خصوصيات بعض المهن الحرة بين حق الاطلاع الضريبي وضرورة الحفاظ على السر المهني

خصوصيات بعض المهن الحرة بين حق الاطلاع الضريبي

وضرورة الحفاظ على السر المهني

 

 

زكرياء جواد

باحث بسلك الدكتوراه بجامعة محمد الخامس الرباط

كلية العلوم القانونية والاقتصادية والإجتماعية –سلا-

 

 

 

تملك الإدارة في إطار مساطر المراقبة الضريبية حق الإطلاع وتبادل المعلومات مع الملزمين، حيث يحق لها بموجبه الحصول على جميع المعلومات التي تفيدها في ربط ومراقبة الضرائب، والواجبات المستحقة على الغير، وقد خصص المشرع المغربي لهذه المسطرة مقتضيات المادة 214 من المدونة العامة الضرائب نجده قد أعطى الحق للإدارة الضريبية في أن تطلب من أي إدارة عمومية أو شبه عمومية جميع المعلومات التي تعتقد أنها تفيدها في مراقبة ربط الضريبة الواجبة في حق الملزم كما أن تقديم المعلومات تتم بدون إبداء الرأي ودون إمكانية الاعتراض على ذلك بحجة كتمان السر المهني، مما يحمل على القول بأن هذه المسطرة تكاد تكون استقصائية، وبالتالي قد تحدد حرية المكلفين بالضريبة.

وإذا كان حق الاطلاع يعتبر نوعا من الرقابة التي تلجأ إليها الإدارة الضريبية من اجل الحصول على معلومات من قنوات متعددة تواجه بها الملزم الذي حاول التملص من الالتزام الضريبي والتقليل من

تقدير أساس الضريبة أثناء التصريح، نجدها في المقابل تصطدم أكثر بالاكراهات المرتبطة بممارسة بعض المهن الحرة الذي يفترض فيها التمسك بالسر المهني.

ومما لا شك فيه أن ممارسة الإدارة لسلطاتها في حق الاطلاع يمكن أن تمس بأسرار تحميها قوانين منظمة لبعض المهن، مما قد يمس أصحابها في حقوقهم الفردية وسمعتهم الشخصية  وبالتالي قد ينعكس ذلك على وضعية مؤسستهم التجارية وعلى علاقتهم بزبنائهم كذلك.

وتكمن الصعوبة في هذا المجال في كون المشرع لم يعطي تعريفا دقيقا لمفهوم السر المهني، لكون هذا الأخير ذو مفاهيم متعددة، سر الأعمال، السر الضريبي، السر الإداري… الخ.

وجاء في المادة 214 من المدونة العامة للضرائب ” غير أن حق الاطلاع لا يمكن أن يشمل مجموع الملفات فيما يتعلق بالمهن الحرة التي تستلزم مزاولتها تقديم خدمات ذات طابع قانوني أو ضريبي أو محاسبي”.

_إلا أن السؤال الذي يطرح نفسه هنا هو، ما هي المهن الحرة التي تستلزم مزاولتها المحافظة على السر المهني والتي تقدم خدمات قانونية أو محاسبية أو ضريبية ؟

_    ما هو السبيل إلى التوفيق بين حق الاطلاع و المحافظة على السر المهني في مثل هذه الحالات ؟

لمحاولة الإجابة عن هذه الأسئلة سوف نحاول التطرق لخصوصية حق الاطلاع لدى بعض المهن الحرة ذات الطابع القانوني (المبحث الأول)، ومدى إمكانية الدفع بالسر المهني تجاه إدارة الضرائب من قبل المهن ذات الطبيعة المالية و المحاسبية (المبحث الثاني).

المبحث الأول: المهن الحرة ذات الطابع القانوني بين حق الاطلاع الضريبي وخصوصية السر المهني.

سوف نتناول في هذا المبحث حق الاطلاع الضريبي لدى بعض المهن الحرة التي تمارس أنشطة طابع قانوني، حيث سنتطرق لمهنة المحاماة بين حق الاطلاع الضريبي وإشكالية السر المهني(المطلب الأول) ثم بعد ذلك لخصوصية حق الاطلاع لدى مهن التوثيق ( المطلب الثاني)  المطلب الأول: مهنة المحاماة بين حق الاطلاع الضريبي وإشكالية السر المهني.

تنص مقتضيات الفقرة الخامسة من المادة 214 من المدونة العامة للضرائب على أن “حق الاطلاع لا يمكن أن يشمل مجموع الملف فيما يتعلق بالمهن الحرة التي تستلزم مزاولتها تقديم خدمات ذات طابع قانوني او ضريبي أو محاسبي”.

وإذا ما أردنا معالجة حق الإدارة الضريبية في الاطلاع لدى المحامون باعتبارهم أصحاب مهن قانونية فإنه تثار أمامنا الأسئلة التالية:

هل المحامون ملزمون بكتمان السر المهني حينما تطالبهم الإدارة الضريبية بمعلومات تخص موكليهم؟

هل يمكن للمحامون الدفع بالسر المهني اتجاه إدارة الضرائب حينما تطالبهم بمعلومات تخصهم وحدهم دون معلومات موكليهم؟

ما هي طبيعة المعلومات الممكن الاطلاع عليها كاستثناء من مجموع الملف حسب الفقرة الخامسة من المادة 214 المشار إليها أعلاه؟

الإجابة عن هذه الأسئلة سنتطرق للمسؤوليات المترتبة عن خرق المحامي للسر المهني (الفرع الأول) ثم خصوصية مهنة المحاماة بين الاطلاع الضريبي والمحافظة على السر المهني (الفرع الثاني).

الفرع الأول: المسؤوليات المترتبة عن خرق المحامي للسر المهني

تنص مقتضيات المادة 446 من القانون الجنائي المغربي على أن ” الأطباء والجراحين وملاحظو الصحة وكذلك الصيادلة والمولدات وكل شخص يعتبر من الأمناء على الأسرار بحكم مهنته، أو وظيفته الدائمة أو المؤقتة إذا أفشى سر أودع إليه وذلك في غير الأحوال التي يجيز له فيها القانون أو يوجب عليه فيها التبليغ عنه يعاقب بالحبس من شهر إلى ستة أشهر وغرامة من ألف ومائتين إلى عشرين ألف درهم.

والملاحظ أن التحديد المشار إليه في الفصل 446 أعلاه بخصوص الطوائف الملزمة بكتمان السر المهني، وارد على سبيل المثال لا الحصر، لان المشرع بعد ذكر الأطباء والجراحين وملاحظو الصحة والصيادلة والمولدات، وأخضع لحكمهم كل شخص يعتبر من الأمناء على الأسرار بحكم مهنتهأو وظيفته  الدائمة أو المؤقتة[1] لذلك فالمحامون يدخلون ضمن الأشخاص الذين يعتبرون من الأمناء على الأسرار بحكم مهنتهم إذ لا يجوز لهم إفشاء الأسرار المودعة لديهم وإلا تعرضوا للعقاب المنصوص عليه في الفصل 446 من القانون الجنائي، لان المعلومات المقدمة للمحامي تكون بطبيعتها سريةأو يفترض فيها ذلك نظرا للعلم بها أثناء مباشرة المهنة، و لان كذلك أسرار الدفاع من الأمور المقدسة الواجبة الاحترام والكتمان من المحامي باعتباره الأمين على المعلومات والوقائع الموجودة بين يديه.

