Site icon مجلة المنارة

دستور 2011 وترسيخ الحكامة الترابية من خلال مبدأ التدبيرالحرومبدأ التفريع   

دستور 2011 وترسيخ الحكامة الترابية من خلال مبدأ التدبير الحر ومبدأ التفريع   

                                                                         رشيد المدراسي

                                                                                     باحث بسلك الدكتوراه

                                                                                   القانون العام والعلوم السياسية

                                                                                      كلية الحقوق: المحمدية

                                                                                  جامعة الحسن الثاني –الدارالبيضاء-

الملخص:

إذا كانت الحكامة الترابية تتعلق بمجموع الآليات والأدوات التدبيرية، التي من خلالها يمكن للمنتخبين المحليين والجهويين ترشيد وعقلنة تدبيرهم للشأن العام في بعده المحلي ، فإن دستور 2011 اعتمد هذا المفهوم كمقاربة ومنهجية لإعادة تنظيم العلاقات وإعادة توزيع الأدوار داخل المجتمع في إطاره المجالي (الجهات ،العمالات والأقاليم والجماعات الترابية(، وعلى ضوء مجموعة من المبادئ الدستورية يبقى أهمها مبدأ التدبير الحر، الذي يهدف إلى منح المجالس المنتخبة على المستوى الترابي سلطة التداول وسلطة تنفيذ مقرراتها بشكل ديمقراطي طبقا لقواعد  ومعايير الحكامة الجيدة، وهو ما أطره الفصل 136 من الدستور وفق الصيغة التالية:” يرتكز التنظيم الجهوي والترابي على مبادئ التدبير الحر، والتعاون والتضامن، ويؤمن مشاركة السكان المعنيين في تدبير شؤونهم، والرفع من مساهمتهم في التنمية البشرية المندمجة والمستدامة”.

ثم المبدأ الآخر ويتعلق الأمر بمبدأ التفريع باعتباره من الآليات التدبيرية الحديثة داخل النظام اللا مركزي، الذي تم التنصيص عليه في الفصل 140 من الدستور على الشكل التالي:” للجماعات الترابية، وبناء على مبدأ التفريع، اختصاصات ذاتية واختصاصات مشتركة مع الدولة واختصاصات منقولة إليها من هذه الأخيرة.

تتوفر الجهات والجماعات الترابية الأخرى، في مجالات اختصاصاتها،وداخل دائرتها الترابية،على سلطة تنظيمية لممارسة صلاحياتها”.

ولتنزيل هذين المبدأين بما ينسجم ومعايير الحكامة الترابية الجيدة، فإن المشرع المغربي نص عليهما ضمن  مقتضيات القوانين التنظيمية الثلاث التالية : القانون التنظيمي المتعلق بالجهات رقم 111.14 والقانون التنظيمي المتعلق بالعمالات والأقاليم  رقم 112.14والقانون التنظيمي المتعلق بالجماعات رقم113.14 .

لذلك فإن مبدأ التدبير الحر ومبدأ التفريع، وما يؤسسان  له من حمولة في الجوانب المؤسساتية والتنظيمية للجماعات الترابية، سيدشنان لمسار جديد في التوجه اللامركزي بالمغرب.

مقدمة:

إن التنظيم الإداري اللامركزي بالمغرب، تطور عبر مراحل ومحطات سواء على المستوى الجماعي أو الإقليمي أو الجهوي، راكم خلالها العديد من الممارسات التدبيرية ذات البعد المحلي، إلى أن وصل به المطاف إلى دستور2011، الذي أطر الجماعات الترابية من الناحية الكمية ب 12 فصلا جاءت ضمن الباب التاسع (الفصول من 135إلى 146(، إضافة إلى مقتضيات دستورية أخرى كالفصل الأول من الدستور الذي نص على مايلي “…التنظيم الترابي للملكة تنظيم لامركزي ، يقوم على الجهوية المتقدمة”.

ولتحديد الشروط والعناصر والأبعاد المؤطرة لتحقيق حكامة ترابية، تبنى  المشرع المغربي القوانين التنظيمية لسنة 2015 [1]التي شكلت قفزة نوعية في مجال التدبير اللامركزي، خاصة الأخذ بمبدأ التدبير الحر تعزيزا لصلاحيات الهيئات المنتخبة في تدبير شؤونها المحلية، وكذا اعتماد مبدأ التفريع باعتباره من الآليات الحديثة المتبعة في الأنظمة اللامركزية، تتمتع بموجبه الجهات والجماعات الترابية بسلطة تنظيمية محلية من أجل ممارسة اختصاصاتها الذاتية والمشتركة والمنقولة.

هذه المقتضيات الدستورية والقانونية جاءت ببعض المستجدات الهامة في ما يخص حكامة الجهات والجماعات الترابية الأخرى، من أجل تبني اختياراتها وبرامجها وتفعيل الاختصاصات المخولة لها بالقانون.

ويبقى الهدف من  هذه الدراسة هو: رصد عناصر التحول في المقتضيات الدستورية والتنظيمية الجديدة المتعلقة بالجماعات الترابية ،وذلك بمقاربتها من زاوية  مبدأ التدبير الحر ومبدأ التفريع، باعتبارهما من المبادئ المؤطرة لهندسة ترابية جديدة، تتوخى تحقيق حكامة ترابية جيدة.

ولتحليل مضامين هذه الدراسة وتفكيك عناصرها،ارتأينا طرح الإشكالية التالية:

كيف أطر دستور2011  مبدأ التدبير الحر ومبدأ التفريع من أجل تحقيق حكامة ترابية ؟

 لمعالجة إشكالية هذه الدراسة وتفكيك عناصرها،سيتم اتباع  تصميم مكون من مبحثين اثنين، سنخصص (المبحث الأول( للحديث عن مبدأ التدبير الحر، و(المبحث الثاني ( لمبدأ التفريع ، وفق التسلسل التالي:

المبحث الأول: مبدأ التدبير الحر كآلية للحكامة الترابية.

يفيد مبدأ التدبير الحر في معناه العام، شكلا من الحرية والاستقلالية في تدبير الجماعات الترابية لشؤونها المحلية، لكونه مبدأ يمكن هذه الأخيرة من تدبير شؤونها بنفسها،وتحديد وبلورة اختياراتها وبرامجها التنموية بكيفية مستقلة وديمقراطية، ولا يسمح بتدخل ممثلي السلطة المركزية في أنشطتها ومهامها ، إلا في الحدود التي يسمح بها القانون.[2]

لذلك شكل التدبير الحر مبدأ قويا في التنظيمات الترابية المعتمدة ، انطلاقا من مقتضيات دستور2011، إذ أن مبدأ التدبير الحر وما يؤسس له من حمولة في الجوانب المؤسساتية والتنظيمية والتدبيرية للجماعات الترابية، سيدشن لمسار جديد في التوجه اللامركزي للمغرب، ليس في فقط في دعم الصيغة الجديدة للجماعات الترابية في مستوياتها الجهوية والإقليمية والجماعية ، وإنما في التأسيس لقاعدة مبدأي الحرية والاستقلالية في تدبير الشؤون المحلية.

لذلك فإن قوة هذا المبدأ تستدعي منا استحضار إطاره المرجعي والتنظيمي ( المطلب الأول(،وكذلك الوقوف عند بعض الجوانب الإجرائية المؤطرة له على المستوى الجهوي والترابي (المطلب الثاني.(

المطلب الأول: الإطار المرجعي لمبدأ التدبير الحر لشؤون الوحدات الترابية .

يستند مبدأ التدبير الحر داخل التنظيم الترابي المغربي على مرجعيتين ،من جهة المرجعية الدستورية (الفقرة الأولى(، ومن جهة أخرى مرجعية القوانين التنظيمية المتعلقة بالجهات والجماعات الترابية الأخرى (الفقرة الثانية (.

الفقرة الأولى: المرجعية الدستورية .

استلهم المشرع المغربي مبدأ التدبير الحر من القانون الفرنسي، فقد كانت فرنسا هي السباقة إلى تطبيق هذا المبدأ، حيث تبنته منذ دستور1946، إذ نص الفصل 87 منه على ما يلي:” تدبر الجماعات الترابية شؤونها بحرية بواسطة مجالس منتخبة بالاقتراع العام. يتم تنفيذ قرارات هذه المجالس من طرف العمدة أو الرئيس”، قبل أن يتم تأكيده وتدقيقه في دستور 4 أكتوبر1958 كما وقع تعديله في 28 مارس 2003 (الفصل34 ( الذي جاء فيه:” يحدد القانون القواعد المتعلقة ب…. التدبير الحر للجماعات الترابية، وصلاحياتها ومواردها”. والفصل 72 في إطار الشروط المحددة بقانون ” تدبر الجماعات الترابية شؤونها بحرية بواسطة مجالس منتخبة وتتوفر على السلطة التنظيمية من أجل ممارسة صلاحياتها”.

وقد أصبح التدبير الحر بصفة تدريجية مبدأ متأصلا ويشكل إحدى الركائز الأساسية للتنظيم الترابي[3].

 لذلك نص الفصل 136 من دستور2011 على مايلي:” يرتكز التنظيم الجهوي والترابي على مبادئ التدبير الحر،وعلى التعاون والتضامن ، ويؤمن مشاركة السكان في تدبير شؤونهم ،والرفع من مساهمتهم في التنمية البشرية المندمجة والمستدامة”.

هذا الفصل جعل من مبدأ التدبير الحر إحدى الأسس التي يقوم عليها التنظيم الترابي بالمغرب.

الفقرة الثانية: مرجعية النصوص التنظيمية المتعلقة بالجهات والجماعات الترابية الأخرى.

عملت القوانين التنظيمية ( القانون التنظيمي المتعلق بالجهات رقم 111.14، والقانون التنظيمي رقم     112.14المتعلق بالعمالات والأقاليم ثم القانون التنظيمي رقم 113.14المتعلق بالجماعات(.على ملامسة الأبعاد الكبرى المؤسسة لمبدإ التدبير الحر.كما أن هذه القوانين كرست نقلة نوعية للإدارة الترابية، وذلك بإسهامها في تحديث هياكل الدولة والرفع من فعاليتها ونجاعة آدائها[4].

أولا: مرجعية التدبير الحر من خلال  القانون التنظيمي رقم 111.14 المتعلق بالجهات .

تنص المادة الرابعة من هذا القانون على ما يلي” يرتكز تدبير الجهة لشؤونه على مبدأ التدبير الحر،الذي يخول بمقتضاه لكل جهة في حدود اختصاصاتها…سلطة التداول بكيفية ديمقراطية ،وسلطة تنفيذ مداولاتها ومقرراتها طبقا لأحكام هذا القانون التنظيمي ، والنصوص التشريعية والتنظيمية المتخذة لتطبيقه”.

ثانيا :  مرجعية التدبير الحر من خلال القانون التنظيمي رقم 112.14المتعلق بالعمالات والأقاليم .

نصت المادة الثالثة من هذا القانون التنظيمي على مبدأ التدبير الحر وفق الصيغة التالية ” يرتكز تدبير العمالة أو الإقليم لشؤونها على مبدأ التدبير الحر الذي يخول بمقتضاه لكل عمالة أو إقليم ، في حدود اختصاصاتها المنصوص عليها في القسم الثاني من هذا القانون التنظيمي ن سلطة التداول بكيفية ديمقراطية ، وسلطة تنفيذ مداولاتها ومقرراتها ، طبقا لأحكام هذا القانون التنظيمي والنصوص التشريعية المتخذة لتطبيقه”.

ثالثا: مرجعية التدبير الحر من خلال  القانون التنظيمي رقم 113.14المتعلق بالجماعات.

حددت المادة الثالثة من هذا القانون التنظيمي ،ماهية التدبير الحر كما يلي ” يرتكز تدبير الجماعة لشؤونها على مبدأ التدبير الحر الذي يخول بمقتضاه لكل جماعة ، في حدود اختصاصاتها المنصوص عليها في القسم الثاني من هذا القانون التنظيمي ، سلطة التداول بكيفية ديمقراطية ،وسلطة تنفيذ مداولاتها ومقرراتها ، طبقا لأحكام هذا القانون التنظيمي والنصوص التشريعية والتنظيمية المتخذة لتطبيقه”.

 المطلب الثاني: آليات تفعيل مبدأ التدبير الحر.

 التعاطي مع آليات تفعيل مبدأ التدبير الحر، سنحاول مقاربته من خلال العناصر والقواعد المكونة لهذا المبدأ على مستوى الوحدات الترابية الثلاث، وفق التسلسل التالي:

الفقرة الأولى:آليات تنفيذ مبدأ التدبير الحر بالجماعات .

هذه الآليات قد تهم كلا من مجلس الجماعة ورئيسه والهيآت التابعة له، كما أنها قد تهم رئيس المجلس الجماعي.

وتتمثل الآليات المتعلقة بمجلس الجماعة ورئيسه والهيآت التابعة له، في ضرورة احترام المقتضيات والإجراءات والقواعد التالية:

أما رئيس مجلس الجماعة، فقد أناط به القانون مهمة اتخاذ اجراءات لتحقيق الفعالية في التدبير، من بينها:

لذلك فإن الدولة مطالبة من جهتها بوضع الآليات والأدوات اللازمة، لأجل مواكبة ومساندة الجماعات لبلوغ حكامة جيدة في تدبير شؤونها، وممارسة الاختصاصات الموكولة إليها[6].

  كما وضع القانون التنظيمي المتعلق بالجماعات عدة قواعد تتعلق بحسن تطبيق مبدأ التدبير الحر،  ويقصد بها على الخصوص احترام المبادئ العامة التالية[7]:

الفقرة الثانية :آليات تنفيذ مبدأ التدبير الحر بالعمالات أو الأقاليم.

هناك جملة من الآليات الإجرائية والمسطرية ستساعد على تنفيذ قواعد مبدأ التدبير الحر على المستوى الإقليمي. هذه الآليات قد تهم مجلس العمالة أو الإقليم ورئيسه والهيآت لتابعة له، كما قد تهم في المقام الثاني رئيس المجلس الإقليمي.

وتتمثل الآليات التي تهم مجلس العمالة أو الإقليم ورئيسه والهيآت التابعة له، في احترام مجموعة من الإجراءات والمقتضيات والقواعد نذكر منها مايلي:

كما أن العمالة أو الإقليم تحت إشراف رئيسها،  مدعوة إلى اعتماد آليات للتقييم الخاص بالأداء، والمراقبة الداخلية وتقديم الحصيلة، وهي آليات تقتضي برمجتها من طرف المجلس الإقليمي، وضرورة نشرها ليطلع عليها العموم ، كما بإمكان المجلس ورئيسه ، ووفق إجراءات حددها القانون ، إخضاع تدبير العمالة أو الإقليم والهيآت التابعة لها التي تساهم فيها، لعمليات تدقيق بما في ذلك التدقيق المالي[8].

أما رئيس مجلس العمالة أو الإقليم، فقد أناط به القانون مهمة اتخاذ الإجراءات الضرورية من أجل اعتماد الأساليب الفعالة للتدبير، نذكر منها:

كما أن الدولة مطالبة بوضع الآليات والأدوات اللازمة ، لأجل مواكبة ومساندة العمالات والأقاليم لبلوغ حكامة جيدة في تدبير شؤونها ، وممارسة الاختصاصات الموكولة إليها، وذلك من خلال[9]:

الفقرة الثالثة:آليات تنفيذ مبدأ التدبير الحر على مستوى الجهات.

على  المستوى الجهوي، هناك آليات إجرائية لتجسيد قواعد حكامة مبدأ التدبير الحر،هذه الآليات قد تهم كلا من مجلس الجهة ورئيسه والهيآت التابعة له، كما قد تهم كذلك رئيس مجلس الجهة.

وتتمثل الآليات التي تهم مجلس الجهة ورئيسه والهيآت التابعة له، في ضرورة احترام مجموعة من المقتضيات والقواعد منها:

أما رئيس الجهة ، فقد أناط به القانون مهمة اتخاذ الإجراءات الضرورية من أجل تنبي الأساليب الفعالة للتدبير الترابي الجيد. من بينها:

بالإضافة إلى أن رئيس الجهة ، مدعو إلى القيام بمجموعة من الإجراءات المكرسة لقاعدة الشفافية[11].

كما أكدت أحكام المادة 243 من القانون التنظيمي رقم 111.14 الربط بين مبادئ الحكامة الجيدة وحسن تطبيق مبدأ التدبير الحر ، وذلك وفقا لما يلي:[12]

فالتدبير الحر يتيح للجماعات الترابية كوحدات متمتعة بالشخصية المعنوية نوعا من الاستقلال في التدبير بعيدا عن تحكم ووصاية الدولة.ويبقى فقط على الجهات وباقي الجماعات الترابية التقيد بالقانون ، ومن تم إعادة النظر في طبيعة العلاقة التي تربطها بالدولة[13].

المبحث الثاني: مبدأ التفريع ومسألة توزيع الاختصاصات.

تكمن فلسفة مبدأ التفريع في منح الاختصاص بالأولوية للمستوى الترابي الذي يمكنه أن يمارسها بشكل أفضل من مستوى ترابي آخر، ويكون هو الأقرب للسكان.[14]

وبناء على مبدأ التفريع ، أسندت للجماعات الترابية اختصاصات ذاتية واختصاصات مشتركة مع الدولة واختصاصات منقولة إليها من هذه الأخيرة ، حيث أوكل لها السلطة التنظيمية لممارسة هذه الصلاحيات داخل مجال اختصاصها ودائرتها الترابية.

وللتعرف أكثر على أهمية هذا المبدأ في المشهد المؤسساتي الترابي ،سنقف عند إطاره المفاهيمي والقانوني في (مطلب أول( على أن نفصل في توزيع الاختصاصات داخل الوحدات الترابية بناء على تبني مبدأ التفريع   من خلال ( المطلب الثاني(.

المطلب الأول: الإطار المفاهيمي والقانوني لمبدأ التفريع.

ينبني مبدأ التفريع على قاعدة أن كل وحدة ترابية ، يلزم أن تقدم أجوبة نوعية وحقيقية لمختلف المشاكل والصعوبات التي تصادفها[15].

ومن خلال هذا المطلب سنقارب مبدأ التفريع في القانون المقارن (الفقرة الأولى(، ثم مكانته في التشريع المغربي ( الفقرة الثانية (.

الفقرة الأولى: مبدأ التفريع في القانون المقارن.

لقد تم إدراج مبدأ التفريع في قانون الاتحاد الأوروبي على الشكل التالي وبنفس المفهوم: إن القرارات التي يتم اتخاذها على مستوى الاتحاد الأوروبي يجب أن تتخذ من قبل المستوى الترابي الأنسب والأقرب إلى المواطن[16].

كما تم إدراج المبدأ أيضا في الميثاق الأوروبي حول الاستقلال المحلي في الفقرة 3 من الفصل 4كما يلي:” إن ممارسة المسؤوليات العمومية يجب بصفة عامة أن تمنح بالأفضلية للسلطات الأقرب للمواطنين. ويجب أن يأخذ منح الاختصاص لسلطة أخرى بعين الاعتبار جسامة وطبيعة المهمة ومتطلبات الفعالية والاقتصاد”[17].

وقد كرس الدستور الفرنسي مبدأ التفريع في الفصل 72على الشكل التالي:” تتخذ الجماعات الترابية القرارات المتعلقة بجميع الاختصاصات التي يمكن تنفيذها بشكل أفضل على مستواها الترابي”[18].

الفقرة الثانية: مبدأ التفريع في التشريع المغربي.

إذا كان مبدأ التفريع في النظام المغربي ، يستشف من جميع القوانين الخاصة باللامركزية واللاتمركز، أو كما تم التلميح إليه في القانون الخاص بالجهة لسنة 1997 .[19] فإن مشروع المبادرة المغربية بشأن التفاوض لتخويل الصحراء حكما ذاتيا كان سباقا إلى تبني هذا المبدأ [20]حيث نصت الفقرة 17منه على مايلي:” من جهة أخرى تمارس الاختصاصات التي لم يتم التنصيص على تخويلها صراحة، باتفاق بين الطرفين ، وذلك عملا بمبدأ التفريع”.

كما أن مبدأ التفريع أوصت به اللجنة الاستشارية للجهوية في تقريرها المرفوع لجلالة الملك ، ومما جاء فيه :” فيما يتعلق بالتنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية . يعتبر كل مجال للاختصاص قابلا لأن تتقاسمه الدولة والجماعات الترابية عملا بمبدأ التفريع”.[21]

ولقد نص الدستور المغربي لأول مرة بشكل صريح على مبدأ التفريع وجعله كأساس لتحديد اختصاصات الجماعات الترابية، وذلك في الفقرة الأولى من الفصل 140:” للجماعات الترابية وبناء على مبدأ التفريع اختصاصات ذاتية واختصاصات مشتركة مع الدولة واختصاصات منقولة إليها من هذه الأخيرة”.

غير أن مبدأ التفريع إذا كان يسمح بتوزيع الاختصاصات فيما بين مختلف الجماعات الترابية ، فهو في نفس الوقت يعمل على توزيع الاختصاصات بين الدولة والجماعات الترابية.وذلك من أجل ألا تقوم المستويات الترابية الثلاثة بنفس المهام في آن واحد، وأن تمارس فقط المهام التي تتناسب مع موقعها وحجمها وأهميتها في التراتبية المؤسساتية.[22]

المطلب الثاني:اعتماد مبدأ التفريع في توزيع الاختصاصات:

علاقة بموضوع توزيع الاختصاصات سواء بين الجهات والدولة من جهة أو بينها وبين باقي الجماعات الترابية الأخرى، ولتجاوز معضلة تداخل الاختصاصات وعموميتها، عمد دستور2011 إلى تبني مبدأ التفريع كأساس لتوزيع الاختصاصات.

الفقرة الأولى : مجالات ومستويات اختصاصات الجماعة.

تم تنظيم اختصاصات الجماعة بموجب القسم الثاني من القانون التنظيمي للجماعات رقم 113.14، والتي جاءت على الشكل التالي:

أولا : الاختصاصات الذاتية.

الاختصاصات الذاتية للجماعات هي التي يعهد بها للجماعات والتي بإمكانها القيام بها في حدود مواردها وداخل دائرتها الترابية، ويندرج ضمن هذه الاختصاصات :

وغيرها من الاختصاصات الواردة بالمادة 85 من القانون التنظيمي للجماعات.

ثانيا: الاختصاصات المشتركة:

الاختصاصات المشتركة بين الدولة والجماعات هي تلك الاختصاصات التي يتبين أن نجاعة ممارستها تقتضي أن تمارس بشكل مشترك ويمكن أن تتم على أساس مبدأ التدرج والتمايز.[23]

هذا النوع من الاختصاصات نظمته المادة 87 من القانون التنظيمي المتعلق بالجماعات، ومن بين مجالاته نجد :

ثالثا :الاختصاصات المنقولة:

بالإضافة إلى هذين المستويين من الاختصاصات التي تحوزها الجماعات ، هناك اختصاصات يمكن أن تنقل إليها من طرف الدولة مع مراعاة مبدأ التفريع  وكذا مبدأي التدرج والتمايز بين الجماعات.

  إلا أنه لا يكفي إسناد اختصاصات مهمة للجماعات الترابية، وإنما من الضروري وضع الموارد المالية اللازمة ،رهن إشارتها لممارسة هذه الاختصاصات ، وذلك وفق مبدأ المعادلة بين الموارد والاختصاصات.

الفقرة الثانية: مجالات ومستويات اختصاصات العمالات والأقاليم .

تناط بالعمالة أو الإقليم داخل دائرتها الترابية مهام النهوض بالتنمية الاجتماعية خاصة في الوسط القروي وكذا في المجالات الحضرية،ولهذه الغاية تمارس العمالة أو الإقليم اختصاصات ذاتية واختصاصات مشتركة مع الدولة واختصاصات منقولة إليها من هذه الأخيرة.

أولا: الاختصاصات الذاتية للعمالة أو الإقليم.

يندرج في إطار هذا المستوى من الاختصاصات ، كل ماله علاقة بالتخطيط والبرمجة والإنجاز والتدبير والصيانة داخل الدائرة الترابية للعمالة أو الإقليم،وهو ما نصت عليه المواد من 79إلى 85من القانون التنظيمي رقم 112.14 المتعلق بالعمالات والأقاليم ، حيث شملت المجالات التالية:[24]

ثانيا: الاختصاصات المشتركة للعمالة أو الإقليم.

تمارس هذه الاختصاصات بشكل تعاقدي إما بمبادرة من الدولة أو بطلب من العمالة أو الإقليم .

وتتعلق هذه الاختصاصات بالمجالات التالية :

ثالثا: الاختصاصات المنقولة للعمالات أو الأقاليم.

تمارس العمالات الاختصاصات المنقولة إليها من الدولة في مجال التنمية الاجتماعية وإحداث وصيانة المنشآت المائية الصغيرة والمتوسطة خاصة بالوسط القروي، مع ضرورة مراعاة أنه كل اختصاص تنقله الدولة إلى الجهات والجماعات الترابية الأخرى يكون مقترنا بتحويل الموارد المطابقة له.

الفقرة الثالثة : مجالات ومستويات اختصاصات الجهة.

نصت المادة 6 من القانون التنظيمي رقم 111.14المتعلق بالجهات على أنه” تطبيقا للفقرة الأولى من الفصل 140 من الدستور ، وبناء على مبدأ التفريع ، تمارس الجهة الاختصاصات الذاتية المسندة إليها بموجب أحكام هذا القانون التنظيمي والنصوص المتخذة لتطبيقه، وتمارس أيضا الاختصاصات المشتركة بينها وبين الدولة، والمنقولة إليها من هذه الأخيرة وفق الشروط والكيفيات المنصوص عليها في الأحكام المذكورة.

وطبقا للفقرة الثانية من الفصل 141من الدستور يتعين عند نقل كل اختصاص من الدولة إلى الجهة تحويل الموارد اللازمة التي تمكنها من ممارسة الاختصاصات المذكورة”.

وعليه تناط بالجهة داخل دائرتها الترابية مهام النهوض بالتنمية المستدامة والمندمجة، والتي تلامس مجالات كتحسين جاذبية المجال الترابي للجهة وتقوية تنافسيته الاقتصادية ،وكذلك العمل على تحسين القدرات التدبيرية للموارد البشرية وتكوينها. ولهذه الغاية تمارس الجهة ثلاثة مستويات من الاختصاصات وهو ما حددته المادة 80 من القانون التنظيمي للجهات.

أولا: الاختصاصات الذاتية للجهة.

تتمثل في الاختصاصات الموكولة للجهة في مجال معين، بما يمكنها من القيام في حدود مواردها وداخل دائرتها الترابية بالأعمال الخاصة بهذا المجال ، وخاصة التخطيط والبرمجة والإنجاز والصيانة .[25]

تتعلق هذه الاختصاصات أساسا بالتنمية الجهوية على المستوى الاقتصادي والاجتماعي وكذا إعداد التراب ، وهو ما أطرته المواد من 82إلى 90 من القانون التنظيمي للجهات.

ثانيا:الاختصاصات المشتركة للجهة.

