دور القضاء الإداري في حماية حقوق الإنسان والحريات العامة
The role of administrative justice in the protection of human rights and civil liberties
نايف عبد الرحمن محمد العليق
NAIF ABDULRAHMAN.M ALELEEQ
باحث في القانون العام بسلك الدكتوراه
كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية السويسي
جامعة محمد الخامس بالرباط
Naifabdulrahmanm_aleleeq@um5.ac.ma
ملخص:
تعد حماية الحقوق والحريات من كل انتهاك أو خرق من أهم الأهداف التي يسعى المجتمع الدولي إلى تحقيقها؛ وفي هذا الإطار، أكدت العديد من المرجعيات الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان على ضرورة توفير حماية قضائية للحقوق والحريات الأساسية للأفراد والجماعات بمختلف أنواعها سواء كانت سياسية أو مدنية أو اقتصادية أو اجتماعية أو ثقافية…إلخ.
ويلعب القاضي الإداري دورا مهما في تكريس قواعد ومبادئ قانونية تعزز المكتسبات في مجال حقوق الإنسان والحريات العامة، حيث تعتبر رقابة القضاء الإداري، أكثر ضمانا وحيادا واستقلالا، من أنواع الرقابة الأخرى على أعمال الإدارة، خاصة لجهة منع الإدارة من إساءة استعمال سلطتها أو تجاوزها للقانون.
الكلمات المفتاحية: حقوق الإنسان، الحريات العامة، القضاء الإداري، السلطة المقيدة، السلطة التقديرية.
Summary:
Protecting rights and freedoms from any violation or crime is one of the most important goals that the international community seeks to achieve. In this context, many international references related to human rights have emphasized the need to provide judicial protection to the fundamental rights and freedoms of individuals and groups of all kinds, whether political, civil, economic, social, cultural…etc
The administrative judge plays an important role in enshrining legal rules and principles that strengthen the achievements in the field of human rights and public freedoms, because the control of administrative justice is more secure, impartial and independent than other types of control over the work of the administrative judge. the administration, especially to prevent the administration from abusing its authority or violating the law.
Keywords: human rights, civil liberties, administrative justice, restricted power, discretionary power.
مقدمة:
يعتبر القضاء الإداري وسيلة فعالة لحماية المتضررين من قرارات وتصرفات الإدارة، فإليه يلجأ الأفراد والجماعات للدفاع عن حقوقهم وحرياتهم وحل نزاعاتهم مع الإدارة، وإذا كانت هذه الأخيرة كسلطة عامة تستهدف تحقيق المصلحة العامة أثناء قيامها بأنشطتها ومهامها، فإنها في كثير من الأحيان قد تتجاوز السلطة أو تتعسف في استعمالها، الشيء الذي يؤدي إلى المساس بالحقوق والحريات، وبالتالي يصبح من الضروري اللجوء للقضاء الإداري لإنصاف المتضرر من نشاط الإدارة عن طريق سلوك مسطرة طلب إلغاء القرارات الإدارية المتصفة بعدم الشرعية أو طلب التعويض في إطار القضاء الشامل، إلا أن بطء وطول هذه المسطرة وما ينتج عنه من ضياع الحقوق، حتم على المشرع التنصيص على مجموعة من القوانين بغية الحفاظ على حقوق وحريات الأفراد ولو وقتيا إلى حين الحكم في الموضوع.
ويعد القضاء الإداري من بين أهم الضمانات التي خولها المشرع للمواطن لحماية حقوقه في مواجهة إدارة قوية ومتمتعة بامتيازات السلطة العامة، والتي أصبحت مقاضاتها شيئا بديهيا عكس ما كان عليه الأمر في العقود الماضية، حيث أن التحولات التي شهدها الفكر العالمي، قد أزال هذا الحاجز، ومكن المواطن تدريجيا من الحصول على حقوقه وحماية حرياته[1].
وتزداد أهمية القضاء الإداري في البناء الديمقراطي والارتقاء بمكانة الحقوق الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، في ظل مجالات تتسم بالتعقيد كالتعليم والصحة ونزع الملكية، وما يمكن أن يشكله من قاطرة للتنمية والتقدم، وعليه فللقاضي الإداري دور لا يستهان به في إعادة التوازن للطرف الأضعف في المعادلة وهو المتقاضي عن طريق التأسيس لاجتهاد يتجه نحو تكريس قواعد ومبادئ قانونية تعزز المكتسبات في مجال الحقوق والحريات عن طريق ملئ الفراغات التشريعية بما يزرع الثقة في القضاء باعتباره نتاج سياق اجتماعي يؤثر ويتأثر بمحيطه. ومن خلال ما سبق يمكننا صياغة الإشكالية التالية: إلى أي حد ساهم القضاء الإداري في حماية حقوق الإنسان والحريات العامة؟.
يلزم لتعميم الفهم بدور القضاء الإداري في حماية الحقوق والحريات أن نستعرض طبيعة وصور رقابة القضاء الإداري، ذلك لما لهذا النمط من خصائص تجعل منه قضاء فاعلا ودورا أساسيا في حماية حقوق الإنسان، وهو ما سنتناوله من خلال محورين: (المحور الأول) يتصدى لطبيعة رقابة القضاء الإداري ودوره في حماية حقوق الإنسان، بينما نستعرض في (المحور الثاني) صور رقابة القضاء الإداري ودورها في حماية حقوق الإنسان.
المحور الأول: طبيعة رقابة القضاء الإداري في حماية حقوق الإنسان
قد يحدد القانون للإدارة القرار الذي يجب عليها اتخاذه، بحيث لا يكون لها الحرية في الامتناع عن اتخاذ القرار أو اتخاذ قرار آخر، وفي حالات أخرى لا يفرض القانون على الإدارة تصرفاً معيناً حول وضع ما فتكون حرة في اتخاذ القرار، حيث أن الإدارة في إصدارها لقرارها تكون مقيدة وأحيانا تكون تقديرية. ويعتبر الاختصاص التقديري أحد الاستثناءات الواردة على مبدأ المشروعية. وتكمن أهمية دراسة السلطة المقيدة والسلطة التقديرية في كونها موجهة للأفراد وما قد ينتج عنها من ضمانات أو مساس بحقوق الأفراد[2].
أولا: السلطة المقيدة للإدارة
يقصد بالسلطة المقيدة للإدارة[3]، أن الإدارة يجب عليها إذا ما توفرت شروط معينة، التصرف على نحو معين بمقتضى القانون دون أن يكون لها خيار في ذلك، فالقانون هو الذي يرسم للإدارة سلوكها في مباشرة سلطتها، وفي حالة توفر هذه الشروط يجب على الإدارة أن تتصرف وفق ما يمليه عليها هذا القانون وإلا كان تصرفها باطلا وغير مشروع، ومحلا ً للإلغاء والتعويض إذا كان له مقتضى.
ويفرض المشرع وبشكل آمر وملزم على جهة الإدارة عند اتخاذها قرار بصدد واقعة معينة، الغاية التي يتعين عليها تحقيقها من القرار ويحدد لها الإجراءات التي بمقتضاها يجب عليها الوصول إلى تلك الغاية.[4]
ويتصل الاختصاص المقيد بفكرة مشروعية أعمال الإدارة لأنها تكون مقيدة في القرار الذي تتخذه بما يفرضه عليها القانون، ويعد هذا الاختصاص المقيد ضمانة لحقوق الأفراد وحرياتهم ضد تعسف الإدارة وظلمها، وتتمثل هذه الحماية في القيود التي يضعها القانون على الإدارة في ممارسة نشاطها، حيث يراقب القضاء مشروعية القرار ويملك إلغاءه إذا ما تبين أنه يختلف عن ما يحتم القانون اتخاذه[5].
فمن خلال ما تقدم يتضح أن سلطة الإدارة تكون مقيدة إذا قيد القانون مسبقا مسلكها بظروف ووقائع معينة يتعين مواجهتها بإجراء معين بالذات، أو قيده بهدف معين بالذات، أو قيدت الإدارة نفسها بنفسها بقواعد تنظيمية معينة.
ثانيا: السلطة التقديرية للإدارة
تظهر السلطة التقديرية[6] للإدارة إذا كانت في ظروف معينة غير مقيدة بالتصرف على نحو معين، فيترك لها القانون حرية ممارسة نشاطها دون أن يفرض عليها سلوكا معينا، ويظهر هذا الاختصاص عمليا في الحالات التي يترك فيها المشرع للإدارة حرية اختيار التصرف أو الإجراء المناسب في الوقت والكيفية التي تراها محققة للهدف الذي تبتغيه عند تحقق الحالة القانونية التي حددها.[7]
وتبعاً لمدلول السلطة التقديرية،[8] تكون الإدارة حرة في اتخاذ التصرف أو في الامتناع عنه، وحرة في اختيار الوقت الذي تراه مناسبا للتصرف، ومادام القانون لم يحدد للإدارة في ظروف معينة التصرف بطريقة معينة، فيكون لها حالة إصدارها للتصرف، أن تزن وحدها ملائمة قراراتها للظروف والملابسات.
وقد وضح العميد ( بونار ) هذا الاختصاص التقديري للإدارة بقوله ” تكون سلطة الإدارة تقديرية حينما يترك لها القانون الذي يمنحها هذا الاختصاص بصدد علاقتها مع الأفراد، الحرية في أن تتدخل أو تمتنع، ووقت التدخل وكيفيته، ونحو القرار الذي تتخذه، فالسلطة التقديرية هي التي يتركها القانون للإدارة لتحديد ما يصح عمله، وما يصح تركه”.[9]
كما أوضح الدكتور ( سليمان محمد الطماوي ) هذه السلطة بقوله “أنها تلك السلطة التي تتمتع بها الإدارة في مواجهة كل من الأفراد والقضاء، لتختار في حدود الصالح العام، وقت تدخلها ووسيلة التدخل، وتقدير خطورة بعض الحالات[10].
وقد مُنحت للإدارة هذه السلطة التقديرية، لأنه وإن كان تقييد اختصاص الإدارة لازما لحماية الأفراد، إلا أن الإسراف في هذا التقييد من شأنه أن يشل حركة الإدارة وأن يجرد نشاطها من كل روح ابتكار، ولذلك يلزم منح الإدارة قدرا من السلطة التقديرية .
وتجد السلطة التقديرية تبريرها في مقتضيات العمل وضروريات الحياة الإدارية، بحيث أن المشرع يضع قواعد عامة مجردة فلا يستطيع أن يتنبأ بجميع الحالات الخاصة التي تحكمها هذه القواعد، فلذلك يجب أن يترك للإدارة معالجة الحالات الواقعية ووزن ظروفها وملابساتها، لأنها أكثر احتكاكاً بالأفراد وأقرب إلى الجمهور .
ولذلك منح المشرع للإدارة هذه السلطة شعوراً منه بأنها أقدر على اختيار الوسائل المناسبة للتدخل واتخاذ القرار الملائم في ظروف معينة، وأنه مهما حاول لا يستطيع أن يتصور الحالات جميعها التي قد تطرأ في العمل الإداري ويرسم الحلول المناسبة لها، فالسلطة التقديرية ضرورة لحسن سير العملية الإدارية وتحقيق غايتها.[11]
وعلى هذا الأساس؛ فإن سلطة الإدارة التقديرية ضرورة اجتماعية فيما يتعلق بعلاقة الإدارة بالمشرع، وأيضا فيما يتعلق بعلاقتها بالقضاء .
- بخصوص علاقة الإدارة بالمشرع فيرد بخصوصها اعتبارين وهما :
الاعتبار الأول: مستلزمات تطبيق القواعد العامة التي يصوغها المشرع على الحالات المتعددة والمتشعبة التي تعرض أثناء التنفيذ والتي لا يمكن للمشرع بأي حال من الأحوال أن يحيط بها مقدما .
الاعتبار الثاني: يرجع إلى الخبرة والتجارب التي تكتسبها الإدارة، ووسائلها الخاصة التي تستقي منها خبرتها. ولهذا فإن المشرع لابد أن يعتمد في جانب كبير على حسن تصرف الإدارة .
- أما بخصوص علاقة الإدارة بالقضاء، فالقاضي لا يستطيع أن يمد رقابته إلى الجانب التقديري من نشاط الإدارة، وذلك لعدة اعتبارات نذكر منها الآتي:
الاعتبار الأول: هو أن القاضي يكون عادة بعيداً عن المكان الذي تتم فيه الوقائع التي تستلزم تدخل الإدارة .
الاعتبار الثاني: هو أن القاضي تنقصه الخبرة الكافية لمواجهة الحالات التي تعترض للإدارة. كما أنه لا يحيط تمام الإحاطة بالوسائل التي تتخذها الإدارة لدرء مثل هذه الحالات.
وعليه فإن حرية الإدارة غير مطلقة في هذا المجال فبالإضافة إلى أنها مقيدة باستهداف قراراتها المصلحة العامة تكون ملزمة بإتباع قواعد الاختصاص والشكلية المحددة قانوناً، بينما تنصرف سلطتها التقديرية إلى سبب القرار الإداري وهو الحالة الواقعية والقانونية التي تبرر اتخاذ القرار والمحل وهو الأثر القانوني المترتب عنه حالاً ومباشرة، فهنا تتجلى سلطة الإدارة التقديرية[12].
وتتسم رقابة القضاء الإداري بطبيعة خاصة تميزها عن غيرها من أنماط الرقابة القضائية الأخرى، ذلك أن القضاء الإداري يختص بالرقابة على مشروعية تصرفات السلطة العامة، ويعني مبدأ المشروعية خضوع الحكام والمحكومين للقانون، لاسيما خضوع الإدارة العامة للقانون، فإذا خرجت هذه الإدارة عن حدود القانون في تصرفاتها، كان للقضاء الإداري على مدى مواءمة تصرفات الإدارة لمبدأ المشروعية دور رئيسي ومهم في كفالة الحقوق والحريات العامة، وحمايتها من تعسف الإدارة العامة، فعلى الرغم من وجود بعض النظريات الهادفة إلى تحصين بعض هذه التصرفات من خضوعها للرقابة القضائية بداعي أن إخضاع سلطات الإدارة كافة للرقابة القضائية قد يؤدي إلى حرمانها من السلطة التقديرية في بعض الظروف بما يؤدي إلى شل حركيتها، وإعاقة تأديتها لوظائفها بشكل فاعل.
وأمام هذه الحقيقة القاضية بخضوع تصرفات الإدارة للرقابة القضائية، وفي ظل امتلاك الإدارة لسلطات واسعة للقيام بتصرفاتها بما قد تنتهك به الحقوق والحريات العامة للأفراد، لاسيما في ظل عدم وجود القيود والضوابط ذات المصدر التشريعي التي يتحتم على الإدارة مراعاتها، فإن طبيعة الرقابة التي يفرضها القضاء الإداري تستدعي أن يتدخل القاضي الإداري، بما لديه من سلطة منشئة وخلاقة، لسد هذه الثغرة حماية لحقوق الأفراد وحرياتهم[13].
يتضح على أن طبيعة الرقابة التي يفرضها القضاء الاداري تمتاز بشمولها لما يسمى بسلطة الضبط الإداري، التي تعد من أقوى مظاهر السلطة العامة وأكثرها تقييدا لحريات الأفراد، ذلك أن الكثير من الأنظمة القضائية قد عمدت إلى التفرقة بين ما يعد حرية عامة حقيقة يحميها ويكفل ممارستها المشرع، وبين ما يعد مجرد رخصة متروكة للأفراد بتسامح من الإدارة، كما استقرت الاجتهادات المقارنة على أن استخدام الإدارة لصلاحياتها في الضبط الإداري بأسلوب المنع أو الحظر المطلق للنشاط الفردي غير جائز؛ إذ إن هذا الأسلوب يعني، بداهة، إلغاء الحرية ذاتها، في حين أن سلطة الضبط الإداري تختص بتنظيم هذه الحرية وليس بمصادرتها.
وعليه، فإن للقضاء الإداري دورا أصيلا في حماية الحقوق والحريات العامة، وكذلك له دورا بارزا في تطبيق الاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان بما يتلائم وينسجم مع الدساتير والتشريعات الوطنية.
المحور الثاني: صور رقابة القضاء الإداري ودورها في حماية حقوق الإنسان
تعرف الأنظمة القضائية المقارنة شكلين أساسيين للقضاء الإداري: الأول يقوم على وحدة القضاء في مواجهة النزاع المعروض عليه أيا كان نوعه؛ إذ توجد محكمة واحدة تختص -بشكل شمولي- بكافة المنازعات المعروضة عليها أيا كانت طبيعتها[14]؛ وبالتالي يقوم على فكرة الازدواج القضائي؛ فقد ينشأ قضاء مستقل يختص بالنظر في المنازعات الإدارية وحدها دون غيرها بما يشمل الرقابة على أعمال الإدارة بعيدا عن اختصاص القضاء العادي[15].
ويقوم نظام القضاء الموحد على عدم التمييز بين الأفراد والإدارة في مراقبة تصرفاتهم ويخضعهم إلى نظام قضائي واحد هو القضاء العادي، وقد يكون ذلك من اختصاص المحاكم العادية المتنوعة أو اختصاص جهة قضائية مركزية. أما نظام القضاء المزدوج؛ فيتم فيه التمييز بين منازعات الأفراد ويختص بها القضاء العادي، بينما يختص بالنظر في المنازعات الإدارية قضاء متخصص هو القضاء الإداري، ويمكن أن يتم إسناده إلى تشكيل محاكم إدارية متعددة الدرجات أو جهة مركزية.
وتقتضي دولة الحق والقانون أن تكون جميع تصرفات وأعمال الإدارة لاسيما في الظروف العادية خاضعة لمراقبة القاضي الإداري الذي يسهر على احترام الحقوق والحريات. وإخضاع نشاط الإدارة للرقابة القضائية، مفاده بطلان كل تصرفاتها المخالفة للقاعدة القانونية، ومن أجل ضمان ممارسة هذه الرقابة بفعالية وكفاءة تم إسنادها إلى أجهزة القضاء الإداري الذي عهد إليه بممارسة الرقابة على أعمال الإدارة، وذلك حماية لمبدأ المشروعية، ولا شك أن القضاء الإداري يعد إحدى الضمانات الأساسية لحماية الحقوق والحريات في مواجهة الإدارة، فبدون الرقابة القضائية الممارسة من قبل القضاء الإداري على أعمال الإدارة نكون أمام شطط وتعسف من الإدارة، وحتى تكتمل عناصر الدولة القانونية لا بد من وجود تنظيم للرقابة القضائية على مختلف السلطات فيها، وتعرف الرقابة القضائية على أعمال الإدارة على أنها رقابة قانونية[16]، في أساسها وإجراءاتها ووسائلها وأهدافها.
ويعد القضاء الإداري من أهم أنماط الرقابة القضائية الهادفة إلى حماية حقوق الإنسان، وذلك نظرا لطبيعة اختصاصه وتتبنى الغالبية العظمى من الأنظمة القضائية المقارنة نهجا قضائيا قائما على تمكين جهة بعينها في التنظيم القضائي؛ الأمر الذي يجعل لرقابة المشروعية التي يختص بها القاضي الإداري دورا بالغ الأهمية في تطبيق المعايير الدولية لحقوق الإنسان.
ويستمد دور القضاء الإداري في حماية الحقوق والحريات أهمية كبرى انطلاقا من الواقع والتشريع، فالأهمية النظرية تتجلى في كون الحقوق التي كفلها الدستور والتي تقرها المنظومة الحقوقية الكونية، هي محور المشروعية والبناء الديمقراطي وبها يمكن تحقيق العدالة الاجتماعية، فلا يمكن للتنمية أن تتحقق في غياب هذه الشروط الجوهرية لارتباطها بأسمى شيء في الوجود وهو الإنسان وكرامته، وعليه يكون الكشف عن الخلفيات النظرية المدعمة لقرارات القضاء الإداري ذات قيمة جوهرية في فهم طريقة اشتغالها، ومدى مسايرتها للتطورات المجتمعية.
وتعتبر أهم أنواع الرقابة لأنها تمارسها هيئة مستقلة عن الإدارة وتتصف بالحياد والنزاهة، ولذلك تعتبر ضمانة حقيقية لحماية حقوق الأفراد وحرياتهم وتتحقق الرقابة القضائية بمظاهر ووسائل متعددة ومتدرجة في قوتها ومتفاوتة في مداها، فقد تقتصر الرقابة القضائية على مجرد فحص شرعية العمل أو القرار الإداري بناء على طلب أحد الخصوم أثناء النظر في دعوى معينة، فإذا ثبت للمحكمة عدم شرعية العمل أو القرار الإداري بسبب مخالفته للقانون فإنها تملك سلطة إلغاء القرارات الإدارية، بحيث يترتب على هذا الإلغاء إزالة القرار من الوجود، ولا يقتصر حكم الإلغاء على القضية المنظورة بالذات وإنما يمتد بالنسبة للكافة، كما أنها قد تحكم بالتعويض عما أصاب المدعي من ضرر جراء أعمال الإدارة المادية أو من جراء تصرفاتها القانونية.
وتعد الرقابة القضائية إحدى الضمانات الأساسية لممارسة الحقوق والحريات المعترف بها قانونا للمواطنين، بل تعتبر أهم حماية للحريات والتي تترتب على الرقابة التي يمارسها القاضي بمناسبة دعوى الإلغاء بسبب الشطط في استعمال السلطة حيث أن الإلغاء القضائي يعيد الأمور إلى مجراها العادي، ويجعل مبدأ المشروعية هو إحدى الدعامات الأساسية لقيام وترسيخ دولة الحق والقانون، والذي بدونه تكون الحقوق والحريات صورية، بالرغم من الإعلان الرسمي عنها[17].
وتجمع الدراسات الفقهية عن إيلاء مبدأ الشرعية مكانة الصدارة ضمن مجموعة مفاهيم القضاء الإداري بحيث أن كل كتب القانون والقضاء الإداري يخصص حيزا وافرا لمبدأ المشروعية، فهو عصب الحياة القانونية والعمود الفقري في بناء النظام القانوني كله في الدولة، وهو يترجم نوعا معينا من الحضارة فيها، ويقصد به خضوع الدولة للقانون في كل ما تأتيه من أعمال وما تجربه من تصرفات وما تتمتع به من امتيازات. إذن فمبدأ الشرعية هو سمة تلتصق بالدولة المعاصرة التي يجب أن يكون تصرفها في حدود القانون، وتأسيسا على ذلك فأعمال وتصرفات الإدارة لا تكون صحيحة ولا منتجة لآثارها القانونية وطبقا له وبالتطبيق السليم والصحيح لمقتضياته، فإذا صدرت مخالفة لقواعد القانون فإنها تكون غير شرعية ويكون من حق الأفراد طلب إلغائها.
وفيما يتعلق بصور رقابة القضاء الإداري ودورها في حماية حقوق الإنسان، فهناك من يرى أن النظام الموحد هو الأكثر اتفاقا مع مبدأ المشروعية، إذ يخضع الأفراد والإدارة إلى قانون واحد، ما لا يسمح بمنح الإدارة أي امتيازات في مواجهة الأفراد إضافة إلى اليسر في إجراءات التقاضي إذا ما قورنت بأسلوب توزيع الاختصاصات القضائية بين القضاء العادي والإداري في نظام القضاء المزدوج. ومع ذلك فقد وجه النقد إلى هذا النظام من ناحية أنه يقضي على الاستقلال الواجب توفره للإدارة بتوجيه الأوامر إليها ما يعيق أدائها لأعمالها؛ الأمر الذي يدفع الإدارة إلى استصدار التشريعات التي تمنع الطعن في قراراتها ، وهذا قد يؤدي إلى إحداث الضرر بحقوق الإنسان والحريات العامة.
أما فيما يرتبط بنظام القضاء المزدوج؛ فهناك من يرى أن هذا النظام يجعل من القضاء الإداري قضاء إنشائيا يساهم في خلق قواعد القانون العام المتميزة عن القواعد العادية في ظل القانون الخاص التي يمكن من خلالها تحقيق المصلحة العامة وحماية حقوق الأفراد وحرياتهم[18].
ومن جهة أخرى؛ يمكن تقسيم القضاء الإداري إلى قضاء إلغاء، وقضاء شامل، بحيث يتولى قضاء الإلغاء[19] النظر في الدعوى الإدارية الهادفة لمخاصمة القرار الإداري حيث تسعى إلى التحقق من صحة القرار الإداري ومشروعيته ومدى موافقته للقانون، بينما يتولى القضاء الشامل الحكم بما يترتب عن القرار الإداري غير المشروع من تعويض عن الأضرار التي ألحقها بالمدعي، ومن ذلك المنازعات المتعلقة بقضاء التعويض عن أعمال الإدارة الضارة.
وتعتبر دعوى الإلغاء من أكثر الدعاوي الإدارية انتشارا واستعمالا من طرف المتقاضين، حيث خص لها المشرع مجموعة من القواعد والشروط، وتعرف بأنها “القضاء الذي بموجبه يقوم القاضي بفحص القرار الإداري فإذا ما تبين له مجانبة القرار للقانون حكم بإلغائه، ولكن دون أن يمتد حكمه إلى أكثر من ذلك، فليس له تعديل القرار فيه أو استبدال غيره به”[20] .
ولا ريب في أن خير ضمان لحقوق وحريات الأفراد اتجاه سلطات الضبط الإداري هو وجود قضاء إداري فعال ومستقل يمارس رقابة على قرارات الضبط الإداري من خلال عناصر القرار الإداري الخمسة من اختصاص، شكل[21]، محل[22]، سبب[23] وهدف، وهذه العناصر الخمسة هي التي تنبني عليها دعوى الإلغاء الوسيلة الفعالة والهامة في عملية الرقابة القضائية على تدابير الضبط الإداري، والمتعلقة بالطعن في قرارات الضبط الإداري لعدم الشرعية.[24]
وعلى الرغم من الأهمية الكبيرة لقضاء الالغاء إلا أنه لا يكفي لحماية حقوق الأفراد وحرياتهم حماية كاملة، إذ يرى بعض الفقهاء أن قضاء الإلغاء، وإن كان يضمن إنهاء القرارات الإدارية المعيبة، فإنه لا يكفل تغطية ما يترتب على بقاء تلك القرارات المعيبة فترة من الزمن؛ نظرا لمبدأ نفاذ القرارات الإدارية بالرغم من دعوى الإلغاء[25].
وتجدر الاشارة، أن بعض الأنظمة الدستورية، أقرت نظام القضاء الإداري المستقل، وبعضها الآخر، أسندت مهمة النظر في القضايا الإدارية إلى المحاكم الناظرة في القضايا المدنية أو التجارية أو غيرها من القضايا، ولم ينص على إنشاء محكمة إدارية مستقلة.
خاتمة:
من خلال ما تقدم نلاحظ أن القرارات الإدارية لا تخلو في إصدارها من عنصري التقييد والتقدير، إذ لا يوجد قرار إداري تقديري كله بحيث تستقل الإدارة بتقدير جميع عناصره ، كما لا يوجد قرار يستند على سلطة إدارية مقيدة بشكل مطلق في جميع عناصره، بحيث يتواجد في القرار الواحد عناصر التقييد والتقدير .
فالمشرع لعدم قدرته على الإحاطة بجميع الوقائع منح الإدارة هذه السلطة التقديرية التي قد تشكل خطورة في حالة إساءة استعمالها، وذلك لأنها تسمح للإدارة بتقدير ملائمة إصدار القرار من عدمه ووزن الظروف والمناسبات المحيطة به واختيار المضمون الذي تراه لقرارها، كل ذلك دون رقابة من جانب القضاء طالما أن الإدارة لم تخرج عن حدود سلطتها التقديرية .
وعموما يمكن القول، أن السلطة التقديرية للإدارة تمثل الجانب المقابل للسلطة المقيدة فإذا كان المشرع يحدد في حالات معينة مجالات تدخل الإدارة ووسائل هذا التدخل ووقته ويحدد الشروط والإجراءات الخاصة بهذا التدخل فإن المشرع قد يعمد أيضا وفي حالات أخرى إلى تمتيع الإدارة بقدر من الحرية في التصرف تستعمله حسب الظروف والملابسات فيعطيها الخيار بين عدة حلول سواء بالتدخل أو الامتناع عن التدخل واختيار وقت التدخل وذلك حسب تقديرها لظروف كل حالة على حدة.
المراجع
الكتب:
- إبراهيم عبد العزيز شيحا، “الـقــضــــــاء الإداري اللبناني”، الجـــزء الأول، الدار الجامعية، لبنان، عام 1994 .
- رجب محمود أحمد، “القضاء الإداري، مبدأ الشرعية تنظيم واختصاص القضاء الإداري”، إدارة النهضة العربية القاهرة، عام 2005
- سامي جمال الدين، “القضاء الإداري الرقابة على أعمال الادارة مبدأ المشروعية – تنظيم القضاء الإداري دراسة مقارنة”، منشأة المعارف، الطبعة الأولى، 2003.
- سليمان محمد الطماوي، “القضاء الإداري، قضاء التعويض وطرق الطعن بالأحكام دراسة مقارنة”، دار الفكر العربية، القاهرة، 1986.
- القاضي أحمد الأشقر، “الاجتهادات القضائية العربية في تطبيق الاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان” دراسة وصفية تحليلية” تونس، لبنان، المغرب، العراق، الأردن، الجزائر، فلسطين، raoul wallenberg institute swzdenـ سنة 2016.
- ماجد راغب الحلو، “القضاء الإداري”، دار المطبوعات الجامعية بالإسكندرية، 1995.
الرسائل :
- عبد الصمد شكري، “حماية حقوق الأفراد على ضوء الاجتهاد القضائي الإداري المغربي”، بحث لنيل شهادة الماستر في القانون العام، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعي طنجة، السنة الجامعية: 2010-2011 .
المقالات:
- أمال المشرفي، “حماية الحقوق والحريات بالتقييد القضائي لسلطة الإدارة التقديرية”، المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية، عدد 13 أكتوبر _ دجنبر، 1995.
- بوعزاوي بوجمعة، “الاتجاه الحديث في رقابة القاضي الإداري على ممارسة السلطة التقديرية للإدارة”، المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية سلسلة مواضيع الساعة، عدد 47، 2004.
- الحسن سيمو، ” السلطة التقديرية للإدارة ورقابة القضاء الإداري عليها”، المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية، عدد 13، أكتوبر دجنبر، 1995.
- عبد العزيز العروسي، “حقوق الإنسان بالمغرب: ملاءمات دستورية وقانونية”، المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية، عدد 103، 2018.
- عبد الغني اعبيزة: “القاضي الإداري والسلطة التقديرية للإدارة”، المجلة المغربية للإدارة المجلية والتنمية عدد مزدوج 84-85 يناير أبريل 2009.
- عصام بنجلون، “الغرامة التهديدية وتنفيذ الأحكام القضائية في مواجهة الإدارة”، المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية، عدد 65، سنة 2005.
- محمد فؤاد عبد الباسط ، “القضاء الإداري مبدأ المشروعية تنظيم واختصاصات مجلس الدولة”، دار الجامعة الجديدة للنشـــر الإسكندرية، عام 2005 م.
[1] – عصام بنجلون، “الغرامة التهديدية وتنفيذ الأحكام القضائية في مواجهة الإدارة”، المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية، عدد 65، سنة 2005، ص 59.
[2]– أمال المشرفي، حماية الحقوق والحريات بالتقييد القضائي لسلطة الإدارة التقديرية، المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية، عدد 13 أكتوبر – دجنبر 1995، ص 49-62.
[3]– وصف الأستاذ ( ميتشو ) السلــــطة المقيدة بقـــولــه “علـــى الإدارة أن تتخذ قرارات فرضها القانون مقدمـــا، فمهمتها مقــصورة عـــلى تطبيق القانـــون على الحالات التي تصادفهـــا عــنـدما تـتــحـقــق أسبابهـــا”، وأيـــضاً رأي الأستـــــاذ (جيرو ) أنـه في حالة “السلطة المقيدة لا يترك القانون للإدارة أية حرية في التقدير، بل أنه يفرض عـلـيـهــا بـطريـقة آمـــرة التصرف الـــذي يجب علــــيــها إتباعه”. رجب محمود أحمد، القضاء الإداري، “مبدأ الشرعية تنظيم واختصاص القضاء الإداري”، إدارة النهضة العربية لقاهرة، عام 2005 م، ص 155.
[4] – رجب محمود أحمد، نفس المرجع، ص 159.
[5]– محمد فؤاد عبد الباسط ، “القضاء الإداري مبدأ المشروعية تنظيم واختصاصات مجلس الدولة”، دار الجامعة الجديدة للنشـــر الإسكندرية، عام 2005 م، ص 232.
[6]– لمزيد من المعلومات حول السلطة التقديرية انظر:
– عبد الغني اعبيزة: “القاضي الإداري والسلطة التقديرية للإدارة”، المجلة المغربية للإدارة المجلية والتنمية عدد مزدوج 84-85 يناير أبريل، 2009.
– بوعزاوي بوجمعة: “الاتجاه الحديث في رقابة القاضي الإداري على ممارسة السلطة التقديرية للإدارة”، المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية سلسلة مواضيع الساعة عدد 47، 2004.
– الحسن سيمو ” السلطة التقديرية للإدارة ورقابة القضاء الإداري عليها المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية عدد 13 أكتوبر دجنبر ، 1995.
[7] – إبراهيم عبد العزيز شيحا، الـقــضــــــاء الإداري اللبناني، الجـــزء الأول، الدار الجامعية، عام 1994 م، ص 220.
[8] – من الأمثلة التي تبرز فيها السلطة التقديرية للإدارة ما يتعلق بصلاحيتها في النقل المكاني لموظفيها وفقاً لمقتضيات الصالح العام، وكذلك فيما يتعلق بحريتها في منح أو منع دخول الأجانب أراضيها والإقامة فيها .
[9] – رجب محمود أحمد، مرجع سابق، ص 289.
[10] – سليمان محمد الطماوي، القضاء الإداري، قضاء الإلغاء، الكتاب الأول، دار الفكر العربي القاهرة، عام 1986م، ص223.
[11]– إبراهيم عبد العزيز شيحا، “الـقــضــــــاء الإداري اللبناني”، الجـــزء الأول، الدار الجامعية، عام 1994 م، ص 290.
[12]– ماجد راغب الحلو، “القضاء الإداري”، دار المطبوعات الجامعية بالإسكندرية، 1995، ص 57.
[13] – القاضي أحمد الأشقر، “الاجتهادات القضائية العربية في تطبيق الاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان” دراسة وصفية تحليلية” تونس، لبنان، المغرب، العراق، الأردن، الجزائر، فلسطين”، raoul wallenberg institute swzdenـ سنة 2016، ص 80.
[14] – القاضي أحمد الأشقر، “الاجتهادات القضائية العربية في تطبيق الاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان” دراسة وصفية تحليلية” توني، لبنان، المغرب، العراق، الأردن، الجزائر، فلسطين”، مرجع سابق، ص 38.
[15] – سامي جمال الدين، “القضاء الإداري، الرقابة على أعمال الإدارة مبدأ المشروعية – تنظيم القضاء الإداري دراسة مقارنة”، منشأة المعارف، الطبعة الأولى، 2003، ص309.
[16] – عبد الصمد شكري، “حماية حقوق الأفراد على ضوء الاجتهاد القضائي الإداري المغربي”، بحث لنيل شهادة الماستر في القانون العام، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعي طنجة، السنة الجامعية: 2010-2011، ص 13.
[17] – أمال المشرفي، “حماية الحقوق والحريات بالتقييد القضائي لسلطة الإدارة التقديرية”، المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية عدد 13، 1995، ص 49.
[18] – القاضي أحمد الأشقر، “الاجتهادات القضائية العربية في تطبيق الاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان” دراسة وصفية تحليلية” تونس، لبنان، المغرب، العراق، الأردن، الجزائر، فلسطين مرجع سابق، ص. 82
[19] – لمزيد من المعلومات حول قضاء الالغاء انظر:
– سليمان محمد الطماوي، “القضاء الاداري قضاء الالغاء”، دار الفكر العربية، القاهرة، 2015.
[20]– عبد العزيز العروسي، “حقوق الإنسان بالمغرب: ملاءمات دستورية وقانونية”، المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية، عدد 103، 2018 ، ص 566.
[21] – يعرف الشكل بأنه مجموعة القواعد الإجرائية والشكلية المحددة لإصدار القرارات الإدارية، فقد يشترط القانون للقرار شكلا معينا أو اتخاذ إجراءات تمهيدية قبل إصدار القرار، ولهذا فإن الإدارة تكون ملزمة دائماً فيما صدر عنها من قرارات بإتباع الشكليات والإجراءات، سواء تلك التي نص عليها القانون أو التي لم ينص عليها، حيث تلتزم الإدارة بالأشكال التي تستمد من المبادئ العامة للقانون والقواعد العامة في الإجراءات، إذا كانت تمثل شكلا أو إجراء جوهرياً، وإلا أصبحت قراراتها محلا للطعن بالإلغاء والتعويض عنها .
[22] – محل القرار الإداري هو موضوع القرار أو الأثر القانوني المترتب علي القرار، وقد يلجأ المشرع إلي تحديده، وقد يتركه بلا تحديد، وفي هذه الحالة يكون للإدارة سلطة تقديرية فيما يتعلق بمحل القرار عندما تترك قواعد القانون لها في مواجهة أسباب معينة إمكانية الاختيار بين عدة حلول، فبعد أن تتحقق الإدارة من قيام الحالة الواقعية أو القانونية التي تبرر تدخلها، وبعد أن تكيفها التكييف القانوني الصحيح، وتقدر الأخطار التي قد تنجم عنها، تواجه اتخاذ قرار معين
[23] – السبب هو: ” حالة واقعية مادية أو قانونية تسبق القرار وتدفع الإدارة للتدخل بإصدار قرارها وأهم مثال يمكن نعطيه هو حالة القرار التأديبي بتوقيع جزاء على موظف معين، فسبب هذا القرار هو المخالفة الإدارية أو المالية التي ارتكبها الموظف فدفعت الإدارة إلى إصدار القرار الجزائي”.
[24]– عبد العزيز العروسي، مرجع سابق، ص560
[25]– سليمان محمد الطماوي، “القضاء الإداري، قضاء التعويض وطرق الطعن بالأحكام دراسة مقارنة”، دار الفكر العربية، القاهرة، 1986. ص 11.