حماية المؤشرات الجغرافية من التزييف

حماية المؤشرات الجغرافية من التزييف

Protecting geographical  indications from counterfeiting

      محمد الديب     Mohamed DIB 

دكتوراه في القانون                            

  اطار بالوكالة  القضائية للمملكة               

[email protected]  

ملخص المقال

 إن  تناول موضوع حماية المؤشرات الجغرافية  من التزييف،  يأتي في سياق التعديل  الذي أدخله المشرع المغربي سنة 2014 على قانون الملكية الصناعية،  حينما   إعتبر في المادة 201، أن كل مساس  بحقوق مالك إسم بيان جغرافي  أو تسمية منشأ  يشكل تزييفا.

خاصة وأن دعوى التزييف، تعتبر من أبرز الآليات  التي تتم بها حماية حقوق الملكية الصناعية بصفة عامة، وبما أن المؤشرات الجغرافية  تعتبر حقوق ملكية صناعية كذلك، فكان من غير  الطبيعي  أن  لا تشملها هذه الدعوى، خاصة وأن  الأمر يتعلق بشارات ذات طبيعة خاصة، تقوم على أساس ضمان جودة المنتجات المتأصلة من مناطق جغرافية معينة،  هي التي تعطيها هاته الجودة، إنطلاقا من عوامل طبيعية أو بشرية ، لا تتوفر إلا في تلك المناطق .

لهذا، فإننا تطرقنا من خلال هذا المقال، لنطاق ممارسة  دعوى التزييف بالنسبة للمؤشرات الجغرافية، من خلال  الوقوف عند أفعال الإعتداء التي تشكل  تزييفا للشارة،  وكذا  ممارسة دعوى التزييف، من حيث الصفة في رفعها،  والإثبات، والجزاءات المترتبة عليها، وذلك اعتمادا على الاحكام العامة  لدعوى التزييف  المنظمة في قانون الملكية الصناعية.

Summary
The issue of protecting geographical indications from counterfeiting comes in the context of the amendment introduced by the Moroccan legislator in 2014. Concerning the Industrial Property Law, when it was considered in Article 201, that any prejudice to the rights of the owner of a geographical indication or appellation of origin constitutes a counterfeit.
Especially since the counterfeiting lawsuit is considered one of the most prominent mechanisms by which industrial property rights are protected in general, and since geographical indications are industrial property rights as well, it was not natural that this lawsuit would not include them, especially since the matter relates to signs of a special nature, based on The basis for ensuring the quality of the products that are inherent from certain geographical regions is what they give, based on natural or human factors, that are only available in those regions.

This article illustrates the scope of the practice of counterfeiting lawsuit in relation to geographical indications, by standing at the assault acts that constitute counterfeiting of the emblem, as well as the practice of counterfeiting lawsuit, in terms of its characteristic in filing it, proof, and the resulting penalties, depending on the general provisions For a suit for counterfeiting organized in the Industrial Property Law.

 
الكلمات المفتاح
-        الشارات الجغرافية
-        المؤشرات الجغرافية
-        تسميات المنشأ
-         البيانات الجغرافية
 
 
-      geographical indications
-      appellations of origin
-      geographical signs
 
 
 

تقديم

إن تنمية القطاعات التي تملك فيها الدولة قدرة تنافسية كبيرة، نظرا لخصوصية بعض المنتجات، التي تتجلى في مميزاتها التقليدية ومستوى جودتها، وذلك بغية جعلها قادرة على مواكبة المنافسة الدولية – خاصة في إطار إنفتاح اقتصاديات الدول على بعضها البعض في إطار عولمة الإقتصاد-، وكذا تنميتها إقتصاديا. تتطلب من الدولة أن تعمل على تمييزها والتعريف بها من خلال آليات قانونية محددة.

ومن أبرز هذه الآليات التي إنفتحت عليها الدولة، نجد مؤسسة الشارات الجغرافية، بإعتبارها حقوق ملكية صناعية، إستأثرت بإهتمام المشرع المغربي من خلال التعديلات التي أدخلها على قانون الملكية الصناعية سنة 2006، نظرا للأهمية التي أصبحت تحتلها ضمن إقتصاديات الدول، ويقصد بالشارات الجغرافية، كل من تسميات المنشأ، والبيانات الجغرافية[1]. وهي عبارة عن علامات تستعمل لتمييز المنتجات، إنطلاقا من مصدرها الجغرافي، من منطلق إتسامها بجودة خاصة، أو مميزات حصرية لدى المستهلكين، تجد أساسها في الموقع الجغرافي الذي تنتمي إليه، مما فرض بداهة تمييزها عن غيرها من المنتجات، بشارة تحيل على المنطقة التي أعطتها الطابع المميز، بالنظر لمجموعة من الخصوصيات الطبيعية، أو البشرية، التي يختص بها عن غيره من المواقع الأخرى، فتشكل، من ثم، أداة للإعتراف بخصوصية منتجات موجودة، تكرست في السوق إنطلاقا من موقعها الجغرافي، فإكتسبت شهرة وسمعة جيدة في أوساط المستهلكين.

ولقد تطرق المشرع المغربي لهذه الشارات ضمن قانون الملكية الصناعية وخصص لها المواد من 180 إلى 183 وكذا المادة 231. بالإضافة القانون رقم 25.06 المتعلق بالعلامات المميزة للمنشأ والجودة للمواد الغذائية والمنتجات الفلاحية والبحرية، رغم كونه يتعلق بنوع محدد من المنتجات دون غيره[2].

وبالنظر للأهمية الكبيرة  التي تحتلها الشارات الجغرافية  من خلال مساهمتها في التنمية الإجتماعية  للمناطق المعنية بها، خاصة عندما يتعلق الأمر بالنائية والمهمشة  منها، حيث تضمن  إستقرار سكانها  عن طريق توفير  نشاط  اقتصادي يضمن لها دخلا محترما. ولما تشكله كذلك  من الناحية الاقتصادية  من خلال منح  قيمة مضافة  للمنتجات المعنية بها، مما يضمن لها تسويقا أفضل بالمقارنة مع المنتجات الأخرى، وقدرة تنافسية كبيرة تنعكس إيجابا  على الإقتصاد الوطني ككل. أثير موضوع  حماية هذه الشارات من الإعتداء  عليها خاصة من خلال دعوى التزييف، بإعتبارها الآلية الأساسية لحماية حقوق الملكية الصناعية، خاصة وأن  نطاقها لم يكن يشمل هذه الشارات إلا بعد التعديل الذي أدخله المشرع على قانون الملكية الصناعية سنة 2014، وذلك لتجاوز القصور الذي  كان يثيره موضوع تزييف هذه الشارات، في ظل قصور القواعد العامة للمسؤولية على ضمان حماية فعالة لها، الأمر الذي كان يؤدي إلى الإستعانة ببعض الآليات  الأخرى من أجل حماية هذا النوع من المنتجات،[3].

فمن هذا المنطلق نتساءل عن إلى أي حد إستطاع المشرع توفير الحماية اللازمة للمؤشرات الجغرافية عن طريق دعوى التزييف؟.

تلكم هي الإشكالية التي سنعمل على الإجابة عنها وفق مقاربة تحليلية تروم الوقوف عند نطاق اللجوء لدعوى تزييف المؤشرات الجغرافية، وخاصة إجراءات ممارستها بالنظر لخصوصية هذه الشارات المتجلية في ضمان جودة المنتجات التي تميزها، إنطلاقا من مصدرها الجغرافي الذي تنتمي إليه. خاصة وأنه بالرجوع للمقتضيات القانونية المؤطرة للشارات الجغرافية نجدها لا تتطرق لدعوى التزيف، إذا إستثنينا نص المادة 201 ق م ص التي إعتبرت أن كل مساس  بحقوق مالك إسم بيان جغرافي  أو تسمية منشأ  يشكل تزييفا.

وهكذا إن تناولنا لأحكام التزييف سيعتمد الأحكام العامة المنظمة لتزييف العلامات التجارية، نظرا لغياب مقتضيات خاصة بالشارات الجغرافية وذلك وفق ما يلي:

المبحث الأول: الأفعال التي تشكل إعتداء على المؤشرات الجغرافية

إنطلاقا من المقتضيات القانونية المنظمة للشارات الجغرافية، نجد أن المشرع المغربي، لم يتطرق بصفة صريحة لأفعال الإعتداء التي تعد تزيفا، كما فعل بالنسبة للإعتداء على العلامات التجارية.

وهذا المنطق الذي تعامل به المشرع على هذا المستوى يجد أساسه في إعتقادنا، في كونه إنطلق في تصوره للحق في الحماية، من المفهوم العام للشارات الجغرافية بإعتبارها شارة مميزة، وإعتبر أن الأفعال التي تشكل تزييفا للعلامة العادية هي بدورها كفيلة بضمان الحماية للشارات الجغرافية، من منطلق أن هذه الأفعال لا تختلف عن الأفعال التي تشكل تزييفا بصفة عامة حسب مدلول المادة 201 من ق م ص، لكونها تصب في نفس الغاية، وهي المساس بحق الإستئثار بالإستغلال.

 وبالرغم من كون أفعال التزييف تبقى نفسها، إلا أن خصوصية هذه المؤسسة بإعتبارها شارة تجسد تميز المنتجات بمستوى جودة معين، وأن حق الإستئثار بالإستغلال هو حق جماعي مخول للمستفيدين من الشارة وليس للمالك، تقتضي منا التطرق لهذه الأفعال من منطلق خصوصية الشارات الجغرافية. وذلك وفق النهج الذي سلكه المشرع في تحديدها، من خلال تصنيفها لأفعال تعتبر تزييفا لمجرد القيام بها ( المطلب الأول)، وأفعال تعتبر تزييفا لقيامها على عوامل لا ترتبط بالشارة ( المطلب الثاني).

المطلب الأول: أفعال الإعتداء التي تعتبر تزييفا بحد ذاتها

المقصود بها تلك التي تمس بأصل وظيفة الشارة الجغرافية بإعتبارها شارة بمفهومها العام والتي يعتد بها لذاتها ودون إقترانها بالأثر الذي تحدثه عند الغير. والتي نصت عليها المادة 154 من ق م ص م. وذلك في نطاق ورودها على منتجات مماثلة لتلك التي تحمل العلامة المجسدة للشارة الجغرافية.[4] وتتجلى في:

أولا: إستنساخ الشارة الجغرافية

يعتبر فعل الإستنساخ الصورة الأكثر شيوعا في الواقع العملي من بين الأفعال المشكلة للتزييف بصفة عامة، و يقصد به إعتماد شارة بمواصفات مطابقة للشارة المسجلة، بحيث نكون أمام استنساخ طبقا للأصل يكتفي فيه المزيف بإستغلال الشارة الجغرافية كما هي، عن طريق إستعمال الشارة المماثلة لها على منتجات مماثلة بقصد الإيهام بأنها تنتمي لنفس المجال الجغرافي الذي تحدده الشارة الجغرافية، الذي من خلاله تأخذ مستوى جودتها، بدون خضوعه لمسطرة الإعتراف التي يحددها مالكها، فيشكل في هذه الحالة استنساخا كليا، إلا أنه يمكن أن يكون جزئيا، وذلك بإعتماد الغير للشارة الجغرافية مع إدخال بعض التغييرات عليها لا تثير أي إنتباه في بادئ الأمر، إلا أنه بإمعان النظر فيها تظهر تلك الفروق الطفيفة والبسيطة التي تجعل الإستنساخ يتميز عن التقليد، الذي يقوم على إتخاذ شارة مغايرة من حيث عناصرها الأساسية إلا أنها تبقى مع ذلك مشابهة للشارة الجغرافية على نحو يحدث الإلتباس لدى الجمهور[5].

وإذا كان إستنساخ العلامة العادية لا يثير أي صعوبة في تحديده، من منطلق  أنها علامات فردية تخص منتجا بعينه، بحيث يسهل القول بتزييف العلامة عن طريق إستنساخها، لكون المنافس الأخر إستعملها لتمييز منتجه، فإنه على العكس من ذلك بالنسبة للشارات الجغرافية بإعتبارها شارة للجودة المجالية ، ففعل الإعتداء عن طريق الإستنساخ قد يتخذ مجموعة من الصور تتجلى فيما يلي:

  1. : إستنساخ الشارة الجغرافية بإستعمالها دون سلوك مسطرة  الإعتراف والإعتماد

تتحقق هذه الصورة من فعل الإستنساخ، من خلال قيام مجموعة من المتنافسين بإستعمال العلامة المجسدة للشارة الجغرافية، على منتجاتهم، دون إذن المالك، المتجلي في سلوك مسطرة المصادقة على منتجاتهم ، ما دام أن الشارة الجغرافية تقوم على حق الإستغلال الجماعي  وفق ما يحدده دفتر تحملها، من خلال الشروط المتطلبة في المستفيد من الإستغلال.

 فإستغلال الشارة دون سلوك المسطرة التي ينص عليها دفتر التحملات يعتبر إستنساخا لها يشكل فعل تزييف، ونفس الحكم يسري على الشخص الذي تقدم بطلب إستغلال الشارة إلا أنه لم يستوفي الشروط المتطلبة في نظامها.

  • : إعتماد نفس الشارة من طرف هيئة أخرى

إن المقصود بالإستنساخ في هذه الحالة، هو قيام شخص طبيعي أو معنوي بإعتماد نفس العلامة المجسدة للشارة الجغرافية لإرساء شارة خاصة به، ويتحقق الإستنساخ هنا بمجرد إعتماد الشارة الجغرافية في حد ذاتها، وليس العبرة في إعتماد نفس دفتر التحملات التي تعتمده، على إعتبار أن مفهوم التمييز يرتبط بالشارة وليس بنظامها، الذي يقتصر على تحديد المميزات والخصائص التي يجب أن تتوفر في المنتج حتى يتصف بطابع الجودة.

ثانيا : وضع الشارة الجغرافية من قبل غير مالكها[6]

إن وظيفة علامة الشارة الجغرافية كتقنية تروم الرفع من تنافسية بعض المنتجات الوطنية، تجعلها محط إهتمام من قبل باقي المتنافسين[7] داخل السوق، مما قد يدفعهم إلى السعي للإستفادة منها بأوجه مختلفة في تسويق منتجاتهم، وهو ما يتحقق في صورة وضع الشارة من قبل غير مالكها التي تطرقت لها المادة 154 من ق م ص.

والمقصود بالغير هنا، كل شخص بإستثناء المستعملين الذين تم منحهم حق إستعمال الشارة الجغرافية،  والمنتمين للمجال الجغرافي الذي تحدده  وذلك وفق نظام دفتر التحملات.

وهذه الحالة تفترض أن يستعمل المزيف وسائل تعبئة من قبيل صناديق أو قنينات… تحمل شارة جغرافية  أصلية لتعبئة منتجات يكون الغالب فيها أنها لم تخضع للإعتماد من طرف مالك الشارة.

ثالثا : إستعمال الشارة الجغرافية

كما سبقت الإشارة إلى ذلك، فإن إستغلال الشارة الجغرافية وإن كان يتميز بصفة الإستغلال الجماعي، إلا أن المستفيدين منه هم أشخاص محددون فيمن خولهم مالكها حق إستعمالها والمنتمين للمجال الجغرافي المعين بموجب الشارة، من خلال إنضباطهم لمقومات دفتر التحملات وفق ما تم تحديده من خلال تفعيل هذه المؤسسة، الأمر الذي يفرض أن أي استعمال للشارة خارج ضوابط نظام إستعمالها يعد اعتداء عليها.

ذلك أن استعمال الشارة بدون إذن مالكها، يعتبر في حد ذاته تزييفا حتى وإن لم يقترن بإستنساخها، حيث في هذه الحالة لا يأتي الإستعمال في شكل وضع الشارة على المنتجات ، وإنما من خلال الإدعاء أو تضليل الغير بشأن الاستفادة من الحق في استعمالها.

ويعتبر من أهم صور هذه الحالة إستعمال الشارة الجغرافية  في الإشهار من أجل الدعاية لمنتج لا يملك صاحبه حق الإستغلال، بهدف تضليل الجمهور، بما في ذلك عن طريق المنشورات والملصقات والإعلانات الإذاعية والتلفزية، أو استعمالها في الواجهة أو كعلامة جذب[8]وذلك للإستفادة من وظيفتها في ضمان الجودة.

رابعا: حذف أو تغيير الشارة الجغرافية

إن حذف الشارة الجغرافية يقصد به إزالة الشارة عن المنتج بدون إذن مالكها، وذلك بغية إخفاء معالمها[9].

وإذا كان هذا الفعل يتنافى وطبيعة هذه الشارات، بالنظر لخصوصية وظيفتها التي تشجع على الإستفادة منها، فلماذا سيقبل المنافس على حذف الشارة فقط إلا إذا كان يهدف حرمان صاحبها من الإمتياز الذي يوفره له إستعمالها، حيث إن الإعتداء هنا يرتبط بحق المستغل وليس حق المالك في نظرنا.

فإنه على العكس من ذلك بالنسبة لتغيير الشارة، التي يمكن أن تشكل تزييفا، هذا الأخير الذي يتحقق إرتباطا بفعل حذف الشارة.

حيث يتصور حذف الشارة الجغرافية من قبل منافس لإستبدالها مثلا بشارة مغايرة ، فيأتي المنافس ويقتني المنتجات الحاملة للشارة الجغرافية ويحذفها من على تلك المنتجات، و يستبدلها بشارة أخرى، ويعيد طرحها في السوق، أو يأتي تاجر يسوق المنتجات الحاملة للشارة الجغرافية فيغير هذه الأخيرة بأخرى، يرى فيها عاملا أفضل للتسويق.

فتغيير الشارة الجغرافية على هذه الشاكلة يعتبر فعل إعتداء على الشارة ويشكل تزييفا لها، سواء تعلق الأمر بتغيير الشارة في ذاتها أو تغيير المنتج.

المطلب الثاني: الأفعال التي تعتبر تزييفا لإعتمادها على عوامل غير مرتبطة بالشارة ذاتها

خلافا للأفعال التي تشكل إعتداء على الشارة الجغرافية بتزييفها في حد ذاتها ودون إقترانها بعنصر أخر، والتي سبق أن تطرقنا لها أعلاه، فإن المادة 155 من ق م ص تطرقت لمجموعة من الأفعال وإعتبرتها تزييفا لتعلقها بمنتجات مشابهة أو مماثلة لتلك التي  تعينها العلامة الأصلية.

وعليه سيتم التطرق للأفعال المعتبرة تزيفا لإرتباطها بإرادة مرتكبها المتمثلة في سوء نيته والتي تطرق لها المشرع في المواد 225 و 226 من ق م ص، ( ثانيا)، ولتلك التي ترتبط بإحداث اللبس (أولا).

أولا : إرتباط التزييف بإحتمال إحداث اللبس

إن إحداث اللبس في ذهن الجمهور يعتد به في إعتبار أفعال التعدي على الشارة الجغرافية تزييفا لها، في إحدى الحالتين التاليتين:

1: ارتباط أفعال التعدي بمنتجات مشابهة

إن تكريس الحق في حماية الشارة الجغرافية، أدى إلى إرساء معالمه ليشمل أيضا المنتجات المشابهة لتلك التي سجلت الشارة بالنسبة لها. إلا أن هذا الأمر ظل مرتبطا بتحقق عنصر خارجي يتمثل في ضرورة حصول اللبس في ذهن الجمهور، على عكس المنتجات المماثلة الذي يعتبر الإعتداء عليها في حد ذاته تزييفا.

 والمنطق من وراء مد الحماية التي تتمتع بها الشارة الجغرافية للمنتجات المشابهة، هو تفادي وجود ثغرات في نظام الحماية، يؤدي إلى إمكانية إستغلال شهرة وصيت الشارة، وكذا وظيفتها في ضمان الجودة.

 والأفعال التي يمكن أن تشكل تزييفا على هذا المستوى هي نفسها الأفعال التي سبق أن أشرنا إليها أعلاه وذلك حسب المادة 155 من (ق م ص)، إلا أنه هنا لإعتبارها تزييفا للشارة الجغرافية لابد من توافر شرطين أساسيين وهما:

  • تعلق الأمر بمنتجات مشابهة للتي سجلت بالنسبة للشارة الجغرافية.
  • احتمال حدوث التباس لدى الجمهور بينهما.

ويذهب القضاء الفرنسي[10] إلى أن المعيار في تحديد تشابه المنتجات ، يتحدد إذا أرجعها الجمهور إلى مصدر واحد عند حمله لنفس الشارة، وهي تعتبر كذلك إذا كان يمكن لبعضها أن يعوض البعض الآخر، أو كانت تتشابه من حيث طبيعتها، أو كان بعضها يتفرع من بعض أو يكمل الآخر سواء من حيث طبيعتها أو وجهة إستعمالها، وطريقة صنعها أو تسويقها.

وتجدر الإشارة أن تقدير إحتمال حدوث الإلتباس يتم إنطلاقا من معيار الزبون العادي متوسط الذكاء والفطنة[11].

2: تقليد الشارة الجغرافية

لقد نصت على هذه الحالة المادة 155من قانون الملكية الصناعية، حينما ذهبت إلا أنه يمنع تقليد علامة في ما يخص المنتجات أو الخدمات المماثلة أو المشابهة لما يشمله التسجيل إذ كان في ذلك ما يحدث التباسا لدى الجمهور.

والتقليد هنا يتحقق عندما يتم توظيف العناصر الأساسية للشارة الجغرافية المسجلة، لتشكيل شارة مغايرة تتشابه مع الأولى، على نحو يؤدي إلى خلق الإلتباس في ذهن الجمهور بينهما.

ويجب لإعتبار التقليد تزييفا أن يتم في بادئ الأمر محاكاة الشارة الجغرافية، وأن يكون من شأن ذلك إحداث لبس في ذهن الجمهور.

  أ- محاكاة الشارة الجغرافية

يجب لقيام التقليد بداية، أن تكون هناك محاكاة لشارة جغرافية مسجلة، بإعتماد شارة مقاربة تشبهها لتضليل الجمهور، كإتخاذ علامة عادية تقتبس من الشارة الجغرافية، أو الإدعاء بوجود مسطرة الاعتراف والإعتماد من خلال وضع شارة تشبه الشارة المحمية على منتج مماثل أو مشابه لما تميزه الشارة الجغرافية.

 ويتم تقدير قيام التقليد الواقع على الشارة، إنطلاقا من أوجه التشابه بينها وبين العلامة المدعى أنها مقلدة وليس بناء على أوجه الإختلاف، وهذا الأمر يفترض إجراء مقارنة بين العلامتين، إنطلاقا من تحديد العناصر الأساسية للشارة الجغرافية التي تضفي عليها الطابع المميز، وبعد ذلك البحث عن العناصر المشابهة لها في العلامة المقلدة، وذلك بناء على نظرة شمولية للعلامتين، وعدم الإقتصار على المقارنة الجزئية التي تقف على عناصر بعينها.

ب- حصول الإلتباس لدى الجمهور

إنطلاقا من أننا في حالة التقليد، نكون أمام علامة مغايرة للشارة الجغرافية الأصلية، فإنه لا يمكن القول بإحتمال الخلط بينهما، إلا متى كان التقارب الموجود بينهما من شأنه أن يحدث إلتباسا لدى الجهور.

من هنا نجد أن المشرع المغربي صنف فعل التقليد ضمن الأفعال التي تستوجب حدوث اللبس في ذهن الجمهور[12]، حتى يتم القول بأننا أمام إعتداء على شارة جغرافية. وذلك بخلاف باقي الأفعال الأخرى وخاصة المشار إليها في المادة 154 (ق م ص)[13].

ففعل التقليد، يرتبط ارتباطا وثيقا بإحتمال حصول إلتباس في ذهن الجمهور، فالتقليد لا يقوم إلا مع وجود الإحتمال والعكس صحيح وتقديره مسألة واقع تخضع للسلطة التقديرية لقضاء الموضوع، وذلك من خلال المقارنة بين العلامتين.

ثانيا: أفعال تزييف يشترط فيها سوء نية المزيف

إن الأفعال التي ترتبط بسوء نية المزيف، جاء التنصيص عليها، في حقيقة الأمر، من أجل ضمان فعالية أكبر لحماية الشارة الجغرافية، حتى لا يجري تزييفها لأجل الإستفادة مما تحققه من ضمان لجودة المنتجات، وذلك لأجل الحد من الأفعال التي تساهم في إنتشار الشارات المزيفة، وهو ما تجلى من خلال، منع  حيازة أو بيع أو عرض بيع أو تصدير أو استيراد  منتجات تحمل شارة جغرافية مزيفة متى إقترن ذلك بسوء النية.

  1. : حيازة منتجات تحمل شارة جغرافية مزيفة لأغراض تجارية

إن حيازة منتجات تحمل شارة جغرافية مزيفة، يعتبر فعل تزييف مستقل عن الفعل الأصلي للتزييف.

  • : البيع وعرض البيع لمنتج يحمل شارة مزيفة

إن مستوى الثقة الذي تحققه الشارة الجغرافية، من خلال كونها ترتكز على ضوابط محددة تساهم في ضمان جودة المنتج ، يجعل المتنافسين داخل السوق في سعي متواصل للإستفادة من دلالاتها من خلال تسويق منتجاتهم من خلالها، وللحد من هذه الظاهرة  يعتبر بيع منتجات تحمل شارة مزيفة، أو عرضها للبيع، يعتبر في حد ذاته تزييفا للشارة. والبيع المقصود هنا، هو البيع بمعناه الضيق، والمتمثل في نقل ملكية شيء أو حق بمقابل نقدي. وبالتالي فإن التصرفات التي لا تدخل في مفهوم البيع لا تعتبر تزييفا.

 أما بالنسبة لعرض البيع فتدخل ضمنه كل عملية من شأنها أن تؤدي إلى عرض المنتج على الزبائن، سواء من خلال  العرض المادي له، أو توزيع منشورات بيانية عنه، أو الدعاية له.

  • : الاستيراد أوالتصدير لمنتج يحمل شارة مزيفة

إن الحيلولة دون إنتشار المنتجات غير المتوفرة على المواصفات التي تتطلبها الشارة الجغرافية، أدت إلى حد إعتبار الإستيراد والتصدير من طرف جهة تعلم أن المنتج يحمل شارة مزيفة فعل تزييف بحد ذاته،[14].

وفعل الإستيراد المعتبر تزييفا للشارة الجغرافية، يتخذ إحدى الصورتين التاليتين:

ـ إستيراد منتجات تحمل شارة مستنسخة أو مقلدة، ويجب ليتحقق التزييف في هذه الحالة، أن تكون الشارة إما مسجلة في المغرب، أو تتمتع بالحماية فيه من خلال آلية الإيداع الدولي.

ـ إستيراد الشارة بغية إستغلالها في تسويق منتجات في المغرب.

وفعل الإستيراد يعتبر فعل تزييف بغض النظر عن حصول تسويق المنتج الحامل للشارة المزيفة أم لم يحصل ذلك، فهو فعل مستقل عن باقي الأفعال الأخرى التي قد ترتبط به من حيازة أو بيع أو غيرها.

أما التصدير، وإن كان يرتبط بكون الشارة إما أن تكون مسجلة في المغرب أو تتمتع بحماية دولية فيه، إلا انه ينصب على منتجات إما تم صنعها في المغرب أو تمر عبر المغرب.

 فهي إما أن تكون مصنعة في المغرب بغرض تصديرها للخارج، فيعمد المزيف إلى إضافة شارة مستنسخة أو مقلدة للإستفادة من سمعتها في تسويق هذه المنتجات، فيقوم المصدر، رغم علمه بكون تلك المنتجات تحمل شارة مزيفة، بالعمل على تصديرها نحو الخارج.

وإما أن تكون هذه المنتجات غير مصنعة في المغرب، وإنما دخلت إليه من دولة قصد تصديرها لدولة أخرى، كأن تعمد مقاولة متخصصة في التصدير إلى جلب بعض المنتجات من دول أخرى أو تكون وسيطا في عملية التصدير، وتقوم بتصديرها للخارج بالرغم من علمها بكونها تحمل شارة مزيفة.

المبحث الثاني: دعوى تزييف الشارات الجغرافية

إن دعوى التزييف، تعد من أبرز الآليات التي نظمها القانون من أجل حماية سائر حقوق الملكية الصناعية، فنظامها يمكن إعتباره موحدا بالنسبة لكافة حقوق الملكية الصناعية  من الناحية المسطرية.

فمن هذا المنطلق تعامل المشرع مع تزييف  الشارة الجغرافية، من منطق كونها حق من حقوق الملكية الصناعية، ولم يعطيها أية خصوصية على هذا المستوى، بالرغم من كون الأمر يتعلق بشارة خاصة، لا ترتبط بمالكها الذي يبقى غير مستغل لها، مما يستتبع التساؤل عن طبيعة الضرر الذي يلحقه من جراء تزييف شارته،  وكيف يمكنه إثباته، ووفق أي آليات؟.

وتبعا لذلك فإن تناولنا لدعوى تزييف الشارات الجغرافية، وإن كان سينطلق من القواعد العامة لهذه الدعوى، إلا أننا سنعمل على التطرق للخصوصيات التي قد تثيرها، إنطلاقا من أننا أمام نوع خاص من العلامات، لا ترتبط بذاتية المنتج وإنما تجسد الإعتراف به اعتمادا على دفتر تحملات به تبرز مميزاتها وخصائصها انطلاقا من المجال الجغرافي، وذلك بالوقوف عند القواعد المسطرية المنظمة لها (المطلب الأول). والجزاءات المترتبة عليها (المطلب الثاني).

المطلب الأول: القواعد الإجرائية المرتبطة بدعوى تزييف الشارة الجغرافية

إن القواعد الإجرائية لدعوى تزييف الشارة الجغرافية تبقى نفسها القواعد المرتبطة بدعوى تزييف العلامات التجارية بصفة عامة، لهذا فإننا سنتطرق فقط على هذا المستوى لصفة رافع الدعوى، وكذا كيفية إثبات التزييف.

أولا: صاحب الحق في إقامة دعوى تزييف الشارة الجغرافية[15]

تجدر الإشارة في بداية الأمر إلى أن المادة 202 من قانون الملكية الصناعية، التي أعطت صلاحية  إقامة دعوى تزييف للمالك بصفة عامة، نجدها لا تتطرق لمن له حق رفع دعوى التزييف بالنسبة للشارات الجغرافية، فالمشرع وإن كان خول لهذه الأخيرة الإستفادة من دعوى التزييف في المادة 201 إلا أنه  أغفل  التنصيص في المادة 202 عن من له صفة رفعها بالنسبة للشارات الجغرافية، إلا انه بالرغم من ذلك فإننا نذهب إلى تطبيق ال اعتماد مقتضيات المادة 202 حتى بالنسبة للشارات الجغرافية.

وحيث إن الشارات الجغرافية تتميز عن العلامة العادية في إمكانية كون مالكها شخص معنوي، أو هيئة مهنية أو جمعية أو تعاونية، فإن رفع دعوى تزييف يجب أن يتم من طرف ممثل ذلك الشخص.

غير أن السؤال الذي يطرح على هذا المستوى، ما دام أن إستغلال الشارة الجغرافية هو حق جماعي مخول للمستفيدين من إستغلالها، فما هو دورهم في هذه الدعوى خاصة وأن التزييف يهم بالأساس حق الإستئثار بالإستغلال؟

وللإجابة نرى أنه لا يمكن لهؤلاء رفعها لكونهم لا يكتسبون إلا حقا شخصيا تجاه مالك الشارة وليس حقا عينيا عليها، من منطلق الإلتزام الذي يوقعونه ويلتزمون فيه تجاه الجهة المانحة للشارة بإحترام شروط الإستعمال المسطرة في دفتر التحملات، وكذلك لكونهم لا يملكون أي حق استئثاري على الشارة، وهذا ما يتضح من خلال المادة 202 التي تنص على أنه لا يمكن لمن لا يملك حق إستغلال استئثاري رفع دعوى التزييف، وهذا الأمر ينطبق على مستعملي الشارات الجغرافية، إلا أنه يمكن لهؤلاء التدخل في الدعوى من منطلق التعويض عن الضرر الذي أصابهم من جراء التزييف، قياسا على ما تقرره المادة 202/1 و4 بالنسبة للمرخص له بإستغلال العلامة.

وإقتصار رفع دعوى التزييف على المالك، يأتي من منطلق أن هذا الأخير يلتزم بضمان المراقبة الفعلية للشارة الجغرافية، وتتبع كل المنتجات الحاملة لها وضمان إحترام شروطها، حتى تبقى الشارة محافظة على تمييزها وضمانها للجودة، فإلتزام مستعمل الشارة بإحترام شروط الإستعمال يفترض بالمقابل وجود إلتزام على عاتق المالك بتوفير المناخ السليم لإستعمال الشارة وعدم التشويش على مستعمليها.

ويثار التساؤل كذلك على هذا المستوى حول مدى إمكانية النيابة العامة تحريك المتابعة الجنائية تلقائيا؟.

إنه بالرجوع للنصوص المؤطرة للشارة الجغرافية لا نجد أي إحالة صريحة على مدى تدخل النيابة العامة بإستثناء تدخلها التلقائي في رفع الدعوى اعتمادا على الأعمال غير المشروعة المنصوص عليها في المادة 182 ق م ص.

إلا أنه بالوقوف عند الهدف من وراء تخويل النيابة العامة الحق في تحريك الدعوى العمومية بصفة تلقائية، والذي يتجلى في منح السلطات العمومية وتمكينها من وسيلة فعالة للإضطلاع بدورها على مستوى محاربة التزييف بصفة عامة، خاصة مع إستفحال هذه الظاهرة وتأثيرها على إقتصاد الدولة، نعتقد أنه للنيابة العامة صلاحية تحريك المتابعة الجنائية بصفة تلقائية في ما يتعلق بتزييف الشارات الجغرافية، وذلك لما لهذه الأفعال من تأثير على المصلحة العامة للمستهلكين، وللحلول دون غش المستهلك حول جودة المنتجات.

وتقام دعوى التزييف سواء المدنية منها أو الجنائية ضد مرتكبي أفعال التزييف التي تطرقنا لها سابقا، سواء كانوا جماعة أو فرادى حيث يتم متابعتهم إما بناء على دعوى واحدة، أو متابعة كل واحد على حدة[16].

ثانيا: إثبات تزييف الشارة الجغرافية

إن الشارات الجغرافية هي ذات طبيعة خاصة، إذ أنها تجسد ضمان الجودة، وأن الإستفادة من إستغلالها يحكمه نظام إستعمال ، وذلك من خلال ضرورة التقيد بمسطرة إعتماد المنتج .

وعليه فإن إثبات تزييف الشارات الجغرافية وإن كان يبقى على كاهل مالكها، إنطلاقا من مبدأ البينة على من إدعى، فإن الإثبات من حيث وسائله يختلف عن العلامات العادية، من حيث أن مالك الشارة الجغرافية هو من يمنح حق إستغلال علامته للغير، وأنه من المفروض فيه أن يتوفر على جميع البيانات والوثائق التي تثبت صفة المستفيد من إستغلال الشارة، مادام أنه يبقى ملتزما بمراقبته بصفة دورية، وبالتالي يبقى متيسرا عليه إقامة الدليل على أن المزيف ليس له حق استغلال شارته، فإثبات التزييف يستند على الأحقية في الإستغلال ولا يرتبط بالمنتج المزيف. فبالرغم من تعلق الإثبات بواقعة سلبية، تتجلى في  أن المعتدي لا يملك حق الإستعمال، وفي مثل هذه الحالات يكون المدعى عليه هو المطالب بإثبات العكس، لأنه إذ أنه يملك ذلك الحق، يكون عليه أن يثبته، فإننا نعتقد، أن هذا المبدأ يجد أساسه في عدم إستطاعة المدعى عليه كأصل في مثل هذه الحالات إثبات الواقعة، وهو ما لا يتحقق بالنسبة للمالك بإعتباره يملك كل الوثائق التي تثبت كون المزيف ينتمي للمستغلين للعلامة من عدمه، ويبقى من حق هذا الأخير أن يرد دفعه بما يثبت عكس ذلك.

غير أنه في بعض الحالات – خاصة عندما يتعلق الأمر بالتزييف بإستنساخ أو تقليد الشارة الجغرافية- لا يقتصر التزييف على مجرد إثبات حق الإستعمال، وإنما يجب إثبات واقعة التزييف عن طريق الإتيان بالمنتج المزيف ذاته أو بوسائل إثبات أخرى (وثائق تثبت إنتاجه أو توريده منتجات أو خدمات مزيفة، الأدوات التي يستعملها في التزييف….)، وهو ما يطرح السؤال حول مدى إمكانية اللجوء للوسائل العامة للإثبات التي تطرق لها المشرع في إثبات التزييف بصفة عامة على الشارة الجغرافية. خاصة أن المشرع لم يتطرق للمقتضيات المتعلقة بإجراء الوصف المفصل للأشياء المزيفة مع إمكانية أخذ عينات منها، وكذلك إيقاع الحجز عليها، ومسطرة الحجز عند الحدود، المعتمدة في تزييف العلامة العادية، وتطبيقها على الشارة الجغرافية.

وللإجابة على ذلك، نرى أن عدم التنصيص على هذه المقتضيات، يعتبر من مظاهر القصور التي إعترت تنظيم الشارة الجغرافية، غير أنه لا يترتب على ذلك عدم الإستعانة بها في إثبات التزييف الواقع عليها، بإعتبار وسائل الإثبات تلك، تندرج ضمن وسائل الإثبات العامة المنظمة في قانون الملكية الصناعية، والتي إعتمدها المشرع في إثبات التزييف الواقع على كافة حقوق الملكية الصناعية، ولا نرى أي مانع في إعمالها بالنسبة لتزييف الشارات الجغرافية كذلك. من منطلق إقتراب الشارة الجغرافية من مفهوم العلامات بصفة عامة، وتشابه التعدي عليها (التزييف) مع التعدي على الشارة، وكذلك تعلق الأمر بحرية الإثبات، التي يدخل ضمنها وسائل الإثبات التي ينظمها، ق م ص، بالنسبة للعلامات العادية.

المطلب الثاني: الجزاءات المترتبة على تزييف الشارات الجغرافية

تجدر الإشارة في بداية الأمر أن الفلسفة من وراء إعتماد نظام الشارات الجغرافية، كتقنية ابتغى من ورائها المشرع، الرفع من تنافسية، وتنمية، بعض القطاعات التي تملك فيها قدرة تنافسية بالنظر لخصوصية منتجاتها  المستمدة من مجال جغرافي معين، ومعه المساهمة في تنمية الاقتصاد الوطني برمته، لم تكن حاضرة على مستوى الجزاءات المطبقة عند الإخلال بمقومات هذه الشارة عن طريق تزييفها، فظل غياب نص خاص نذهب لإعتماد نفس الجزاءات المطبقة فيما يخص تزييف العلامة العادية. وهو ما سنعمل على توضيحه كما يلي:

أولا: الإستعانة بالجزاءات المدنية لحماية الشارة الجغرافية

إن تطبيق الجزاءات المدنية في إطار دعوى التزييف الشارات الجغرافية  يجد منطقه في تعزيز حق المالك في ضمان حماية أكثر لشارته، وللحد من ظاهرة تزييفها، وذلك في ما يلائم خصوصية الشارة الجغرافية. سواء بالنسبة للتعويض الذي يمكن المطالبة به (2 ) أو في ما يتعلق بالمنع المؤقت من مواصلة أعمال التزييف(1).

1 : المنع المؤقت من مواصلة أعمال التزييف

 إن منطق حماية الشارة الجغرافية كسائر باقي الحقوق المراد حمايتها من خلال دعوى التزييف، يتطلب بداهة منع المزيف من مواصلة أعمال التزييف، خاصة وأن فلسفة  المنع المذكور تتوافق مع مفهوم الشارة الجغرافية بإعتبارها شارة تضمن جودة المنتج، خاصة وان المنع المذكور يهم منع المعتدي من مواصلة تزييف الشارة ولا ينصب على المنع من الإنتاج أو التوريد أو التسويق للبضائع. [17]

2 : إختلاف طبيعة التعويض عن الضرر الناتج عن التزييف بالنسبة للشارة الجغرافية

إن التعويض عن الضرر، من أهم الجزاءات المدنية التي تقتضي منح تعويض عادل عن الضرر الذي أصاب مالك الشارة، وبالنظر إلى خصوصيات هذه الشارات خاصة في كون مالكها  – في غالب الأحيان- ممنوع كليا من إستغلالها، بحيث يظل مراقبا لإحترام شروطها ومحافظتها على وظيفتها المتعلقة بالجودة، وأن إستعمال الشارة يقتصر على أشخاص معينين، فإننا نتساءل عن نوع الضرر الذي يمكن أن يلحق مالك الشارة من جراء تزييفها والذي يوجب التعويض عنه؟.

وللإجابة نذهب للقول، بأن الضرر يترتب على المساس بوظيفة الشارة والحط من قيمتها، وذلك من خلال تواجد منتجات مزيفة تؤدي بالمستهلك إلى فقد الثقة في الشارة الأصلية، بالنظر لعدم توفرها على مستوى الجودة المطلوب، الأمر الذي قد يؤدي إلى عدم الإنخراط في هذه المؤسسة وكذا في التشويش على مستعملي الشارة، وهذا ما يؤثر لا محالة على سمعة ومركز مالك الشارة.

وهكذا، وبخلاف العلامات العادية التي يقدر فيها التعويض إما بناء على القواعد العامة الذي يتضمن تحديد التعويض عن الربح الفائت وكذا الخسارة الناتجة عن التزييف أو اللجوء إلى التعويض الجزافي المنصوص عليه في المادة 224 (ق م ص)، فإننا نرى بأن تقدير التعويض بالنسبة للشارة الجغرافية  لا يمكنه أن يتم بناء على الربح الفائت من منطلق أن مالكها ممنوع من إستعمالها، إلا أنه يبقى من الممكن اللجوء للتعويض وفق الخسارة الناتجة عن التزييف التي تبقى خاضعة للسلطة التقديرية لقاضي الموضوع من منطلق تدهور سمعة أو صورة الشارة، وفقدها لقدرتها على ضمان المنافسة من خلالها، بالإضافة إلى المصاريف التي تكبدها المدعي من أجل إقامة دعوى التزييف. أما بالنسبة للتعويض الجزافي الذي نصت عليه المادة 224 من قانون الملكية الصناعية، والذي حددته في 50 ألف درهم كحد أدنى و 500 ألف درهم كحد أقصى، وذلك من منطلق أنه يصعب في بعض الأحيان إثبات الضرر أو أن أفعال التزييف تم إكتشافها في مراحلها الأولى بحيث لا يكون هناك ضرر كبير ناتج عن تزييف الشارة، فإنه يمكن الأخذ به في تقدير التعويض الناتج عن الشارة. كما يمكن الأخذ به كذلك حتى بالنسبة لتقدير الضرر اللاحق بمستعمليها ما دام أنهم يمكنهم التدخل في الدعوى للمطالبة بالتعويض عن الضرر الذي لحقهم شخصيا.

ثانيا : جزاءات جنائية لا تلائم خصوصية الشارات الجغرافية

إن الإستعانة بالجزاءات الجنائية المخصصة لتزييف العلامات العادية وتطبيقها على الشارات الجغرافية، إن كانت في حقيقة الأمر تؤدي إلى الحد من ظاهرة التزييف، إلا أنها في حقيقة الأمر تبقى غير ملائمة لخصوصية هذه الشارات في ضمان الجودة، الأمر الذي كان يتطلب تخصيصها بعقوبات أكثر صرامة  لمحاربة ظاهرة التزييف، خاصة وأنها أثبتت عدم فعاليتها بالنسبة لتزييف العلامات التجارية.

 وتنقسم  هذه الجزاءات إلى عقوبات حبسية وغرامات مالية.

ففي ما يخص العقوبات الحبسية، فقد نصت المادة 225 على عقوبة تتراوح ما بين ثلاثة أشهر  إلى سنة. أما المادة 226 فقد نصت على عقوبة حبسية تتراوح ما بين شهرين إلى ستة أشهر.

أما فيما يخص الغرامات فهي تختلف كذلك بالنسبة للمادة 225 عن المادة 226 حيث أنها في الأولى تتراوح ما بين 100.000 إلى 1.000.000 درهم وفي الثانية ما بين 50.000 إلى    500.000 درهم.

وما يمكن ملاحظته هنا هو أن هذه العقوبات هي عقوبات هزيلة، لا تحقق الردع المراد من تزييف الشارات الجغرافية، خاصة مع الدور الذي تلعبه في ضمان الجودة للمستهلك.

لهذا فإننا نرى أنه كان على المشرع أن يتعامل بحزم مع تزييف الشارات الجغرافية، وذلك بتخصيصها بعقوبات خاصة بها تتوافق مع الوظيفة التي تقوم بها خاصة عندما يكون الأمر يتعلق بصحة وسلامة المستهلك، وألا يقتصر على العقوبات الواردة في قانون الملكية الصناعية، حتى تكون أكثر فاعلية في محاربة هذه الظاهرة، خاصة أننا أمام نوع خاص من العلامات يروم تحقيق غايات وأهداف تتجاوز فكرة إعتماد العلامات التجارية العادية، التي أثبت الواقع أن الجزاءات المترتبة على التزييف لم تكن كفيلة بمحاربة هذه الظاهرة، الأمر الذي كان يفرض التعامل بمنطق خاص مع هذه الجزاءات بالنسبة للشارات الجغرافية، وهو ما سيساهم في نظرنا في التشجيع على الإنخراط في هذه المؤسسة والعمل بهذه التقنية الحديثة التي تروم في بعدها العام تحسين المستوى الاقتصادي لبعض القطاعات  بجعلها قادرة على المنافسة داخل سوق عالمية سمتها الوحيدة البقاء للأجود.

خاتمة

إن حماية الشارات الجغرافية  عن طريق دعوى التزييف، من شأنه أن يساهم  بشكل إيجابي في الإنخراط  في هذه المؤسسة، والمنافسة من خلالها. وهو ما سيؤدي لا محالة  إلى تنمية  بعض القطاعات، والمجالات الجغرافية ،التي تتميز  بجودة منتجاتها الطبيعية أو التقليدية،  التي أصبحت تثير إهتمام شريحة هامة من المستهلكين  الباحثين عن  الجودة، خاصة عندما يتعلق الأمر بمنتجات طبيعية و أصيلة، وهو ما من شأنه أن يساهم  في تنمية هذه المناطق، وسكانها، بالنظر لما قد  توفره  هذه الشارات من فرص  تنافسية كبرى  مقارنة بباقي  المنتجات العادية، وهو ما يضمن لهم موارد مالية  مهمة، والإنفتاح  على أسواق  جديدة، وما يحققه ذلك  من فرض  شغل لساكنة المنطقة.

فحسنا فعل المشرع المغربي لما مد الحماية المقررة لحقوق الملكية الصناعية عن طريق دعوى التزييف للشارات الجغرافية، بالرغم من الإرتباك  الذي صاحب تنظيم هذه الدعوى، الأمر الذي يتطلب  تدخل تشريعي من أجل إعادة ضبط هذه الألية، لما لها من دور مهم في حماية الشارات الجغرافية ،والتشجيع على الإنخراط فيها.


[1]– للمزيد من التوضيح  انظر:

– فؤاد معلال. الملكية الصناعية والتجارية، دار الافاق المغربية للنشر والتوزيع، ط. الأولى، سنة 2009. ص 661 وما يليها.

– مينة بوريش. البيانات الجغرافية وتسميات المنشأ في القانون المغربي، رسالة لنيل دبلوم الماستر في القانون الخاص، جامعة الحسن الثاني، كلية الحقوق عين الشق، الدار البيضاء، سنة 2009/2008.

– Zakria sorgho. Protection des dénominations géographiques dans l’union européenne : effectivité et analyse des effets sur le commerce, doctorat en études internationales, université Laval, Québec, canada, 2014, p.130.  

[2]– انظر في هذا الصدد:  فؤاد معلال.» الشارات الجغرافية المميزة، أداة قانون الملكية الصناعية لتحقيق التنمية القروية« ، المجلة المغربية للقانون الاقتصادي، العدد 2 سنة 2009، ص: 51 وما بعدها.

[3] – نجد في هذا الصدد أن بعض الدول تلجأ لحماية منتجاتها الجغرافية عن طريق  اللجوء لنظام العلامات الجماعية العادية، أو علامات التصديق الجماعية، أو من خلال بعض المقتضيات الحمائية الخاصة التي تنص عليها ضمن مقتضيات اعتماد الشارة الجغرافية – وهو نفس النهج الذي نجده حتى بالنسبة للمغربن حيث نجد مثلا ان القانون 25.06  نص على مقتضيات حمائية خاصة ضمن نصوصه، كما  نجد كذلك أن وزارة الصناعة التقليدية قامت بتسجيل مجموعة من المنتجات الجغرافية وفق نظام علامة التصديق الجماعية مثل: زليج فاس، البلغة الزوانية، الزربية الرباطية وغيرها

–  للمزيد من الإطلاع على أليات حماية الشارات الجغرافية أنظر: المنشور الصادر عن المنظمة العالمية للملكية الصناعية ”  المؤشرات الجغرافية ” ،  رقم 952A   سنة 2017.

[4]– أنظر في صدد أفعال التزييف في التشريع المغربي كل من: – فؤاد معلال. الملكية الصناعية والتجارية، م. س، ص. 550.

– فؤاد معلال. دليل منازعات العلامة التجارية، دار الأفاق  المغربية، ط. الأولى، سنة 2017، ص.144.

-احمد الدماني. حماية العلامة التجارية من التزييف أي فعالية، مطبعة النجاح الجديدة، ط. الأولى، سنة 2014، ص. 180.

– سعيدة الراضي. حماية العلامة من خلال دعوى التزييف ودعوى المنافسة غير المشروعة، بحث نهاية التدريب بالمعهد العالي للقضاء، سنة 2008-2010، ص. 23.

[5]– Malika ZAOUG. Le contentieux de la marque au Maroc, Mémoire pour l’obtention du Diplôme d’Etude Approfondies (DESA), droit des affaires, université Hassan 2, faculté de droit  Ain Chock, Casa Blanca, année 2006-2007, p. 20.

[6]– أنظر في شأن هذه الصورة من أفعال التزييف كل من:

– فؤاد معلال. الملكية الصناعية والتجارية، م س، ص.561.

– طارق البختي. » حماية العلامة التجارية من التزييف «، المجلة المغربية لقانون الأعمال والمقاولات، العدد16، سنة 2009، ص.99.

[7] –  المقصود بالمتنافسين هنا سواء الذين ينتمون لنفس المنطقة الجغرافية الذين لم ينخرطوا في نظام الشارة الجغرافية، وكذا المتنافسين غير المنتمين للمجال الجغرافي الذي تحدده الشارة.

[8]– فؤاد معلال. الملكية الصناعية والتجارية، م س، ص. 564.

[9]– فؤاد معلال. الملكية الصناعية والتجارية، م س، ص.572.

– كمال الدافي. الحماية الجنائية للعلامة التجارية، م س، ص. 32.

[10]– ذكره فؤاد معلال. الملكية الصناعية والتجارية، م س، ص. 581.

[11]– يونس بنونة. العلامة التجارية بين التشريع والاجتهاد القضائي، م س، ص. 89.

[12]– هذه الأفعال هي التي تم التنصيص عليها في المادة 155 من قانون الملكية الصناعية.

[13]– حيث أن هذه الأفعال تعتبر تزييفا في حد ذاتها ودون انتظار تدخل أي عنصر خارجي عنها، فمجرد إتيان الفعل يعتبر معه صاحبه مزيفا.

[14]–  أنظر في هذا الشأن

    –  فؤاد معلال.  »مستجدات قانون الملكية الصناعية، المجلة المغربية للقانون الاقتصادي « ، العدد 1، سنة 2007، ص.185.

[15]–  أنظر في شأن الصفة في رفع دعوى التزييف كل من:

  – فؤاد معلال. مستجدات قانون الملكية الصناعية، م س، ص.173.

  – حياة نجدوي. الدعاوى القضائية في مادة الملكية الصناعية، دبلوم الدراسات العليا المعمقة، قانون الأعمال، جامعة الحسن الثاني، كلية الحقوق عين الشق، الدار البيضاء، سنة 2009-2010.

[16]– فؤاد معلال. الملكية الصناعية والتجارية، م س، ص.598.

– محمد محبوبي. النظام القانوني للعلامات التجارية في ضوء التشريع المغربي المتعلق بحقوق الملكية الصناعية والاتفاقيات الدولية، دار ابي رقراق للطباعة والنشر، ط. الثانية، سنة2011، ص.157.

– إدريس كركين. الحماية الإدارية والقضائية للعلامة التجارية رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة في القانون الخاص، جامعة محمد الأول كلية الحقوق، وجدة، سنة 2007- 2008، ص. 56.

– A. CHAVAUNE ; J-J-BURST. Droit de la propriété industrielle, 5° édition, Dalloz 1998, p. 751.

[17]–  جاء النص على هذا التدبير في المادة 203 من قانون الملكية الصناعية، حيث يمكن لمالك العلامة الذي يدعي وجود اعتداء على علامته، اللجوء إلى رئيس المحكمة التجارية بصفته قاضيا للمستعجلات، لاستصدار أمر يقضي بالمنع المؤقت من استعمال العلامة واستغلالها وذلك إلى حين إصدار محكمة الموضوع حكمها في دعوى التزييف.

إقرأ أيضاً

التأطير الدستوري لمقتضيات  الوظيفة العمومية على ضوء دستور 2011

التأطير الدستوري لمقتضيات  الوظيفة العمومية على ضوء دستور 2011 الوعبان لرباس  باحث في سلك الدكتوراه …

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *