دور التخطيط الاستراتيجي للموارد البشرية في تجاوز الأزمات ” أزمة كورونا نموذجا”

دور التخطيط الاستراتيجي للموارد البشرية في تجاوز الأزمات ” أزمة كورونا نموذجا”

The role of strategic planning for human resources in overcoming crises, “the Corona crisis as a model

إعداد: مشاعل الحمادي Mashael Ali Al-hamadi

طالبة بسلك الدكتوراه بجامعة محمد الخامس، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية السويسي.

كلمات مفتاح: جائحة كورونا، الموارد البشرية، التخطيط الاستراتيجي، الأزمات.

abstract

If the epidemic had hit health systems and economies around the world as an unexpected external force, it had more impact on the planning, management and management of human resources, and thus global governments had to put restrictions and take measures to prevent the worst as possible. Since no one wants to see high unemployment rates and the collapse of the economy in the long run, alternatives to well-known human resources procedures have to be created to deal with ambiguities regarding belt-tightening in addition to reinventing practical human resource planning that depends primarily on strategic planning, and working on After adopting an electronic system to overcome the epidemic crisis and digitize the administration so that people’s interests are not disrupted and the state collapses in the end.

ملخص

إذا كان الوباء قد أصاب  النظم الصحية والاقتصادات على مستوى العالم كقوة خارجية غير متوقعة، فإنه أثر بشكل أكبر على تخطيط وإدارة وتدبير الموارد البشرية، وبالتالي كان على الحكومات العالمية أن تضع قيودًا وتتخذ إجراءات لمنع الأسوأ قدر الإمكان. نظرًا لعدم رغبة أي شخص في رؤية ارتفاع معدلات البطالة وانهيار الاقتصاد على المدى الطويل، إذ يتعين إنشاء بدائل للإجراءات المعروفة جيدًا في الموارد البشرية للتعامل مع الغموض فيما يتعلق بشد الأحزمة بالإضافة إلى إعادة ابتكار تخطيط عملي للموارد البشرية يعتمد بالدرجة الأولى على التخطيط الاستراتيجي، والعمل عن بعد وتبني منظومة إلكترونية لتجاوز الأزمة الوبائية ورقمنة الإدارة حتى لا تتعطل مصالح الناس وتنهار الدولة في نهاية المطاف.

مقدمة:

يعد العنصر البشري أهم محركات الإنتاج، فبالرغم من الثورة التكنولوجية والمعلوماتية، فإن مؤشرات المردودية بقى رهينة بفعالية هذا العصر، ومن هذا المنطلق ازداد الاهتمام بالعنصر البشري باعتباره مورد للتنمية، حيث أفردت الدراسات الحديثة حيزا مهما لما أصبح يسمى بتدبير الموارد البشرية، كما أحدثت الجامعات والمعاهد العليا تخصصات تتعلق بتدبير الموارد البشرية. ولقد كان هذا التوجه حكرا على القطاع الخاص، إلا أنه في العقود الأخيرة ولضرورة تحديث الإدارات العمومية اتجهت البرامج الحكومية والسياسات العامة، إلى الاهتمام بها والرقي بمجالاتها[1].

وإذا كان الاهتمام بالمورد البشري، لم يكن بالشكل المطلوب ولم يواجه تحديات العصر الراهن، إذ شكلت أزمة الموارد البشرية أزمة كبيرة تجسدت في عدم توفر هذه الموارد بالنوع والكم المطلوبين في ظل استخدام تكنولوجيا ونظم إنتاجية جديدة تجاوزت الاستخدام التقليدي للموارد البشرية[2].

ومع أزمة كورونا تفاقمت أزمة الموارد البشرية، من خلال عدم قدرتها على مواكبة مختلف التحديات التي ألقت بها جائحة كورونا خصوصا ما يتعلق باستمرارية العمل، وتلبية حاجيات الجمهور.

