Site icon مجلة المنارة

سبل إصلاح وتحديث المحاكم المالية بالمغرب

تحية طيبة ، أما بعد :

يشرفني أستاذي الفاضل أن أبعث إليك هذه المقالة العلمية من أجل نشرها .

الطالب الباحث بسلك الدكتوراه ــ كلية الحقوق وجدة : أحمد طويل ( مجال البحث العلاقات الاقتصادية الدولية ).

 

سبل إصلاح وتحديث المحاكم المالية بالمغرب

الجزء الأول : إصلاح المحيط الداخلي

التصميم

مقدمة

الفصل الأول : إصلاح وتحديث الترسانة القانونية المؤطرة للرقابة العليا على المال العام

المبحث الأول : إصلاح المقتضيات القانونية المتعلقة بمسطرة تنفيذ ونشر الأحكام

المطلب الأول : مراجعة النصوص القانونية المتعلقة بمسطرة التنفيذ

المطلب الثاني : تعديل النصوص القانونية المتعلقة بنشر قرارات وأحكام المحاكم المالية

المبحث الثاني : تعزيز مبدأ مساواة المتقاضين أمام المحاكم المالية ومراجعة حالة التقادم

المطلب الأول : إعادة النظر في حالة الامتياز القضائي والحصانة

المطلب الثاني : مراجعة حالتي طلب الإعفاء من المسؤولية وطلب إبراء الذمة

المطلب الثالث : مراجعة النصوص القانونية المتعلقة بالتقادم الخماسي

المبحث الثالث : إدراج مراقبة وتتبع التصريح بالممتلكات وحسابات الأحزاب ونفقات العمليات الانتخابية ضمن مدونة المحاكم المالية

الفصل الثاني : الإصلاح المؤسساتي للمحاكم المالية

المبحث الأول : إصلاحات متعلقة بالموارد البشرية للمحاكم المالية

المطلب الأول : اعتماد استراتيجية فعالة وحديثة للتأهيل والتكوين

المطلب الثاني : إصلاحات متعلقة بتحفيز الموارد البشرية

المبحث الثاني : إصلاحات خاصة بالجوانب المالية والمادية للمحاكم المالية

المطلب الأول : إصلاحات متعلقة بميزانية المحاكم المالية

الفرع الأول : تعزيز ميزانية المحاكم المالية

الفرع الثاني : إخضاع المحاكم المالية للرقابة المالية

المطلب الثاني : إصلاح الجوانب المادية للمحاكم المالية

المبحث الثالث : تعزيز اللامركزية من خلال تطوير عمل المجالس الجهوية للحسابات

مقدمة

إن تنامي الفكر الديمقراطي وثقافة حقوق الإنسان فرض ضرورة إشراك مختلف الفاعلين ، ومنهم الشعب ، في تتبع التدبير المالي العمومي وحقهم في المطالبة بحماية المال العام ومراقبة مجالات صرفه وتحصينه من عمليات التبذير أو النهب والاختلاس أو سوء الاستعمال من طرف الموكول إليهم مسؤولية حمايته وحسن تدبيره وصرفه أو مراقبة صرفه ، في إطار قواعد الشفافية والأمانة والنزاهة ، والخضوع للمساءلة عند ثبوت المخالفات التي تشكل مظهرا من مظاهر خيانة ثقة الشعب ومؤسساته والاعتداء على أمواله ، وهو ما ترتب عنه اختلاف الأنظمة وأساليب المراقبة المالية والأجهزة الموكول إليها ذلك ، وما يهمنا في هذا الإطار هي الرقابة القضائية على الأموال العمومية .

وبالرجوع إلى التجربة المغربية في ميدان الرقابة العليا على الأموال العمومية ، فإننا نؤكد على فشل تجربة اللجنة الوطنية للحسابات لسنة 1960 وتجربة المجلس الأعلى للحسابات بمقتضى قانون 12.79 [1] لاعتبارات دستورية أساسا وسياسية وتنظيمية ، والتي على إثرها جاءت المراجعة الدستورية لسنة 1996 [2] التي ارتقت بالمجلس الأعلى للحسابات إلى مؤسسة دستورية ، والتنصيص لأول مرة على إحداث المجالس الجهوية للحسابات في الفصول من 96 إلى 99 ، ومحاولة الرقي بأدائها في دستور 2011 [3] من الفصول 147 إلى 150 ، وتم تأكيد هذا الأمر من خلال الكتاب الثاني من مدونة المحاكم المالية لسنة 2002 ، كاتجاه قوي نحو الاهتمام بالقضاء المالي المحلي وتكريسا للامركزية الرقابية . وفي هذا الإطار نحا المغرب شأنه في ذلك شأن باقي الدول إلى تجميع المقتضيات المتعلقة بالمحاكم المالية في مدونة واحدة ، فخصص الكتاب الأول منها للمجلس الأعلى للحسابات والكتاب الثاني للمجالس الجهوية للحسابات والكتاب الثالث للنظام الأساسي لقضاة المحاكم المالية  تحت قانون رقم 62.99 [4] .

إن هذه الدراسة تشكل مناسبة للوقوف على النتائج العملية التي حققتها المحاكم المالية في هذه الفترة القصيرة من حياتها في حلتها الجديدة أي منذ 2003 سنة بداية اشتغالها ، والمجالس الجهوية اعتبارا من سنة 2004 ، وبالتالي ملامسة العراقيل والإكراهات التي تعوق سير المحاكم المالية والوقوف على مكامن القصور التي يعرفها عمل هذه الأجهزة ، سواء الجوانب المرتبطة بالبنية التنظيمية والقانونية أو ما تعلق بالجوانب العملية ، ومن ثم الاطلاع على مختلف الإصلاحات التي يجب القيام بها في هذا المجال ومحاولة تجاوز هذه الإكراهات

وبالتالي تحسين وظيفتها الرقابية وتأهيلها لأداء دورها التنموي .

إن فعالية القضاء المالي ونجاحه في أداء مهامه الرقابية إنما يرتبط وجودا وعدما بمدى قدرته على الاندماج في محيطه سواء الداخلي أو الخارجي ، وبالتالي بمدى استطاعة الأجهزة العليا للرقابة على الأموال العمومية تجاوز المعيقات والإكراهات التي تعترض طريقها .

ومنه فإن الإصلاح المنشود ينبغي أن يشمل البنية الداخلية للمحاكم المالية ، وبالتالي إعادة النظر في المنظومة القانونية للرقابة المالية القضائية ، بما يضمن جودة النصوص القانونية والتنظيمية وفعاليتها في حماية المال العام ، كما أن هذا الإصلاح يجب أن يطال الجانب المؤسساتي للمحاكم المالية . وهذا ما سنتناوله في هذه المقالة .

لكن نجاح أي إصلاح يطال المحاكم المالية يجب ألا يقتصر على النسق الداخلي لهذه المحاكم ، بل ينبغي أن يشمل محيطها الخارجي أيضا والمرتبط أساسا بالنسق السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي للمغرب ، وبالتالي ضرورة تبني استراتيجية شاملة لإصلاح الرقابة العليا على الأموال العامة ، وهو ما سنتطرق إليه في مقالة لاحقة .

هذه الاعتبارات مجتمعة ساهمت في صياغة إشكالية دراستنا هاته ، وقد تمت بلورتها على النحو التالي :

ما هي شروط الإصلاح الداخلي المحاكم المالية بالمغرب وتأهيلها للقيام بوظيفتها الرقابية ودورها التنموي ؟

 

ومن هذا المنطلق فإن تناولنا لموضوع إصلاح المحيط الداخلي للمحاكم المالية يقتضي منا مناقشة جملة الإصلاحات الضرورية لهذا المحيط ، بدءً بإصلاح وتحديث الترسانة القانونية المؤطرة للرقابة العليا على المال العام (الفصل الأول) ، مرورا بإصلاح الجانب المؤسساتي لأجهزة الرقابة العليا على الأموال العمومية خصوصا ما يتعلق بالموارد البشرية والمالية والمادية لهذه الأجهزة (الفصل الثاني) .

 

الفصل الأول : إصلاح وتحديث الترسانة القانونية المؤطرة للرقابة العليا على المال العام

للارتقاء بالأجهزة العليا للرقابة على الأموال العامة ولاستكمال حلقات الجودة في أداء وظائفها، وجعل النظام الرقابي يتسم بالفعالية والنجاعة ، وفي محاولة لتصحيح الانحرافات وتجاوز الإكراهات القانونية ، وبالتالي الوصول إلى الأهداف المرجوة من إحداث هذه المحاكم ، وهو تحقيق الشفافية المالية وترشيد استخدامها ، كأحد الركائز الأساسية للحكامة في مختلف جوانبها ، فإن الموقف يقتضي مراجعة بعض النصوص القانونية التي تحمل مكامن الضعف أو عدم الملاءمة مع التطورات والمستجدات التي يعرفها

الحقل السياسي والاجتماعي والاقتصادي سواء الوطني أو الدولي .

من هنا سنخصص محاور هذا المبحث لدراسة خطوات مراجعة بعض المقتضيات القانونية لمدونة المحاكم المالية سواء ما تعلق بمسطرة تنفيذ قرارات وأحكام هذه المحاكم ونشرها (المبحث الأول) بمساواة المتقاضين أمام المحاكم المالية أو حالة التقادم الخماسي (المبحث الثاني) أو ما تعلق بتفعيل مراقبة وتتبع التصريح بالممتلكات وحسابات الأحزاب ونفقات العمليات الانتخابية (المبحث الثالث).

المبحث الأول : إصلاح المقتضيات القانونية المتعلقة بمسطرة تنفيذ ونشر الأحكام

إن أهم مواطن الضعف القانونية التي تعتري عمل القضاء المالي إنما ترتبط بمسطرة تنفيذ أحكام وقرارات المحاكم المالية ، ثم بمسألة نشر هذه الأحكام والقرارات . إن هذه المعيقات والإكراهات تؤثر بشكل سلبي على عطاء المؤسسات الرقابة العليا في المغرب ، وبالتالي وجب تعديلها وتحسين الصياغة القانونية لها.

المطلب الأول : مراجعة النصوص القانونية المتعلقة بمسطرة التنفيذ

يمكن القول أن مرحلة تنفيذ الأحكام القضائية تمثل أهم مرحلة على الإطلاق في مسيرة التقاضي، لأنه في الواقع لا قيمة للقانون بدون تنفيذ ولا أهمية لأحكام القضاء بدون سريان مقتضياته ، ولا جدوى لمبدأ الشرعية في الدولة ما لم يقترن بمبدأ آخر مضمونه احترام أحكام القضاء وضرورة تنفيذها .

إن عدم التنفيذ يضرب في الصميم حرمة وهيبة وقدسية القضاء ـ والقضاء المالي جزء منه ـ وتزرع الشك حول فعالية وجدوى قضاء يقتصر دوره على معاينة عدم مشروعية العمليات المالية أو أي خلل يعتري الحسابات أو عمليات من شأنها هدر المال العام والتلاعب به . وعلى هذا الأساس فإن المقتضيات القانونية المتعلقة بمدونة المحاكم المالية في مجال تنفيذ الأحكام تظل غير كافية من أجل حماية المال العام وبالتالي فسح المجال أمام مزيد من النهب والتلاعب بالأموال العمومية . كما أنه وبالمقارنة مع القانون الفرنسي فإن مدونة المحاكم المالية لم تتضمن الإشارة إلى مخالفة لصيقة بعلاقة الإدارة بالقضاء وبمفهوم دولة الحق والقانون ، وهذه المخالفة تتعلق بعدم تنفيذ قرارات وأحكام هذه المحاكم ، التي استحدثها المشرع الفرنسي بموجب القانون المؤرخ في 16 يونيو 1980 ، هذا القانون ينص على فرض غرامة تأديبية على كل خاضع لولاية محكمة التأديب المالي ما لم ينفذ أحكام المحاكم التي صدرت لصالح الأفراد ضد الإدارة والتي حازت على قوة الشيء المقضي به ، وهذه الأحكام غالبا ما تتعلق بالأحكام المتصلة بالديون المستحقة على الإدارة للأفراد [5] .

وتأسيسا على ما سبق فإن مدونة المحاكم المالية لا تتضمن في طياتها أي مقتضى قانوني يتعلق بتنفيذ القرارات والأحكام الصادرة عنها ، وبالتالي فإن مسار المحاكم المالية والعدالة عموما يبقى موضع تساؤل وشك ، لأن مرحلة تنفيذ الأحكام تعد أهم مرحلة من مراحل التقاضي على الإطلاق ، وبالتالي وجب على المشرع المغربي إيلاؤها ما تستحقه من اهتمام وعناية ، وبات من اللازم ضرورة تدخل

تشريعي على وجه الاستعجال للحد من ظاهرة عدم تنفيذ الأحكام الصادرة عن المحاكم المالية.

وعليه نقترح في هذا المجال إنشاء مؤسسة قاضي تنفيذ الأحكام القضائية الصادرة عن المحاكم المالية ، لأن مقتضيات تنفيذ الأحكام كما جاء بها قانون المسطرة المدنية من حجز وإكراه بدني وغرامة تهديدية لا يتلاءم في أحيان كثيرة مع خصوصية القضاء المالي ، وبالتالي نقترح إيجاد مسطرة خاصة لتنفيذ

قرارات وأحكام المحاكم المالية ، وذلك بإقرار ما يلي :

أولا : تخويل كتابة الضبط ، على غرار نظيرتها في المحاكم العادية ، صلاحيات وآليات لتنفيذ الأحكام بدل جعلها كخزانة للتوثيق والأرشفة .

ثانيا : تحديد المنفذ عليه بكل دقة سواء المحاسبون العموميون أو المراقبون أو الآمرون بالصرف…

ثالثا : التنصيص على مسؤوليته الشخصية عن الامتناع أو التباطؤ في تنفيذ الأحكام الصادرة في حقه أو عرقلة تنفيذها.

رابعا : التنصيص على مسؤوليته التأديبية والجنائية في حالة العود.

خامسا : جعل صيغة تنفيذية خاصة بأحكام القضاء المالي .

سادسا : خلق مؤسسة قاضي التنفيذ بالمحاكم المالية.

إن إقرار مثل هاته المبادئ بنصوص تشريعية واضحة ودقيقة هو الكفيل بتنفيذ أحكام القضاء المالي واحترام مبدأ قوة الشيء المقضي به ، والذي باحترامه تحترم هيبة القضاء المالي ومبدأ سيادة القانون والنظام العام .

وبالمقارنة فإن المشرع المغربي في القانون 90.41 [6] المحدث للمحاكم الإدارية في الفصل 49 منه أكد على أنه يتم التنفيذ بواسطة كتابة ضبط المحكمة الإدارية التي أصدرت الحكم ويمكن للمجلس أن يعهد تنفيذ قراراته إلى محكمة إدارية كما أن المادة 7 منه نصت على أن تطبق أمام المحاكم الإدارية القواعد المقررة في قانون المسطرة المدنية ما لم ينص على خلاف ذلك من أجل الإجبار على التنفيذ .

كما تم إقرار إجراء الحجز على أموال بعض المؤسسات العمومية اعتمادا على كون ملاءة ذمتها لا يعفي الإدارة من التنفيذ على أموالها في حالة امتناعها عن التنفيذ بصورة تعسفية وعلى أساس أن التنفيذ يتم على أموال المؤسسة العمومية غير المرصودة لسير المرفق العمومي. كما تم إقرار الغرامة التهديدية فقها وقضاء في مواجهة الإدارة العمومية وكذا في مواجهة الموظف المسؤول الممتنع دون عذر مشروع عن التنفيذ . لذا فإن المشرع المغربي مطالب بالعمل على ضبط وتوضيح آليات تتبع تنفيذ القرارات والأحكام القضائية الصادرة عن كل من المجلس الأعلى والمجالس الجهوية للحسابات ، لأن معرفة مآل القرارات والأحكام  السابقة أمر ضروري من الناحيتين القانونية والمسطرية قبل تصفية حسابات التسيير الحالية والمستقبلية الذي يفرضه المنطق القانوني والمحاسباتي ومبدأ حسن سير العدالة ، فيما يتعلق بميدان البت في الحسابات ، قبل إبراء ذمة المعنيين بالأمر ، كما أن هيبة  المحاكم المالية وفعالية إجراءاتها القضائية ـ سواء تعلق الأمر بتقديم الحسابات والتحقيق والبت فيها ، أو بالتحقيق والبت في ميدان التأديب المالي ـ رهين باحترام سلطة الشيء المقضي به.

المطلب الثاني : تعديل النصوص القانونية المتعلقة بنشر قرارات وأحكام المحاكم المالية

تشكل نشر الأحكام والقرارات القضائية آلية لخلق تواصل بين الأجهزة القضائية والمجتمع بكل مكوناته، سواء الأحزاب السياسية أو المجتمع المدني أو المواطن ، كما أن من شأن هذا النشر أن يكون وسيلة لتحقيق الردع العام والخاص في نفس الوقت ، لما لها من آثار معنوية ونفسية على الخصوص . وفي هذا الإطار نلاحظ أن مقتضيات مدونة المحاكم المالية اتسمت بالضعف فيما يخص نشر الأحكام والقرارات القضائية الصادرة عن المحاكم المالية .

فالمادة 113 مثلا تنص على أنه : ” يمكن للرئيس الأول أن يأمر بموجب مقرر ، بعد استشارة هيئة الغرف المجتمعة ، بأن تنشر كليا أو جزئيا [7] القرارات التي يصدرها المجلس والأحكام التي تصدرها المجالس الجهوية باقتراح من رؤساء تلك المجالس الجهوية ، وذلك بمجرد ما تكتسي تلك القرارات والأحكام طابعا نهائيا ” . فأسلوب صياغة هذه المادة يغلب عليه طابع التشكيك وعدم الوضوح، فعبارات مثل “يمكن” و “كليا أو جزئيا” قد تفتح الباب للسلطة التقديرية للرئيس الأول للمجلس الأعلى للحسابات . كما أن عدم نشر هذه القرارات والأحكام يتعارض مع مقتضيات الفقرة الرابعة من الفصل 148 من الدستور المغربي 2011 والتي تفرض على المجلس الأعلى للحسابات نشر جميع أعماله ، بما فيها التقارير الخاصة والمقررات القضائية .

إن أهمية هذه الفقرة تكمن في أن الدستور السابق لم ينص عليها ، أما في قانون المحاكم المالية فقد كان تفعيل مبدأ النشر مقتصرا على التقرير السنوي الذي  لا يتضمن سوى ملخص للأعمال السنوية للمجلس ولم يكن يتضمن عمليا جميع أعماله ، أي جميع التقارير الخاصة التي من المفترض أن يكون التقرير السنوي قد تضمن ملخصات لها . أما الآن أصبح المجلس ملزما بنشرها بمجرد انتهاء المسطرة.  إضافة إلى التقارير الأخرى الخاصة بالأحزاب والانتخابات والممتلكات… فلا سرية ولا حجز للمعلومات بعد اليوم ، مما سيكرس دخول الرأي العام على خط المراقبة الديموقراطية للحكامة. أما نشر المقررات القضائية فمسألة في غاية الأهمية ، إذ أن مدونة المحاكم المالية كانت تجيز نشر الأحكام وتنص على اختصاص هيئة الغرف المجتمعة في المصادقة على الأحكام المقرر نشرها ، لكن منذ صدور مدونة المحاكم المالية ودخولها حيز التنفيذ سنة 2003 لم ينشر ولو حكم قضائي واحد . فعدم النشر قد يزيد من عزلة المحاكم المالية والتي عانت منها طيلة تجربة المجلس الأعلى للحسابات والتي باتت إلى وقت قريب مؤسسة مجهولة لدى الرأي العام الوطني ، ويعزى هذا الجهل بالدرجة الأولى إلى غياب وسائل التواصل بين المجلس الأعلى للحسابات والرأي العام وعزلة المؤسسة وعدم انفتاحها على محيطها [8] ، والتي لن تزداد إلا اتساعا مع مقتضيات مثل المادة 113 من مدونة المحاكم المالية .

ومن هذا المنطلق ، فإن المهمة الأساسية للمحاكم المالية هي فك هذه العزلة من خلال استعمال الوسائل القانونية التي منحت لها مثل نشر التقرير السنوي ونشر أحكامها وقراراتها القضائية ، وهي وسيلة للتواصل والانفتاح على مختلف فعاليات المجتمع ، لأن من خصائص الرقابة والمساءلة المالية العصرية الفعالية والشفافية والعقلنة والانفتاح على الرأي العام [9] .

كما أن نشر أعمال المحاكم المالية من شأنه تحريك النقاش حول نتائج الرقابة ، ومن ثم ستتعدد الاقتراحات والآراء التي ستغني هذا المجال بما يفيده ، لكونها توصلت إلى المعلومة الصحيحة [10] ، ولكون أن هذا النشر سيكون مصدرا للإشعاع اللازم سواء على المستوى الوطني أو على المستوى المحلي والجهوي ، وفي انتظار هذه المراجعة من اللازم على المجلس الأعلى للحسابات العمل على نشر وتعميم أكبر قدر ممكن من نتائج أعمال المجالس الجهوية للحسابات ، خاصة في إطار التقرير السنوي الذي يعده المجلس ، وأن يهم النشر الملاحظات الأكثر أهمية ، كما يجب أن تهم الجوانب الأكثر حداثة

من أجل أن تكون لها قيمة [11] .

من هنا نخلص إلى ضرورة إصلاح النص القانوني بما يتماشى وروح الفقرة الرابعة من الفصل 148 وبما لا يدع مجالا للشك أو التأويلات التي قد تقع في تداخل المسؤوليات وغموضها والتي قد تؤثر على عمق الحقيقة القانونية ، وبالتالي تحديد المسؤوليات .

المبحث الثاني : تعزيز مبدأ مساواة المتقاضين أمام المحاكم المالية ومراجعة حالة التقادم

إن الأنظمة الديمقراطية الحقة تتأسس على مبادئ سيادة القانون ومساواة المواطنين أمامه ، باعتباره أسمى تعبير لإرادة الأمة كما ينص على ذلك الدستور المغربي المعدل لسنة 2011 في إحدى مواده الأساسية [12] . من هنا كان من الضروري إعمال مبادئ العدالة والمساواة أمام القانون كأحد أبرز وأسمى ركائز الدولة الحديثة. وعلى هذا الأساس وحين استقرائنا لمقتضيات مدونة المحاكم المالية يتجلى لنا أن هذه الأخيرة استثنت بعض الفئات من الخضوع لبعض مقتضياتها ، وبالتالي فإن المشرع المغربي مطالب مستقبلا بمراجعة هذه المقتضيات لتعزيز حماية المال العام من جهة ، ولإخضاع الجميع لمبادئ العدالة والمساواة من جهة أخرى . هذه المراجعة تهم بالخصوص حالة الامتياز القضائي أو الحصانة (المطلب الأول) ثم حالتي طلب الإعفاء من المسؤولية وطلب إبراء الذمة على وجه الإحسان (المطلب الثاني) ، ثم النصوص القانونية المتعلقة بالتقادم الخماسي (المطلب الثالث).

المطلب الأول : إعادة النظر في حالة الامتياز القضائي والحصانة

إن دولة الحق والقانون تراعي بالمنطوق والملموس مبدأ مساواة المواطنين جميعا أمام القانون والالتزام بالقاعدة القانونية واحترامها من لدن الحاكمين والمحكومين. وتترتب عن هذه المسلمة المبدئية مسؤولية السلطات الثلاثة التشريعية والتنفيذية والقضائية المنصوص عليها دستوريا في اتخاذ الجزاءات ضد كل من أوعزت له نفسه أو استغل سلطته للمساس بالقانون أو دوسه ، وبالتالي نهب المال العام أو التلاعب به ، بل وخضوع هذه الأجهزة لمقتضيات حماية المال العام . وبالتالي جعل القضاء يتربع على قمة الهرم المؤسساتي للدولة ، وهذا يحيلنا بالضرورة إلى خضوع الجميع مهما كانت صفته لمبادئ العدالة والمساواة والشرعية . وعلى هذا الأساس فإن المشرع المغربي مدعو أكثر من أي وقت مضى لإعادة النظر في حالة الامتياز القضائي أو ما يمكن تسميته بالحصانة ، مما يجعل فئة مهمة من المسؤولين لا تخضع في كثير من الأحيان للمقتضيات القانونية لمدونة المحاكم المالية ، خصوصا ما يتعلق بمقتضيات المادة 52  من المدونة [13] ، هذه المادة تنص على عدم خضوع فئة معينة من الآمرين بالصرف لمقتضياتها. فأعضاء الحكومة وأعضاء مجلس النواب ومجلس المستشارين غير خاضعين بموجب هذه المادة لمسطرة التأديب المالي أمام المحاكم المالية ، فالوزراء هم المسؤولون عن القرارات المالية الهامة في الدولة [14] ، بل يعتبرون المبتكرين الحقيقيين لنفقات الدولة [15] .

إن عدم إخضاع هذه الفئة يكون له لا محالة آثار سلبية على أداء المحاكم المالية لوظيفتها الرقابية ، إذ لا يوجد مبرر موضوعي لإقصائهم من هذا النوع من الرقابة خصوصا في ظل  محدودية الرقابة السياسية التي يمارسها البرلمان من خلال الأسئلة الشفوية والكتابية والتصويت على قانون التصفية ، هذا إضافة إلى صعوبة إثارة المسؤولية الجنائية للوزراء أمام محاكم المملكة بسبب تعقد مسطرة المتابعة الجنائية أصلا وعدم صدور القانون الذي يحدد المسطرة المتعلقة بهذه المسؤولية [16] ، وبسبب إلغاء دستور 2011 للمحكمة العليا ، وهي محكمة جنائية مكونة من برلمانيين ينتخبهم مجلسا النواب والمستشارين ، وتختص بمحاكمة أعضاء الحكومة عن الجرائم التي يرتكبونها أثناء ممارستهم لمهامهم . كما أن مشروع قانون عرض على أعضاء الحكومة ، في اجتماع للمجلس الحكومي ، منذ حوالي سنتين ( 6 نونبر 2013 ) يحدد المسؤولية الجنائية للوزراء باعتبارهم مسؤولين جنائيا أمام محاكم المملكة عما يرتكبون من جنايات وجنح ، أثناء ممارستهم لمهامهم ، ذلك أن عضويتهم داخل جهاز السلطة التنفيذية لا تعفيهم من المتابعة القانونية عن الأفعال التي يرتكبونها ، وهو ما يعني أن الحصانة الوزارية لأعضاء الحكومة يجب أن تكون مقيدة بشرط احترام القانون . ولكن هذا المشروع لم ير النور إلى حد كتابة هذه السطور .

إن استثناء هذه الفئة من الموظفين أو الآمرين بالصرف من هذه الرقابة يعني فتح هامش كبير لمسألة اختلاس وتبذير الأموال العمومية في هذه الدول [17].

وفي تقديرنا فإنه ينبغي التعامل مع منظومة المراقبة والمحاسبة برؤية محددة الأهداف والمعالم في أفق استراتيجية واضحة تسودها الوطنية والمصلحة العامة وإعمال مبادئ المساءلة والمحاسبة والشفافية ، وإخضاع الجميع مهما كانت مسؤوليتهم وصفتهم لمثل هذه المبادئ .

المطلب الثاني : مراجعة حالتي طلب الإعفاء من المسؤولية وطلب إبراء الذمة

إذا كان المحاسب العمومي يخضع لرقابة المحاكم المالية ، من خلال مرحلتي البت في الحساب والتأديب المالي ، وتماشيا مع القولة المأثورة التي مفادها أن قاضي الحسابات لا يقاضي المحاسبين العموميين بل يقاضي حساباتهم ، فإن أجهزة الرقابة العليا لا تتمتع بصلاحية تخفيف أو إعفاء المحاسب العمومي من مسؤوليتها ، بل تعود هذه الصلاحية إلى الوزير المكلف بالمالية ، وجدير بالذكر في هذا الإطار أن هناك من ينتقد استعمال هذه الطريقة في التجربة الفرنسية ( أي إبراء الذمة على وجه الإحسان ) باستمرار وبكثرة من طرف وزير المالية ، لأن هذا الأمر سيؤدي لا محالة إلى إلحاق الضرر بنزاهة ومصداقية قرارات العدالة من جهة ، وفتح الباب أمام استغلال مثل هذه المقتضيات القانونية للتلاعب بالمال العام ونهبه ، مما ينتج عنه ضياع موارد مهمة على خزينة الدولة من جهة أخرى وربما يصل الأمر إلى التأثير على توازن هذه الميزانية ، بالإضافة إلى تكريس ثقافة الاعتداء على المال العام ، وإضعاف موقع القضاء المالي .

وبناء على ما سبق، تبدو مراجعة المقتضيات القانونية المؤطرة لإعفاء المحاسب العمومي من المسؤولية

أو التخفيف منها ، بالشكل الذي يمنح الضمانات الكافية لحماية المال العام ورجحان كفة المصلحة العامة

على المصلحة الخاصة ويقطع الطريق أمام إمكانية تسييس هذا المقتضى القانوني ، هذه المراجعة باتت

مطلبا ملحا ومستعجلا .

المطلب الثالث : مراجعة النصوص القانونية المتعلقة بالتقادم الخماسي

إذا كان أصل التقادم هو القانون المدني وما يتعلق بالمعاملات التجارية ، إذ نصت مثلا المادة 391 [18] من قانون الالتزامات والعقود على التقادم كآلية للمطالبة بالديون المستحقة ، ومن أجل تسريع الحركية الاقتصادية، فإنها وفي مقابل هذه الوضعية نجد التقادم الخماسي الذي نصت عليه مدونة المحاكم المالية[19] يختلف عن التقادم في المعاملات المدنية والتجارية ، إذ التقادم في الوضعية الأولى مرتبط بالأموال العمومية المال العام عكس ما هو عليه في الحالة الثانية ، والذي يتعلق بأموال خاصة .

وعليه فإن المقتضى القانوني المتعلق بالتقادم الذي نصت عليه مدونة المحاكم المالية من شأنه أن يفتح الباب أمام نهب المال العام ودوس قدسيته . ومن هذا المنطلق فإن المشرع المغربي مدعو إلى مراجعة هذه المادة ، والحرص على حماية المال العام وعدم فتح ثغرات قد تستغل لتحقيق المصلحة  الخاصة من قبيل الاغتناء دون الأخذ بعين الاعتبار المصلحة العامة وحرمة الأموال العمومية .

المبحث الثالث : إدراج مراقبة وتتبع التصريح بالممتلكات وحسابات الأحزاب ونفقات العمليات الانتخابية ضمن مدونة المحاكم المالية

إن المشرع المغربي مطالب بجعل القضاء المالي مواكبا للتعديلات والمستجدات الدستورية ، وبالتالي تكريس الاختصاص الدستوري والحصري والعام للمجلس الأعلى للحسابات فيما يخص مراقبة وتتبع التصريح بالممتلكات وتدقيق حسابات الأحزاب السياسية وفحص نفقات العمليات الانتخابية وفيما يرتبط بأموال الدعم العمومية . ولئن كان هذا الاختصاص منصوصا عليه في قوانين أخرى خاصة ، فإن مدونة المحاكم المالية مدعوة لإدراج مقتضيات قانونية جديدة من أجل تمكين المجلس الأعلى للحسابات من أداء اختصاصاته في هذا المجال . وهكذا فإن التصريح بالممتلكات أمام المجلس أصبح يشمل أيضا ثروات القضاة وقضاة المحاكم المالية ، وعندما يحدد الدستور في الفصل 147 في فقرته الرابعة المجلس الأعلى للحسابات [20] فهذا يعني نزع هذا الاختصاص من المجلس الأعلى للقضاء بالنسبة للقضاة ومن مجلس قضاء المحاكم المالية بالنسبة لقضاة المحاكم المالية وتحويله إلى غرفة التصريح بالممتلكات بالمجلس الأعلى للحسابات وإلى نظيرتها بالمجالس الجهوية للحسابات مما يضع على كاهل هذه الغرفة الوليدة مهاما جساما ، مما يتطلب أيضا تأهيلها بشريا وماديا وفنيا للاضطلاع بهذه الاختصاصات والمهام الجديدة . وبهذا التجديد والتعديل يصبح جميع المسؤولين معينون ومنتخبون وقضاة وقضاة المحاكم المالية، ملزمين بوضع تصريحاتهم لدى جهة واحدة . ونفس الأمر ينطبق على تدقيق الحسابات وفحص النفقات المتعلقة بالعمليات الانتخابية ، حيث لم يعد المجلس مكتفيا بترؤس لجنتي الفحص والتدقيق متعددتي الأطراف فقط بل أصبح صاحب الاختصاص الحصري مما يستلزم إجراء تعديل جزئي في القانون الحالي الخاص بالأحزاب وإدماج هذا النص صراحة في مدونة المحاكم المالية المفترض تعديلها. ويترتب على ذلك أمور هامة على رأسها أن هذا النص سيشمله النص الوارد في الفصل 148 بعده الذي يلزم المجلس بنشر مجموع أعماله من بينها الآن التقارير التي كان ينجزها حول فحص نفقات العمليات الانتخابية ويكتفي بإحالتها على ما كان يسميه المجلس الجهة المختصة (وزارة الداخلية) ، أما الآن فقد أصبح ملزما بنشر هذه التقارير وهو شيء هام يعزز من دعائم الحكامة السياسية الحزبية .

الفصل الثاني : الإصلاح المؤسساتي للمحاكم المالية

لا يمكن لأية مؤسسة أن تحقق الأهداف التي أنشأت من أجلها دون الاهتمام بتدعيم بنيتها الداخلية وإصلاحها من كل الشوائب التي تعتريها ، وكذا مراعاة محيطها الداخلي ، وتوفير الشروط اللازمة ليساهم هذا المحيط في إنجاح عمل هذه المؤسسة . ووفق هذا الاتجاه وفي إطار تناولنا موضوع إصلاح البنية الداخلية للمحاكم المالية بالمغرب ، سوف نتطرق لأهم المضامين الإصلاحية التي يجب أن تطال مدونة المحاكم المالية بموجب قانون رقم 62.99 على المستوى المؤسساتي ، خصوصا فيما يرتبط ببنيتها البشرية (المبحث الأول) ، وبالموارد المالية والمادية (المبحث الثاني) وبتعزيز اللامركزية من خلال تطوير عمل المجالس الجهوية للحسابات (المبحث الثالث).

المبحث الأول : إصلاحات متعلقة بالموارد البشرية للمحاكم المالية

تحضى الأجهزة القضائية في مختلف دول العالم باهتمام متزايد بمواردها البشرية ، وخاصة منها أجهزة الرقابة العليا التي تتمتع بتحفيزات مهمة مقارنة مع أجهزة الدولة ، و ذلك لضمان عدم تأثرها بأية ضغوطات أو إغراءات خارجية ، وتقوية استقلاليتها والحفاظ على هيبتها ووقارها من أجل أداء رقابة فعالة وعقلانية ، وقد راعى الإسلام مثلا هذه المسألة من خلال توفير مستلزمات المحاسب حتى يؤدي واجبه على أكمل وجه ، مثل توفير الأموال والدواب وغيرها من المستلزمات حتى لا يتأثر بإغراءات المخالفين [21] .

وعلى هذا الأساس وجب إيلاء الموارد البشرية للمحاكم المالية بالمغرب ما تستحقه من عناية ، وذلك من أجل حمايتهم من كل تأثير مادي أو معنوي ، وهو ما حثت عليه توصيات المنظمات الدولية والإقليمية للرقابة المالية (الأنتوساي، الأفروساي ، الأرابوساي …) وتهم هذه الإصلاحات الجوانب المتعلقة بتأهيل وتكوين الموارد البشرية (المطلب الأول) ثم الجانب المتعلق بتحفيز هذه الموارد (المطلب الثاني) .

المطلب الأول : اعتماد استراتيجية فعالة وحديثة للتأهيل والتكوين

يشكل تكوين وتأطير وتدريب الموارد البشرية رهانا ومفتاح نجاح أي جهاز للوصول إلى طاقات ذات كفاءة وجودة عاليتين واللتين بإمكانهما الدفع بعجلة التنمية وتحقيق أهداف المؤسسة . وفي هذا الإطار نؤكد أن المحاكم المالية لن تستطيع أن تضطلع بالمهام الرقابية المنوطة بها إلا إذا توفرت على الموارد البشرية اللازمة والمؤهلة لذلك ، على اعتبار أن العنصر البشري هو طاقة مهمة ومصدر قوة أي إدارة أو جهاز إذا ما تم استغلاله على الوجه المطلوب ، وإلا فأي ضعف أو خلل يمس هذا الجانب إلا ويكون له آثار سلبية على أداء هذه المؤسسة أو تلك ، كما أن حسن تدبير الموارد البشرية ليس مرتبطا فقط بإعادة النظر في النصوص القانونية أو حسن اختيار الموظف وحسن تدريبه وتكوينه ، بل كذلك على الجهاز أن يضمن الشروط التي تكفل للعنصر البشري الاطمئنان والاستقرار التامين في مستقبله المهني[22] ، كما أن مستقبل الرقابة العليا لا يقتصر فقط على السلطات المخولة لهذه الأجهزة ولكن بالخصوص على رجالاتها الذين سيفعلون هذه السلطات والصلاحيات [23] .

ومن هذا المنطلق فإن المحاكم المالية مدعوة لتجاوز الضعف الذي عرفته تجربة المجلس الأعلى للحسابات سواء من الجانب الكمي والكيفي أو من حيث ضعف  التأطير أو من حيث ضعف التحفيز[24] ، مما يستدعي إصلاحات تهم هذا الجانب .

إن مسألة التأطير وضمان تكوين جيد لقضاة المحاكم المالية يعد لبنة أساسية في إصلاح المنظومة الرقابية بالمغرب ، خصوصا وأن التحولات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية المتسارعة تستدعي إعادة النظر في برامج التكوين حتى تكون المحاكم المالية مسايرة لهذه المتغيرات والتي أصبحت تتطور باستمرار [25]. كما أن القضاة يشكلون عنصرا جوهريا في عملية التنمية الاقتصادية والاجتماعية الشاملة، لأنه يفترض في القاضي العامل في الحقل الرقابي الخبرة والمهارة والمعرفة العلمية النظرية والتطبيقية العالية ، والتكوين الفقهي والنقدي والمنهجي حتى يحظى باحترام الجميع ، وأن يكون أكثر خبرة ومعرفة وله مؤهلات وقدرة على مواكبة شتى التطورات الإستراتيجية والتقنية التي تعرفها علوم التدبير والتدقيق، وذلك لكي ينال احترام المرافق التي تخضع لرقابته [26] .أضف إلى ذلك أن عمل القاضي المالي أصبح يتجاوز وظيفة الرقابة والتدقيق الشامل، بل أصبح من اختصاصاته أيضا تقييم السياسات العمومية.

وإلى جانب التكوين والتأطير ، فإن أجهزة الرقابة العليا على الأموال العمومية تحتاج إلى تفعيل برامج محكمة لتدريب قضاتها على نحو يؤهلهم للقيام بوظائفهم بكفاءة وجودة . وتحتاج أجهزة الرقابة العليا إلى تدعيم التداريب التي يقوم بها القضاة الجدد والموظفين سواء على المستوى الداخلي أو الخارجي ، كإقامة تداريب في مؤسسات عليا للرقابة في الدول الصديقة أو الدول الأعضاء في  المنظمات الدولية  للرقابة العليا المتقدمة في مجال التدقيق والرقابة [27]. وقد حاولت المحاكم المالية السير على هذا النهج من خلال دورات التكوين والتدريب التي نظمها في السنوات الأخيرة . وفي هذا الصدد جاء في التقرير السنوي للمجلس الأعلى للحسابات ببعض المعطيات التي توضح هذا الجانب [28].

ما ينبغي الإشارة إليه أيضا هو أن التكوين ينبغي أن ينظر إليه في شموليته، بحيث يجب ألا يقتصر على التكوين العام [29] الذي يتلقاه القاضي المالي قبل ولوجه للمحاكم المالية ، حيث أن هذا الأخير لا يؤدي إلى تأهيله بكيفية تجعله قادرا على مسايرة مهامه ومواكبة التطورات والتحولات التي يعرفها باستمرار المناخ الاقتصادي والاجتماعي [30] ، وإنما يجب أن يمتد إلى التكوين المستمر لما لهذا الأخير من مزايا وفوائد تتجلى في كونه يربط العمل الرقابي بالمحيط السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي لأي دولة .وفي هذا الإطار يتخذ التكوين المستمر أشكالا مختلفة ، فهناك التكوين على مستوى المجالس الجهوية للحسابات ذاتها أو بالتعاون مع المجلس الأعلى للحسابات، وذلك من أجل الاستفادة من خبرات وتجارب بعض القضاة ، وهناك التكوين خارج المحاكم المالية ، كربط اتفاقيات للتعاون والشراكة بين المحاكم المالية والمعاهد المتخصصة والجامعات ، والعمل بالتالي على تنظيم أيام دراسية وندوات ودورات تكوينية لفائدة قضاة المحاكم المالية ، والانفتاح بالتالي على تجارب أخرى والاستفادة من نتائج البحث العلمي في هذا المجال ، كما يمكن أن يخضع القضاة الماليين لتكوين خارجي وذلك بإرسال  أفواج منهم إلى مختلف المنظمات الدولية والإقليمية والعربية للرقابة والمحاسبة . كما يمكن أن نذكر شكلا آخر من أشكال التكوين المستمر وهو تبادل الخبرات بين المحاكم المالية وباقي الإدارات العمومية والخصوصية من أجل الاطلاع على أساليب التدبير والتسيير المعمول بها في تلك الإدارات والأجهزة[31].

وفي هذا الإطار يمكن الاستفادة من التجارب المقارنة ومنها التجربة الفرنسية ، حيث يوجد تبادل مستمر للأطر بين مختلف الإدارات من جهة والغرف الجهوية للحسابات من جهة ثانية ، إذ  بالإضافة إلى التزام القضاة خريجي المدرسة الوطنية للإدارة بالعمل لوقت معين خارج الغرف الجهوية للحسابات في إدارة عمومية أخرى ، يلاحظ أن مجلس الحسابات يشجع التبادل بين هذه الغرف الإدارات الأخرى ، حيث نجد بشكل دائم تقريبا عددا من قضاة الغرف الجهوية يتولون مناصب : كاتب عام أو مدير مالي أو رئيس مصلحة في الجماعات المحلية أو في إدارات أخرى كالعمالات والأقاليم [32] .

وبالنظر إلى الأهمية التي يحتلها التكوين والتحفيز داخل الأجهزة الرقابية ، فإنه يستوجب إعادة النظر في هاتين العمليتين وفرض مراجعة جذرية لعلاقة العمل ونظام التعويضات [33] حتى ينجز العمل الإداري في ظروف غير التي تهيمن حاليا [34] .

وتأسيسا على ما سبق ، يتضح لنا بأن العنصر البشري هو الدعامة الحقيقية لأي تطور شمولي، ولذلك أصبحت تنمية الموارد البشرية وتحديث نظام تدبيرها يكتسي طابع الراهنية والأولوية [35] ، ويشكل بحق المدخل الحقيقي للرفع من كفاءة ومردودية المحاكم المالية وبالتالي تحقيق أحد المؤشرات الأساسية لأية تنمية مستدامة .

المطلب الثاني : إصلاحات متعلقة بتحفيز الموارد البشرية

من أجل أداء المحاكم المالية بالمغرب لدورها الرقابي بفعالية وكفاءة وإنتاجية ، وجب إيلاء الموارد البشرية لهذه المحاكم ما تستحقه من عناية، وذلك من أجل حمايتهم من كل إغراء مادي أو معنوي، وهو ما حثت عليه توصيات المنظمات الدولية والإقليمية للرقابة المالية ( الأنتوساي ، الأفروساي ، الأرابوساي) . إن توفير الضمانات المادية والمحفزات المعنوية لقضاة المحاكم المالية ليعد وسيلة أساسية

للرفع من جودة الأداء الرقابي للمحاكم المالية . ومن أجل مناقشة هذا الموضوع سنعمد إلى دراسة مقارنة لبعض التجارب الأجنبية خصوصا الفرنسية وبعض الدول العربية .

ففي فرنسا فإن نظام التحفيزات الذي يستفيد منه قضاة المحاكم سواء على الصعيد المركزي أو الجهوي يتمثل في إعطاء أهمية كبيرة للمنح مقارنة مع التعويضات الشهرية ، فأعضاء المحاكم المالية شأنهم في ذاك شأن أعضاء مجلس الدولة الفرنسي يتلقون منح وتعويضات نموذجية . فعلى سبيل المثال فإن مسؤوليهم الكبار حصلوا شهريا على ما يقارب 50 ألف فرنك فرنسي سنة 1984. كما يتلقى الرئيس الأول لمحكمة الحسابات شهريا 25.500 فرنك فرنسي ، إضافة على تعويض على الإقامة من 12 ألفا إلى 140 ألف فرنك فرنسي من المنح إضافة إلى سيارة بسائق وكاتبة [36] . أما المستشار “conseillé maitre”، بمحكمة الحسابات الفرنسية فإنه يتقاضى شهريا 23 ألف فرنك فرنسي زيادة على ما يقارب 1000 إلى 8000 فرنك فرنسي بالنسبة للعلاوات وحسب المردودية .

أما على مستوى بعض الدول العربية،وحسب بحث أجراه الدكتور محمد حركات حول  الوضعية المالية لأجهزة الرقابة العليا في العالم العربي والتي شملت ثلاث دول عربية استجابت للبحث الميداني من أصل 24 دولة عربية ، وهي تونس وقطر والأردن ، فإن نتيجة هذا البحث مفادها أن الوضعية المادية لقضاة كل من تونس وقطر اعتبرت حسنة ، أما في الأردن فقد اعتبرت متوسطة [37]. وعموما فإن وضعية القضاة الماليين في كثير من الدول العربية أحسن من نظيرتها في المغرب .

أما فيما يخص نظام التحفيزات للقضاة الماليين بالمغرب ، فإن وضعية هؤلاء مقارنة مع وضعية زملائهم في فرنسا أو في بعض الدول العربية أو المغاربية على الخصوص تتميز بالضعف والنقص ،  إذ أن المعيقات المسببة لفشل المجلس الأعلى للحسابات في أداء وظائفه المنوطة به في هذا الصدد متعددة ومنها ضعف المحفزات المالية والمعنوية كما نص على ذلك قانون 20.80 ، الصادر بتاريخ 25 دجنبر 1980، والمتعلق بالنظام الأساسي لقضاة المجلس الأعلى للحسابات ، إضافة إلى ضعف نظام الترقية بالمجلس [38] .

ولتجاوز هذه الوضعية المتسمة بالضعف نؤكد على ضرورة توفير ضمانات وتحسين ظروف عمل القضاة وكل أطر الأجهزة العليا للرقابة في اتجاه ضمان استقلاليتهم وحمايتهم من كل الإغراءات المادية أو المعنوية التي قد يتعرضون لها . وجدير بالذكر في هذا الإطار أن أعضاء المؤسسات العليا للرقابة في كل الدول هم أكبر هيئات الدولة مكافأة وأكثرهم امتيازا .

وعلى هذا الأساس عملت جل الدول على إعطاء منح وتحفيزات تصل عند كبار المسؤولين في المحاكم

المالية في فرنسا إلى 50 ألف فرنك فرنسي سنويا ، أما في بريطانيا ، وحرصا على استقلالية وفعالية الجهاز الرقابي ، فإن السلطات تمنح القضاة شيكا على بياض يضعون فيه المبلغ الذي يتركهم بعيدين عن كل إغراء أو تأثير ، الشيء الذي يجعلهم يقومون بمهامهم في جو من النزاهة والابتعاد عن التلاعب بالمال العام .

المبحث الثاني : إصلاحات خاصة بالجوانب المالية والمادية للمحاكم المالية

تعد الموارد المالية من بين أهم الدعامات الأساسية لعمل المحاكم المالية ، فهي تساعدها على التمتع بالاستقلالية والحياد في أداء وظائفها الرقابية . إلا أن المحاكم المالية تعاني من عدة إكراهات ذات طبيعة مالية ومادية مما يستدعي الوقوف بجدية على هذا الوضع ، ومحاولة إصلاح مواطن الخلل من أجل توفير جو سليم لاشتغال المحاكم المالية . ويرتبط الإصلاح المتوخى تحقيقه في هذا الجانب بمعطيين أساسين ، الأول يتعلق بإصلاحات متعلقة بميزانية المحاكم المالية (المطلب الأول) ، فيما يتمثل المعطى الثاني في ضرورة إدخال إصلاحات فعالة فيما يخص الجوانب المادية للمحاكم المالية (المطلب الثاني) .

المطلب الأول : إصلاحات متعلقة بميزانية المحاكم المالية

إن الموارد المالية المرصودة للمحاكم المالية تتسم بالضعف والمحدودية ، مما أثر سلبا على الأداء الرقابي للمحاكم المالية ، وهذا الوضع لم يساعد المجلس الأعلى للحسابات في تجربته السابقة على تحقيق الشرط الأساسي في الممارسة الرقابية ، وهو شرط الاستقلال العضوي والوظيفي والمالي الذي يستلزم التوفر على ميزانية مستقلة ، هذا فضلا عن التحكم في تنفيذها [39] . لكن رغم هذه المستجدات المهمة فإن ميزانية المحاكم المالية تبقى دون مستوى الأهداف والوظائف المرسومة لهذه المحاكم مما تطلب الأمر التدخل من أجل إجراء إصلاحات و تعديلات تهم بالخصوص تعزيز ميزانية المحاكم المالية ( الفرع الأول ) وضرورة إخضاع المحاكم المالية للرقابة (الفرع الثاني) .

الفرع الأول : تعزيز ميزانية المحاكم المالية

إن الجديد الذي جاءت به مدونة المحاكم المالية في هذا الصدد هو أن ميزانية المحاكم المالية أصبحت موحدة ومسجلة بالميزانية العامة للدولة [40] ، بعدما كانت تابعة لميزانية الوزارة الأولى ، كما يهيئ مشروعها الرئيس الأول للمجلس الأعلى للحسابات الذي يعتبر الآمر بصرفها ، كما أنها غير خاضعة للرقابة السابقة . لكن رغم كل هذا فإن الموارد المالية المخصصة للمحاكم المالية تبقى ضعيفة ومحدودة بالنظر إلى ثقل الوظائف وتعدد مواطن تدخل هذه المحاكم. وفي هذا الصدد أشار التقرير الأخير للمجلس

الأعلى للحسابات أي لسنة 2012 ،  أن من بين أهم الإكراهات التي  تعرقل سير المحاكم المالية هي الإكراهات المالية ، رغم التطور  المهم الحاصل في ميزانيتها .

إن الاعتمادات المالية والمادية للمحاكم المالية تبقى دون مستوى التطلعات التي تسعى إلى تحقيقها الرقابة العليا على المال العام بالمغرب ، وهذا ما أكده التقرير السنوي للمجلس الأعلى للحسابات سنة 2012 ، وبالتالي رد الاعتبار للمال العام الذي يعد أساس كل تنمية. كما يجب إصلاح الخلل وعدم التوازن الذي تعانيه ميزانية المحاكم المالية على مستوى توزيع مواردها ، إذ مثلا تشكل نفقات الموظفين أكثر من 65.12 % من ميزانية التسيير ، فيما تبقى 34.88 % فقط مخصصة لشراء العتاد ونفقات أخرى [41] .

الفرع الثاني : إخضاع المحاكم المالية للرقابة المالية

إن تفعيل مبدأ الرقابة وتقديم الحساب والمساءلة كلها آليات حديثة لقياس مدى خضوع جهز ما لمبدأ الشرعية والتي تعد كذلك من المبادئ المهمة للتدبير الجيد والرشيد أو ما يصطلح عليه بالحكامة ، الشيء الذي يجعلنا نؤكد على ضرورة خضوع جميع الأجهزة والهيئات المرتبطة بالمال العام بما فيها جهاز المحاكم المالية نفسه للرقابة . وفي اعتقادنا أن التنصيص في مدونة المحاكم المالية على إعفاء المحاكم المالية من المراقبة السابقة التي يمارسها جهاز الرقابة على الالتزام بنفقات الدولة [42]ـ الذي تم إدماجه في جهاز الخزينة العامة للمملكة في إطار الإصلاحات المؤسساتية والقانونية المتعلقة بالمنظومة الرقابية ـ ليس له ما يبرره دستوريا وتقنيا بحكم شمولية الرقابة التي تطال القوانين ، واتجاه المؤسسات إلى دعم المساءلة والشفافية وتقديم الحساب ، حيث أنه في زمن ترشيد استعمال الأموال العامة وترسيخ مبادئ الرقابة الشاملة ، ينبغي أن تكون المحاكم المالية نموذجا يتحدى به ورائدة للشفافية وحسن التدبير [43] ، وهذا ما نصت عليه توصيات الندوة الدولية السادسة حول : ” المجالس الجهوية للحسابات والحكامة الجيدة ” ، من خلال التأكيد على دور الرقابة والشفافية في تحقيق أداء اقتصادي متميز مع التوصية بإخضاع أجهزة المراقبة المالية هي نفسها للمراقبة والتقويم من أجل التعرف على كلفة اشتغالها ، وما يمكن أن تدره على ميزانية الدولة من مداخيل وما يمكن أن تلعبه المحاكم المالية بصفة خاصة من تكريس لقيم الاقتصاد وحسن التدبير [44] . إضافة إلى أن تكريس حالة التنافي ، عند التنصيص على الرقابة اللاحقة للمحاكم المالية من خلال تشكيل لجنة إدارية تحت رئاسة المفتش العام للمالية وعضوية المراقب العام للالتزام بالنفقات ومدير الميزانية للسهر على الرقابة اللاحقة لهذه المحاكم . إن التنصيص على هذه الوضعية من شأنه إخضاع هذه المحاكم للرقابة من لدن الجهاز الإداري (مدير الميزانية بوزارة المالية) الذي يخضع بدوره لرقابة المحاكم المالية ، فكيف يمكن في هذه الحالة للجهاز الخاضع للرقابة من المحاكم المالية أن يراقب مراقبه ؟ كما أننا في هذا الإطار نتساءل حول مدى جدوى التقرير المدرج في التقرير السنوي للجهاز الأعلى للرقابة ، إذا كانت فرضياته لا تحترم مبدأ فصل السلط ، وهو مبدأ جوهري في علم التدقيق والمراقبة الداخلية على المال العام [45] ؟

ولمعالجة هذا الإشكال المؤسساتي والقانوني والتقني في نفس الوقت ، فإن بعض الباحثين المتخصصين في مجال الرقبة العليا على الأموال العمومية اقترحوا ضرورة استبدال اللجنة المنصوص عليها في مدونة المحاكم المالية بمكتب تدقيق خارجي في إطار تعاقد ، كما هو معمول به في إسبانيا وإنجلترا [46].

المطلب الثاني : إصلاح الجوانب المادية للمحاكم المالية

بالإضافة إلى الجوانب المالية ، تشكل الإمكانيات المادية للمحاكم المالية مؤشرا على نجاح أو فشل المحاكم المالية في القيام بوظائفها واختصاصاتها ، وبدورها فإن هذه الجوانب تعرف ضعفا ومحدودية ، وهذا ما كان له تأثير مباشر على الأداء الرقابي لهذه المؤسسات ، الشيء الذي يجعلنا نؤكد على أهمية إصلاح الجوانب المادية للمحاكم المالية ، من خلال تعزيز منظومة المعلوميات في عمل هذه المحاكم.

إن إنتاجية أي مؤسسة رهين بتوفرها على الوسائل المادية المعتمدة في عملها وبنوعية وحداثة هذه الوسائل والإمكانيات ، من هنا تظهر أهمية هذا الجانب ، والمحاكم المالية مطالبة بتوفير هذه الجوانب للرفع من جودة أدائها والرفع من مستوى عملها ، واعتماد الأساليب الحديثة في الرقابة ، والتي تتطلب الاستعانة بتقنيات المعلوميات والحواسيب والوسائل الحديثة لمعالجة المعلومات والإحصائيات لمواجهة متطلبات الافتحاص والرقابة [47] ، ذلك أن الحاسوب الإلكتروني مثلا يقوم بتوفير المعلومات الكافية بسرعة فائقة حيث يتم الوصول إلى النتائج المرجوة في الوقت المناسب [48] ، وبالتالي فالمراقبة والمعالجة بواسطة الحاسوب تعمل على توفير المعلومات الممكن استعمالها، كما أنها تضمن مراقبة وتحليل هامين، هذا فضلا عن إلمامها بالنظام الإجرائي للمراقبة [49] .

وفي نفس الإطار تشكل التكنولوجيا الحديثة للإعلام والاتصال آلية مهمة لتحقيق الشفافية ، وذلك من خلال التدبير الجيد إثر تبادل المعلومات ، وكذا الرفع من مردودية المؤسسة ، هذا فضلا عن المعالجة الإحصائية السريعة لمجموعة من القضايا التي تهم الشأن العام [50] .

كما أن دور المعلوميات تزداد أهمية في حالة تحول المعطيات التي تنتجها الأجهزة الخاضعة للمراقبة من معطيات مضمنة في أوراق إلى معطيات رقمية ، حيث سيكون بإمكان القاضي المالي فرز تلك المعطيات وفحصها حسب معايير محددة بناء على محاور المراقبة التي سبق له تحديدها مع ضمان جواب كامل وسريع [51] ، الشيء الذي يجعل من المعلوميات وسيلة للتأسيس لوضع تسوده الشفافية والديموقراطية والانفتاح على المحيط الاجتماعي [52] .

وفي هذا الإطار دعت المنظمات الدولية والإقليمية للرقابة العليا على الأموال العمومية من خلال توصياتها وإعلاناتها إلى ضرورة اعتماد أسلوب المعلوميات ، وأكدت على ضرورة التحكم في التقنية المعلوماتية واستعمالها في مجال الرقابة ، حيث يتعين على الأجهزة التزود بجميع المناهج العصرية ، والفحص التحليلي والمعلومات الآلية [53] . وهكذا فإن الرقابة من خلال الحكومة الإلكترونية تعد من بين الأدوات الرئيسية التي تمكن من تعميق إصلاح شامل لإدارة الأموال العمومية ، وتحسين الأداء وتطوير الخدمات بصورة أفضل وإزالة التعقيدات الإدارية ، ومن ثم فهي نواة حقيقية في طريق التحول الهادف إلى تحقيق الأداء الإداري للمال العام الأكثر اقتصادا وكفاءة وفاعلية [54] .

وتأسيسا على ما سبق ولتطوير معايير الرقابة بناء على نظم المعلوميات نقترح ما يلي :

ـ وضع إطار قانوني وإصدار تشريعات لتقنين نظم تكنولوجيا المعلوميات .

ـ تأهيل الموارد البشرية في الأجهزة العليا للرقابة على الأموال العمومية في مجال الرقابة عن طريق الحاسوب ونظم تكنولوجيا المعلومات .

ـ توفير أدلة وبرامج المراجعة في مجال رقابة الحاسوب ونظم تكنولوجيا المعلومات.

ـ تبادل المعلومات ما بين الأجهزة العليا للرقابة في مجال تطبيقات الرقابة على نظم تكنولوجيا المعلومات.

ـ تعزيز التنسيق بين المجلس الأعلى للحسابات والمجالس الجهوية للحسابات وأجهزة المراقبة المالية الأخرى والجهات المسؤولة عن تكنولوجيا المعلومات في الدولة .

ـ قيام الأجهزة العليا للرقابة بالعمل على بناء قاعدة بيانات إلكترونية متكاملة تتعلق بمهام المراجعة المختلفة .

ـ المراجعة والتحديث الدائمين للسياسات والإجراءات والمعايير المطبقة لدى جهاز الرقابة ، فيما يتعلق

بنظم المعلومات بما يضمن لها مواكبة التطورات والمستجدات في هذا المجال .

وخلاصة القول ، فالمحاكم المالية مدعوة لإنشاء وتطوير نظم معلومات متكاملة تتولى تجميع ومعالجة البيانات والمعلومات المتداولة ، إذ أصبح نظم المعلومات المبنية على استخدام الحاسبات بتطبيقاتها المتعددة والمتنوعة مستخدمة في مختلف الأنشطة والمجالات وفي كافة التنظيمات الإدارية الحديثة [55] . وفي هذا الإطار يجدر بنا أن نلاحظ أن ميزانية المخصصة لشراء عتاد الإعلاميات بسنة 2012 عرفت انخفاضا كبيرا وصل إلى حد 41.79%  مقارنة بسنة 2011 [56] .

المبحث الثالث : تعزيز اللامركزية من خلال تطوير عمل المجالس الجهوية للحسابات

في إطار سياسة اللامركزية واللاتركيز الإداري ، وحرصا على تدعيم هذه السياسة ، ومن أجل تحسين تدبير الجماعات المحلية [57] عمد المشرع المغربي إلى إعطاء المجالس الجهوية للحسابات سندها الدستوري بمقتضى المادة 98 من دستور 1996 ، والتي نصت على أن : ” تتولى مجالس جهوية للحسابات مراقبة حسابات الجماعات المحلية وهيئاتها وكيفية قيامها بتدبير شؤونها ” ، ثم أكدها دستور 2001 في مادته 149 وتتجلى اللامركزية في هذا المجال في كون هذه المجالس أحدثت لتمارس على الصعيد المحلي كافة الاختصاصات المخولة للمجلس الأعلى للحسابات على الصعيد الوطني ، لممارسة الرقابة على حسابات وتسيير الجهات والجماعات الترابية الأخرى وهيئاتها ، وكيفية تدبير شؤونها ، وهو ما من شأنه أن يشكل قفزة نوعية لنظام الرقابة عموما والمحلية خصوصا.

إن التنصيص الدستوري على المحاكم المالية الجهوية يجعل من هذه الأخيرة مؤسسة مرموقة ذات مكانة متميزة في النسيج المؤسساتي للدولة المغربية ، ينتظر منها تدعيم اللامركزية وتحصين الديموقراطية المحلية ، كما أنها تعد آلية لتحقيق شفافية العمل الجماعي ، وأن إحداثها يستجيب لأهداف تقنية وأخرى سياسية [58] ، فضلا عن المساهمة في النهوض بمشاريع التنمية والاقتصادية والاجتماعية التي تعرفها ربوع المملكة [59] ، خصوصا على الصعيد الجهوي والمحلي .

وترجمة للمقتضيات الدستورية فقد قام المشرع المغربي بإصدار مدونة المحاكم المالية سنة 2003 خصوصا في الكتاب الثاني المتعلق بالمجالس الجهوية للحسابات ، لكنها لم تبدأ في الاشتغال عمليا إلا سنة 2004 . فاعتماد جهوية الرقابة المالية العليا وشروط إدماجها على الصعيد الجهوي والمحلي اعتبر من بين العناصر الأساسية التي حظيت باهتمام المناظرة التي انعقدت بتعاون مع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي [60] بتاريخ 14 و 15 شتنبر 1998 حول موضوع ” دور الأجهزة العليا للرقابة على الأموال العمومية في مسلسل تدبير الشأن العام ” .

إن ضرورة إيجاد امتداد جهوي للمجلس الأعلى للحسابات يساير التوجه الرقابي الحديث الذي يقتضي تقريب الرقابة من الهيئات المحلية ، كما أن هذا التقريب يساعد على دعم مبدأ الحفاظ على الموارد المحلية ويسد النقص الذي تعرفه كل من الرقابة السياسية والإدارية ، إلا أن الامتداد الجهوي عن طريق إحداث مجالس جهوية للحسابات يتطلب ضرورة تفعيل عملي لآلياته الرقابية [61].

ولتفعيل هذا الامتداد الجهوي ونجاحه في تحقيق وتوسيع نظام المراقبة لا بد من توفر الشروط اللازمة لتفعيل الدور الرقابي للمجالس الجهوية للحسابات ، ويتعلق الأمر بالعناصر الأساسية التي يمكن أن تعتبر سر نجاح هذه المجالس ، وهي كل ما يتعلق بالموارد البشرية والمادية ، فالاهتمام بهذه الجوانب سيساعد على تجاوز الإكراهات السابقة ، وتحقيق نجاح فعال لهذه التجربة كما هو الشأن بالنسبة للنموذج الخاص بالغرف الجهوية للحسابات الفرنسية ، الذي ينبني على الإطار القضائي لهذه الغرف والذي يتمتع بتكوين عال ، وإعداد كاف وتواجد فعلي وقريب من الهيئات المراقبة ، واستقلالية تمكنه من القيام بدوره دون الخضوع لأي تأثير في ممارسة مهامه [62] . وهكذا أصبح وضع الغرف الجهوية للحسابات متميزا وأكثر فاعلية من محكمة الحسابات بحكم العامل الجغرافي الذي يساعد المجالس على تقدير الوضع المحلي وكذلك تشخيص المشاكل المالية من حيث تدبيرها في الوقت المناسب وفي أسرع وقت ممكن [63] ، على الرغم من وجود تبعية قانونية [64] ووظيفية وعضوية لمحكمة الحسابات . كما أن تفعيل دور المجالس الجهوية للحسابات وتقوية صلاحياتها ، ومدها بالإمكانيات البشرية والمالية والمادية واللوجيستيكية ، واستفادتها من التجارب الأجنبية في مجال الرقابة المالية القضائية المحلية ، كلها عناصر من شأنها أن تساهم في تكريس اللامركزية الرقابية وتعزيزها . غير أن هذه الشروط لن تكفي لوحدها لتحقيق هذا المبتغى ، بل لا بد من تبني مقاربة شمولية للإصلاح خصوصا ما تعلق بالمحيط الخارجي للمجالس الجهوية للحسابات لتشمل واقع الجماعات المحلية بالمغرب من خلال تجاوز معيقات العمل الجماعي ، وضرورة منحها الاستقلالية اللازمة والتخفيف من حدة الوصاية المركزية ومدها بالوسائل المادية والبشرية الكافية ، والسهر على تكوين المنتخبين تكوينا جيدا يساير المستجدات السياسية والاقتصادية والاجتماعية الوطنية والدولية ، وضرورة عقلنة وتحديث وترشيد الإنفاق العمومي المحلي ، وكذا تبني شراكة حقيقية بينها وبين المواطنين ومختلف الفعاليات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والجمعوية ، وبتنسيق مع المجالس الجهوية للحسابات للمساهمة في تقوية الشفافية والديموقراطية على المستوى المحلي [65] .

وبصفة عامة،فنجاح الأجهزة العليا للرقابة على الأموال العمومية المحلية يتطلب محيطا محليا مساعدا[66]، ويحتاج إلى تغيير جذري للأسس التي تنبني عليها ، والتي تتطلب ضرورة إشراك هيئات أخرى ودعمها لمساعدة المجالس الجهوية للحسابات على تحقيق أهدافها ولتخفيف المسؤولية الملقاة على عاتقها ، ثم توفير حماية أكثر للمال العام من خلال توسيع نظام المراقبة ليشمل كل الأجهزة  موضوع المراقبة [67].

خاتمة :

إن الوضع الذي تعيشه المحاكم المالية جعلنا نتطلع إلى آفاق الإصلاح من أجل تجاوز مواطن الضعف وتصحيح مكامن الخلل في سبيل تطوير الأداء الرقابي لهذه المحاكم خصوصا وتحديث المنظومة الرقابية عموما ، مما ينعكس إيجابا على مسألة حماية المال العام وتكريس مبادئ الشفافية المالية وإرساء ثقافة تقديم الحساب والمساءلة والمحاسبة ، وهي كلها أسس مهمة من أسس الحكامة الجيدة والتدبير الرشيد .

وتجاوزا للإكراهات والمعيقات التي تعترض عمل المحاكم المالية ، سواء الداخلية أو الخارجية ، ومن أجل الرفع من أداء وكفاءة الأجهزة العليا للرقابة وتحسين جودتها ، ولمواكبة التطورات والمستجدات في جميع الميادين وللحفاظ على المال العام من التبذير والإسراف ومن أجل تحقيق التنمية المستدامة ، فإن الإصلاح يجب أن يترجم من خلال فتح العديد من الأوراش تأسيا بالتجارب المتقدمة والرائدة في هذا المجال التي أصبحت فيها هذه الأجهزة مؤسسات من الوزن الثقيل ، وتماشيا مع المعايير الدولية الحديثة والمتغيرات الواقعية في مختلف المجالات .

إن نجاح القضاء المالي رهين بمدى تحسن ظروف اشتغاله وتحديث بنيته التنظيمية والقانونية وكذا إصلاح محيطه الخارجي ، وهذا النجاح مرتبط كذلك بإعمال مفهوم جديد لتدبير المال العمومي والرقابة عليه . إلا أن الحديث عن مفهوم جديد لطرق تدبير المال العام وللرقابة عليه إنما هو مرتبط بتكريس حكم القانون وبتفعيل دور الإرادة العامة في إنشاء مؤسسات الدولة وفي المحافظة عليها بتفعيل الأسس الديموقراطية والشرعية . فلا يمكن تصور تحقيق الاستقامة في أداء الوظائف العامة ، والقضاء المالي واحد من أهم هذه الوظائف ، دون تحديد المسؤوليات ، ولا يمكن النجاح في تحديد المسؤوليات في غياب الانضباط الديموقراطي الذي لا تتحقق النزاهة والاستقامة بدونه ، فالاستقامة والديموقراطية والنزاهة هي شقائق وبنات أسرة واحدة ولا يمكن أن نفصل إحداهن عن الأخرى [68] .

إن تحسين المناخ العام الوطني على كل مستوياته خصوصا السياسي والإداري هو مفتاح كل نجاح لعمل القضاء المالي ، وبالتالي منح الضمانات الكافية والأساسية لتفعيل الرقابة على الأموال العمومية ، هذا كله مرتبط بمدى عمق الإصلاحات والمراجعات التي يجب اتخاذها في هذا الاتجاه ، وبإعادة النظر في المحيط الخارجي الذي يشتغل في ظله القضاء المالي .

وختاما لكل ما سبق نخلص إلى العديد من النتائج والاقتراحات والتوصيات التي نعتقد أن من شأنها تفعيل أجهزة الرقابة العليا على الأموال العمومية ببلادنا حيث أن الحكم المالي الرشيد مرتبط بشكل أساسي بفاعلية هذه الأجهزة واستقلاليتها والإمكانيات المرصودة لها في سبيل قيامها بوظائفها ، وقد بلورنا هذه التوصيات والاقتراحات على النحو التالي :

مؤسسات الرقابة الموجودة .

الحساب .

وأخيرا ما يمكن قوله ونحن قد أتينا على الانتهاء من هذه الدراسة أن النتائج المتوصل إليها والاقتراحات والتوصيات التي استعرضناها هي محاولة لتحسين وتطوير آليات حماية المال العام وتجويد تدبير الشأن العمومي ، وبالتالي كسب رهان التنمية المستدامة والحكامة الجيدة .

 

لائحة المراجع

أولا المراجع باللغة العربية

1ـــ الكتب

أـــ الكتب العامة

ب ـــ الكتب المتخصصة

2ـــ الرسائل والأطروحات

أـــ الأطروحات

العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية ، السنة الجامعية : 2002 ـ 2003 .

ب ـــ الرسائل

في القانون العام ، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية ، جامعة الحسن الثاني،

عين الشق ، الدار البيضاء ، السنة الجامعية : 2002 .

3ـــ المقالات

4ـــ الندوات والمناظرات

5ـــ النصوص القانونية

أــ الظهائر

ب ـــ المراسيم

6ـــ التقارير

 

ثانيا : المراجع باللغة الفرنسية .

1– Les ouvrages

EDIPRIM, Casablanca, 1992 .

2- Les théses et les mémoires

3- Les articles

 

[1]ـ ظهير شريف رقم 1.79.175 بتاريخ 22 شوال 1399 (14 شتنبر 1979)، يتضمن الأمر بتنفيذ القانون رقم 12.79 المتعلق بإحداث المجلس الأعلى للحسابات .

[2]ـ الدستور المغربي لسنة 1996 الصادر بتنفيذ نصه الظهير الشريف رقم 1.96.157 المؤرخ بـ 23 من جمادى الأولى 1417 (7 أكتوبر 1996)، ج.ر عدد 4420 بتاريخ 26 من جمادى الأولى 1417 ( 10 أكتوبر 1996 ).

[3] ظهير شريف رقم 1.11.91 صادر في 27 شعبان 1432(29 يوليوز 2011) بتنفيذ نص الدستور المنشور في الجريدة الرسمية عدد 5964 مكرر الصادرة في 28 شعبان 1732(30 يوليوز 2011) .

[4] ـ الظهير الشريف رقم 1.02.124 صادر في 13 يونيو 2002 بتنفيذ القانون رقم 62.99 المتعلق بمدونة المحاكم المالية ، الجريدة الرسمية عدد 5030 بتاريخ 15 غشت 2002 .

[5]ـ محمد براو : الوجيز في شرح قانون المحاكم المالية بالمغرب ، مطبعة طوب بريس ، الرباط ، الطبعة الأولى ، غشت 2004 . ص : 216 .

[6]ـ الظهير الشريف 1.91.225 الصادر في 22 ربيع الأول 1414(10شتنبر 1993) بتنفيذ القانون رقم 41.90 المحدث للمحاكم الإدارية، ج.ر : عدد 4227 بتاريخ 3 نونبر1993، ص : 2168 .

[7]ـ وهذا ما يتناقض مع مقتضيات الفقرة الرابعة من الفصل 148 من الدستور المغربي لـ 2011 والتي تؤكد على أن : ” ينشر المجلس الأعلى للحسابات جميع أعماله ، بما فيها التقارير الخاصة والمقررات القضائية ” .  

[8]ـ احميدوش مدني : المحاكم المالية بالمغرب، دراسة نظرية وتطبيقية مقارنة ، مطبعة : فضالة ، المحمدية ، ط : 1 ، 2003 .، ص : 369 .

[9]ـ محمد حركات : دور الرقابة والمساءلة في تحقيق التنمية والوحدة،مجلة المستقبل العربي،السنة 14، العدد 154 ،دجنبر 1991 ،ص: 52.

[10]ـ عبد العلي بنيعيش : عبد العلي بنيعيش : إشكالية ترشيد المالية في المغرب ورهانات المحاكم المالية ، رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة في القانون العام ، جامعة عبد المالك السعدي، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية ،طنجة ، السنة الجامعية : 2007ـ2008 .، ص : 123 .

[11]ـ محمد المجيدي : دور المجالس الجهوية للحسابات في تطوير أداء الجماعات المحلية ، نقلا عن أشرف البقالي القاسمي : أداء المجالس الجهوية للحسابات بين ملاءمة الإطار القانوني وإكراهات الواقع العملي ، رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة في القانون الخاص ، جامعة محمد الخامس ، السويسي ، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية ، الرباط ، السنة الجامعية : 2008 ـ 2009 ، ص : 76 .

 

[12]ـ ينص الفصل 19 من الباب الثاني من الدستور المغربي لسنة 2011 على أن ” يتمتع الرجل والمرأة على قدم المساواة بالحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية … ” .

[13]ـ تنص المادة 52 من مدونة المحاكم المالية على ما يلي : ” لا يخضع للاختصاص القضائي للمجلس في ميدان التأديب المتعلق بالميزانية والشؤون المالية أعضاء الحكومة وأعضاء مجلس النواب ومجلس المستشارين عندما يمارسون مهامهم بهذه الصفة “.

[14]– (A) Fikri : Le parlement Marocain et les finances de l’état,Edition Afrique Orient,Casablanca,1988,p:173.  

[15]– Said Oujemaa : Le contrôle des finances publiques au Maroc,Éditions Wallada,Casablanca,1995,p:116 .

[16] ـ الفصل 94 من الدستور المغربي لسنة 2011.

[17]– (A)Fikri : Le parlement Marocain … , op cit , p : 173 . 

[18]ـ تنص المادة 391 من قانون الالتزامات والعقود على : ” الحقوق الدورية والمعاشات و أكرية الأراضي والمباني والفوائد وغيرها من الأداءات المماثلة تتقادم في مواجهة أي شخص كان بخمس سنوات ابتداء من حلول كل قسط ” .

[19]ـ تنص المادة 107 على أنه : ” تتقادم المخالفات المنصوص عليها في المواد 54 و55 و56 أعلاه ، إذا لم يتم اكتشافها من طرف المجلس أو كل سلطة مختصة ، داخل أجل خمس (5) سنوات كاملة يبتدئ من التاريخ الذي تكون قد ارتكبت فيه.  يدقق المجلس ويبت بقرار تمهيدي في الحسابات قبل انصرام أجل خمس (5) سنوات يبتدئ من تاريخ تقديم الحساب إلى المجلس. ويعتبر كل قرار نهائي يصدر عن المجلس بعد هذا الأجل يثبت عجزا في حساب المحاسب العمومي، غير قابل للتنفيذ إذا لم يكن مسبوقا بقرار صادر عن المجلس داخل الأجل المشار إليه في الفقرة الثانية أعلاه، وتطبق هذه المقتضيات كذلك على الحسابات المتعلقة بالسنوات التي لم يصدر في شانها قرارات نهائية قبل دخول هذا القانون حيز التنفيذ. غير أن مقتضيات هذه المادة لا تطبق على التسيير بحكم الواقع ” .

[20] ـ تناط بالمجلس الأعلى للحسابات مهمة تتبع ومراقبة وتتبع التصريح بالممتلكات وتدقيق حسابات الأحزاب السياسية وفحص النفقات المتعلقة بالعمليات الانتخابية .

[21]ـ أبو القاسم أحمد آدم : الفكر الإداري عند ابن تيمية ، رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة في القانون العام ، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية ، جامعة محمد الخامس ، السنة الجامعية : 1990 ـ 1991 ، ص : 128 .

[22]ـ مريم سقاوي : دور العنصر البشري في التنمية الإدارية ، رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة في القانون العام ، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية ، جامعة الحسن الثاني ، عين الشق ، الدار البيضاء ، السنة الجامعية : 2002 ـ 2003، ص : 66 .

[23]– (A.P) Mirmonde , La cour des comptes , cité par :

 (M) Harakat : Contribution à une théorie générale du contrôle supérieur des finances publiques: cas du Maroc, 1991, Thèse d’Etat, p : 598.

[24]– (M) Harakat : L’audit dans le secteur public au Maroc Tome2 : Cas de la cour des comptes La fondation Hanns Seidel , 1994 , p : 35 .

[25]ـ المهدي بنمير : الإدارة القضائية بالمغرب رهان الإصلاح القضائي ، دار وليلي للطباعة والنشر ، الطبعة الأولى ، 2005 ، ص : 72 .

[26]ـ محمد محمد حركات:التدبير الاستراتيجي والمنافسة ورهانات الجودة الكلية بالمقاولات المغربية،مطبعة فضالة،المحمدية،1997،ص:114.

[27]ـ جمال السليماني : المحاكم المالية بالمغرب ـ دراسة مقارنة ،أطروحة لنيل الدكتوراه في القانون العام، جامعة محمد الأول،كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية،وجدة،السنة الجامعية:2007ـ 2008.

[28]ـ لمزيد من التفاصيل يراجع تقرير المجلس الأعلى للحسابات لسنة 2012 ، الجزء الثاني ، من : ص : 351  و  352 .

[29]ـ المهدي بنمير : الإدارة القضائية …، مرجع سابق ، ص : 73 .

[30]ـ محمد كادة : تدبير الموارد البشرية بالإدارة العمومية ، رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة في القانون العام ، جامعة محمد الخامس، أكدال ، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية ، السنة الجامعية : 2000 ـ 2001 ، ص : 80 .

[31]ـ هشام الحسكة : المجالس الجهوية للحسابات وإشكالية إرساء شفافية تدبير الأموال العمومية المحلية ـ دراسة نظرية/ تطبيقة مقارنة ، رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة،جامعة عبد المالك السعدي،كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية، طنجة،السنة الجامعية: 2007ـ2008.، ص : 259 .

[32]ـ محمد مجيدي : دور المجالس الجهوية للحسابات في تطوير أداء الجماعات المحلية ، أطروحة لنيل الدكتوراه في الحقوق ، جامعة محمد الخامس ، أكدال ، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية ، السنة الجامعية : 2006 ـ 2007 ، ص : 206 .

[33]ـ مرسوم رقم 952.9.52 لـ 6 شوال 1418 ، الموافق لـ 41 فبراير 1998 المعدل والمتمم للمرسوم رقم 2.82.526 لـ 28 ربيع الأول 1403 الموافق لـ 13 يناير 1983 المحدد للتعويضات والامتيازات الممنوحة لقضاة المجلس الأعلى للحسابات ، ج.ر عدد 4562 ، بتاريخ 19 فبراير 1998 ، صص : 124 ـ 125 .

[34]ـ علي سدجاري : الدولة والإدارة بين التحديث والتقليد، دار المناهل للطباعة والنشر ، سلسلة البحوث الإدارية ،الرباط ، 1999،ص: 358.

[35]ـ بشرى خاجي : تدبير الموارد البشرية ـ نموذج وزارة الاقتصاد والمالية ، رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة في القانون العام ، جامعة محمد الخامس ، أكدال ، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية ، السنة الجامعية : 2002 ـ 2003، ص : 10 .

[36]– (M)Harakat : L’audit dans le secteur public …, op. cit , p : 44 .

[37]– (M)Harakat : contribution à une théorie p : 428 .

[38]ـ جمال السليماني : المحاكم المالية بالمغرب …، مرجع سابق ، ص : 263 .

[39]ـ سعيد جفري : الرقابة على المالية المحلية بالمغرب ـ محاولة نقدية في الأسس القانونية ، السياسية، الإدارية والمالية ، أطروحة لنيل دكتوراه الدولة في القانون العام ، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية ، الدار البيضاء ، 1997 ـ 1998 ، ص : 331 .

[40]ـ تنص المادة 112 على أن : ” تدرج ميزانية المحاكم المالية في الميزانية العامة للدولة. ولتنفيذ هذه الميزانية التي لا تخضع لمراقبة سابقة، يلحق محاسب عمومي بالمجلس بقرار من الوزير المكلف بالمالية، للقيام بباقي الصلاحيات إلى المحاسبين العموميين طبقا للقوانين والأنظمة الجاري بها العمل “.

[41]ـ للمزيد من التفاصيل انظر تقرير المجلس الأعلى للحسابات لسنة 2012 ، الجزء الأول ، ص : 349 .

[42]ـ تنص المادة 112 من مدونة المحاكم المالية على أن : ” تدرج ميزانية المحاكم المالية في الميزانية العامة للدولة. ولتنفيذ هذه الميزانية التي لا تخضع لمراقبة سابقة، يلحق محاسب عمومي بالمجلس بقرار من الوزير المكلف بالمالية، للقيام بباقي الصلاحيات إلى المحاسبين العموميين طبقا للقوانين والأنظمة الجاري بها العمل ” .

[43]ـ  محمد حركات :الرقابة العليا على المال العام ـ الوظائف والإكراهات ، في المالية بالمغرب ،المجلة المغربية للتدقيق والتنمية، العدد : 13، دجنبر 2001 ، مطبعة المعاريف الجديدة ، الرباط ، ص : 101 .

[44]ـ  توصيات الندوة الدولية السادسة حول : ” المجالس الجهوية للحسابات والحكامة الجيدة ” ، منشورات المجلة المغربية للتدقيق والتنمية ، سلسلة التدبير الاستراتيجي ، العدد : 7 ، 2005 ، مطبعة المعاريف الجديدة ، الرباط ، ص : 31 .

[45]ـ محمد حركات :الرقابة العليا على المال العام … ، مرجع سابق ، ص : 102 .

[46]ـ نفس المرجع ، ص : 102 .

[47]ـ سعيد جفري : الرقابة على مالية…، مرجع سابق ، ص : 323 .

[48]ـ احميدوش مدني ، المحاكم المالية بالمغرب …، مرجع سابق ، ص : 359 .

[49]– (M)Harakat : L’audit dans le secteur…., op.cit , p : 44 .

[50]– (M) Moutmihi : Les nouvelles technologies de l’information et de la communication et les collectivités locales , R.E.M.A.D , n° 12 , 2000 , p : 44 .

[51]ـ محمد مجيدي : دور المجالس الجهوية …، مرجع سابق ، ص : 199 .

[52]ـ عبد القادر البوفي : تكنولوجيا المعلوماتية وتأثيرها على العنصر البشري ـ الإدارة العمومية المغربية نموذجا، أطروحة لنيل الدكتوراه في الحقوق ، جامعة محمد الخامس ، أكدال ، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية ، السنة الجامعية : 2002 ـ 2003 ، ص : 87 .

[53]ـ محمد حركات : مناهج و تقنيات الرقابة على المال العام المبادئ التوجيهية الأوروبية المتعلقة بتطبيق معايير الأنتوساي ، المحكمة الأوروبية للحسابات ، 2001 ، ص : 52 .

[54]ـ عبد العلي بنيعيش : إشكالية ترشيد المالية…، مرجع سابق ، ص : 120 .

[55]ـ المناظرة الوطنية للإصلاح الإداري بالمغرب حول ” الإدارة المغربية وتحديات 2010 ” المملكة المغربية ، وزارة الوظيفة العمومية والإصلاح الإداري ، التقرير التركيبي حول تنمية استعمال تكنولوجيا المعلوميات والاتصال ” ، الرباط، في 7 ـ 8 ماي 2002 ، صص 3 ـ 36.

[56] ـ للمزيد من التفاصيل انظر تقرير المجلس الأعلى للحسابات لسنة 2012 ،الجزء الأول ، ص : 349 .

[57]– Fadoua Laghzaoui : Audit et contrôle interne des collectivités locales au Maroc , mémoire pour l’obtention du diplôme d’études supérieurs  en sciences économiques , juillet 1999 , faculté Mohamed V – Suissi , Rabat , p : 79 .

[58]– (M).Harakat : Transparence , Mondialisation et Démocratie ( bref regard sur la cour des comptes à l’heure de la reforme , in R.E.M.A.D , série «  management  stratégique » , Rabat , janvier , 1999 , p : 12 .

[59]ـ محمد براو : المجالس الجهوية للحسابات : تنظيمها وتسييرها واختصاصاتها ومساطرها ، سلسلة الرقابة على المال العام والمنازعات المالية ، مطبعة طوب بريس ، الرباط ، الطبعة الأولى ، 2006 ، ص : 51 .

[60]ـ عبد الفتاح برغوت : دور الأجهزة العليا للرقابة على الأموال العامة في مسلسل تدبير الشأن العام  ، منشورات المجلة المغربية للتدقيق ، سلسلة التدبير الاستراتيجي ، عدد : 1 ، 1999 ، ص : 85 .

[61]ـ عبد القادر باينة : قراءة متأنية في مراجعة الدستور على الاستفتاء يوم 13 شتنبر 1996 ، المستجدات في مراجعة الدستور، جريدة الاتحاد الاشتراكي ، عدد 5261 بتاريخ 21 أكتوبر1996 .

[62]ـ سعيد جفري : الرقابة على المالية ….، مرجع سابق ، ص : 370 .

[63]ـ احميدوش مدني : المسألة الجهوية بالمغرب ، منشورات المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية ،عدد : 52 ، 2006 ، ص: 84.

[64]– (D) Khoudry : « Le contrôle des finances de l’Etat au Maroc », Ed. EDIPRIM, Casablanca, 1992 , p : 56 .

[65]ـ(M.A)Rachidi : La cour régionale des comptes – outil de transparence de la vie locale , mémoire de D.E.S.A ,université Mohamed 1 , faculté des sciences juridiques , économiques et sociales ,2001 , p : 30 .

[66]ـ أحمد حاسون : رقابة المجالس الجهوية للحسابات على المالية المحلية بالمغرب ـ دراسة سوسيو قانونية، رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة في القانون العام،جامعة الحس ن الأول،كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية،سطات،السنة الجامعية:6200ـ2007،ص312

[67]ـ سناء سرايري : دور المجالس الجهوية للحسابات في حماية المال العام ـ المجلس الجهوي للحسابات للرباط نموذجا ، جامعة محمد الخامس ، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية ، أكدال ، الرباط ، السنة الجامعية : 2008 ـ 2009 ، ص : 30 .

[68]ـ مقتطف من كلمة جلالة الملك الراحل الحسن الثاني بمناسبة افتتاح المناظرة الوطنية للجماعات المحلية بالدار البيضاء بتاريخ  19أكتوبر1998.

Exit mobile version