشيط دينامية التنمية من خلال روح المبادة والابداع وتعبئة الخبرة واستغلال المؤهلات التي تتوفر عليها كل جهة وجعل القطاع الخاص شريك اساسي للدولة والجهات كرافعة اساسية لتجاوز التفاوتات المجالية.
1. “تشكل الجهوية المتقدمة التي أطلقناها، وكرسها الدستور الجديد، ورشاً كبيراً يتعين تدبيره بكامل التأني والتبصر، ليكون تفعيلها كفيلاً بإحداث تغير جوهري وتدريجي، في تنظيم هياكل الدولة، وفي علاقات المركز بالجماعات الترابية”. مقتطف من الخطاب الملكي السامي بمناسبة عيد العرش في 30 يوليو 2012.
2. ” تشكل الجهة قطبا للتنمية المندمجة، في اطار التوازن والتكامل بين مناطقها، وبين مدنها وقراها، بما يساهم في الحد من الهجرة الى المدن”.مقتطف من الخطاب الملكي السامي بمناسبة عيد العرش 30 يوليو 2015.
3. حدد المشرع المغربي من خلال القانون التنظيمي رقم 111.14 المتعلق بالجهات الاختصاصات الذاتية والمنقولة والمشتركة مع الدولة من خلال المادة 82، 88، 94،91.
4. نص المشرع المغربي من خلال مقتضيات دستور 2011 في الفصلين 14 و15 على حق المواطنين والمواطنات في تقديم العرائض والملتمسات، وأطر هذا الحق بقانون تنظيمي رقم 44.14يحدد شروط وكيفية تقديم هذه العرائض والملتمسات الى السلطات العمومية، لمزيد الاطلاع يراجع: “الإطار القانوني للديموقراطية التشاركية”، المملكة المغربية، الوزارة المنتدبة لدى رئيس الحكومة المكلفة بالعلاقات مع البرلمان والمجتمع المدني، 2017.
5. Une Politiques Publiques se Présente sous la forme d’un programme d’action gouvernementale dans un secteur de la société ou un espace géographiques. Voir : Pierre Muller, « Les Politiques Publiques ». 5éme édition, Presse Université de France, Paris, 2003. Pp 21.
6. Une Politiques Publiques Territoriales indice la territorialisation de l’action Publique collective avec plus de responsabilité pour les grandes collectives locales. Voir : Romain Pasquier & Sébastien Guigner & Alistair Cole, « Dictionnaire des Politiques Publiques ». Collection académique, 2010. Pp 26 – 27.
7. Sophie Jacquot, « Approche Séquentielle- : Stage Approach », Article dans une ouvrage Collectives sous le thème : « Dictionnaire des Politiques Publiques », Sous la direction de, Laurie Boussaguet& Sophie Jacquot & Pauline Ravinet. 2éme édition, les presses des sciences politiques,2006. Pp78-79.
8. لمزيد الإطلاع العودة الى: تصريحات السيد رئيس الحكومة في الجلسة الشهرية المتعلقة بالسياسة العامة حول العدالة المجالية والتنمية بمجلس النواب، جلسة رقم 2، يومه الثلاثاء 20 يونيو 2017.
9. يرتكز مفهوم التنمية البشرية بصورة أساسية على تنمية القدرات البشرية للأفراد وعلى توسيع إمكانيات الاختيار لديهم، قصد التحسين المتتالي لشروط عيشهم ورفاهيتهم دون مس بحظوظ الأجيال القادمة، وذلك من خلال المحافظة على الإستدامة الزمنية (التأزر) داخل وما بين الأجيال، وكذا المحافظة على البيئة والتوازن الطبيعي للمجالات والأنظمة الإيكولبوجية. يراجع تقرير التنمية البشرية لسنة 2003.
10.الخزينة العامة للمملكة https://www.tgr.gov.ma/wps/portal
11. المادة الأولى من المرسوم رقم 2.15.997 30 ديسمبر2015 بتحديد معايير توزيع مساهمات الميزانية العامة للدولة بين الجهات.
12. ظهير شريف رقم1.17.13 9 يونيو2017 بتنفيذ قانون المالية رقم 73.16 للسنة المالية2017.
13. المادة119 من قانون الجبايات المحلية.
14. المادة123 من قانون الجبايات المحلية.
15. محمد الصابري: “القرار الجبائي الترابي في ظل الجهوية المتقدمة”. مجلة المنارة للدراسات القانونية والادارية، عدد خاص2017.
16. محمد صدوقي: “التدبير الحر والاستقلالية المالية للجماعات الترابية اية علاقة”. المنبر القانوني العدد11/2016. ص299
23. نصت المادة 81 في القانون التنظيمي رقم 111.14 المتعلق بالجهات على ممارسة الجهة لاختصاصاتها الذاتية في مجال التنمية الجهوية، كما تقوم بإعداد وتتبع وتنفيذ برنامج التنمية الجهوية.
24. عبد لحق بلفقيه: “قراءة دستورية في القانون التنظيمي للجهات”. مجلة مسالك للفكر والقانون والاقتصاد، العدد34/33، مطبعة النجاح الجديدة، 2015. ص78.
[19]. Pauvreté et prospérité partagée au Maroc de troisième millénaire, 2001 – 2014. Rapport de Haut Commissariat de Plan et la Bank Mondiale,2017. Pp20- 21.
17. رأي المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي حول: “التنمية القروية، التحديات والأفاق”، إحالة ذاتية رقم 01/2017. 22 مارس 2017. ص7.
19. تقرير “الثروة الإجمالية للمغرب ما بين 1999 و 2013″، تقرير الدراسة حول الرأسمال غير المادي: عامل لخلق الثروة الوطنية وتوزيعها المنصف، التقرير منجز بشراكة بين المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي وبنك المغرب. دجنبر 2016. ص14.
20. تقوم المبادرة الوطنية للتنمية البشرية والتي تشكل فلسفة واستراتيجية وطنية أعطى انطلاقتها الملك محمد السادس يوم 18 غشت 2005، على أربعة برامج مرجعية، ويمثل برنامج محاربة الفقر في المجال القروي أولوية من أولويات هذه البرامج الأربع، اذ يعطي الأسبقية للعمليات الاجتماعية والاقتصادية التي من شأنها التقليص من نسبة الفقر في هذا الوسط. لمزيد الاطلاع يراجع: د. سعيد جفري وأخرون: “المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، السياق العام، الأسس، الأليات، القدرات والمهارات المطلوبة. مطبعة التيسير، الدار البيضاء، الطبعة الثانية، السنة 2006.
[23]. Annuaire Statistique Du Maroc 2014. Haut Commissariat au Plan.
22. يراجع: معطيات المندوبية السامية للتخطيط، الإحصاء العام للسكان والسكنى، 2014. ويمكن الاطلاع على: رأي المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي حول: “التنمية القروية، التحديات والأفاق”، إحالة ذاتية رقم 01/2017. 22 مارس 2017. ص7.
[25]. تقرير المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي حول متطلبات الجهوية المتقدمة وتحديات إدماج السياسات القطاعية 2016 www.cese.maص63.
26. ترتبط الحكامة المجالية الترابية بالمحدد المجالي، ويفيد أن مجال هذا الصنف من الحكامة هو الجماعات الترابية بما تضمه من جهات وعمالات واقاليم وجماعات. ومنها المحدد المرتبط بالأليات ووسائل ومعايير الحكامة كالمشاركة والشفافية والمسؤولية. والمحدد الغائي من هذه الحكامة بصورة عامة هو الوصول الى التنمية المجالية على المستوى المحلي بمختلف مكوناتها وابعادها. يراجع: سعيد جفري، “ما الحكامة”. الرباط، مطبعة الأمنية، الطبعة الأولى،2014. ص190.
[27]تقرير بنك المغرب والمجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي حول:”الرأسمال غير المادي عامل لخلق الثروة الوطنية وتوزيعها المنصف مابين 1999 و2013″،دجنبر2016. ص85
[28]. تقرير المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي حول متطلبات الجهوية المتقدمة وتحديات إدماج السياسات القطاعية 2016 www.cese.ma ص95
[29].تقرير المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي حول متطلبات الجهوية المتقدمة وتحديات إدماج السياسات القطاعية 2016 www.cese.maص64
30. تقرير بنك المغرب والمجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي حول:”الرأسمال غير المادي عامل لخلق الثروة الوطنية وتوزيعها المنصف ما بين 1999 و2013″. دجنبر2016.ص87.
[31]. التقرير التركيبي للندوة الوطنية حول التدبير الترابي بين المستجدات القانونية ورهان التنمية المنعقد بالكلية المتعددة التخصصات بالرشيدية يومي 28و29 ابريل 2017.