لقد مثلت جائحة كورونا، تحولا عميقا في فهمنا للواقع الذي بات متغيرا باستمرار، وكذلك، تغير نمط العيش من خلال فرض إجراءات الحجر الصحي وما يتبعها من إغلاق شامل للحياة الاجتماعية والاقتصادية، وبالتالي، باتت الدول في مواجهة الوباء متجردة من أسلحتها القديمة ومتسلحة بوسائل مغايرة لعل أبرزها ما أتاحته التكنولوجيا الإلكترونية.

 ولاشك أن هذا التحول، يفرض على الحكومات والمجتمعات تبني فلسفة جديدة، في تدبير مواردها البشرية، من خلال اتباع أساليب أكثر تطوراً يكون فيها من الاحتياطات اللازمة والاجراءات الضرورية لمواجهة أي أزمات تعتمد على العنصر البشري والتأثر بسببها. وكذلك، التفكير جديا في  الأساليب الناجعة  لحمايتها والمحافظة عليها أوقات الأزمات خصوصا الأزمات المفاجئة كما هو حال فيروس كوفيد 19.

ولابد، كذلك، أن يواكب ذلك، إجراءات مصاحبة، كتغيير الأنظمة والقوانين الحكومية والخاصة تكون على قدر من المرونة، والبساطة من أجل فهم المتغيرات ومواكبتها والتأقلم معها لكي لا تتأثر الثروة البشرية، أو تتأثر بها الحكومة أو المنشآت والمقاولات والمرافق العامة لأنها عماد اقتصاد الدولة.

وإذا كانت كورونا أزمة عالمية شلت الحياة الاجتماعية والاقتصادية بجميع جوانبها، وأدخلت المجتمعات في حالة ركود متناهية فضلا عن ما سببته من أزمات وصدمات نفسية، جراء التهويل المبطن الذي مارسه الإعلام وخاصة منصات التواصل الاجتماعي، التي سرعت المعلومات الخاطئة والمضللة في جميع أنحاء العالم وأججت من حالات الذعر والخوف بين الناس ومشاعر اللايقين[3].  فإن، تأثير الجائحة لم يرهق العالم في النواحي الصحية والنفسية للأفراد، بل امتد تأثيره لجوانب أخرى جديرة بالاهتمام وتحريك الوعي المجتمعي بأهميتها، لإعادة النظر  في دورها، وهي الموارد البشرية التي تضررت بشكل أكبر من الجوانب الصحية، حيث أصاب فيروس كورونا إلى الآن أكثر من 36 مليون شخص وتجاوز عدد الوفيات مليون شخص في جميع أنحاء العالم[4]، وهي كلها إصابات تؤكد تأثير الوباء على العنصر البشري.

فالموارد البشرية أحد أهم وأقوى الدعائم لأي اقتصاد وقوتها وقدرتها هي المحرك الأساسي لهذا الاقتصاد، ولكن بعد كورونا نلاحظ أن أكثر من تأثر بهذه الأزمة هي القوى العاملة حتى أصبحت عبئاً ثقيلاً على اقتصاديات الدول عامة نظراً للاعتماد الكبير على العنصر البشري.

وهو ما يلقي على العالم تحديات جديدة تتعلق بتحديد الأولويات، في ما يخص الموارد البشرية، كالتحلي بالمرونة في إدارتها، وتعزيز مبدأ المورد البشري المرن، فكراً وثقافة وممارسة، ورسم سيناريوهات متعددة لمستقبل الموارد البشرية وتصميمها، لتعزز الأمان الوظيفي، في ظل الأزمات والكوارث، وخلق أنظمة عمل مرنة ومتطورة، وتبني وسائل وتقنيات حديثة، من شأنها تعزيز استمرارية ممارسة الموارد البشرية لأعمالهم، بالإضافة إلى توفير منهجيات واضحة لقياس الكفاءة، ومدى استعدادها للمفاجئات التي يخبئها المستقبل.

