دور الجماعات الترابية في حماية البيئة
شيماء كيلطو
باحثة بسلك الدكتوراه بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بسلا
ملخص:
شدت المشاكل البيئية، الرأي العام العالمي لأول مرة سنة 1949، حيث نظمت الأمم المتحدة أول مؤتمر عالمي خاص بالمحافظة على الموارد الطبيعية و استعمالها، وبعد حوالي عشرين سنة، عندما أصبحت أوضاع البيئة في العالم تنذر بالخطر، نظمت هذه المنظمة مؤتمرا دوليا في الفترة ما بين 5 و 16 يونيو 1972 بستكهولم، تطرق لمشاكل البيئة البشرية وأثار الانتباه إلى أن التقدم التكنولوجي والصناعي الذي يعرفه العالم.
وأمام تدهور البيئة تحت ضغط التنمية العشوائية، كلف الأمين العام للأمم المتحدة في دجنبر 1983 السيدة غروهارليم برونتلاند وزيرة البيئة ورئيسة الوزراء سابقا بالنرويج، بتكوين ورئاسة اللجنة العالمية للبيئة و التنمية، لتقوم بدراسة مشاكل البيئة الشائكة في العالم، وصياغة اقتراحات، من شأنها أن تضع حدا للأخطار الإيكولوجية التي تهدد مستقبل الكرة الأرضية، وعقدة اللجنة اجتماعات تشاورية وجلسات عامة في العديد من مناطق العالم، وأجرت زيارات ميدانية، ثم أنهت أشغالها بإنجاز تقرير تحت عنوان:”مستقبلنا المشترك”،وعلى ضوء ما جاء في هذا التقرير، قررت الأمم المتحدة عقد مؤتمر دولي حول البيئة والتنمية بريوديجانيرو بالبرازيل مابين 1 و12 يونيه 1992 ، والذي أكد المشاركون فيه استحالة الوصول إلى تنمية مستدامة، دون تعزيز الديموقراطية بمشاركة المواطنين وتحرير الحكم المحلي.
الكلمات المفاتيح: الجماعات الترابية- البيئة- الأخطار المحيطة.
Abstract:
The environmental problems intensified, world public opinion for the first time in 1949, when the United Nations organized the first world conference on the conservation and use of natural resources, and after about twenty years, when the environmental conditions in the world became alarming, this organization organized an international conference in the period between 5 and 16 June 1972 in Stockholm, addressed the problems of the human environment and drew attention to the technological and industrial progress that the world is experiencing.
Confronted with the deterioration of the environment under the pressure of indiscriminate development, the Secretary-General of the United Nations in December 1983 appointed Mrs Grohaarlem Brundtland, Minister of the Environment and former Prime Minister of Norway, to form and chair the World Commission on Environment and Development, to study the world’s thorny environmental problems and to formulate proposals which would be concluded. Among the ecological dangers threatening the future of the planet, the committee held consultative meetings and plenary sessions in many parts of the world, made field visits, and completed its work by completing a report under the title “An International Conference on Environment and Development was held in Rio de Janeiro (Brazil) from 1 to 12 June 1992, at which the participants affirmed that sustainable development could not be achieved without promoting democracy with the participation of citizens and the liberation of local communities.
Keywords: local and regional authorities – environment – environmental hazards.
مقدمة:
إن المغرب كشريك دولي حريص على تحقيق المسعى العالمي الخاص بحماية البيئة والمحافظة عليها، وذلك من خلال توقيعه على مختلف الاتفاقيات وإصدار مجموعة من التشريعات التي تهم البيئة، والقضايا البيئية ليست مشكلا خاصا ببلد ما بل هو مشكل مطروح على المستوى العالمي، وبالتالي فهو يتطلب جهودا دولية وإرادة عالمية.
وفي نفس السياق، أحسن المشرع المغربي عملا حينما عرف البيئة من خلال القانون رقم 11-03 المتعلق بحماية واستصلاح البيئية الصادر سنة 2003، وجاء في مادته الثالثة تعريف البيئة بكونها “مجموعة العناصر الطبيعية والمنشات البشرية وكذا العوامل الاقتصادية والاجتماعية والثقافية التي تمكن من تواجد الكائنات الحية والأنشطة الإنسانية و تساعد على تطورها”.
كما عمل ومنذ سنة 1960 على تبني نظام اللامركزية الترابية، فتوسيع الاختصاصات والمهام الموكولة للهيئات اللامركزية يعد ثمرة التصدي للمشاكل البيئية.
ومن جهة ثانية نجد أن دستور 2011 ارتقى بالجهات وباقي الجماعات الترابية الأخرى إلى مستوى الشريك الفعلي والقائد الحقيقي للتنمية المستدامة، فالفصل 137 من الدستور المذكور أسند وللمرة الأولى للجماعات الترابية اختصاص صياغة سياسات عمومية ترابية.
وحيث إنه من جهة ثالثة وأخيرة، إن القوانين التنظيمية للجماعات الترابية قد أسندت لهذه الهيئات اللامركزية اختصاصات مهمة في مجال المحافظة على البيئة وحماية المناخ واقتصاد الطاقة والماء إلى غير ذلك من الاختصاصات الأخرى المسندة لها في هذا الشأن.
غير أن الإشكالية الحقيقية للبيئة تكمن في الاختلاف الكامن في مفهوم البيئة وحمايتها على المستوى الدولي بتغير التكنولوجية والسياسات العالمية، وبالتالي ضخامة المشاكل وارتفاع تكاليف حلولها دوليا، إلى المستوى الوطني حيث المفهوم يتغير ويتناول مواضيع شاسعة تكاد أن تكون عامة كثلوث الهواء، الثلوث الناتج عن حركة المرور، النفايات بكل أنواعها وتلوث المياه السطحية والباطنية وغيرها من المواضيع الثقيلة، الساخنة والشائكة، إذ تصبح طرق المعالجة باهضة. في حين يتغير المفهوم ثانيا نزولا إلى المستوى المحلي، أي يصبح مفهوما يرتبط ارتباطا وثيقا باحتياجات المواطنين والأفراد وبالتالي تصبح إشكالية الاهتمام بها، تسييرها ومصادر تمويلها تطرح بحدة على المستوى المحلي باعتباره الأقرب إلى المواطن من بقية مؤسسات الدولة الأخرى.
ولهذا لابد من أن تكون المعالجة محلية، لذلك بادر المشرع المغربي بإصدار القانون-الإطار رقم 12.99 ، والهدف من وجوده هو تحديد التزامات جميع الفاعلين في مجال حماية البيئة والتنمية المستدامة بصفة عامة، وكذا المهام الواجبة على الهيئات المحلية بصفة خاصة، من أجل التوجه نحو سياسة ديناميكية ترمي إلى تحقيق تنمية شاملة محليا.
فما هي إذن طبيعة الاختصاصات التي يخولها المشرع للجماعات الترابية في مجال حماية البيئة؟·
و ماهي عراقيل ممارسة هاته الأخيرة لاختصاصاتها البيئية بشكل سليم؟ و ماهي سبل تجاوزها ؟
I ) دور الجماعات الترابية على المستوى البيئي من خلال القوانين التنظيمية
يشكل العمل البيئي المحلي إحدى الركائز الأساسية لضمان نجاح المجهودات الوطنية في ميدان المحافظة على البيئة، على أساس الجماعات الترابية مؤسسات قريبة من مواقع الاختلالات البيئية الشيء الذي يساعدها على التدخل لضبط الأوضاع ومعالجة المشاكل البيئية المطروحة في الوقت المناسب، مواكبة لاهتمامات المواطنين في العصر الحديث باعتبارها مظهر من مظاهر رقي مستوى السكان الفكري والمادي.
وعلى هذا الأساس ، فإن الاختصاص البيئي للجماعات الترابية يمكن رصده على جميع المستويات المحلية ، سواء في إطار القوانين التنظيمية المتعلقة باختصاصاتها (أولا) أو من خلال التشريعات المتعلقة بحماية البيئة (ثانيا)
أولا : الاختصاصات المستمدة من القوانين المنظمة للجماعات الترابية
يتوقف نجاح السياسة الوطنية لحماية البيئة، إلى جانب التدخل المركزي، على وجود إدارة بيئية محلية فعالة، والتي تتحدد فعاليتها وفقا للقواعد المحددة لصلاحيتها ومهامها بوضوح.
ولقد تميزت السنوات الأخيرة بإعطاء دفعة قوية للديمقراطية المحلية عن طريق تجديد الإطار التشريعي العام الذي يحكم تنظيم وسير دواليب اللامركزية الترابية وذلك من خلال إصدار القوانين التنظيمية للجماعات الترابية في مستوياتها الثلاث (الجهات،العمالات والاقاليم،الجماعات) وهي 111.14 و 112.14 و113.14.
ففيما يخص القانون التنظيمي رقم 111.14 المتعلق بالجهة، الذي ينص على اختصاصات المجلس الجهوي في المجال البيئي، نصت المادة 97 من القانون التنظيمي على أن مجلس الجهة يتداول في قضايا التنمية الجهوية وإعداد التراب والمرافق العمومية، منها برنامج التنمية الجهوية والتصميم الجهوي لإعداد التراب وفق أحكام هذا القانون التنظيمي، كما نلمس ذلك مثلا في المادة 28 و80، فالتنمية الجهوية تقوم على أبعاد اقتصادية،اجتماعية، ثقافية، بيئية…، لذلك فصلاحيات المجلس وتداوله في برنامج التنمية الجهوية وكذا التصميم الجهوي لإعداد التراب، يقتضي استحضار هذه الأبعاد، من حيث مقاربة الإشكالات التنموية بالجهة، ومن حيث التنظيم والسهر على حسن المرافق والخدمات ذات الأبعاد البيئية المقدمة لساكنة الجهة.
والى جانب هذه الصلاحيات المخولة للمجلس الجهوي في المجال البيئي، على مستوى الإعداد والتتبع والتنفيذ. فقد افرد المشرع أيضا صلاحيات لرئيس الجهة ذات صلة بالبيئة، كما هي محددة في المواد 101و102و105، من خلال تنفيذ مداولات المجلس والسلطة التنظيمية الموكول إليه، وكذا مسؤوليته في إعداد برنامج التنمية الجهوية والتصميم الجهوي لإعداد التراب.
كما هناك اختصاصات ذاتية واختصاصات مشتركة واختصاصات منقولة للمجلس الجهوي في إطار المحافظة على البيئة، فالإختصاصات الذاتية حسب المادة 82 من القانون التنظيمي المتعلق بالجهة تتمحور حول إطلاعها بمهمة تهيئة وتدبير المنتزهات الجهوية ووضع إستراتيجية جهوية لاقتصاد الماء والطاقة و إنعاش المبادرات المرتبطة بالطاقة المتجددة.
أما الاختصاصات المشتركة حسب المادة 91 فنصت على ان الجهات تمارس اختصاصات مشتركة بينها وبين الدولة في عدة مجالات ومنها ذات الصلة بالبعد البيئي حيث جاء فيها ” تمارس الجهات الاختصاصات المشتركة بينها وبين الدولة في المجالات التالية :أ-التنمية الاقتصادية:-التنمية المستدامة ، ب) التنمية القروية: تنمية المناطق الجبلية، تنمية مناطق الواحات، د) البيئة: الحماية من الفيضانات، الحفاظ على الموارد الطبيعية والتنوع البيولوجي ومكافحة التلوث والتصحر، المحافظة على المناطق المحمية ،المحافظة على المنظومة البيئية الغابوية والمحافظة على الموارد المائية”.
وفيما يخص الاختصاصات المنقولة إلى الجهة، فقد جاء في متن المادة 94 من هذا القانون التنظيمي، أنه واعتمادا على مبدأ التفريع تحدد مجالات الاختصاصات المنقولة من الدولة الى الجهة، والتي تشمل قضايا الطاقة والماء والبيئة.
إلى جانب ذلك نص القانون التنظيمي رقم 112.14 المنظم للعمالات والأقاليم على واجب العمالة أو الإقليم في المحافظة على البيئة، وأن تكون حاضرة بقوة في هذا المجال من خلال منحها مجموعة من الصلاحيات المهمة والمتمثلة في اختصاصات ذاتية واختصاصات مشتركة وأخرى منقولة.
تتجلى الاختصاصات الذاتية للعمالات والأقاليم من خلال ما نصت عليه المادة 26 التي جاء فيها ” يحدث مجلس العمالة أو الإقليم خلال أول دورة عادية يعقدها ….، ثلاث لجان دائمة على الأقل يعهد إليها …بدراسة القضايا التالية…..التنمية القروية والحضرية وإنعاش الاستثمارات والماء والطاقة والبيئة…”. كما تتضمن الفقرة الثانية من المادة 80 من هذا القانون التنظيمي جانبا من مناحي البيئة فيه. ويتعلق الأمر بالرؤية التي يلزم أن يقوم عليها برنامج التنمية الخاصة بالعمالة والإقليم وهي تحقيق التنمية المستدامة، والتي لا تتحقق إلا بتضمين البعد البيئي في مختلف مراحل بلورة هذه البرامج في مرحلة التشخيص والإعداد والتنفيذ والتتبع والتقييم..
وزيادة على هذا الدور، أسندت المادة 86 من القانون التنظيمي للعمالات والأقاليم اختصاصات مشتركة بين الدولة والعمالة أوالإقليم في المجالات البيئية، تتجلى في تنمية المناطق الجبلية والواحات، الإسهام في تزويد العالم القروي بالماء الصالح للشرب والكهرباء.
ولقد أوكل المشرع من خلال المادة 89 من القانون التنظيمي 112.14 للعمالات والأقاليم في إطار الاختصاصات المنقولة، مهام نقل وصيانة المنشآت المائية الصغيرة والمتوسطة خاصة بالعالم القروي.
أما القانون التنظيمي رقم 113.14 المتعلق بالجماعات، فقد أعطى للاختصاص البيئي المحلي مكانة هامة، من خلال المهام الذاتية المنصوص عليها في المادة 83 من هذا الأخير، حيث تقوم الجماعة بإحداث وتدبير المرافق والتجهيزات العمومية….في الميادين التالية: توزيع الماء الصالح للشرب والكهرباء، تطهير السائل والصلب ومحطات معالجة المياه العادمة، تنظيف الطرقات والساحات العمومية وجمع النفايات المنزلية والمشابهة لها ونقلها الى المطارح ومعالجتها، إحداث وصيانة المنتزهات الطبيعية داخل النفوذ الترابي للجماعة. كما يؤكد القانون التنظيمي رقم 113.14 المتعلق بالتنظيم الجماعي على ضرورة اعتماد الجماعة في تدبير المرافق العامة التي تنشئها، على الطرق المتبعة حديثا مثل: التدبير المفوض أو التعاقد مع القطاع الخاص.
كما نصت المادة 134 المتعلقة بمهام مؤسسة التعاون بين الجماعات على إجراءات في حماية البيئة وخاصة معالجة النفايات وتطهير السائل والصلب ومحطات معالجة المياه العادمة.
وبالنسبة لمكامن البيئة في الاختصاصات المشتركة والمنقولة للجماعات فقد نص هذا القانون التنظيمي على بعض الاختصاصات المشتركة بين الدولة والجماعة في الميدان البيئي سواء عن طريق السهر على الحماية والمحافظة أو تدبيرها وتهيئتها وذلك من خلال المادة 87 التي ورد فيها: ” تمارس الجماعة الاختصاصات المشتركة بينها وبين الدولة في المجالات التالية :..،المحافظة على البيئة ، تدبير الساحل الواقع في النفوذ الترابي للجماعة طبقا للقوانين والأنظمة الجاري بها العمل، تهيئة الشواطئ والممرات الساحلية والبحيرات وضفاف الأنهار الموجودة داخل تراب الجماعة”. وهي اختصاصات تمارسها الجماعة بشكل تعاقدي إما بمبادرة من الدولة أو بطلب من الجماعة كما تبرز ذلك المادة 88 من هذا النص.
وفي مجال الاختصاصات المنقولة من الدولة الى الجماعة اعتمادا على مبدأ التفريع فقد وردت بعض من الجوانب البيئية فيها، إذ نصت المادة 90 على انه: ” تحدد اعتمادا على مبدأ التفريع مجالات الاختصاصات المنقولة من الدولة الى الجماعة، وتشمل هذه المجالات خاصة :
– حماية وترميم المآثر التاريخية والتراث الثقافي والحفاظ على المواقع الطبيعية.
– إحداث وصيانة المنشآت والتجهيزات المائية الصغيرة والمتوسطة…. “.
هذا من جهة، أما من جهة أخرى، فهناك صلاحيات تخص مجلس الجماعة ورئيسه فيما يخص حماية البيئة، وذلك حسب المادة 93 من القانون السالف الذكر، والتي جاء في فقرتها الأولى:” يفصل مجلس الجماعة بمداولاته في القضايا التي تدخل ضمن اختصاصات الجماعة ويمارس الصلاحيات الموكولة إليه بموجب أحكام هذا القانون التنظيمي…”. كما جاء في نفس المادة: “يتداول مجلس الجماعة في القضايا التالية :
– التنمية الاقتصادية والاجتماعية : برنامج عمل الجماعة …تحديد شروط المحافظة على الملك الغابوي في حدود الاختصاصات المخولة له بموجب القانون …
– التعمير والبناء وإعداد التراب : -ضوابط البناء الجماعية والأنظمة العامة الجماعية للوقاية الصحية والنظافة العمومية ……
– إبداء الرأي حول وثائق اعداد التراب ووثائق التعمير طبقا للقوانين والأنظمة الجاري بها العمل….
– التدابير الصحية والنظافة وحماية البيئة : – اتخاذ التدابير اللازمة لمحاربة عوامل انتشار الأمراض،إحداث وتنظيم المكاتب الجماعية لحفظ الصحة…”
كما أناط المشرع برئيس المجلس الجماعي جملة من الصلاحيات، منها تلك التي تلامس مجال البيئة بالجماعة، بحيث إلى جانب ما جاء عاما يشمل جميع مناحي التنمية بالنفوذ الترابي التابع للجماعة في الفقرة الاولى من المادة 94 والمادة 98، فإن المادة 100 تتضمن جملة صلاحيات الشرطة الإدارية للرئيس، ومنها تلك المتعلق بالحفاظ على البيئة، كالسهر على احترام شروط نظافة المساكن والطرق وتطهير قنوات الصرف الصحي وزجر إيداع النفايات بالوسط السكني والتخلص منها،والمساهمة في الحفاظ على المواقع الطبيعية…وتنظيم المساهمة في مراقبة الأنشطة التجارية والصناعية والحرفية ..التي من شأنها ان تمس بالوقاية الصحية والنظافة …أو تضر بالبيئة . والسهر على نظافة مجاري المياه والماء الصالح للشرب وضمان حماية ومراقبة نقط الماء المخصصة للاستهلاك العمومي ومياه السباحة…. كما أناطه أيضا تبعا لما جاء في ذات المادة، اتخاذ التدابير اللازمة للوقاية من الحريق والآفات والفيضانات وجميع الكوارث العمومية الكبرى.
والى جانب ما سلف نصت المادة 278 من هذا القانون التنظيمي أنه “يمكن لنصوص تشريعية خاصة ان تسن-عند الاقتضاء- تدابير استثنائية بخصوص صلاحيات رؤساء المجالس الجماعية في ميدان التعمير والمنصوص عليها في المادة 101 من هذا القانون التنظيمي وذلك فيما يتعلق :….- بوضع تدابير استعجالية أو ضرورية لحماية البيئة والمحافظة عليها، في بعض المناطق…”.
كما تستوجب الإشارة في هذا الصدد الى صلاحيات مجالس المقاطعات ورؤسائها من خلال المواد 224 و229و 231.
يلاحظ مما سبق، أن المشرع المغربي عمل من خلال القوانين التنظيمية المتعلقة بتنظيم الجماعات الترابية على إدخال حماية البيئة في صلب اهتمامات المجالس المحلية، وبتفصيله لاختصاصات تلك الوحدات الترابية فإنه يساهم من ناحية في تعزيز وتوسيع المقتضيات القانونية المحددة لتدخلات الجماعات الترابية في تدبير الشأن البيئي، ومن ناحية أخرى يعمل على تفادي تداخل وتضارب الاختصاصات البيئية بين مختلف الوحدات الترابية.
ثانيا: الاختصاصات البيئية المحلية المستمدة من القوانين البيئية
باستقراء مجمل النصوص القانونية الرامية إلى المحافظة على البيئة سواء في القوانين القطاعية المنظمة لجانب من جوانبها أو الشاملة، نلاحظ الاهتمام الكبير الذي توليه للجماعات الترابية باعتبارها شريك أساسي في تنفيذ كل سياسة أو برنامج تنموي يهدف إلى خدمة الصالح العام، وهو ما يجعل هذه المؤسسات تتدخل باختصاصات واسعة في هذا المجال، حيث منحت النصوص الجديدة المتعلقة بالبيئة، المتجسدة في قانون حماية واستصلاح البيئة 11.03 وقانون دراسة التأثير على البيئة 12.03، قانون مكافحة تلوث الهواء 13.03 وقانون رقم 28.00 المتعلق بتدبير النفايات والتخلص منها، اختصاصات مهمة للجماعات الترابية لإشراكها في استصلاح البيئة والمحافظة عليها، وأهم التدابير التي خولتها النصوص المذكورة للمجالس الجماعية نذكر ما يلي :
- مراعاة الجماعات لمتطلبات حماية البيئة عند دراستها لوثائق التعمير المختلفة، وذلك بفرض احترام المواقع الطبيعية والخصوصيات الثقافية والمعمارية أثناء تحديد المناطق المخصصة للأنشطة الاقتصادية والسكن والترفيه.[1]
- تسليم رخص البناء المتعلقة بالمؤسسات المصنفة بناءا على دراسة التأثير على البيئة التي يرفقها صاحب المشروع بطلب الترخيص والتي تمكن من تقييم التأثير البيئي للمشروع ومدى موافقته لمتطلبات حماية البيئة.[2]
- منح رخص البناء والتجزئة بعد التأكد من عدم تأثيرها المحتمل على البيئة، ويمكن رفض هذه الرخص أو إخضاعها لمواصفات خاصة، إذا كان من شأن البنايات أو التجزئات المعنية، أن تكون لها عواقب مضرة بالبيئة أو بأمن السكان وراحتهم وصحتهم أو أن تهدد بشكل ما الأماكن المجاورة أو المآثر.[3]
- استشارة الجماعات الترابية حول إحداث مناطق خاصة محمية ببعض المناطق البرية أو البحرية، التي تمثل بيئتها الطبيعية والبشرية أهمية خاصة يجب المحافظة عليها.
- اتخاذ الجماعات الترابية كل التدابير الضرورية للحد من خطر النفايات وتدبيرها ومعالجتها والتخلص منها بطريقة ملائمة تزيل أو تحد من آثارها المضرة بصحة الإنسان بالموارد الطبيعية وبالحيوانات وبجودة البيئة بصفة عامة.[4]
- مساهمة الجماعات الترابية مع الدولة والهيآت الأخرى المعنية في إعداد مخططات استعجالية لمواجهة الحالات الحرجة الناتجة عن تلوث خطير للبيئة بسبب حوادث طارئة أو كوارث طبيعية أو تكنولوجية وفقا للشروط المحددة بموجب نصوص تطبيقية.[5]
- معاينة كل المخالفات لمقتضيات النصوص القانونية والتنظيمية المتعلقة بالبيئة من طرف موظفي الجماعات المحلية المعينين لهذه الغاية من طرف رؤساء المجالس الجماعية، وإعداد محاضر بهذه المخالفات في أقصر وقت وتوجيهها إلى المحكمة المختصة وعامل العمالة أو الإقليم المعني.[6]
- اتخاذ الجماعات الترابية لكل التدابير اللازمة من أجل حماية المستوصفات من الآثار السلبية الناجمة عن أي شكل من أشكال التلوث والإزعاج من نفايات صلبة ومقذوفات سائلة أو غازية وكذا كل أشكال الضجيج والاهتزازات التي لا تتوافق مع مقاييس ومعايير جودة البيئة المحددة بنصوص تشريعية أو تنظيمية.[7]
- مساهمة الجماعات الترابية مع الدولة والمؤسسات العمومية والمنظمات غير الحكومية ومختلف الهيئات المعنية، باتخاذ كل الإجراءات والتدابير اللازمة لمراقبة التلوث الهوائي، ووضع شبكات لمراقبة جودة الهواء ورصد مصادر التلوث الثابتة والمتحركة التي من شأنها إلحاق الضرر بصحة الإنسان وبالبيئة بصفة عامة.
أما المجالات الأخرى، فأصبح من الصعب على الجماعات الترابية تغطيتها بكاملها، ونذكر على سبيل المثال لا الحصر تطهير المياه المستعملة، جمع النفايات الصلبة ومعالجتها، إعداد التراب، توزيع المياه الصالحة للشرب، حماية الموارد الطبيعية…الخ.
هذا الجانب المتعلق بتطهير السائل ومراقبة تلوث النفايات السائلة، تم التنصيص عليه في إطار القانون رقم 10-95 المتعلق بالماء، بحيث تم إحداث لجان إقليمية مهمتها تمكين الجماعات الترابية من التدبير الجيد للموارد المائية وحمايتها من كل أشكال التلوث، بمساعدة مؤسسات عمومية كوكالات الأحواض المائية المحدثة بموجب هذا القانون، التي تتولى عملية تقييم الموارد المائية وتخطيطها وتدبيرها وحمايتها وتسليم الرخص والامتيازات الخاصة بالملك العام المائي منطقة نفوذها.
كما تتطلب عمليات تطهير ومعالجة المخلفات الصلبة والسائلة، إعداد دراسات تقنية واسعة النطاق تستوجب انخراط جميع القطاعات المعنية خصوصا خلال مرحلة وضع تصاميم الهندسة المدنية للمخطط الخاص بتوجيه التهيئة العمرانية، وهو ما جعل القطاع المكلف بتدبير البيئة يسند عدة مهام للجماعات الترابية من بينها : حق اتخاذ جميع التدابير الضرورية للحد من خطورة النفايات وتدبيرها ومعالجتها بطريقة ملائمة بما فيها المجاري والمياه المستعملة، والأماكن الرئيسة التي تصب فيها المياه المستعملة، والأماكن التي توضع فيها النفايات المنزلية وأخذها بعين الاعتبار عند تحديد مبادئ الصرف الصحي.
هذا التعاون الوثيق بين القطاع المكلف بالبيئة والجماعات الترابية سيتم تدعيمه عندما أناط القانون رقم 28.00 المتعلق بتدبير النفايات والتخلص منها وقد أناط قانون 28.00 للجماعات الترابية القيام بمجموعة من الاختصاصات التي لها علاقة بتدبير النفايات، سواء فيما يتعلق بإعداد مخططات لتدبير النفايات* أو جمعها والتخلص منها،■ وذلك عبر إنجاز عدة أنواع من المخططات المديرية على مستويات متباينة وهي كالتالي :
– مخطط مديري وطني لتدبير النفايات الخطرة الذي يتم إعداده من طرف الإدارة بتعاون مع الجماعات الترابية والمهنيين المعنيين.
– مخطط مديري جهوي لتدبير النفايات الصناعية والطبية والصيدلية غير الخطرة والنفايات الفلاحية والنفايات الهامدة المعد من طرف مجلس الجهة تحت مسؤولية الوالي وبتنسيق مع لجنة استشارية مكونة من ممثلي مجالس العمالات والأقاليم وممثلي الإدارة وممثلي الهيئات المهنية وممثلي الجمعيات المهتمة بحماية البيئة.
– مخطط مديري عملاتي أو إقليمي لتدبير النفايات المنزلية والمماثلة الذي يغطي تراب كل عمالة أو إقليم بمبادرة من العامل وتحت مسؤوليته بتشاور مع اللجنة الاستشارية المحلية المعدة لهذا الغرض، أو مخطط مديري مشترك بين العمالات أو الأقاليم إذا كانت مسالك نقل النفايات وجمعها ومواقع التخلص منها تتجاوز الحدود الترابية للعمالة أو الإقليم.
– المخطط الجماعي أو المخطط الجماعي المشترك الذي تعتمده الجماعات لأجل التدبير اليومي للنفايات في إطار تنظيم خدمات المرفق العمومي الجماعي مع مراعاة توجهات المخطط المديري للعمالة أو الإقليم.
كما يجب على الجماعات الترابية العمل بتنسيق مع القطاع المكلف بالبيئة والهيئات المعنية حسب ما هو منصوص في المادة 51 من القانون المتعلق بحماية واستصلاح البيئة، على إعداد مخططات استعجالية سواء لمواجهة حالات التلوث الناتجة عن الكوارث الطبيعية أو حوادث طارئة، أو متعلقة بتدبير المقالع وإنشاء المناطق المحمية.
ونظرا للدور الكبير والمتنامي الذي أصبحت تلعبه الجماعات الترابية بشراكة مع القطاع الخاص من شأنه المساهمة في إرساء مفهوم جديد، مفاده أن القمامة ليست بنفايات يتم التخلص منها فقط، وإنما هي مورد من موارد الثروة الطبيعية التي يمكن تحويلها وإعادة استخدامها والاستفادة منها في مجالات متعددة كإنتاج السماد العضوي، والورق والبلاستيك والمعادن والقماش المستخدم في صناعة المواد الأولية استفادة من التجربة الأوروبية في هذا المجال.
إضافة إلى ذلك، يمكن استخدام بعضها كمصدر للوقود خصوصا في صناعة الأسمنت كما حدث في بعض الدول الصناعية وما لهذه العملية من إيجابيات عدة على المستوى البيئي وعلى المستوى المالي باعتباره مورد إضافي لخزينة الجماعة، أو على المستوى الاجتماعي والاقتصادي، بتوفيره لفرص شغل جديدة تستفيد منها شريحة عريضة من فئات المجتمع وعلى الجماعات الترابية أن تسير في نفس الاتجاه بالتنسيق مع جميع المصالح المختصة في تدبير الشأن المحلي مؤسسات عمومية أو شركات خاصة، باعتباره مجالا يقاس به العمل الجماعي الحديث حسب المعايير الدولية في مجال تسيير المدن من أجل تقديم خدمات ترقي إلى تطلعات المواطنين من الناحية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئة.
ولتدعيم سياسة اللامركزية في العمل البيئي، تم صدور القانون-الإطار رقم 12.99 بمثابة ميثاق وطني للبيئة والتنمية المستدامة الذي حدد أدوار الدولة والجماعات الترابية والمؤسسات العمومية وشركات الدولة والمقاولات الخاصة وجمعيات المجتمع المدني والمواطنين تجاه الحفاظ على البيئة وضمان التنمية المستدامة. كما حدد المسؤوليات والمراقبة البيئية، وأحدث بموجب المادة 35 شرطة البيئة لأجل تعزيز سلطات الإدارات المعنية في مجال الوقاية والمراقبة والتفتيش، إلا أنه سرعان ما تم الاستغناء عنها في صمت سنة 2015 بعدما كانت بطور التجريب.
ولقد حددت المادة 20 من القانون-الإطار التزامات كل من للجهات والعمالات والأقاليم والجماعات الأخرى في مجال المحافظة على البيئة، وهي كالتالي: تسهر الجهات والجماعات الترابية الأخرى، كل في مجاله الجغرافي، على إدماج المبادئ والأهداف المنصوص عليها في القانون – الإطار، ضمن آليات التخطيط وبرامج التنمية؛ ثم تلتزم بضمان مشاركة ساكنتها في اتخاذ القرار المرتبط بالمحافظة على البيئة المحلية المتعلقة بهذه الميادين؛ كما تلتزم الجهات المتجاورة وباقي الجماعات التّرابية المتجاورة، قدر الإمكان، باتباع سياسات عمومية محلية مندمجة ومنسقة عند إقامة تجهيزات وبنيات تحتية تتعلق بالمحافظة على البيئة والتنمية المستدامة.
أما الجهات والجماعات الترابية فتعمل بدورها على إدماج مبادئ وأهداف القانون -الإطار ضمن آليات التخطيط وبرامج التنمية كل في مجاله التّرابي، كما تلتزم بضمان مشاركة ساكنتها في القرار المرتبط بحماية البيئة والتنمية المستدامة.
II) واقع البيئة على الصعيد المحلي :
تعد اللامركزية نهجا ديمقراطيا لكيانات محلية تدبر شؤونها الخاصة بواسطة مجالسها المنتخبة، ولكي تتمكن هذه المجالس من تدبير الشؤون المحلية والنهوض بالمجتمع المحلي، فمن الضروري أن تتوفر الجماعات المحلية على موارد مالية وبشرية وعناصر تنظيمية، ففي غياب هذه الكفاءات يصعب التحدث عن ديمقراطية سليمة أو أي سياسة منسجمة وفعالة للمحافظة على البيئة، فبالرغم من المجهودات الكبيرة التي تبذلها الجماعات الترابية في ميدان المحافظة على البيئة، لاتزال الغاية بعيدة، والهدف صعبا، ذلك لأسباب متمثلة في قلة الوسائل البشرية ومجموعة من العوائق (أولا)، وهو ما يتطلب تفعيل قدراتها في التعامل مع المشاكل البيئية، بإجراءات تدعيمية (ثانيا).
أولا : محدودية العمل البيئي المحلي
تعود محدودية الدور التنموي للجماعات المحلية، وضعف أدائها في سبيل الوصول لحكامة بيئية، إلى معوقات في قيامها باختصاصاتها والتي تعود بالأساس إلى موقف النخب المحلية اللامبالي من قضايا البيئة، العبء المالي، وضعف تطبيق القوانين البيئية، فالمتتبع لواقع البيئة بالمغرب سيستخلص أن المشكل هو مشكل نخبها المحلية، وعلى رأسهم المنتخب والموظف الجماعي، وهذا يعود بطبيعة الحال إلى مستوياتهم السوسيوثقافية، مما يعطي الانطباع على أن مشكل الجماعات الترابية مع التدبير الجيد للبيئة هو مشكل منتخبيها ومسيريها، إذ تتميز الموارد البشرية للجماعات بكونها حسب الحالات إما غير كافية أو تعرف فائضا، لكن وفي جميع الأحوال تبقى نوعيا غير ملائمة وضعيفة التعبئة، فإذا كان نظام 1960 الجماعي لم يكشف عن عيوب ونواقص المنتخبين الجماعيين باعتبار محدودية الاختصاصات التي كانوا يتحملونها، ومشاركة السلطة المركزية التي كانت لها اليد العليا في تسيير جميع المسؤوليات ، فإن قوانين 1976، 2002، 2009 وخاصة القوانين التنظيمية للجماعات الترابية الصادرة سنة 2015 قد غيرت من موازين القوى وجعلت المنتخب الجماعي يتحمل مسؤوليات تداولية وتنفيذية واسعة، فالتسيير الجماعي أصبح يفرض مؤهلات خاصة، ومعرفة جيدة بالميدان المحلي، على العموم والميدان البيئي على الخصوص، مما يفرض على هؤلاء استيعاب النصوص، ومعرفة الميكانيزمات والمساطر، وحل المشاكل المهمة واتخاذ قرارات محددة ثم التفاوض مع الشركاء المختلفين.
وأكثر من هذا فإن رئيس المجلس الجماعي لم يعد فقط ذلك الشخص السياسي بل أصبح يفترض فيه أن يكون مسيرا ومحركا للتنمية المحلية ومحاور للدولة ولباقي الجماعات والمؤسسات العمومية، ويتحمل مسؤوليات جد صعبة ومعقدة في ميدان إدارة الشؤون المحلية للجماعة، التي تضم ساكنة مهمة ونمو حضري سريع وحاجيات تفوق الوسائل المتاحة لها.
لكن في المقابل نجد الوضعية التكوينية للمنتخب الجماعي المغربي متدنية بالمقارنة بالتطلعات التي تطمح إليها اللامركزية الجماعية.
إن ضعف مساهمة الموظف الجماعي في قضايا البيئة، يعود بالأساس إلى الوضعية التي يعيشها، مما يجعل التفكير في الجانب البيئي الاستثناء، و تجاهله هو القاعدة، هذه الوضعية التي تتميز بـ :
- ضعف كفاءة الموظفين والأعوان الجماعيين، بالجماعات الحضرية والقروية، وعدم سلامة طرق وأساليب اختيار الموظفين.
- وضع السلطة في أيدي لا تتوفر فيها الكفاءة العلمية.
- تحميل الرؤساء والمشرفين الإداريين بمسؤوليات تفوق ما خول لهم من وسائل، وعدم الاهتمام بعنصر التقدير المادي اللازم عند وضع السلطات المقابلة للمسؤوليات والكفاءات.
- عدم تناسب الموظفين المختارين مع احتياجات الجماعات الحضرية والقروية لشغل الوظائف المعلن عنها.[8]
- عدم ملائمة التكوين أو التدريب، الذي يشكل عنصر رئيسي في عملية التنمية الإدارية، من خلال تنمية المعرفة والمهارات والمعلومات والقدرات لدى الموظفين الجماعيين، وذلك راجع إلى عدم وجود إستراتيجية متكاملة، تربط التكوين بالترقية، ووجود ثغرات متعلقة بقانون الوظيفة الجماعية، بالرغم عن ما يزيد على 30 سنة على صدور المرسوم المتعلق بالوظيفة العمومية الجماعية.[9]
- عدم توفر النصوص القانونية، على الشروط اللازمة للترسيم بخصوص الأعوان والعمال والموظفين المؤقتين، والذين يشكلون الغالبية العظمى لبعض مجموع أعوان وموظفي الجماعات.
- عدم استقرار نظام الوظيفة الجماعية فغالبا ما يعرف نوعا من الاضطراب والفوضى الناتج عن ارتباطه بإرادة رئيس المجلس الجماعي وأعضاء المكتب المسير.[10]
كما تظل الوسائل المالية المتوفرة والمتاحة للجماعات الترابية، دون مستوى متطلبات وأهداف التنمية المحلية، والحاجيات المتنامية للسكان، فبالرغم من الارتفاع النسبي والرقمي لميزانيات الجماعة المحلية،* نلاحظ تواضع الموارد المحلية الذاتية وشحها، خاصة فيما يتعلق بنصيبها من عائدات الضريبة على القيمة المضافة.[11]
يشكل ضعف تطبيق القانون، أحد الأمراض المزمنة التي تعاني منها معظم فروع القانون، في أغلبية البلدان النامية، ولا يشكل التشريع البيئي استثناء من القاعدة، بل إن المشكل يكون أكثر حدة في مجال قانون البيئة، الذي يعرف ثغرات خاصة في مجال محاربة التلوث والحد من الانبعاثات الملوثة، وهي مسائل لم تحظ بالاهتمام من المشرع في فترة كان المغرب يعيش ركودا صناعيا، كما أن المقتضيات الوقائية في القوانين التنظيمية الجماعية، لم تتبعه مقتضيات قانونية وتنظيمية وتطبيقية تتناول بالتوضيح كيفية تنظيم هذه الميادين والمجالات، والقوانين المنظمة للحياة الجماعية متقادمة يرجع بعضها لعهد الحماية.[12]
ثانيا : الإجراءات التدعيمية لدور الجماعات الترابية في المجال البيئي
تتوخى الحكامة البيئية تحسين محيط وجودة الحياة والوصول إلى تنمية مستدامة، لكن هذا لن يتأتى دون إيجاد الحلول والمبادرات الملائمة والبديلة، للإشكالات المتعلقة بجميع المكونات الاقتصادية، الاجتماعية، الثقافية والإيكولوجية.
لدا فإن تفعيل الدور البيئي للجماعات الترابية يتطلب تقوية قدراتها البشرية والمالية والتنظيمية .
“مهما بدلت من جهود في مختلف مجالات البيئة، فإنه لا يمكن أن يكون لها ذلك الوقع الحسن، دون أن يكون للعنصر البشري حضور دائم وفعال نظرا لتعامله اليومي كفرد وكجماعة مع مختلف عناصر البيئة”.[13]
وتتجلى هنا أهمية تقوية القدرات والرفع من الكفاءات وتحسين المعارف والمعلومات المتعلقة بتدبير أحسن للبيئة وتشجيع الفاعلين المحليين للأخذ بعين الاعتبار مبادئ التنمية المستدامة والحكامة البيئية المحلية في كل تدخلاتهم وأنشطتهم، سواء أكانوا منتخبين، موظفين جماعيين، أو مواطنين عاديين.
يحيلنا الحديث عن المنتخب الجماعي إلى عنصر يمكن اعتباره محركا أساسي للتنمية، يتحمل مسؤولية السهر على التنشيط الاقتصادي والاجتماعي للجماعة، خاصة مع المهام الجديدة التي جاءت بها القوانين التنظيمية للجماعات الترابية، والتي من أبرزها مهام المحافظة على المجال البيئي، وانطلاقا من الكفاءات التي بإمكانها خلق الموارد، لكن الموارد لا يمكن أن تخلق الكفاءات،[14] أصبح التكوين من الرهانات التي يجب مواجهتها وربحها.
إن المسؤولية المهمة التي أناطها المشرع بالمجالس المنتخبة للرفع من مستوى الجماعة، ودورها كهيئات تمثيلية للسكان، تستوجب وجود إطار قانوني وحد أدنى من التكوين، خاصة وأن الناخب يعتبرهم بديلا عن أي جهاز أو مسؤول إداري آخر، في الوفاء بحاجياته اليومية.
من الضروري الإشارة إلى أن ضعف التدبير والتسيير الذي ميز التجارب السابقة للمجالس الجماعية، راجع في جزء أساسي منه إلى كون المنتخب الجماعي كان غير أهل للقيام بمهامه، بسبب عدم إلمامه بحقوقه وعدم وعيه بواجباته ومسؤولياته، بالإضافة إلى عدم توفر المسيرين المحليين على مؤهلات تدبيرية كافية.
وعليه فالتكوين هو السبيل الناجح لتحسين أداء العمل الجماعي وتجاوز بعض السلبيات المعيقة لتطوير تجربة اللامركزية ببلادنا، وهو ضرورة ملحة لكونه يضمن للمنتخب مواكبة التقدم الذي تعرفه المؤسسة الجماعية على صعيد التنظيم والاختصاصات.
وعلى غرار تكوين المنتخب يجب أن يأخد التكوين بالنسبة للموظف الجماعي بعين الاعتبار :
- وضع برامج تحديد الحاجيات في مجال التكوين.
- انكباب مراكز التكوين على ضمان التكوين المستمر لفائدة موظفي الإدارة الجماعية، مع اعتماد برامج مرنة حتى تستجيب لحاجيات الجماعة في هذا الميدان.
- نهج سياسة ترمي إلى إقامة نوع من التشاور والتعاون ما بين الجماعات والمعاهد العليا، لتزويد هذه الأخيرة بأطر متخصصة في مجال تدبير شؤون المدن المغربية.
كما ينبغي رفع مستوى الوعي البيئي لدى السكان لتفادي مخاطر الجهل بأهمية الحفاظ على البيئة، ومواجهة حالات التلوث التي تكون الرذيلة فيها جهلا.[15] فوجود القوانين والأجهزة الإدارية والمخططات والبرامج أمر لا يكفي لضمان حماية فعالة للبيئة، بل لابد من عنصر آخر جد مهم ألا وهو التحسيس الذي يقوم على توعية الفرد بمفهوم البيئة، ويتم ذلك عن طريق إدخال حماية البيئة ضمن برامج التعليم في المدارس والجامعات، واستخدام أجهزة الإعلام العصرية واسعة الانتشار.
هذا من جهة، أما من جهة أخرى فإن نجاح الهيئات الترابية في أداء رسالتها في مجال النهوض بالتنمية المحلية، يتوقف على حجم مواردها المالية، فكلما كبر حجم هذه موارد وتنوعت كلما استطاعت الوحدات المحلية من ممارسة اختصاصاتها على الوجه الأكمل معتمدة في ذلك على إمكانياتها الذاتية الشيء الذي يضمن لها الاستقلال في تسيير شؤونها المحلية،[16] وذلك بفرض مثلا رسوم إيكولوجية تحمل الملوث، تكاليف إصلاح وجبر الأضرار التي تسبب فيها، إعمالا بمبدأ le principe pollueur payeur الذي يقابله في الفقه الإسلامي مبدأ “العزم بالغنم”، ويقصد به أن النفقات الضرورية لمكافحة التلوث بدلا من أن يتحملها المجتمع ككل، يحسن أن يتحملها المتسبب في التلوث وذلك بفرض رسوم على المنشآت التي يترتب عن نشاطها تلوث للبيئة، أي أن من يتسبب بتلويث البيئة عليه أن يدفع تكاليف إصلاحها.
وإذا كانت الرسوم الإيكولوجية تصبو إلى تحقيق مدخول جبائي، قد يفيد في تمويل تدابير المحافظة على البيئة، فإن رسوم التوجيه أو التحفيز، تتوخى تشجيع المواطنين على صيانتها.
وبالرجوع إلى القانون المتعلق بحماية واستصلاح البيئة 11.03، ومن خلال المادتين 58 و59 نجد التأطير القانوني المتعلق بالحوافز المالية والجبائية في ميدان البيئة، حيث نصت المادة 58 على أنه : “يؤسس بموجب نصوص تطبيقية لمقتضيات هذا القانون، في حين تنص المادة 59 على أنه : “تحدد النصوص التطبيقية المشار إليها في المادة 58 أعلاه المساعدات المالية التي تقدمها الدولة، والإعفاءات الجزئية أو الكلية من الرسوم الجمركية والجبائية، وكذا القروض طويلة الأمد، وذات الفائدة المخفضة، وكل الإجراءات التحفيزية الملائمة”.
كما ينص القانون رقم 03.13 المتعلق بمكافحة تلوث الهواء في مادته 23 على أنه : “من أجل تشجيع الاستثمار في المشاريع والأنشطة الهادفة إلى الوقاية من تلوث الهواء، وإلى استخدام الطاقات المتجددة، وترشيد استعمال الطاقات والمواد الملوثة، يؤسس وفقا لشروط تحددها قوانين المالية، نظام للتحفيزات المالية والإعفاءات الجبائية، تمنح بمقتضاه مساعدات مالية، وإعفاءات جزئية أو كلية من الرسوم الجمركية والجبائية حين القيام بعمليات اقتناء المعدات والتجهيزات الضرورية لإنجاز الاستثمارات المطلوبة”.
تبعا لذلك يمكن اعتماد نظام للحوافز المالية والجبائية لفائدة المؤسسات الصناعية التي تستخدم تقنيات الإنتاج الصناعي النظيف، والتي تحترم المعايير والمقاييس البيئية، إذ يمكن في هذا الصدد تقديم مساعدات مالية للمقولات الصناعية التي تعمل على إحداث محطات لتصفية المياه المستعملة وإعفائها، من بعض الرسوم الجبائية.
إضافة لما سبق لابد من تبني مقاربة الشراكة والمشاركة لكونها تعتبر أداة مرجعية فعالة في خدمة الفاعلين الاقتصاديين وكل المتدخلين والجماعات الترابية، من أجل اتخاذ القرارات الصائبة في هذا المجال وتعتمد هذه المقاربة على تسهيل وتوجيه الحوار مع جميع المتدخلين، وتقدم إطاراً للتشاور حول آفاق التنمية بطريقة تشاركية[17]، وفي هذا الإطار بدل قطاع البيئة جهودا كبرى بتبني مجموعة من الإجراءات المتكاملة والمصاحبة لدعم وتحقيق التنمية المستدامة من خلال إعداد اتفاقيات إطار وكذا اتفاقيات موضوعاتية.
نخلص مما سبق، إلى أنه إذا كانت القوانين التنظيمية الحالية، قد كرست انفتاح الجماعات الترابية على قضايا البيئة، من خلال تفصيل وتوضيح وتوسيع اختصاصاتها البيئية، فإن ترجمة تلك الاختصاصات على أرض الواقع، تقتضي تمكين الجماعات الترابية، من الوسائل المادية والتقنية الضرورية، والأطر البشرية المؤهلة من جهة، وتقوية قدراتها التنظيمية والتدبيرية في تعاملها مع المشكلات البيئية من جهة أخرى.
ولا أحد ينكر أن المغرب قد اتخذ تدابير وإجراءات مهمة في إطار مواكبة الاتجاه العالمي نحو المحافظة على البيئة لكن هاته الأخيرة تبقى محتشمة ومحدودة على المستوى العملي، أي أنها لازالت لم تحقق الأهداف المرجوة منها، ولعل فشل النموذج التنموي أبرز دليل على وجود خلل على مستوى تنفيذ السياسات العمومية الوطنية والترابية التي تهدف إلى تحقيق التنمية المستدامة في كافة المجالات وعلى رأسها المجال المرتبط بالبيئة.
[1] المادة 5 من القانون رقم 03-11 المتعلق بحماية و استصلاح البيئة.
[2] المادة 49 من نفس القانون.
[3] المادة 6 من نفس القانون.
[4]المادة 41 من نفس القانون.
[5] المادة 51 من نفس القانون.
[6] المادة 77 و79 من القانون رقم 11.03 ، وكذلك المواد 14-15 و16 من القانون رقم 12.03.
[7] المادة 7 من القانون رقم 11.03.
* تنص المادة 12 من القانون 28.00 : “…يهيأ المخطط المديري الخاص بالعمالة أو الإقليم بمبادرة من عامل العمالة أو الإقليم، تحت مسؤوليته بتشاور مع لجنة استشارية مكونة من ممثلي مجالس الجماعات وهيئاتها، وممثلي مجلس العمالة أو الإقليم، وممثلي الإدارة، وممثلي الهيئات المهنية المعنية بإنتاج هذه النفايات والتخلص منها، وممثلي الأحياء وكذا الجمعيات المهتمة بحماية البيئة على مستوى العمالة أو الإقليم المعني”.
■ تنص المادة 20 من نفس القانون على أنه : “يجب على الجماعات المحلية أو هيئاتها أو المستغلين أن يقوموا بالتخلص من النفايات المنزلية، والنفايات المماثلة لها طبقا للأحكام المنصوص عليها في هذا القانون، تحدد بنص تنظيمي الآجال التي يتعين خلالها على الجماعات أو هيئاتها إقامة منشآت لفرز النفايات أو معالجتها أو التخلص منها أو تثمينها”.
[8] محمد باهي: “تدبير الموارد البشرية بالإدارة العمومية”، مطبعة النجاح الجديدة الدار البيضاء، الطبعة الأولى، 2002، ص: 45.
[9] المرسوم رقم 2.77.738 بتاريخ 27 شتنبر 1977 بمثابة النظام الأساسي لموظفي الجماعات الصادر بالجريدة الرسمية عدد 3387 بتاريخ 28 شتنبر 1977.
[10] المهدي بنمير : “الحكامة المحلية بالمغرب وسؤال التنمية البشرية”، سلسلة اللامركزية والجماعات المحلية، دار وليلي للطباعة والنشر، الطبعة الأولى 2010، ص : 109.
* تفيد بعض الأرقام الرسمية، أن الموارد العمومية محتكرة على المستوى الوطني بنسبة 87% لصالح الدولة، مقابل 13% للجماعات المحلية، وزارة الداخلية، الجماعات المحلية في أرقام، 2002.
[11] محمد قزبير : “حدود الدور الجبائي للجماعات المحلية”، المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية، عدد مزدوج 87-88، يوليوز أكتوبر 2009، ص 86.
[12] المهدي بنمير : “الحكامة المحلية بالمغرب وسؤال التنمية البشرية”، سلسلة اللامركزية والجماعات المحلية (12)، دار وليلي للطباعة والنشر، الطبعة الأولى 2010، ص:105.
[13] مقتطف من الرسالة الملكية التي وجهها الملك الحسن الثاني للمجلس الوطني للبيئة الذي انعقد في 1-2 يونيو 1995.
[14] تقرير البنك الدولي لسنة 1995.
[15] ماجد راغب الحلو : “قانون حماية البيئة في ضوء الشريعة”، دار المطبوعات الجامعية، الإسكندرية،1995، ص : 13.
[16] حسنة كجي :”الجماعات الترابية وتدبير البيئة بين إمكانيات الحماية وعوائق التطبيق”، مجلة مسالك في الفكر والسياسة والاقتصاد”، عدد 47/48، 2013، ص:151.
[17]– عبد العالي ماكوري: “مناهج جديدة لإنجاح سياسة التخطيط الاقتصادي والاجتماعي بالمغرب”،المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية (السلسلة العادية)،عدد 75 يوليوز-غشت 2007، ص 74.