سلطات القاضي المنتدب في استخلاص الديون الضريبية
في إطار صعوبات المقاولة
حفيظة بوطة
طالبة باحثة بسلك الدكتوراه
جامعة محمد الخامس بالرباط
كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية- سلا
مقدمة
يهدف المشرع من خلال نظام صعوبات المقاولة إلى الحفاظ على استمرارية المقاولة، وذلك من خلال مجموعة من التدابير والإجراءات، يترتب عليها وضعية قانونية خاصة تستفيد فيها المقاولة من مجموعة من الضمانات، وقد عرفها الفقه بأنها “الوقائع التي من شأنها أن تخل باستمرارية الاستغلال أو الاستثمار” هذه الوقائع تستلزم تدخل القضاء عبر تفعيل مساطر معالجة صعوبات المقاولة، حيث انتقل المغرب من نظام الإفلاس الذي كان معتمدا في السابق إلى نظام صعوبات المقاولة بإصدار مدونة التجارة، ويهدف هذا النظام إلى حماية النظام العام الاقتصادي والاجتماعي من خلال ضمان استمرارية المقاولة.
ويلعب القاضي المنتدب دورا مهما في تسيير مساطر صعوبات المقاولة و مراقبتها وذلك منذ فتح مسطرة المعالجة إلى نهايتها، ويعين القاضي المنتدب إما من بين أعضاء هيئة الحكم التي تبت في طلب فتح المسطرة أو قاضيا تجاريا آخر شريطة ألا يكون من أقارب رئيس المقاولة أو مسيريها إلى الدرجة الرابعة، وتتجلى مهمته في السهر على السير السريع لمسطرة معالجة صعوبات المقاولة.
فبمجرد فتح المسطرة يعين رئيس المحكمة التجارية من بين قضاة المحكمة القاضي المنتدب طبقا للمادة 637 من مدونة التجارة، حيث نصت على أنه “تعين المحكمة في حكم فتح المسطرة القاضي المنتدب والسنديك…”
ويتمتع القاضي المنتدب بسلطات واسعة، حيث أسند له المشرع صلاحيات تتجاوز دوره التقليدي، بحيث يسهر على السير السريع للمسطرة وعلى حماية المصالح المتواجدة طبقا للمادة 638 من مدونة التجارة، كما يبت بمقتضى أوامر في الطلبات والمنازعات والمطالب الداخلة في اختصاصه وكذلك الشكاوى المقدمة ضد أعمال السنديك طبقا للمادة 639 من المدونة، فهو يطلع إذن بدور إداري ودور قضائي،فالدور الإداري يتجلى في السهر على السير السريع للمساطر أما الدور القضائي فيتجلى في البت في المنازعات المتعلقة بديون المقاولة والفصل في دعوى رفع السقوط.
إلا أن أخطر السلطات التي يملكها القاضي المنتدب هي صلاحية قبول أو رفض الديون المصرح بها، حيث نصت المادة 695 على أنه “يقرر القاضي المنتدب بناء على اقتراحات السنديك قبول الدين أو رفضه أو يعاين إما وجود دعوى جارية أو أن المنازعة لا تدخل في اختصاصه”، فمن خلال هذه المادة أسند المشرع للقاضي المنتدب صلاحية البت في الديون المصرح بها من حيث قبولها أو رفضها، كما أسند له صلاحية البت في النزاعات المرتبطة بهذه الديون والداخلة في اختصاصه.
والديون الضريبية كباقي ديون المقاولة تكون تحث سلطة القاضي المنتدب، على خلاف القاعدة العامة التي تعتبر منازعات الضرائب من اختصاص القاضي الإداري طبقا للمادة 8 من قانون إحداث المحاكم الإدارية.
إذ تخضع الديون الضريبية الناشئة قبل فتح المسطرة للمساطر الجماعية “Procédures collectives” التي تطبق على الديون العادية، وتكون عرضة للسقوط إذا لم تلتزم الإدارة الضريبية بهذه المساطر، وللإشارة فقد نص المشرع على منع أداء الديون الناشئة قبل فتح المسطرة، على اعتبار أن الوفاء بهذه الديون من شأنه إعاقة استمرار نشاط المقاولة، و التقليل من حظوظ تسوية وضعيتها.[1]
وتشمل قاعدة المنعInterdiction des paiements” ” كل الديون الناشئة قبل فتح المسطرة “Créances antérieures”، بما فيها الديون الضريبية، نظرا لعدم إفراد المشرع نصوص خاصة بتحصيل الديون الضريبية في إطار صعوبات المقاولة، هذا المنع يسري على الديون الضريبية و الفوائد كما عمل المشرع على وقف إجراءات التنفيذ على المقاولة وأي إجراء من إجراءات المتابعة.
حيث يخضع تحصيل الديون الضريبية في إطار مساطر صعوبات المقاولة لخصوصيات هذه المساطر، فلا تباشر الخزينة العامة إجراءات التحصيل المخولة لها بمقتضى مدونة تحصيل الديون العمومية، بل تخضع للمقتضيات التي تطبق على الدائنين العاديين، فتلزم بالتصريح بالدين الضريبي في الآجال القانونية تحث طائلة السقوط.
لكن الديون الضريبية ذات طبيعة خاصة تميزها عن باقي ديون المقاولة حيث أن الدين الضريبي يستند إلى القانون، الذي بمقتضاه يكون شخص معين ملزما بأداء مبلغ محدد فيما ما يتعلق بطبيعته و قيمته و تاريخ سداده.[2]
ويتمتع الدين الضريبي بقوة تنفيذية طبقا للمادة 8 من مدونة تحصيل الديون العمومية، حيث نصت على أنه تذيل جداول الضرائب بصيغة التنفيذ من طرف الوزير المكلف بالمالية، كما تمتاز الديون الضريبية بمبدأ الدفع ثم المعارضة بمعنى إن الدين الضريبي واجب السداد بغض النظر عن أي منازعة من طرف المدين سواء في صحته أو مقداره، هذا المبدأ موجود في جل التشريعات الضريبية، و قد نص عليه المشرع المغربي بصريح العبارة في المادة 117 من مدونة تحصيل الديون العمومية، حيث جاء فيه ” بصرف النظر عن أي مطالبة أو دعوى، ينبغي على المدينين أن يؤذوا ما بذمتهم من ضرائب و رسوم و ديون أخرى…”، لدى يجب على المدينين دفع الديون الضريبة قبل المنازعة فيها، سواء أمام الإدارة أو أمام القضاء، بالإضافة إلى امتياز الدين الضريبي، فالدين الضريبي إذن يختلف عن باقي ديون المقاولة، والفصل فيه من طرف القاضي المنتدب كباقي الديون قد يطرح العديد من الإشكاليات.
هذا الموضوع ينطوي على أهمية كبيرة سواء من الناحية النظرية أو من الناحية العملية، وتتجلى أهميته النظرية في الوقوف على سلطات القاضي المنتدب في استخلاص الديون الضريبية في إطار صعوبات المقاولة، أما أهميته العملية فتتجلى في تسليط الضوء على الإشكاليات العملية التي يطرحها هذا الموضوع، كسقوط الدين الضريبي وتنازع الاختصاص بين المحاكم التجارية والمحاكم الإدارية.
فالإشكالية الرئيسية التي يطرحها الموضوع هي انعكاسات المساطر الجماعية على الديون الضريبية، ومدى سلطات القاضي المنتدب في ظل هذه المساطر، وما قد ينتج من تداخل وازدواجية الاختصاص بين المحاكم التجارية والمحاكم الإدارية.
وسوف نناقش هذا الموضوع من خلال محورين:
المبحث الأول: الإشراف على تحقيق الديون الضريبية
المبحث الثاني: دور القاضي المنتدب في رفع السقوط
المبحث الأول: الإشراف على تحقيق الديون الضريبية
بمجرد صدور الحكم بفتح المسطرة تعين المحكمة القاضي المنتدب من بين قضاة المحكمة التجارية، ليتولى الإشراف على مساطر صعوبات المقاولة، حسب المادة 568 من مدونة التجارة، وتقابلها في التشريع الفرنسي المادة 10 من قانون 25/01/85.
ويشرف القاضي المنتدب على تحقيق الديون الضريبية كباقي ديون المقاولة، حيث لا تباشر الخزينة العامة إجراءات التحصيل المخولة لها بمقتضى مدونة تحصيل الديون العمومية، بل تخضع للمقتضيات التي تطبق على الدائنين العاديين، فتلزم بالتصريح بالدين الضريبي في الآجال القانونية، ويبقى قرار قبول هذه الديون أو رفضها من صلاحية القاضي المنتدب.
المطلب الأول:التصريح بالدين الضريبي
يعد التصريح بالدينla déclaration” ” آلية لتصفية خصوم المقاولة، فلا يتصور تحقيق الديون بدونها، كما تعد عنصرا جوهريا في حصر خصوم المقاولة،[3] وقد عرفه بعض الفقه الفرنسي بأنه “الإجراء الذي من خلاله يعلن الدائن عن رغبته في الحصول على ديونه في إطار المسطرة”، ويحمل الطبيعة القانونية لطلب قضائيDemande en justice” ” لأن الهدف منه هو تكريس حق الدائن من طرف السلطة القضائية.[4]
وقد ألزم المشرع المغربي إسوة بنظيره الفرنسي جميع الدائنين الناشئة ديونهم قبل افتتاح المسطرة بالتصريح بديونهم لدى السنديك باستثناء الأجراء، وذلك طبقا للمادة 686 من مدونة التجارة، وتقابلها المادة 24-622.L من مدونة التجارة الفرنسية.
والدين الضريبي كباقي ديون المقاولة يخضع لإلزامية التصريح، لدى يجب على الخزينة العامة التصريح بالديون الضريبية لدى السنديك كباقي الدائنين، وقد أكد القضاء التجاري إجبارية التصريح بالنسبة للديون الضريبية، وأيدته في ذلك محكمة النقض، حيث جاء في حيثيات إحدى قراراتها، رقم 404، بتاريخ 31/03/2004، ما يلي ” في حالة فتح مسطرة التسوية القضائية ساوى المشرع بين الدائن العادي والدائن الإمتيازي الخزينة العامة، وإن كان الامتياز يخولها حق الأفضلية على غيرها من الدائنين الآخرين خلال مسطرة وفاء الديون في حدود ما هو مقرر لها قانونا، فهو لا تعفيها من التصريح بديونها”.[5]
كما أكدت محكمة النقض الفرنسية إلزامية التصريح بالنسبة للخزينة، فقط جاء في قرار لها بتاريخ 03/05/1994، “…أن الديون يجب أن يصرح بها في أجل شهرين وإلا فإن الخزينة سيطالها السقوط…”.[6]
أما بالنسبة لأجل التصريح فقد حدده المشرع في مدة شهرين ابتداء من نشر حكم فتح المسطرة في الجريدة الرسمية، حسب المادة 687 من مدونة التجارة، فحسب هذه المادة يعتد بتاريخ نشر الحكم في الجريدة الرسمية فقط لبداية سريان الأجل، أما طرق النشر الأخرى التي نصت علها المادة 569 من مدونة التجارة فلا يعتد بها في حساب أجل التصريح بالديون.
وقد ألزم المشرع السنديك – طبقا للمادة 686 من مدونة التجارة- بأن يشعر الدائنين الحاملين لضمانات أو لعقد ائتماني إيجاري تم شهرها بشكل شخصي بفتح المسطرة،[7] ونفس المقتضى جاء في المادة 43-621.L من مدونة التجارة الفرنسية، حيث نصت بدورها على أن الدائنين الحاملين لضمانات تم شهرها، أو عقد إئتمان تم شهره، يتم إعلامهم شخصيا في محل إقامتهم،[8] ونتساءل إن كان هذا النص يسري حتى على الديون الضريبية؟
بالرجوع إلى مدونة التجارة لا نجد أي مقتضى يلزم السنديك بإشعار الخزينة العامة، على عكس المشرع الفرنسي الذي نص صراحة على وجوب إشعار الخزينة العامة ومؤسسة الضمان الاجتماعي في المادة 50 من قانون 25/01/1985، كما أكد الاجتهاد القضائي الفرنسي ضرورة الإشعار.
وما يؤخذ على المشرع المغربي أنه عامل ديون الائتمان الإيجاري والديون المضمونة برهن، معاملة أفضل من ديون الخزينة العامة المتمتعة بالامتياز، علما أن الفصل 1244 من قانون الالتزامات والعقود قد نص على أن “الدين الممتاز مقدم على كافة الديون الأخرى، ولو كانت مضمونة برهون رسمية”،[9] فضلا عن أهميةالدين الضريبي الذي يعتبر المصدر الرئيسي لميزانية الدولة.
أما بالنسبة للقضاء فقد عرف تضاربا حول شمول المادة 686 من مدونة التجارة للديون الضريبية، فقد ذهبت بعض الاجتهادات القضائية إلى ضرورة إشعار الخزينة العامة بفتح المسطرة، وفي هذا الاتجاه، جاء في أمر صادر عن القاضي المنتدب بمحكمة الاستئناف التجارية بالدار البيضاء رقم 11 بتاريخ 06/05/2002، ما يلي “… إن الخزينة العامة تتمتع بضمانات مخولة لها بقوة القانون، كما أن شهرها واقع بمقتضى نشر القانون المذكور بالجريدة الرسمية فهي إذن من الدائنين الحاملين لضمانات وقع شهرها، ومن تم يتعين على سنديك مسطرة التسوية القضائية إشعار القابض الجهوي باعتباره مكلفا بتحصيل الضريبة، للتصريح بديون القباضة على الشخص المفتوح في مواجهته مسطرة التسوية القضائية طبقا للمادة 686 من مدونة التجارة”.[10]
في حين ذهبت اجتهادات قضائية أخرى إلى عدم شمول هذه المادة للدين الضريبي، وفي هذا الصدد نذكر أمر صادر عن القاضي المنتدب بتاريخ 12/02/2013، حيث قضى برفض الدين الضريبي المصرح به خارج الأجل، وقد جاء في حيثيات هذا الأمر “…حيث أن الإلزام الملقى على عاتق السنديك بخصوص مسألة إشعار الدائنين، حصره المشرع في فئة الدائنين الحاملين لضمانات أو عقد ائتمان إيجاري تم شهرهما، وليس الدائنين الإمتيازيين، باعتبار أن الامتياز يخول صاحبه أولوية استيفاء الدين وفق الترتيب القانوني، ولا يعفيه من القيام بالتصريح داخل الأجل المحدد قانونا…”.[11]
ورغبة من المشرع في إنصاف الخزينة العامة، فقد نص في المادة 150 من المدونة العامة للضرائب على انه “استثناء من جميع الأحكام المخالفة، يجب على كل مقاولة تطلب فتح مسطرة التسوية أو التصفية القضائية، أن تقدم إقرار بذلك لدى مصلحة الوعاء الضريبي التابع لها مكان فرض الضريبة، قبل إيداع طلبها لدى كتابة ضبط المحكمة.
ويترتب عن عدم تقديم الإقرار المذكور لدى مصلحة الوعاء الضريبي عدم مواجهة إدارة الضرائب بسقوط الواجبات المرتبطة بالفترة السابقة لفتح مسطرة التسوية أو التصفية القضائية.”[12]
فحسب هذه المادة يجب على كل مقاولة تمر من صعوبات تقديم إقرار لدى إدارة الضرائب بفتح مساطر صعوبات المقاولة، قبل أن تقدم طلب فتح المسطرة للمحكمة التجارية، وفي حالة عدم إعلام إدارة الضرائب لا يمكن مواجهتها بسقوط الدين الضريبي.
لكن ما يؤخذ على المشرع أنه لم يكن دقيقا في هذه المادة، حيث ألزم فقط المقاولة التي تطلب فتح المسطرة بتقديم إقرار بذلك إلى إدارة الضرائب، في حين أن طلب فتح المسطرة يمكن أن يقدم كذلك من طرف النيابة العامة، والدائنين، كما يمكن أن يتم تلقائيا من طرف المحكمة التجارية، مما يجعل القاضي المنتدب لا يأخذ بالمادة 150 في حالة لم يقدم طلب فتح المسطرة من طرف المقاولة.
وهذا ما أكده أمر صادر عن القاضي المنتدب بتاريخ 11/11/2013، حيث جاء فيه “…يتبن أن التصريح قدم خارج الأجل القانوني، ولا مجال لتطبيق المادة 150 من المدونة العامة للضرائب لكون فسخ مخطط الاستمرارية، والحكم بالتصفية القضائية تم من قبل المحكمة، ولم تتقدم المقاولة بأي طلب بهذا الشأن، مما يستدعي عدم قبول التصريح بالدين…”.[13]
لكن ما يعاب على هذا الأمر أنه أغفل تطبيق المادة 100 من مدونة تحصيل الديون العمومية، التي تلزم جميع المصفين القضائيين بعدم تسليم الأموال التي بحوزتهم قبل إثبات أداء الضرائب المترتبة على المدينين، ولو لم يتقدم المحاسب المكلف بالتحصيل بأي طلب[14].
ونرى أنه يجدر بالمشرع النص على إلزامية إشعار الخزينة العامة بفتح المسطرة بغض النظر عن طبيعة الجهة التي تقدم طلب فتح المسطرة، بأن يلزم السنديك بصريح العبارة بإشعار الخزينة العامة بفتح المسطرة لتقديم التصريح بالديون الضريبية تفاديا لسقوط الدين الضريبي.
ويكون السنديك ملزما بإشعار الخزينة العامة، للتصريح بديونها في حالة كانت حاملة لرهن رسمي مقيد بالمحافظة العقارية، حيث أن الخزينة العامة تتمتع برهن رسمي على جميع الأملاك العقارية للمدينين الذين يدينون بمبلغ يساوي أو يفوق عشرين ألف درهم، طبقا للمادة 113 من مدونة تحصيل الديون العمومية.[15]
وبالتالي نستنتج أن إلزامية إشعار الخزينة العامة بفتح المسطرة، تكون في حالة تقديم طلب فتح المسطرة من طرف المقاولة المدينة طبقا للمادة 150 من المدونة العامة للضرائب، وحالة الرهن الرسمي المقيد بالمحافظة العقارية حسب المادة 113 من مدونة تحصيل الديون العمومية، بالإضافة لحالة اختيار مسطرة التصفية القضائية كما نصت على ذلك المادة 100 من مدونة تحصيل الديون العمومية.
أما بالنسبة لشكليات التصريح فلم يحدد المشرع المغربي على غرار نظيره الفرنسي شكليات التصريح، غير أن البيانات التي يجب أن يتضمنها تؤكد بأن التصريح يجب أن يكون كتابيا.
ومن بين البيانات التي يجب أن يشملها التصريح حسب المادة 688 من مدونة التجارة، تحديد مبلغ الدين، وطبيعة الامتياز أو الضمان المقرون به، والعناصر التي من شأنها أن تثبت وجود الدين ومبلغه إذا لم يكن ناجما عن سند، وإن تعذر ذلك تقييما للدين إذا لم يحدد مبلغه بعد، وكل وثائق إثبات الدين.
ونتساءل عن وضعية الديون الضريبية التي تكون موضوع الفحص الجبائي أو مسطرة التصحيح، فالإدارة الضريبية لا يمكنها تحديد قيمة الديون الضريبية قبل نهاية الفحص أو مسطرة التصحيح، في حين تكون مقيدة بأجل شهرين لتقديم التصريح، فطول المدة التي تتطلبها مسطرتي الفحص والتصحيح قد تجعل الإدارة الضريبية لا تقوم بالتصريح داخل الأجل القانوني، كما قد لا يكون بوسعها معرفة إن كانت المراقبة الضريبية سينجم عنها مستحقات ضريبية أم لا.[16]
ونرى أنه يمكن لإدارة الضرائب تقديم مبلغ تقديري في التصريح، في انتظار تحديد الأساس الضريبي في مرحلة التحقيق، لتفادي سقوط الدين الضريبي، وهذا ما أكدته الغرفة التجارية بمحكمة النقض في قرار لها بتاريخ 11/11/2010، حيث اعتبرت أن “…مسطرة التصريح بالدين يكتفي خلالها بتقييمه إن لم يكن مبلغه محددا، أما فيما يخص مرحلة تحقيق الديون فتتطلب الإدلاء بالسند المثبت للدين قانونا الذي هو جداول وقوائم الديون الضريبية…”.[17]
المطلب الثاني: تحقيق الديون الضريبية
بعد التصريح بالديون يقوم السنديك بتحقيق هذه الديون “la vérification”تحت إشراف القاضي المنتدب حسب المادة 640 من مدونة التجارة، ويقدم اقتراحاته للقاضي المنتدب، الذي يبقى له الكلمة الأخيرة في قبول أو رفض هذه الديون.
فقد نصت المادة 695 من مدونة التجارة على أنه ” يقرر القاضي المنتدب بناء على اقتراحات السنديك قبول الدين أو رفضه أو يعاين دعوى جارية أو أن المنازعة لا تدخل في اختصاصاته”، فحسب هذه المادة منح المشرع للقاضي المنتدب سلطات واسعة في تحقيق الديون، حيث يمكنه اتخاذ أربع أنواع من المقررات، إما قبول الدين، أو رفضه، أو معاينة دعوى جارية، أو عدم الاختصاص.[18]
وبناء على ما سبق فالديون الضريبية المصرح بها من طرف الخزينة العامة تخضع لتحقيق أولي من طرف السنديك، ويقدم اقتراحاته بشأنها للقاضي المنتدب الذي يبقى له الصلاحية في قبولها أو رفضها.
فبالنسبة لقرار قبول الدين الضريبي، فالقاضي المنتدب لا يمكنه إلا القبول النهائي للدين الضريبي، ولا يمكنه قبوله على سبيل التسبيق.[19]
على عكس المشرع الفرنسي الذي استثنى الخزينة العامة ومؤسسات الضمان الاجتماعي من منع القبول المؤقت للديون، إذ يمكن قبول الدين الضريبي مؤقتا “Admission à titre provisionnel” إذا لم يكن تابتا بسند تنفيذي عند التصريح، ليتم فيما بعد تحديده و ذلك أثناء فترة تحقيق الديون، وهذا ما أكدته محكمة النقض الفرنسية فقد جاء في قرار لها بتاريخ 15/03/2005، أن “…عدم التصريح بالدين بشكل نهائي داخل الأجل القانوني يؤدي إلى إبعاد الدين، لكن الخزينة العامة يمكن لها طلب تمديد المدة على شرط صياغة الطلب في هذه المدة…”.[20]
ويبت القاضي المنتدب في الديون الغير المنازع فيها دون أن يكون ملزما باستدعاء الأطراف، أما الديون التي تكون محل نزاع فيجب عليه استدعاء الأطراف لإجراء مناقشة تواجهيه بينهم طبقا للمادة 696 من مدونة التجارة.
وفي إطار صلاحيات القاضي المنتدب في تحقيق الديون الضريبة، يمكنه قبول أو رفض هذه الديون،[21] لكن لا يمكنه تعديل مبلغ الدين الضريبي لأنه من اختصاص المحكمة الإدارية، وفي هذا الإطار قضت محكمة النقض في قرار لها بتاريخ 07 أكتوبر 2009 بنقض قرار لمحكمة الاستئناف لأنه قضى بتعديل الدين الضريبي، وقد جاء في حيثيات هذا القرار أنه “…لا يسوغ للقاضي المنتدب عند تحقيق دين ضريبي تعديل مبلغ الدين بتخفيضه تبعا لمنازعة المدين به، بل يتوجب قبول الدين المصرح به من طرف الإدارة ما لم يدل المدين بما يفيد منازعته أمام جهة الطعن المختصة قانونا، فيصرح القاضي المنتدب بعدم الاختصاص…”،[22]فطبقا لهذا القرار يجب على القاضي المنتدب أن يثير عدم اختصاصه إذا تعلق الأمر بالمنازعة في الدين الضريبي لأنه يدرج في اختصاص القاضي الإداري كالمنازعة في صحة الدين أو سقوطه بالتقادم.
وتتمتع الديون الضريبية بقوة تنفيذية إذ بمجرد تدييل الجداول الضريبية بصيغة التنفيذ من طرف وزير المالية تصبح سندات تنفيذية لا يمكن استبعادها إلا بعد إلغاءها أو إيقاف تنفيذها قضاء، ومن تم الديون الضريبية الواردة بها تعتبر في الأصل ديون مستحقة وقائمة طالما لم يتقرر إلغاؤها إداريا وقضائيا، ومن تم يتعين على القاضي المنتدب تحقيقها وقبولها باعتبارها مؤسسة على سندات تنفيذية.
أما إذا كانت هذه الديون محل نزاع فيجب التصريح بعدم الاختصاص، وقد حدد المشرع أجل شهرين لرفع الدعوى أمام المحكمة المختصة طبقا للفقرة الأخيرة من المادة 697 من مدونة التجارة، حيث جاء فيها “حينما يكون الموضوع من اختصاص محكمة أخرى، يؤدي تبليغ المقرر القاضي بعدم الاختصاص الصادر عن القاضي المنتدب إلى سريان أجل مدته شهران يجب خلالهما على المدعي أن يرفع الدعوى إلى المحكمة المختصة تحت طائلة السقوط”.
لكن الإشكالية التي تطرح في هذه الحالة هي من المخاطب باللجوء إلى المحكمة المختصة في أجل الشهرين لأجل المنازعة في الدين الضريبي هل الملزم أم الخزينة العامة التي تتوفر على سند تنفيذي؟
لا يتصور أن يلجأ القابض الذي يتوفر على سند تنفيذي إلى المحكمة للمنازعة في الدين الضريبي كما أن الإدارة الجبائية تتخذ دائما مركز المدعى عليه، لذا فالمقاولة هي المخاطبة باللجوء إلى القضاء، وهنا قد يؤدي تماطل المقاولة المدينة في رفع الدعوى في أجل شهرين إلى سقوط الدين الضريبي.[23]
وفي نازلة عرضت على المحكمة الإدارية بالدار البيضاء من هذا القبيل تقدم فيها الملزم بدعوى التمس من خلالها الحكم بسقوط حق الخزينة العامة في استفاء الضرائب المستحقة عن الفترة السابقة على حكم فتح مسطرة التسوية القضائية المصرح بها، على اعتبار أن القابض لم يتقدم بدعوى أمام المحكمة الإدارية داخل أجل شهرين المواليين للتبليغ بمقرر القاضي المنتدب القاضي بعدم الاختصاص للبت في المنازعة المتعلقة بالدين الضريبي، وقد قضت المحكمة الإدارية برفض الطلب معللة حكمها بالقول” حيث أسس الطاعن طعنه على كون حق الخزينة قد سقط في تحصيل الديون الضريبية موضوع الطلب…وحيث أنه بالرجوع إلى نازلة الحال، فإن دين الخزينة العامة ثابت ومحقق لكونه مبني على سند تنفيذي الذي يعتبر في حد ذاته عملا قانونيا، لذا فإن مقتضيات المادة 697 من مدونة التجارة لا تسعفه لأن المخاطب باللجوء إلى الجهة المختصة من أجل المنازعة في الدين الضريبي هو الملزم وليس الخزينة المتوفرة على سند تنفيذي”.[24]
وما يلاحظ عموما بالنسبة لتحقيق الدين الضريبي أن طبيعة الأجهزة التي تعمل على التحقيق لا تتناسب مع خصوصيات هذا الدين، فالتحقيق الأولي يكون من طرف السنديك الذي يعين من بين كتاب الضبط أو من خارج المحكمة، فلا يكون له إلمام بالمنازعات الضريبية، كما أن جلسات تحقيق الديون تكون بحضور المقاول، ومراقبي الدين الذين يكون لهم رأي استشاري فقط في غياب الدائنين، مما يحرم الخزينة العامة من حضور جلسات تحقيق الديون الضريبية، ونفس الشيء يقال بالنسبة للقاضي المنتدب فهو قاضي تجاري وليس له إلمام بخصوصيات الديون الضريبية.
ولا ينحصر دور القاضي المنتدب في الإشراف على تحقيق الديون الضريبية وصلاحية قبول أو رفض هذه الديون بل يبت كذلك في دعوى رفع السقوط.
المبحث الثاني: دور القاضي المنتدب في رفع السقوط
بالإضافة إلى سلطات القاضي المنتدب في تحقيق الدين الضريبي فإنه يختص في البت في دعوى رفع السقوط في حالة سقوط الدين الضريبي بسبب عدم التصريح به في الأجل القانوني.
المطلب الأول:سقوط الدين الضريبيLa forclusion
يقصد بسقوط الدين في إطار مساطر صعوبات المقاولة حرمان الدائن الذي لم يصرح بديونه داخل الأجل القانوني المحدد من المشاركة في التوزيعات وفي المبالغ التي لم توزع بعد، فضلا عن انقضاء الديون الغير المصرح بها، والتي لم تكن موضوع دعوى رفع السقوط،[25] ويعد هذا الأجل أجل سقوط بحيث لا يعرف التوقف أو القطع على خلافا أجل التقادم.
ويطبق السقوط من حيث المبدأ على جميع الدائنين الملزمين بالتصريح بديونهم إلى السنديك، تطبيقا للمادة 690 من مدونة التجارة،[26] حيث نصت على أنه “حينما لا يتم القيام بالتصريح داخل الآجال المحددة في المادة 687، لا يقبل الدائنون في التوزيعات والمبالغ التي لم توزع” وتضيف الفقرة الأخيرة من نفس المادة أنه “تنقضي الديون التي لم يصرح بها ولم تكن موضوع دعوى رامية إلى رفع السقوط”.
في حين تطرق المشرع الفرنسي لسقوط الديون في المادة 26-622.L، التي نصت على أن جزاء عدم التصريح في أجل شهرين أن لا يقبل الدائنين في التوزيعات والأرباح إلا إذا رفع عنهم القاضي التجاري السقوط.[27]
غير أن السقوط لا يسري في حق الدائنين الحاملين لضمانات تم شهرها أو عقد إئتمان إيجاري تم شهره إذا لم يتم إعلامهم بشكل شخصي بفتح المسطرة، طبقا للمادة 46-621.L من مدونة التجارة الفرنسية.[28] والفقرة الثانية من المادة 690 من مدونة التجارة المغربية.
والخزينة العامة كباقي الدائنين يطبق عليها جزاء السقوط، فعدم تصريح المحاسب المكلف بالتحصيل بالدين الضريبي داخل أجل شهرين من تاريخ نشر حكم فتح المسطرة، يؤدي إلى سقوط الدين، كما لا يمكن للمحاسب المكلف بالتحصيل أن يرجع على الكفيل، لأن سقوط الدين الأصلي يترتب عليه انتهاء الكفالة، تطبيقا للمادة 1150 من قانون الالتزامات والعقود، وهذا ما نجده كذلك في التشريع الفرنسي، وأكده الاجتهاد القضائي الفرنسي، حيث اعتبرت محكمة النقض في قرار لها بتاريخ 1990 أنه يمكن للكفيل إثارة الدفع بانقضاء الدين بسبب عدم التصريح في مواجهة الدائن.[29]
غير أنه لا يمكن مواجهة الخزينة العامة بسقوط الدين الضريبي، إذا لم تقم المقاولة المدينة بتقديم إقرار بطلب فتح المسطرة إلى إدارة الضرائب، قبل إيداع طلبها الرامي إلى فتح المسطرة أمام المحكمة التجارية، حسب الفقرة الأخيرة من المادة 150 من المدونة العامة للضرائب حيث جاء فيها “ويترتب عن عدم تقديم الإقرار المذكور لدى مصلحة الوعاء الضريبي عدم مواجهة إدارة الضرائب بسقوط الواجبات المرتبطة بالفترة السابقة لفتح مسطرة التسوية أو التصفية القضائية”.[30]
وما يلاحظ على السقوط أنه جزاء صارم، فإن كان يجد تفسيره في رغبة المشرع في انقاد المقاولة التي تتعرض لصعوبات من الإفلاس، إذ يمكن المقاولة من التخلص من ثقل ديونها، فإنه سيؤدي إلى إجحاف في حق الدائنين، وخاصة الخزينة العامة إذ ستفقد الحق في استخلاص الديون الضريبية، كما يؤخذ على المشرع عدم وضع إطار قانوني للمادة الضريبية خاص بالمقاولات التي تجتاز صعوبات.[31]
المطلب الثاني: دعوى رفع السقوط
يبت القاضي المنتدب في رفع السقوط عن الدين الضريبي كباقي الديون الغير مصرح بها، طبقا للمادة 690 من مدونة التجارة حيث جاء فيها “حينما لا يتم القيام بالتصريح داخل الآجال المحددة في المادة 687، لا يقبل الدائنون في التوزيعات والمبالغ التي لم توزع إلا إذا رفع القاضي المنتدب عنهم هذا السقوط…”.
وقد وضع المشرع بمقتضى هذه المادة مسطرة خاصة لرفع السقوط “Relevé de forclusion” بالنسبة للدائنين الذين لم يصرحوا بديونهم داخل الأجل القانوني، شريطة أن يتم رفع دعوى رفع السقوط في أجل سنة، ابتداء من تاريخ صدور مقرر فتح المسطرة، وأن يثبتوا أن سبب عدم التصريح لا يعود إليهم، حسب المادة 690 من مدونة التجارة.[32]
أما المشرع الفرنسي فقد تطرق لرفع السقوط في المادة 26-622.L من مدونة التجارة، وقد حدد أجل رفع دعوى رفع السقوط من حيث المبدأ في ستة أشهر، تبتدئ من تاريخ نشر حكم فتح المسطرة، وقد حدد حالتين فقد لرفع السقوط، ويتجلى السبب الأول في الحالة التقليدية وهي أن يكون سبب عدم التصريح لا يعود للدائن.
وقد كان القضاء صارما في تفسير هذا الشرط، حيت ألزم المدينين بإثبات بأن يكون سبب عدم التصريح لا يعود إليهم، وقد ذهبت محكمة تولوز في حكم لها بتاريخ 19/11/1990، إلى أنه “…لا بد من إثبات أن سبب عدم التصريح يعود لسبب أجنبي محض، راجع للقوة القاهرة كتغير الحالة العقلية، إذ يفترض في المؤسسات الدراية بالأحداث ولا يمكن لها إدعاء الجهل بنشرات جرائد الإعلانات القانونية…”.
أما الحالة الثانية التي أضيفت من خلال قانون 26/07/2005، وهي إذا كان العجز عن التصريح يرجع لتقصير متعمد من طرف المدين في إعداد قائمة الدائنين، لكن هذا السبب عرف مواجهة من طرف فقه محكمة النقض، حيث لم يعترف بالإغفال في التسجيل في القائمة كسبب لرفع السقوط، وأعتبره صعب التطبيق من حيث الكيفية التي يحدد الدائن من خلالها أن الإغفال كان طواعية.[33]
كما أن الاجتهاد القضائي المغربي كان هو الآخر صارما في تفسير شرط أن يكون سبب عدم التصريح لا يعود للدائن، باقتصاره على القوة القاهرة كسبب يبرر عدم التصريح بالديون.
وتبقى الحالة الأكثر وضوحا هي حالة الدائنين الدين يحملون ضمانات أو عقد إئتمان إيجاري إذا لم يتم إشعارهم شخصيا بفتح المسطرة تطبيقا المادة 690 التي جاء فيها “…لا يواجه بالسقوط الدائنون الذين لم يشعروا شخصيا خرقا لمقتضيات المادة 686…”، ويمكن القول أن هؤلاء الدائنين فقط هم الأكثر استفادة من دعوى رفع السقوط.[34]
وكما رأينا سابقا فهناك تضاربا في موقف القضاء حول شمول المادة 686 من مدونة التجارة للديون الضريبية، و بالتالي يبقى الجدل حول مدى إمكانية تمسك الخزينة العامة بعدم الإشعار كسبب لطلب رفع السقوط.
وبالرجوع لمدونة تحصيل الديون العمومية، نجد المادة 113 تنص على أن الخزينة العامة تتمتع برهن رسمي على جميع الأملاك العقارية للمدينين الدين يساوي دينهم أو يفوق عشرين ألف درهم، ويترتب هذا الرهن ابتداء من تاريخ تقييده بمحافظة الأملاك العقارية، ففي هذه الحالة يمكن للخزينة العامة التمسك بعدم الإشعار بفتح المسطرة لطلب رفع السقوط، إذا لم يشعرها السنديك بفتح المسطرة باعتبارها من حاملي الضمانات.
كما يمكن للخزينة العامة التمسك بعدم تقديم إقرار من طرف المقاولة المدينة بفتح المسطرة في الحالة التي تكون فيها المقاولة هي المتقدمة بطلب فتح المسطرة، كسبب لرفع السقوط تطبيقا للمادة 150 من المدونة العامة للضرائب.[35]
وأمام صرامة شروط دعوى رفع السقوط، نتساءل عن مدى فعاليتها بالنسبة للدين الضريبي؟
لقد أثبت الواقع العملي أن القضاء غالبا لا يقبل دعوى رفع السقوط التي ترفعها الإدارة الجبائية، وذلك نتيجة جملة من العوامل نجملها فيما يلي:
ـ عدم ممارسة الإدارة الضريبية لدعوى رفع السقوط داخل أجل سنة، وذلك نتيجة عدم علمها بفتح مساطر صعوبات المقاولة عندما تكون بصدد مباشرة مسطرة الفحص أو مسطرة التصحيح نظرا لطول مدة هذه المساطر، مما يضيع على الإدارة إمكانية رفع السقوط عن الديون الضريبية.
ـ رفض القاضي المنتدب لدعوى رفع السقوط عن الديون الضريبية، لعدم اقتناعه بالأسباب التي تدفع بها الإدارة الضريبية، وذلك لعدم إلمامه بالطبيعة الخاصة لمساطر المنازعات الضريبة، كالفحص أو التصحيح الضريبي.[36]
ومن هنا نلاحظ أن دعوى رفع السقوط لا تنصف الخزينة العامة لصرامة شروطها، و حتى لو تم رفع السقوط عن الدين الضريبي، فإنه لا يكون في نفس وضعية الديون المصرح بها في الأجل القانوني، إذ أن الخزينة العامة لا يمكنها المشاركة إلا في التوزيعات اللاحقة لتاريخ طلب رفع السقوط، طبقا للمادة 690 من مدونة التجارة.[37]
ونفس الشيء نجده في فرنسا، حيث أن الدائنين المستفيدين من رفع السقوط لا يمكنهم المشاركة إلا في التوزيعات اللاحقة لطلبهم، حسب المادة 26-622.L من مدونة التجارة الفرنسية، فحظوظ الدائنين من الاستفادة من رفع السقوط تبقى منخفضة، وحتى في حالة رفع السقوط عنهم فإن الاستفادة تبقى محدودة في التوزيعات اللاحقة.[38]
ويرى الفقيه “Filigra Michel Sawdogo” أن السقوط عقوبة خطيرة تؤثر على جميع الدائنين الدين لا يستطيعون التصريح بديونهم، كما اعتبر أن طلب رفع السقوط يتطلب شروط صارمة من حيث المدة والإثبات، مع وجود قيود على حقوق الدائنين المستفيدين.[39]
خاتمة
لقد أسند المشرع للقاضي المنتدب سلطات واسعة في إطار مساطر صعوبات المقاولة حيث يشرف على المساطر الجماعية منذ بدايتها، كما يبت في المنازعات التي تثور بمناسبة فتح هذه المساطر، ويخضع الدين الضريبي كباقي ديون المقاولة لسلطات القاضي المنتدب، إذ تلزم الخزينة العامة بالتصريح بالديون الضريبية في الآجال القانونية، ليتولى السنديك تحث إشراف القاضي المنتدب تحقيق هذه الديون، ويقدم اقتراحاته للقاضي المنتدب الذي يبقى له صلاحية قبول هذه الديون أو رفضها.
وفي حالة عدم تقيد الخزينة العامة بمقتضيات المساطر الجماعية يتعرض الدين الضريبي للسقوط، ويبقى الطريق الوحيد لرفع السقوط عن الدين الضريبي هو دعوى رفع السقوط التي يتطلب الاجتهاد القضائي شروط صارمة لقبولها.
أما بالنسبة للمنازعات التي تثور حول الدين الضريبي فلا يجوز للقاضي المنتدب الفصل فيها لأن المنازعات الضريبية تندرج ضمن اختصاص المحكمة الإدارية، فدوره ينحصر في قبول أو رفض الديون المصرح بها، أما الديون الضريبية التي تكون محل منازعة من طرف المقاولة فيجب عليه التصريح بعدم الاختصاص، وقد وضع المشرع أجل شهرين لرفع الدعوى أمام الجهة المختصة تحت طائلة سقوط الدين الضريبي.
وعلى العموم فالمساطر الجماعية في إطار صعوبات المقاولة لا تنصف الخزينة العامة، لذا، نرى أن المشرع مطالب بأن يراعي خصوصيات الدين الضريبي، من خلال وضع إطار قانوني خاص بتحصيل الديون الضريبية في إطار مساطر صعوبات المقاولة، واختيار أجهزة لها إلمام بطبيعة المساطر الضريبية، أو على الأقل تحديد معايير لتعيين الأجهزة الفاعلة في مساطر صعوبات المقاولة سواء السنديك أو القاضي المنتدب.
[1]– عبد الحق بوكبيش “إستمرارية نشاط المقاولة الخاضعة للتسوية القضائية”، مكتبة دار السلام، الطبعة الأولى 2007، ص:41.
[2]– عادل فليح العلي “الطبيعة القانونية لدين الضريبة” مقال منشور بمجلة الحقوق، العدد الرابع 2009، ص:325.
[3]– حياة حجي، “إمتياز الخزينة العمومية في مواجهة مساطر صعوبات المقاولة” منشورات المجلة المغربية لقانون الأعمال، عدد 14-15، ماي- شتنبر 2008،، ص: 133.
[4]– Corinne saint-alary-houin, “droit des entreprises en difficulté”.byEditionMontchrestin.5ème édition.2006. op-cit, p :398.
[5]– محمد سوجود “تحصيل الديون الضريبية عبر مساطر المعالجة وإشكالاته العملية و القانونية” رسالة لنيل الماستر، السنة الجامعية 2010-2011، ص:77-78.
[6]– Corinne saint-alary-houin, op-cit, p :409.
[7]– امحمد لفروجي “وضعية الدائنين في مساطر صعوبات المقاولة” ص:104.
[8]– Jean-Poul Branlard.”l’essentiel du droit de l’entreprise en diffiulté” Gualino éditeur.EJA:paris. 2002. P:66.
[9]– حسن أيت موح “التصريح بالديون الضريبية و تحقيقها في إطار نظام صعوبات المقاولة” منشورات المجلة القانونية للمحكمة الابتدائية بمكناس، العدد المزدوج الثاني والثالث السنة 2009، ص:52.
[10]– محمد سوجود، مرجع سابق، ص:78.
[11]– أمر صادر عن القاضي المنتدب بالمحكمة التجارية بالرباط، عدد 43، بتاريخ 12/02/2013، غير منشور.
[12]– المدونة العامة للضرائب، وفق تعديلات قانون المالية لسنة 2014، إعداد و تقديم: امحمد لفروجي.
[13]– أمر صادر عن القاضي المنتدب بالمحكمة التجارية بالرباط، عدد 342، بتاريخ 11/11/2013، غير منشور.
[14]– حسن أيت موح، مرجع سابق، ص: 52-53.
[15]– زكية عومري، “آثار فتح مسطرة التسوية القضائية على الدائنين الناشئة ديونهم قبل فتح المسطرة” مقال منشور بمجلة القصر العدد11 – ماي 2005، ص: 22.
[16]– حياة حجي، مرجع سابق، ص: 133.
[17]– قرار الغرفة التجارية بمحكمة النقض عدد 1683، المؤرخ في 11/11/2011، غير منشور.
[18]– المهدي شبو “مؤسسة القاضي المنتدب في مساطر صعوبات المقاولة” المطبعة و الوراقة الوطنية، الطبعة الأولى 2006، ص:503.
[19]– عبد الرحيم السليماني “التصريح بالديون و تحقيقها في إطار قانون صعوبات المقاولة: الإجراءات والآثار” منشورات المجلة المغربية لقانون الأعمال و المقاولات، العدد5.2005، ص:42.
[20]– Corine saint-alary-houin,op-cit, p:409.
[21]– المهدي شبو، مرجع سابق، ص: 506.
[22]– قرار عدد 1424، صادر بتاريخ 7 أكتوبر 2009، غير منشور.
[23]– محمد القصري، “نماذج من الإشكاليات التي يثيرها تطبيق القانون المتعلق بتحصيل الدين العمومي أمام القضاء الإستعجالي” منشورات دفاتر المجلس الأعلى، عدد 16-2011، ص:240.
[24]– حكم إدارية الدار البيضاء عدد 07/1893 بتاريخ 16/06/08. منشور بدفاتر المجلس الأعلى عدد 16.
[25]– طارق البختي ” التصريح بالديون في إطار قانون صعوبات المقاولة” رسالة لنيل دبلوم الماستر في قانون الأعمال و المقاولات، السنة الجامعية 2007-2008، ص:74.
[26]– امحمد لفروجي ” وضعية الدائنين في مساطر صعوبات المقاولة” مرجع سابق، ص:106-107.
[27]– Corinne saint-alary-houin, op-cit, p:422.
[28]– Jean-Paul Branlard. “l’essentiel du droit de l’entreprise en difficulté” Gualino éditeur.EJA:paris. 2002.p:68.
[29]– طارق البختي، مرجع سابق، ص:81.
[30]-حسن أيت موح “التصريح بالديون الضريبية و تحقيقها في إطار نظام صعوبات المقاولة” مقال منشور بالمجلة القانونية للمحكمة الإبتدائية بمكناس، العدد المزدوج الثاني و الثالث السنة 2009، ص:59.
[31]– Bakr anas bennani “les procedures de traitement de l’entreprise en difficulté en droit marocain”. Dépot legal. 2008. P.351.
[32]– عبد الرحيم السلماني، “التصريح بالديون وتحقيقها في إطار قانون صعوبات المقاولة: الإجراءات والآثار” منشورات المجلة المغربية لقانون الأعمال و المقاولات، العدد5.2005، ص: 34-35.
[33]– Corinne saint-alary-houin, op-cit, p :426-427.
[34]– Bakr anas bennani, op-cit, p :366.
[35]– حسن أيت موح، مرجع سابق، ص: 62.
[36]– حياة حجي، مرجع سابق، ص:134.
[37]– حسن أيت موح، مرجع سابق، ص: 61.
[38]– Corinne saint-alary-houin, op-cit, p:428.
[39]– Filiga Michel Sawadogo “droit des enterprises en difficulté” Realisation JURISCOPE, édition 2002, P:212-213.