 وهنا تبرز قيمة التخطيط الاستراتيجي للموارد البشرية كأحد المفاتيح الرئيسية لمواجهة تلك التحديات الصحية والبيئية والوبائية التي تؤثر على الحياة السياسية والاقتصادية للدول[5].

مشكلة البحث:

  كيف يمكن للتخطيط الاستراتيجي للموارد البشرية أن يساهم في تجاوز الأزمات؟ وما هي الأسس التي يقوم عليها التخطيط الاستراتيجي للموارد البشرية؟ وما هي التحديات التي تقف أمام التخطيط الاستراتيجي للموارد البشرية لتجاوز الأزمات؟

خطة البحث:

المحور الأول: الإطار العام للتخطيط الاستراتيجي للموارد البشرية

المحور الثاني: دور التخطيط الاستراتيجي للموارد البشرية في مواجهة الأزمات

المحور الأول: الإطار العام للتخطيط الاستراتيجي للموارد البشرية

إن التخطيط الاستراتيجي للموارد البشرية يعد أحد أهم العناصر في إدارة الموارد البشرية، حيث يشير هذا المفهوم إلى العمليات التي تضمن للدولة من خلالها الحصول على العدد والنوعية المناسبة من الأفراد وفي الأماكن المناسبة والأوقات المناسبة. فالتخطيط الاستراتيجي للموارد البشرية يرتبط مباشرة بالاستراتيجية العامة للدولة لتأمين وتوفير الأفراد اللازمين لتنفيذ استراتيجية المنظمة.

     فتقدم الأمم وازدهارها يرجع في المقام الأول إلى الإدارة الموجودة فيها التي تضبط نشاط الأفراد والمؤسسات وتضع الخطط والاستراتيجيات لنهضة الدولة، فالإدارة هي المسؤولة عن نجاح المنظمات داخل المجتمع[6]، والإدارة الناجحة تعود لكفاءة مواردها البشرية التي تكون قادرة على استغلال الموارد البشرية والمادية بكفاءة عالية و فاعلية كبيرة من خلال التخطيط الاستراتيجي. إلا أن عدم قدرتها على مواجهة الوباء أو تعطلها أثناءه يؤدي إلى تعطيل الحياة بكاملها كما وقع مع انتشار جائحة كورونا أو في حالة حدوث كوارث طبيعية أو أزمات اقتصادية.

إن التخطيط الاستراتيجي للموارد البشرية هو تخطيط بعيد المدى يأخذ في عين الاعتبار المتغيرات الداخلية والخارجية ويحدد القطاعات المستهدفة وهو عملية متجددة لا تتوقف أبدا[7]. ويجب أن يراعي التخطيط الاستراتيجي للموارد البشرية النواحي البيئية الاجتماعية وحقوق الأجيال القادمة، ولا يجب أن يركز على مصالح اقتصادية وسياسية دون مراعاة تلك النواحي وأخذها بعين الاعتبار وألا يكون تخطيط دون وجهة ودون هدف أي تخطيط عشوائي[8].

 ويبقى التخطيط الاستراتيجي للموارد البشرية أحد أهم مقومات النجاح في الوقت الحالي ، فلا نكاد نسمع بقصة نجاح أي دولة أو مؤسسة أو شخص إلا ورأينا أن خلف هذا النجاح تخطيط مسبق وأدوات تم استخدامها بأسلوب صحيح للوصول إلى هذا النجاح ، وهذا يعد باختصار وبشكل مبسط مفهوم التخطيط الاستراتيجي، حيث يمكننا القول بأن التخطيط الاستراتيجي يكمن في معرفة عناصر رئيسية هي (أين نحن الأن ، وما هي الغاية التي نريد أن نصل إليها ، وكيف نوفر الموارد للوصول إلى هذه الغاية). للتخطيط الاستراتيجي عدة مفاهيم اجتهد الباحثون على مدار السنين في صيغة وتعريف هذا المفهوم ومن تلك المفاهيم التالي[9]:

  • التخطيط الاستراتيجي: هو نشاط منظم وشامل يركز على تفسير وفهم المتغيرات البيئية الداخلية والخارجية للمؤسسة وتحديد القضايا والموضوعات الاستراتيجية التي تواجه الإدارة ووضع السياسات الملائمة للتعامل معها.
  • التخطيط الاستراتيجي: عملية منظمة واعية لاختيار أفضل الحلول الممكنة للوصول إلى أهداف معينة.
  • التخطيط الاستراتيجي: أسلوب يهدف إلى ترتيب الأولويات في ضوء الإمكانات المادية والموارد البشرية، ودراسة وتحديد الإجراءات للاستفادة منها لتحقيق أهداف منشودة خلال فترة زمنية محددة.
  • التخطيط الاستراتيجي: نشاط علمي ينطوي على تدخل إداري من جانب هيئة مركزية في مجريات الأمور التعليمية والتربوية والإدارية، بقصد التأثير عليها ودفعها في المسار المقصود، وذلك انطلاقًا من نظرة شاملة لتحقيق أهداف محددة.

وإذا أضفنا الموارد البشرية للتخطيط الاستراتيجي، فإنها تعرف على كونها ” نوايا وخطط المنظمة بناءً على الكيفية التي يمكنن تحقيق أهداف العمل بها من خلال الأشخاص”[10].

فإدارة الموارد البشرية هي الوظيفة التي تتمثل في اختيار العاملين ذوي الكفاءات المناسبة وتسيير جهودهم وتوجيه طاقاتهم وتنمية مهاراتهم وتحفيز هؤلاء العاملين وتقييم أعمالهم والبحث في مشاكلهم وتقوية علاقات تعاون بينهم وبين زملاءهم ورؤسائهم وبذلك تساهم في تحقيق الهدف الكلي للمنظمة من حيث زيادة الإنتاجية وبلوغ النمو المطلوب للأعمال والأفراد[11]

أما إدارة الموارد البشرية الاستراتيجية فهي تعمل على تحقيق غاية المنظمة وأهدافها ورؤيتها، وذلك من خلال ترجمة الاستراتيجية العامة للمنظمة إلى استراتيجية تفصيلية ومتخصصة في قضايا الموارد البشرية وتتضمن ما يلي[12]:

  • الغاية التي تبتغي إدارة الموارد البشرية تحقيقها بالتعامل مع العنصر البشري في المنظمة.
  • الرؤية التي تحددها الإدارة لما يجب أن تكون عليه ممارستها في مجال الموارد البشرية.
  • الأهداف الاستراتيجية المحددة المطلوب في مجالات تكوين وتشغيل وتنمية ورعاية الموارد البشرية.
  • السياسات التي تحتكم إليها إدارة الموارد البشرية في اتخاذ القرارات والمفاضلة بين البدائل لتحقيق أهداف الاستراتيجية .
  • الخطط الاستراتيجية لتدبير الموارد اللازمة وسد الفجوات في المتاح منها للوصول بالأداء في مجالات الموارد البشرية إلى المستويات المحققة للأهداف والغايات.
  • معايير المتابعة والتقييم التي تعتمدها الإدارة للتحقق من تنفيذ الاستراتيجية والوصول إلى الإنجازات المحددة.

وفي ظل هذه التحولات الخطيرة التي تعيشها البشرية اليوم بسبب تداعيات جائحة كورونا على الاقتصاد الذي شهدته حتى كبريات الاقتصاديات العالمية كالولايات المتحدة الأمريكية والصين، والتداعيات التي ما زالت أثارها تظهر يوماً بعد يوم على مستوى اقتصاديات معظم دول العالم والشركات العالمية والإقليمية، والشلل الذي أصاب الدول جراء الحضر الشامل، فقد أضحى التخطيط الاستراتيجي للموارد البشرية واستشراف المستقبل من الضروريات الملحة على المنظمات للتعايش مع الواقع المستجد والانطلاق نحو مستقبل أفضل. فالتَكَيُّف المطلوب للتعايش مع التحديات الحالية، يحتاج إلى تحرك متأني مبني على رؤى مستقبلية تأخذ بعين الاعتبار كيفية العمل عن بعد أو عمل المورد البشري بشكل إلكتروني.

وفي هذا الصدد، فهذه المتغيرات والتحولات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية المتلاحقة، تتطلب من المسؤولين التهيؤ لوضع استراتيجيات وسياسات لتنمية الموارد البشرية[13]. من أجل  مجابهة تحديات اقتصادية واجتماعية جدية على الاقتصاد والمجتمع في ظل التحولات التي تمر بها دول العالم[14].

ويتطلب ذلك سرعة تحويل هذه المتغيرات إلى بيانات ثم إلى معلومات كمية يمكن استخراج المؤشرات من خلالها باستخدام العقول البشرية أو الإلكترونية في ضوء ما تنتجه الظروف والإمكانات، وبالتحديد الواضح للأسباب والأبعاد والعناصر التي تهم إعادة هيكلة الموارد البشرية والفنية المتاحة وتحديد المسئوليات[15].

وإذا كان هناك ميل عام لاعتقاد مفاده أن الأمور الجيدة يجلب بعضها بعضا، أي أن الاستثمار في الموارد البشرية واستيراد الابتكارات التقنية والمادية ستؤدي إلى التنمية، فإنه أمر مجانب للصواب، وهو من نقاط الخلل المزمنة في الوطن العربي، فدون عمل تقويم منهجي لطبيعة ونماذج تمكين الموارد البشرية وكيفية الاستفادة منها وتبني سياسات تناسبها لا يمكن تحقيق أي تنمية[16]، فكيف يمكن تحقيقها في ظل أزمة كورونا مادامت الدول العربية غارقة في التقليد وتكافح من أجل عدم إصابتها بالسكتة القلبية جراء هذا الوباء؟

المحور الثاني: دور التخطيط الاستراتيجي للموارد البشرية في مواجهة الأزمات

لقد أصاب الوباء النظم الصحية والاقتصادات على مستوى العالم كقوة خارجية غير متوقعة. كان على الحكومات العالمية أن تضع قيودًا وتتخذ إجراءات لمنع الأسوأ قدر الإمكان. نظرًا لعدم رغبة أي شخص في رؤية ارتفاع معدلات البطالة وانهيار الاقتصاد على المدى الطويل، إذ يتعين إنشاء بدائل للإجراءات المعروفة جيدًا في الموارد البشرية للتعامل مع الغموض فيما يتعلق بشد الأحزمة بالإضافة إلى إعادة ابتكار أعمالنا.

فلاشك أن وظيفة الموارد البشرية وتدبيرها بالشكل الجيد هي نقطة ارتكاز لاستجابة فعالة للأزمات. نظرًا لكون الصحة والأمن الوظيفي والعمل عن بُعد في مقدمة اهتمامات الموظفين، لأن دور الموارد البشرية في التأثير على المؤسسات والمنظمات، يعتبر النهج الأمثل للاقتصاد حيث تساعد الموارد البشرية الدولة على تجاوز كل مرحلة من مراحل الأزمة.

إن الدول في غالبيتها العظمى تضع الاقتصاد ضمن أولوياتها خلال أزمة كورونا من أجل إعادة بناءه. ويجب على الدول أن تكون مستعدة لها للتعافي من ندوبها في أسرع وقت ممكن.

عندما يكون خفض التكلفة أمرًا لا مفر منه، يجب على الدول أن تكون شفافة وفي الوقت المناسب في توصيل خطوتها التالية إلى الموظفين وتنفيذ الإجراءات التي يشعر الموظفون أنها عادلة ومرضية. لقد تركت أزمة فيروس كورونا العديد من المؤسسات في موقف صعب حيث تبحث في إدارة التكاليف من ناحية، ومن ناحية أخرى، اتخاذ قرار بشأن التخلي عن الأشخاص الذين يعرفون أنهم قد يحتاجون إليها بعد ذلك.

وحيث أنه في غضون بضعة أشهر فقط، تغير العالم الذي نعرفه بشكل جذري، في خضم اجتياح وباء كورونا للكوكب، وتغييره للموازين الدولية وقلبه لكثير من المعادلات، فيما يحاول الأخرون التكيف مع الحقائق الجديدة. وينطبق هذا بنفس القدر على الموارد البشرية على المستوى الوطني والعالمي، لقذ بات من الضروري الناس التعامل التكيف مع التحولات السريعة والتعلم منها، خصوصا ما يتعلق بالمخاوف الصحية، والضغوط المالية والتحديات المحلية التي يمكن أن تكون مرهقة ومربكة. نتيجة لذلك، أصبحت الموارد البشرية  واحدة من أهم التحديات لأي منظمة أو مؤسسة أو إدارة في هذه الأوقات غير المسبوقة.

وإذا كان الوباء فرض واقعا استثنائيا، فإنه يوضح أهمية التخطيط الاستباقي والاستراتيجي للأعمال وأنظمة إدارة المخاطر القوية، مع اختبار قدرة الشركات على الاستجابة للصدمات والتكيف مع الظروف المتغيرة بعمق، وفي مقدمتها فعالية الموارد البشرية في تجاوز الأزمات.

بينما تستمر الدول ومؤسساتها في اتخاذ قرارات صعبة للبقاء واقفة على قدميها وتقليل خسائر الوظائف، تعمل فرق الموارد البشرية جنبًا إلى جنب مع رؤساء الأعمال لإشراك الموظفين والحفاظ على الروح المعنوية وإعادة تكوين سير العمل وإعادة نشر المواهب وزيادة مهارات الموظفين لمساعدتهم على البقاء على صلة. لأن الموظفين الذين يتعرضون بالفعل لضغوط عند اتخاذ قرارات صعبة. يمكن أن تتعرض الإنتاجية والروح المعنوية لضربة خطيرة عندما تتأثر الموارد المالية. في هذه المواقف، تعمل الموارد البشرية كجسر بين الإدارة والموظفين مما يساعد على التواصل والاعتدال والمحافظة على التفاعل الإيجابي باستمرار، حيث يستمر الموظفون في الشعور بالانخراط والتقبل.

ويقدم لنا التحول إلى العمل عن بعد، فرصة غير متوقعة لتجربة الطريقة التي نعمل بها والتأكد من تمكين الناس وتحفيزهم في المنزل. وبالتالي إمكانية تجاوز أثار الوباء بأقل كلفة وأقل الخسائر، فالوباء بلا شك يعتبر اختبار لقدرة العنصر البشري، حيث يمثل تحديًا من النوع الذي لم يسبق التعامل معه من قبل. وفي حال استمرار  الأزمة فإنها، ستوضح أن غالبية الرأسمال البشري، خصوصا في الإدارات العامة، لسنا في حاجة إليه، كما ستلقي بظلالها على ضرورة استبعاد الشخصيات القيادية التي عفا عليها الزمن وتسلط الضوء على الحاجة إلى الكفاءة الجديدة بما لها من ذكاء وقدرات للتعامل مع مخرجات أزمة الوباء.

لقد منح العمل المرن عن بعد (في المنزل) الناس شعورًا بالأريحية والتمكين والتركيز. حيث تقول دراسة أن 79٪ من الشركات ترى تغيرًا إيجابيًا أو محايدًا في إنتاجية الموظفين، وأن 21٪ فقط كانت في انخفاض[17]. بعبارة أخرى، كان العمل عن بُعد فكرة جيدة، والآن فهو موجود ليبقى.

وفي هذا الصدد، أثبتت الأزمة أن الأفراد يتكيفون بسرعة كبيرة عكس المؤسسات والمنظمات التي تتكيف ببطء شديد. لكن الوضع اليوم مختلف، حيث أكدت جائحة كورونا، أنه عندما نقوم بتمكين ورعاية العنصر البشري، فإنهم يتكيفون ويقومون بأشياء مذهلة، بمجرد منحهم الأدوات والوقت والثقافة لتحقيق النجاح.

على الرغم من حقيقة أن الميزانيات يتم تخفيضها وإعادة بنائها في الوقت الفعلي، فإن 78٪ يستثمرون في استيعاب العمال عن بُعد، و 74٪ يستثمرون في التوظيف (تقوم العديد من الشركات بتغيير احتياجات القوى العاملة بشكل كبير)، و 69٪ يستثمرون في التدريب. و 48٪ يغيرون برامج إدارة الأداء.

بالمناسبة، إن أحد أكبر اتجاهات الموارد البشرية على مدار العقد الماضي هو التحول من “الأداء الفردي” إلى “أداء الفريق”. وتؤدي هذه الأزمة إلى تسارع هذا الأمر أيضًا. حيث وجدت دراسة استقصائية أجرتها   CultureAmp  أن 96٪ من الأشخاص الذين قيموا شركتهم بشكل إيجابي قالوا “إنني أعامل بشكل جيد وعادل من قبل زملائي.” لقد دخلنا حقبة أصيلة من “التفكير الجماعي” في الشركات، وهو موضوع طال انتظاره لعقود.[18] فضلا على أن أحد الجوانب المهمة في هذه الأزمة هو قدرتنا الجديدة على “إنجاز الأمور بسرعة”. تقوم الشركات ببناء برامج جديدة في أيام بدلاً من شهور، وبالتالي، فالمحصلة النهائية لهذه الأزمة هي درس مهم في مجال الأعمال: عندما تعتني الشركة بموظفيها، يعتني الناس بالشركة؛ فبعد عقود من العمل على مشاركة الموظفين، والثقافة، وتجربة الموظف، وتكنولوجيا الموارد البشرية، استغرق الأمر وباءً عالميًا لتحريك المياه الراكدة.

 لتجاوز كل التحديات التي تلقي بظلالها الأزمات المختلفة فلابد من تبني التخطيط الاستراتيجي باعتباره مرحلة أساسية ومهمة من مراحل العملية الإدارية، كونه يمثل أسلوباً في التفكير والمفاضلة بين أساليب وطرق لاختيار أفضل البدائل مع طبيعة الإمكانات المتاحة من جهة والأهداف المرجوة من جهة ثانية[19].

فالعنصر البشري من أهم عناصر العمل والإنتاج فبالرغم من أن جميع الموارد المادية ذات أهمية إلا أن رأس المال البشري يبقى أهمها لأنه هو الذي يقوم بالابتكار والابداع وهو من يضع الاستراتيجيات[20]؛ فإذا كانت الموارد البشرية مهمة فإن من يجعلها كذلك هو التخطيط خصوصا في أبعاده الاستراتيجية[21].

وجملة القول، أن نهاية الوباء ستعيد النظر في الموارد البشرية بشكل مختلف. فمن المؤكد أن أزمة COVID-19 ستكون بمثابة دراسة حالة ومخطط استراتيجي لإعادة التفكير في عملية تدبير الموارد البشرية في جميع أنحاء العالم لبناء سياسات وأطر فعالة للأزمات. كما ستترك الإجراءات المتخذة الآن تأثيرًا دائمًا على المنظمات والمؤسسات والإدارات في عالم ما بعد COVID-19. بالتزامن مع انتهاج تدبير عقلاني واستراتيجي من قبل قادة الموارد البشرية في مختلف الإدارات، من أجل ضمان بقاء المؤسسات في الصدارة.