وهي تلك الاختصاصات المشتركة بين الدولة والجهة،والتي يتبين أن نجاعة ممارستها تكون بشكل مشترك، وتتم ممارسة هذه الاختصاصات طبقا لمبدأي التدرج والتمايز (المادة80(، والتي تتم بشكل تعاقدي إما بمبادرة من الدولة أو بطلب من الجهة ( المادة92(، كما يمكن لهاته الأخيرة بمبادرة منها واعتمادا على مواردها الذاتية ،أن تتولى تمويل أو تشارك في تمويل إنجاز مرفق أو تجهيز أو تقديم خدمة عمومية لا تدخل ضمن الاختصاصات الذاتية للجهة إذا تبين أنه يساهم في بلوغ الأهداف المنوطة بها (المادة93(.[26]

ومن أمثلة الاختصاصات المشتركة يمكن ذكر ما نصت عليه المادة91 من القانون التنظيمي رقم111.14 من قبيل:

– التنمية الاقتصادية: تحسين جاذبية المجالات الترابية وتقوية التنافسية ، التنمية المستدامة، الشغل، البحث العلمي التطبيقي.

– التنمية القروية : تأهيل العالم القروي ، تنمية المناطق الجبلية، إحداث أقطاب فلاحية، تعميم التزويد بالماء الصالح للشرب والكهرباء وفك العزلة.

– التنمية الاجتماعية : التأهيل الاجتماعي ، المساعدة الاجتماعية، إنعاش السكن الاجتماعي،إنعاش الرياضة والترفيه.

ثالثا : الاختصاصات المنقولة.

وهي الاختصاصات التي تنقل من الدولة إلى الجهة ، بما يسمح بالتوسيع التدريجي للاختصاصات الذاتية ( المادة 80 من القانون التنظيمي للجهات( أي تأكيد مراعاة مبدأ التدرج والتمايز ،ويمكن لهاته الاختصاصات المنقولة أن تتحول إلى اختصاصات ذاتية ، ومن الاختصاصات المنقولة التي ذكرها المشرع على سبيل المثال، والتي تشمل قطاعات من شاكلة التجهيزات والبنيات التحتية ذات البعد الجهوي، الصناعة ، الصحة، التجارة ،التعليم والثقافة ،الرياضة.[27]

الملاحظ أن التشريع الجديد حافظ من حيث التسمية والعنونة على الاختصاصات الذاتية والمنقولة ، وجاء بمستجد الاختصاصات المشتركة، وأغفل الاختصاصات الاستشارية ، وإن كان لهاته الأخيرة حضور في بعض المقتضيات ، [28]وهو ما يستشف من أحكام المادة100 من القانون التنظيمي رقم 111.14، والتي جاء فيها:” تقوم السلطات العمومية باستشارة مجلس الجهة في السياسات القطاعية التي تهم الجهة وكذا التجهيزات والمشاريع الكبرى التي تخطط الدولة لانجازها فوق تراب الجهة…”.

وعليه فمبدأ التفريع الذي أخذت به الدول الديمقراطية يقتضي أن تكون أقرب السلطات المنتخبة إلى المواطنين هي التي تمارس المسؤوليات العامة، ويؤدي من الناحية العملية إلى تدعيم وتقوية الاختصاصات الذاتية للجهات وباقي الجماعات الترابية الأخرى. فما يستطيع الأدنى القيام به يترفع عنه الأعلى وما يعجز عنه الأدنى يتولاه الأعلى. ومن تم فتبني مبدأ التفريع سيشكل آلية من الآليات اللازمة لتحديد الاختصاصات خصوصا تلك المشتركة مع الدولة[29].

ونشير إلى أن التنظيم الإداري اللامركزي بالمغرب يظل مرتبطا بتأثير أكثر من معطى (سياسي،اقتصادي واجتماعي…(،ومع ذلك يحقق حضورا خاصة على المستويين الإداري والاقتصادي[30].

خاتمة:

إذا كانت معايير وآليات الحكامة الترابية متعددة ، فإننا حاولنا في هذه الدراسة ،مقاربة هذا المفهوم من خلال مبدأين دستوريين ، ويتعلق الأمر بمبدأ التدبير الحر الذي سيتيح للجماعات الترابية كوحدات متمتعة بالشخصية المعنوية نوعا من الاستقلال في التدبير بعيدا عن تحكم ووصاية الدولة.

ثم مبدأ التفريع الذي تمت دسترته، باعتباره مبدأ يسهم بالنسبة للامركزية في قاعدة الإنابة والحد من تدخل المستوى الأعلى، من أجل تحقيق تدبير عمومي أكثر فعالية على المستوى الترابي.

 لكن يبقى على الجهات والجماعات الترابية الأخرى التقيد بالقانون، وكذلك توفر نخب محلية قادرة على تحمل مسؤوليتها، لها تصور جديد وفي مستوى هذا التحول النوعي الذي سيعرفه النظام اللامركزي بالمغرب.


[1] – القوانين التنظيمية الثلاثة : (القانون التنظيمي رقم 111.14 المتعلق بالجهات( ،( القانون التنظيمي رقم 112.14 المتعلق بالعمالات والأقاليم ( و(القانون التنظيمي رقم 113.14 المتعلق بالجماعات (.

[2] – سعيد جفري،” التنظيم الترابي بالمغرب” مطبعة الأمنية –الرباط-2018/ص.76

[3] – أحمد مفيد،” من أجل حكامة محلية جيدة ” تقرير عن الدورات التكوينية لفائدة المنتخبين والمنتخبات -مارس2017/ ص.10

[4] – رشيد لبكر،” تدبير التراب من الوثيقة الدستورية إلى القوانين التنظيمية”- مسالك للفكر والسياسة والاقتصاد/العدد39-40/ص.117

[5] –  لمعرفة المزيد من الآليات يرجى الاطلاع على المادة 270 من القانون التنظيمي المتعلق بالجماعات .

[6] – سعيد جفري ،” التنظيم الترابي …………………………………م.س./ص.261

[7]– أحمد مفيد،” الحكامة الترابية على مستوى الجماعات والجهات: بين احترام القانون وتكريس النزاهة والشفافية” كتاب تركيبي/ 2016/ص.15

[8] – سعيد جفري ،” التنظيم الترابي …………………………………م.س./ص.158

[9] – سعيد جفري ، ” التنظيم الترابي ……………………………م.س./ص.159

[10] – المادة 245 من القانون التنظيمي المتعلق بالجهات.

[11] – المادة 247 من القانون التنظيمي المتعلق بالجهات.

[12] – أحمد حضراني،” الحكامة الترابية وحقوق الإنسان :الآليات التشاركية الجهوية” دليل مرجعي للمجلس الوطني لحقوق الإنسان/ص.31

[13] – أحمد أجعون،” الوجيز في التنظيم الإداري المغربي” منشورات المجلة المغربية للأنظمة القانونية والسياسية/ العدد الخاص رقم:6/ص.121

[14]– أحمد مفيد،” من أجل حكامة محلية جيدة ” تقرير عن ………………………..م.س./ص.11

[15]– سعيد جفري،” الحكامة وأخواتها (مقاربة في المفهوم ورهان الطموح المغربي(الطبعة الأولى/2010/ص.175

[16] – أحمد مفيد،” من أجل حكامة محلية جيدة ” تقرير عن الدورات التكوينية……………….م.س./ص.12

[17] – وردت في مرجع: أحمد مفيد،” من أجل حكامة محلية جيدة ” تقريرعن الدورات………….م.س./ص.12

[18] – ورد في مرجع: أحمد مفيد،” من أجل حكامة محلية جيدة ” تقريرعن الدورات……………م.س./ص.12

[19] – أحمد مفيد،” من أجل حكامة محلية جيدة ” تقرير عن الدورات التكوينية………………م.س./ص.12

[20]– أحمد أجعون،” الوجيز في التنظيم الإداري ………………………………………………….م.س./ص.120

[21] – تقرير اللجنة الاستشارية للجهوية المرفوع لجلالة الملك نهاية شهر يونيو 2010/ص.22

[22] – أحمد مفيد،” من أجل حكامة محلية جيدة ” تقرير عن الدورات التكوينية……………….م.س./ص.12

[23]– عبد الواحد القريشي،” التنظيم الإداري المغربي وفق مستجدات الميثاق الوطني للاتمركز الإداري” سلسلة إضاءات /العدد07/ مطبعة الأمنية –الرباط2019 /ص.140

[24] – لمعرفة باقي المجالات ، يرجى الإطلاع على : عبد الواحد القريشي،” التنظيم الإداري المغربي ……..م.س./ ص.180

             24- عبد الواحد القريشي،” التنظيم الإداري المغربي ……………..م.س./ص.208

[26]– أحمد حضراني،” الحكامة الترابية وحقوق الإنسان :الآليات التشاركية ….م.س./ ص.36

[27]– أحمد حضراني ،” مستجدات التنظيم الجهوي بالمغرب” أعمال الملتقى الدولي الثالث حول الجماعات المحلية في الدول المغاربية  في ظل التشريعات الجديدة والمنتظرة، المنعقد يومي 01-02 دجنبر2015 بجامعة الشهيد حمة لخضر بالوادي-كلية الحقوق والعلوم السياسية-الجزائر./ص.5

          [28] -أحمد حضراني،” مستجدات التنظيم الجهوي بالمغرب”………….م.س./ص.5

         [29] – أحمد أجعون،” الوجيز في التنظيم الإداري……………………..م.س./ص.120

[30] – سعيد جفري، “التنظيم الإداري بالمغرب-الإدارة المركزية- الإدارة المحلية” التوزيع:مكتبة الرشاد -سطات/2006/ص.112

Exit mobile version