حقوق الإنسان والعدالة الجنائية خلال مرحلة البحث والتحري البوليسي
ذ. محمد الزهري
باحث بسلك الدكتوراه
بكلية الحقوق- طنجة
مقدمة:
تعد مرحلة البحت والتحري مرحلة بوليسية بامتياز، وهي مرحلة غير قضائية تهدف إلى تجميع الملامح الأولية للجريمة، والحصول على الأدلة الأولية الممهدة للوصول إلى مرتكبيها. وبالتالي فهذه المرحلة -البحث التمهيدي- غاية في الأهمية، لما تلعب من دور فعال في مكافحة الجريمة، وكذا مساعدة القضاء في الوصول إلى الحقيقة خلال فترة زمنية وجيزة.
وحتى تضطلع الشرطة القضائية بدورها الكامل في البحث والتحري عن الجرائم، فقد إرتئت التشريعات المقارنة –ومعها المغربي- تخويلها سلطات وصلاحيات واسعة وفي غاية الأهمية تتيح لها إمكانية تحقيق أهداف البحث التمهيدي. إلا أن هاته الصلاحيات هي نفسها التي جرت عليها سيلا من الانتقادات الفقهية والحقوقية اللاذعة، نظرا لتهديدها المباشر للحقوق والحريات الفردية.
فالشرطة القضائية تملك صلاحيات جد واسعة وخطيرة قد تهدد حقوق وحريات الأفراد إن أسيء استعمالها من طرف القائمين عليها، فهي تملك الحق في المساس بحريات الأفراد ووضعهم تحت الحراسة النظرية. (المبحث الأول) وتمتد هاته الخطورة لتصل إلى حد المساس بحرمة المسكن والحياة الخاصة، حيث تملك الشرطة صلاحية الحد من حرمة المساكن وتفتيشها وحجز كل ما من شأنه الكشف عن الجريمة، وكذا اللجوء إلى انتهاك خصوصية الأفراد عبر التنصت على المكالمات الهاتفية الخاصة وتسجيلها. (المبحث الثاني).
لأجل كل ذلك كان لزاما على التشريعات التدخل لحماية الحريات الفردية قدر المستطاع،عبر إقرار حقوقا وضمانات موازية للسلطات والصلاحيات –المخولة للشرطة- خدمة لحقوق الإنسان والعدالة الجنائية.
المبحث الأول: الإجراءات الماسة بالحرية، بين المبررات والضمانات.
أهم ما يميز البحث التمهيدي والجهاز المكلف به –الشرطة القضائية- هو طابع السرية الذي يطغى على إجراءاته[1]، فالسرية هي أول يميز هاته المرحلة -متأثرة إلى بعيد بالمسطرة التنقيبية –وتلعب دورا إيجابيا-على نحو معين- في حماية المشتبه فيهم وعدم التشهير بهم[2]، خصوصا ونحن أمام تحريات أولية لا غير. غير أن هذه الصفة هي نفسها تعد من أهم عيوب المرحلة، وهي السبب الرئيسي في جر سيل من الانتقادات للجهاز المكلف به. فلا يخفي على أحد ما لهذه السرية من خطورة على الحريات الفردية، فأمام الشرطة قد تنعدم ضمانات الدفاع، الأمر الذي قد يدفعها لإنتهاك حقوقه وإرتكاب مختلف التعسفات في حق الأفراد إذا لم تتقيد بالضوابط القانونية[3].
كما أنه يطغى على أعمال الشرطة القضائية الطابع التلبسي للبحث والتحري، نظرا لكون هذا الأخير –أي التلبس- يخول للضابطة القضائية ممارسة صلاحيات إضافية تتمثل في القيام بسلطات تحقيق إستثنائية سواء بنص القانون مباشرة، أو في حالة تنفيذ إنابة قضائية. فهذه الصلاحيات سميت كذلك لأنها من صميم أعمال التحقيق، تم تخويلها للشرطة إستثناء لوجود حالة إستعجال قصوى لا تترك معها مجالا واسعا للغلط وهي حالة التلبس بالجريمة.
وبالتالي فالبحث التمهيدي يخول للشرطة القضائية صلاحيات واسعة ضد المشتبه فيهم، بحيث لهته الأخيرة ضبط المشتبه فيه وإقتياده إلى المخفر، واستجوابه للحصول على كل ما يفيد في كشف الجريمة والوصول إلى مرتكبها. وفي المقابل لذلك أقرت التشريعات للأفراد ضمانات تقيهم من التعسف والظلم الذي قد يشوب المرحلة. (المطلب الأول) وبالإضافة إلى الاستجواب خولت التشريعات للشرطة صلاحية أخرى فعالة وخطيرة في نفس الوقت على الحريات الفردية، ويتعلق الأمر بالوضع تحت الحراسة. فهذا الإجراء يهدف إلى الإبقاء على المشتبه فيه بعيدا عن مكان الجريمة لضمان عدم تلاعبه بالأدلة المؤدية لها أو تأثيره على الشهود، إلا أنه إجراء خطير في نفس الوقت إذا ما تمت ممارسته بشكل مخالف للقانون، أو لم يقرر للأفراد ضمانات كافية. (المطلب الثاني).
المطلب الأول: مرحلة الاستجواب البوليسي.
إذا ما تم إرتكاب جريمة ما فإن الشرطة القضائية تتحرك في أسرع وقت بغية الكشف عن معالمها حفاظا على أمن المجتمع، ولها في سبيل ذلك صلاحيات واسعة من أهمها الإستجواب البوليسي. هذا الأخير يخول لضابط الشرطة القضائية الحق في توقيف أي شخص تواجد في مسرح الجريمة قصد توجيه بعض الأسئلة له، فإن تبين له ما يفيد ضلوعه بالجريمة أو أهمية الأقوال المدلى بها أمكن له اقتياده إلى المخفر قصد تعميق البحث معه، وهذا الإجراء رغم أهميته في مسار البحث والتحري يبقى مع ذلك خطير، بحيث يستهدف حقوق الأفراد وحرياتهم.
وأمام هذه الخطورة كان لزاما على التشريعات كفالة ضمانات للإفراد في مواجهة الشرطة، محاولة منها لإرساء تشريعات تكفل التوازن بين حقوق الإنسان من جهة، والعدالة الجنائية من جهة أخرى. من أهم هذه الضمانات نجد الحق في الصمت (الفقرة الأولى) والحق في الاستعانة بالمحامي (الفقرة الثانية).
الفقرة الأولى: الحق في الصمت
تضطلع الشرطة القضائية بصلاحيات مهمة خلال إجراءات البحث والتحري في جل التشريعات الإجرائية المقارنة، فهي العنصر الأساسي في جميع مراحلها[4]. فحينما يصل إلى عملها –أي الشرطة- وقوع جريمة ما يتوجب على هاته الأخيرة إخبار النيابة العامة بذلك فورا والإنتقال إلى مسرح الجريمة في الحال لمعاينتها وللحيلولة دون اندثار الأدلة، وكذا لضبط الأسلحة أو الأدوات المستعملة. ولها في سبيل ذلك ضبط أي شخص تبين لها أنه من المفيد أخد أقواله وكذا إقتياده إلى المخفر قصد تعميق البحث معه.
وبالتالي فإذا كان مفهوم مدى أهمية هذا الإجراء –أي الإستجواب- بكونه يحقق العدالة الجنائية، فإنه قد لا يبدوا مفهوما تخويل جهاز الشرطة صلاحيات واسعة دون مراعاة حريات الأفراد، فما الذي يضمن لنا وقوف الشرطة موقف الحياد واكتفائها فقط بالحقيقة دون محاولة منها لإنتزاع الإعتراف ولو قسرا! وبالتالي حاولت التشريعات التلطيف من حدة الإستجواب بإقرارها ضمانات وحقوق للإفراد، والتي من بينها الحق في الصمت لكل شخص تواجد أمام الشرطة.
إلا أن التشريعات المقارنة إختلفت في درجة هذا الحق، بحيث هناك من وسع هذا الحق فيها إختارت تشريعات أخرى التضييق منه أو الصمت بخصوصه.
وبالرجوع إلى التشريعات التي أقرت هذا الحق صراحة نجد غالبيتها تنتمي للمدرسة الأنجلوسكسونية ذات المسطرة الإتهامية، وهذا التوجه قد يفسره قوة جهاز الشرطة والصلاحيات الواسعة التي تضطلع بها في تلك الدول. فهي المحرك الرئيسي للإجراءات الممهدة للمحاكمة، كما أنه لا وجود للنيابة العامة ضمن قوانينها الإجرائية بمفهومها المعروف عندنا، كما خولها –أي الشرطة- القانون صلاحيات واسعة بغية تحقيق أكبر قدر ممكن من الفعالية[5].
وهكذا نص التشريع الإنجليزي في القاعدة الثانية من قواعد القضاء على أنه:إنك ليس ملزما لكي تقول شيء إلا إذا رغبت في ذلك، ولكن كل ما تقوله سيدون وربما يقدم دليلا[6]. هذا التعبير حسب الفقه[7] له من الأهمية ما يجعله يرتقي إلى مضاف ضمانات الحريات الفردية ضد أي تعسف من طرف جهاز الشرطة، وهو يمتاز بخاصيتان ذات أهمية كبرى:
أولى هاته الخاصيات تتجلى في تحذير المشتبه فيه بكونه غير مجبر على الكلام.
وثانيهما تتجلى في تذكير المشتبه فيه بخطورة الأقوال التي يمكن أن يدليها وأنه يتوجب عليه التفكير مليا قبل الإدلاء بأقواله.
وتم تعزيز هذا عبر التوسيع من نطاقه، وذلك من خلال القاعدة الخامسة من قواعد القضاء التي الزمت ضابط الشرطة قبل توجيه أي سؤال للمشتبه فيه أن يوجه له تحذير على الصيغة التالية: هل ترغب في أن تقول أي شيء في إجابتك عن التهمة؟
أنت غير ملزم بقول شيء ما لم تكن راغبا في ذاك، وكل ما تقوله سيدون كتابة عند الإقتضاء ويجوز تقديمه في الإثبات[8].
وقد ساير التشريع الأمريكي نظيره الإنجليزي فيما يخص الحق في الصمت، وذلك حرصا منه على تحقيق توازن عادل بين الفرد والدولة، أخذا بعين الإعتبار إنعدام المساواة بينهما، فيلزم الدولة بتبرير كل عمل ينطوي على المساس بالحريات الفردية إنطلاقا من كون هذا الأخير –أي المشرع الأمريكي- يعطي الأولوية للحريات الفردية[9]. فلا شك أن الإستجواب البوليسي ليس مجرد إجراء روتيني يهدف إلى مجرد تجميع المعطيات الأولوية للجريمة، بل هو إجراء خطير[10] يهدف من وراءه الحصول على الإعتراف.
وهذا ما فطن إليه القضاء الأمريكي[11]،فإستند إلى الضمانات الدستورية الواردة أساسا في التدليل الخامس[12]، والزم ضابط الشرطة وقبل البدئ في أي أستجواب أن يحذروا المشتبه فيه وفق الصيغة التالية:
- 1. لكل الحق في الصمت، فإذا رغب المشتبه فيه لزوم الصمت وجب على الضابط أن يكف عن الاستجواب.
- إن أي قول تدلى به قد يستخدم ضدك في المحاكمة[13].
وأكد القضاء الأمريكي –مجسدا في المحكمة الإتحادية العليا- هذا الحق بالقول بأن التنبيه يؤدي دوره كضمانة ضد الإستجواب البوليسي[14]. كما ذهب الفقه هو الآخر نحو تأييد قرارات المحكمة العليا، بأن اشترط إعلام ضابط الشرطة للمشتبه فيه -أو المتهم نطرا للخصوصية التي يتميز بها النظام الإتهامي الأنجلوسكسوني- بأنه إن اختار طريق الصمت فإن ذلك لن يستنتج منه دليلا على إدانته[15]. ذلك أن الفقه الأمريكي يؤمن بخطورة المرحلة، ويرى فيه ضرورة ملحة للتغلب على مختلف الضغوطات النفسية التي قد يواجهها المشتبه فيه من جهة، ولكونه يعد تأكيدا على حرية المشتبه فيه في الإستفادة من إمتيازاته الدستورية في الوقت الذي يراه مناسبا من جهة أخرى[16].
وبالتالي يتبين لنا بوضوح إقرار النظام الأنجلوسكسوني للحق في الصمت صراحة وبشكل لا يدع معه مجالا للشك، الأمر الذي يدفعنا للتساؤل عن موقف التشريع الفرنسي والمغربي من الحق؟
بالعودة إلى التشريع الفرنسي نجد أن هذا الحق يعد من الحقوق التي أثارت نقاشا حادا على مستوى الفقه والقضاء وحول الجدوى منه، حيث لقي معارضة من طرف بعض القضاة الذين وصفوه بأنه حق زائد ولا فائدة من إقراره طالما تسمح به الممارسة العملية لرجال الشرطة، فلا أحد له الحق في إجبار أي شخص على الكلام. كما ذهب البعض الآخر إلى حد القول بأن صمت المشتبه فيه ينطوي عليه إمكانية تفسير صمته ضد لمصلحته وأنه دليل على تورطه في الجريمة، فالمصلحة تقضي على المشتبه فيه الكلام إن كان فعلا بريئا لا الصمت[17].
وهذا ما تبناه المشرع الفرنسي –خلال قانون 1993- حيث لم يعترف للمشتبه فيه بالحق في الصمت مكتفيا بحقه في الإستعانة بالمحامي[18] غير أن هذا الرفض سرعان ما يستم العدول عنه بأن صدر قانون تعزيز قرينة البراءة[19]، بحيث إعترف ولأول مرة للمشتبه فيه بحقه في الصمت. كما أن التخوفات التي أثارها القضاة وضباط الشرطة بخصوص الحق سرعان ما تم تبديدها، فالتجربة العملية تؤكد علىى أن جل المشتبه فيهم لا يلجؤون إليه رغم تنبيههم من طرف الشرطة على إعتبار أن جل المشتبه فيهم في حاجة إلى الكلام لا الصمت[20].
هذا عن المشرع الفرنسي، فماذا عن نظيره المغربي؟
بالعودة إلى الدستور المغربي نجده ينص في الفقرة 3 من ف 23 على أنه: “يجب إخبار كل شخص تم إعتقاله على الفور وبكيفية يفهمها، بدواعي اعتقاله وبحقوقه ومن بينها حقه في التزام الصمت…”
وهو ما نصت عليه الفقرة الثانية من م66 م.ج التي تنص على: “يتعين على ضابط الشرطة القضائية إخبار كل شخص تم القبض عليه أو وضعه تحت الحراسة النظرية فورا وبالكيفية التي يفهمها بدواعي إعتقاله وبحقوقه، ومن بينها حقه في إلتزام الصمت”
هذا الحق الذي ظل المشرع المغربي غير معترف به إلا أمام قاضي التحقيق[21] تم إدراجه لأول مرة أمام الشرطة القضائية بمناسبة البحث التمهيدي، وذلك بموجب التعديل الذي أتى به قانون 11-35 لسنة 2011.
وقد تم الإبقاء على ذات المقتضى ضمن طيات مسودة قانون المسطرة الجنائية، حيث تم الإحتفاظ بنفس الصيغة الحالية في الفقرة الأولى من المادة 66-2. إلا أن الإشكال يطرح حول توقيت بداية الاستفادة من الحق في الصمت، هل هو قاصر على الوضع تحت الحراسة، أم حتى أمام الإستجواب البوليسي سواء قبل الوضع تحت الحراسة أم بعده؟
في نظري فإن العبارة المستعملة في نص م.66 –تقابلها 2-66 من المسودة- جاءت فضفاضة تسع جميع المراحل الإجرائية للبحث والتحري، ذلك أن المشرع حينما نص على أنه يتعين على ضابط الشرطة القضائية… إخبار كل شخص تم القبض عليه أو وضعه تحت الحراسة… فإنه ابتغى من وراء ذلك المرحلتين معا، فلو أراد المشرع المغربي حصر هذا الحق على الحراسة النظرية فقط لفعل ذلك صراحة. وبالتالي يكون المشرع المغربي قد ساير التشريعات المقارنة –التي تم الإعتماد عليها في هذا المقال- بأن اعترف للمشتبه فيه بالحق في الصمت.
الفقرة الثانية: الحق في الإستعانة بالمحامي.
بداية أشير إلى أن هذا الحق عرف تساؤلات كثيرة حول الجدوى من إقراره رغم أهميته في تكوين عقيدة القاضي الجنائي، ودوره الكبير في ضمان سلامة الإجراءات عموما والبوليسية منها على وجه الخصوص[22]. فالإستجواب البوليسي حق مهم يساعد الشرطة على الوصول إلى الأدلة التمهيدية المؤدية للكشف على الجريمة، كما ويساعد المشتبه فيه على ضمان سرية الأبحاث وعدم التشهير به وضمان طوعية الإدلاء بالأقوال… خصوصا وأنه مجرد مشتبه فيه ليس إلا. إلا أنه رغم كل ذلك يبقى الإستجواب إجراء خطير يهدد الأفراد، بحيث يمكن استغلاله لإنتزاع الإعتراف قسرا[23]، الأمر الذي مهد لطرح التساؤلات حول مدى أهمية هذا الحق لدى مختلف الأوساط الفقهية.
فما موقف التشريع من هذا الحق؟
إتفقت التشريعات المقارنة –المعتمدة في هذه الدراسة- على أهمية هذا الحق للمشتبه فيهم، إلا أنها إختلفت في التوقيت الذي يجب فيه تمكينهم منه، و امتد هذا الإختلاف ليشمل دور المحامي خلال هذه المرحلة.
- موقف الأنظمة الأنجلوسكسونية: عملت جل الأنظمة الأنجلوسكسونية على التوسيع من دائرة الحق في الإستعانة بالمحامي أمام الشرطة، فالتشريع الأمريكي مثلا وضع على عاتق الشرطة واجب تحذير المتهم بكونه غير ملزم على الكلام إلا في حضور محامية تحت طائلة بطلان الأدلة المتحصلة في حالة إغفال هذه الضمانة[24]. والعلة في ذلك تكمن في التعديل الدستوري السادس. الدي عمل على الإرتقاء بالحق في الإستعانة بالمحامي إلى مضاف المبادئ الدستورية[25].
كما تنص م.5 من ق.إ.ج الإتحادي على أنه: يجب على الإدارة –أي الشرطة- أن تقدم المساعدة للمشتبه فيه للإلمام بعناصر الواقعة المنسوبة إليه[26]. يتبين لنا من خلال نص المادة أعلاه أنه وإن كانت لم تتضمن الحق في الإستعانة بالمحامي صراحة، إلا أنها أشارت إليه ضمنا من خلال عبارة تقديم كل مساعدة للمشتبه فيه.
وإذا كانت المادة السالفة الذكر لم تنص صراحة على الحق في الإتصال بالمحامي، فإن المحكمة الإتحادية العليا[27] قد حسمت النقاش بأن أقرت للمتهم الحق في الإستعانة بالمحامي أمام الشرطة في عدة قرارات، حيث ذهبت في أحد قراراتها إلى أنه: يتمتع المشتبه فيه بالمؤازرة من قبل المحامي في القضايا المعاقب عليها بعقوبة حبسية تساوي أو تفوق ستة أشهر[28].
وذهبت في قرار آخر إلى أنه: متى كان المشتبه فيه خطر الحرمان من الحرية، فإنه يمكن من المحامي أمام الشرطة[29]. وتجسد هذا الحق في قضية ميراندا حينما ذهبت المحكمة الى أن: الإمتياز الوارد في التعديل الدستوري الخامس ضد التجريم الذاتي يتطلب نصح المحتجز بهذا الإمتياز، وبالحق في أن يكون له محام حاضر أثناء الإستجواب وأن يعين له محاميا إذا كان غير قادر ماليا[30].
وقضت ذات المحكمة في قضية أسكوبيدوا أنه: لحظة بدأ بنشاط المحامي تكون في بداية تحول الإجراءات من تمهيدية إلى إتهامية، وأن الحاجة إلى المحامي تتحدد باللحظة التي يركز فيها على المتهم بغية إنتزاع إعترافه[31].
هذا عن التشريع الأمريكي، فماذا عن التشريع الإنجليزي؟
عرف التشريع الإنجليزي تساؤلات حول مدى أحقية المتهم في الإستعانة بالمحامي أثناء الإستجواب البوليسي، خصوصا وأن هذا الحق مضمون في حالة لجوء الشرطة إلى القبض على المتهم ووضعه تحت الحراسة.
كما اغفل القضاء الإنجليزي إقرار هذا الحق للمشتبه فيه –المرحلة الأولى من مراحل البحث والتحري- أو المتهم- المرحلة الثانية وهي مرحلة توجيه الإتهام- بشكل صريح، غير أن الواقع العلمي أنذاك كان يحتم على الشرطة الإستجابة لطلب المستجوب معه وتمكينه من محاميه إمتدادا للتحذير الذي يفرض على الضابط توجيهه للمشتبه فيه أو المتهم من جهة، وكون أنه إدا رفض الضابط الإستجابة لمطالب المتهم قد يدخله في خانة خرق الإمتياز ضد تجريم الذات المنصوص عليها في قواعد القضاء[32]، ولمبدأ سلامة الإجراءات[33] وللحق في الصمت.
وقد دعت اللجنة الملكية الإنجليزية جهاز الشرطة في تقريرها عن صلاحيات الشرطة وإجراءاتها إلى ضرورة إخبار المتهم بحقه في الإستعانة بالمحامي خلال مرحلة البحث التمهيدي، وبالأخص خلال الإستجواب ما لم يرى الضابط خلاف ذلك مستندا في ذلك على أساس معقول[34].
غير أن كل ذلك لم يكن كافيا على إعتبار أن العرف العملي وتوجيهات اللجنة الملكية ليستا إلا إلتزام أخلاقي يلقي على ضابط الشرطة، لكن هذا الأمر لم يدم طويلا حيث تم منح المتهم الحق في الإستعانة بالمحامي لحضور الإستجواب البوليسي بموجب التعديل الذي أدخل على قواعد القضاء[35]. وهذا ما لقي تأييدا من الفقه الإنجليزي الذي يرى أنه من حق المتهم أن يستعين بمحاميه أثناء الإستجواب البوليسي خصوصا إن هو أصر على الحق في الصمت. كما ربط الفقه الإنجليزي الحق في الإستعانة بالمحامي بقاعدة طوعية الإدلاء بالأقوال الذي دأب القضاء الإنجليزي على إقراره مع تقرير بطلان الأدلة المتحصلة في حالة عدم الإلتزام بطوعية الإدلاء بالأقوال[36]. وبالتالي فالحق في الإستعانة بالمحامي يعد إمتدادا للحقوق الواردة أعلاه.
- موقف الأنظمة اللاتينية من الحق: اتسم موقف الأنظمة التفتيشية بخصوص الحق في الإستعانة بالمحامي بالتذبذب والتضييق من نطاقه، فالتشريع الفرنسي مثلا ظل إلى حدود سنة 1993 غير معترف بهذا الحق أمام الشرطة القضائية[37]، مبررا موقفه بأن هذه المرحلة غير قضائية ولا ينتج عنها إدانة المشتبه فيه، كما أنه لا يمكن إعتبار المستجوب معه متهما أمام الشرطة القضائية، وأنه سيمكن من محاميه أمام قاضي التحقيق حيث سيتم إعادة الإجراءات أمام هذا الأخير[38].
إلا أن المشرع الفرنسي تنبه للخطورة التي يتسم بها الإستجواب، فعمل على إقرار هذا الحق في المادتين 63 و94 ق.م.ج بموجب قانوني 1993-1994.[39] كما عمل على تعزيزهما بموجب قانون 516 الصادر بتاريخ 15-06-2000م، غير أن كل تلك القوانين لم تتضمن حق المشتبه فيه في الإستعانة بالمحامي خلال مرحلة الإستجواب البوليسي، بل كل ما هنالك أنه أقر هذا الحق خلال الوضع تحت الحراسة، وهو ما نفهم منه أن المشرع الفرنسي ظل وفيا لمبادئ المسطرة التفتيشية، وأنه بعيد عن المستوى المنشود.
وإذا كان هذا الموقف التشريع الفرنسي، فماذا عن التشريع المغربي؟
المشرع المغربي وإلى حد قريب لم يكن يقر هذا الحق كما لم يمنعه كذلك، فنصوص قانون المسطرة الجنائية الملغاة لم تقرره صراحة ولم تمنعه كذلك. الأمر الذي أدى لتضارب الأراء الفقهية حول إستفادة المشتبه فيه من إمكانية الإستعانة بالمحامي أمام الشرطة فذهب بعض الفقه[40] إلى القول بأنه لا يمكن للمشتبه فيه الإستعانة بالمحامي أثناء الإستجواب البوليسي، على اعتبار أن هذه المرحلة تتسم بالسرية وأنها ذات طابع تفتيشي محض[41].
كما أن المشرع لم يبين الطريقة التي يلزم بها المشتبه فيه على الصريح بما عنده من معلومات، غير أن التجربة العملية تقضي بأنه لكي يحمل المشتبه فيه على الإدلاء بما عنده فيكفي وضعه رهن الحراسة النظرية مدة معينة ومنعه من حرية التنقل[42]، وهذا الإجراء خطير في حد ذاته حيث يمكن استغلاله في كثير من الأحيان ضدا على قرينة البراءة[43]، خصوصا وأن المشرع المغربي جعل قرار الحراسة النظرية بيد الضابط يستعمله كيف يشاء كلما اقتضته ضرورات البحث. وبالتالي تتضح أهمية حضور المحامي لجلسات الإستجواب البوليسي[44].
ونظرا للأهمية الملحة التي أضحى يلعبها المحامي، فإن المشرع المغربي نص على هذا الحق ولأول مرة في م 66 ق.م.ج الصادرة سنة 2002، إلا أن هذه الضمانة لم تشمل الإستجواب البوليسي بل اقتصرت على مرحلة الوضع تحت الحراسة النظرية وإلى يومنا هذا يظل المشرع المغربي ينكر هذا الحق أمام الإستجواب البوليسي، بل وحتى مسودة مشروع قانون المسطرة الجنائية الحالية ظلت وفية لمبادئ النظام التفتيشي وقصرت هذا الحق على الحراسة النظرية فقط. كما أن هذا الحق يشمل فقط إمكانية إجراء إتصال هاتفي ولمدة ثلاثين دقيقة فقط، وهو ما نفهم معه أنه لا مجال لإمكانية حضوره لجلسات الإستجواب والوضع تحت الحراسة.
وبالتالي يكون المشرع المغربي قد إختار إتباع نهج نظيره الفرنسي والحفاظ على الحق في الإتصال بالمحامي بعيدا عن الإستجواب البوليسي الذي يسبق إجراء الوضع تحت الحراسة. وبالتالي تظل الضمانات التي كفلتها الأنظمة الإتهامية أقوى بكثير من تلك التي أقرتها الأنظمة التفتيشية و المختلطة.
المطلب الثاني: الوضع تحت الحراسة.
الوضع تحت الحراسة النظرية إجراء خولته التشريعات المقارنة –ومعه المشرع المغربي- للشرطة القضائية بغية تمكينها من التثبت عن الجرائم وجمع المعلومات عنها للوصول إلى مرتكبها –أو مرتكبيها في حالة التعدد- ضمانا لعنصري السرعة والفعالية التي تميزان جهاز الشرطة القضائية. ويعني هذا الإجراء وضع المشتبه فيه في المحتجز المخصص له داخل مخفر الشرطة مدة معينة –قد تطول أو تقل حسب كل تشريع- ومنعه من حرية الذهاب والإياب حتى يحمل على الإدلاء بما عنده من معلومات[45].
وهذا الإجراء لا يختلف فيه إثنان في كون رغم أهميته وضرورته فإنه إجراء خطير، حيث يمكن أن يساء استخدامه ويجعل منه إجراء قمعي يهدف الى إنتزاع الإعتراف قسرا وضدا على قرينة البراءة. وبالتالي كان لزاما على التشريعات التدخل لتعديل الكفة وموازنتها في ما بين الشرطة والدفاع خدمة للعدالة الجنائية من جهة، وحماية لحقوق الإنسان من جهة ثانية. هذه الضمانات تتجسد أساسا في الحق في الإستعانة بالمحامي(الفقرة الأولى) والحق في السلامة الجسدية (الفقرة الثانية).
الفقرة الأولى: الحق في الإستعانة بالمحامي.
خلافا للمرحلة السابقة- ونقصد الإستجواب البوليسي- لم يعرف حق الإستعانة بالمحامي خلال الوضع تحت الحراسة خلافات فقهية كبيرة، فالكل شبه متفق على أهمية هذا الحق في ضمان سلامة الإجراءات، كما أن جل التشريعات اعترفت بهذا الحق للمشتبه فيه أمام الضابطة القضائية. إلا أن الإختلاف برز حول كيفية تمكينه من هذا الحق، والوقت الذي يحق له ممارسته، حيث من التشريعات من عملت على توسيع هذا الحق، فيما إختارت أخرى التطبيق من نطاقه، فمن التشريعات التي اختارت التوسيع من نطاقه نجد دائما الأنظمة الإتهامية[46] وعلى رأسها النظامين الإنجليزي والأمريكي:
فالتشريع الإنجليزي يخول للشرطة صلاحيات واسعة في المراحل ما قبل المحاكمة، حيث لها في سبيل ذلك الحق في القبض على المتهم –وهو المشتبه فيه- دون الحصول على إذن قضائي سبق، بناءا على السبب المعقول للإشتباه[47]The Reasonable –
– Couse فهذا السبب يخول للشرطة الحق في توجيه الإتهام الرسمي للمشتبه فيه، فيصبح هذا الأخير متهما أمامها بإرتكابه أو محاولة إرتكابه للجريمة وبالتالي أمكن لها وضعه تحت الحراسة[48]–[49].
وهذه الصلاحيات الواسعة التي تتمتع بها الشرطة هي التي دفعت بالمشرع للإعتراف بحق المتهم في الإستعانة بالمحامي للدفاع عن نفسه في أي مرحلة من مراحل البحث البوليسي بما فيها الوضع تحت الحراسة، كما خول له الحق في الصمت وعدم الكلام إلا في حضور محاميه للتشاور معه ومراقبته لسلامة الإجراءات[50].
وما قبل عن التشريع الإنجليزي يقال عن التشريع الأمريكي، فهذا الأخير هو الآخر مكن الشرطة من صلاحيات واسعة في إدارة الإجراءات الجنائية السابقة على المحاكمة، حيث تمارس صلاحيات وسلطات واسعة تؤثر بلا شك على الحلقات الإجرائية اللاحقة[51]. لعل أهم تلك الصلاحيات القبض على المتهم –المشتبه فيه في التشريع المغربي مثلا- دون الحصول على إذن قضائي مسبق[52]، بناء على السبب المحتمل للإشتباه The Probable Cause)).
وبالتالي وأمام قوة الشرطة إرتائ المشرع الأمريكي تخويل المتهم ضمانات لا تقل أهمية عن سلطات الشرطة[53]، لعل أقواها الحق في الإستعانة بالمحامي لحضور جلسات الإستجواب السابقة على قرار القبض واللاحقة عليه، وكذا للتشاور معه ومراقبة ظروف القبض وغير ذلك.
ومرد هذا الحق يكمن أساسا حتى التعديل الدستوري السادس وللقوانين الداخلية للولايات، من ذلك مثلا ما نصت عليه م 82 ق. ولاية كاليفورنيا. “يحق للمقبوض عليه الإتصال بالمحامي إذا طلب ذلك، فإذا لم يسمع الضابط للمحامي زيارة موكله عوقب بغرامة قدرها خمسمائة دولار“. كما أيدت المحكمة الإتحادية العليا هذا الحق في قرارها الصادر سنة 1964 حيث قالت: “يحق للمتهم الإستعانة بمحاميه أثناء مرحلة البحث التمهيدي، ومنذ لحظة القبض عليه”. كما قررت أنه “يجب على الضابط تنبيه المشتبه فيه المقبوض عليه بحقه في الإستعانة بالمحامي وإستشارته قبل إستجوابه، ويجب تأجيل الإستجواب إلى أن يصل المحامي، فإن لم تلتزم الشرطة بذلك فإن أي إعترافات تحصلت عليها وكل الأدلة يكون مآلها البطلان[54]–[55].
وفي المقابل نجد التشريعات التي إختارت التضبيق من نطاق هذا الحق دائما التشريعات التي المستوحات من النظام التفتيشي، ونجد ذلك على سبيل المثال كل من التشريعين الفرنسي والمغربي:
* فالمشرع الفرنسي وإن إختار طريق التضبيق من نطاق الحقوق والضمانات في مرحلة الإستجواب، فإنه عمل في هذه المرة على التوسيع –بحذر- من أحقية المشتبه فيه –المتهم في الأنظمة الإتهامية- في الإستفادة من المحامي. إلا أن هذا الحق لم يتم الإعتراف به بشكل سلس، بل مر بمراحل مريرة، فقانون المسطرة الجنائية الملغى[56] لم يتضمن هذا الحق ولم يعترف به إلا خلال مرحلة التحقيق الإعدادي[57]. ولم يعترف المشرع الفرنسي بهذا الحق إلا بموجب قانوني 1993 و1994، معترفا ولأول مرة بأحقية المشتبه فيه في الإستعانة بالمحامي أمام الشرطة في المادتين 4-63 و94 ق.م.ج.
لكن رغم ذلك ظل الغموض يلف هذا الحق حول كيفية تصور هذا الدور، الأمر الذي أدى لإنقسام الآراء الفقهية[58]. وكنتيجة لذلك نجد المشرع الفرنسي وإن أجاز للمشتبه فيه أن يطلب الإتصال بمحاميه والإطلاع على طبيعة الجريمة التي يجري البحث بصددها، إلا أنه لم يسمح لهذا الأخير من حضور جلسات الإستجواب التالي لقرار الحراسة، وأن الإتصال لم يسمح به إلا بعد مرور 20 ساعة على بداية الحراسة والحال أن أغلب حالات الحراسة قد لا تتجاوز هذه المدة[59]. كما أن مدة الإتصال لا تفوق 30 دقيقة.
ونتيجة لذلك عمل الفقه الفرنسي على الضغط على المشرع[60] لمحاولة ملائمة قوانينه مع المعايير الدولية، وهذا ما استجاب له المشرع الفرنسي فأصدر قانون 560 الصادر 15.01.2000 والذي جاء بمجموعة من التدابير التي من شأنها تعزيز المراقبة القضائية على أعمال الشرطة وحماية حقوق الدفاع. فكانت أهم هذه الإجراءات تتمثل في:
– إقرار حضور المحامي منذ بداية الحراسة النظرية.
– ….
إلا أن هذا الأخير وإن كان قد إعترف للمشتبه فيه بالحق في الإتصال بمحاميه منذ الساعة الأولى من بداية الحراسة، وبعد مرور 20 ساعة على بدايتها و36 ساعة في حالة تمديد الحراسة، فإنه ظل وفيا لمبادئ المسطرة التنقيبية حيث لم يمكنه المحامي من حق الإطلاع على الملف كما لا يمكنه مؤازرة المشتبه فيه خلال الإستجواب.
وما قبل على المشرع الفرنسي يقال على المشرع المغربي –الذي يستقي أغلب قوانينه من المشرع الفرنسي- فهذا الأخير لم يعترف بهذا الحق صراحة خلال مرحلة البحث التمهيدي –وإن كان لم يمنعه كذلك- ولم يعترف به إلا أمام قاضي التحقيق –متبعا نهج المشرع الفرنسي أنذاك- في قانون المسطرة الجنائية الملغاة. وبعد صدور قانون المسطرة الجنائية الحالي –سنة 2002- يكون المشرع المغربي قد تدارك النقض الذي إعترى القانون الملغى بأن إعترف بهذا الحق أمام الشرطة القضائية في م.66 ق.م.ج التي تنص في فقرتها السادسة على أنه: يتم ترخيص الإتصال المشتبه فيه بمحاميه من طرف النيابة العامة إبتداء من الساعة الأولى من تمديد مدة الوضع تحت الحراسة، وذلك لمدة 30 دقيقة في جو يكفل السرية ويمنع على المحامي إخبار أي كان بما راج خلال الإتصال بموكله قبل إنقضاء هذه الحراسة النظرية[61].
إلا أن هذا المستجد الذي جاء به قانون المسطرة الجنائية لسنة 2002[62] وإن إعترف بهذا الحق، فإنه قد أفرغه تماما من محتواه، حيث لم يعترف به إلا بعد الساعة الأولى من تمديد الحراسة، أي بعد 48 ساعة من إنقضاء المدة الأصلية[63].وبالتالي فما الجدوى من إقراره أصلا! هذا الإشكال حاول المشرع المغربي التلطيف منه بأن جعله ممكنا الإتصال بالمحامي بعد الساعة الأولى من إنقضاء نصف المدة الأصلية للحراسة، أي بعد إنقضاء 24 ساعة من الوضع تحت الحراسة. إلا أن هذا التعديل إعتبره الفقه مجرد ذر للرماد على الأعين، وبالتالي طالبوا بمزيد من الضمانات، وهو ما إستجاب له المشرع المغربي بعد التعديلات التي أدخلها على م66 ق.م.ج بموجب قانون 35.11[64]، حيث أصبح الإتصال ممكن لمدة لا تتجاوز 30 دقيقة –دائما- قبل إنقضاء نصف المدة الأصلية للحراسة. هذا التعديل وإن كان لا يختلف فيه إثنين حول أهميته، إلا أنه ما يلاحظ على المشرع أنه لا يبدوا متحمسا كثيرا فيما يتعلق بحقوق الدفاع، فأي مادة يقرر فيها ضمانة إلا ويتبعها بإستثناءات تكاد تفرغها من محتواها، فإمكانية هذا الإتصال –ولو على علاته- أصبحت بعد التعديل ممكنه قبل إنتهاء نصف المدة الأصلية للحراسة، إلا أنه يمكن للنيابة العامة تأخير هذا الإتصال بناءا على طلب ضابط الشرطة القضائية لمدة لا تتجاوز 12 ساعة إبتداءا من إنتهاء نصف المدة الأصلية للحراسة على سبيل الإستثناء! كما أن هذا المقتضى الجديد لم يشمل الجرائم الإرهابية التي ظلت إمكانية الإتصال بالمحامي فيها ممكنة قبل إنصرام المدة الأصلية للحراسة.
وأمام هذا الوضع التشريعي، وبناء على الإنتقادات الفقهية والحقوقية للمقتضيات المتعلقة بالإتصال بالمحامي، فإن المشرع المغربي أصدر مسودة مشروع قانون المسطرة الجنائية[65] لتغيير وتتميم القانون الحالي. ومن جملة مستجداته ما تعلق ب م 2-66 التي تنص على: “يتم الإتصال بالمحامي إبتداء من الساعة الأولى لإيقاف المعني بالأمر…”
لا شك في كون هذا التعديل –إن كتب له الخروج إلى حيز التنفيذ- الذي جاءت به المسودة يشكل تعزيزا لحق الإتصال بالمحامي، إذ من خلاله يمكن المشتبه فيه من الإستفادة من هذا الحق منذ بداية الإيقاف. والمقصود من هذا الإجراء تجنب الإعترافات المنتزعة عن طريق الإكراه أو التعذيب… وضمان سلامة وسائل الإثبات من جهة أخرى[66].
هذا التعديل الذي جاءت به المسودة وإن كان يشكل تقدما ملموسا إذا ما تمت مقارنته مع النص الحالي، فإنه لم يسلم من الإنتقادات، فبعض الفقه[67] يرى بأن يخول المشتبه فيه من حق الإتصال بالمحامي فور وضعه رهن تدبير الحراسة النظرية إبتداءا من الساعة الأولى للوضع تحت الحراسة، والفورية هنا –حسب نفس الفقه دائما- تؤدي وظيفتها بشكل أكبر إذا كانت رغبة المشرع تسير نحو الحفاظ على الكرامة الإنسانية.
إلا أن الرغبة في إحترام حقوق الإنسان والكرامة الإنسانية من طرف المشرع المغربي –والمسودة ليست بإستثناء- دائما ما يكتنفها نوع من الخوف والهاجس أمني، فكلما أقر ضمانة إلا وأتبعها بإستثناء. وهذه المرة أقر المشرع في المسودة بإستثناء يتيح للنيابة العامة بتأخير الإتصال بالمحامي كلما كانت الجريمة تشكل جناية، أو جريمة إرهابية وإقتضت ضرورات البحث تأخير هذا الإتصال بناء على طلب ضابط الشرطة القضائية، على أن لا تتجاوز مدة التأخير نصف المدة الأصلية للحراسة.
وبالتالي فما الجدوى من إقرار حق وإتباعه بإستثناء يفرغه من محتواه! خصوصا وأن التأخير مبني على طلب ضابط الشرطة القضائية بناء على ضرورات البحث، هذه الضرورة تخضع لتقدير ضابط الشرطة القضائية وهو ما يتعارض مع حقوق الدفاع.
وبالتالي يكون المشرع المغربي –ومعه الفرنسي وإن بحدة أقل- قد حافظ على مبادئ للنظام التفتيشي، وما يساير –بل وبعيد كل البعد- تطور الأنظمة الإتهامية الأنجلوسكسونية في إقرارها لحقوق الدفاع، حيث لم يقر حق الإستعانة بالمحامي لحضور جلسات الإستجواب ومراقبة الوضع تحت الحراسة. فكل ما هنالك أنه أقر حق الإتصال بالمحامي ولمدة لا تتجاوز 30 دقيقة، مع وجود إستثناءات تحد أو تفرغ هذا الحق من محتواه.
الفقرة الثانية: الحق في السلامة الجسدية
الحق في السلامة الجسدية أو الحق في الفحص الطبي إجراء القصد من وراءه التأكد من طواعية الإدلاء بالإقوال أمام الشرطة القضائية، و إحترام مبادئ حقوق الإنسان أثناء فترة الوضع تحت الحراسة والإستجواب البوليسي عموما. وهذا الحق يعد من الحقوق الهامة –بل وغاية في الأهمية- للمشتبه فيه وللشرطة القضائية على حد سواء، وذلك لعلة تكمن في ضمان إحترام الكرامة الإنسانية ومنع التعذيب والإكراه و غيره من جهة، ولضمان سلامة الإجراءات والإطمئنان للمحاضر المحررة من طرف الضابطة القضائية من جهة أخرى.
ونظرا لأهمية هذا الحق فنتساءل عن موقف التشريعات المقارنة منه؟
بالرجوع إلى التشريعات المقارنة –المعتمدة في هذا البحث- نجد أنها لم تنهج نفس الموقف بخصوص الحق، فالتشريعات الأنجلوسكسونية لم تنص على الحق في الفحص الطبي أمام الشرطة مكتفية بتبرير موقفها يكون المتهم مؤازر بالمحامي أمام جميع المراحل الإجرائية، كما أن المتهم –ومعه المشتبه فيه- يستفيد من الإمتياز ضد التجريم الذاتي الوارد في الدستور واعتباره من المبادئ الدستورية.
وخلافا لذلك نجد الأنظمة المستوحات من النظام اللاتيني –فرنسا والمغرب على وجه الخصوص- قد أقرت صراحة هذا الحق للمشتبه فيه لمواجهة الشرطة القضائية، وهذا حال المشرع الفرنسي، فهذا الأخير وبعد أن كان لا يعترف للمشتبه فيه بالحق في الفحص الطبي، وبعد أن خول لهذا الأخير ولوحده الحق في طلب إجراءه عند وضعه تحت الحراسة النظرية وفقط في حال التمديد. جاء قانون سنة 1993 ليضع حدا لتجاوزات المراحل السابقة بأن إعترف بهذا الحق للمشتبه فيه الموضوع تحت الحراسة عند وضعه مباشرة تحت هذا التدبير، كما خول لأحد أفراد أسرته الحق في طلب إجراءه. ولم يكتف المشرع الفرنسي بهذا الحد فقها بل أقر هذا الحق عند إتخاد قرار التمديد الحراسة، دون أن ننسى تخويل المشرع لكل من وكيل الجمهورية وقاضي التحقيق الحق في تعيين طبيب لإجراء الفحص الطبي على المشتبه فيه بشكل تلقائي إذا بدت على هذا الأخير علامات تعذيب أو عنف[68].
كما الزم المشرع الفرنسي[69] أن يتضمن ملف القضية شهادة طبية تفيد بمدى قدرة المشتبه فيه على تحمل الحراسة النظرية، مع إشعار ضابط الشرطة القضائية المشتبه فيه بحقه في إجراء القصص الطبي وبكيفية يفهمها مباشرة حق إتخاذ قرار الوضع تحت الحراسة[70].
وتثمينا للحق في السلامة الجسدية ومراعاة الحقوق للإنسان والعدالة الجنائية أقر المشرع الفرنسي ضمانة أخرى تدعم هذا الحق، ويتعلق الأمر بإلزام ضابط الشرطة القضائية بتضمين المحضر للمدة التي استغرقها الإستجواب، وفترات الراحة التي منحت للمشتبه فيه، واليوم والساعة التي بدأت فيها الحراسة النظرية واليوم والساعة التي إنتهت فيه. مع الإشارة في المحضر إلى جميع الطلبات التي تقدم بها المشتبه فيه[71].
ولم يكتف المشرع الفرنسي بهذا الحد بل عمل بموجب قانون تدعيم قرينة البراءة –ق.560 لسنة 2000- على إدخال إصلاحات للحراسة النظرية بأن أشار ولأول مرة على الحق في التغذية الصحية للمشتبه فيه، مع الزام ضابط الشرطة القضائية يتضمن عدد مرات التغذية الممنوحة للمشتبه فيه في المحضر[72].
وإذا كان المشرع الفرنسي قد إعترف بالحق في السلامة الجسدية –خصوصا الحق في الفحص الطبي- فما هو موقف مشرعنا المغربي؟
بالرجوع إلى نصوص قانون المسطرة الجنائية نجد هذا الأخير –المشرع المغربي- أقر هذا الحق لكن ليس أمام الشرطة القضائية، بل أمام النيابة العامة فقط بموجب تعديل 1991. الأمر الذي دفع إلى التساؤل حول الجدوى من اللجوء إلى الفحص الطبي أمام النيابة العامة وإغفاله أمام الشرطة القضائية، خصوصا وأننا نعلم بأن الحراسة النظرية في التشريع المغربي طويلة نسبيا –بل والأطول من بين التشريعات المعتمدة في هذه الدراسة- وبالتالي فإن هذا الحق قد يفرغ كليا من محتواه على إعتبار أن هذه المدة قد تكون كافيا لمحو آثار التعذيب[73].!
كما أن المشرع المغربي لم يخول للمشتبه فيه حق اللجوء إلى الفحص الطبي، بل كل ما هنالك أنه للمحامي[74] أن يلتمس إجراء الفحص الطبي على موكله أمام النيابة العامة، أو تأمر هاته الأخيرة بإجراءه تلقائيا إذا عاين ممثل النيابة العامة بنفسه أثار التعذيب ظاهرة على المشتبه فيه. وهذا النص مازال معمول به إلى يومنا هذا. وبالتالي نستنتج أن المشرع المغربي لم يعترف للمشتبه فيه بالحق في الفحص الطبي –وهو أهم إجراء من إجراءات السلامة الجسدية- وهو ما يدفعنا إلى التساؤل عن موقف المسودة من الحق؟
بالرجوع إلى نصوص مسودة مشروع قانون المسطرة الجنائية نجدها تنص في المادتين 73 و74-1 على أنه للمحامي أن يلتمس إجراء الفحص الطبي على موكله” الأمر الذي يفيد بإحتفاظ المسودة عى نفس النهج المتبع حاليا، أي أن المشرع المغربي مازال لا يعترف بالحق في الفحص الطبي بشكل صريح[75] الأمر الذي دفع ببعض الفقه[76] إلى المطالبة بضرورة تمكين المشتبه فيه بهذا الحق منذ بداية الحراسة النظرية مباشرة، وبعد إنتهائها مع تمكين هذا الحق لمحامي المشتبه فيه على اعتبار أن هذا الأخير غالبا ما يجعل حقوقه أو لكونه في وضعية لا تسمح له المطالبة بهذا الحق.
المبحث الثاني: الإجراءات الماسة بحرمة المسكن والحياة الخاصة، مبرراتها والضمانات المحيطة بها
تعد الإجراءات الماسة بحرمة المسكن والحياة الخاصة من السلطات التي خولها المشرع للشرطة القضائية الغرض منها تسهيل مأموريتها، وضمان فعاليتها وسرعتها في كشف معالم الجريمة ومرتكبها تحقيقا للأمن الإجتماعي. غير أن هذا الإجراء يعد في نفس الوقت من أخطر الصلاحيات المتاحة للشرطة القضائية، لكونه قد يشكل أداة قمعية في يد الشرطة القضائية تبتغي من وراءه إدانة المشتبه فيه، عبر اللجوء إلى الطرق غير المشروعة من تفتيش دون إذن صاحبه أو دون التقيد بالضوابط القانونية، أو التصنت على الأشخاص وتسجيل مكالمتهم دون الرجوع إلى السلطات المختصة، الأمر الذي قد يسفر عن إنتزاع دليل الإدانة ونقصد على وجه الخصوص الإعتراف.
وعلى هذا الأساس أقرت التشريعات الحق في حرمة المسكن وعملت على الرقي به إلى مصاف المبادئ الدستورية، فلا ينبغي إنتهاكها إلا على سبيل الإستثناء وبعد التقيد التام بالضوابط القانونية، (المطلب الأول) كما أن التنصت على المكالمات الخاصة وتسجيلها يعد هو الآخر إجراء خطير لكونه يضع المبادئ الدستورية على المحك، وهو ما فرض إقرار حقوق وضمانات غاية في الصرامة حتى يمكن اللجوء إليه. (المطلب الثاني).
المطلب الأول: التفتيش البوليسي.
يعد التفتيش بنوعيه –تفتيش الأشخاص والمنازل- واحد من السلطات الخطيرة التي تتوفر عليها الشرطة القضائية، وذلك لما لهذا الأخير من نتائج جد حاسمة قد تؤدي إلى تغيير مسار الإجراءات الجنائية. فهو إجراء قد تستغله الضابطة القضائية بطرق غير مشروعة للحصول على الدليل المادي للجريمة، وبالتالي يصبح دليل إدانة.
ونظرا لخطورة هذا الإجراء –وأهميته في نفس الوقت- كان لزاما على التشريعات إحاطته بجملة من الضمانات للموازنة بين السلطات البوليسية والضمانات الفردية، سواء تعلق الأمر بتفتيش الأماكن (الفقرة الأولى) أم بتفتيش الأشخاص (الفقرة الثانية).
الفقرة الأولى: تفتيش المساكن
تحظى المساكن بوضعية متميزة في الإجراءات الجنائية نظرا لإرتباطها الوثيق بالحق في الحياة الخاصة، فهذا الحق يعد من صميم الحريات الفردية لذلك لم تتوانى جل التشريعات المقارنة على حمايته بواسطة أسمى قوانينها –ونقص بذلك الدستور- فقررت حماية الحق في حرمة المساكن لكل الأفراد ولا يمكن الحد منه إلا بمقتضى القانون، ووفقا لشروط محددة تحت طائلة البطلان.
والتشريعات المقارنة –الأنجلو سكسونية واللاتينية- إتفقت في مجملها –مع إختلاف درجة الحماية بينها- على الإعتراف بالحق في حرمة المسكن، بحيث لا يمكن الحد منه إلا بقانون وتبعا للضوابط المقررة.
* وهكذا نص المشرع الإنجليزي –عبر قواعد القضاء- على الحق في حرمة المساكن وعدم جواز إنتهاكها ضمانا للحق في الحياة الخاصة، إلا أنه ولضرورات العدالة الجنائية سمح بالحد من هذا الحق لضبط مرتكبي الجرائم وحجز الأسلحة أو الأدوات المستعملة فيها، شريطة أن يكون التفتيش قانونيا، وحتى يكون هذا الأخير قانونيا فيتوجب عليه أن يتم بموجب إذن قضائي[77]. وهو ذات الشرط الذي إشترطه قانون الشرطة والإثبات الجنائي، حيث إشترط لإجراء التفتيش على منزل المتهم –دائما هذه خصوصية النظام الإتهامي- أن يكون مسبوقا بإذن قضائي بناء على السبب المعقول للإشتباه دائما[78].
وإستثناء من أحكام الفقرة السابقة ونظرا للظروف الإستثنائية التي تجعل من الإستحالة على الضابط الرجوع إلى القاضي المختص لإستصدار الإذن بالتفتيش، فإنه يجوز لهذا الاخير –أي الضابط- تفتيش منزل المتهم المقبوض عليه، أو المكان الذي تم ضبطه فيه، أو المنزل الذي كان يقيم فيه قصد ضبط وحجز كل ما من شأنه المساهمة في فك الجريمة[79].
ورغم إعتراف المشرع الإنجليزي بالحق في حرمة المسكن وأفرد له ضمانات تحول دون اللجوء إلى التفتيش غير القانوني، فإنه يعاب على هذا الأخير أنه أغفل تحديد الوقت القانوني لإجراءه[80]، والذي يتوجب على ضابط الشرطة التقيد به، وهذا ما يفهم منه أن للشرطة الحق في إجراءه متى شاءت فليس هناك توقيت محدد يتعين عليها التقيد به طالما كان هذا الأخير –أي التفتيش- قانونيا[81].
* كما نص التشريع الأمريكي هو الآخر على ضمان حرمة المسكن بل إن هذا الحق عرف منذ نشأته وإلى يومنا هذا عدة تعديلات جوهرية[82]، والعلة في ذلك تكمن في إعتبار قانون التفتيش من أكثر القوانين تعقيدا نظرا لإرتباطه الوثيق بالحقوق والحريات الفردية من جهة[83]، ولكون تفتيش المنازل يعد من المبادئ الدستورية الواردة في التعديل الرابع من جهة أخرى[84].
فالتعديل الدستوري الرابع يلعب دورا أساسيا في الحد من إنتهاك حرمة الحياة الخاصة عبر فرضه جملة من القيود الهامة على الشرطة في إجراء التفتيش. لعل أهمها تكمن في:
– أن يقوم معيار السبب المحتمل لإصدار الأمر بالتفتيش، وهذا ما يدعوا للإعتقاد بأن المكان المراد تفتيشه يحتوي على الأشياء المراد ضبطها.
– تفصيل الأماكن المراد تفتيشها وضبطها.
– الحصول على أمر قضائي لإجراء التفتيش وإلا إعتبر غير مشروع[85]. وعليه فحتى يكون التفتيش صحيحا ويتنج أثاره القانونية فلا بد من أن يتم بناء على إذن قضائي[86].
لكن هناك حالة أخرى من حالات التفتيش يسمح معها بإجراءه من دون إذن قضائي، هذه الحالات أشار إليها المشرع الأمريكي بمناسبة ظروف إستثنائية تجعل من الإستحالة إستصدار الإذن القضائي قبل القبض على المتهم.
هذه الحالة تتجسد أساسا في حالة التلبس بحيث يجوز في هذه الحالة تفتيش منزل المتهم من طرف ضابط الشرطة دون الحاجة إلى الحصول على إذن قضائي مسبق، والعلة في ذلك تكمن في حالة الإستعجال التي لا تترك معها للشرطة الوقت الكافي للرجوع إلى القاضي لإستصدار الإذن بإجراء التفتيش. لكن شريطة قيام أحد الأسباب المحتملة التي تفيد بضرورة إجراء التفتيش[87]، هذه الأسباب ستخضع لتقدير القاضي المختص فيما بعد[88].
وهذا ما ذهبت إليه المحكمة الإتحادية العليا في إحدى قضاياها بأنه: “يجوز لضابط الشرطة دخول منزل المتهم حينما يرى من الخارج أن جريمة ترتكب بداخله، لأنه من غير المعقول أن يغلق عينيه عن الجريمة التي شاهدها“[89].
إضافة إلى حالة التلبس هناك حالة أخرى تتيح للضابط التفتيش من دون الإذن القضائي، ويتعلق الأمر بالتفتيش تبعا للقبض القانوني الصحيح، ففي مثل هاته الحالة يجوز تفتيش منزل المتهم إذا ما لاحظ بأنه تمة ما يدعوا لإجراءه دون الحصول على الإذن القضائي، شريطة مراعاته لضمانات حرمة الحياة الخاصة بحيث يكتفي الضابط في هذه الحالة بتفتيش المنطقة المحيطة بمكان القبض[90].
فهذا التفتيش ما هو سوى إجراء وقائي الغرض منه التثبت من المنطقة المحيطة بمكان القبض لإحتمال إحتواءها على أداة الجريمة، والتي قد تكون معرضة للضياع أو التلف.
وقد علق القاضي كاردوزو على هذا التفتيش بالقول “إن التفتيش والحجز الواقع على الأماكن المشمولة بالحصانة الدستورية تبعا للقبض القانوني الصحيح، إنما أملته الظروف المحيطة بالجريمة، فهو ناجم عن الإدراك الشديد لمتطلبات السلطة الضرورية“[91].
إلا أنه رغم أهمية الحقوق والضمانات التي كفلها التشريع الأمريكي[92] فإن ملاحظ أنه على غرار التشريع الإنجليزي قد أغفل تحديد الوقت القانوني للتفتيش، حيث لا يوجد توقيت معين تحت طائلة البطلان، مما قد يشكل خطورة على حرمة الحياة الخاصة عبر تعمد إجراءه في أوقات متأخرة من الليل.
وإذا كانت الأنظمة الإتهامية الأنجلو سكسونية قد كفلت للأفراد حقوق وضمانات –مع بعض المؤاخذات- فماذا عن المشرعين الفرنسي والمغربي؟
القوانين اللاتينية كالأنجلو سكسونية عملت هي الأخرى على الرقي بحرمة المساكن وجعلها من المبادئ الدستورية، حيث أفردت لها حصانة دستورية لا يمكن الحد منها إلا بقانون.
* وهكذا خول المشرع الفرنسي للشرطة القضائية صلاحية الحد من حرمة المسكن وتفتيشه بغيت البحث عن الأدلة المؤدية للكشف عن ملابسات الجريمة،حيث يتعين على هاته الأخيرة –أي الشرطة- أن تجريه بمعية صاحب المنزل أو بحضور من يمثله، وفي حالة تعذر ذلك أمكن للضابط إجراءه بإنتداب إثنين من الغير لحضور هذا التفتيش[93].
كما أقر المشرع الفرنسي ضمانة أخرى غاية في الأهمية هي من صميم ضمانات حرمة المنازل، ويتعلق الأمر بإحترام الوقت القانوني للتفتيش، بحيث لا يجوز إجراءه إلا بعد الساعة السادسة صباحا وقبل التاسعة ليلا[94]. وفي حالة ما إذا خالف الضابط القواعد القانونية المتعلقة بالوقت القانوني للتفتيش فإن مآل الإجراء هو البطلان مع ما يترتب عليه من نتائج[95].
وإذا كان المشرع الفرنسي قد أقر ضمانات تفتيش المنازل، فماذا عن المشرع المغربي؟
بالرجوع إلى الدستور المغربي نجد هذا الأخير لم يخرج عن الركب، فقرر توفير الحماية الدستورية للمنازل بموجب الفقرة الثانية من الفصل 24 التي تنص على: “لا تنتهك حرمة المنزل، ولا يمكن القيام بأي تفتيش إلا وفق الشروط والإجراءات التي ينص عليها القانون“.
وبالعودة إلى قانون المسطرة الجنائية نجد هاذه الأخيرة قد كفلت الحماية الدستورية للمنازل، فأقرت صراحة قدسيتها وعدم الجواز تفتيشها إلا وفق الضوابط المحددة في القانون. هذه الضوابط تتمثل في النقط التالية:
أولا: إحترام الوقت القانوني للتفتيش
نصت على هذه الضمانة م 62 ق.م.ج حيث جاء فيها: “لا يمكن الشروع في تفتيش المنازل أو معاينتها قبل الساعة السادسة صباحا وبعد الساعة التاسعة ليلا…”.
من خلال ما سبق يتبين لنا بوضوح أن التفتيش الواقع على المنازل إجراء وثيق الصلة بالحريات الفردية، لذلك لم يترك المشرع لضابط الشرطة القضائية الحق في تفتيشه متى شاء ذلك، اللهم إذا تعلق الأمر بالإستثنائات التي أتبعتها م 62 ق.م.ج على سبيل الحصر[96].
لكن ماذا عن حالة التفتيش الذي يجري في ساعة قانونية ويواصل حتى بعد التاسعة ليلا؟
بخصوص المسألة ذهب البعض[97] إلى عدم ممانعة مواصلة ضابط الشرطة القضائية لهذا التفتيش على إعتبار أن العلة في قانونية التفتيش تكمن في بدايته لا نهايته. في حين ذهب البعض الآخر[98] إلى مخالفة الرأي الأول حيث رأى أنه ينبغي صراحة منع إستمرار التفتيش بعد الساعة التاسعة ليلا، حيث يقع على ضابط الشرطة القضائية واجب الشروع في تفتيش المنزل قبل إنقضاء الوقت القانوني بزمن مريح.
والمشرع المغربي وبعد هذه الإتجاهات عمل على دفع الخلاف الفقهي بأن اعتبر التفتيش الذي يبدأ صحيحا يمكن مواصلته حتى بعد التاسعة ليلا[99].
ثانيا: وجوب حضور بعض الأشخاص أثناء التفتيش
يتعين أن يتم التفتيش بحضور صاحب المنزل سواء أكان مشتبها فيه أم لا[100]، وهذا ما نصت عليه م 60 ق.م.ج، حيث إشترطت أن يتم التفتيش بحضور صاحب المنزل إذا كان يشتبه في تورطه بالجريمة، فإن لم يكن حاضرا وجب التفتيش بحضور ممثله، فإن تعذر ذلك فإنه يتوجب على ضابط الشرطة القضائية إنتداب شاهدين إثنين من غير الخاضعين لسلطته لحضور عملية التفتيش ضمانا لإتسام التفتيش بالمشروعية[101].
أما إذا كان التفتيش يجري بمنزل شخص أخر غير مشتبه فيه لكن يحتمل أن يحوز مستندات أو أسلحة أو أية أشياء لها علاقة بالجريمة، فيتوجب حضوره لعملية التفتيش بنفسه، فإن تعذر ذلك وجب سلوك نفس الإجراءات المبنية أعلاه.
أما إذا تعلق الأمر بجريمة غير تلبسية فإنه يمنع منعا كليا على ضابط الشرطة القضائية إجراءه مالم يحصل على موافقة صريحة كتابة وبخط يد صاحب المنزل،[102]مع بعض الإستثناءات الواردة بعده في ذات المادة.[103]
لكن في حالة عدم مراعاة الضوابط القانونية للتفتيش، فما هي الجزاءات المقررة من طرف المشرع؟
نصت على هذا الإشكال م 63 ق.م.ج[104] حيث جاء فيها: “يعمل بالإجراءات المقررة في المواد 59 و60 و62 أعلاه تحت طائلة بطلان الإجراء المعيب وما قد يترتب عنه من إجراءات“.
على أساس ما سبق يتبين لنا أن المشرع المغربي –وبخلاف التوجه الذي سلكه بخصوص الحراسة النظرية- نص وبكيفية صريحة على بطلان التفتيش مع ما قد ينتج عنه من إجراءات تبعا للعيب الذي إعتراه مخالفة للمواد 59و60و62 ق م ج.[105] وبالتالي يترتب على بطلان التفتيش بطلان الأدلة المتحصلة منه نتيجة للإجراء المشوب بالعيب، الأمر الذي يستوجب إستبعاده من ملف البحث التمهيدي برمته.[106]
الفقرة الثانية: تفتيش الأشخاص
خولت التشريعات المقارنة لضابط الشرطة القضائية الحق في تفتيش المشتبه فيه أو المتهم –حسب طبيعة كل نظام كما أوضحنا سابقا- لضبط ما بحوزته من أسلحة أو مستندات أو أية أشياء لها علاقة بالجريمة، حيث أجمعت على منح هذه الصلاحية للضابطة القضائية، وفي المقابل لذلك خولت الأفراد ضمانات تقيهم من أي تعسف محتمل.
* وهكذا خول التشريع الإنجليزي بموجب قواعد الشريعة العامة لضابط الشرطة تفتيش المشتبه فيه أو المتهم[107] لحجز ما بحوزته من أسلحة أو أدوات أو كل ما من شأنه أن يشكل الدليل المادي للجريمة والتي من أجلها تم القبض عليه، تبعا للشك المعقول للإشتباه دائما.[108]
كما خول قانون الشرطة والإثبات الجنائي للشرطة صلاحية تفتيش الأشخاص المقبوض عليهم بغية الوصول إلى فك معالم الجريمة. غير أن ذات القانون لم يطلق هذا الحق بل عمل على إحاطته بضمانات موازية للسلطات ضمانا للحقوق والحريات الفردية. هذه الضمانات تمثلت في:
– أن تكون هناك أسباب معقولة للإشتباه تدعوا الضابط للإشتباه في أن المشتبه فيه أو المتهم يخفي أسلحة أو أدوات تشكل خطورة على الأفراد أو بإخفاءه للأدلة المادية للجريمة موضوع التفتيش، وحتى لا يبقى مجال للشك فقد قررت م 54 ق.ش.إ.ج ترك مسألة تقدير معقولية الأسباب المؤدية للتفتيش وغيره للمحكمة.[109]
– أن يحترم ضابط الشرطة حرمة الإنسان وكرامته، ويتعلق الأمر بعدم إنتهاك كل ما هو مرتبط بالعورة، حيث لا يمكن أبدا تحت أي ظرف كان أن تفتش الأنثى إلا بواسطة الأنثى تحت طائلة البطلان، دون الإخلال بالمسؤولية التأديبية في حق الضابط المخل، بل وحتى الجنائية إذا ما تبت ارتكابه لجريمة التحرش الجنسي.[110] كما لا يجوز تعنيف المشتبه فيه أو تجريده من ملابسه وإنتهاك حرمة جسده. ويتوجب على ضابط الشرطة أن يحرر محضر يتضمن جميع الإجراءات المتخذة في التفتيش، مع البيان الدقيق للأسباب المعقولة للإشتباه، وكدا تحصيل كل ما تم ضبطه وتقديمه إلى القاضي المختص للبت فيها.[111]
* كما خول المشرع الأمريكي لضباط الشرطة صلاحية تفتيش المتهم بغية حجز كل ما من شأنه الكشف عن جريمة ومرتكبها، لكن شريطة توافر السبب المحتمل الذي يدعوا للإعتقاد بكون المتهم –ومعه المشتبه فيه حسب طبيعة المرحلة- قد إرتكب او حاول إرتكاب الجريمة وأنه يحمل الأدلة المثبتة لها[112].
والمشرع الأمريكي يعد من أهم التشريعات التي نظمت هذا الإجراء بشكل محكم، بحيث خول للأفراد الإستفادة التامة من قرينة البراءة، بحيث لا يمكن إجراءه إلا وفق الأحوال الآتية:
– أن يتم التفتيش تبعا لقبض قانوني صحيح، فإذا ما تم القبض على المتهم قبضا قانونيا صحيحا أمكن للضابط أن يفتشه سواء في المكان الذي تم القبض عليه فيه أم داخل مخفر الشرطة[113]. وهذا ما أكدته المحكمة الإتحادية العليا في قرار لها حيث ذهبت فيه إلى أن تفتيش الأشخاص يكون مشروعا إذا تلى القبض القانوني الصحيح، لكونه يحترم الإجراءات القانونية، فطالما أن القبض القانوني لا يصح إلا بعد توافر السبب المحتمل وأن هذا الأخير جاء معززا بالأدلة الأولية المثبتة له، فإن التفتيش يكون هو الآخر صحيح[114].
– أن يتم التفتيش تبعا للتوقيف[115]، فهذا الأخير وبخلاف التفتيش السابق يلاحظ فيه عدم تشدد المحكمة الإتحادية العليا، بحيث يكفي لتوقيعه بشكل قانوني أن يتواجد الضابط بالقرب من المشتبه فيه وأن يشك في إمكانية إخفاءه لسلاح أو مخدرات…[116].
– وبالنسبة لتفتيش الأنثى فالمشرع الأمريكي على غرار جل التشريعات قد تشدد فيها بأن قصر هذه السلطة على الأنثى، بحيث لا تفتش المرأة إلا بواسطة ضابط شرطة إمرأة أو أن يتم إنتداب إمرأة من الغير للقيام بالتفتيش الجسدي تحت طائلة البطلان مع ما قد يترتب عليه من نتائج[117].
* والمشرع الفرنسي خول هو الأخر للشرطة القضائية الحق في تفتيش المشتبه فيه، وهذا الإجراء حسب الفقه الفرنسي لا يقل خطورة عن الوضع تحت الحراسة، فهو يمثل إنتهاك لحقوق الأفراد في ضمان حرمة الجسد والحياة الخاصة وغيره. إلا أن المشرع الفرنسي وإذ هو أقر هذه السلطة فإنما إعتبره إجراء إقتضته المصلحة العامة ومصلحة المقبوض عليه في نفس الوقت.[118] وبالتالي فقد أقر بعض الضمانات والتي من بينها أنه لا يجوز تفتيش المشتبه فيه إلا بعد التأكد من عدم إنتهاك حرمة الجسد، وأنه في حال تقرر تفتيش الأنثى توجب أن يتم تفتيشها بواسطة الأنثى.
وإذا أجمعت التشريعات على منح الشرطة الحق في تفتيش المشتبه فيهم مع إختلاف فيما بينها في حجم الضمانات، فما موقف المشرع المغربي من الإجراء؟
* عمل المشرع المغربي هو الآخر على منح الشرطة القضائية الحق في إجراء التفتيش الجسدي على المشتبه فيهم بموجب م 81 ق.م.ج التي تنص على أنه: “يجوز لضابط الشرطة القضائية إجراء تفتيش جسدي على كل شخص تم وضعه تحت الحراسة النظرية“.
على أساس ما سبق فإنه وإن كان للضابط الحق في تفتيش المشتبه فيه، فإنه لا يسعه القيام به إلا بعد وضعه تحت الحراسة، وبعد احترام كافة الضوابط المتعلقة بالكرامة الإنسانية، بحيث لا يجوز تعنيف المشتبه فيه أثناء التفتيش أو إجباره على نزع ملابسه أو تجريده منها وغيره.
وبخصوص المستجدات التي جاءت بها مسودة قانون المسطرة الجنائية المتعلقة بالتفتيش الجسدي، فقد نصت م 1-60 على أنه: “يجوز لضابط الشرطة القضائية أن يقوم بإجراء تفتيش جسدي على الأشخاص المشار إليهم في المادتين أعلاه بواسطة شخص من جنسهم، وفي ظروف تصان فيها كرامتهم مع ضمان الفعالية والمراقبة“.
وعلى أساس ما سبق يكون المشرع المغربي قد وسع من دائرة الأشخاص الذين يمكن لضابط الشرطة القضائية تفتيشهم، مع ضمانة إنتداب شخص ينتمي إلى نفس الجنس لإجراء التفتيش، فإذا كان الشخص موضوع التفتيش محاميا فيتم تفتيشه بحضور نقيب المحامين وهكذا.
وبالنسبة لوضعية الأنثى، فقد حافظت المسودة على نفس المقتضى الحالي بأن أدرجت عبارة “بواسطة شخص من جنسهم” فهذه العبارة لا تدع أدنى مجال للشك بكون الأنثى لا يجوز تفتيشها إلا بواسطة أنثى.
المطلب الثاني: التنصت على المكالمات الهاتفية وتسجيل الأحاديث الخاصة.
عرف العالم تورة في المجال العلمي والتكنولوجي أدت إلى الوصول إلى إبتكارات قادرة على التقاط المكالمات الشخصية – كالتنصت والتسجيل- عن بعد وخلسة دون علم أصحابها بغية الوصول إلى الإعتراف بالجريمة، الأمر الذي وضع المبادئ الدستورية والكونية على المحك، الأمر الذي دفع بالبعض الى إعتبار هذا الإجراء يشكل إعتداء على ضمانات حرمة الحياة الخاصة، وأنه يضرب في صميم مبدأ سلامة الإجراءات وطوعية الإدلاء بالإعتراف.
وأمام تنامي ظاهرة لجوء الشرطة إلى وسائل العلمية –تحت مبرر مواجهة الجريمة الحديثة- فما موقف التشريعات من هذا الإجراء؟
نضم المشرع المغربي هذا الإجراء في الباب الخامس من القسم الثالث من الكتاب الأول من قانون المسطرة الجنائية المعنون بالتحري عن الجرائم ومعاينتها، حيث جاء في م 108 منه بأنه: “يمنع التقاط المكالمات الهاتفية أو الإتصالات المنجزة بوسائل الإتصال عن بعد وتسجيلها أو أخد نسخ منها أو حجزها.
غير أنه يمكن لقاضي التحقيق إذا إقتضت ضرورة البحث ذلك أن يأمر كتابة بالتقاط المكالمات الهاتفية وكافة الإتصالات المنجزة بواسطة وسائل الإتصال عن بعد وتسجيلها وأخد نسخ منها وحجزها…”.
وعليه يكون المشرع المغربي قد قصر هذا الحق على قاضي التحقيق واستثناء للنيابة العامة عبر تقديمها ملتمس لرئيس المحكمة. لذلك سنركز في هذا المطلب على كل من المشرعين الإنجليزي(الفقرة الأولى) والأمريكي(الفقرة الثانية)اللذان خولى للشرطة صلاحية التنصت والتقاط المكالمات، نظرا للدور الكبير الذي تلعبه هاته الأخيرة في المراحل الإجرائية السابقة على المحاكمة.
الفقرة الأولى: موقف التشريع الإنجليزي من الإجراء
إلى عهد قريب ظل القضاء الإنجليزي غير مهتم بالطريقة التي يتم بموجبها الحصول على الدليل، متأثرا إلى حد بعيد بقواعد الشريعة العامة والتي بمؤداها لا يلزم لقبول الدليل سوى تعلقه بالواقعة المراد إثباتها، فإذا كان الإعتراف صحيحا فلا يهم الطريقة التي تمت بها للحصول على هذا الإعتراف.[119] الأمر الذي مكن الشرطة من اللجوء إلى مختلف الوسائل التي تمكنها من الحصول على الإعتراف بالجريمة وللأدلة المثبتة، لها مسخرة في سبيل ذلك التكنولوجية الحديثة للتنصت على المكالمات الهاتفية للمتهمين وتسجيل محادثاتهم الخاصة.[120]
وبعد ارتفاع وثيرة اللجوء إلى التنصت قامت اللجنة الوزارية الإنجليزية سنة 1976 بدراسة التنصت على المكالمات الشخصية وتسجيلها، فخلصت إلى أن هذا الإجراء يعد مقبولا إلا أن الدليل المستمد منه يجب مقابلته بشيء من الحيطة والحذر حتى يجوز التعويل عليه في الإثبات الجنائي.[121]
ويعد صدور قانون الشرطة والإثبات الجنائي سنة 1984 أصبح هذا الأخير محط إهتمام الباحثين على إعتبار أن هذا الأخير شكل نقطة تحول جوهرية في مسار الإجراءات الجنائية عموما والبوليسية على وجه التحديد، فجاء هذا الأخير ليعالج إختصاص الشرطة وقواعد الإثبات الجنائي ودورها في مسار الإجراءات الجنائية السابقة على المحاكمة. محققا بذلك ضمانات إجرائية هامة توازن ما بين إدارة العدالة الجنائية من جهة، وضمانات الحريات الفردية من جهة أخرى.[122]
وبالتالي فما موقف القانون من الإجراء؟
عمل قانون الشرطة والإثبات الجنائي قدر المستطاع على التوفيق بين الإتهام والدفاع لتحقيق روح النظام الإتهامي، فأحدث ثورة على قواعد الكومون[123] بأن نص على قواعد استبعاد الأدلة المتحصلة بطرق غير مشروعة في حالات، فيما ترك حالات أخرى لسلطة تقدير المحكمة.
وهكذا نصت م 76.ش.إ.ج على وجوب إستبعاد الدليل المتحصل بطريقة غير مشروعة، إذا تعلق الأمر بإعتراف المتهم، على إعتبار أن مسألة الإعتراف يولي لها المشرع الإنجليزي –وغالبية الأنظمة الأنجلوسكسونية- أهمية خاصة، بحيث لا يأخذ به إلا بعد التأكد من صدوره بشكل إيرادي، وعليه يقع العبئ على الشرطة في لإثبات طوعية إدلاءه.[124]
وإلى جانب حالات الإستبعاد الوجوبي –الإعتراف على وجه الخصوص- نص ذات القانون على حالات أخرى ترك معها للمحكمة سلطة تقديره، وهكذا نصت م78 على أنه للمحكمة سلطة تقديرية محددة في إستبعاد أدلة الإثبات التي يقدمها الإدعاء إذا كانت تلك الأدلة قد تم تحصيلها بطريق غير مشروع.[125] وهنا يمكن القول بأن النظام الإنجليزي مازال يؤمن يقبول الدليل المشروع دون الإهتمام بكيفية تحصيله، اللهم حينما يتعلق الأمر بالإعتراف الذي مازال المشرع الإنجليزي يتشدد فيه، ولا يسمح بالأخذ به إلا إذا أثبت الإدعاء طوعية إدلاءه.
وهذا من الدليل العادي، فماذا عن الدليل المستمد من عملية التنصت على المكالمات الهاتفية الخاصة وتسجيلها؟
يمكن القول بأن المشرع الإنجليزي لزم الصمت حيال المسألة، فلم يقبله صراحة كما لم يمنعه صراحة تاركا المسألة بيد القضاء ليبت في مشروعيته من عدمه. وهكذا وبالعودة إلى القضاء نجد هذا الأخير يقبل بالدليل المستمد من التنصت على المكالمات وتسجيلها خلسة، لكن شريطة توافر ضوابط وضمانات واضحة حتى يمكن القبول بالدليل المتحصل منه، وعليه قضت المحكمة العليا: “بأن الدليل المستمد من تسجيل المحادثات الخاصة عبر التنصت لا يبطل لمجرد أن ضابط الشرطة قد وضع لاقطا للصوت خلسة في مسكن خاص“.[126]
وفي قضية ستيوارت أخذ القضاء بهذا المبدأ أيضا، حيث أوهم أحد أفراد الشرطة المسجونين بأنه واحد منهم، حيث أقام في زنزانة مجاورة لمتهمين بجريمة السرقة للتنصت على ما يدور بينهم من محادثات وتسجيل كل ما يفيد بضلوعهم في الجريمة. فقضت المحكمة “بإدانة المتهمين بهذه الجريمة بناء على قبول الدليل المستمد من عملية التسجيل معتبرة بذلك الدليل مشروعا دون الإلتفات إلى الوسيلة التي تمت معها الحصول على هذا الدليل“.[127]
وبالتالي نخلص إلى القول بأن المشرع الإنجليزي يأخذ بالدليل المستمد من التنصت على المحادثات الخاصة وتسجيلها، معتبرا أن ذلك لا يحد من ضمانات المحاكمة العادلة وإعتبار الدليل مشروعا لمواجهة تطور الجريمة وتطور الأساليب المستخدمة في الإجرام.
الفقرة الثانية: موقف التشريع الأمريكي من الإجراء
بخلاف الإجراءات السابقة التي إتسم فيها المشرع الأمريكي بالثبات، فإن ما يميز هذا الأخير بخصوص التنصت هو التردد وعدم الإستقرار على موقف معين، فساد الإختلاف بين كل من المشرع والفقه والقضاء.
I- موقف المشرع: كفل الدستور الأمريكي في تعديله الرابع للأفراد ضمانات حرمة الحياة الخاصة وحمايتها من الإنتهاك، إلا أن حمايته ظلت قاصرة على الوسائل التقليدية دون أن يتعداها ليشمل حتى التكنولوجية الحديثة المستعملة عن بعد، وذلك لعلة أن تلك التكنولوجية لم تكن مألوفة وقت صدور التعديل.
وقد تعرض قانون مراقبة السيارات العامة وأمن الشوارع[128] للتنصت وتسجيل المحادثات الشخصية، بحيث أجاز هذا الأخير اللجوء إلى التنصت على المكالمات الهاتفية أو تسجيل المحادثات الخاصة على مجموعة واسعة من الجرائم، سواء أتم هذا التنصت من طرف الشرطة المحلية أو الإتحادية[129].
لكن لا يمكن إجراء هذا التنصت إلا بعد إحاطته بجملة من الضمانات المتمثلة في ضرورة صدور أمر قضائي يبيح إجراءه، وأن هذا الإذن لا بد أن يكون كتابة. هذا الإذن لا يمكن استصداره إلا بعد تقديم الشرطة لتحريات جدية تفيد بكون الشخص المزمع التنصت عليه قد إرتكب الجريمة أو بصدد إرتكابها، وأن هناك إعتقاد محتمل بأن المراقبة ستؤدي إلى الحصول على دليل يثبت الجرم ونسبته إلى المتهم.[130] كما أن المحادثات تتعلق فقط بالجريمة وتفيد في كشف الحقيقة، مع ضرورة تحديد المدة التي يجوز خلالها إجراء التنصت، وأخيرا فلا بد لاستصدار هذا الإذن من إقناع الشرطة للقاضي يكون الإجراء ضروري في ظل عدم قدرة الوسائل التقليدية على الكشف عن معالم الجريمة.[131]
II- موقف الفقه: أدى اللجوء إلى مثل هذا الإجراء إلى تضارب موقف الفقه حول مشروعية مثل هذا الإجراء من عدمه، إلا أن الغالبية من الفقه الأمريكي أقر بمشروعية مثل هذا الإجراء معتبرا إياه من الوسائل الفعالة لمكافحة الجريمة، خصوص وأن الجريمة أصبحت متطورة وأن المجرمين باتوا يلجؤون إلى التكنولوجيا الحديثة لارتكاب الجرائم. ومن ثم فلا مانع من اللجوء إلى الوسائل التكنولوجية للإيقاع بالمجرمين، بل وإعتبر هذا الإتجاه أنه من غير المقبول أن يتم إهمال الوسائل المتطورة في الإجراءات القانونية. والإ شاب العمليات البوليسية الجمود والتخلف، في مقابل إرتفاع معدلات الجريمة والإفلات من العقاب.[132]
هذا الرأي وإن كان معقولا إلا أنه أهمل جانب آخر لا يقل أهمية ويتعلق الأمر بضمانات الحرية الفردية، هذا الإغفال تداركه تيار فقهي[133] آخر بحيث شاطر الرأي الأول حول أهمية اللجوء إلى الوسائل الحديثة، لكن شريطة إحاطته بقيود وضمانات تصون الحريات الفردية من جهة، وإعتباره إجراء مساعد لا يعفي الشرطة من الإستغناء عن الإجراءات التقليدية المؤدية للإثبات[134].
IV- موقف القضاء الأمريكي: إتسم القضاء الأمريكي بالتردد في موقفه وعدم الإستقرار على رأي محدد، بحيث صدرت بعض الأحكام المجيزة للتنصت فيما عارضت أراء أخرى اللجوء إليه، وهكذا ذهبت المحكمة العليا إلى القول بأن”الدليل المستمد من التسجيل الذي تم في مكتب خاص بين موظف حكومي وبين شخص يعرض يعرض عليه رشوة لا تتضمن أي إعتداء على الأسرار الشخصية، خصوصا وأن الموظف كان طرفا في الحديث ومن حقه الكشف عن الجريمة بهذه الوسيلة وهو مالا يتعارض مع أحكام الدستور“.[135]
وفي قضية أخرى ذهبت المحكمة إلى أنه: “إذا تم إستراق السمع –التنصت- والتجسس على الهواتف بناء على أمر صادر عن القاضي المختص، فإنه قد يكون متفقا مع بند الأوامر والتصاريح الواردة في التعديل الرابع. وبالتالي يصبح مشروعا“.[136] كما أقرت في قضية أخرى أنه: “يجوز التنصت والتقاط المكالمات وإستعمالها كدليل متى تم ذلك بموجب إذن قضائي“.[137]
وفي مقابل ذلك ذهبت قرارات أخرى صادرة عن ذات المحكمة إلى معارضة التنصت وغيره من الوسائل، فذهب بعض قضاة المحكمة الإتحادية العليا إلى معارضة اللجوء إلى التنصت أو التسجيل أو أية وسيلة للتجسس بالقول: “إذا ما أبيح للشرطة تسجيل المحادثات الشخصية والتجسس عليها دون قيد أو شرط وأجيز للمحاكم إعتبارها دليلا مشروعا وكافيا للإعتماد عليه في بناء الأحكام القضائية لما وجدت ضمانات الحريات الفردية، إذ أنه من المقرر في المجتمع الحر أنه لا يجوز معه مراقبة الناس بدقة في كل كلمة يتفوهون بها أثناء المحادثات التي تدور بينهم“.[138]
وذهبت المحكمة نفسها في قضية سيلفر إلى أن:”التنصت على المحادثات الشخصية وتسجيلها يعتبر تعديا على الحقوق الفردية، وضمان إحترام الحياة الخاصة وحق الخلوة والحماية من التطفل غير معقول التحرر منه من طرف الشرطة وغيرهم بهدف التوصل إلى كشف الجرائم، والوصول إلى الأدلة المثبتة للجريمة“.[139]
وهكذا وبعد أن طبع التردد وعدم الإستقرار على موقف معين الذي ساد النظام الأمريكي، عمل الكونجرس على إصدار تشريع شامل[140] ينظم التنصت على المكالمات الخاصة لمكافحة الجريمة من جهة، ويخول للأفراد الإستفادة من ضمانات الحريات الفردية من جهة أخرى.
هذه الضمانات تجسدت في النقط التالية:
1- أن يكون التنصت غير عمدي.
2- التضييق من نطاق الفئات المخول لها الإستفادة من تكنولوجيا التنصت، بشكل جعل من الشرطة الجهاز المخول له إجراءه تحت الرقابة القضائية.
3- الحفاظ على سرية النتائج المتحصل عليها.
4- وضع قرار إجراء التنصت بين يدي القاضي المختص وتحت مراقبته دون سواه تحت طائلة البطلان.[141]
خـــــاتمـــة:
نخلص إلى القول بأن الشرطة القضائية جهاز ذي أهمية كبرى في تسيير البحث التمهيدي، فهو يلعب دورا إيجابيا في الكشف عن الجرائم خلال مدة زمنية قصيرة، حيث تكون الأدلة المثبتة لها مازالت حديثة ولم ينلها الإتلاف. إلا أن هذا الجهاز هو نفسه قد يكون أداة قمعية وفعالة للنيل من حقوق وحريات الأفراد إن لم يتم تسليحهم بحقوق وضمانات موازية.
هذه الحقوق -كما رأيناها- إختلفت التشريعات المقارنة في درجاتها إلا أن الأنظمة الإتهامية الأنجلو سكسونية عملت قدر المستطاع على تنظيم هذه المرحلة بكل دقة، موازنة في ذلك ما بين السلطات والصلاحيات المخولة للشرطة، وبين الحقوق والضمانات المخولة للأفراد. الأمر الذي جعل هاذه الأخيرة بحق تسموا بقوانينها عن غيرها من التشريعات المقارنة.
[1] . نور الدين التائبوا: قانون المسطرة الجنائية والعمل القضائي المغربي على ضوء التعديلات الجديدة. مطبعة كافي غرافي.ط.I.2014 ص: 29.
[2] . عبد الواحد العلمي: شروح في القانون الجديد المتعلق بالمسطرة الجنائية ج.I. مطبعة النجاح الجديدة.طIV .2014 ص: 349.
[3] . أستاذنا عبد السلام بنحدو: شرع قانون المسطرة الجنائية المغربية مع آخر التعديلات. مطبعة الآفاق ط:2012.ص.71.
[4] . تحت إشراف النيابة العامة في بعض التشريعات دون الأخرى كنا سنرى حقا.
[5] . Delmar Karlen and Others : Anglo- Amirican, Criminal Justice, 1963.
[6] . Was usually understood quite well, but often misinterpted. When has an officer made up his mind to charge a person? This was always the burning question, because once he had made up his mind to charge up, he must caution that person.
[7] . دافلن: م.س.ص: 30.
[8] . Desirez- vous dire quelque chose on reprise cette accusation ? vous n’yetes pas obligé et vous repondez seulement sivous le desirey, mais si vous parley. tout ce que vous dire sera consigne et le cas echéaut, pourra pervire de preuve.
– les juges rules, R.C.P.C 1973 N° 269.
– كما جاء القانون المتعلق بتنظيم العلاقة بين سلطة البوليس وحقوق المتهم:
– قانون1 يناير 1986 ليؤكد على أحقية الفرد المطلقة في الصمت والإحتفاظ بسلوكه، ولا يجبر أبدا على الكلام أو الرد على أي إجابة، بل وللمحكمة حق معاقبة الضابط المخل بهذا الحق طالما أن صمت المتهم وإمتناعه عن الإجابة إنما هو إستعمال لحق مقرر بمقتضى القانون.
[9] . ج.فروم.ص:345.
[10] . قد يغير مسار المستجوب معه كليا ويدفع به نحو غياهب السجن.
[11] . كما تبنى مكتب التحقيقات الفيدرالية “FBI” هو الآخر لهذه المبادئ الدستورية بعد صدور قاعدة ميراندا الشهيرة سنة 1966.
[12] . يراجع التعديل الدستوري الخامس.
[13] . ديلمار كارولين وآخرون: م.س.ص: 127.
[14] . محمد أحمد ضد الترهوني: ضمانات المتهم قبل المحاكمة في الإجراءات الجنائية على ضوء المواثيق الدولية ومبادئ الشريعة الإسلامية. أطروحة لنيل درجة دكتوراه الدولة في القانون الخاص. كلية الحقوق. الرباط أكدال. السنة الجامعية. 2000-2001.ص: 94.
[15] . عبد الستار سالم الكبيسي: ضمانات المتهم قبل وأثناء المحاكمة، منشورات الحلبي الحقوقية الطبعةI 2013 ص: 350.
[16] . أو كما وصفته المحكمة الإتحادية العليا بكونه –أي الإستجواب- يهدف لوضع المشتبه فيه في مثل تلك الحالة العاطفية فيما يتصل بإضعاف قدراته لإعطاء قرار معقول.
17- يراجع شادية شومي: حقوق الدفاع في الإجراءات الجنائية السابقة على المحاكمة (عناصر من أجل محاكمة عادلة) أطروحة لنيل درجة دكتوراه الدولة. كلية الحقوق الدار البيضاء السنة الجامعية 2002. ج II ص: 348.
[17] . La mise en état des affaires pénales p.275.
[18] . محمد العروصي: حق الصمت في قانون المسطرة الجنائية. مجلة الملف ع: 15 نونبر 2009.
– كذلك شادية شومي: م.س.ص:348.
[19] . قانون 516 الصادر بتاريخ 15 يونيو 2000-م1- 63 منه.
[20] . شادية شومي: م.س.ص:348.
[21] . بموجب الفصل 134 ق.م.ج.
[22] . Bernard BOULOC : L’acte d’instruction, Thése, Paris 1965.P : 166.
– أشار إليه عبد الستار سالم الكبيسي: م.س.ص: 267.
[23] . عبد الستار سالم الكبيسي: م.س. الموضع السابق.
[24] . مصطفى العوجي: ص: 574.
[25] . الأمر الذي دفع بالبعض إلى القول بأنه: تظل الحماية المخولة للمشتبه فيه من طرف التشريعات ذات المسطرة التفتيشية –كفرنسا مثلا- أمام الشرطة القضائية قاصرة وغير كافية إذا ما تم مقارنتها بالحماية المخولة له من طرف التشريعات الإتهامية –وعلى رأسها إنجلترا والولايات المتحدة- فهته الأنظمة تؤمن ضمانات فعالة لحماية حقوق الدفاع.
– للمزيد من التوضيح يراجع: شادية شومي: م.س.ص.341 ج II.
[26] . محمد أحمد ضو الترهوني: م س، ص: 99
– كما نصت م.1354 من قانون ولاية تكساس على أنه: يسمح للمشتبه فيه المحبوس بالإتصال بمحاميه الذي إختاره بنفسه دون أن يكون بينهما حاجز ودون التنصت عليهما أو إستعمال تقنية التسجيل.
– كذلك نفس الشأن نصت عليه م 82 من قانون ولاية كاليفورنيا.
[27] . عبد الستار سالم الكبيسي: م.س.ص: 352.
[28] . The presedent commission on Law, renforcement & Adm of justice, the, challenge of crime in a free society 1967 p, 128.129.
[29] . Baldoing case New York 1970.
[30] . Miranda case 378 USA 478.429.1964.
[31] . Escobedo case V. Illinois. Supreme Court.1964.
– غير أنه لا يمكن أن نفهم من أن القضاء الأمريكي ومعه النظام برمته قد تقبل بهذا الحق وسلم به منذ البداية، فلا الدستور الإتحادي ولا قوانين الولايات نصت على بداية الإستفادة منه، الأمر الذي دفع بفريق من الفقه –مدعوما بالقضاء- إلى انكار هذا الحق برمته أمام الشرطة، حيث ذهب أحد القضاة إلى القول: إن منح المشتبه فيه حق الإستعانة بالمحامي يعني أن هناك خطرا حقيقيا على تنفيذ القانون. (القاضي هارلان في قضية ميراندا 316.12) كما أيد هذا الموقف قاضي آخر بالقول: إدا ما وصل المحامي لمركز الشرطة، فإنه من الناذر جدا أن نصل إلى الإعتراف. (القاضي جاكسون في قضية واتس ضد إنديانا 338.49.59.US).
– للمزيد من التوضيح يراجع عبد الستار سالم الكبيسي: م.س.ص: 353 وما بعدها.
[32] . قاعدة أو مبدأ الإمتياز ضد التجريم الذاتي.
[33] . الحق في سلامة الإجراءات.
[34] . The Royal Commission on criminal Procedure, Police Interrogation London 1981 p : 10.
[35] . The English home office, Judges Rules 1964.
[36] . محمد أحمد ضو الترهوني: م.س.ص: 98.
[37] . حيث برز تيار فقهي معارض لهذا الحق أبدو تخوفهم من أن يشكل حضور المحامي عرقلة للبحث والتحري، على اعتبار أن هذه المرحلة تستدعي في بعض الأحيان استعمال نوع من الجبر والقهر اللذان لا يتعارضان في مضمونهما مع حقوق الدفاع.
– للمزيد من التوضيح يراجع شادية شومي: م.س.ج 2 ص: 335 وما يليها.
[38] . Vroom (p) : op.cit. p : 211.
[39] . عمل المجلس الدستوري الفرنسي على الرقي بهذا الحق إلى مصاف المبادئ الدستورية، وذلك في قراره الصادر بتاريخ 11 غشت 1993.
– Le droit de la personne à sentretenir avec un avocat ou course de la garde à vie, constitue un droit de la defence qui s’exerce durent la phrase d’anquete de la procedure pénale.
– Decision du consiel constitutionnel française du 11 Aout 1993.
[40] . محمد عياط: الندوة العربية لحقوق الإنسان في الإجراءات الجنائية ص:464.465.
[41] . إلا أن التسليم بهذا الرأي يقتضي أن وجود المحامي مع المشتبه فيه يخرق قاعدة السرية التي تتسم بها مرحلة البحث التمهيدي، وهذا القول مجانب للصواب فالسرية إنما قررت ضمانا لعدم التشهير بالمشتبه فيه، ومحامي المشتبه فيه يعد من بين الأشخاص الملزمين بكتمان السر المهني. وهو و المشتبه فيه يشكلان وحدة واحدة.
[42] . أستاذنا عبد السلام بنحدو: م.س.ص: 87.
[43] . أستاذنا عبد السلام بنحدو: الموضع السابق.
[44] . محمد أحمد ضو الترهوني: م.س.ص: 102.
[45] . أستاذنا عبد السلام بنحدو: م.س.ص: 87.
[46] . أو ما يعبر عليها الباحثين المشارقة بالنظام الأنجلوأمريكي.
[47] . وإلى جانب القبض بدون إذن قضائي هناك حالة أخرى للقبض القانوني الصحيح، ويتعلق الأمر بالقبض بإذن قضائي، حيث يتم توجيه التهمة للمشتبه فيه متبوعا بصدور إذا قضائي بالقبض عليه أو تكليفه بالحضور حيث يقدم إلى أحد قضاة الصلح، (Laying of an information followed by a warrant of arrest or simmons) سواء عن طريق البلاغ الكتابي أو الشفهي، كما لا يشترط في الإجراءات الجنائية الإنجليزية شكل خاص لتوجيه الإتهام، غير أنه من الناحية العملية يتم توجيه الإتهام كتابة وبعد أداء القسم إذا كان مطلوبا أيضا لإصدار الأمر بالقبض، أو إذا نص القانون على غير ذلك.
– أحمد عوض بلال: التطبيقات المعاصرة للنظام الإتهامي في القانون الأنجلو أمريكي ه: 15ص: 123.
[48] . وهكذا أسست القوانين الإنجليزية سلطة الشرطة في القبض على المتهم بناء على السبب المعقول للإشتباه، ونأخذ على سبيل المثال قانون القضاء الإنجليزي لسنة 1767 والذي أجازت م 63 منه الكونستابل –ضابط الشرطة- من أن يلقي القبض على المشتبه فيه الذي أخل بشروط إطلاق السراح بكفالة. وقانون إحضار جسم السجين (Habies Corpus) لسنة 1952 والذي أجاز للضابط بموجب م491 القبض على من تخلص من القبض المشروع بصورة غير مشروعة.
– يراجع عبد الستار سالم الكبيسي: م.س.ص: 305 وما يليها.
[49] . Anne Reid : un nouveau départ dans les procédure pénal anglaises la police and criminal Evidence Art .R.S.C Crim 1987 N°577.
– ومدة القبض في التشريع الإنجليزي كما نصت عليها م 43 ق.ش.إ.ج هي 24 ساعة قابلة للتمديد من طرف الضابط إلى 36 ساعة بناء على إذن ممنوح من الضابط الأعلى رتبة، مع ضرورة إرفاقه بالأسباب المعقولة للإنتباه دائما.
كما ويجوز تمديد هذا القبض لمدة 36 ساعة أخرى، لكن تحت شروط إقتضتها م 52 من ذات القانون، حيث إشترطت الحصول على إذن صريح من قاضي التحقيق، مع ضرورة إقتران التمديد بضرورات البحث. وعموما فالقبض وفق التشريع الإنجليزي لا يمكنه أن يتجاوز 72 ساعة كحد أقصى.
– يراجع محمد أحمد ضو الترهوني، م.س.ص: 230-231.
[50] . وإلى جانب الحق في الإستعانة بالمحامي كفل المشرع الإنجليزي للمتهم حقوقا أخرى لا تقل أهمية كمشروعية القبض، والذي يعني أنه إذا ما أغفلت الشرطة هذه الضمانة فإن أعمالها تكون مشوبة بعدم المشروعية مما يترتب عليه البطلان. وهذا ما نصت عليه م 26 ق.ش.إ.ج:” يلزم ضابط الشرطة بإعلام المتهم بأسباب القبض ومدته، إذا ضبط متلبسا بالجرم المشهود“، أو كما يعبر على هذا الظرف بأن تكون يد المتهم ملطخة بالدماء تعبيرا عن الجريمة التلبسية.Red Handed – Davide FELLMAN : The defendant’s rights under English Law 1966 P : 61.
– يراجع عبد الستار سالم الكبيسي: م.س.
– وهناك ضمانة أخرى غاية في الأهمية كفلها القانون للمتهم ويتعلق الأمر إخطار المقبوض عليه أمام السلطة القضائية المختصة خلال أقرب وقت ممكن للنظر في أمر حبسه أو توقيفه، وهذا ما نص عليه قانون إحضار جسم السجين (Habies Corpus).
– محمد أحمد ضو الترهوني: م.س.ص: 309.
[51] . أحمد عوض بلال: الإجراءات الجنائية المقارنة فقرة 60.
[52] . حيث يخول التشريع الأمريكي للشرطة الحق في القبض على المشتبه فيه دون إستصدار الإذن من القاضي المختص، وتختلف حدود هذه الساطة تبعا لدرجة خطورة الجريمة على النظام العام والحريات الفردية على حد سواء.
– ديلمار كارولين وأخرون: م.س.ص: 111.
– عبد الستار سالم الكبيسي: م.س.ص: 324.
[53] . حيث خول المشرع كذلك جملة من الضمانات إلى جانب الحق في الإستعانة بالمحامي من قبيل إحاطة المتهم على أسباب القبض وقبل ذلك ضرورة إقتران الجريمة المرتكبة بدرجة معينة من الخطورة، بحيث إذا كانت الجريمة تقل أو تساوي 5 سنوات حبسا، جاز في هاته الحالة القبض على المشتبه فيه دون اللجوء إلى القاضي المختص أما إذا كانت العقوبة تفوق خمس سنوات سجنا فلا مجال للقبض على المتهم إلا بعد الحصول على الإذن القضائي.
– Voir la mise on état des affaires pénal…Op.Cit .p: 42.
[54] . محمد أحمد ضد الترهوني: م.س.ص: 232.
[55] . إلى جانب ضمانة حضور المحامي كفل المشرع الأمريكي ضمانة أخرى نصت عليها م.5 ق.إ.ج الإتحادي: “يجب تقديم المقبوض عليه أو الموقوف بدون تأخير غير ضروري وسوغ إلى السلطة القضائية المختصة للنظر في أمر حبسه أو توقيفه”.
[56] . ونقصد قانون 1987.
[57] . الأمر الذي أدى لوقوع إعتدادات جمة على الحريات الفردية، وهو ما دفع بالفقه إلى إنتقاد التوجه التشريعي الذي إعترف بهذا الحق أمام جهة قضائية تعد محل ثقة المواطن الفرنسي، ولم يعترف به أمام جهاز غير قضائي ذي سمعة سيئة في مجال حماية حقوق الإنسان.
– Robert VOUIN : droit procédure pénale Ed .J.A. Coutts Etude Comparative. p : 16.
[58] . يراجع بخصوص موقف الفقه من الحق شادية الشومي: م.س.ص: 331 وما يليها.
[59] . قانون 24 غشت 1994.
[60] . حيث اعتبر الفقه الفرنسي الحراسة النظرية النقطة السوداء في التشريع معتبرين هذا الأخير –المشرع الفرنسي- بأنه لا يقر ضمانات الحرية الفردية مثل ما يقره النظام الأنجلوسكسوني ذي المسطرة الإتهامية.
[61] . يرجع الفضل في هذه المادة لمجلس النواب الذي عمل على إضافة الفقرة السادسة للمادة 66 من مشروع ق.م.ج لسد هذا النقص الذي إعترى م 66 من المشروع.
[62] . قانون 22.01 المتعلق بالمسطرة الجنائية كما تم تغييره وتتميمه بقوانين للاحقة.
[63] . نصت م 66 ق.م.ج على مدة الحراسة النظرية فجعلتها في 48 ساعة كمدة أولية هذه المدة يمكن تمديدها لمدة 24 ساعة إضافية بعد الحصول على إذن كتابي من النيابة العامة المختصة.
وإذا تعلق الأمر بجريمة المس بأمن الدولة الداخلي أو الخارجي فإن هذه الحراسة تكون 96 ساعة قابلة للتمديد مرة واحدة بناء على إذن كتابي من النيابة العامة.
أما إذا تعلق الأمر بجريمة إرهابية فإن مدة الحراسة النظرية هي 96 ساعة قابلة للتمديد مرتين لمدة 96 ساعة في كل واحدة بناء على إذن كتابي من النيابة العامة.
[64] . قانون 35.11 الصادر بشأن تنفيذه ظ.ش.1.11.169 بتاريخ: 2011.10.17 ج.ر.ع :5990 بتاريخ: 2011.10.27.
[65] . مسودة مشروع قانون يقضي بتغيير وتتميم ق.م.ج الحالي الصادر بتاريخ 2014.11.17.
[66] . محمد عياط: ملاحظات مبدئية حول بعض جوانب تعديلات قانون المسطرة الجنائية التي هيئتها وزارة العدل والحريات. منشورات المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية 117-118 يوليوز. أكتوبر 2014 ص: 13.
[67] . المرجع السابق.
[68] . م.3 من الإتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان، والمادة 3-63 من قانون المسطرة الجنائية الفرنسي.
[69] . م.1-63 ق.م.ج.
[70] . وتثمينا للحق في إجراء الفحص الطبي نص المشرع الفرنسي على ضمان السلامة الجسدية للمشتبه فيه الموضوع تحت الحراسة كذلك بأن نص في قانون تعزيز قرينة البراءة ولأول مرة على التغذية الصحية للمشتبه فيه، مع تضمين المحضر لعدد المرات التي حصل فيها المشتبه فيه على التغذية.
– م.64 ق.م.ج.
– أنظر شادية شومي: م س ص: 348، كذلك يراجع في هذا الشأن أسامة عبد الله قائد: م.س.
[71] . المادة 64 ق.م.ج.
[72] . م.64 ق.م.ج.
– ويمكن هذا الإجراء من تفادي قدر المستطاع لجوء الشرطة القضائية للأساليب القمعية من جهة وفرض الرقابة القضائية على أعمال الشرطة القضائية من جهة أخرى.
– يراجع شادية شومي: م س ج 2 ص: 342.
[73] . وخصوصا وأن التقرير الصادر عن المنظمة المغربية لحقوق الإنسان أثبت أن التعذيب مازال يمارس من قبل الضابطة القضائية لإنتزاع الإعتراف، مع غياب الرقابة القضائية الصارمة.
– للمزيد حول واقع التعذيب يراجع أطروحة شادية شومي: م.س.ج.2.ص: 345.
[74] . يراجع المادتين 73 و74 ق.م.ج.
[75] . خصوصا وأن المشرع المغربي لا يعترف بالحق في الإستعانة بالمحامي لحضور الإستجواب البوليسي.
[76] . محمد عياط: ملاحظات مبدئية …م.س.ص: 22.
[77] . عبد الستار سالم الكبيسي: م.س.ص: 318.
[78] . م 32 ق.ش.إ.ج.
[79] . ويتعلق الأمر بخصوص الظروف الإستثنائية بالجريمة التلبسية على وجه التحديد.
– يراجع م 8 ق.ش.إ.ج.
– للمزيد من التوضيح يراجع آن ريد: المرجع السابق ص: 577.
[80] . من ذلك مثلا ما نصت عليه م 2-26 من قانون مكافحة السرقة أنه مدير الشرطة أو لمن هو أعلى رتبة منه تخويل الضابط كتابتا لتفتيش المسكن، بحثا عن المسروقات المشتبه فيه إرتكابها، وذلك في حالة ما إذا كان قد أدين خلال السنوات الخمس الماضية بجريمة السرقة أو حيازة والترويج للمسروقات.
– فهذه المادة وغيرها لمر تضمن توقيت إجراء التفتيش، وبالتالي يبعث الأسل معقود على القضاء الإنجليزي والذي يضرب به المثل فيما يخص حماية الحقوق والحريات الفردية.
[81] . وبالتالي يعد هنا النقص الذي إعترى التشريع الإنجليزي مشجعا للشرطة لإجراء التفتيش في أي وقت شاءت، وهو ما يشكل إنتهاكا للحق في الخلوة وفي السكينة المكفولة لكل فرد.
[82] . وهو ما جعل منه من أكثر القوانين تعديلا.
[83] . عبد الستار سالم الكبيسي: م.س.ص: 334.
[84] . يراجع التعديل الدستوري الرابع.
[85] . La mise en état des affaires pénale: Op. Cit. P: 42.
[86] . بحيث يجوز من الناحية الدستورية إصدار أمر بإجراء التفتيش لضبط الدليل المؤدي لإثبات الجريمة ومرتكبها، وهو نفس المنحى الذي سلكته القوانين المحددة لأوامر التفتيش، ولا يجوز التقدم بطلب أوامر التفتيش إلا من طرف ضابط الشرطة أو المدعي العام، بحيث يقدم طلب إلى القاضي الإتحادي يرمي إلى إجراء تفتيش المنزل، حيث يتأكد القاضي من الأدلة المؤدية للسبب المحتمل بشكل كافي.
– للمزيد من التوضيح يراجع الأستاذ ب ج جورج : م س ص: 233.
وهو ما يفيد بأن المشرع الأمريكي شأنه شأن الإنجليزي- عكس المشرع الفرنسي- أخذ بنظام المراقبة القبلية للتفتيش، والذي بموجبه يتأكد القاضي من قانونية إجراء التفتيش قبل منحه الإذن بإجراءه، وهذا يعني أن كل من الشرطة والمدعي يتوجب عليهم إقناع القاضي بتوافر السبب المحتمل، وفي ذلك ضمانة للحق في الخصوصية الوارد في التعديل الرابع.
– Right to privacy :J, Cédras, la justice pénal aux Etats Unis, Paris. économica 1990. P 178.
[87] . جاردينار ومانيا: م.س.ص: 165.
[88] . محمد علي سالم الحلبي: م.س.ص: 310.
[89] . Leonardo (V) The police the Judiciary and the Criminal P : 225.
[90] . يراجع عبد الستار سالم الكبيسي: م.س.ص: 342.
[91] . المرجع السابق: 338.
– كذلك الأستاذ ب ج جورج : م س ص: 298.
[92] . فهذه الضمانات تعد في الحقيقة متقدمة بالمقارنة مع الكثير من التشريعات المقارنة.
– Jacob W LANDYNSKI : Search and Seizure, One of the Searches edited by Stuart S. NAGEL, the rights of the Accused on Law and action.1972.p : 38.
– كذلك عبد الستار سالم الكبيسي: م.س.
[93] . م 57 و 66 ق.م.ج.
[94] . م 59 ق.م.ج.
[95] . عبد الستار سالم الكبيسي: م س ص: 272.
[96] . تنص الفقرة الثانية وما يليها من م 62 ق.م.ج على:”لا تطبق هذه المقتضيات إذا تعين إجراء التفتيش في محلات يمارس فيها عمل أو نشاط ليلي بصفة معتادة”.
إذا تعلق الأمر بجريمة إرهابية وإقتضت ذلك ضرورة البحث أو حالة الإستعجال القصوى أو إذا كان يخشى إندثار الأدلة، فإنه يمكن الشروع في تفتيش المنازل أو معاينتها بصفة إستثنائية قبل الساعة السادسة صباحا أو بعد التاسعة ليلا بإذن كتابي من النيابة العامة.
[97] . محمد الإدريسي العلمي المشيشي: المؤسسات القضائية ج 2 ص: 26.
[98] . أحمد الخمليشي: م.س.ص: 328.
[99] . الفقرة الأولى من المادة 62 ق.م.ج.
[100] . محمد عياط: دراسة في المسطرة الجنائية ص: 195.
[101] . يراجع الفقرة الأولى من م 60 ق.م.ج.
[102] . يراجع م 79 ق.م.ج.
[103] . كذلك إلى جانب ضرورة احترام الوقت القانوني للتفتيش، ووجوب حضور بعض الأشخاص أثناء التفتيش، يلزم ضباط الشرطة القضائية بإتخاد كافة الإجراءات اللازمة لضمان إحترام السر المهني.
– يراجع ف 3 م 59 ق.م.ج.
[104] . يقابلها ف 79 ق.م.ج الملغاة.
[105] . أحمد الخمليشي: م.س.ص: 335.
[106] . الموضع السابق.
[107] . تبعا لطبيعة المرحلة، بحيث إذا كان أمام المرحلة الأولى من مراحل البحث والتحري كان أنداك إلى مجرد مشتبها فيه، في حين إذا كان أمام المرحلة الثانية من مراحل البحث والتحري، أي مرحلة توجيه الإتهام الرسمي أصبح أنداك متهما.
[108] . دافيد برنارد: م.س.ص: 56.
[109] . Anne Reid : Op Cit.
[110] . أسامة عبد الله قائد: م س ص 26.
[111] . م 556 ق.ش.إ.ج.
[112] . على غرار نظيره الإنجليزي وجل الأنظمة الاتهامية الأنجلو سكسونية.
[113] . محمد أحمد ضو الترهوني: م.س.ص: 153.
[114] . شادية شومي: م س ص: 84.ج.I.
[115] . Stop and Frisk.
[116] . ب.ج.جورج: م.س.ص: 297.
[117] .يراجع التعديلات الدستورية الرابع والخامس والسادس.
[118] . Robert VOUIN : Op Cit P : 217.
[119] . Cilia HAMBTON : Criminal Procedure 2end : Ed Sweet –Max-Weel 1977. London p : 23.
[120] . محمد أحمد ضو الترهوني: م.س.ص: 194.
[121] . اللجنة الوزارية الإنجليزية بتاريخ 19 أكتوبر 1976.
– Ministerial Comity on 19 October 1976.
[122] . سيليا هامبتون: م.س.ص: 33.
– يراجع عبد الستار سالم الكبيسي: م.س.
[123] . والتي كانت تقبل الدليل المادي دون الإهتمام بكيفية تحصيله.
[124] . أحمد موض بلال: قاعدة إستبعاد الأدلة المتحصلة بطرق غير مشروعة: م.س.ص: 56.ه: 51.
[125] . المرجع السابق: ص 62.
[126] . سامي الحسيني: م.س.ص: 365.
[127] . محمود عودة الجبور: م.س.ص: 533.
[128] . القانون الإتحادي لسنة 1968.
[129] . محمد أحمد ضو الترهوني: م.س.ص: 193.
[130] . المرضع السابق.
[131] . ممدوح بحر: م.س.ص: 557.
[132] . سامي الحسيني: م.س.367.
[133] . زين العابدين بن سليم وأحمد إبراهيم زيد م.س.ص: 59.
[134] . الموضع السابق.
[135] . Lopez V. United States. 373 U.S.427. 1963.
[136] . الأستاذ: ب.ج.جورج: م.س.ص: 307.
[137] . Osborn. case.V.U.S.385.US.323.1966.
– وغير ذلك من القرارات الصادرة عن المحكمة الإتحادية العليا في ذات الإتجاه
[138] . سامي الحسيني: م.س.ص: 366.
[139] . Silver MAN V United States. 365.U.S 505. 1971.
[140] . قانون 18 لسنة 1983.و.م.أ. 25.510.2520.
[141] . يراجع ب.ج.: جورج: م.س.ص: 308. وما يليها.