دراسة نقدية للمادة 150 من القانون رقم 103.12 المتعلق بمؤسسات الائتمان والهيئات المعتبرة في حكمها.

 

دراسة نقدية للمادة 150 من القانون رقم 103.12 المتعلق بمؤسسات الائتمان والهيئات المعتبرة في حكمها.

إعداد الطالب الباحث عمر بحب

 

لا جرم أن العقود التجارية أخذت تلعب دورا طلائعيا في سير الأنشطة الاستثمارية وتحريك العجلة الاقتصادية للدول وقذف روح الائتمان والسرعة على مختلف العمليات التجارية، لتمكين الأطراف المتعاقدة من تحصيل ما يصبون إليه من خلال إقدامهم على إبرام هذا الصنف من العقود، فقد باتت مختلف التشريعات مطالبة إيلائها بإهتمام قانوني وذلك بتنظيمها وتأطير علاقات الأطراف وبيان وجه إلتزاماتهم حتى تقوم بوظيفتها داخل الحقل التجاري.

و قد تدخل المشرع المغربي منظما لبعض العقود التجارية بموجب الكتاب الرابع من مدونة التجارة لسنة 1996 كعقد الرهن التجاري وعقد النقل بنوعيه – نقل الأشخاص ونقل الأشياء – وعقد السمسرة وعقد الوكالة التجارية والعقود البنكية… إيمانا منه وإستشرافا لما تقدمه من مساهمات في تنشيط المحيط التجاري ولأثرها البالغ في خلق مناخ يسوده الأمن والثقة في ميدان الأعمال.

فالملاحظ من خلال هذا التنظيم التشريعي أن العقود البنكية قد حظيت بإهتمام أوفر من ناحية المقتضيات القانونية المؤطرة لها، إن لم نقل كونها استطاعت جذب قلم المشرع أكثر فأكثر الشيء الذي غاب عن باقي العقود التجارية.

هذا، و يتصدر الحساب البنكي قائمة العقود البنكية وذلك لإعتبارات عدة منها، كونه يعد المحرك الأساس والمنطلق الذي يتم بواسطته طلق العنان لإجراء باقي العمليات البنكية، فضلا على تصنيفه من أكثر العقود استهلاكا من قبل زبناء مؤسسات الإئتمان، ضف على ذلك أن فئة عريضة من الأفراد تجد نفسها ملزمة بفتح حساب بنكي أو أكثر وذلك تحت طائلة عقوبات ينص عليها القانون وهو ما يفسر الإهتمام التشريعي المتزايد كلما حضر عقد الحساب البنكي.

ولما كانت اتفاقية الحساب البنكي من العقود البنكية التي أصبح الاستغناء عنها ضرب من ضروب المستحيل في ظل إستحواذ وسائل الأداء والائتمان على عمليات الوفاء في المجالين التجاري والمدني، فإن المشرع المغربي أسس لمبدأ الحق في الحساب وذلك بموجب المادة 150[1] من القانون رقم 103.12 المتعلق بمؤسسات الإئتمان والهيئات المعتبرة في حكمها والتي تقابلها كل من المادتين 65 من القانون البنكي الملغى لسنة 1993 والمادة 112 من القانون البنكي لسنة 2006.

وبذلك أصبح الحق في الحصول على حساب بنكي من الحقوق الراسخة قانونا حيث يمكن لمن رفض له فتح الحساب بدون مبرر مقبول أن يثير مسؤولية البنك، مع ضمان فتحه بأمر من بنك المغرب وحصر خدماته في عمليات الصندوق إن اقتضى الأمر ذلك.

ويكتسي موضوع الحق في الحساب البنكي أهمية بارزة يمكن إفراغها في شكل مستويين إثنين:

أهمية قانونية: تتجلى هذه الأهمية في كون أن تكريس حق الأفراد في الحصول على حسابات بنكية من شأنه أن يعيد الثقة بين الزبون والمؤسسة التشريعية بوقفها لتعسفات البنوك في رفض طلب فتح الحساب.