[1]  رشيد باجي، تحديث الإدارة المغربية بين رصد الاختلالات وتطبيق أسس الحكامة الجيدة، منشورات المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية، عدد 125، 2015، ص207

[2]  يوسف ابو فار، إدارة الأزمات في المنظمات العامة والخاصة، دار اليازوري العلمية للنشر والتوزيع، ص127

[3] Wongkoblap A, Vadillo MA, Curcin V. Researching Mental Health Disorders in the Era of Social Media: Systematic Review. J Med Internet Res 2017 Jun 29;19(6):e228 [FREE Full text] [CrossRef] [Medline]

[4] https://elaph.com/coronavirus-statistics.html

[5]  محمد ابو صالح، التخطيط الاستراتيجي القومي منهج المستقبل، دار الجنان للنشر والتوزيع, 2016، ص39

[6] شريف، علي: إدارة المنظمات العامة، الدار الجامعية، مصر، 1987، ص34

[7]  جمال عبد الله محمد، التخطيط الاستراتيجي، ط1.- عمان :دار المعتز للنشر، 2016، ص7

[8]  أحمد طاهر أحمد، التخطيط الاستراتيجي المستدام: Sustainable strategic planning، دار التعليم الجامعي، 2016، ص3

[9]  عامر طوقان، التخطيط الاستراتيجي والتخطيط التشغيلي، شركة دار البيروني للنشر والتوزيع، ط1، 2018، ص19 وما بعدها

[10]  مايكل ارمسترونج، ترجمة إيناس وكيل،  الإدارة الاستراتيجية للموارد البشرية، مجموعة النيل العربية، 2020، ص49

[11]  علي عبد الوهاب “إدارة الأفراد منهج تحليلي ” القاهرة المكتبية عين الشمس 1974، ص 36.

[12]  علي السلمي “إدارة البشرية الإستراتيجية مرجع سبق ذكره ص 76-77

[13]   أحمد جابر حسنين، التدريب الاستراتيجي ودوره في تحقيق التنمية المستدامة للموارد البشرية، دار اليازوري العلمية للنشر والتوزيع، 2020، ص66

[14]  مجموعة مؤلفين، بلدان مجلس التعاون لدول الخليج العربية: التحديات الاجتماعية والاقتصادية، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، 2016.

[15]  ليلى محمد أبو العلا، مفاهيم ورؤى في الإدارة والقيادة التربوية بين الأصالة والحداثة، الجنادرية للنشر والتوزيع، 2013، ص166

[16]  محمد بن طاهر أل ابراهيم، السياسات العامة والحاجة للإصلاح في أقطار مجلس التعاون لدول الخليج العربية، 2012، ص7

[17] https://joshbersin.com/2020/04/covid-19-may-be-the-best-thing-that-ever-happened-to-employee-engagement/

[18] https://joshbersin.com/2020/04/covid-19-may-be-the-best-thing-that-ever-happened-to-employee-engagement/

[19]  موفق محمد الضمور، التخطيط الاستراتيجي للموارد البشرية في القطاع العام، دار الحامد للنشر والتوزيع (2012)، ص13

[20]  صفوان المبيضين، عائض الأكلبي، التخطيط في الموارد البشرية، دار اليازوري العلمية للنشر والتوزيع، 2019، ص8

[21]  زيد منير عبوي، الإستراتيجية الحديثة في إدارة التخطيط والتطوير، دار المعتز للنشر والتوزيع، 2017، ص17

إقرأ أيضاً

Les services Publics : Principes et Exceptions face au  Coronavirus

Les services Publics : Principes et Exceptions face au  Coronavirus Saidi Cheikh Enseignant  d’université Grade : …

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *