حكامة المقاولات في القانون المغربي و المقارن
Zaoujal youssef يوسف الزوجال
باحث بصف الدكتوراه بكلية الحقوق بطنجة
ومستشار بالمركز الأكاديمي للدراسات الأسرية بطنجة
:Email : [email protected]
مقدمة
يحتل موضوع حكامة المقاولات مكانة خاصة على المستوى العلمي و الأكاديمي في المجال القانوني[1] و من طرف أجهزة الإعلام و الرأي العام و مختلف التيارات السياسية و المحافل الدولية و الهيئات و المنظمات الرسمية على اختلاف تخصصتها و مشاربها وطنيا و دوليا
فبالفعل لا يخلو لقاء علمي أو ثقافي أو سياسي أو اجتماعي عن الحديث عن الحكامة بصفة عامة و حكامة المقاولات على وجه الخصوص
إذ تعد هذه الأخيرة بمثابة البنية التي تجمع الطاقات البشرية العاملة و تنظمها من اجل تسخيرها للاستفادة من ثروات الطبيعة و الحصول على المنافع و بالتالي التمكن من خلق القيمة باعتبارها القلب النابض للنظام الرأسمالي[2].
ونظرا للتغيرات الاقتصادية على المستوى الدولي و الإقليمي و المرتبط على وجه الخصوص بالعولمة وكذالك النظام الرأسمالي أصبحت القيمة المرجوة بالنسبة للمساهمين في تحقيق أهدافهم تواجه عراقيل و صعوبات مما أدى إلى ظهور شكل جديد من التسيير موجه بالأساس لتنمية هده القيمة ذات الطبيعة المالية و تعبئة الأجراء و العمال بغية تحقيق هدا الهدف.
فالتركيز على خلق القيمة يعزى إلى و جود هاجس ضرورة تلبية متطلبات المساهم الذي يهدف إلى تحسين و تنمية استثماراته.
فبعدما أتبث الواقع المعيش وجود عدة فضائح لدى شركات و مقاولات تجارية معروفة عالميا تركت بصمة كدليل على وجود اختلالات على مستوى الأجهزة المكلفة بالمراقبة المالية و المحاسباتية . و قد أدى هدا التصور إلى بروز تيار فقهي من المختصين في مجال التدبير و التسيير يدعو إلى تقوية آليات الحكامة في المؤسسات التجارية و المقاولاتية.
ونظرا لمكانة حكامة المقاولات ارتأينا التركيز في هذا المقال على تحديد إطارها النظري ثم إلقاء الضوء على الجانب العملي من خلال نماذج واقعية وذالك بالتوقف عند أهم الأنظمة المقارنة في هذا المجال على أن نخصص الحديث فيما بعد عن التشريع المغربي.
المبحث الأول الإطار النظري لحكامة المقاولات
تستلزم دراسة الإطار النظري لحكامة المقاولات في مرحلة أولى تحديد مفهوم و مبادئ حكامة المقاولات ثم تناول الأسس التي ترتكز عليها.
المطلب الأول مفهوم و مبادئ حكامة المقاولات
عرف مفهوم حكامة المقاولات تطورا تاريخيا هاما حتى أصبح في الآونة الأخيرة مجموعة من المبادئ ترسخت في مجال المال و الأعمال و المعاملات التجارية للشركات.
الفقرة الأولى التطور التاريخي لمفهوم حكامة المقاولات
يعتقد كثير من الدارسين أن ظهور مفهوم حكامة المقاولات بصيغته المعروفة حاليا يعود إلى ثمانينيات القرن العشرين. لكن التاريخ يؤكد أن لهذا الأخير أصولا و جذورا عميقة.
أولا أصل مفهوم حكامة المقاولات
انبثت تطبيقات الحكامة على المستوى العملي أن لهدا المفهوم علاقة وطيدة و جذورا عميقة مرتبطة أساسا بمفهوم المقاولة أي فصل بين الأطراف المتعاملة التي تملك حقوقا بالمقاولة و بين الوكلاء الاجتماعيين المكلفين بعمليات تلك المقاولة. فتاريخ الاقتصاد لا يخلو من أمثلة نموذجية تصف مثل هده الحالات خصوصا بمجال التجارة قديما…[3]
بالفعل كانت الحكامة المقاولاتية تمثل إشكالية في القرن 18 م. و كان للفقيه الاقتصادي ادم سميث السبق في إثارتها في مؤلفه الشهير ثروة الأمم سنة 1776 أي حتمية الفصل بين مصالح المسيرين و مالكي الشركات خاصة فيما يتعلق بالمؤسسات العائلية.
و مند 1807م عرفت هده الإشكالية منعطفا جديدا اثر ظهور الشركات المجهولة الاسم بفرنسا ثم انجلترا بحيث أفرزت ما يسمى ثورة المديرين[4].
ثانيا المفهوم الحالي
اختلف الفقهاء حول تحديد مفهوم حكامة المقاولات. فهناك عدة تعاريف مقترحة بين الإطلاق و التشديد.
1– المفهوم الواسع
يعتبر الفقيه كوملان حكامة المقاولات دلك النظام الذي تتم فيه مراقبة المقاولة من طرف جميع الفاعلين الاقتصاديين و بالتالي لا يمارس المالكون هده المراقبة بمفردهم بل كل مكونات المقاولة[5].
و حسب الفقيهان كات و كيم تتألف حكامة المقاولة من شبكة العلاقات التي تربط عدة أطراف في إطار تحديد إستراتيجية المقاولة و نتائجها. فهده الأطراف هي المساهمون المسيرون و مجلس الإدارة من جهة. الزبائن المزودون و البنوك ….من جهة أخرى[6].
2- المفهوم الضيق
يرى الفقيه لابورتا أن حكامة المقاولة عبارة عن مجموعة من الميكانيزمات التي من خلالها يحمي المتصرفون الخارجيون أنفسهم من محاولة نزع ملكيتهم من طرف المتصرفين الداخليين أي المسيرين و المساهمين[7].
أما بالنسبة للفقيه بيتر ويرتز فحكامة المقاولات تخصص مخططات ينبغي تبنيها من طرف المسيرين من تحقيق التزاماتهم. و في هده الحالة تكون كمجموعة من الآليات التي تحدد السلطة التقديرية للمسير…مع الارتكاز على الشفافية في القرارات الحاسمة و المسؤولية تجاه المساهمين[8].
يتفق الفقيه شاغو مع هدا الرأي بحيث يعتقد أن حكامة المقاولات هي مجموعة من الآليات التنظيمية و المؤسساتية التي تحكم قرارات المسيرين و ترسم حدود اختصاصهم[9].
في مقاربة اقتصادية محضة يجمع الفقيهان فيشني و شليفر على أن حكامة المقاولات تتناول مختلف الوسائل التي يضعها مزودو المقاولة بالرساميل من اجل ضمان استرجاع استثماراتهم[10].
الفقرة الثانية مبادئ حكامة المقاولات
تتمثل مبادئ حكامة المقاولات[11] في عدة محاور أهمها ترسيخ الشفافية و العدل في حقوق المساهمين ضمان بث المعلومات و تحديد مسؤولية مجلس الإدارة.
أولا ترسيخ الشفافية و العدل في حقوق المساهمين
ترتكز حكامة المقاولات على مبدأ أساسي يتجلى في ترسيخ الشفافية و العدل في حقوق المساهمين بحيث يجب أن يضمن النظام الحماية الكفيلة بإعطاء هؤلاء الحق في ممارسة حقوقهم.
كما يضمن هدا المبدأ المعاملة العادلة بين المساهمين بما فيهم أقلية المساهمين أو المساهمين الأجانب.
و بموجب هدا المبدأ يحق للمساهمين المطالبة بالتعويض في حالة حدوث ضرر لحق بحقوقهم.
ثانيا ضمان حق الإعلام و تحديد مسؤولية مجلس الإدارة
1– ضمان حق الإعلام و بث المعلومات
يؤكد هدا المبدأ على ضرورة ضمان بث و إعلام الفاعلين المعنيين بالأمر في الوقت المناسب وفق الضوابط القانونية بكل المعلومات الصحيحة المتعلقة بالمواضيع الحساسة للمقاولة خصوصا الوضعية المالية النتائج وضعية المساهمين…الخ.
2– تحديد مسؤولية مجلس الإدارة
ينص هدا المبدأ على ضرورة وجود القيادة الرشيدة و الإستراتيجية داخل المقاولة بواسطة مجلس الإدارة الذي يتكلف بمراقبة هده الأخيرة. لدلك يعتبر الجهاز المسؤول عن ضمان شفافية و نزاهة و سمعة الشركة. لدلك يستحسن فصل السلط و إنشاء لجن مستقلة و متخصصة
-comité de rémunération لجنة الأجور و التعويضات المادية للمسيرين
– لجنة الحسابات المالية
– comité d’éthique لجنة أخلاق المهنة
المطلب الثاني الأسس النظرية لحكامة المقاولات
تستمد حكامة المقاولات جذورها من عدة أسس و نظريات. و يمكن تصنيف هده الأخيرة إلى نوعين الأولى تعاقدية و الأخرى
Théories contractuelles الفقرة الأولى النظريات التعاقدية
تنبني هده النظريات إطار تعاقدي يمكن تفسيره وفق مقاربتين و هما المقاربة المساهماتية و المقاربة التشاركية.
Approche actionnariale أولا المقاربة المساهماتية
ترتكز هده المقاربة على مبدأ تعاقدي بناء على دور و مدى تأثير المساهمين في إدارة المقاولة أو الشركة. و يبرز دلك من خلال نظريات حقوق الملكية الوكالة و تكلفة المعاملات.
Théorie des droits de propriété 1– نظرية حقوق الملكية
تهدف هده النظرية إلى معرفة مدى و كيفية تأثير كل نوع من حقوق الملكية التي يتمتع بها المساهمون على النظام الاقتصادي داخل المقاولة و فعاليته. فباعتبارهم مالكي حقوق يمكن للمساهمين التأثير على دلك النظام نظرا لمحاولة هؤلاء البحث على أقصى قدر من الربح الممكن و حماية مصالحهم الفردية[12].
Théorie de l’agence 2– نظرية الوكالة
حسب هده النظرية يعتبر المسير الوكيل الذي يمثل المساهمين داخل المقاولة و يعمل بإدارتها في إطار يضمن حماية مصالحهم. بالمقابل قد يستفيد المسير من امتلاك حصة أو جزء من ثروات المقاولة على شكل امتيازات يعمل على استغلالها من اجل تقوية موقعه على رأس الشركة بحيث غالبا ما يعمل على الرفع من أجره أو مستحقاته أو تعويضاته دون بدل الكثير من الجهد[13]. فعلاقة الوكالة تجعلنا نقف على إشكالية معقدة تتعلق بالمخاطر النفسية و التصرفات الانتهازية للمسير نظرا لتوفره و امتلاكه للمعلومات الكاملة عن وضعية المقاولة القانونية و المالية.
بخلاف دلك لا تكون عادة لدى لمساهمين المؤهلات الضرورية التي قد تسمح لهم بمعرفة ما ادا كانت المعاملات التجارية تخدم مصالحهم الشخصية أم مصالح المسير.
Théorie des coûts des transactions 3– نظرية تكلفة المعاملات
تؤكد هده النظرية التي جاء بها الفقيهان كواس و ويليامسون على أن المقاولة الرائدة في السوق هي التي تتحكم في تكلفة معاملاتها. فبما أنها تتحمل تكاليف المعاملات التجارية التي تجريها فإنها ستعمل حتميا على التخفيف منها و تقليص النفقات.
غير أن هده النظرية تعرضت لعدة انتقادات يمكن إجمالها في النقاط التالية
– إعطاء الأهمية الكبرى لمسالة انتهازية المسيرين
– عدم تحديد شكل انتهازية المسيرين هل انتهازية انحرافية أم انتهازية سلوكية.
– عدم الاخد بعين الاعتبار أن تكلفة المعاملات تعرف تطورا مستمرا في العصر الحالي بفعل التقدم التكنولوجي مما يجعلها تتحول إلى استثمار جماعي.
ثانيا المقاربة التشاركية أو نظرية الأطراف المتعاملة
L’approche partenariale ou la théorie des parties prenantes
اهتمت الدراسات الأكاديمية المنجزة في السنوات الأخيرة بمصطلح الأطراف المتعاملة. غير أنها لم تعط هده النظرية حقها علما بأنها تساهم في بناء نظام أو شبكة من العلاقات التنظيمية داخل المقاولة.
1- مفهوم و أنواع الأطراف المتعاملة
ا- مفهوم الأطراف المتعاملة
لمفهوم الطرف المتعامل مدلول واسع و شامل. و يميز فقهاء النظام الانجلوساكسوني بينه و بين مفهوم المساهمين أي …
يعرف الفقيه فريمان[14] الطرف المتعامل بالشكل الآتي كل مجموعة أو فرد يمكن أن يؤثر أو يتأثر في إطار تحقيق أهداف المقاولة..
حسب الفقيهان دونالسون و بريستون[15] يمكن تعريف الأطراف المتعاملة بناء على مصالحهم المشروعة في المقاولة.
ب- أنواع الأطراف المتعاملة
صنف الفقهاء الأطراف المتعاملة إلى عدة أنواع.
* الفقيه كارول قسم الأطراف المتعاملة إلى رئيسية ذات علاقة شكلية و رسمية بمقتضى عملية تعاقدية مع المقاولة و أخرى ثانوية.
* الفقيه بيل كولبان اقترح تقسيما آخر اعتمادا على الأبعاد الثلاثية للمسؤولية الاجتماعية أي
– أطراف متعاملة مؤسساتية و هي المنبنية على قوانين و مؤسسات رسمية أو مهنية..
– أطراف متعاملة اقتصادية و هي مختلف الفاعلين في السوق الذي تتموقع فيه المقاولة.
– أطراف متعاملة أخلاقية و هي جماعات الضغط الأخلاقية.
* الفقيهان فريدمان و ميلز[16] يميزان في علاقات الأطراف المتعاملة مع المقاولة بين
– علاقات ضرورية متلائمة – و هي العلاقات التي تربط المساهمين و الإدارة و الشركاء- .- علاقات ضرورية غير متلائمة مثل النقابات الأجراء الحكومة الزبائن المزودين…
– علاقات محتملة متلائمة – العموم و مختلف المؤسسات التي لها علاقة مندمجة مع الجمعيات.- و علاقات محتملة غير متلائمة أي المجتمع المدني .
* الفقيه بيسكو[17] ميز بين
– الأطراف المتعاملة المتعاقدة و هي التي تتعلق بالفاعلين الدين لهم صلة مباشرة و محددة بمقتضى عملية تعاقدية مع المقاولة مثل الزبائن المزودين الأجراء و المساهمين.
– الأطراف المتعاملة المتناثرة تتعلق بالفاعلين الدين لا تربطهم علاقة تعاقدية مع المقاولة لكن يلعبون دورا غير مباشر بالتأثير على النظام بداخلها مثل السلطات العمومية الجماعات المحلية الجمعيات و الرأي العام.
2- نظرية الأطراف المتعاملة تجريبية أم أخلاقية
Théorie empirique ou normative?
ا- نظرية الأطراف المتعاملة نظرية تجريبية
في إطار النظرية التجريبية يعتقد الفقهاء أنها وصفية و اداتية.
* فهي وصفية لكون المسير ياخد بعين الاعتبار مصالح و مطالب مختلف الفاعلين داخل المقاولة. و سميت وصفية لانها تسمح بفهم مميزات و خصائص الشركات مثل معرفة طبيعة المقاولة طريقة تفكير المسير و كيفية إدارتها و عملية بث المعلومات الخاصة بها…
* و هي اداتية لأنها تتناول مختلف الوسائل و العلاقات الممكنة في المقاولة بهدف ربطها بمسالة تحقيق الأرباح و المكاسب و الإيرادات أي الربط بين النتيجة الاجتماعية و النتيجة المالية.
ب- نظرية الأطراف المتعاملة نظرية أخلاقية
تعنى هده النظرية بوضع الواجبات الأخلاقية التي تتعلق بالمسير في تعاملاته ليس فقط تجاه المساهمين بل أيضا اتجاه مختلف الأطراف المتعاملة.
إلى جانب النظريات التعاقدية توجد أسس أخرى لحكامة المقاولات. و يتعلق الأمر بالنظريات.
Théories cognitives الفقرة الثانية النظريات
يتعلق الأمر بنظريتين هما النظرية التقدمية للمقاولة و نظرية موارد و مؤهلات المقاولة.
La théorie évolutionniste أولا النظرية التقدمية للمقاولة
يقصد بها دراسة المسار التقدمي للمقاولة خاصة فيما يتعلق بجميع مؤهلاتها التكنولوجية و الكفاءات البشرية اعتمادا على تطوير و تقوية إستراتيجية أو مخططات التكوين[18].
ثانيا نظرية موارد و مؤهلات المقاولة
Théorie des resources et compétences
ترتكز هده النظرية على فكرة أساسية مفادها أن مصدر قوة أو ضعف المقاولة يكمن إما في حسن أو إساءة استغلال مواردها الطبيعية و المؤهلات البشرية أو الاقتصادية.
يقصد بالموارد كل ما يمكنه أن يشكل مصدر قوة أو ضعف بالنسبة للمقاولة سواء أكان ملموسا أو غير ملموس مثل الآلات الإنتاجية براءة الاختراع الرأسمال…الخ.
أما المؤهلات تعني القدرة على بدل و تسخير كل الموارد المتاحة بغية تحقيق هدف أو نشاط معين…[19]
المبحث الثاني حكامة المقاولات في القانون المغربي و المقارن
سنعمل على إبراز نقط الالتقاء و الاختلاف الذي يميز حكامة المقاولات في القانون المقارن و في التشريع المغربي.
المطلب الأول حكامة المقاولات في القانون المقارن
هناك عدة تقسيمات فقهية لأنظمة حكامة المقاولات.
* نموذج الفقيه بيرغلوف[20] الذي يصنف أنظمة حكامة المقاولات إلى نوعين
– الأنظمة الموجهة للبنوك التي تتميز بمديونية مفرطة و تمركز قوي للمساهمين و حضور ملحوظ لحصص البنوك في رأسمال الشركات و علاقات تمويلية بين هده المؤسسات المالية و الشركات.
– الأنظمة الموجهة للسوق التي تتميز بضعف و تشتت المساهمين و بفصل حق الملكية عن التسيير.و سمي كذلك لأنه يعطي الأهمية القصوى للأسواق المالية.
* نموذج الفقيهان فرانكس و ماير[21] الذي يميز بين
– أنظمة الحكامة المفتوحة و هي التي تتميز بوجود شركات تمتلك أسهما بالبورصة تعتمد على رساميل السوق و بتشتت المساهمين.
– أنظمة الحكامة المغلقة و هي التي تتميز بقلة شركات البورصة و تمركز قوي للمساهمين و نمو ضعيف بالنسبة لسوق الرساميل.
* نموذج الفقيه مورلاند[22] الذي يميز بين
– الأنظمة الموجهة للسوق التي تتميز بضعف و تشتت المساهمين و بنمو هائل للأسواق المالية.
– الأنظمة الموجهة للشبكات بمعنى أن المقاولات تنتمي إلى مجموعات أو شبكات بحيث تلعب المؤسسات المالية و البنوك دورا حاسما في آليات المراقبة. كما تتميز بوجود عدة أنظمة مختلطة تمنح مكانة كبيرة للمساهمين مما يتيح للمقاولات الفرصة لنسج علاقات مع الدولة البنوك و المؤسسات العائلية.
لكن أهم هده الأنظمة النموذج المقترح من طرف الفقيه يوشي موري[23] الذي قسم أنظمة حكامة المقاولات إلى ثلاثة أصناف النموذج الانجلوساكسوني النموذج الألماني و الفرنسي ثم النموذج الياباني. و قد استند هدا التقسيم على الخصائص المشتركة بين كل نموذج على حدة. و سنعمل على تبني تصنيف اقرب من دلك المقترح من طرف يوشي موري من خلال التقسيم العائلي المعروف أي التطرق إلى حكامة المقاولات في النظام الانجلوساكسوني و في النظام الجرماني اللاتيني مع إلقاء نظرة على واقع حكامة المقاولات في القانون المغربي.
الفقرة الأولى حكامة المقاولات في النظام الانجلوساكسوني
سنقوم بالتعرف على نموذجين لحكامه المقاولات في النظام الانجلوسكسوني عبر التطرق إلى نموذج الولايات المتحدة الأمريكية (أولا) ثم النموذج الياباني (ثانيا)
أولا في الولايات المتحدة الأمريكية
بعد أزمة سنة 1929 تم تبني عدة إجراءات من اجل التقليص من نشاط و قوة المؤسسات المالية بحيث كان للنظام المعمول به أنداك قواسم مشتركة مع النظام الموجه للبنوك. واثر حدوث الأزمة تم تحميل البنوك المسؤولية بشكل جزئي.
عقب دلك تم إصدار عدة قوانين مثل….. منعت البنوك بالولايات المتحدة الأمريكية من ممارسة نشاطاتها بالأسواق المالية و العمل بمجال التامين. وبدلك تراجع تطور البنوك نظرا لفصل اختصاصات البنك التجاري و بنك الاستثمار و منعهم من المشاركة في رأسمال المقاولات.
بالنسبة للمراقبة الخارجية يعتبر العرض العلني بالبيع أهم أداة للمراقبة الخارجية.
أما بالنسبة للمراقبة الداخلية يتولى المسيرون مهام مجلس الإدارة.
و يمكن القول بان اغلب المتصرفين هم أجراء قريبون من المسيرين و لهم مصلحة مباشرة من إبقاء الوضع على ما هو عليه. و غالبا ما يكون رئيس المجلس هو المدير العام. لدلك من الصعب استصدار عقوبة ضد المسيرين ولو في حالة تحقيق نتائج غير ايجابية في مهامهم.
كما يمكن لبعض المستثمرين التدخل في التسيير نظرا لامتلاكهم حصصا داخل المقاولة.
ثانيا في اليابان
باليابان لم تكن المقاولة قادرة على منح المؤسسات المقرضة المعلومات الكافية التي تسمح بتقييم صفة طالب القروض أي انه كان هناك غياب نظام معلوماتي أدى إلى البعد عن التمويل و إلى ارتفاع نسبة المديونية.
علاوة على دلك لم تكن السوق المالية مفتوحة إلا في وجه الشركات الوطنية الكبرى.
و يتميز النظام الياباني بحضور قوي للبنوك في رأسمال الشركات و بتمركز السلطات بين أيدي رئيس المقاولة أو مديرها.
كما أن منصب رئيس المجلس يعتبر منصبا شرفيا يمثل المرحلة الأخيرة قبل إحالة المدير العام السابق على المعاش أو التقاعد.
و نادرا ما يضم مجلس الإدارة متصرفين خارجيين لكن يبقى عدد المتصرفين مهما تقريبا بمعدل 50عضوا.
الفقرة الثانية حكامة المقاولات في النظام الجرماني اللاتيني
سنقوم بدراسة حكامة المقاولات في النظام الجرماني اللاتيني وسأقتصر على دراسة نموذجين وذالك عبر التطرق إلى التشريع الألماني (أولا) على أن نخصص الحديث فيما بعد عن التشريع الفرنسي (ثانيا)
أولا في ألمانيا
يتميز النظام الألماني بازدواجية السلطات أو الاختصاصات بين مجلس المسيرين و مجلس الرقابة الذي يراقب الأول و يعين أعضاءه.
و يتألف مجلس الرقابة من ممثلي المساهمين و الأجراء و لا يحتوي على أي عضو معين من طرف المسيرين.
وبصفتها مساهما يملك غالبية الأسهم و باعتبارهم المصدر الخارجي الوحيد للتمويل يعهد للبنوك مهمة مراقبة و التأثير على تسيير الشركات بشكل غير مباشر. و هدا لا يعني أن الأسواق المالية تعاقب المسيرين بل الضغوط التي تمارسها البنوك. هده الأخيرة تعاقب المسيرين على مستوى التعويضات و الأجور.
تتبنى مجالس الشركات في ألمانيا على التسيير المزدوج أي ازدواجية بين مجلس المسيرين المتكون من نصف ممثلي العمال أو مجلس الإدارة و مجلس الرقابة المشكل من ممثلي البنوك.
ثانيا في فرنسا
يعتبر نظام حكامة المقاولات ت بفرنسا نظاما محايدا لأن المراقبة تتم عن طريق السوق و المؤسسات المالية في نفس الوقت.
بالنسبة للمراقبة الخارجية تتم عن طريق السوق المالية أي عبر خلق بنية مساهماتية بالمقاولات متميزة بوجود مؤسسات مالية و غير مالية.
عند صدور قانون 24 يوليوز 1966 أصبحت للشركات إمكانية و حرية الاختيار بين بنيتين مختلفتين مجلس الإدارة أو مجلس الرقابة.
المطلب الثاني حكامة المقاولات في القانون المغربي
اتخذ المشرع المغربي خلال العقود الأخيرة عدة إجراءات قانونية و إصلاحات تشريعية تستهدف النهوض بالأوضاع القانونية و الاقتصادية للمقاولات على غرار ما هو معمول به بالعالم. لكن يعترض حكامة المقاولات بالمغرب بعض الصعوبات الواقعية و العملية.
الفقرة الأولى الإطار التشريعي و المؤسساتي لحكامة المقاولات بالمغرب
يتوفر المغرب حاليا على ترسانة قانونية و مؤسساتية هامة تتعلق بالمجالين التجاري و المالي تحيل بشكل غير مباشر إلى مقتضيات و مبادئ حكامة المقاولات.
أولا الإطار التشريعي
هناك عدة قوانين تشير إلى ضرورة تبني أحكام و مبادئ حكامة المقاولات. من بينها
1– قانون 17-95 المتعلق بشركات المساهمة
ياخد بين الاعتبار هدا القانون عدة مسائل
– حماية مصالح أقلية المساهمين
– تحديد المسؤوليات داخل المقاولة
– إنشاء لجن الحسابات و تعويضات المسيرين
– توخي الشفافية في المعلومات المقدمة عن وضعية المقاولة و نتائجها المالية.
2– قانون 99-06 المتعلق بحرية الأسعار و المنافسة
ينص هدا القانون على ضرورة دراسة الممارسات التجارية من طرف مجلس المنافسة[24] و محاربة الممارسات غير المشروعة.
3- القانون البنكي
تتمثل الحكامة الجيدة في المجال البنكي من خلال التخفيف من التمويل البنكي الموجه إلى الأعضاء المساهمين في نفس البنك الممول. فهدا يؤدي إلى نشوء منافسة غير نزيهة و إلى تقليص فرصة حصول المقاولات الصغرى و المتوسطة على القروض.
ثانيا الإطار المؤسساتي
يتعلق الأمر بالوزارة المكلفة بالشؤون الاقتصادية و الاتحاد العام لمقاولات المغرب.
1- الوزارة المكلفة بالشؤون الاقتصادية
تعمل الوزارة المكلفة بالشؤون الاقتصادية على إنشاء مناخ تجاري و اقتصادي ينبني على أسس الشفافية و الحكامة الجيدة و احترام الضوابط القانونية المتعلقة بحرية الأسعار و المنافسة خصوصا.
2– الاتحاد العام لمقاولات المغرب
يلعب الاتحاد العام لمقاولات المغرب دورا هاما في ترسيخ مبادئ الحكامة الجيدة داخل المقاولات أي جعل هده الأخيرة تتحلى بقيم الشفافية و روح المواطنة و احترام البيئة.
بقي أن نشير إلى انه تم إصدار مدونة تتعلق بالحكامة الجيدة داخل المقاولات بمبادرة مشتركة بين الوزارة المكلفة بالشؤون الاقتصادية و الاتحاد العام لمقاولات المغرب في شهر مارس [25]2008.
كما انه تم مؤخرا إنشاء المعهد المغربي للمتصرفين.
الفقرة الثانية الصعوبات الواقعية و العملية
توجد عدة صعوبات واقعية و عملية تعترض التطبيق الحرفي لمبادئ حكامة المقاولات بالمغرب تتعلق أساسا بالطابع ألاستئناسي و غير الإلزامي للمدونة المغربية المتعلقة بتطبيق حكامة المقاولات
و الطابع البنيوي المركب للمقاولات بالمغرب بين القطاع العام و الخاص.
أولا الطابع الاستئناسي و غير الإلزامي للمدونة المغربية المتعلقة بتطبيق حكامة المقاولات
من بين الصعوبات العملية نجد أن المدونة المغربية المتعلقة بتطبيق حكامة المقاولات تتميز بعدم اجباريتها و بالتالي تبقى قواعدها مجرد مقتضيات يمكن للمقاولات الاستئناس بها.
كما أن هده المدونة ليس لها طابع قانوني يمكن من إلزام هده الأخيرة بتطبيقها.
ثانيا الطابع البنيوي المركب للمقاولات بالمغرب بين القطاع العام و الخاص و القطاع المهيكل و غير المهيكل
من المعلوم أن المقاولات بالمغرب تنقسم إلى نوعين
– مقاولات القطاع العام التابعة للدولة
– مقاولات القطاع الخاص.
و- القطاع المهيكل
– القطاع غير المهيكل.
و نظرا لخصوصية كل فئة ينبغي أن يؤخذ بعين الاعتبار التركيبة البنيوية لهده المقاولات خاصة تلك المتعلقة بالقطاع العام لكون الكمامة الجيدة من شانها خلق استمرارية النشاط بالمرافق العامة حتى لا تتكرر الفضائح المالية مثلما وقع ببعض مؤسسات الدولة – القرض العقاري و السياحي- البنك الوطني للنماء الاقتصادي- الصندوق الوطني للقرض الفلاحي…الخ. .
يبرهن واقع المقاولات بالمغرب بان هده الأخيرة تتأرجح بين نموذجين
– الأول له ارتباط وثيق بمرحلة ما قبل الاستقلال أي المقاولات التي تم إنشائها من طرف مقاولين فرنسيين و ورثتها عائلات مغربية كبيرة.
– الثاني متعلق بمقاولات ما بعد الاستقلال تعتمد على الانفتاح و تبني نموذج بعض الأنظمة الغربية خصوصا أوروبا و النظام الفرنسي تحديدا.
خاتمة
يمكن القول ختاما بان لحكامة المقاولات ايجابيات عديدة رغم وجود بعض الصعوبات القانونية و العملية التي تواجه تطبيق مبادئها خصوصا في المناخ الحالي بحيث تمر المقاولات بأزمة اقتصادية و مالية حادة ترجع إلى عدم تطبيق الحكامة الجيدة.
ادن فحكامة المقاولات وسيلة فعالة تهدف إلى عقلنة استغلال الطاقات البشرية و الموارد الطبيعية و الإنتاجية و تثمين الإمكانيات الاقتصادية المتوفرة لدى المقاولات بغية ترشيد و حسن استعمالها لتفادي مثل هده الأزمات.
[1] خص الدستور الجديد الباب الثاني عشر للحديث عن الحكامة الجيدة
[2] BENMOUSSA Fatma : « la création de valeur dans l’entreprise : le rôle de la gouvernance et des leviers financiers », mémoire, Ecole Supérieure de Commerce de Tunis, 2004/2005.
[3] Roland PEREZ : « la gouvernance de l’entreprise », éd. La Découverte, 2003, p : 9 « dissociation entre des parties prenantes, détentrices de droits sur une entreprise et des mandataires sociaux en charge de mener les opérations de ladite entreprise. L’histoire économique ne manque pas d’exemple illustrant de telles situations surtout dans le domaine du commerce lointain ».
[4] BAUMOL: « the managerial revolution », the jhon day, co.inc, New York, 1940.
[5] Bertrand COMMELIN : « le gouvernement d’entreprise : la bourse et les entreprises », Cahiers Français n°277, 2001, p : 82. « le système dans lequel la conduite des firmes par le dirigeant est contrôlée par l’ensemble des acteurs économiques. Ce ne sont pas donc les seuls propriétaires qui devraient exercer ce contrôle mais l’ensemble des Stakeholders de l’entreprise ».
[6] KATH et KIM: « To be corporate we must become back stabbing, white anting and two faced », 2003. “ le gouvernement d’entreprise est constitué du réseau de relations liant plusieurs parties dans le cadre de la détermination de la stratégie et de la performance de l’entreprise. Ces parties sont d’une part les actionnaires, les dirigeants et le conseil d’administration, d’autre part, les clients, les fournisseurs, les banquiers et la communauté ».
[7] Pei Sai FAN: « Review of literature and research on corporate governance », Mas Staff Paper, n°29, p: 5. “ un ensemble de mécanismes à travers lequel les administrateurs externes se protègent contre l’expropriation des administrateurs internes, c’est à dire les managers et les actionnaires ».
[8] Peter WIRTZ : « meilleures pratiques de gouvernance, théorie de la firme et modèles de création de valeur : une appréciation critiques des codes de bonne conduite », Cahier de Fargo n°1040401, 2004. « le gouvernement d’entreprise spécifie des processus qui devraient être adoptés par les dirigeants pour réaliser leurs devoirs. Il est défini dans ce cas, comme l’ensemble de mécanismes qui délimitent l’espace discrétionnaire du dirigeant….en se basant sur la transparence des décisions majeures prises et la responsabilité vis-à-vis des actionnaires ».
[9] Gérard CHARREAUX et Philippe DESBRIERE : « gouvernance des entreprises : valeur partenariale contre valeur actionnariale », Finance Contrôle et Stratégie, Vol. I – II, 1998, p : 73. « l’ensemble des mécanismes (organisationnels ou institutionnels) qui gouverne les décisions des dirigeants et définit leur espace discrétionnaire ».
[10] André SHLEIFER et Robert VISHNY : « a survey of corporate governance », Journal of finance, Vol.52, 1997. « la gouvernance d’entreprise traite des différents moyens mis en place par les fournisseurs de capitaux pour assurer leur retour sur investissement ».
[11] تم نشر هده المبادئ من طرف منظمة التجارة و التنمية الاقتصادية سنة 1999 لاول مرة. و قد تم مراجعتها سنة 2003. للاطلاع على هده المبادئ انظر الموقع الالكتروني
www.oecd.org
[12] ALCHIAN et DEMSETZ: “the proprety right paradigm”, the Journal of economic History, vol.33, n°1, 1973, p: 16-27.
[13] JENSEN et MECKLING: “the theory of the firm: managerial behavior, agency cost, and ownership structure”, Journal of Financial Economic, 1976, p: 305-360.
[14] FREEMAN: “ divergent stakeholder theory”, academy of management Review, vol.24, n°2, p: 233-236. “ tout groupe ou individu qui peut affecter ou être affecté par la réalisation des objectifs de l’entreprise ».
[15] DONALDSON et PRESTON: “the stakeholders theory of corporation: concepts, evidence and implications”, academy of management Review, vol.20, n°1, p: 65-91.
[16] FRIEDMAN et MILES : « Developing stakeholders theory », Journal of Management Study, Vol.39, n°1, 2002, p : 1-21.
[17] Dauphine PESQUEUX: “organisations: modèles et Représentations”, 2d. PUF, Paris, 2002.
[18] Richard NELSON et Sidney G. WINTER : « an evolutionary theory of Economic change », 1982.
[19] Chandler : « Organizational Capabilities and the Economic History of the Industrial Entreprise », Journal of Economic Perspectives, 1992 p : 79-100.
[20] BERGLOF : « capital structure as a mechanism of control : a comparison of financial systems », 1990, p : 237-262.
[21] FRANCKS et MAYER : « a synthesis of international evidence », london bussiness school, papier de recherche, 1992, p : 165-192.
[22] MOERLAND : « alternative disciplinary mechanisms in different corporate systems”, Journal of Economic Behavior and organization, vol. n°26, 1995, p: 17-34.
[23] YOSHIMORI : « whose company is it ? the concept of the corporation in Japan and the west », Long Range plannig, vol. n°4, 1995.
[24] نص الفصل 166من الدستور الجديد على
“”مجلس المنافسة هيأة مستقلة، مكلفة في إطار تنظيم منافسة حرة ومشروعة بضمان الشفافية والإنصاف
في العلاقات الاقتصادية، خاصة من خلال تحليل وضبط وضعية المنافسة في الأسواق، ومراقبة
الممارسات المنافية لها والممارسات التجارية غير المشروعة وعمليات التركيز الاقتصادي
والاحتكار””
[25] تم إصدار هده المدونة بناء على دراسة قام بها الاتحاد العام لمقاولات المغرب سنة 2005.