Site icon مجلة المنارة

سبل ترشيد ميزانية الجماعات الترابية في ظل أزمة جائحة كورونا

سبل ترشيد ميزانية الجماعات الترابية في ظل أزمة جائحة كورونا

سهام اليزامي

باحثة بسلك الدكتوراه بجامعة الحسن الأول بسطات

كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بسطات

مقدمة:

لقد أصبحت اللامركزية تشكل آلية فعالة لإقامة الديمقراطية، وأسلوب فعال لمتطلبات التنمية المحلية، وعليه فإن اللامركزية الإدارية تستلزم توافر الشروط والأركان المعنوية والمادية لذلك، وفي هذا المنحى يأتي العنصر المالي في مقدمة هذه الأركان والشروط باعتباره الوسيلة الموضوعية لتنفيذ السياسات العمومية المعتمدة محليا، ومن هنا تبرز لنا المالية المحلية كأداة تمويلية وأساسية لنفقات الجماعات المحلية، كما تظهر الجبايات المحلية كمورد أساسي لها، فهذه الأخيرة تعتبر من الآليات التي يعتمد عليها في تطوير مالية الجماعات المحلية، ومنه تظهر لنا أهمية المداخيل الجبائية كمورد لخلق الثروة التي تعد عاملا مساعدا لحسن التدبير المحلي من أجل تنمية بشرية مستدامة.

فلا مجال للحديث عن إدارة محلية وتمييزها عن الإدارة المركزية دون توفر مقومات الاستقلال المالي، ذلك أنه بمجرد اعتراف القانون بالشخصية المعنوية للوحدات الترابية اللامركزية، يصبح من المنطقي توفر هذه الأخيرة على ذمة مالية مستقلة وميزانية خاصة بها وبالتالي حرية التصرف في مجال التسيير المالي في شقيه المتعلق بالمداخيل والنفقات، باعتبارهما يجسدان أهم العمليات التي تكون المالية موضوعا لها[1].

فإذا كان النظام المالي للجماعات الترابية يجسد بشكل مبدئي وجود استقلال مالي متزاوج مع الاستقلالية في التدبير، بحيث يعتبر الاستقلال المالي أهم مبادئ النظام اللامركزي نفسه، وأساس الاستقلال الإداري وكذا التمتع بالشخصية المعنوية، بالإضافة إلى أنه يجسد المستوى المادي لممارسة الجماعات الترابية لاختصاصاتها التنموية، فإنه يرتبط بالضرورة بوجود مالية محلية وميزانية مستقلة ونظام جبائي خاص ولا مركزي يمكن مبدئيا الهيئات اللامركزية من تمويل ممارستها لمهامها واختصاصاتها.

كما يواجه المغرب، على غرار كل دول العالم، تحديات اقتصادية ومالية خطيرة ما بعد انتهاء أزمة كورونا، في ظل التوقعات الأولية الصادرة عن مؤسسات وطنية ودولية، أكدت تسجيل تراجع كبير في معدل النمو، بالإضافة إلى التأثيرات الخارجية على الاقتصاد الوطني، بسبب انكماش الاقتصاد العالمي، وخاصة البلدان التي تربطها بالمغرب علاقات اقتصادية وتجارية، كل ذلك ينضاف إلى التداعيات الاجتماعية للأزمة، التي فرضت على الدولة نهج سياسة التقشف لتقليص الإنفاق العمومي ودعم القدرة الشرائية للمواطنين،، مع اللجوء إلى الاقتراض الخارجي، للحفاظ على توازنات الميزانية العمومية.

وتعتبر مسألة التدبير الترابي للنفقات، أساسا لبلوغ تنمية حقيقية ومتوازنة، بإمكانها الاستجابة لكل متطلبات المواطنين على الصعيد الترابي سواء من خلال الجماعات، أو الجهات، أو العمالات والأقاليم. الأمر الذي يدعونا إلى طرح التساؤل المحوري التالي: ما هو مفهوم الميزانية والحساب الإداري ؟ وما هي المبادئ التي يرتكزان عليها ؟ وإلى أي حد يمكن الحديث عن ترشيد مالية الجماعات الترابية في ظل في ظل جائحة كورونا؟ وكيف تستطير هذه الوحدات الترابية تدبير أمورها في ظل حالة التقشف الاقتصادي التي تعيشها البلاد ؟

للإجابة على التساؤل المحوري المطروح، سنعمل على تقسيم الموضوع إلى ما يلي:

المبحث الأول: مفهوم ومبادئ الميزانية المحلية

المبحث الثاني: جائحة كورونا وسؤال الإعانات أو المساعدات العمومية وسؤال الرقابة المالية المحلية

المبحث الأول: مفهوم ومبادئ الميزانية

الميزانية هي الوثيقة التي يقرر ويؤذن بموجبها في مجموع تحملات  وموارد الجماعات المحلية، كما يمكن تعريف الميزانية على أنها وثيقة تنص على التقديرات السنوية للموارد والتحملات العمومية، وترخص فيها بقصد تمكين الدولة من القيام بوظائفها و تحقيق نشاطاتها في كافة الميادين الاقتصادية والاجتماعية[2]. إن الميزانية تترجم سياسات تضع أولويات وتقدم الوسائل للاستجابة للاحتياجات السوسيو-اقتصادية لكل المواطنين والمواطنات كما أنها تعكس ما تنوي الجماعة القيام به من أنشطة مختلفة للقيام بالتنمية المحلية.

 ويمكن تعريف الميزانية المحلية على أنها عمل مالي تقديري سنوي تعده الجهة التي أوكل لها القانون أمر الإعداد وتصادق عليه سلطة الوصاية بعد اعتماده من طرف المجالس المحلية المنتخبة، وهي تعبر عن الامتيازات  والأولويات المسطرة من قبلها[3].

وتنقسم  الميزانية المحلية إلى جزأين الأول خاص بالتسيير، والآخر خاص بالتجهيز:

بالنسبة لمداخيل الجزء الأول الخاص بالتسيير تضم الضرائب والرسوم، الجبايات المأذون في استخلاصها لصالح الجماعة، موارد الأملاك، المساهمات الأداءات والأجور المأخوذة عن الخدمات المعدة إمدادات الدولة أموال المساعدات و الهبات والوصايا المتحصل من الإقتراضات المأذون فيها  والمداخيل المختلفة  والموارد الأخرى المقررة في القوانين والأنظمة.      

يتم تمويل الجزء المتعلق  بجانب التجهيز من  الفائض التقديري من مداخيل الجزء الأول الفائض من مداخيل الميزانية الملحقة ،الفائض من السنة المنصرمة، الفائض من حسابات المبالغ المرصودة للأمور الخصوصية بعد إتمامها الإمدادات المختلفة  الحصص المخصصة من صندوق تنمية الجماعات المحلية وهيئاتها، أموال المساهمة و محصول الافتراضات.  أما عن نفقات التسيير فتشتمل على مصاريف أجور الموظفين الصيانة والأدوات و اللوازم  و إرجاع  الأقساط السنوية المترتبة عن الاقتراض  في حين تتمثل  نفقات التجهيز الجماعية في الاستثمارات مثل انجاز الأشغال الجديدة والبنايات والطرق والتجهيزات ذات المصلحة المحلية [4].

المطلب الأول : مبادئ الميزانية المحلية

تخضع الميزانية المحلية للمبادئ نفسها التي تحكم الميزانية العامة:

1_ السنوية : المدة الزمنية التي تغطيها الميزانية الجماعية هي سنة واحدة و تبتدئ من فاتح يناير وتنتهي في 31  دجنبر. إن التحديد الدقيق للمدة الزمنية يمكن من تقييم مدى الاستجابة للحاجيات الخاصة للفئات الأكثر تضررا من أجل ذلك في السنة المقبلة، وخلق الاعتماد المناسب لذلك مع اتخاذ تدابير أكثر إنصافا.

2_ الوحدة : توضع الميزانية الجماعية في  وثيقة واحدة شاملة . ينتج عن هذا المبدأ سهولة الاطلاع على وثائق الميزانية و عدم التركيز فقط على التسيير بدل التجهيز .

3_ عدم التخصيص : لا يجوز تخصيص مورد معين لتغطية نفقة معينة،ينتج عن هذا المبدأ تعزيز الشفافية لأنه لا يوجد مجال لحسابات سرية أو فرعية.

4_ التوازن المالي : يقضي بان يتساوى مجموع التحملات الكلية للميزانية مع مجموع المداخيل الكلية المقابلة لتغطية هذه التحملات، وذلك لتفادي العجز و الفائض.

 يعتبر توازن النفقات مع المداخيل من الانشغالات الأساسية لإعداد الميزانية وذلك لمحدودية الموارد مقارنة مع الحاجيات،إن محدودية الموارد تحتم اللجوء إلى إجراءات للتحكم في تدبير الإكراهات من اجل تنفيذ فعال للسياسات.

الفقرة الأولى: الميزانية الملحقة والحسابات الخصوصية

يزيد على مبدأي الوحدة وعدم التخصيص استثناءان هما[5] :

تشمل العمليات المالية لبعض المصالح التي لا تتمتع بالشخصية المعنوية، و التي يهدف نشاطها بصفة أساسية إلى إنتاج مواد أو إلى تقديم خدمات مقابل أداء أجرة. تحضر الميزانيات الملحقة ويصادق عليها و تنفذ وتراقب طبق الشروط المقررة بالنسبة للميزانية.

تتعلق بمجموعة من الموارد التي تختص بانجاز بعض المشاريع من اجل بعض المداخيل التي تدخل ضمن موارد الميزانية (شراكات..)

ا_ حسابات المبالغ المرصودة لأمور خصوصية:

تحدد المبالغ المخصصة للتمويل التقديري لصنف معين من النفقات، كما تبين الأغراض المستعملة فيها هذه المبالغ.

ب_ حسابات النفقات من المبالغ المرصودة :

تبين العمليات التي تمول بموارد معينة سلفا ، و يشترط تحقيق المورد قبل انجاز النفقة .

   الفقرة الثانية : مراحل الميزانية

إن الميزانية المحلية هي وثيقة يتم فيها تقديم جميع الإيرادات و جميع النفقات و يؤذن بتحصيل الموارد الجماعية و صرف نفقاتها ، تمر الميزانية المحلية بمراحل أساسية تشكل دورة الميزانية، يمكن إجمالها في أربع  مراحل تشكل ما يسميه البعض بدورة الميزانية على المستوى المحلي و هذه المراحل هي:

تمثل هذه المرحلة البداية الفعلية لتحضير الميزانية الجماعية من طرف المصالح التقنية والإدارية، حيث تقوم كل مصلحة بحصر حاجياتها في التسيير والتجهيز، وتترجم ذلك في أرقام واعتمادات مالية تدرج ضمن بنود و فقرات و فصول الميزانية حسب كل قطاع ومن أهم هذه المصالح : مصلحة الأشغال البلدية، مصلحة الإنارة العمومية، مصلحة المرآب، مصلحة التجهيزات، مصلحة المشاريع الجديدة، مصلحة الأغراس، مصلحة التصميم، مصلحة حفظ الصحة، المصلحة الاقتصادية، مصلحة الشؤون الاقتصادية والاجتماعية، مصلحة التسيير الإداري …  وإذا كانت هذه المرحلة يتم انجازها تحت إشراف رئيس المجلس الجماعي في كونه الآمر بالصرف المسؤول مباشرة على تسيير المرافق الجماعية٬ وأعضاء المكتب من خلال التنسيق الدائم والتشاور بين الرئيس  وأعضاء المكتب من جهة وبينهما وبين كل مصلحة على حدة، إلا أن الطابع التقني والإداري هو الصفة المميزة لهذه المرحلة، وفي هذا الإطار يجب الرجوع إلى ميزانية السنة المنصرمة قصد مقارنة الاقتراحات في السنة السالفة مع الاقتراحات في السنة الحالية، و يتم تقدير الإيرادات و المداخيل من خلال القيام بعمليات حسابية تتوخى التمكن من التحديد الفعلي لمجمل الموارد المحلية التي يمكن الحصول عليها خلال السنة المالية الحالية .

لهذا الغرض يتم إتباع القاعدة الثلاثية التالية[6] :

 (مدخول سنتين سابقتين) + (مدخول 9 أشهر) في(12 شهرا )

33شهرا

إلا انه من الملاحظ أن تطبيق القاعدة الثلاثية قد لا يعكس الحقيقة المالية للجماعات المحلية وخصوصا عندما يطرأ تغيير على قوانين الجباية المحلية ومقررات الرسوم الجماعية كما أن التأخر في الأداء لبعض الضرائب والرسوم يخل بصحة التقديرات المتبعة من خلال هذه القاعدة. 

بعد استكمال المرحلة الأولى من الإعداد التي تقوم بها المصالح التقنية و الإدارية، يتم تقديم الاقتراحات التي توصلت لها هذه المصالح إلى اللجان الدائمة بالمجلس (اللجنة الاقتصادية،اللجنة الاجتماعية,لجنة التصميم و البناء، و لجنة الأشغال الجديدة..)

 التي تقوم بدارسة اقتراحات المصالح الإدارية و التقنية، و هي تمتلك صلاحية تعديلها أو حذفها. كما يمكنها أن تطلب كل البيانات الضرورية و التوضيحات اللازمة من المصالح المذكورة و التي تفسر سبب الاقتراح و توضيح حيثياته.

وتعد مرحلة دراسة مشروع الميزانية مرحلة مكملة و متممة للمرحلة التي استبقتها، و بعد إنهاء كل لجنة أشغالها تحال الاقتراحات التي تم التوصل بها إلى مصلحة الحسابات بالمجلس, حيث تضمنها في وثيقة واحدة تشكل ميزانية الجماعة طبقا لنموذج كل جماعة، بعد ذلك تطرح هذه الوثيقة على لجنة المالية والميزانية التي يعود لها اختصاص تحضير مشروع الميزانية في صيغته النهائية قبل عرضه في المرحلة التقريرية أمام أنظار المجلس الجماعي .

مرحلة المصادقة هي التي تضفي على مشروع الميزانية الطابع التقريري من الناحية القانونية، على اعتبار أن المراحل السابقة لهذه المرحلة تبقى مجرد اقتراحات قابلة للتعديل و التغيير، كما أن مشروع الميزانية لا يصبح مكتملا إلا بعد دراسته و التصويت عليها  من طرف المجلس الجماعي. وهكذا يعرض مشروع الميزانية على المجلس الجماعي  في دورة أكتوبر من كل سنة ليقوم بدراستها و نقاش و تحليل كل بنودها و أرقامها بحسب كل فصل وكل باب.

يقدم مشروع الميزانية بواسطة عرض يتولى قراءته المقرر العام للميزانية بالمجلس باعتباره الشخص المؤهل لذلك، كما يقوم الرئيس و المقرر العام بالرد على كل الإشكالات التي يطرحها أعضاء المجلس والمتعلقة بتوضيح بعض البيانات الواردة في المشروع .

و بإمكان المجلس بعد ذلك من الناحية المبدئية مناقشة مشروع الميزانية بندا بندا و يقدم بعض الاقتراحات، بعد ذلك يخضع المشروع للتصويت و بعد إنهاء التصويت يكون المشروع أمام أمرين إما أن يكون التصويت بالإيجاب حيث تعرض الميزانية على مصادقة سلطة الوصاية في تاريخ أقصاه 20 نونبر التي إذا ثبت لها أنها مطابقة للقوانين الجاري بها العمل أوجب عليها آنذاك أن تصادق عليها داخل أجل 45 يوما ابتداء من تاريخ توصلها بها.

وتكون الميزانية مطابقة إذا احترمت القوانين والأنظمة الجاري بها العمل ومن أهمها احترام المسطرة المعتمدة في وضع الميزانية وفي التصويت عليها حيث يجب أن يقع التصويت على المداخيل قبل التصويت على النفقات، فإذا ثبت لسلطة الوصاية احترام أوجه الشرعية فإنه يتوجب عليها أن تصادق على الميزانية داخل أجل 45 يوما من تاريخ توصلها بها.

أما إذا لم يتم احترام الشروط الشرعية فإن ذلك يخول الحق لسلطة الوصاية في رفض التصديق على الميزانية، ويتعين عليها في هذه الحالة أن تعلل قرار رفضها وتبين فيه الأسباب التي استندت عليها في اتخاذه. وتعيد الميزانية إلى الآمر بالصرف داخل أجل 15 يوما تحتسب ابتداء من تاريخ توصلها بها حيث عرضها على المجلس من أجل إعادة قراءتها والتصويت عليها داخل 15 يوما أي في تاريخ أقصاه 20 دجنبر، ثم يعرض بعد ذلك على سلطة الوصاية للمصادقة عليها من تاريخ لا يتعدى 15 يناير لتصادق عليها داخل الآجال المحددة وهو 45 يوما.

أما في الحالة التي لا يتم فيها مراعاة الأسباب التي كانت دافعا لرفض المصادقة على الميزانية من طرف سلطة الوصاية وكانت الميزانية غير مطابقة فإن المادة 20 تخول لسلطة الوصاية في هذه الحالة الحق في وضع ميزانية للتسيير على أساس آخر ميزانية مصادق عليها مع الأخذ بعين الإعتبار تطور تحملات وموارد الجماعة المحلية أو المجموعة، ويمكن في هذه الحالة للجماعة المحلية أن تقوم بأداء الأقساط السنوية للإقتراضات.      

إن مصادقة المجلس الجماعي و سلطة الوصاية على وثيقة الميزانية تعتبر إذن  إشارة ضوء اخضر لانطلاق عملية تنفيذها.و هكذا تكون الميزانية المحلية قابلة للتنفيذ بعد المصادقة عليها من قبل السلطات المختصة و إعادتها إلى الجماعة، و لا يجوز تعديل بنود الميزانية خلال السنة إلا وفقا للإجراءات التي تم بها إقرارها مع احترام القائمة النموذجية.

يقوم بتنفيذ الميزانية كل من الآمر بالصرف و المحاسب المكلف بتدبير الميزانية٬ وذلك كل في مجال اختصاصه.

من أجل ذلك يتخذ الآمر بالصرف العمليات التالية[7]:

بناء على الأوامر الصادرة عن الآمر بالصرف، يسهر المحاسب، على إنجاز العمليات التالية :

إن القانون بتحديده للآجال التي يجب احترامها في إعداد والتصويت والمصادقة على الميزانيات المحلية إنما توخى عقلنة استعمال الوقت وتحديد المسؤوليات بوضوح واحترام مبدأ سنوية الميزانية التي يستلزم الشروع في تنفيذ أحكامها ابتداء من فاتح يناير. وتجنب التأخير في تنفيذ الميزانية الذي ينتج عنه عرقلة النشاط المالي والاقتصادي والاجتماعي للجماعة وينعكس سلبا على علاقتها بشركائها والمتعاملين معها وعدم احترام الآجال يؤدي إلى خرق مبدأ الشرعية .

المطلب الثاني: مفهوم ومراحل الحساب الإداري

يعتبر الحساب الإداري وثيقة تحدد حصيلة التدبير المالي الذي يضطلع به الآمر بالصرف خلال السنة المالية كما يشكل أداة أساسية لمراقبة هذا الأخير من طرف المجلس الجماعي، الذي من خلاله يستطيع بلورة رؤية شاملة حول الوضع الصحي لمالية الجماعة ومسارها الاقتصادي. وبالتالي فإن الحساب الإداري هو الوثيقة التي تبين كيف تم فعلا صرف الميزانية، كما يعتبر أهم آلية تسمح للمجلس الجماعي بمراقبة التدبير المالي والمحاسبي للجماعة. ويشكل مقوما مهما للديمقراطية المحلية، على اعتبار أن الحساب الإداري يتعلق بمدى حسن أو سوء تدبير وتنفيذ الميزانية من طرف الآمر بالصرف بخصوص المصاريف والمداخيل التي تحققت فعلا.

    الفقرة الأولى : مفهوم الحساب الإداري

إن المقتضيات القانونية المنظمة لإعداد وتقديم الحساب الإداري تتجلى فيما يلي:

تنظم ثلاث نصوص قانونية أساسية مسألة إعداد وتقديم الحساب الإداري. أولها الميثاق الجماعي في مواده الأربعة التالية:

      الفقرة الثانية:  إعداد ودراسة وثيقة الحساب الإداري

ينص القانون رقم 08-45 المتعلق بتنظيم مالية الجماعات المحلية ومجموعاتها من خلال المادة 53، التي تحدد مسطرة إعداد وعرض الحساب الإداري على أنظار المجلس الجماعي، وتقضي هذه المادة بان يعد الآمر بالصرف عند نهاية كل سنة مالية الحساب الإداري للنفقات و المداخيل ويعرضه للدراسة على اللجنة الدائمة المختصة وهي اللجنة المكلفة بالتخطيط والشؤون الاقتصادية والميزانية والمالية، عشرة أيام على الأقل قبل عرضه على المجلس الجماعي للتصويت عليه خلال الدورة العادية الأولى الموالية لنهاية السنة المالية.

 وتقضي هذه المادة كذلك بتوجيه نسخة من الحساب الإداري إلى سلطة الوصاية.
كما ينص المرسوم رقم 209.441 بتاريخ 3 يناير 2010 بسن نظام للمحاسبة العمومية للجماعات المحلية ومجموعاتها من خلال المادة 127 التي تؤكد اختصاص الآمر بالصرف بوضع الحساب الإداري عند اختتام السنة المالية وفق نموذج موحد يحدده وزير الداخلية. وتحدد هذه المادة مضمون وثيقة الحساب الإداري سواء من حيث المداخيل أو النفقات.

فيما يخص مضمون وثيقة الحساب الإداري فحدد من خلال المادة 127 من المرسوم رقم 209.441 بتاريخ 3 يناير 2010 الأنف الذكر مضمون وثيقة الحساب الإداري.

من حيث المداخيل يتضمن الحساب الإداري المعلومات التالية:
• الأرقام الترتيبية لفصول الحساب والميزانية؛
• بيان أبواب الميزانية أو الحسابات الخصوصية؛
• التقديرات المالية؛
• مبلغ المحصلات حسب السندات ووثائق الإثبات بعد خصم المبالغ الملغاة والمبالغ غير القابلة للتحصيل؛
• مجموع المداخيل.

أما من حيث النفقات فيتضمن المعلومات التالية:
• الأرقام الترتيبية لفصول الحساب والميزانية؛
• بيان أبواب الميزانية أو الحسابات الخصوصية؛
الإعتمادات المفتوحة في الميزانية مع التغييرات المدخلة عليها خلال السنة؛
• النفقات المرصودة؛
•  الأوامر الصادرة بالأداء والمؤشر عليها؛
• الإعتمادات الواجب ترحيلها إلى نفقات التجهيز؛
• الإعتمادات الملغاة.

وبإيجاز يمكن القول أن وثيقة الحساب الإداري تتضمن من جهة التقديرات ومن جهة أخرى المنجزات من المداخيل والنفقات.

 في اطار تعديل 2009  تنص المادة 71 من الميثاق الجماعي :

 على أن المجلس الجماعي يدرس ويصوت بالاقتراع العلني على الحساب الإداري المعروض عليه من طرف الرئيس في حالة التصويت بالرفض على الحساب الإداري، تطبق مقتضيات المادتين 143 و144 من القانون المتعلق بمدونة المحاكم المالية.

تنص المادة 143 ”إذا لم يصادق على الحساب الإداري لجماعة أو هيئة من طرف المجلس التداولي المختص …..عرض وزير الداخلية أو الوالي أو العامل الحساب الإداري غير المصادق عليه على المجلس الجهوي للحسابات.

وبناء على الحساب الإداري المرفوض والمداولات المتعلقة بهذا الرفض، والمستندات المثبتة المقدمة من طرف المحاسب العمومي المعني بالأمر، يصدر المجلس الجهوي رأيه حول شـروط تنفيـذ مـيزانية الجمــاعة، أو الهيئة المعنية داخل أجل أقصاه شهرين يبتدئ من تاريخ عرض الأمر عليه.

 المادة 144 ”بناء على الآراء التي يبديها المجلس الجهوي يقرر وزير الداخلية أو الوالي أو العامل الإجراءات التي يجب اتخاذها، وعند الاقتضاء، يقوم ببرمجة المبلغ الفائض الناتج عن السنة المالية

ويلزم وزير الداخلية أو الوالي أو العامل بتعليل قراره، إذا كان رأيه غير مطابق لرأي المجلس الجهوي.

ملاحظات عامة في ما يخص الحساب الإداري :

 ويمكن طرح

الملاحظة الأولى:

وجوب اعتماد التصويت العلني بشكل صريح، حيث أن الممارسة السابقة أثبتت أنه كثيرا ما يتم اللجوء إلى مسطرة الاقتراع السري (عملا بمقتضيات المادة 46 من القانون) التي تستلزم طلب من ثلث الأعضاء الحاضرين لكي يتحول الاقتراع إلى السرية. وفي هذه الحالة يصعب التعرف على مبررات رفض الحساب الإداري، كما أن اللجوء إلى هذه المسطرة يترتب عنه أيضا اعتبار المقرر مرفوضا في حالة تعادل الأصوات.

الملاحظة الثانية :

التخلي على مبدأ إجراء دراسة جديدة للحساب الإداري كما كانت متضمنة في الصياغة السابقة للمادة 71   فقرة 2.

الملاحظة الثالثة :

 تعديل المادة 71، أدت إلى تصحيح الخطأ الذي كان واردا في المادة نفسها في القانون القديم حيث كانت تنص على أن المجلس الجهوي للحسابات يبث في الحساب الإداري المتنازع فيه غير أن التعديل الجديد، جعل وظيفة المجلس الجهوي للحسابات تنحصر في إبداء الرأي في الموضوع، وعلى وزير الداخلية إما الأخذ بها، أو عدم الأخذ بها، غير أنه في هذه الحالة الأخيرة يلزم وزير الداخلية أو الوالي أو العامل تعليل قراره إذا كان رأيه غير مطابق لرأي المجلس الجهوي.

المبحث الثاني: جائحة كورونا وسؤال الإعانات أو المساعدات العمومية وسؤال الرقابة المالية المحلية

يعتبر مسلسل إصلاح النظام اللامركزي الذي جعل اليوم الجماعات الترابية صاحبة الاختصاص في معظم إن لم نقل في كل ما يتعلق بتدبير الشأن العام،  وهذا ما يستدعي تحيين هذا النص القانوني المنظم لتوزيع منتوج الضريبة على القيمة المضافة حيث يعود إلى سنة 1985، ليواكب الواقع الذي تعيشه الجماعات الترابية اليوم، وان تكون معايير توزيع حصة هذه الضريبة تتوافق ومتطلبات كل جماعة ترابية وذلك ما أجل تحقيق حكامة في التوزيع[8].

 ومن جهة أخرى نجد أغلب  المساعدات المالية التي تعطى من طرف الدولة يصاحبها نوع من الضغط على بعض الجماعات نحو اتجاه معين وهو ما يعتبر تدخل غير مباشر في اختيارات الجماعات الترابية، وهذا ما يستدعي إعطاء حرية للجماعة من أجل التصرف وفق اختياراتها لتحقيق تدبير مستقل. وفي حالة عجزها عن تدبير مشاريعها التنموية بالكيفية المتوخاة، فإنها تلجأ للاقتراض كما سبق أن رأينا، أو تلجأ إلى طلب الإعانات أو ما يسمى بالمساعدات المالية التي تمنح من طرف الدولة للجماعات الترابية، وذلك اعتماد وسائل الرفع من حصة الجماعات من الضريبة على القيمة المضافة، على الأقل بوصول السقف المحدد قانونا في %30، وتخصيص دعم استثنائي للجماعات التي لا تتوفر على إمكانيات مالية ذاتية لمواجهة المتطلبات الأساسية من التجهيزات[9]، ونشير هنا إلى ضرورة دمقرطة هذه الآلية وعدم تركها رهينة بالشروط والترتيبات التي تفرضها وزارة الداخلية وخاصة ما يتعلق بالنسل المخصصة للنفقات المشتركة بين الجماعات.

المطلب الأول: جائحة كورونا وسؤال المساعدات أو إعانات التسيير والتجهيز

وإذا كانت الإمدادات أو الإعانات العمومية مساعدات مالية ستقدمها الدولة لفائدة الجماعات الترابية، بهدف مواجهة هذه الجائحة والخصاص الذي سببه فيروس كورونا المستجد من أجل تحقيق أهداف التنمية المحلية ذلك من خلال تمويل المشاريع والتجهيزات الجماعية، فإن هذا النوع من التدخلات المالية يهدف إما إلى تمويل الجزء الأول من الميزانية التسيير (مساعدات التوازن أو التسيير)، أو إلى تمويل الجزء الثاني من ميزانية التجهيز (مساعدات التجهيز).

الفقرة الأولى: جائحة كورونا وسؤال المساعدات أو إعانات التسيير

تعتبر مساعدات التسيير تقنية مالية لإعانة الجماعات الترابية، هدفها مواجهة هذه الجائحة والنقص الحاصل في الموارد العادية، مما نتج عن هذه الأخيرة ضعف مالي في تدبير الشأن العام الترابي، وبما أن المساعدات التسيير لا تكتفي عادة حتى لتغطية نفقات التسيير العادي، أي أنها تسعى لتغطية العجز التقديري لميزانيات التسيير.

كما تستهدف مساعدات التسيير التوازن على مستوى أوسع، بالتخفيف من التباين المتواجد بين مختلف الجماعات الترابية التي تتحمل نفس النفقات الإجبارية، رغم تفاوت طاقتها الجبائية وبالتالي إمكانيتها المالية، وبهذا الشكل، فإن الطابع التعويضي لمساعدات التسيير يقرب هذه الأخيرة من نظام التوزيع مابين الدولة والجماعات الترابية[10]. والهدف من هذه الإعانات هو تخفيف العبء في بعض من النفقات التسييرية الأخرى التي تحملها الجماعات الترابية من حين لآخر.

الفقرة الثانية: جائحة كورونا ومساعدات أو إعانات التجهيز

تعتبر مساعدات أو إعانات التجهيز أداة مالية تمنحها الدولة للجماعات الترابية قصد تمكينها من مواجهة الأعباء، وتشجيعها على إنجاز التجهيزات ذات الفائدة المشتركة وطنيا وترابيا خاصة في هذه الظرفية الاستثنائية التي سببها فيروس كورونا المستجد، وعلى سبيل المثال الأوضاع التي تعيشها بلادنا تم إنشاء مستشفى ميداني في فضاء المعرض الدولي بالدار البيضاء لاحتضان أكبر مستشفى ميداني مؤقت على المستوى الوطني والإفريقي، وذلك على مساحة تقدر بحوالي 20 ألف متر مربع، حيث سيشرع في استقبال المرضى المحتمل إصابتهم بفيروس كورونا المستجد. وهذا المستشفى الذي تم إحداثه في زمن قياسي لم يتجاوز أسبوعين اثنين، وذلك بتعاون تام بين السلطات، وبناء على دراسة قام بإعدادها أطر المديرية الجهوية لوزارة الصحة، وبتمويل من مجلس جهة الدارالبيضاء-سطات وكل من مجلسي عمالة وجماعة الدار البيضاء، كما عهد بمهام الإشراف المنتدب لشركتي التنمية المحلية، الدار البيضاء للإسكان والدار البيضاء للتظاهرات والتنشيط.

وإذا كانت مساعدات أو إعانات التجهيز تختص لتمويل برامج أشغال التجهيز المقترحة من طرف الجماعات، فإنه يتم توزيعها تبعا لمقاييس تأخذ بعين الاعتبار مجموعة من العوامل، فهي من جهة ذات الطبيعة التقنية التي يدخل من ضمنها القدرة الاستهلاكية للاعتمادات، ومجهود التمويل الترابي، القدرة التقنية لإنجاز المشاريع، استمرارية المشاريع المقدمة. ومن جهة أخرى، هناك عوامل ذات طبيعة عامة، والتي تتلخص في عنصر أساسي يتعلق بالتنمية المنسجمة لمختلف الجماعات والعمالات والأقاليم والجهات بالمملكة حيث يأخذ بعين الاعتبار الجماعات المحرومة[11]، والجماعات النائبة عن المركز، ثم الجماعات الأقل تجهيزا أو تلك التي تتطلب مجهودا خاصا.

المطلب الثاني:الرقابة على ميزانية الجماعات المحلية آلية لترشيدها في ظل أزمة كورونا

تعتبر الرقابة على الميزانية المحلية وسيلة لضبط النشاط المالي للجماعات المحلية خصوصا في ظل هذا الأزمة التي تمر منها البلاد، وذلك من خلال الحرص على عقلنة تدبير الإيرادات وترشيد النفقات.حيث يكمن الهدف من الرقابة في المستوى الأول في التأكد من تحصيل كل أنواع الإيرادات المحلية الجبائية وغير الجبائية المنصوص عليها في الميزانية المحلية مع إزالة كل العراقيل التي تعيق تحصيل هذه الموارد. لكن هدف الرقابة في المستوى الثاني ، يحيل على التأكد من أن الإنفاق المحلي يتم بالشكل الذي ارتضىاه المجلس المحلي لكونه ممثل السكان، باعتبارهم الممول الأصلي لميزانية الجماعات المحلية والمحدد لمختلف أهدافها الاقتصادية ،الاجتماعية والسياسية.

     الفقرة الأولى: الرقابة ذات الطبيعة السياسية والإدارية:

تعد الأجهزة التي تمارس الرقابة على تنفيذ ميزانيات الجماعات المحلية بين هيئات ذات طبيعة سياسية وأخرى ذات طبيعة إدارية. تتمثل الرقابة ذات الطبيعية السياسية الممارسة على المالية المحلية في الأجهزة المنتخبة التابعة للجماعات المحلية، خاصة أن مجالسها التداولية كجهاز سياسي يمارس حق الرقابة على ماليتها من خلال تقنية الحساب الإداري التي تجعلها في عمق الممارسة المالية والمحاسبة المحلية(أولا).أما الطبيعة الإدارية للرقابة الممارسة على المالية المحلية فتمارسها سلطات الوصاية من خلال وزارتي الداخلية والمالية مركزيا أو محليا (ثانيا).

أولا:الرقابة ذات الطبيعة السياسية :

الرقابة آلية بناءة وذات جدوى يجب العمل بها لأنها أصبحت ضرورة مؤكدة للتدبير الجيد وعنصر من العناصر المكونة للحكامة الجيدة.[12]

بحيث تندرج الرقابة التي تجريها المجالس التداولية على تنفيذ ميزانية الجماعات المحلية ضمن الرقابة ذات طبيعة سياسية، إذ يقوم الجهاز التداولي بدوره الرقابي من خلال تقنية الميزانية عن طريق الرقابة السابقة التي تتمثل في اعتمادها ، ورقابة موازية بتتبع تنفيذها عن طريق التصويت على التعديلات الجزئية المدخلة خلال السنة،في حين أن الرقابة التي تجريها عن طريق الحساب الإداري فهي من صنف الرقابة اللاحقة التي تعترف للمجالس التداولية بالحق في مساءلة الأجهزة التنفيذية عن الطريقة التي تم بها الصرف والإنفاق الفعلي للإعتمادات المالية المحلية.

إذا كانت الميزانية المحلية بمثابة وثيقة التقدير والتوقع للمداخيل والترخيص بالنفقات التي تعتزم تحقيقها في السنة، فان الحساب الإداري يعتبر أداة لقياس مدى تحقيق هذه العمليات المالية وتنفيذها والية حصر النسب والأرقام المتعلقة بذلك ، لكونه المرآة التي تعكس مدى نجاعة التدبير المالي للميزانية المحلية. هذا المعطى يجعل منه الأداة التي تخول المجالس المنتخبة من سلطة الرقابة السياسية على تنفيذها ، وبالتالي ضبط الاختلالات التي تعتري هذا التنفيذ من جهة، ثم توفر معطيات ومؤشرات لازمة لاتخاذ القرار الملائم لتصحيح أو لدعم المسار المالي للجماعة من جهة ثانية.

التدقيق المالي تقنية تكتسي أهمية خاصة في الرقابة على مالية الجماعات المحلية ومجموعاتها، لكونها تشكل في الوقت الراهن دعامة أساسية بالنسبة لتطوير الفعالية الاقتصادية والاجتماعية للجماعات المحلية من جهة، وحماية المال العام المحلي من التبذير وسوء الاستعمال من جهة ثانية، وتكريس التدبير الجيد الذي يمثل في النهاية الغاية المنشودة لتحقيق تنمية شاملة لمحيط الجماعة المحلية التي تشتغل في إطاره من جهة ثالثة[13].

وتتبدى أهمية التدقيق المالي على المستوى المحلي من خلال ما يلي:

يهدف المشرع المغربي من إقرار تقنية التدقيق المالي داخل الممارسة المالية المحلية إلى التأكد من دقة المستندات المالية والمحاسبية التي تعتمدها الجماعات المحلية، بحيث تعكس بصدق ووفاء وضعيتها المالية ، في إطار احترام المبادئ المحاسبية المالية المتعارف عليها ، ويهدف المدقق المالي في إطار تقريره، إما إلى قبول أو رفض الكشوفات الحسابية المعروضة عليه من اجل مراقبته هذه، ليعطي رأيه الصحيح حول مصداقيتها وشفافيتها .

فضلا عن ذلك، يهتم التدقيق المالي بفحص العمليات التي لها تأثير على المحافظة على أملاك الجماعات المحلية، وتسجيل ومعالجة المعلومات المحاسبية، وكذا المعلومات المالية المنشورة من طرفها، ويشكل بذلك دراسة للوضعية المالية للجهاز المحلي من خلال التأكد من جودة وفعالية تسيير ماليته، الأمر الذي يجعل منه وسيلة للتصديق الاثباتي للحسابات بواسطة تحسين جودة التسيير المحاسبي والوثائق المرسلة والمعلومات المالية، وفحص سلامة المساطر والمصاريف والإنفاق المحلي[15].

ثانيا: الرقابة ذات الطبيعة الإدارية:

يقصد بالرقابة الإدارية على المالية المحلية مجموع السلطات التي يمنحها المشرع للسلطة المركزية، لتمكينها من الرقابة على النشاط المالي للجماعات المحلية بهدف حماية الصالح العام ، حيث يخول هذا الاختصاص عادة إلى الأجهزة الإدارية والمالية التابعتين لوزارة الداخلية ووزارة المالية:

تمارس وزارة الداخلية مهامها الرقابية من خلال جهازين أساسيين هما: المفتشية العامة للإدارة الترابية، والمفتشية العامة للمالية.

يتميز عمل الجهاز الأول بطابع العمومية من حيث الاختصاص والمجال، ويتحدد مجال الجهاز الثاني في رقابة المشروعية والملائمة، إلا أن هذا الأخير من الرقابة ذو أهمية بالغة.

تنصب رقابة هذه الهيئات بالأساس على الأعمال التي يكون موضوعها التدبير المالي والمحاسبي للجماعات المحلية ومجموعاتها كالميزانية المحلية والحساب الإداري مثلا.

وتمارس وزارة المالية سلطتها الرقابية من خلال جهازين أساسيين : المفتشية العامة للمالية والخزينة العامة للمملكة ، حيث يعهد للجهاز الأول بمهمة مراقبة مالية الجماعات على مستوى مصالح الصندوق والمحاسبة ،[16] أما مراقبة الخازن العام للمملكة فتتم من خلال طريقتين مختلفتين لكنهما متكاملتين:تتجلى الأولى في المراقبة على الوثائق ، من خلال اطلاع الرئيس على أعمال مرؤوسيه بناء على التقارير والوثائق التي يرسلها له كافة المحاسبين المكلفين بالتحصيل، والثانية من خلال المراقبة في عين المكان ، تتم بواسطة زيارات تفتيشية ميدانية ذات صبغة فجائية ومباغتة.

     الفقرة الثانية: الرقابة ذات الطبيعة القضائية:

تعتبر الرقابة القضائية أو بواسطة هيئات مستقلة أسمى وألم الطرق في الرقابة على التنفيذ الموازناتي سواء على الصعيد المركزي أو على الصعيد المحلي، حيث تخضع ميزانيات الجماعات المحلية لرقابة قضائية لاحقة، تمارس بواسطة جهازين قضائيين متخصصين هما المجلس الأعلى للحسابات (أولا) ، والمجالس الجهوية للحسابات (ثانيا).

أولا: رقابة المجلس الأعلى للحسابات:

يمارس المجلس الأعلى للحسابات العديد من الاختصاصات منها رقابته على مالية الدولة والجماعات المحلية والمؤسسات العمومية، والتي تنصب خاصة على الآمر بالصرف والمحاسب العمومي[17].

حيث توجه ملفات الاستئناف من قبل كتابة الضبط من المجلس الجهوي إلى كتابة الضبط بالمجلس الأعلى للحسابات الذي يوجهها الرئيس الأول مباشرة بعد تسجيلها إلى رئيس الغرفة المتخصصة من أجل تعيين المستشار المققر، هذا الأخير ملزم بتوجيه نسخ من عريضة الاستئناف إلى الأطراف المعنية قصد الإدلاء بمذكراتها الجوابية داخل أجل ثلاثين يوما الموالية من تاريخ التبليغ، ويصدر المجلس حكمه وفق الإجراءات المحددة في المادتين 33و34من المدونة.إلا أن الأحكام الإستئنافية تعد قابلة للطعن بالنقض لدى المجلس الأعلى داخل الآجال المحددة لطرق الطعن، خاصة إذا رأى أحد الأطراف أن هناك خرقا للقانون أو عدم احترام الإجراءات الشكلية،أو انعدام التعليل ،أو عدم اختصاص المجلس. كما أنها أي الأحكام تعد أيضا قابلة لطلب المراجعة وفقا للمساطر والإجراءات والآجال المحددة في المادة 50 من المدونة.

حيث يتم توجيه ملف الطعن  بالاستئناف من قبل وكيل الملك لدى المجلس الجهوي إلى الوكيل العام بالمجلس الأعلى للحسابات، ويقوم هذا الأخير بتعيين المستشار المقرر المكلف بالتحقيق الذي يوجه عريضة الطعن إلى الأطراف المعنية بالاستئناف. هذه الأطراف ملزمة بتقديم مذكراتها اليومية داخل ثلاثين يوما الموالية لتاريخ التبليغ.

إلا أن هيئة الحكم في مجال استئناف الأحكام المتعلقة بالتأديب المتعلق بالميزانية والشؤون المالية تبث أولا في مسألة قبول الطلب من حيث الشكل، وعند اعتبار الطلب مقبولا تبث فيما بعد بالجوهر . وتكون هذه الأحكام قابلة للطعن أمام المجلس الأعلى، كما يمكن أن تكون قابلة لطلب المراجعة[18].

ثانيا: رقابة المجالس الجهوية للحسابات:

تتولى المجالس الجهوية للحسابات-طبقا لمقتضيات الفصل149من الدستور الجديد-مراقبة حسابات الجهات والجماعات الترابية الأخرى وهيئاتها، وكيفية قيامها بتدبير شؤونها.إذ بموجب ذلك تمارس في حدود دائرة اختصاصاتها العديد من المهام تربط ب:[19]

*البث في حسابات الجماعات المحلية ومجموعاتها .

*ممارسة وظيفة قضائية في مجال التأديب المتعلق بالميزانية والشؤون المالية تجاه كل مسؤول أو موظف أو عون في الجماعات المحلية ومجموعاتها.

*مراقبة تسيير المقاولات المخولة الامتياز في مرفق عام محلي أو المعهود إليها بتسييره.

*مراقبة استخدام الأموال العمومية المتلقاة من طرف المقاولات والجمعيات وكل الأجهزة الأخرى التي تستفيد من مساهمة في الرأسمال أو من مساعدة كيفما كان شكلها من طرف أي جماعة محلية .

*المساهمة في مراقبة الإجراءات المتعلقة في تنفيذ ميزانية الجماعات المحلية وهيئاتها .

وفي ظل هذه المهام، يشكل خلق المجالس الجهوية للحسابات وسيلة لتخفيف العبء على المجلس الأعلى للحسابات، والضغط على موارده البشرية المحدودة بالنظر إلى الحقل الشاسع للرقابة على مالية الجماعات المحلية ومجموعاتها من جهة، واعتبارا للعامل الجغرافي، فإن لامركزية المراقبة القضائية ستؤدي إلى حل كل مشاكل الآجال التي يتطلبها نقل الوثائق المحاسبية والإدارية من الجماعات المحلية ومجموعاتها إلى الهيئة العلية للرقابة على الأموال العمومية من جهة ثانية.

كما أن قرب المجالس الجهوية للحسابات من الواقع المحلي سيمكنها من القدرة على تشخيص المعوقات المحتملة للتدبير المالي في الوقت المناسب، وبأقل تكلفة، وفي أقرب وقت، كما سيمكنها من التقييم والتقدير الموضوعي للتدبير المالي للجماعات المحلية ومجموعاتها من ناحية ثالثة.

خاتمة:

إن من بين أهم التحديات المطروحة على مالية الجماعات الترابية وتطوير آفاقها خصوصا في ظل الأزمات، إكراهات ضعف التغطية المالية الكافية بالنسبة لمعظم الجماعات وضعف سلطتها الجبائية، كما أن سياسة الإمدادات والمساعدات ترهن السياسة المالية للدولة. حيث إن الحكامة المحلية تفرض الاعتراف بسلطة جبائية لفائدة الجماعات الترابية، بالنظر لاتساع رقعة الوصاية وشمولية رقابة الأجهزة الإدارية لأعمال المجالس الجماعية لا سيما المتعلقة بالمجال المالي، علاوة على أن القوانين التنظيمية، بما فيها القانون التنظيمي للجماعات تساوي بين الجماعات الفقيرة والغنية، دون إقرار لبعض الأفضليات على مستوى الدعم المالي لفائدة الجماعات الفقيرة، خاصة في المناطق النائية لتحقيق التوازن بين الجماعات، على غرار صندوق التضامن بين الجهات[20].

هذا بالإضافة إلى تحد كبير يرهن آفاق مالية الجماعات الترابية، كما يذهب الكثير من المختصين في المجال المالي، ويتعلق الأمر بضرورة مواجهة أوجه الإنفاق العمومي، حيث تعد هشاشة الاستقلال المالي للجماعات الترابية من الإشكالات الهيكلية المزمنة التي تعاني منها البنية المالية، حيث غالبا ما كانت الموارد المالية للجماعات عاجزة عن تغطية نفقاتها، بل إن هناك من الجماعات الترابية، خاصة الجماعات القروية، من ليست لها القدرة حتى على تغطية نفقات التسيير العادية والضرورية. هذه الوضعية جعلت من الجماعات الترابية في وضعية ارتهان مالي لميزانية الدولة[21].

إن التدبير الجيد لمالية الجماعات المحلية يتركز على التشخيص وبيان مكامن الضعف والخلل ثم البحث عن الحلول. وهو الأسلوب الذي يمكن من الخروج بمجموعة من المقومات والمقاربات كمحاولة للتوفيق بين الاختصاصات التي أصبحت تقوم بها الجماعات المحلية بمختلف مستوياتها والموارد المالية المخصصة لتحقيق ذلك.


[1] – محمد حيمود، مالية الجماعات الترابية، مطبعة النجاح الجديدة (CTP) الدارالبيضاء، الطبعة الأولى، 2017، ص 5.

– عبد الفتاح بلخال، علم المالية العامة والتشريع المالي المغربي، الطبعة الأولى مطبعة فضالة٬ المحمدية٬ 2005، ص 198.[2]

 – سعيد جفري، محاضرات في المالية المحلية موجهة إلى طلاب السنة الأولى وحدة تدبير الإدارة المحلية سطات 2005_2006، ص  38 . [3]

[4]– اسعد عبد المجيد مالية الجماعات المحلية بالمغرب٬ الطبعة الأولى٬ مطبعة النجاح٬ الدار البيضاء1991٬، ص 10. 

 دليل إدماج مقاربة النوع الاجتماعي في ميزانية الجماعات المحلية، ص 11.[5]

  محمد سنوسي، مالية الجماعات المحلية بالمغرب الدار البيضاء، دار النشر المغربية، 1993، ص 94.[6]

 دليل ميزانية الجماعات، الطبعة الأولى 2009  ص 11.[7]

[8] – مرسوم رقم 2.17.295 صادر في 14 من رمضان 1438 (9 يونيو 2017) بتحديد القواعد التي تخضع لها عمليات الاقتراضات التي تقوم بها العمالة أو الإقليم، الجريدة الرسمية عدد 6578 بتاريخ 15 يونيو 2017، ص: 3614.

[9] – مرسوم رقم 2.17.294 صادر في 14 من رمضان 1438 (9 يونيو 2017) بتحديد القواعد التي تخضع لها عمليات الاقتراضات التي تقوم بها الجهة، الجريدة الرسمية عدد 6578 بتاريخ 15 يونيو 2017، ص: 3613.

[10] – محمد حيمود، مرجع سابق، ص 63.

[11] – نور الدين السعداني، الجماعات الترابية بالمغرب بين توسيع الاختصاصات التدبيرية وإكراهات الاستقلالية المالية – دراسة تحليلية- مطبعة دار السلام للطباعة والنشر والتوزيع- الرباط، الطبعة الأولى/2015، ص 79.

العدد2، مطبعة طوب بريس، الرباط، ص46.  كريم لحرش، الحكامة المحلية بالمغرب،سلسلة اللامركزية و الإدارة المحلية،[12]

[13] –عبد العزيز الحبشي، بعض مظاهر تقنية التدقيق والرقابة الممارسة على مالية الجماعات المحلية وهيئاتها على ضوء مدونة المحاكم المالية. المجلة المغربية للإدارة المحلية و التنمية، العدد 23، 2003، ص 50.

[14] كريم لحرش، تدبير مالية الجماعات المحلية بالمغرب، مطبعة طوب بريس، الرباط،، الطبعة الثانية 2011، ص91.

، ص 92.  2011 -كريم لحرش: تدبير مالية الجماعات المحلية بالمغرب. مطبعة طوب بريس، الرباط، الطبعة الثانية:12

[16] -El kiri mostapha: L`Inspection générale des finances au Maroc: Interrogation sur le passé et perspectives pour l`avenir, Revue Marocain d`Audit et Développement, n5, 1996, P 69.

– احميدوش مدني، المحاكم المالية بالمغرب:دراسة تطبيقية ونظرية مقارنة.الطبعة الأولى، مطبعة فضالة، المحمدية، 2003، ص 256.[17]  

[18]  -كريم لحرش.تدبير مالية الجماعات المحلية بالمغرب،مرجع سابق،ص،97

محمد حنين، تأملات في مدونة المحاكم المالية، مجلة القانون المغربي، العدد5، 2003، ص 5. -[19]

[20] – إبراهيم كومغار، أي مستقبل للحكامة المحلية ؟ من خلال القانون التنظيمي للجماعات، مجلة مسالك، العدد33-34، ص 153.

[21] – عصام القرني، التدبير الجبائي الترابي بين محدودية الحصيلة وثقل الرهانات، المجلة المغربية للقانون الإداري والعلوم الإدارية.عدد مزدوج2-3-2017، ص 3.

Exit mobile version