والحقيقة أن الفصل 446 من القانون الجنائي المغربي[2]  يشكل قاعدة عامة يلجأ إليها في حالة عدم وجود نص خاص ينظم المسألة، و الحال أن المشرع المغربي نظم السر المهني للمحامين منذ فجر الاستقلال  واعتبر التشبث بالسر المهني أهم واجبات المحامي، إذ نص في المادة 36 من قانون المحاماة الصادر بظهير 10 شتنبر  1993 على انه، “لا يجوز للمحامي أن يفشي أي شيء يمس بالسر المهني في أيةقضية” وفي حالة خرق احد المحامين لمقتضيات هذه المادة فإنه يتعرض للعقوبات المنصوص عليها في المادة 60 من نفس الظهير[3].

الفرع الثاني: مهنة المحاماة بين حق الاطلاع الضريبي وخصوصية السر المهني

حينما توجه الإدارة الضريبية إلى محامون طلبات كتابية تتضمن رغبتها في الاطلاع على معلومات بمكاتبهم تهم موكليهم، يجدون أنفسهم مخاطبين بترسانة قانونية مترامية الأحكام، حيث تنص مقتضيات المادة 214 من المدونة العامة للضرائب على جواز الاطلاع على المعلومات لدى المحامين باعتبارهم أصحاب مهن قانونية مخاطبة بهذا النص،   في حين تمنع مقتضيات المادة 446 من القانون الجنائيوالمادة 36 من قانون مهنة المحاماة إفشاء الأسرار، وتأسيسا على كل ذلك يجد المحامون أنفسهم بين سندين تشريعيين وهما قيام مسؤوليتهم الجنائية ( الفصل 446 ق.ج) و المهنية ( المادة 60 من قانون مهنة المحاماة) نتيجة إفشاء تلك الأسرار، وقيام مسؤوليتهم الجزائية على مخالفة أحكام حق الاطلاع (المادة 230 من المدونة العامة للضرائب).

إلا أن الحلول القانونية التي تعتمد على ترجيح الأساليب تقتضي تطبيق مبدأ ” الخاص يقيد العام و يسبقه في الحكم” و بالتالي ترجيح خضوع المحامون لمقتضيات قانون المهنة كنص خاص، حيث يمنعون من إفشاء أي شيء يمس السر المهني في أية قضية[4] ولعل هذا هو تصور المشرع المغربي للسر المهني لدى المحامي إذ قرر قواعد خاصة حينما تكون أسرار المهنة معرضة للكشف عنها أثناء إجراءات التفتيش  أوالحجز بمكتبه، حيث أوجبت المادة 59 من قانون المسطرة الجنائية أن يتولى القيام بالتفتيش قاض من قضاة النيابة العامة بحضور نقيب هيئة أو من ينوب عنه، أو بعد إشعاره بأية وسيلة من الوسائل الممكنة[5].

هذه الإجراءات فيها تدعيم لحرمة مكاتب المحاماة ومن خلال سرية المعلومات الخاصة بهذه المكاتب والأشخاص المعنيين بها، و بالتالي فإن السر المهني للمحامي احتفظ  بطابعه المطلق على عكس الأطباء الذين لم يعد بإمكانهم كتمان كل ما يعلمونه عن الحالة الصحية لمرضاهم لان المشرع ألزمهم بالتبليغ عن بعض الحالات التي تخص هؤلاء المرضى[6].

أما بخصوص الوجه الأخر من المعادلة والمتعلق بالطلبات الكتابية الرامية إلى الاطلاع على “السجلات والوثائق التي تفرض مسكها القوانين والأنظمة الجاري بها العمل” الخاصة بالمحامي، فإنه انطلاقا من كون الدفاتر المحاسبية والوثائق المثبتة لها هي التي تخضع للاطلاع كمبدأ وكذلك المادة 56 من قانون المحاماة المتعلقة بحسابات المحامي يتضح أن الاطلاع على دفاتر حسابات المحامي والتحقق من وضعية الودائع لديهم من اختصاص النقيب أو من ينتدبه لذلك من أعضاء مجلس الهيئة يمارسه كلما تطلب الأمرذلك أو عندما يطلب منه الوكيل العام للملك ذلك[7]، حيث يجب على المحامي تقديم دفاتره  ووصولاته للنقيب أو الهيئة القضائية المختصة كما طلب منه ذلك، لذلك فالاطلاع على معلومات محاسبية تخص المحامين شأن يخص النقيب أو الهيئة القضائية، والقول بأن إدارة الضرائب يمكنها الاطلاع على حسابات المحامين قول لا أساس قانوني له، ويخالف مقتضيات المادة 56 من قانون مهنة المحاماة، حيث أن حق الاطلاع على السجلات والوثائق التي تفرض مسكها القوانين الجاري بها العمل يرد عليه استثناء يخص المهن الحرة التي تستلزم المحافظة على السر المهني.

وعليه فإن هذا الاستثناء يتماشى مع مضمون الفصلين 56 و 57 من قانون مهنة المحاماة، مادام المحامي يمارس ويتعاطى مهنة حرة تتطلب مزاولتها المحافظة على السر المهني، كما أن الفقرة الخامسة من المادة 214 من المدونة العامة  للضرائب تعتبر نصا عاما، والفصلين 56 و 57 من قانون     مهنة المحاماة نصوص خاصة وهذه سر حجة على الأولى حفاظا على مبدأ الشرعية وعليه استنادا على

ما ذكر يكون الطلب الموجه للمحامي في إطار المادة 214 مخالفة للنصوص المناقشة يستوجب معه التصريح بعدم مشروعيته[8].

أما بالنسبة للاطلاع على ” العقود و المحررات” فإنها إذا كانت منجزة من قبل المحامي في إطار المادة 30 من قانون المهنة، تكون خاضعة للاطلاع بشرط خضوعها للتسجيل الإجباري وفق مقتضيات المادة 120 من المدونة العامة للضرائب، بينما العقود والمحررات المودعة بين يدي المحامي من قبل موكليه فإنها تخضع للمبدأ العام المنصوص عليه في إطار المادة 446 من القانون الجنائي والمادة 36 من قانون مهنة المحاماة، كذلك ” السجلات و الملفات” فإنها لا تخضع للإطلاع إذا كانت تتضمن بيانات محاسبية، بينما إذا كانت غير مرتبطة بالمحاسبة يمكن أن تخضع للاطلاع الجزئي حسب منطوق الفقرة الخامسة من المادة 214 ” حق الإطلاع لا يمكن أن يشمل مجموع الملف” لكن ما المقصود بالملفات والتسجيلات الممكن الإطلاع عليها لدى المحامون كاستثناء من عمومية حق الإطلاع؟

إن الإدارة الضريبية أعطت تفسيرا لهذه المعلومات التي يمكن أن يتضمنها الملف، وأبدت وجهة نظرها في الموضوع  آمرة أعوانها أن لا يشمل إطلاعهم إلا “معلومات محددة و دقيقة أو وثائق معينة وذات علاقة بالأنشطة التي يمارسها زبنائهم” أي الزبناء الخاضعين للإطلاع، ففيما يخص تعبير” المعلومات المحددة والدقيقة ” فإنها تبقى عبارات غير محددة تخلق الغموض أكثر من التفسير، لأنها لا تشير إلى طبيعة هذه المعلومات الممكن الإطلاع عليها من بين مجموع المعلومات الموجودة في الملف ككل، هل تشمل المحاسبة أم الخدمات المقدمة من المحامون لموكليهم أم طبيعة النزاعات التي يمثلون فيها وكلائهم؟ لذلك فالمعلومات المحددة والدقيقة يمكن أن تشمل بعض العقود التي يحررها المحامون وتكون خاضعة إجباريا للتسجيل، بحيث يمكن للإدارة الضريبية الإطلاع عليها خلال تقديمها من قبل المحامي للتسجيل نيابة عن الأطراف، كما يمكن أن يشمل هذا الاطلاع الجزئي معلومات تخص نوع النزاعات التي يمثل فيها المحامي موكله مادامت هذه المعلومات توجد لدى المحاكم المعروضة عليها النزاعات التي يمثل فيها المحامي موكله، أو المقدمة إليها طلبات الأطراف قصد اقتضاء بعض الحقوق[9]، بينما عبارة “الوثائق المعنية وذات علاقة بالأنشطة التي يمارسها زبنائهم” كتفسير أعطته الإدارة الجبائية لنوع المعلومات الخاضعة للاطلاع، فإنه غير موفق بالنسبة لمهنة المحاماة لان هذه المعلومات ذات علاقة بالأنشطة التي يمارسها زبون المحامي حسب تعبير الإدارة والمراد الإطلاع عليها تقع تحت طائلة السر المهني بالنسبة للمحامي و لو كانت لا ترتبط بالأعمال القضائية بل بالاستشارة أو الإدارة القانونية فقط، لأن هذه المعلومات قد تم الحصول عليها بحكم الوظيفة.

وعليه فإن المحامي حينما يكون مستشارا مثلا لإحدى المقاولات تم إغلاق حساباتها و توصل برسائل من زبناء هذه المقاولة أو من طرف الإدارة لمعرفة المساطر التي لازالت جارية  والأخطار التي تهدد المقاولة، فإنه لا يمكن تقديم هذه المعلومات دون خرق السر المهني[10].

المطلب الثاني: مهن التوثيق بين الاطلاع الضريبي وخصوصية السر المهني

يقوم التوثيق التقليدي والعصري معا على تلقي المعلومات والوقائع الخاصة بموضوع التصرف وتوثيقها في مكان تحرير العقد قصد حفظ حقوق أصحابها، ثم العمل على تسجيلها تلقائيا أو بطلب من الأطراف لكي تكتسب حجية أو نفاذ في مواجهة الغير، وبذلك يحاط علما كل من الموثق والعدل بالمعلومات والوثائق موضوع التصرف أو العقد بصفتهم أصحاب مهن حرة[11] خاصة بالتوثيق.

فمن خلال هذا الاختصاص ذو الطابع التوثيقي والطبيعة القانونية، هل يعتبر الموثقون والعدول ملزمون بالسر المهني على المعلومات والوثائق التي يتلقونها بسبب ممارستهم لمهنة التوثيق؟ وما مدى إمكانية الدفع بالسر المهني تجاه إدارة الضرائب حينما تطالبهم بمعلومات يحوزونها بمناسبة تحرير العقود والإشهاد عليها؟ ثم ما هي المعلومات والوثائق الممكن الإطلاع عليها كاستثناء صريح من عمومية حق الإطلاع حسب مقتضيات المادة 214 من مدونة العامة للضرائب؟

للإجابة على هذه الأسئلة سوف نتطرق لخصوصية الإطلاع لدى مهنة التوثيق العصري (الفرع الأول) ثم لخصوصيته لدى مهنة التوثيق العدلي انطلاقا من قانون خطة العدالة ( الفرع الثاني).

الفرع الأول: مهنة التوثيق بين حق الاطلاع وخصوصية السر المهني

بناء على صفة الموثقين ثم القانون المنظم لهذه المهنة يتضح أنهم ملزمون بكتمان السر المهني تحت طائلة الجزاء المنصوص عليه في الفصل 446 من القانون الجنائي، لأن الموثق يتلقى المعلومات والوقائع موضوع الحماية من الإفشاء بمناسبة ممارسة وظيفته لا بصفته فردا عاديا[12]، كما أن القانون المنظم لمهنة التوثيق لم يحرره من هذا الالتزام، ليبقى الأساس القانوني لهذا الواجب هو النص العام أي الفصل 446 من القانون الجنائي لوجود قانون خاص ينظم هذه المهنة[13].

وبالرجوع إلى القانون الفرنسي في تنظيمه لمهنة التوثيق العصري بإعتباره المصدر التاريخي للقانون المغربي، نجد أن الأمر الصادر بتاريخ 2 نونبر 1945 المنظم لمهنة التوثيق لم يحيل صراحة على المادة 378 من القانون الجنائي الفرنسي المتعلق بجريمة إفشاء السر المهني، إلا أن الرأي قد استقر منذ زمن بعيد على أن الموثق يعد من الأشخاص الملزمين بكتمان السر المهني بسبب وظيفتهم، وذلك استنادا على المادة 23 من القانون 25 فنتوز السنة الحادية عشرة والتي تمنع الموثقين من منح نسخ من المستندات للغير دون موافقة القاضي، إذ لا يمكن تسليم تلك النسخ إلا لصاحب المصلحة أو ورثته أو خلفه، لذلك فالأعمال و التصرفات والعقود (الحالة المدنية الأشخاص-الرهون-الوصايا-الهبات-عقود الزواج………..) لا يمكن لغير الطرفين معرفتها والإطلاع عليها، و هذا الالتزام لا يشمل التصرفات القانونية نفسها (محررات وعقود) بل يمتد إلى الظروف التي أحاطت بتحريرها والمناقشات التي سبقت ذلك وعلى الموثق المحافظة على سريتها وألا تعرض للعقاب المقرر لإفشاء السر المهني[14].

وهكذا فإن الموثقون ملزمون بكتمان السر المهني، لكن هذا الالتزام ليس مطلقا بالنسبة للموثقين، فحينما توجه إدارة الضرائب طلبا كتابيا لهؤلاء تعبر فيها عن رغبتها في الاطلاع على معلومات تخص أصحاب الحقوق الموثقة لديهم، فإنه لا  يمكنهم الدفع بالسر المهني لأن القانون المنظم لمهنة التوثيق لا يلزمه بالكتمان، وهو ما لا يساعدهم قانونا للإستناد على هذا الدفع،  حيث كذلك أن الموثقين يكونون تحت مراقبة وزارة المالية و يكون لهذه الأخيرة حق تفتيشهم[15]، وهو ما يحرم الموثق حتى من استعمال حق الخيار المخول للخاضعين للضريبة كافة بين تقديم المعلومات المطالب الاطلاع عليها كتابة للمفتش، أو إستقباله بمكتبه أو مقره الاجتماعي وتسليمها إليه مقابل وصل[16].

وفي الأخير يجد الموثقون أنفسهم مكرهين على الخضوع لمقتضيات حق الاطلاع وفق الفقرة الخامسة من المادة 214 الخاصة بالاطلاع لدى المهن الحرة، لان الالتزام العام بكتمان السر المهني حسب مقتضيات الفصل 446 من القانون الجنائي تفرغه الإلتزامات الخاصة المنصوص عليها في قانون المهنة من محتواه نظرا للمراقبة المباشرة التي تمارسها وزارة المالية على هؤلاء، وبالتالي يعتبر الإطلاع من قبل الإدارة الضريبية لدى الموثقين من الحالات التي يجوز فيها خرق السر المهني كما هو الشأن بالنسبة للحالة التي يوجب فيها القانون التبليغ بالنسبة لبعض الفئات كالأطباء وكلها حالات خرق مبدأ وهو ما يجعل سلوك الموثق غير مشوب بالصفة الجرمية.

الفرع الثاني: التوثيق العدلي بين حق الإطلاع وخصوصية السر المهني

بناء على صفة العدول يتضح أنهم ملزمون بكتمان السر المهني تحت طائلة الجزاء المنصوص عليه في الفصل 446 من القانون الجنائي، لأن العدل يتلقى المعلومات والوقائع موضوع الحماية من الإفشاء بمناسبة ممارسة وظيفته لا بصفته فردا عاديا كما أن القانون المنظم لخطة العدالة[17] لم يحرره من هذا الإلتزام، ليبقى الأساس القانوني لهذا الواجب هو النص العام أي الفصل 446 من القانون الجنائي لوجود قانون خاص ينظم هذه المهنة، فالعدول شأنهم شأن الموثقين إذ أنهم ملزمون بكتمان السر المهني بناء على مقتضيات قانون المهنة بإعتباره نص خاص يتضمن الالتزام بالحفاظ على أسرار المتعاقدين[18] تحت طائلة العقوبات التأديبية المنصوص عليها في المواد 42 و 43 من القانون المنظم لخطة العدالة.

وبالتالي فبالنسبة للطلبات الكتابية الواردة من الإدارة الضريبية قصد الاطلاع على معلومات توجد بين أيدي العدل، فيمكنه أن يواجهها بالرفض استنادا إلى مقتضيات المادة الثانية من خطة العدالة والتي تلزم العدل بالمحافظة على أسرار المتعاقدين، ما لم تكن تلك المعلومات عامة تهم طبيعة ومضمون التصرف وخاضعة لإجبارية التسجيل لأنه يمكن للأطراف أصحاب الحق في الحماية أن يوكلون لأحد العدليةالمشرفين على التوثيق حسب مقتضيات المادة 17[19]من خطة العدالة القيام بالإجراءات اللازمة أمام إدارة الضرائب بمقتضى تصريح يسجل في كناش التصاريح الخاص بالتوكيل قصد أداء الرسوم.

هذا بالإضافة إلى أن العدول لا يخضعون كما هو الأمر بالنسبة للموثق لمراقبة و تفتيش إدارة الضرائب من خلال وزارة المالية، بل يخضعون لمراقبة وزير العدل والقاضي المكلف بالتوثيق وهو ما يجعل دفوعهم المستندة على مبدأ السر المهني تجاه إدارة الضرائب مؤسسة قانونا ما لم يتم طلب الإطلاع تحت سلطة الأشخاص المؤهلين قانونيا لمراقبتهم[20].

المبحث الثاني: المؤسسات المالية والمهن المحاسبية بين حق الإطلاع وخصوصية السر المهني.

انطلاقا من المادة 214 من المدونة العامة للضرائب التي تنص على أن “حق الإطلاع لا يمكن أن يشمل مجموع الملف فيما يتعلق بالمهن الحرة التي تستلزم مزاولتها تقديم خدمات ذات طابع قانوني أو ضريبي أو محاسبي”، واعتبارا أن مؤسسات الائتمان ومهن الخبرة المحاسبية، يمكن تصنيفها في هذه الخانة مادام المشرع لم يحدد ما المقصود بالمهن التي تقدم خدمات ذات طابع قانوني أو ضريبي أو محاسبي، فإننا سنتناول خصوصية مؤسسات الائتمان-الأبناك-في التشريع المغربي ومدى أحقية دفعها بالحفاظ على السر المهني اتجاه إدارة الضرائب في حالة مطالبتها بالاطلاع على المعلومات الموجودة في حوزتها ( المطلب الأول) وسبل التوفيق بين حق الإطلاع الضريبي والحفاظ على السر المهني لدى مهنة الخبرة المحاسبية انطلاقا من القانون المنظم للمهنة (المطلب الثاني)

المطلب الأول: المؤسسات البنكية بين حق الإطلاع وخصوصية السر المهني

على غرار دراسة حق الإطلاع لدى المهن القانونية سوف نتناول خصوصية ممارسة حق الاطلاع من قبل الإدارة الضريبية لدى مؤسسات الائتمان في إطار القانون البنكي المغربي، وذلك من خلال طرح سؤالين محوريين وهما كالتالي:

*هل مؤسسات الائتمان ملزمة بالسر المهني عن المعلومات التي تتلقاها بحكم وظيفتها؟

*هل يمكن لمؤسسات الائتمان الدفع بالسر المهني اتجاه إدارة الضرائب حينما تطالبها هذه الأخيرة بالاطلاع على معلومات تهم عملاءها؟

الفرع الأول: التطور القانوني للسر المهني البنكي في التشريع المغربي

لقد كان البنك عند بداية نشأته لا يخضع لأي تنظيم رسمي، ولم يكن سوى تاجر لا يظهر بمظهر ذو صفة عامة، وكان اللجوء إليه اختياريا، والإلتزام الذي كان يربط المصير في العميل تحكمه قواعد المسؤولية المدنية، وأي إخلال بالتزاماته وبدون مبرر يلزمه بتعويض مدني للعملاء عن ما لحقهم من أضرار.

 

ونظرا للدور الذي أصبحت تؤديه البنوك في حياة الأشخاص والمشاريع، فإنه أصبح بإمكانها التعرف على أسماء العملاء/ و مقدار حساباتهم، وأسماء الموردين والمستفيدين من الشيكات والكمبيالات، وطبيعة الصفقات، وكمية البضائع المشتراة، ونتيجة لهذا التغلغل في أسرار الزبناء كان من الطبيعي أن يلتزم البنك بالمحافظة على سر المهنة، ومن هنا بدأت المهنة البنكية من حيث خضوعها للإلتزام بالسر المهني تدخل في عدد الأمناء على الأسرار بحكم وظيفتهم أو مهنتهم، أو ما اسمته محكمة النقض الفرنسية “الأمناء بالضرورة”

وبالرجوع إلى تطور النشاط والتشريع البنكيين بالمغرب، نجد أول قرار لمدير المالية بتاريخ 31 مارس 1943 لم يوحي بخضوع البنك للالتزام بالسر المهني، نتيجة لعدم تطور هذه المهنة بعد، وكذا اختصار رغبة المعمر الفرنسي في وضع لبنة أولى لتنظيم بنكي بالمغرب فقط[21].

ليصدر بعد ذلك المرسوم الملكي بتاريخ 21 أبريل 1967 متضمنا تلميحات فيما يخص السرية البنكية من خلال فصله 31 الذي نص على أن “جميع أعضاء مجلس القرض والسوق المالية، وأعوان بنك المغرب بكتابته وكذا المكلفين بمراقبة الأبناك بخصوص الأوراق أو في عين المكان.

وبصفة عامة كل شخص يدعي ولو بصفة استثنائية لمساهمة في جميع الأشغال المتعلقة بمراقبة الأبناك والقرض يلزمون حتما بكتمان السر المهني في جميع القضايا التي ينظرون فيها بأي وجه من الوجوه، وإلا طبقت عليهم العقوبات المنصوص عليها في الفصل 446 من القانون الجنائي”[22].

إلا أنه بعد التحولات الاجتماعية والاقتصادية والمالية التي عرفها المغرب في نهاية الثمانينيات وبداية التسعينات صدر الظهير الشريف بمثابة قانون رقم 1-93-147 بتاريخ 6 يوليوز 1993 مقررا الواجب الالتزام بالسر المهني من خلال المادة 107 منه، ليتلوه بعد مدة استجابة للتحولات الاقتصادية كما أن القانون رقم 34.03 بتاريخ 14 فبراير 2006 مقررا كذلك الالتزام بالسر المهني تحت طائلة العقوبة المقررة في الفصل 446 من القانون الجنائي.

وبمقارنة هذه النصوص التشريعية في القانون البنكي المغربي عبر مراحل تطوره مع بعض التشريعات الأخرى يتضح أن المشرع المغربي على غرار التشريع الفرنسي أخضع مؤسسات الائتمان للالتزام بالسر المهني وأحال بشأنه إلى مقتضيات الفصل 446[23]من القانون الجنائي، ولم يضع تنظيما قانونيا مستقلا لهذا الالتزام بل أدرج البنك في عدد الأشخاص المقيدين بالكتمان والوارد  ذكرهم في النصوص الخاصة بإفشاء الأسرار المهنية، وذلك عكس التشريع الايطالي واللبناني والسويسري وكذا المصري الذين خصصوا للسر المهني في المجال البنكي نصوصا مستقلة تقرر عند مخالفة أحكامها جزاء جنائيا أشد من الجزاء المقرر لجريمة إفشاء السر المهني وأخرجت هذا الالتزام من نطاق سر المهنة إلى أحكام خاصة[24].

الفرع الثاني: مدى أحقية المؤسسة البنكية الدفع بالسر المهني اتجاه إدارة الضرائب

وفقا للتنظيم التشريعي الحديث[25] فإن مؤسسات الائتمان حينما تطالبها إدارة الضرائب بالإطلاع على معلومات تحوزها بحكم وظيفتها في مجال الائتمان استنادا على مقتضيات الفقرة الخامسة من المادة 214 من المدونة العامة للضرائب، لا يمكنها الاستجابة لهذا الطلب كيفما كانت المعلومات والوقائع المطلوبة لتمتد هذه الحماية إلى أسماء الزبناء وكل المصالح الأدبية والمالية الموجودة لدى البنك لهؤلاء، ولو كانت علاقة البنك بالعملاء قد انتهت، فكل ما يوجد لدى البنك يعد من قبيل الأسرار التي يجب كتمانها تحث طائلة العقوبة المقررة في المادة 446 من القانون الجنائي.

 

فالمادة 79 من القانون 03-34 تقرر مبدأ الالتزام بكتمان السر المهني من قبل جميع الأشخاص الذين يشاركون بأي وجه من الوجوه في إدارة مؤسسة الائتمان أو تسييرها، أو يكونون مستخدمين لديها، وكل أعضاء المجالس و اللجان المتدخلة في القطاع البنكي، و إجمالا كل من يطلع على هذه معلومات متعلقة بهذه المؤسسات، والنص صريح لان المشرع استهل بداية المادة بهذا الالتزام وأوردها في الفصل الثالث تحت عنوان ” السر المهني” وأخضع لحكمها كل المتدخلين في القطاع البنكي، وكذا المدعوون بمناسبة أية قضية كيفما كانت.

إلا أنه بالرجوع إلى المادة 80 من نفس المادة سرعان ما يتبدد هذا الموقف حيث نصت هذه المادة على انه “زيادة على الحالات المنصوص عليها في القانون لا يجوز الاحتجاج بالسر المهني على بنك المغرب والسلطة القضائية العاملة في إطار المسطرة الجنائية”.

فهل مقتضيات المادة 214 من المدونة العامة للضرائب من الحالات التي لا يجوز بمقتضاها لمؤسسات الائتمان الاحتجاج بالسر المهني على إدارة الضرائب حينما تطالبهم بالاطلاع على معلومات توجد لديها؟

لمعرفة هل المادة 214 في فقرتها الخامسة تدخل ضمن الحالات التي وردت في المادة80 من قانون مؤسسات الائتمان، يجب رصد بعض الحالات الأخرى الممكنة في بعض فروع القانون المغربي،  وتحليل الحالات التي جاءت صريحة في المادة 80 والتي لا يمكن بموجبها الدفع بالسر المهني، ثم المقارنة فيما بين الحالات الأولى والثانية على مشروعية حق إدارة الضرائب في الإطلاع لدى الأبناك وعدم إمكانية الدفع بالسر المهني تجاهها؟

لقد جاءت المادة 80 من القانون 34.03 صريحة في كون البنك لا يمكنه الاحتجاج بالسر المهني على بنك المغرب نظرا للدور الرقابي الذي يتمتع به وباعتباره السلطة الوصية على القطاع البنكي إذ يشرفعلى جميع المؤسسات التي تعمل في المجال المالي والنقدي، وفي هذا الإطار نجد أن بنك المغرب من خلال المادة 53 من قانون مؤسسات الائتمان هو المؤهل لإجراء مراقبة في عين المكان على الوثائق بواسطة مأمورية أو أي شخص ينتدبه لهذا الغرض[26].

والملاحظ من خلال القانون 34.03 أن سلطات بنك المغرب تعززت بالمقارنة مع سلطات وزير المالية وأصبح الجهاز الحصري للمراقبة والإطلاع والحصول على جميع المعلومات من مؤسسات الائتمان دون إمكانية إثارة السر المهني في مواجهته.

بالإضافة إلى ذلك قررت المادة 80 السالفة الذكر أنه لا يمكنه كذلك الاحتجاج بالسر المهني تجاه السلطة القضائية العاملة في إطار مسطرة جنائية، إذ لا يمكن للبنك رفض الشهادة أمام القضاء الجنائي للكشف عن تفاصيل بعض العمليات أيا كانت المصلحة التي يستند عليها هذا الأخير لعدم كشف أسراره كما هو الشأن في جريمة إصدار شيك بدون رصيد، وهذا يتماشى مع ما تنص عليه مقتضيات المادة 118 من قانون المسطرة الجنائية التي أوجبت على كل شخص استدعى قصد الاستماع إلى شهادته بأن يحضر للشهادة ويؤدي اليمين عند الاقتضاء، وإلا فستجرى عليه العقوبات المقررة في القانون، ومن جهة ثانية لا يجدي البنك شيئا امتناعه من أداء الشهادة أمام السلطات الزجرية لأن قاضي التحقيق يملك وفق المادة 80 من قانون المسطرة الجنائية إجراءات التفتيش لدى المؤسسات البنكية، و كذا حجز كل وثيقة أو سند يظهر أنه يساعد في القضية مع مراعاة ما تنص عليه المادة 103 من نفس القانون بخصوص التفتيش في أماكن يشغلها شخص يلزمه القانون بكتمان السر المهني[27].

إذن هذه الحالات يمكن للأبناك أن تخرق فيها الالتزام بالسر المهني المقرر في المادة 79 من القانون البنكي و المقارنة بينهما توضح أن الدوافع التي جعلت المشرع يعفي الابناك من الالتزام بالسر المهني تكمن في:

  • فض النزاعات إذا كانت الابناك كطرف في الدعوى
  • الاستعلام بين بنك المغرب وباقي مؤسسات الائتمان باعتباره الرقيب الحصري لها

–   الهاجس الأمني المتعلق بمكافحة الظواهر المخلة بالأمن المالي والقانوني

والملاحظ من خلال هذه الحالات المعتبرة كإستثناء للخروج على مبدأ الإلتزام بالسر المهني بالنسبة للأبناك أنها تهم مصالح مقررة لفائدة البنك نفسه حينما يكون طرفا في الدعوى، ومصالح مقررة لتحقيق المصلحة العامة في المجال الأمني نظرا للأدوار التي أصبح يلعبها البنك في مجال الائتمان، ولعل هذه الدوافع لا تبدو قريبة من الهواجس التي تؤطر مقتضيات المادة 214 من المدونة العامة للضرائب وذلك لان هاجس الإدارة الضريبية مالي محض وغايته واضحة في الفقرة الأولى من هذه المادة “الحصول على المعلومات التي من شأنها أن تفيدها في ربط ومراقبة الضرائب والواجبات والرسوم المستحقة على الغير”

المطلب الثاني: حق الإطلاع وتبادل المعلومات لدى مهنة الخبرة المحاسبية

من خلال هذا المطلب سنتناول حق الاطلاع وتبادل المعلومات لدى مهنة الخبرة المحاسبية باعتبارها مهنة حرة، يمكن إدراجها ضمن منطوق المادة 214 من المدونة العامة للضرائب، “… غير أن حق الإطلاع لا يمكن أن يشمل مجموع الملفات فيما يتعلق بالمهن الحرة التي تستلزم مزاولتها تقديم خدمات ذات طابع قانوني أو ضريبي أو محاسبي..”

الفرع الأول: المسؤوليات المهنية للخبير المحاسبي في القانون المنظم للمهنة.

تعتبر مهنة الخبرة  المحاسبية من المهن الحرة المنظمة في شكل هيئة للخبراء المحاسبين، حيث يختص الخبير المقيد في جدول الهيئة بمراجعة وتقدير وتنظيم محاسبة المنشآت والهيئات بصورة مستقلة عن تلك الهيئات والمنشآت كما يختص بإثبات صحة وصدق الموازنات وحسابات النتائج والقوائم المحاسبية والمالية، وكذا تسليم أي نوع من أنواع الشهادات التي تتضمن إبداء الرأي حول الحسابات، ثم القيام بمهام مراقب حسابات الشركات[28]، وتتم مزاولة هذه المهنة بصفة مستقلة وفردية، أو في إطار شركة تتكون من خبراء محاسبين، كما يمكن للخبير المحاسب أن يزاول هذه المهنة كأجير بمقتضى عقد عمل بينه وبين خبير محاسب مستقل أو شركة[29].

فمن خلال هذه الاختصاصات والمهام ذات الطابع المالي والمحاسبتي، وكذا التنظيم الذي تمارس من خلاله هذه المهنة بإعتبارها عصب التجارة والتسيير، هل يعتبر الخبراء المحاسبين من الأمناء والملزمون بكتمان السر المهني عن ما يتلقونه من معلومات ووقائع خلال مزاولته وظيفتهم؟ و هل يمكن الدفع بالسر المهني تجاه إدارة الضرائب عندما تطالبهم بمعلومات تهم مجال عملهم؟ سواءا كانوا يؤذونه بصورة مستقلة أو في إطار عقد عمل؟

تنص مقتضيات المادة 4 من القانون 15.89 على أن مزاولة مهنة الخبرة المحاسبية تتم بصورة مستقلة سواء بصفة فردية أو بمقتضى عقد عمل، وصفة الاستقلالية كخاصية ملازمة لمهنة الخبير المحاسبي تفترض فيه كونه أمين على الأسرار المهنية ذات الطابع المحاسبي والمالي، سواء قدمت إليه المعلومات والوقائع من صاحبها أو تم العلم بها صدفة أو بطريقة الحدس أو الخبرة الفنية، وبإعتبار الخبرة المحاسبية ترتبط وتتصل بالأسرار المهنية، والقيام بها يفترض الدراية والعلم بالأصول الفنية والعلمية للمهنة، ثم أن اللجوء إلى الخبرة المحاسبية من طرف العملاء قد يكون اضطراريا استجابة لأمر القانون[30]، كل هذه الإعتبارات تجعل الخبراء المحاسبيين مخاطبين بأحكام الفصل 446 من القانون الجنائي، وكل إفشاء لأسرار ووقائع وصلت إلى علم المحاسب بمناسبة وظيفة يقع تحت طائلة العقاب المنصوص عليه في المادة أعلاه.

الفرع الثاني: سبل التوفيق بين حق الإطلاع الجبائي والسر المهني لدى الخبير المحاسبي.

حينما توجه الإدارة الضريبية طلبا كتابيا تعبر فيه عن رغبتها في الإطلاع لدى المحاسب – كما هو الشأن بالنسبة لطلب معلومات يستند عليها الخبير المحاسب لإقرار صحة الموازنات وحسابات إحدى الشركات التجارية – فإن هذا الأخير يجد نفسه مقيدا بالمبدأ المنصوص عليه في الفصل 446 من القانون الجنائي، بإعتباره من الأمناء على الأسرار بحكم وظيفته، إلا أنه بالرجوع إلى القانون 15.89 المنظم لمهنة الخبراء المحاسبين نجده لا ينص صراحة على التزام الخبير المحاسب بالسر المهني على غرار معظم المهن الحرة وهو ما ينبئ على أن الخبراء المحاسبيين لا يمكنهم رفض الاستجابة لطلبات الإدارة الضريبية قصد الإطلاع على معلومات توجد لديهم، وذلك إستنادا على كون مقتضيات الفصل 446 من القانون الجنائي تضع استثناء على مبدأ الإلتزام بكتمان السر المهني “في الأحوال التي يجيز فيها القانون ذلك”، وتكون بذلك المقتضيات القانونية المؤسسة لحق الاطلاع ( الفصل 214 من المدونة العامة للضرائب) بمثابة إجازة من قانون يستند إليها الخبير المحاسب لخرق السر المهني، و بالتالي تعتبر سببا للتبرير يعفي المحاسب من العقوبة المقررة لإفشاء السر المهني[31].

 

إلا أن هذا التفسير المستند على النصوص القانونية العامة لا يصمد أمام تطور مهنة الخبرة المحاسبية، وكذلك تطور وظيفة مراقبي الحسابات التي أصبحت ذات طبيعة عامة تصب في مصلحة الشركات والتجارة و الاقتصاد الوطني والتنمية داخل المجتمع ككل، بحيث أصبح وضع الخبراء المحاسبين كمراقبي الحسابات مثلا محددا من طرف القانون من حيث التعيين والمسؤولية وأصبحت علاقة الخبرة المحاسبية مع الوسط الذي يشتغل فيه علاقة عضوية، وهو ما جعل المشرع في قانون شركات المساهمة من خلال المادة 117 يفرض على الخبير المحاسب كمراقب للحسابات التقيد بالسر المهني فيما يتعلق بالوقائع والأعمال والمعلومات التي يكون قد اطلع عليها بحكم ممارسة مهامه[32]، وهو ما ينفي إمكانية إفشاء الأسرار للإدارة الضريبية عندما تطالبهم بالاطلاع لأنه سوف يكون معرضا للعقاب النصوص عليه في الفصل 446 من القانون الجنائي[33].

وبالتالي فإن قواعد وأخلاقيات المهنة تفرض على المهني واجبات مهنية وكل خرق لها يرتب المسؤولية إذ قامت العلاقة السببية بين الخطـأ و الضرر مما يؤكد تدخل أخلاقيات المهنة أمام القضاء الجنائي.

 

كما أن تطبيق مقتضيات المادة 446 من القانون الجنائي إذا تم إفشاء أسرار المهنة يرجع في تحديد عناصر هذه الجريمة، لتطبيقها على أحد المهنيين الى قواعد أخلاقيات المهنة من حيث العناصر المكونة لها بالنسبة لكل مهني، وهكذا فإنه يتم تحديد هذه العناصر بالنسبة لكل مهني كالتالي:

  • الإفشاء بالسر إلى الغير و اطلاعه عليه.
  • الظرف المتمثل في أن ما تم إفشاؤه يعتبر سر
  • النية الجرمية، ويكفي إفشاء السر عمديا ولو دون قصد الإضرار”

 

خاتمة

في ختام هذا البحث المتعلق بخصوصيات بعض المهن الحرة بين حق الاطلاع الضريبي وضرورة الحفاظ على السر المهني نجد أن إمكانية حق الإطلاع لدى هذه المهن تختلف حدته بإختلاف القوانين المنظمة لها، بحيث نجد أن القانون المنظم لمهنة المحاماة أكثر صرامة في الأخذ بالسر المهني، بجعله إختصاص الإطلاع على دفاتر الحسابات الممسوكة من طرف المحامي، ومباشرة التفتيش بمكتبه لا يمكن أن يتم إلا بحضور النقيب أو من ينتدبه لذلك.

في حين يعتبر التعامل مع السر المهني لدى مهنة التوثيق أكثر مرونة، لأن القانون المنظم لها يسمح بمراقبة مزدوجة على عملياتهم الحسابية و كذا الأموال المودعة لديهم من طرف الوكيل العام للملك وكذا وزارة المالية.

أما فيما يخص حق الاطلاع لدى مهنة الخبرة المحاسبية فبالرغم من عدم التنصيص على ما يفيد الالتزام بالسر المهني في مقتضيات القانون المنظم للمهنة، إلا أن المشرع في المادة 177 من قانون شركات المساهمة يفرض على الخبير المحاسبي التقيد بالسر المهني تحت طائلة العقاب الجنائي و هو ما ينفي إمكانية إعفائه من إفشاء الأسرار للإدارة الضريبية عند مطالبتها له بذلك في إطار مسطرة الاطلاع وتبادل المعلومات.

وفي ما يخص الاطلاع لدى الابناك فإنه انطلاقا من المادة 80 من القانون المنظم لمؤسسات الائتمان لا يمكن للإدارة الضريبية الاطلاع على معلومات تحوزها بحكم وظيفتها، ويحق لهؤلاء الدفع بالسر المهني اعتمادا على مقتضيات المادة 446 من القانون الجنائي و المادة 79 من القانون الجنائي الخاص بمؤسسات الائتمان.

 

 

-[1] سعيد الفكهاني وآخرون، التعليق على قانون المسطرة المدنية المغربي في ضوء الفقه والقضاء، الجزء الأول، الدار العربية للموسوعات ص 454، أورده أحمد كامل سلامة، الحماية الجنائية لأسرار المهنة-أسرار المهن الحرة- مطبعة جامعة القاهرة، الطبعة الأولى 1958، ص: 107

-[2] محمد المهادي، السر المهني ووسائل الاتصال الحديثة، مجلة المحاكم المغربية، عدد 86، سنة 2001، ص 122

-[3] المادة 60 من قانون المحاماة “العقوبات التأديبية هي “:

  • الإنذار
  • التوبيخ
  • الإيقاف عن ممارسة المهنة لمدة 3 سنوات
  • التشطيب من جدول أو من قائمة التمرين أو سحب الشرفية

ويمكن أن يتضمن المقرر الصادر بالإنذار أو التوبيخ أو الإيقاف عقوبة إضافية لتعليق منطوق، بكتابة الهيئة لمدة معينة”

-[4] الفرع الأول من الباب الرابع الخاص بواجب التشبث بالوقار و السر المهني.

-[5] المادة 52 من قانون المسطرة الجنائية تقول:”إذا كان التفتيش أو الحجز سيجرى بمكتب محام يتولى القيام به قاض من قضاة النيابة العامة بمحضر نقيب المحامين أو من ينوب عنه أو بعد اشعاره بأية وسيلة من الوسائل الممكنة”.

-[6] محمد المهادي، السر المهني ووسائل الاتصال الحديثة، مرجع سابق، ص: 112

-[7] “يقوم النقيب بنفسه أو بواسطة من ينتدبه لذلك من أعضاء مجلس الهيئة بتحقيق حسابات المحامي وبالتحقيق من وضعية الودائع لديهم كلما تطلب الأمر ذلك”

-[8] حكم المحكمة الابتدائية سوق أربعاء الغرب عدد 42/89 بتاريخ 6 فبراير 1989 ملف عدد 88/256، حكم أورده خالد خالص في مقاله السر المهني وإدارة الضرائب المنشور بمجلة المناظر عدد 9 سنة 2004ص:112

-[9] مبارك الركيبي، المراقبة الضريبية وأثارها على تعديل الأساس الضريبي،مطبعة دار النشر المغربية 2002، ص: 38

-[10] خالد خالص، السر المهني و ادارة الضرائبمقال منشور بمجلة المناظر عدد9 سنة 2004، ص: 110

-[11] “التوثيق مهنة حرة تمارس وفق الشروط وحسب الاختصاصات المقررة في هذا القانون وفي النصوص الخاصة” المادة 1 من قانون 09-32 الخاص بتنظيم مهنة التوثيق.

  • “تمارس خطة العدالة بصفتها مهنة حرة حسب الاختصاصات والشروط المقررة في هذا القانون وفي النصوص الخاصة، ويعتبر العدول من مساعدي القضاء” المادة 1 من القانون 03-16 المتعلق بخطة العدالة.

-[12] أحمد كامل سلامة، الحماية الجنائية لاسرار المهنة،مطبعة جامعة القاهرة، الطبعة الأولى 1958، ص291.

-[13] القانون رقم 32.09 يتعلق بتنظيم مهنة التوثيق، الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.11.179 بتاريخ (22 نونبر 2011) المنشور بالجريدة الرسمية عدد 5998 بتاريخ 24 نونبر 2011، ص: 5611.

-[14] احمد كامل سلامة، مرجع سابق، ص: 288

 -[15]المادة 65 من القانون 09.32 “يخضع الموثقون سواء فيما يخص عملياتهم الحسابية أو الأموال والقيم المودعة لديهم أو التي يتولون حساباتها أو فيما يخص صحة عقودهم و عملياتهم و احترامهم للقانون المنظم للمهنة لمراقبة مزدوجة يتولاها الوكيل العام للملك لدى محكمة الاستئناف او من ينوب عنه التي توجد بدائرة نفوذها مكتب الموثق والوزارة المكلفة بالمالية طبقا للنصوص التشريعية والتنظيمية الجاري بها العمل، وتتم هذه المراقبة بحضور رئيس المجلس الجهوي للموثقين أو من ينوب عنه”

-[16] المادة 214 من المدونة العامة للضرائب

-[17] القانون رقم 16.03 يتعلق بخطة العدالة، الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 56.06.1 صادر في 14 فبراير 2006، المنشور بالجريدة الرسمية عدد 5400 بتاريخ 2 ماي 2006، ص: 566

-[18] المادة الثانية من قانون 03-16 المتعلقة بخطة العدالة ” يتعين على كل عدل التحلي بالأمانة و الوقار و الحفاظ على شرف المهنة و أسرار المتعقادين”

-[19] تنص المادة 17 من القانون 16.03 المتعلق بخطة العدالة ” للمتعاقدين الخيار أن يقوموا بأنفسهم بالإجراءات المتعلقة بإدارة التسجيل والتمبر  وإدارة الضرائب والمحافظة العقارية وغيرها، أو ان يكلفوا احد العدلين المتلقيين بالقيام بالإجراءات المذكورة بمقتضى تصريح موقع عليه من الطرفين بكناش يحدد شكله نص تنظيمي”

-[20] تنص المادة 40 من القانون 16.03 المتعلق بخطة العدالة، ” يخضع العدل في مزاولة عمله لمراقبة وزير العدل والقاضي المكلف بالتوثيق، تحدد الإجراءات الخاصة بالمراقبة بنص تنظيمي”

-[21] مبارك الركيبي، المراقبة الضريبية وأثرها على تعديل الاساس الضريبي، مرجع سابق، ص: 51

-[22] ظهير شريف رقم 1.59.413 بالمصادقة على مجموعة القانون الجنائي منشور بالجريدة الرسمية عدد 5397 بتاريخ 20 فبراير 2006

-[23] بنص الفصل 446 من مجموعة القانون الجنائي “الأطباء والجراحون وملاحظو الصحة، وكذلك الصيادلة والمولدات وكل شخص يعتبر من الأمناء على الأسرار، بحكم مهنته أو وظيفته، الدائمة أو المؤقتة، إذا أفشى سرا أودع لديه، و ذلك في غير الأحوال التي يجيز له فيها القانون، أو يوجب عليه فيها التبليغ عنه، يعاقب بالحبس من شهر إلى ستة أشهر وغرامة من ألف ومائتين إلى عشرين ألف درهم…”

-[24] احمد محمد بدوي، جريمة إفشاء الأسرار و الحماية الجنائية للكتمان المصرفي، مطبعة سعد سمك للنشر و الكتاب، بدون تاريخ، ص:146

-[25] تنص المادة 79 من القانون 34.03 المتعلقة بمؤسسات الائتمان”يلتزم بكتمان السر المهني جميع الأشخاص الذين يشاركون بأي وجه من الوجوه في إدارة مؤسسة الائتمان أو تسييرها أو تدبيرها أو يكونون مستخدمين لديها، أو أعضاء المجلس الوطني أللائتمان والادخار ولجنة مؤسسات الائتمان، واللجنة التأديبية لمؤسسات الائتمان، ولجنة التنسيق بين أجهزة الرقابة بالقطاع المالي المشار إليه في المادة 81 أدناه والأشخاص المكلفون ولو بصفة استثنائية بأعمال تتعلق بمراقبة المؤسسات الخاضعة لرقابة بنك المغرب عملا بهذا القانون، وبوجه عام كل شخص يدعى بوجه من الوجوه للاطلاع على المعلومات المتعلقة بالمؤسسات المذكورة أو استغلالها وذلك فيما يتعلق بجميع القضايا التي ينظرون فيها بأي صفة كانت تحت طائلة العقوبات المنصوص عليها في الفصل 446 من القانون الجنائي”

-[26]تنص الفقرة 3 من المادة 58 من القانون 34.03 ” وفي هذا الإطار يؤهل بنك المغرب لإجراء مراقبة في عين المكان ومراقبة على وثائق المؤسسات المشار إليها أعلاه بواسطة مأموريه، أو أي شخص أخر ينتدبه لهذا الغرض”

-[27] المادة 103 من قانون المسطرة الجنائية ” يجب في حالة إجراء التفتيش في أماكن يشغلها شخص يلزمه القانون بكتمان السر المهني ان تتخذ جميع التدابير اللازمة لضمان احترام ذلك السر”.

-[28] المادة الأولى من القانون 89.15 المتعلق بتنظيم مهنة الخبرة المحاسبية وإنشاء هيئة الخبراء المحاسبين الصادر بالجريدة الرسمية عدد 4188 بتاريخ 3 فبراير 1993

-[29] المادة الثانية من نفس القانون

-[30] تنص المادة 159 من القانون 17.95 المتعلق بشركات المساهمة ” يجب ان تتم في كل شركة مساهمة تعيين مراقب او مراقببن للحسابات يعهد اليهم بمهمة مراقبة وتتبع الحسابات وفق الشروط والاهداف المنصوص عليها في هذا القانون “الصادر بتاريخ 19 اكتوبر 2000 بالجريدة الرسمية عدد 4840

-[31] مبارك الركيبي، المراقبة الضريبية وأثرها على تعديل الاساس الضريبي، مرجع سابق، ص:45

-[32] تنص المادة 117 من القانون 17.95 المتعلقة بشركات المساهمة”يتقيد مراقبو الحسابات وكذلك مساعدوهم بالسر المهني فيما يتعلق بالوقائع والاعمال والمعلومات التي يكونون قد اطلعوا عليها بحكم ممارستهم مهامهم”

-[33] تنص الفقرة الثانية من المادة 405 من القانون 95.17 “يطبق الفصل 446 من القانون الجنائي على مراقبي الحسابات”

إقرأ أيضاً

التأطير الدستوري لمقتضيات  الوظيفة العمومية على ضوء دستور 2011

التأطير الدستوري لمقتضيات  الوظيفة العمومية على ضوء دستور 2011 الوعبان لرباس  باحث في سلك الدكتوراه …

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *