دور ديوان المظالم بالمملكة العربية السعودية في حماية الحقوق والحريات
مشعل احمد الدنيش الغامدي
باحث دكتوراه بالقانون الخاص في التشريع ومناهجه وقضاياه
كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية سلا
جامعة محمد الخامس – الرباط
للحديث عن نشأة القضاء الإداري وأنواعه فإنه من حيث النشأة والشكل فإن هذا القضاء يختلف باختلاف الدول والأنظمة القانونية، فالنظام الانجلوساكسوني ذهب إلى إخضاع الإدارة والرقابة عليها للمحاكم العادية (أخذت بهذا النظام إنكلترا)، وقد أسس ذلك على مبدأ الفصل بين السلطات وأن ذلك يدعم ويحقق مبدأ سيادة القانون بحسب رأي الفقيه الإنكليزي (دايسي)… وهنالك نوع معين من الأوامر يقوم القضاء الإنكليزي العادي عن طريقها بالرقابة على أعمال الإدارة، وهي أوامر الاطلاع أوالفحص وأمر المنع وأمر الإقناع وأمر الامتثال.
أما النظام الموازي فهو نظام مجلس الدولة (النظام الفرنسي) الذي كان يتبع للملك في فرنسا، وهو نظام يقوم على ازدواج القضاء، ومجلس الدولة هو صاحب الاختصاص العام في المنازعات الإدارية ويعتبر المجلس هيئة قضائية مستقلة .
وإذا القينا نظرة مقارنة على النظام القضائي السعودي الجديد في ما يختص بجانب القضاء الإداري فإن النظام جعل ديوان المظالم هو هيئة القضاء الإداري ذات الاستقلال إلا من حيث ارتباطه المباشر بالملك، كما يتمتع قضاء الديوان وقضاته كذلك بالضمانات المنصوص عليها في نظام القضاء، ويلتزمون بالواجبات المنصوص عليها فيه، وهذا ما سوف نتناوله بالدراسة والتحليل مقارناً بين ديوان المظالم كهيئة قضائية إدارية مستقلة بالمملكة العربية السعودية، والمحاكم الإدارية بالمملكة المغربية من الجانب التنظيمي والقانوني ، ودور ديوان المظالم السعودي في حماية الحقوق والحريات مفصلاً ذلك من خلال الطرح التالي :
المبحث الأول: المقاربة التنظيمية والقانونية لديوان المظالم بالمملكة العربية السعودي
تأسست المملكة العربية السعودية في مطلع القرن العشرين بقيادة الملك الراحل عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود المولود سنة 1879 م والمتوفى سنة 1953 م – رحمه الله- وذلك بعد تحرير مدينة الرياض عاصمة أجداده آل سعود سنة 1902م.[1]
ولم تأخذ الدولة اسم المملكة إلا بعد أن ضم إليها مؤسسها بقية أجزائها المعروفة بحدودها اليوم[2] ولقد بايع الحجازيون ومن قبلهم أهل نجد والأقاليم الأخرى عبد العزيز ملكا على نجد والحجاز وملحقاتها على أساس الحكم فيهم بالشريعة الإسلامية ، فمنذ اللحظات الأولى لفتح الحجاز أعلن الملك عبد العزيز – رحمه الله- استعداده شخصياً لاستقبال المواطنين والنظر في أمورهم ، وكان باب الملك مفتوحاً لكل من له شكاية أو تظلم ، وقد أمر الملك بوضع صندوق للشكايات عُلق على دار الحكومة ، وأُعلن عنه في الجريدة الرسمية بالنص الآتي: ( إن صاحب الجلالة يعلن للناس كافة أن من كان له ظلامة على كائن من كان موظفا أو غيره، كبيراً أو صغيراً ثم يخفي ظلامته فإنما إثمه على نفسه ، وإن من كان له شكاية ، فقد وضع على دار الحكومة صندوقاً للشكايات مفتاحه لدى جلالة الملك).[3]
وقد أولت المملكة منذ قيامها الكثير من الاهتمام والرعاية لتطبيق الشريعة الإسلامية في كافة الأمور والأحوال الشخصية منها والمدنية والجنائية ، وأُنشئت في المملكة المحاكم على اختلاف أنواعها ودرجاتها ، ولقد حافظ المسؤولين في المملكة على تطبيق الشريعة الإسلامية وتركْ أبوابهم مفتوحة باستقبال من يتقدم بمظلمته ، وظل هذا التقليد سمة من سماتهم النبيلة في نطاق التجاوب بين الحاكم والمحكوم .
إلا أنه لوحظ في الآونة الأخيرة كثرة المشاكل وما يكتنف الحياة المعاصرة من تعقيد، وما تتطلبه من سرعة حلها والبت فيها وهذا قد لا يتيسر إلا عن طريق جهات متخصصة ، ومن أجل تحقيق ذلك أُنشئ ديوان المظالم ، ولبيان ذلك سوف نقوم بدراسة ديوان المظالم في المملكة العربية السعودية ، ثم بيان اختصاصات ومهام الديوان فيه .
المطلب الأول : تحول ديوان المظالم إلى جهة قضائية إدارية مستقلة .
بعدما تعرفنا على الأوجه العامة للقضاء الإداري، وأشرنا لبعض المؤشرات في تعريف ذلك النوع من القضاء والمواضيع التي يعالجها، كذلك أشرنا إلى بعض الاتجاهات الدولية في هذا المجال ملمحين إلى النظام القضائي الجديد في المملكة العربية السعودية وأهم أحكامه في ما يتعلق بهذا الخصوص .
لقد جمع الديوان في الاختصاص بين الأصالة والمعاصرة ، إضافة إلى اختصاصه ببعض الاختصاصات التقليدية لناظر ديوان المظالم في الإسلام فهو يختص بالنظر في القضايا الحضارية ، وما يسمى بالجرائم الاقتصادية ، وفي هذا الإطار يباشر ديوان المظالم نوعين من الاختصاصات أحدهما التحقيق في الشكاوي ، والثاني الفصل القضائي في بعض المسائل .
أولا: التحقيق في الشكاوي التي تقدم أو تحال إلى الديوان
فهو يباشر هذا الاختصاص فيما يحال إليه من الجهات العليا ، وفيما يقدمه إليه الأفراد ، فيما يتصل بعلاقاتهم مع الدوائر الحكومية وتظلماتهم منها ، ويتولى فحص كل شكوى ويعد تقريرا عنها يتضمن وقائعها ، وما أسفر عنه التحقيق فيها والإجراء الذي يقترح الديوان اتخاذه بشأنها ، والأسباب التي قوم عليها الإجراء المقترح ، ويقوم بإرسال هذا التقرير إلى الوزير أو الرئيس المختص ، مع إرسال صورة منه إلى ديوان جلالة الملك وصورة أخرى إل ديوان رئاسة مجلس الوزراء وعلى الوزير أو الرئيس المختص خلال أسبوعين من استلام التقرير أن يبلغ الديوان بتنفيذ الإجراء المقترح أو بمعارضته له، وفي هذه الحالة يتعين إبداء أسباب معارضته وعند ذلك يرفع الديوان تقريره إلى جلالة الملك ليصدر أمره العالي في موضوع التقرير، ولا يجوز للديوان أن يقترح على وزير أو رئيس مختص فرض عقوبة، أو اتخاذ إجراء غير منصوص عليه في النظم القائمة إلا بآمر من جلالة الملك وإذا كانت الشكوى موجهة إلى وزير أو رئيس مسؤول يرفع الديوان الأمر إلى جلالة الملك ليصدر أمره بما يرى اتخاذه بشأنها .[4]
وقد خول النظام لرئيس الديوان ولم ينتدبهم من موظفي الديوان الصلاحيات الكاملة في البحث والتعقيب في الوزارات والمصالح المختلفة لتحديد المسؤولية والمسؤولين وكذا سؤال الوزارات والمصالح في هذا الشأن واستدعاء الموظفين المسؤولين للتحقيق معهم عند اللزوم والاقتضاء وتفتيشهم ، وتفتيش منازلهم مع مراعاة ما تقضي به الأنظمة القائمة بالنسبة لحرية المساكن .[5]
و واضح مما تقدم أن لرئيس ديوان المظالم أن يتقبل الشكاوي المتعلقة بالطعن في الأحكام الصادر من إحدى المحاكم الخاضعة لنظام القضاء على أساس ما قد تتضمنه هذه الشكاوي، من تحيز القاضي الذي أصدر الحكم أو ارتكابه خطأ فاحشاً ، ولكن لما كان نظام القضاء قد حدد الجهات التي تقدم لها مثل هذه الطعون أو الشكاوي أو الالتماسات بطلب التمييز الأحكام فإن الذي جرى عليه العمل أن الديوان يحيل ما يتعلق بهذه الأمور لوزارة العدل بحكم الاختصاص ، وفيما يلي أمثلة عن القضايا التي يحقق الديوان فيها :
- التحقيق في شرعية الأعذار التي يقدمها أصحاب المرتبات والمعاشات والمكافآت المستحقة للموظفين أو لورثتهم في حال تأخرهم عن المطالبة .
- التظلمات التي يقدمها ذووا الشأن بالطعن في القرارات الإدارية النهائية الصادرة بالتعيين في الوظائف العامة أو الترقية أو منح العلاوة .
- التظلمات التي يقدمها الموظفون بإلغاء القرارات الإدارية، بإحالتهم إلى المعاش أو فصلهم بطريق إداري أو تأديبي ، وإذا كان صادرا من غير هيئة التأديب .
- التظلمات من القرارات النهائية الصادرة عن الجهات الإدارية في منازعات الضرائب والرسوم .
- الاشتراك في التحقيق مع المشتغلين بسلك التدريس تطبيقاً لقرار مجلس الوزراء رقم 232 تاريخ 25-561377 هـ إلى غير ذلك من القضايا الأخرى الهامة التي يقوم الديوان بإجراء التحقيق الدقيق فيها بناء على أوامر سامية .[6]
- وكل هذا له أصل في اختصاصات ناظر المظالم في العصور الإسلامية وقد أتينا على كلام علماء (السياسة الشرعية) أن من بين اختصاصات ناظر المظالم النظر في تظلم المسترزقة من نقص أرزاقهم أو تأخرها عليهم,…. والنظر في أجور العمال فيما يجتبونه من الأموال … الخ .
ثانيا : البت القضائي في المسائل التي تدخل في اختصاصه
وتنقسم اختصاصاته في هذا المجال إلى قسمين:
- اختصاص قضائي يباشره ديوان المظالم مستقلاً ، وذلك على النحو التالي :
- فهناك هيئة قضائية تشكل منه للفصل في قضايا الرشوة وذلك استناداً إلى المادة 17 من نظام مكافحة الرشوة الصادر بالمرسوم الملكي رقم 15-بتاريخ 7-3-1382 التي جاء فيها ، إحالة الجرائم المنصوص عليها في هذا النظام بعد تحقيقها إلى هيئة تشكل من رئيس ديوان المظالم ، أو نائبه رئيساً ، ومستشارا حقوقي من ديوان المظالم ، ومستشار حقوقي يعينه رئيس مجلس الوزراء ليكون عضوا دائما في الهيئة .
- كما تفصل هيئة الحكم نفسها في قضايا التزوير بناء على قرار مجلس الوزراء رقم 1230 – تاريخ 13- 10-1393 هـ، المعدل لسابقه رقم 735 – وتاريخ 19-9-1391 هـ والمكمل له الذي يقضي بإحالة قضايا هذه الجرائم – بعد التحقيق إلى هيئة الحكم في قضايا الرشوة المنصوص عليها .[7]
- يشترط ديوان المظالم في القضايا الناشئة عن مخالفة نظام مقاطعة إسرائيل الصادر بالمرسوم الملكي رقم 8- وتاريخ 25-6 -1382 هـ[8]
- وفي مجال اعتباره سلطة قضائية فإن للديوان اختصاص النظر في قضايا المقاولين ضد الدوائر الحكومية.
- كما أن الديوان الجهة المختصة بتنفيذ الأحكام الأجنبية ومنها الأحكام المشمولة باتفاقية تنفيذ الأحكام بين دول الجامعة العربية بما فيها المملكة.
ثالثا : اختصاص قضائي يباشره الديوان بالاشتراك مع هيئات أخرى .
وهناك بعض الاختصاصات التي يشارك فيها ديوان المظالم، ومن هذه الاختصاصات ما يلي:
- اشتراكه للنظر في القضايا الخاصة بمحاسبة الموظفين عن مصادر ثرواتهم وثروات أزواجهم… بموجب المرسوم الملكي رقم 16 في 7-3-1382 هـ
- اشتراكه في مجالس التأديب الخاصة بمحاكمة ضباط الأمن الداخلي في رتبة لواء أو فريق.[9]
- اشتراكه في النظر في التظلمات التي يقدمها الأشخاص الذين يجري قيدهم في سجل الممنوعين من التعامل مع الهيئات العامة، أو الدخول في المناقصات الحكومية لثبوت انتمائهم إلى الغش في أعمالهم إلى غير ذلك من الاختصاصات الأخرى، مما قد يبعد به في بعضها عن التقيد بحدود المنازعات الإدارية، ومن ذلك الديوان كان ينظر في وقت مضى في القضايا العمالية التي تخص عمال بعض الشركات، إلى أن شكلت لجان قضايا العمل والعمال في وزارة العمل والشؤون الاجتماعية.
يبدوا لنا مما تقدم أن أهمية المسؤولية المناطة بديوان المظالم كما تبرز في الوقت نفسه ظاهرة مؤكدة هي عدم تحديد اختصاصات الديوان بصورة واضحة وقاطعة لكل شك، وفيما يلي آراء بعض الكتاب الذين تطرقوا إلى ديوان المظالم.
- الدكتورة / ليلى تكلا، تلاحظ أن الديوان يعمل على رفع الظلم الواقع على الأفراد، أي التركيز على حالات فردية، دون الاهتمام في رفع مستوى الكفاية عن طريق التفتيش والزيارات، أو عن طريق اقتراح التعديلات التشريعية اللازمة[10]، بالرغم من وجود نص في المادة الرابعة من نظام الديوان التي توجب على رئيس الديوان أن يرافع تقريرا إلى جلالة الملك كل ستة أشهر متضمنا ما أسفرت عنه التحقيقات، وما يقترحه الديوان من إجراءات.
- الدكتور/ محمد فؤاد مهنا، إذ يرى أن ديوان المظالم في المملكة العربية السعودية لا يعتبر جهة قضائية تصدرا أحكاما قضائية ملزمة، ولكنه مجرد هيئة استشارية مهمتها فحص الشكاوي، والتحقيق فيها دون أن يكون لها حق البت فيها بقرار أو حكم نافذ وهذا من شأنه أن يجعل دور الديوان في تقرير مسؤولية السلطة العامة في المملكة العربية السعودية ثانويا قليل الأثر.[11]
المطلب الثاني: المطالبة القضائية أمام ديوان المظالم :
بعد أن حدد مجلس الوزراء بقراره رقم 190 بتاريخ 16-11-1309 هـ القواعد الأساسية لكيفية المرافعات أمام ديوان المظالم، والإجراءات القانونية له في كل من الدعوى الإدارية المقدمة من المدعي إلى رئيس الديوان أو من ينيبه متضمنا بيانات عن المدعي والمدعى عليه وموضوع الدعوى، ثم بيان الدعاوي الجزائية والتأديبية ثم يقوم الديوان بالنظر في الدعوى والحكم فيها، وأخيرا سوف نتعرف على كيفية طرق الاعتراض على الأحكام الصادرة من خلال هذا الفرع .سوف نقوم ببيان كيفية رفع الدعوى الإدارية في ديوان المظالم، في المملكة العربية السعودية من خلال المواد التي جاءت في المرسوم الملكي والمصادق عليه من طرف مجلس الوزراء . ترفع الدعوى الإدارية بطلب من المدعي، يقدم إلى رئيس ديوان المظالم، أو من ينيبه متضمنا بيانات عن المدعي والمدعى عليه، وموضوع الدعوى وتاريخ مطالبة الجهة الإدارية بالحق المدعى به، إن كان تجب المطالبة به رفع الدعوى [12]، أو تاريخ التظلم من القرار المطعون فيه، إذا كان مما يجب التظلم منه إلى الجهة الإدارية، قبل رفع الدعوى وفقا للمادة الثالثة من هذه القواعد ويحيل رئيس الديوان الدعوى إلى الجهة المختصة التي يقع في دائرة اختصاصها، المركز الرئيسي لجهة المدعى عليه. ويجب في الدعوى المنصوص عليها في الفقرة أ من المادة الثالثة عشرة من نظام ديوان المظالم، أن يسبق رفعها إلى الديوان مراعاة ما يلي:
- مطالبة الجهة الإدارية المختصة خلال خمس سنوات من تاريخ نشوء الحق المدعي به ما لم يكن ثمة عذر شرعي حال دون المطالبة يثبت لدى الدائرة المختصة بالديوان، وعلى الجهة الإدارية أن تبث فيها خلال تسعين يوما من تاريخ تقديمها وبالنسبة إلى الحقوق التي نشأت قبل نفاذ هده اللائحة فتبدأ المدة المحددة للمطالبة بها من تاريخ نفاذها إذا صدر قرار الجهة الإدارية بفرض المطالبة خلال المدة المحددة في الفقرة السابقة أو مضت هذه المدة دون أن تبث في المطالبة، فلا يجوز رفعها إلى الديوان إلا بعد التظلم إلى الديوان العام للخدمة المدنية خلال ستين يوما من تاريخ العلم بالقرار الصادر برفض المطالبة أو انقضاء المدة المحددة دون البت فيه ، ويجب أن يكون القرار الصادر من الجهة الإدارية برفض المطالبة مسببا وعلى الديوان العام للخدمة المدنية أن يبت في التظلم خلال ستين يوما من تاريخ تقديمه[13].
- إذا صدر قرار الديوان العام للخدمة المدنية برفض التظلم او مضت المدة المحددة دون البت فيه جاز رفع الدعوى إلى ديوان المظالم خلال تسعين يوما، من تاريخ العلم بالقرار الصادر بالرفض أو انقضاء الستين يوما المذكورة دون البت في التظلم أو خلال ما تبقى من الخمس السنوات المذكورة في الفقرات الأولى من هذه المادة أيها أطول .
- إذا صدر قرار الديوان العام للخدمة المدنية بأحقية المدعي فيما يطالب به، ولم تقم الجهة الإدارية بتنفيذه خلال ثلاثين يوما من تاريخ إبلاغه جاز رفه الدعوى إلى ديوان المظالم خلال الستين يوما التالية لهده المدة أو خلال ما تبقى من الخمس السنوات في الفقرات الأولى من هذه المادة أيها أطول .
أما في الدعاوي التي لم يرد فيها نص، يجب في الدعوى المنصوص عليها، أن يسبق رفعها إلى ديوان التظلم إلى الجهة الإدارية، المختصة خلال ستين يوما من تاريخ العلم بهذا القرار، ويتحقق العلم بإبلاغ ذوي الشأن به أو بنشره في الجريدة الرسمية.[14]
وعلى الجهة الإدارية أن تبت في التظلم خلال تسعين يوما من تاريخ تقديمه، وإذا رفض القرار يجب أن يكون مسببا، ويعتبر مضى تسعين يوما على تقديم التظلم دون البت فيه بمثابة صدور قرار برفضه، وترفع الدعوى إلى الديوان خلال ستين يوما من تاريخ العلم بالقرار الصادر بالرفض.
وعلى رئيس الدائرة حال ورد القضية إليه، أن يحدد موعداً للنظر فيها ويبلغ به أطراف الدعوى، وكلا من وزراء المالية والاقتصاد الوطني وديوان المراقبة العامة،ويجب أن لا تقل الفترة بين الإبلاغ وتاريخ الجلسة عن ثلاثين يوما، كما يبلغ الديوان العام للخدمة المدنية أيضا، إذا كانت الدعوى متعلقة به، ولكل من وزارة المالية والاقتصاد الوطني وديوان المراقبة العامة والديوان العام للخدمة المدنية بحسب الحال أن ترسل خلال هذه المدة وجهة نظرها إلى ديوان المظالم أو أن تنصب الاشتراك في المرافعة.[15]
وترفع دعاوي المطالبة بتنفيذ الأحكام الأجنبية وفقا لإجراءات رفع الدعوى الإدارية المنصوص عليها في المادة الأولى، من هذه القواعد وتصدر الدائرة المختصة حكمها بعد استكمال وثائق الدعوى وسماع أقوال طرفي الخصومة أو وكلائهم إما برفض الدعوى، أو بتنفيذ الحكم الأجنبي على أساس مبدأ المعاملة بالمثل وذلك فيما لا يتعارض مع أحكام الشريعة الإسلامية.[16]
وأخيرا لا يترتب على رفع الدعوى وقف تنفيذ القرار المطعون فيه على أنه يجوز للدائرة المختصة أن تأمر بوقف تنفيذ القرار، أو أن تأمر بإجراء تحفظي أو وقتي بصفة عاجلة عند الاقتضاء خلال أربع وعشرين ساعة من تقديم الطلب العاجل أو إحالته إليها، إذا قدر ترتب آثار يتعذر تداركها، وذلك حتى لا تفصل في أصل الدعوى.[17]
ولقد حدد ديوان المظالم كيفية الفصل في الدعوى في مشروع قواعد المرافعات والإجراءات أمامه، المرقم 190 بتاريخ 16-11-1409هـ، النظر في الدعوى والحكم فيها من قبل الدائرة المختصة من خلال المواد التي جاءت بخصوص هذا الشأن، ثم حدد الديوان كيفية الاعتراض على الأحكام الصادرة في الدعاوي المرفوعة إليه.
لقد نصت المادة الثالث عشرة أن اللغة العربية هي اللغة الرسمية المعتمدة في إجراءات نظر الدعوى، وتسمع أقوال غير الناطقين بها عن طريق مترجم مع إثبات ما يوجه إليه وإجابات عليه بلغته، ويوقع منه وتثبت ترجمة ذلك باللغة العربية،ويوقع منه ومن المترجم.
ويتم النظر في الدعوى والحكم فيها من قبل الدائرة المختصة، وتتشكل الدائرة من رئيس وعضوين ويجوز لرئيس الديوان أن يشكل دوائر فرعية من عضو واحد للنظر في الدعاوي اليسيرة ولا تصح جلسات الدائرة إلا بحضور جميع أعضائها، وبحضور ممثل الادعاء في الدعاوي الجزائية والتأديبية، وإذ لم يتوفر العدد اللازم من الأعضاء فيندب من يكمل نصاب النظر، وتكون الجلسات علنية إلا إذا رأت الدائرة جعلها سرية للمحافظة على النظام العام[18].
وتنص المادة السادسة عشرة على أن ضبط الجلسة ونظامها منوطان برئيس الدائرة وله في سبيل ذلك اتخاذ أي من الإجراءات التالية:
- أن يخرج من قاعة الجلسة من يخل بنظامها.
- أن يأمر بمحو العبارات الجارحة، أو المخالفة للآداب أو النظام العام من أي ورقة أو مذكرة يقدمها الخصوم في الدعوى.
- أن يأمر بكتابة محضر عن كل جريمة، أو مخالفة تقع أثناء انعقاد الجلسة، ويجب إحضار الخصوم، أو من ينوب عنهم في الدعوى الإدارية في اليوم المعين للنظر في الدعوى، فإذا لم يحضر المدعي، ولم يتقدم بعذر تقبله الدائرة جاز لها أن تفصل في الدعوى بحالتها بناء على طلب المدعى عليها ، أو أن تأمر بشطبها، فإذا شطبت جاز للمدعي أن يطلب النظر فيها وتحدد الدائرة لنظرها موعداً تبلغ به المدعى عليه، فإذا لم يحضر المدعي ولم يتقدم بعذر تقبله الدائرة تشطب الدعوى، ولا تسمع بعد ذلك إلا بقرار من هيئة التدقيق مجتمعة، أما إذا كان لم يحضر المدعى عليه فعلى الدائرة تأجيل للنظر في الدعوى إلى جلسة ثانية، يعلم بها المدعى عليه، فإذا لم يحضر فصلت الدائرة في الدعوى ، ويعتبر الحكم في جميع الأحوال حضوريا[19].
ويجب حضور المتهم جلسات المحاكمة بنفسه في الدعاوي التأديبية والجزائية ويبدي دفاعه كتابة أو مشافهة وله أن يستعين بمحام، وأن يطلب استدعاء الشهود لسماع شهادتهم، أما المتهم في الدعوى الجزائية، فإنه إذا أبلغ ولم يحضر، أعيد طلب حضوره لجلسة أخرى فإن تخلف بعد ذلك عن الحضور جاز الحكم عليه غيابيا[20].
ويحرر أمين سر الدائرة محضر الجلسة تحت إشراف رئيس الدائرة، على أن يتبين في المحضر أسماء وأعضاء الدائرة الذين حضروا الجلسة، وزمان ومكان انعقادها والحاضرين من الخصوم ووكلائهم، ويبين كذلك جميع الإجراءات التي تتم في الجلسة والشهادات التي تسمع فيها، وأقوال أطراف الدعوى وطلباتهم وملخص دفاعهم، ويوقع المحضر من قبل أعضاء الدائرة، وأمين سرها ومن أطراف الدعوى[21] ويمثل المتهم أمام الدائرة طليقاً بغير قيود، وتتخذ عليه الحراسة اللازمة، ولا يجوز إبعاده عن الجلسة إلا إذا وقع منه ما يخل بنظامها، وللدائرة أن تستمر في النظر في الدعوى، إلى أن يمكن السير فيها بحضوره على أن تطلع المتهم ما تم بغيابه من إجراءات.[22]
وإذا رأت الدائرة أثناء المرافعة ضرورة إجراء معاينة أو تحقيق تكميلي باشرت ذلك بنفسها أو ندبت من يقوم به من أعضائها، وإذا رأت الدائرة أيضا الاستعانة بخبره فلها أن تقرر خبيرا أو أكثر على أن تحدد في قرارها مهمة الخبير تحديدا دقيقا وافقا، ثم إبداء رأيه في تقرير أو مشافهة في الجلسة[23]، ويجب أن يشتمل الحكم على الأسباب التي بني عليها، وبيان مستنده، وأن يبين في الدائرة التي أصدرته، وتاريخ إصداره ومكانه والدعوى الصادر فيها، وأما إذا كان صادراً في دعوى إدارية أو جزائية وتأديبية، وأسماء أعضاء الدائرة الذين سمعوا المرافعة واسم ممثل الادعاء وأسماء أطراف الدعوة وصفاتهم وموطن كل منهم وحضورهم أو غيابهم وأسماء ممثليهم، ومما قدموه من طلبات أو دفوع، وما استند إليه من أدلة وتوقع نسخة إعلام الحكم الأصلية من رئيس وأعضاء الدائرة وأمين سرها، وذلك خلال خمسة عشر يوما، وفي حالة تشكيل الدائرة من عضو واحد توقع نسخة إعلام الحكم الأصلية منه ومن أمين سر الدائرة، وعلى الدائرة التي أصدرت الحكم أن تعلم المحكوم عليه بعد تسليمه نسخة إعلام بأن يطلب تدقيق الحكم خلال ثلاثين يوما من تاريخ تسليمه نسخة إعلام الحكم ، وأنه إذا لم يطلب تدقيق الحكم خلال تلك المدة فإن الحكم يكون في حقه نهائيا وواجب النفاذ .[24]
المبحث الثاني الإطار التنظيمي لديوان المظالم ودوره في حماية الحقوق والحريات :
أوضحنا فيما سبق كيف أن صدور نظام المظالم الجديد يمثل نقطة تحول هامة في التنظيم القضائي بالمملكة. إذ أصبح ديوان المظالم جهة قضاء إداري مستقلة، تقوم إلى جوار القضاء العادي وتمارس ولايتها في الرقابة القضائية على أعمال الإدارة، مما يشكل ضمانة كبرى لإعمال أحكام الشرع والأنظمة، وقد تقررت بموجب النظام الجديد للديوان ولاية إلغاء القرارات الإدارية المعيبة بأحكام قضائية لها ما لسائر الأحكام القضائية من حجية وقوة تنفيذية.
وقد كان من الأفضل أن يتناول نظام الديوان الجديد تنظيما متكاملا لتشكيلات الديوان، سواء من حيث بيان الدوائر القضائية، أو الأقسام التي تمارس الاختصاصات الأخرى للديوان، كالاختصاص بالنظر في طلبات تنفيذ الأحكام الأجنبية، كما كان من المستحسن أن يحدد النظام درجات التقاضي في المنازعات الإدارية، ومدى إمكانية الطعن في الأحكام الصادرة بشأنها، والجهة المختصة بنظر الطعن، وأخيرا ولكي تتكامل عناصر التنظيم كان من المأمول أن يتناول نظام الديوان المبادئ الأساسية لإجراءات التقاضي في المنازعات الإدارية.
وعلى أي حال فإن الذي يعنينا في هذا المجال هو ما ورد في نظام الديوان خاصا بتشكيله وتنظيمه ونرى أنه ما زال في حاجة إلى مزيد من التفصيل .
المطلب الأول: الطبيعة التنظيمية لديوان المظالم .
تنص المادة 1 من نظام ديوان المظالم على أن “ديوان المظالم هيئة قضاء إداري مستقلة ترتبط مباشرة بجلالة الملك…”
ويتبين من هذا النص أنه أرسى الدعامة الأولى لتوطيد الديوان، وحقق الضمانة الكبرى التي تمكن الديوان من ممارسة مهامه الخطيرة، في الرقابة القضائية على أعمال الإدارة. ألا وهي تقرير استقلال الديوان استقلالا تاما عن أي جهة إدارة، وربطه مباشرة بالمقام السامي أعلى سلطة في البلاد، ولقد جاهد رجال مجلس الدولة المصري طويلا لكي يتحقق له هذا القدر من الاستقلال الذي قرره النظام لديوان المظالم.
فالتكوين الهيكلي في ما يختص بنظام ديوان المظالم كجهة قضاء إداري، فقد ذكر النظام في المادة الرابعة من نظام ديوان المظالم في بابه الأول بأنه ينشأ في الديوان مجلس للقضاء الإداري، وتتكون عضوية هذا المجلس من رئيس ديوان المظالم رئيساً وعضوية كل من رئيس المحكمة الإدارية العليا وأقدم نواب رئيس الديوان، ومن ناحية الاختصاصات لهذا المجلس فإنه يتولى إلى جانب اختصاصاته المنصوص عليها، اختصاصات المجلس الأعلى للقضاء الواردة بنظام القضاء، كما يكون لرئيس مجلس القضاء الإداري بالنسبة لديوان المظالم الاختصاصات نفسها المقررة لرئيس المجلس الأعلى للقضاء، أما عن المحكمة الإدارية العليا التي تقرر نظاماً أن يكون مقرها في الرياض فهي تؤلف من رئيس وعدد كاف من القضاة كل بدرجة رئيس محكمة استئناف، يذكر أن تسمية رئيس المحكمة الإدارية العليا يكون بأمر ملكي وتكون درجته بمرتبة وزير، كما أن إنهاء خدماته لا يتم إلا بأمر ملكي، كما يتم بأمر ملكي كذلك، وبناء على اقتراح من مجلس القضاء الأعلى، تسمية أعضاء المحكمة الإدارية العليا، كما أوجب النظام أن تكون للمحكمة الإدارية العليا هيئة عامة ينضوي في عضويتها جميع قضاة المحكمة الإدارية العليا، وتصدر هذه الهيئة قراراتها بأغلبية الأعضاء.
المطلب الثاني: دور ديوان المظالم في حماية حقوق الإنسان و تدعيم الأخلاقيات بالإدارة
إن مؤسسة ديوان المظالم لا يقتصر تأثيرها على الإدارة فقط في لتشديد الرقابة عليها وتنمية التواصل بينها وبين المواطنين، بل يتعدى ذلك إلى تحديث الإدارة وتدعيم الأخلاقيات بالمرافق العمومية.
لذا فما هي السبل التي سيعتمدها والي المظالم لتحسين وتحديث الإدارة؟ وكيف سيعمل على تدعيم الأخلاقيات بالمرفق العمومي؟
أولا : دور ديوان المظالم في حماية حقوق الإنسان
يكاد ينصرف الذهن عند ذكر لفظة “التسيير ” باقترانها بمرادف سوء” وكأن هناك تلازم مضطر أو تمفصل عضوي بين الكلمتين “سوء التسيير” وكأن عدم ذكرها تعبير عن اختلال المعني، وخصوصا في دول العالم الثالث، والمغرب لا يشكل استثناء لذلك، حيث يتم تسخير إمكانيات الإدارة ووسائلها لخدمة أغراض خاصة، ولعل هذا العنصر الأخير هو الذي يميز عمد تحقيق النجاح في تسيير الشؤون العامة بنفس الحماس والدرجة المحققة أثناء تدبير المسؤولين لمشاريعهم الخاصة.
ويتميز الأداء الإداري بالمرافق العامة بالمغرب بالمردودية الضعيفة وبالبطء ويرجع السبب في ذلك إلى تعقيد الإجراءات والمساطر الإدارية وكثرتها بالإضافة إلى هاجس السرية في الوظيفة الإدارية الذي يتشبت فيه الموظفون في كل مناسبة.
والإجراءات والمساطر الإدارية يمكن مراقبتها من خلال رؤية المواطن والمستثمر والباحث، أي مختلف المتعاملين من الإدارة وأيضا من خلال رؤية العاملين والمشرفين على القطاع.
فعلى سبيل المثال، العلاقة مع المستثمرين لا تقف عند حدود السلوك الإداري، كاشتراط فائدة معينة، أو إشراك أحد الأقارب أو الارتشاء، ولكن هناك مشاكل موضوعية تتعلق أحيانا بالبنية العقارية وتعقيدها في المغرب وخضوعها لترسانة قانونية ومتدخلين عددين متعديين، بحيث إقامة وحدة إنتاجية فوق عقار معين يتطلب الأمر أولا معرفة نوعه، بعد ذلك هل يقبل نزع الملكية أم لا؟ وإن كان يقبل نزع الملكي فالمسكرة قد تأخذ سنتين على الأقل بين الإعلان عن المنفعة والنشر بالجريدة الرسمية.
غير أنه يحدث ويواجه بصعوبات مسطرية وإجراءات إدارية تكون في غالب الأحيان من ابتكار بعض العقليات الإدارية ولا تستند في حالات متعددة إلى أي أساس أو سند قانوني أو اعتبارات تمليها ضرورة المصلحة. [25]
وحسب تقرير البنك الدولي الأسئلة المتعلقة بالإدارة العمومية بالمغرب 1995 فإنه من فإنه من أجل تسجيل مقاولة لابد من 20 وثيقة، في حين مسلسل إنشائها يستغرق ستة أشهر.
في ظل هذا الوضع المتردي للتسيير الإداري كيف سيعمل ديوان المظالم على تفعيل وتحديث الإدارة؟
إن أهم ما يميز المفهوم الجديد للسلطة هو الطابع الاصطلاحي الذي يتوخى الاستعاضة عن إدارة يطبعها التسلط، وثقل الجهاز البيروقراطي إلى إدارة متطورة، خدماته،[26]وسيكون والي المظالم في هذا الإطار بمثابة العنصر المؤثر ولمحرك الأساسي في تغيير عقليات المفهوم القديم للسلطة، المبني على أحادية السلطة والمماطلة وسوء التدبير، إضافة إلى تعقيد المساطير وتباطؤها، وقلة الإنصاف والتواصل[27] . فحسب المادة 12 من الظهير المحدث لديوان المظالم، فللوالي الحق في أن يقدم للوزير الأول اقتراحات بشأن التدابير الكفيلة بتحسين فعالية الإدارات التي تصدر بشأنها شكايات، وتصحيح الاختلالات والنقائص التي قد تعتري سير المرافق التابعة لها، وإصلاح النصوص القانونية المنظمة لها، وبهذا فإن والي الظالم سيجمع بين مهمة رفع المظالم من جهة من خلال تخويله تقديم الاقتراحات والتوصيات الكفيلة بتعزيز الحقوق، وبين الإسهام في تحسين سير الجهاز الإداري، خصوصا وأنه خول له اعتماد مبدأ الإنصاف في الرقابة ، الذي سيؤهله ولا شك عن كشف كل الثغرات والنواقص القانونية التي تتراءى له أثناء معالجة شكاية معينة.
ففي الرسالة الملكية التي أعلن صاحب الجلالة من خلالها عن تأسيس مؤسسة ديوان المظالم، أكد وصرح بأن هذه المؤسسة يجب أن لا تكون مجرد مكتب لاستقبال الشكايات، بل يجب أن تكون قوى لاقتراحات بشأن الإصلاحات التنظيمية والقانونية.
ويعتبر تبسيط الشكليات والمساطر من التدابير الأساسية والأولية لعمل والي المظالم، كما أن التخفيف من الوثائق والإجراءات الإدارية يجب أن تكون من أساسيات عمل مؤسسة ديوان المظالم، وذلك لأهمية هذه الإجراءات في إرضاء حاجات المواطنين اليومية، ثم لمساعدة الشركات في المشاركة في تنشيط التنمية الاقتصادية لبلادنا.[28]
وفي فرنسا، فغن الوسيط الفرنسي لا يعمل على تلقي مشكلات المواطنين فحسب، بل أناط به المشرع وظيفة “تقويم” التشريعي: إلى جانب السلطات الموكولة لها حق سن وتعديل القوانين يمكن للوسيط أن يشكل قوة اقتراحية لملائمة بعض النصوص القانونية أو مطابقتها مع الواقع.[29]
فقانون 1973 أكد على أن الوسيط له الحق في تقديم كل المقترحات الرامية إلى تسحين عمل الجهات الإدارية المعنية، وبمقتضى إصلاح 1976 اتسع اختصاصه ليشمل كل الاقتراحات المتعلقة بالإصلاحات ذات الطبيعة القانونية والتنظيمية، بحيث إذ لاحظ الوسيط، وهو بصدد معالجة شكاية معينة، إن تطبيق القانون يمكن أن تنجم عنه أوضاعا غير عادلة، جاز له أن يقترح على الجهات المعنية التعديلات أو التحسينات المناسبة وعن كيفية إعداد المقترحات القانونية والتنظيمية[30]، فإنه تتم بواسطة رئيس المصلحة المختصة بتنسيق مع رؤساء المصالح المختصة المعنية في مؤسسة الوسيط، ويمكن لهذه الأخيرة أن تلجأ إلى عقد استشارات مع مصالح مجلس الدولة الفرنسي، وأحيانا يعهد إلى هذه الأخيرة بإعداد الدراسات الضرورية، والمقترحات تبعث إلى القطاع الحكومي المعني بها وإلى الوزارة الوصية على إصلاح الدولة وكذا الأمانة العامة للحكومة، وتتم عملية متابعة هذه المقترحات من جانب الوسيط بالاتصال المباشر والمنتظم مع المراسلين لدى الوزارات.[31]
فالوسيط الفرنسي عمل على المساهمة في تحسين العلاقة بين الإدارة والمواطن، وذلك من خلال مساهمته في إنتاج مجموعة من القوانين قانون: 29/11/1977 المتعلق بضمانات الملزمين بالضريبة قانون 17 يوليوز 1978 المتعلق بحرية الوصول إلى الوثائق الإدارية وقانون 1979 الخاص بتعليل القرارات الإدارية، كما عمل على تقديم ما بين 20 إلى 30 من المقترحات الهادفة إلى تطوير المنظومة القانونية والتشريعية في كل سنة، بل وصل إلى رقم قياسي سنة 1997 بتقديمه 137 مقترحا بحقوق المواطنين في علاقاتهم مع الإدارات.
ثانيا: تدعيم الأخلاقيات بالإدارة
قبل أن نتطرق إلى دور ديوان المظالم في تدعيم الأخلاقيات بالمرفق العام، لابد أن نتحدث عن بعض مظاهر الأزمة الأخلاقية بالمرافق العامة، وبعض المبادرات الإصلاحية.
تعتبر الرشوة من الظواهر اللأخلاقية التي تطغى على العمل الإداري، وقد أصبحت منتشرة في جميع دواليب الإدارة المغربية، حتى كادت تصبح عرفا متداولا، أن لم تكن كذلك، والرشوة هي من أسوء الإفرازات داخل الإدارة والسبب المباشر في إفسادها وتدهورها.[32]
وهي محرمة حسب الدين الإسلامي، حيث جاء في القرآن الكريم ” ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل وتدلوا بها إلى الحكام، لتأكلوا فريقا من أموال الناس بالإثم وانتم تعلمون”[33] وترحم المادتان 248 247 من القانون الجنائي الرشوة وتعتبرها من جرائم الإخلال بالثقة العامة وتتشابه مع جرائم استغلال النفوذ الاختلاس والغدر، فالرشوة هي كذلك عبارة عن عملية غير أخلاقية وظاهرة مرضية ونمط من أنماط السلوك المنحرف.
ويمكن إرجاع تفشي الرشوة في شرايين الجسم الإداري إلى عدة أسباب منها:[34]
- أسباب ذات طابع قانوني: تعود لعدم نجاعة الجهاز القانوني نتيجة قلة النصوص الزجرية أو تعقيدها أو لغياب الرقابة أو ضعفها.
- أسباب سياسية: اعتبرت الرشوة بالنسبة لدول العامل الثالث أداة لممارسة السلطة والتعاطي للسياسة ومسلسلا للاندماج إزاء محيط وتقسيمات اجتماعية وخصوصيات عرقية أو جهوية وسياسية.
- أسباب اقتصادية تنشط الرشوة في ظل السوق السوداء الناجمة عن تدخل أجهزة الدولة في دورة النشاط الاقتصادي، كما تطرح ذلك المدرسة النيوليبرالية، التي تضيق مفسرة ظاهرة الرشوة بتقوية نفوذ الدولة نتيجة تنامي سلوكات البيرقراطية المعدلة خرقات مسطرية، في حين المناوئون للتصور النيوليبر إلى بأن تفاحش مشكل الارتشاء يمكن في تصدع القيم الأخلاقية وانحدار الحس الوطني.
- أسباب إرادية: وتكمن في لجوء المواطن إلى الارتشاء ليجعل الإدارة رهينة في يده أو على الأقل ليلتقي شرها، فلولا وجود راشون لما كان هناك مرتشون، بالإضافة إلى ظاهرة الارتشاء نجد الإدارة تعاني من ظاهرة المحسوبية والزبونية وهي من بين أخطر الأمراض المزمنة والمنتشرة في جسم الإدارة ببلادنا، وتتخذ أشكالا وصورا متعددة فابتداء من عملية التوظيف التي يلاحظ أنها لا تتم في أغلب الأحيان في إطار
احترام مبدأ تكافؤ الفرص بين المواطنين، فجل المباريات لا تحيد عن كونها شكلية والخطير في الأمر أن العديد من المؤسسات الإدارية العمومية تؤدي أجور أشخاص لا تربطهم بها أية صلة سوى تحويل الرواتب، أما فيما يخص إسناد المسؤوليات فلا تخضع هذه العملية لمقاييس الكفاءة والاستحثاث في معظم الحالات، بل لمنطق الزبونية والقرابة والمزاج وهو الأمر الذي يقسم إدارة معينة إلى معسكرين، معسكر المحظوظين ومعسكر المهمشين.[35]
وتعاني الإدارة المغربية من ظاهر المحابات واستغلال النفوذ والعبث بمصالح المواطنين بالإضافة إلى المظاهر الأخرى التي لا تقل خطورة عن هذه الأغراض المتجلية أساسا في ضعف روح المسوؤلية والمواطنة وانعدام النزاهة.
يستدعي الواقع غير الصحي للممارسة اليومية للإدارة العمومية في المغرب طرح بدائل تنشد تخليق الحياة الإدارية.
في هذا الصدد، قال صاحب الجلالة محمد السادس، (لا يتأتى ذلك لا يسمو الأخلاق واستقامتها…. فمن أول واجبات المرفق العام أن يلتزم بالأخلاق الحميدة، ويخدم المواطنين بالإخلاص الجدير بالشأن العام والمصلحة العليا على النحو الذي يقتضيه الاختيار الديمقراطي في دولة الحق والقانون)[36]
فالأخلاق أساس من أسس الدولة، تقوم بقيامها وتنهار بانهيارها، وفي هذا الإطار انصرفت الجهود الحكومية إلى إرساء مقاربة حديثة لتخليق الحياة الإدارية التزاما منها في بعض وإحياء ثقافة إدارية جديدة، وذلك من خلال تحديد القيم والمبادئ الكبرى المستلهمة من ميثاق حسن التدبير الذي سيشكل أساس عمل وتصرف جميع المرافق العمومية بهدف خدمة المصلحة العامة وتقوية ثقة المواطن في الإدارة مؤكدا على ضرورة تهريب الأخلاقيات بالمرفق العمومية ودعوة كافة العاملين بالإدارة إلى مراعاة ضوابط السلوك المستقيم في عملهم اليومي، وتأهيل قيادات إدارية تتصف باللباقة والاستقامة والنزاهة وتكون قدوة تعزز الممارسة الأخلاقيات بالمرفق العمومي، بالإضافة إلى الالتزام بترشيد وعقلنة التدبير العمومي والتزام الإدارة بالتواصل مع محيطها.[37]
خاتمة
إن الهدف الأساسي والرئيسي لمؤسسة ديوان المظالم هو إحقاق الحقوق ورفع المظالم عن المواطنين، ولا يتأتى ذلك إلا بالاعتماد على مبدأ الإنصاف في الرقابة الذي سيؤهله ولا شك عن كشف وحصر السلوكات والأخلاقية التي تتراءى له أثناء معالجة الشكايات المرفوعة له.
فيتفحص الحياة الداخلية للمرافق العامة، سيفضح والي المظالم كل مظاهر الفساد الإداري، ولكن مهمة والي المظالم لا تنحصر فقد في مجرد الكشف، بل سيعمل والي المظالم على التصدي لهذه السلوكات، وذلك بواسطة ممارسة سلطة الإصلاحية والتي أقرها له الفصل 12 من الظهير الشريف رقم 298-01-1 الصادر في 23 رمضان 1422 (9 دجنبر 2001) بإحداث مؤسسة ديوان المظالم.
ومعالجته لهذه الانحرافات، يجب أن تكون عن طريق نشر ثقافة أخلاقية بين الموظفين باعتبارهم محور هذا الإصلاح، ثم بتربيتهم على التمسك بالأخلاق التي جاء بها ديننا الحنيف.
فتخليق الحياة الإدارية ترتبط بمدى تحلي المسؤولين الإداريين بروح المسؤولية وبمدى عملهم على تقديم الخدمة في جو تطبعه الشفافية بغية تحقيق مصالحه حقيقية بين المواطنين والإدارة.
إن التدابير التي سيتخذها والي المظالم لابد لها أن تعمل على الحد من ظاهرة الرشوة والزبونية التي تنخر دواليب الإدارة المغربية.
وفي كندا فإن المدافع عن المواطن الكندي، كان يقدم الاستشارات للموظفين الذين يعيش تمزقا بين بعض القيم المتناقضة، مثلا هل يخدمون المواطن أم يطبقون قواعد تسيير الإدارة والتي تكون أحيانا صارمة.[38]
أما المفوض البرلماني للإدارة في بريطانيا فقد كان يقوم بفحص سوء سير الإدارة[39] la mal administration من هنا كان الأومبدسمان البريطاني جهاز يستقبل الشكايات المتعلقة بسوء سير الإدارة ويحقق في شأن القواعد التي تحكم سيرها، وهو بذلك يسعى إلى تدعيم الأخلاق داخل المرافق العمومية.
[1] – يقسم المؤرخون الحكم السعودي لشبه الجزيرة العربية إلى ثلاثة أدوار:
الدور الأول: (دور التوسع)، ويبدأ من اتفاق الشيخ محمد بن عبد الوهاب مع الأمير محمد بن سعود سنة 1157 هـ-1744 م على نشر الدعوة الإصلاحية ، وينتهي باستسلام الإمام عبد الله بن سعود إلى قائد الحملة المصرية سنة 1223 هـ- 1817 م، ومدته أكثر من سبعين سنة، وفي هذا الدور قامت الدولة السعودية الأولى، وشملت معظم شبه الجزيرة العربية لما فيها الحجاز إلى أطراف الشام والعراقّ.
الدور الثاني: (دور النكسة) ويحدد المؤرخون بدمار الدرعية 1234 هـ- 1818 م إلى قيام عبد العزيز بن سعود واستيلائه على مدينة الرياض سنة 1319 هـ- 1902 م، ويدخل في هذا الدور استيلاء جيوش محمد علي الألباني على نجد، وحكم مشارى بن معمر، ومشاري بن سعود الكبير إلى ظهور الإمام تركي بن عبد الله بن محمد بن سعود الذي تمكن بعد محاولات من إخضاع نجد كلها واستولى على مدينة الرياض، سنة 1240 هـ- 1824 م ، وتسمى السعودية الثانية وينتهي هذا الدور باستيلاء ابن رشيد علي الرياض، سنة 1240 هـ- 1824م
الدور الثالث (عصر النهضة والاستقرار)، ويبدأ باستيلاء الملك عبد العزيز علي الرياض 1319هـ- 1902 م ، وحتى عصرنا الحاضر، ويسمى الدولة السعودية الثالثة.
[2] – تمثل المملكة العربية السعودية الجزء الأكبر من الجزيرة العربية الواقعة في الجنوب الغربي من قارة آسيا، حيث تقع بين خطي عرض 15 و 13 شمال خط الاستواء، وخطي طول 35 و 51 شرق جرنتش، ويحدها شمالا العراق والأردن، وجنوبا الجمهورية العربية اليمنية، واليمن الجنوبي (حضرموت وعدن) بامتداد سلطنة عمان وشرقا سلطنة عما، وقطر والإمارات العربية المتحدة، والخليج العربي بامتداد الكويت، وغربا البحر الأحمر (بحر القلزم).
[3] – جريدة أم القرى، العدد الأول الصادر ف 15/5/1343هـ- 12/12/1924م
[4] – المادة الثانية من نظام الديوان لسنة 74 هـ.
[5] – المادة الخامسة من النظام المذكور.
[6] – انظر على سبيل المقارنة بين هذه الاختصاصات واختصاصات مجلس الدولة ، القضاء الإداري 1-165
[7] – المادة السابعة عشرة من قانون ديوان المظالم
[8] – نص القرار في مجلة مكتبة الإدارة التي تصدرها المكتبة ومركز الوثائق بمعهد الإدارة العامة بالرياض العدد الأول- السنة الرابعة – 1395ه،- 1975م
[9] – المادة 132 من نظام قوات الأمن الداخلي، مرسوم ملكي رقم 4.30-12-1384هـ
[10] – الدكتور، ليلى تكلا- الأمبودسمان –مكتبة الأنجلو المصرية
[11] – الدكتور/ فؤاد مهنا، – مسؤولية الإدارة في تشريعات البلاد العربية ، ص 29-1972 م
[12] – المادة الثانية – ديوان المظالم- مشروع قواعد المرافعات والإجراءات أمام الديوان رقم 190، 16-11-1409هـ.
[13] المادة الثانية- نفس المرجع السابق,
[14] – ديوان المظالم، المادة الثالثة، نفس المرجع السابق.
[15] – المادة الخامسة نفس المرجع
[16] – المادة السادسة، نفس المرجع السابق,
[17] -المادة السابعة، نفس المرجع السابق.
[18] – المادة الخامسة عشر، نفس المرجع السابق.
[19] المادة الثامنة عشر نفس المرجع السابق.
[20] المادة التاسعة عشر نفس المرجع السابق
[21] – المادة الحادية والعشرون، نفس المرجع السابق.
[22] – المادة اثنان وعشرون نفس المرجع السابق.
[23] -المادة أربعة وعشرون نفس المرجع السابق,
[24] – المادة الحادية والثلاثون، نفس المرجع السابق.
[25] -شنفار (عبد الله)، الإدارة المغربية ومتطلبات التنمية، دراسية سوسيوقانونية وتحليلية، المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية، سلسلة مؤلفات وأعمال جامعية، العدد 19-2000، ص 62.
[26] – الصبيتي (محمد سالم) “المفهوم الجديد للسلطة الإطار العام والأبعاد”، المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية، سلسلة مواضيع الساعة، العدد 25، 2001، ص 27.
[27] -بوعشيق أحمد، مرجع سابق، ص 76
[28]Mohamed EL Yaagoubi, Les mesures d’accompagnement de l’action du wali Al Madhalim,
Revue Marocaine d’Administration Locale et Développement(REMALD),Rabat,2001,P.47-48
[29] -بلماحي (ادريس): ” دراسة مقارنة في اختصاصات مؤسسة الوسيط”، المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية، سلسلة مواضيع الساعة، عدد 20، 20000، ص 146-147.
[30]Mbenedicte delauny , le médiateur de la république presse universitaire de France 1ere édition , janvier 1999, p 102.
[31] Mbenedicte delaunym op.cit , p 107.
[32] – آدم (يحي) أحمد ابراهيم حسن، سيكولوجية لإدارة، بحث لنيل دبلوم السك العادي بالمدرس الوطنية للإدارة العمومية، ص 21.
[33] -الآية 188، سورة البقرة.
[34] – حضراني ( أحمد) انطباعات حول واقع الإدارة العمومية بالمغرب وآفاق إصلاحها'”، المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية، دراسات عدد 38-39 ماي غشت 2001، ص 90-91.
[35] – بوفتال (بشرى) ، الأخلاقيات بالمرفق العام بالمغرب، الالتزامات والآفاق ، رسالة دبلوم الدراسات العليا المعمقة، جامعة محمد الخامس، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية، أكدال – الرباط- 2001، ص 48-49.
[36] – الرسالة الملكية الموجهة إلى المتناظرين في ندوة دعم أخلاقيات المرفق العام المنعقدة بالرباط أيام 29-30 أكتوبر 1999، منشورات المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية، سلسلة مواضيع الساعة، العدد 25 2001.
[37] – ميثاق حسن التدبير، منشور بالمجلة المغربية المحلية والتنمية، سلسلة مواضيع الساعة ، عدد 20-2000.
[38] Rapport du rapporteur général du Canada 2000.
[39] -LEGRAND André l’ombudsman scandinave études comparées sur le contrôle de l’administration LGDJ imprimerie R.Vacon. paris 1969.p 250.