أهمية إقتصادية: إن إقرار مبدأ الحق في الحساب البنكي سيساهم في تنشيط العمليات البنكية وذلك من خلال القناعة التي ستتولد لدى جمهور الزبناء إزاء حقهم هذا المحاط بحماية رقابية وقانونية، المطلب الذي تسعى كل الدول الطامحة في تنمية إقتصادها إلى تحقيقه وبلوغه.

على ضوء ما سبق، تبرز إشكالية هذه الدراسة في مدى نجاعة مقتضيات المادة 150 من القانون البنكي الجديد المؤسسة للحق في الحساب البنكي، هل صياغتها تعكس إرادة المشرع في الحفاظ على حق الأفراد في الحصول على حسابات بنكية لدى أي مؤسسة ائتمان يتوجهون إليها؟ وما مصير هؤلاء أمام حق البنوك في اختيار زبنائها وانتقائهم بناءا على شروط ومعايير خاصة؟

للإجابة عن هذه الإشكالية نرى تناول الموضوع من خلال تقسيم ثنائي وذلك وفق الشكل الآتي بيانه:

المطلب الأول: النظام القانوني لمبدأ الحق في الحساب البنكي.

المطلب الثاني: معيقات تفعيل مبدأ الحق في الحساب البنكي.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

المطلب الأول: النظام القانوني لمبدأ الحق في الحساب البنكي.

عرفت مرحلة ما قبل صدور القانون البنكي لسنة 1993 إشكالية رفض البنوك لطلبات فتح حسابات بنكية، وذلك باعتمادها معايير إنتقائية أولية كضرورة إيداع مبلغ معين في الحساب حتى يتسنى فتحه، و إثبات التوفر على أجر شهري بمبلغ معين[2]، وغيرها من الشروط التي تفرضها البنوك بغية إبعاد صغار الزبناء والمودعين من دائرة التعامل معهم، وفي ذلك تضارب مع القوة الإحتكارية التي تتمتع بها مؤسسات الإئتمان في إدارة الحسابات البنكية دون غيرها من المؤسسات المالية، وحسن فعل المشرع المغربي حين تأسيسه لمبدأ الحق في الحساب البنكي مقيدا[3] بذلك حرية هذه المؤسسات في تقديم خدمة أساسية بل أصبحت من الضروريات في العصر الحالي، فكيف يلزم القانون شخصا ما بفتح حساب بنكي ونواجهه بمكنة البنك في رفض طلبه (الفقرة الأولى).

يبدو من خلال هذا المبدأ أنه تمت مصلحتان تتجاذبان[4] مصلحة الزبون في الاستفادة من خدمة بنكية ومصلحة مؤسسة الإئتمان في إختيار من ترغب في التعاقد معه باعتبارها تاجرا حالها كحال باقي التجار (الفقرة الثانية).

الفقرة الأولى: الحماية القانونية للحق في الحساب البنكي.

يتصدر عقد الحساب البنكي قائمة العقود البنكية من خلال ما يقدمه من خدمات عدة للزبناء فهو المنطلق الذي يتم عبره إبرام باقي العقود تجارية كانت أم مدنية، فمثلا لا يسوغ التحدث عن عقد إيداع النقود دون وجود حساب بنكي مفتوح سلفا، ولا يتصور إجراء عملية تحويل إلا بالتوفر على رصيد معين مجسد في حساب بنكي وقس ما قيل على ما لم يقل.

من أجل ذلك، ارتأى المشرع المغربي وفي إطار استطلاعه للرفع من مؤشر البنكرة وتمديد الإستفادة من خدمات مؤسسات الإئتمان لمختلف الشرائح الاجتماعية[5] أن يرسم لحق مالي جديد وهو الحق في الحصول على حساب بنكي مع إقرانه بضمانة تدخل بنك المغرب لحماية هذا الحق وتعزيزه.

على أن القول بمبدأ الحق في الحساب بمفهوم مطلق قد يحمل على نحو خاطئ، باعتبار أن البنوك ملزمة بتلبية طلب فتح الحسابات البنكية في كل الحالات، إلا أن القراءة المتأنية للمادة 150 من القانون البنكي الجديد توضح لنا متى يعد الحساب البنكي حقا من الحقوق الأساسية التي يكفلها القانون لعموم الأفراد، وذلك في الحالة التي ترفض فيها المؤسسة المعنية فتح الحساب دون تقديم مبرر مقبول لذلك، حينها يكون الزبون في مركز إيجابي يمكنه من إلتماس موقف بنك المغرب بذلك لينتهي الأمر به بفتح حساب بنكي له مع إمكانية حصر خدماته في عمليات الصندوق.

أما في الحالة التي يرفض فيها البنك طلب فتح الحساب مع تبريره لذلك كأن تكون هناك شكوك حول الأموال المرغوب إيداعها تطبيقا لمقتضيات القانون رقم 43.05 المتعلق بمكافحة جريمة غسل الأموال، فلا يثبت حق الزبون في الإستفادة من الحساب البنكي لأن في ذلك خطر على الإقتصاد الوطني الذي يتضرر دون شك من رواج الأموال المتأتية من مصادر غير مشروعة.

هذا، و بالنسبة لخلفية إخراج مبدأ الحق في الحساب البنكي من العدم إلى الوجود فقد أملته السيطرة والهيمنة التي كانت تمارسها البنوك انطلاقا من الميزة الاحتكارية للقطاع البنكي الذي منحه لها المشرع المغربي، بيد أن هذا الأخير ظهر له أن مركزه في توجيه السياسة البنكية قد تعترضه خطورة تألب مؤسسات الإئتمان على سياسة الدولة في هذا المجال والخروج عنها، فأراد التقليص من هامش الحرية الواسعة للبنوك بتقوية قبضته وفرض رقابته أكثر على كل المؤسسات البنكية من خلال تكريس الحق في الحساب من خلال المادة 150 من القانون البنكي الجديد مع ربط مخالفة هذا النص بإثارة مسؤولية البنك[6] اتجاه الزبون المعني بالأمر.

والشاهد كذلك عن مبادرة المشرع لضمان حق الأفراد في الحصول على حسابات بنكية هو الإلتزام المفروض على بعض الفئات بضرورة التوفر على حساب بنكي، كما هو الحال بالنسبة للتجار الذين تفرض عليهم المادة 18 من مدونة التجارة ومن أجل أغراضهم التجارية أن يفتحوا حسابا بنكيا في مؤسسة بنكية أو في مركز للشيكات البريدية، والمادة 306 من نفس المدونة تلزم التجار كلما فاقت قيمة المعاملة 10000 درهم أن يتم الوفاء بشيك مسطر، كما نجد المادة 22 من قانون شركات المساهمة تنص بدورها على أن الأموال المستخلصة بإسم الشركة في طور التأسيس يجب أن تودع في حساب بنكي مجمد…

لهذا فإن الإلزام بفتح حساب بنكي بناءا على الحالات السابقة ومواجهة طالب الحساب بالرفض لا يستقيم والمنطق القانوني السليم، لكن هذا لا يعني أن البنك ملزم على الإطلاق بفتح هذه الحسابات بل يبقى له الخيار في قبول الطلب من عدمه مع تقديم مبرر مقبول، بالنظر إلى طبيعة العمل البنكي الذي يدخل ضمن لائحة الأنشطة التي تكسب الصفة التجارية لصاحبها من خلال الممارسة الإعتيادية أو الاحترافية لها وذلك في إطار المادة السادسة من مدونة التجارة، مما يجرنا للمثول أمام حلبة تتجاذب فيها مصلحتين اثنتين الأولى تمثل لحق الأفراد أيا كانوا أشخاصا طبيعية أو معنوية في الحصول على حساب بنكي والمصلحة الثانية تنصب لحق البنك في اختيار نوع الزبناء[7] الذي يريد التعامل معهم.

الفقرة الثانية: مقابلة الحق في الحساب مع حق مؤسسات الإئتمان في اختيار زبنائها.

يحتل عقد الحساب البنكي مكانة مهمة في الحياة الإقتصادية وفي تنشيط المعاملات التجارية، فوسائل الأداء والإئتمان على سبيل المثال لها ارتباط وثيق بالحساب البنكي الذي يتيح لصاحبه الحق في سحب شيكات أو كمبيالات لأداء ما عليه من واجبات تحقيقا لخاصيتي السرعة والإئتمان التي تطبع المعاملات التجارية والصفقات الاستثمارية، وفي سبيل ذلك تدخل المشرع المغربي[8] من أجل تقنين ووضع المسطرة الواجب إتباعها قصد الحصول على حساب بنكي عند رفض البنوك وباقي المؤسسات والهيئات لذلك.

وإذا كان الحق في الحساب البنكي أصبح مكفولا لكل شخص بموجب المادة 150 من القانون البنكي المغربي وقبله من خلال المادة 122 من القانون البنكي الملغى لسنة 2006، فإن المؤسسات البنكية يبقى لها كامل الحرية في رفض التعاقد مع من لا تتوفر فيهم بعض الشروط والمعايير كالتأكد من ضرورة توفر الثقة الكافية في زبونها الجديد[9]، ومدى قدرته على الوفاء مستقبلا بإلتزاماته اتجاه البنك، اللهم إذا بدا من خلال الشروط المفروضة أنها تعجيزية الغرض منها إقصاء فئة معينة من الزبناء كصغار المودعين أو من لا يتوفرون على رصيد ابتدائي لصرفه في الحساب المزمع فتحه.

بناءا على الطرح السابق، فالمؤسسة البنكية حينما تكون حديثة النشأة والتأسيس يمكن أن نثير مسألة تحفظ حقها في اختيار زبنائها وفق معاييرها الإنتقائية الخاصة بها، وذلك بتكييف الإشهار الذي تعلن بواسطته عن خدماتها البنكية أنه لا يعدو أن يكون عرضا ليس إلا، فقد يفسر على كونه إيجاب قانوني يلزمها بمجرد توصل الطرف الأخر به تطبيقا لأحكام قانون الإلتزامات والعقود، وهكذا فإن أحكام الإيجاب والقبول يسريان على إتفاقية فتح الحساب البنكي مع حفظ حق البنك في الموافقة على طلب الزبون أو رفضه[10].

وفي رأينا، نعتقد بما أن اتفاقية فتح الحساب هي عقد تجاري بغض النظر عن صفة المتعاقد هل هو تاجر أم لا[11] فإن المؤسسة البنكية يبقى لها كامل الحرية في انتقاء الزبون الذي تطمئن لوضعه المالي ولقدرته في الوفاء بالتزاماته، فهي تاجر يسري عليها ما يسري على باقي التجار في مختلف العقود التجارية إذ لا يسوغ مقدما إلقاء واجب التعاقد على عاتقهم، وإلا قيدنا من إرادة الأطراف في إنشاء الالتزامات و إسقاطها آنا شائو ووقتما شائو، لكن وخلافا لذلك فعقد الحساب البنكي هو عقد تجاري ذي طبيعة خاصة أثرت فيه رقابة الدولة على القطاع البنكي وتوجيهات السياسة النقدية المجسدة للفلسفة المعتمدة في باب العقود البنكية والتي تختل فيها مراكز القوة بين الأطراف بضمان تحقيق توازن في الجوانب القانونية تطبيقا لمبدأ الأمن التعاقدي كضرورة ناتجة عن تفعيل مبدأ الأمن القانوني[12].

المطلب الثاني: معيقات تفعيل مبدأ الحق في الحساب البنكي.

لقد شكل إقرار المشرع المغربي لمبدأ الحق في الحساب البنكي خطوة حسنة أريد من خلالها تقليص سلطة المؤسسات البنكية في التقييم المبالغ فيه حول وضع الزبون المالي[13] قبل الإقدام على فتح حساب بنكي له، كإشتراط إيداع مبلغ معين أو إثبات التوفر على راتب شهري ذي سقف محدد وغيرها من الشروط التعجيزية والمجحفة في حق طالب الحساب، والدليل على ذلك هو إقحام المشرع المغربي لمؤسسة بنك المغرب باعتباره البنك المركزي للمملكة مخولا إياه صلاحية مراقبة مدى احترام المؤسسات البنكية لهذا الفرض القانوني وإنزال عقوبات تأديبية في حقها كلما خالفت القانون في هذا الباب.

لكن رغم ذلك، تظهر محدودية مبدأ الحق في الحساب البنكي إن على مستوى القانوني بتطبيق مقتضيات المادة 150 السالفة الذكر التي تثير عدة صعوبات قد تؤدي إلى عزوف طالبي الحسابات البنكية عن رغبتهم هاته[14] (الفقرة الأولى) أو على المستوى العملي المتمثل في طريقة تعامل البنوك مع طالبي فتح الحساب (الفقرة الثانية).

الفقرة الأولى: الصعوبات القانونية المعيقة للحق في الحساب البنكي.

تتمثل الصعوبات القانونية التي تثيرها المادة 150 من القانون البنكي الجديد في العراقيل التي قد تواجه طالب فتح الحساب الشيء الذي قد يتمخض عنه تراجع وعزوف الزبناء في المطالبة بحقهم في الحصول على حساب بنكي.

وعليه فإذا كانت المادة المذكورة قد ألغت الحيف الذي كان يلحق بطالبي الحساب في ظل القانون البنكي الملغى لسنة 1993 فإن هذا الأخير سجل عليه ضعف صياغته لمقتضيات المادة 65 منه والتي كانت تنص على أنه (لكل شخص لا يتوفر على حساب تحت الطلب ورفض له فتح هذا الحساب من لدن عدة بنوك…)، فالظاهر من هذه المادة أنها تلزم الشخص الذي رفض طلبه وحتى يلتمس موقف بنك المغرب في هذا الشأن، أن يكون قد اتصل بعدة بنوك ليكون الرفض مؤكدا، وهو مقتضى قد يجر بالفرد إلى التأرجح في متاهات هو في غنى عنها، وما يرتبه ذلك من ضياع للوقت والجهد[15] ناهيك عن مصاريف إثبات واقعة الرفض الذي يجب أن تثبت لكل بنك على حدة، إلا أن المادة 150 من ق.ب الحالي أتت بصيغة مغايرة عند تنصيصها أن (لكل شخص لا يتوفر…من لدن بنك أو عدة بنوك…) حيث فسحت المجال لطالبي الحساب أن يتقدموا أمام بنك أو عدة بنوك وفق إرادتهم وسجيتهم المطلقة، دون الدخول في النقاش العددي الذي طرح في ظل القانون البنكي القديم بغرض تفسير لفظ عدة مؤسسات الذي احتوته المادة 65 المذكورة، فقد ذهب بعض الفقه إلى حصر هذا التعداد في ثلاثة بنوك لا أكثر، وذهب اتجاه أخر إلى أن المعني بالأمر يجب عليه اللجوء إلى نصف البنوك المعتمدة حتى يكون رفض فتح الحساب محققا، فيما ذهب اتجاه ثالث محاولا التلطيف من حدة هذا الشرط التعجيزي إلى توضيح المعني من لفظ عدة بنوك ألا يتعدى بنكين انطلاقا من أن الجمع يبدأ من اثنين فما يزيد[16].

والجدير بالإشارة كذلك أن من بين الصعوبات القانونية التي تعترض سبيل الاستفادة من الحق في الحساب البنكي إلزامية سلوك مسطرة البريد المضمون التي تبدوا ظاهرا مسطرة بسيطة لكن الواقع يثبت أنها إجراء في بالغ الصعوبة بالنظر إلى جانبي اثنتين:

الجانب الأول: ينصرف إلى كون البنك الذي يرفض فتح الحساب لا يُمكن الطالب من أية وثيقة تفيد الرفض، على غرار المؤسسات البنكية في فرنسا التي يلزمها القانون بتزويد طالب الحساب بما يفيد رفض الطلب حتى يتسنى لهذا الأخير إثبات ذلك أمام البنك المركزي، لهذا تبقى المادة 150 من القانون البنكي قاصرة في هذه المسألة فالمشرع لم يوضح من خلالها المعلومات والمطبوعات التي يتعين على طالب الحساب تضمينها في ملتمسه الذي سيقدمه لبنك المغرب، الأمر الذي قد يثير مضنة الطالب بإعتقاده الوثائق التي في حوزته غير كافية للإستجابة لطلبه فيتراجع عن خطوته هاته.

الجانب الثاني: إن المادة 150 من قانون 12-103 لم تنص على أجل محدد يتعين داخله إشعار بنك المغرب ليقول كلمته في الموضوع، فضلا عن عدم إشارتها إلى العقوبات التي يمكن إنزالها على البنك المتعسف في حق طالب الحساب كأن يكون الرفض مبني على مبرر غير مقبول كما تقدم، لتبقى هذه النقطة مبهمة في نطاق العقوبات التأديبية والجنائية المنصوص عليها في القانون البنكي، وإن كان لطالب الحساب ورقة مطالبة البنك بالتعويض طبقا لأحكام المسؤولية المدنية.

تبعا لذلك، إذا كان المشرع المغربي قد نص في الفقرة الثانية من المادة 150 من القانون رقم 103.12 المتعلق بمؤسسات الإئتمان والهيئات المعتبرة في حكمها على حق بنك المغرب في تعيين المؤسسة الذي سيفتح الحساب لديها، فإنه قد أتاح له زيادة على ذلك تحديد نوع الخدمات المرتبطة بالحساب الجاري المطلوب فتحه، وإن اقتضى الأمر حصر أنشطة الحساب في عمليات الصندوق[17]، السؤال الذي يطرح نفسه بقوة في هذا السياق هو أي معيار اعتمده المشرع المغربي حين تمييزه بين طالب فتح الحساب تحت الطلب – أي الحساب الجاري – وبين طالب فتح الحساب لأجل حينما خول لبنك المغرب حصر عمليات الحساب الأول في عمليات الصندوق دون التدخل لتغيير مسار عمليات الحساب الثاني؟

للإجابة عن هذا السؤال، يجب علينا ربط توجه المشرع هذا بحجم المخاطر واختلاف درجتها التي قد يتسبب فيها كل من الحساب لأجل والحساب تحت الطلب، فالحساب لأجل تقل فيه نسبة حدوث مخاطر[18] التي تؤثر على البنك و الزبناء فالمؤسسات البنكية تعتمد على رصيد الحساب لأجل لمنح قروض وتمويلات والمشاركة في تأسيس منشأت وغيرها من الأنشطة الاستثمارية، وهذا ما يفسر ترتيب الحساب لأجل الفوائد لصالح الزبون باعتباره يساهم في تنمية أموال البنك بطريقة غير مباشرة، وبالتالي تقل خطورة عدم كفاية موارد البنك في تنفيذ إلتزاماته وتعهداته.

على خلاف ذلك، تتسع دائرة المخاطر بالنسبة للحسابات الجارية حيث يبقى للبنك مطلق الصلاحية في رفض فتح هذا الحساب، تحوطا من الآثار السلبية التي قد تنجر إليه جراء الاستعمال السيئ لصاحبه[19] كما إذا كان مسجلا لدى المصلحة المركزية لعوارض الأداء ببنك المغرب جراء إخلاله الوفاء بشيك، أو لعدم قدرته على سداد ما عليه من ديون والتزامات اتجاه البنك، لهذا قيل بحق بنك المغرب في حصر خدمات هذا الحساب في عمليات الصندوق.

إلى جانب الصعوبات القانونية التي يثيرها تطبيق مقتضيات المادة 150 من القانون البنكي الجديد والتي حاولنا الوقوف عند أبرزها، توجد صعوبات ترتبط بطريقة عمل المؤسسات البنكية مع عملائها بالارتكاز على شروط انتقائية[20] أولية قبل الإقدام على إبرام المعاملات البنكية معهم.

الفقرة الثانية: الصعوبات العملية المعيقة للحق في الحساب البنكي.

إذا كان من شأن الحق في الحساب البنكي كمبدأ يضمنه المشرع لجميع الفئات من خلال المادة 150 من القانون البنكي ينم عن رغبته في تشجيع الإقبال على خدمات مؤسسات الإئتمان، كون هذا المبدأ قد وضع حدا لتعسف البنوك التي كانت ترفض فتح حسابات بنكية بدون مبرر مقبول كما تقدم ذكره، فإن الواقع العملي قد أفرز ممارسات بنوكية قاسية تتمثل في وضع عراقيل ومعيقات في وجه البعض من طالبي الحساب، فقد تلزمهم بضرورة إثبات توفرهم على أجر شهري بمبلغ معين وإلا قوبل مطلبهم بالرفض، وقد تشترط كذلك إيداع مبلغ ذي سقف محدد مما قد يؤدي إلى إقصاء فئة المودعين الصغار[21]، والشرط الأخير هذا قد أملته التصرفات الاحتيالية لبعض الزبناء الذين يقومون بإيداع المبلغ المطلوب قبل فتح الحساب وبعد مدة قصيرة يعملون على سحبه مع ترك رصيد بسيط فيه حتى لا يستطيع البنك إقفاله إراديا خوفا من إثارة مسؤوليته العقدية.

لكن ورغم هذه الشروط التعجيزية يمكن لمن يواجه بها وقبل أن يطرق باب بنك المغرب، أن يقدم طلب فتح الحساب لدى الخزينة العامة للمملكة أو أمام مركز الشيكات البريدية، ذلك أن القانون خول هذه المؤسسات صلاحية فتح حساب إيداع للأشخاص الطبيعية والمعنوية دون فرض أي انتقاء أولي، ما جعل هذه المؤسسات توصف بالملجأ والملاذ لمن لم يستطع احترام الشروط المجحفة التي تفرضها السياسة الإقصائية لبعض البنوك.

ومن الأسباب التي تؤدي أيضا إلى هدم الهدف الذي يرمي إليه المشرع المغربي من وراء إقراره للحق في الحساب البنكي هو جهل فئة عريضة من الأفراد بمقتضيات المادة 150 من القانون رقم 103.12 بمثابة القانون البنكي الجديد، ففي حالة رفض طلب فتح الحساب لأحدهم سيلجأ إلى بنك أخر هكذا دواليك إلى أن ينتهي به الأمر إما بفتح حساب له أو عزوفه مطلقا عن متابعة إجراءات المطالبة تلك.

من أجل تفادي وقوع الطرح السابق في المستقبل نرى بأن على مؤسسات الإئتمان بوجه عام و التي ترفض فتح الحساب أن تمكن طالبي الحساب إما شفهيا أو بواسطة وثيقة ما يفيد مضمون المادة 150 حتى يتسنى لهم سلوك مسطرة إشعار بنك المغرب،  فهذا الأخير يعد أعلى سلطة بنكية ومالية في المغرب له صلاحيات واختصاصات واسعة منها سحب الاعتماد وفرض الغرامات وإيقاف نشاط أي بنك لا يلتزم بالنظم والقوانين الجاري بها العمل.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

خـتــام

إن الحساب البنكي كعقد تجاري لم يعد فقط خدمة تقدمها مؤسسات الإئتمان لزبنائها قصد تكوين سيولة مالية تسمح بعقد قروض ومنح تمويلات والمساهمة في منشآت وإستثمارات، بل تطور به الحال إلى أن أصبح بمثابة حق أساسي لجمهور الزبناء تجارا كانوا أو مدنيين يكفله القانون البنكي الجديد لهم ويعزز احترامه ومراعاة نظامه أكثر بنك المغرب من خلال مجهر رقابته، لذلك كانت خطوة المشرع المغربي في إقرار الحق في الحساب البنكي بادرة حسنة واستباق ناجع في إيجاد معادلة بين سلطة مؤسسات الإئتمان في إحتكار فتح الحسابات البنكية وبين النمط الجديد الذي أخذ يطبع الحياة العامة من ضرورة الإستعانة بآليات الدفع والتحويل البنكيين باستمرار ولا يتأتى ذلك إلا بالتوفر على حساب بنكي مفتوح سلفا.

 

[1] – وقبله من خلال المادة 65 من القانون البنكي لسنة 1993 والمادة 112 من نفس القانون الصادر سنة 2006.

[2] – محمد لفروجي، العقود البنكية بين مدونة التجارة والقانون البنكي، سلسلة الدراسات القانونية، مطبعة النجاح الجديدة، الطبعة الثانية، الدار البيضاء، 2001، ص 24.

[3] – محمد اليونسي، مبدأ الحق في الحساب البنكي بين النظرية والتطبيق في القانون المغربي، مجلة القانون المغربي، العدد 10، مطبعة دار السلام، الرباط، 2006، ص 91.

[4] – نجاة البضراني، محاضرات ألقيت على طلبة كلية الحقوق بالدار البيضاء، مادة القانون البنكي السداسي السادس، 2013/2014.

[5] – نشير في هذا السياق أن القاصر وناقص الأهلية يمكن أن يفتح لهما حساب بنكي مع مراعاة مقتضيات النيابة الشرعية كما وردت في مدونة الأسرة.

[6] – إن اختيارنا لمصطلح البنك على غرار مؤسسات الائتمان نابع من إرادة المشرع المغربي الذي خول البنوك لوحدها حق تلقي الأموال من الجمهور تحت الطلب ولأجل يساوي أو يقل عن سنتين، وذلك انطلاقا من المادة 12 من القانون البنكي الجديد وإن كانت المادة 14 تسمح لشركات التمويل تلقي تلك الأموال لأجل يفوق سنة واحدة.

[7] – مع العلم أن القانون يتشدد في إجراءات فتح الحساب البنكي كالتحقق من هوية الشخص ومصدر أمواله إلخ…

[8] – حسن العفوي، الحساب البنكي، مجلة البحوث، عدد مزدوج 13-12، مطبعة الأمنية الرباط، 2015، ص 250.

[9] – محمد اليونسي، مرجع سابق، ص 89.

[10] – وكل ذلك في نطاق احترام أحكام القانون.

[11] – قرار صادر عن محكمة الاستئناف التجارية بفاس بتاريخ 2/11/89 تحت عدد 125 في الملف 205/98 غير منشور.

[12] – عبد المجيد غميجة، مبدأ الأمن القانوني وضرورة الأمن القضائي، مجلة الملحق القضائي، العدد 42، ص 7.

[13] – محمد الفروجي، مرجع سابق، ص 94.

[14] – محمد اليونسي، مرجع سابق، ص 96.

[15] – محمد الفروجي، مرجع سابق، ص 25.

[16] – محمد اليونسي، مرجع سابق، ص 97.

[17] – يراد بعمليات الصندوق وفق مفهوم هذه المادة إيداع النفود وسحبها بمواسطة شيك وإجراء تحويل…

[18] – حسن العفوي، مرجع سابق، ص 11.

[19] – – نشير أن  من بين الإلتزامات الملقاة على عاتق مؤسسات الإئتمان نجد واجب الإستعلام عن الوضعية المالية لزبنائها قبل الإقدام على عقد عمليات الإئتمان سواء المباشرة أو غير المباشرة.

[20] – محمد الفروجي، مرجع سابق، ص 29.

[21] – حسن العفوي، مرجع سابق، ص 11.

إقرأ أيضاً

التأطير الدستوري لمقتضيات  الوظيفة العمومية على ضوء دستور 2011

التأطير الدستوري لمقتضيات  الوظيفة العمومية على ضوء دستور 2011 الوعبان لرباس  باحث في سلك الدكتوراه …

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *