جرائم العدوان الإسرائيلي على غزة وفق القانون الجنائي الدولي

جرائم العدوان الإسرائيلي على غزة وفق القانون الجنائي الدولي

إعداد الباحث الأكاديمي- د. عبدالحكيم سليمان وادي

سلك الدكتوراه-الدراسات الدولية والدبلوماسية -كلية الحقوق -جامعة محمد الخامس-سلا-الرباط

مقدمة

لما كانت الحروب تتولد في عقول البشر، ففي عقولهم يجب أن تبنى حصون السلام

أن موضوع حماية الأعيان المدنية الفلسطينية هو جدير بالبحث والدراسة والتحليل لما له من أهمية قانونية وطنيا ودوليا من جهة، ومن جهة ثانية محاولة لفت الأنظار لتخفيف الأضرار والخسائر التي تلحق بالأعيان المدنية الفلسطينية نتيجة الوسائل والأساليب المتبعة في إدارة العمليات العسكرية الإسرائيلية.وما ينتج عنها من عدوان وخروقات وانتهاكات مستمرة للقواعد المنظمة لها أتناء النزاعات المسلحة. عبرالظروف التي يتدخل فيها القانون الدولي الإنساني، والحالات التي ينفذ فيها هذا القانون بنص المادة الثانية من اتفاقية جنيف الأربع لسنة 1949، على أنه (تنطبق هذه الاتفاقيات في حالة الحرب المعلنة، أو اشتباك مسلح بين أحد الأطراف السامية، حتى وان لم يعترف أحدهما بحالة الحرب، بالإضافة إلى حالات الاحتلال الجزئي أو الكلي لإقليم أحد الأطراف المتعاقدة حتى ولو لم يواجه هذا الاحتلال أية مقاومة. وهذا ما ينطبق على حالة الدولة الفلسطينية التي تتعرض للعدوان المستمر من طرف دولة الاحتلال الإسرائيلي. لاسيما وأن النزاع المسلح الدولي هو العمليات العدائية  أو العسكرية التي تدور بين دولتين أو أكثر من أشخاص العلاقات الدولية، وهذا ما ورد في التوصية الأممية رقم 3314 سنة 1970 التي تعرف العدوان على أنه: استعمال القوة المسلحة من قبل دولة ما ضد سيادة دولة أخرى أو سلامتها الإقليمية أو استقلالها السياسي أو ما يتنافى ومقاصد الأمم المتحدة. مع ضرورة مراعاة الفرق بين النزاع المسلح الدولي وبين واقع الاحتلال العسكري الإسرائيلي المفروض بقوة السلاح والعدوان على كامل التراب الفلسطيني.حيث ورد التعريف القانوني للاحتلال العسكري في القسم الثالث من اتفاقية لاهاي لعامي 1899و 1907 تحت عنوان ( السلطة العسكرية في أراضي الدولة العدوة) ثم جاءت اتفاقية جنيف الرابعة 1949، لتخصص لهذا الموضوع قسما خاصا تحت عنوان _ السكان المدنيون في الأراضي المحتلة _من المواد 47الى78مما استدعي ضرورة التفكير في توفير حماية للمدنيين وللأعيان المدنية بوصفها ضرورة ملحة للحفاظ على حياة الأشخاص الذين تأويهم.

     لقد تعرضت الأعيان المدنية للاعتداءات منذ القدم، بالرغم من ظهور بوادر لحمايتها في تلك الحقبة التي تجلت من خلال مبادئ الإنسانية التي أقرتها الحضارات القديمة. كما كان لظهور الأديان السماوية اثر بارز في تطور قواعد حماية الأعيان المدنية. وتعد الشريعة الإسلامية بأحكامها الإنسانية السباقة لفرض حماية مطلقة للأعيان المدنية. وكذلك سنة الرسول محمد صلى الله علية وسلم في نص الحديث الشريف  عن أبي حمزة الثمالي، عن أبي عبدالله عليه السلام قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا أراد أن يبعث سرية دعاهم فأجلسهم بين يديه ثم يقول: سيروا بسم الله وبالله وفي سبيل الله وعلى ملة رسول الله، لا تغلوا ولا تمثلوا، ولا تغدروا، ولا تقتلوا شيخا فانيا، ولا صبيا ولا امرأة، ولا تقطعوا شجرا إلا أن تضطروا إليها وأيما رجل من أدنى المسلمين.

من هنا فقد جاء سبب استعمالنا إلى مصطلح الأعيان المدنية دون غيرة من المصطلحات مثل الممتلكات المدنية أو الأهداف المدنية، وذلك باعتباره المصطلح الأحدث والأكثر انتشارا. والذي تم استعماله من خلال البروتوكوليين الإضافيين سنة 1977.

ورغم كل هذه النصوص القانونية. فإنها تبقى بدون قيمة أمام ما يقوم به جيش الاحتلال الإسرائيلي بالعدوان على الأعيان المدنية الفلسطينية التي تكررت على مدار سنوات الاحتلال منذ 1948 وكان أخرها العدوان على غزة سنة 2008-2009.وكذلك العدوان على غزة سنة 2012. إضافة للعدوان على اغلب مدن الدولة الفلسطينية مثل جنين ونابلس ورام الله والقدس التي تتعرض للتهويد والاستيطان الممنهج. إضافة للمجزرة التي ارتكبت في مخيم جنين سنة 2002 وراح ضحيتها المئات من المدنيين وممتلكاتهم.وكذلك بناء الجدار الفاصل العنصري الذي التهم أراضي ومنازل  المزارعين الفلسطينيين على طول امتداده.

أهمية الموضوع

تكمن في أهمية توفير الحماية  للأعيان المدنية الفلسطينية الأكثر ضررا وهشاشة زمن النزاعات المسلحة. بوصفة موضوعا غير منفصل عن ضرورة توفير حماية للمدنيين الفلسطينيين الذين يعتبرون الفئة الأكثر هشاشة مثل الأطفال والنساء والشيوخ والمعاقين حركيا والمرضي والحالات النفسية الخاصة…الخ مما يدفعنا في الرغبة بالوقوف على أوجه القصور ومحاولة إيجاد حلول قد تستطيع من تحسين الحماية الممنوحة للأعيان المدنية الفلسطينية الغائبة قطعا في زمن العدوان الإسرائيلي عليها, المدنيين من خلال توضيح الصورة في تحديد أهم نظم الحماية القانونية للأعيان المدنية ومدي تطبيقها على ارض الواقع في دولة فلسطين كنموذج. مع ضرورة الإشارة بإيجاز لحماية الفئات الهشة وحماية البيئة والممتلكات الثقافية في زمن النزاعات المسلحة.

إشكالية البحث

ما مدي فعالية آليات الحماية المقررة للأعيان المدنية زمن النزعات المسلحة الدولية والداخلية؟

ويتفرع من هذه الإشكالية عده تساؤلات فرعية وهي:

-ما مفهوم الأعيان المدنية؟ وكيف تطورت آليات حمايتها؟

-من هي الجهة المسئولة عن تنفيذ قواعد حماية الأعيان المدنية في ظل عجز مجلس الأمن القيام بذلك؟

-ما هو دور المحكمة الجنائية الدولية في ملاحقة مجرمي الحرب ممن ارتكبوا جرائم وانتهاكات جسيمة ضد الأعيان المدنية زمن النزاع المسلح؟

-هل يمكن محاسبة قادة إسرائيل على جرائمهم وعدوانهم على الأعيان المدنية الفلسطينية زمن الحرب والعدوان على غزة سنة2008- 2009؟

المبحث الأول : مفهوم الأعيان المدنية  وأنواعها في زمن النزاعات المسلحة.

مما لاشك فيه أن استعمالنا لمصطلح الأعيان المدنية دون غيرة من المصطلحات مثل الممتلكات المدنية أو الأهداف المدنية. قد جاء بوصفة المصطلح الأحدث والذي تم استعماله مؤخرا من خلال البرتوكوليين الإضافيين سنة 1977.

وعلية فان مفهوم الأعيان المدنية يتجلي في أن العين المدنية هي: العين التي لا تساهم مساهمة فعالة في العمل العسكري، ولا يحقق تدميرها كلياً أو جزئياً أو الاستيلاء عليها ميزة عسكرية أكيدة أمثلة ذلك المدارس والجامعات، والمساكن، والمستشفيات، ووسائل النقل والمواصلات، والمزارع، والمتاجر، والمساجد والمنازل ومصادر المياه وغير ذلك مما هو مخصص للأغراض المدنية.

وذلك طبقا لنص المادة 52 الفقرة الثانية 2 من البروتوكول الإضافي الأول لسنة 1977 فإن الهدف العسكري هو تلك الأعيان التي بطبيعتها، وبالنسبة لموقعها، وغرضها أو استخدامها تساهم مساهمة فعالة في العمل العسكري، والتي يحقق تدميرها – كليا أو جزئيا – أو الاستيلاء عليها أو تحييدها ميزة عسكرية أكيدة,وهذا يحيلنا إلي ضرورة تعريف مفهوم النزاع المسلح بشكل عام حيث يطلق على تعبير النزاع المسلح لفظ الحروب ، والحرب هي علاقة عنف بين الدول والشعوب، ويرى بعض الفقه أن مصطلح الحرب غير ملائم للدلالة على العنف في القانون الدولي و العلاقات الدولية .

لأن تعبير الحرب يحمل مضامين متعددة مثل: _الحرب الدعائية _الحرب الباردة _الحرب النفسية والاقتصادية…ويفضل أغلب الباحثين في مجال القانون الدولي استعمال تعبير النزاع المسلح، ويعنونون  كتبهم ب: قانون النزاعات المسلحة .

وهو نفس التعبير الذي تستعمله وثائق القانون الدولي الإنساني المثال المذكور أعلاه _المادة الثانية المشتركة_ ينطبق هذا القانون في حالة النزاع المسلح([1]) .

أما بالنسبة إلي تعريف النزاع المسلح الدولي: فهو العمليات العدائية  أو العسكرية التي تدور بين دولتين أو أكثر من أشخاص العلاقات الدولية، وهذا ما ورد في التوصية الأممية رقم 3314 لسنة 1970 التي تعرف العدوان على أنه :

استعمال القوة المسلحة من قبل دولة ما ضد سيادة دولة أخرى أو سلامتها الإقليمية أو استقلالها السياسي وما يتنافى ومقاصد الأمم المتحدة .

المطلب الأول: الحماية العامة للأعيان المدنية زمن النزاع المسلح

إن التدمير المتعمد للأعيان المدنية هو مظهر من مظاهر الانزلاق إلى هاوية الحرب الشاملة، وهو في بعض الأحيان يمثل الوجه الآخر للإبادة الجماعية والتي تعد إحدى جرائم الحرب. وبالعودة إلى التاريخ نجد أن هناك تدابير اتخذت منذ الحقب الغابرة من قبل مجتمعات وشعوب لضمان عدم الاعتداء على الأعيان المدنية ، حيث كان الإسلام سباقا فيها ومن أمثلة ذلك يمكن أن نذكر هنا توصيات الخليفة: أبى بكر الصديق الذي خاطب جنوده عند فتح سوريا والعراق قائلا : كلما تقدمتم ستجدون أناساً تفرغوا للعبادة في أديرتهم، اتركوهم وشأنهم، لا تقتلوهم ولا تدمروا أديرتهم([2]).

من هنا فقد اتجهت الاتفاقيات الدولية نحو تقرير حماية عامة للأعيان المدنية،بهدف تدعيم حماية للسكان المدنيين حيث أن الحماية تقرر وفقا للأهمية التي يحظى بها هذا الهدف للسكان المدنيين أو ما يلحق بهم من أخطار وآذي نتيجة تدميرها.فقد نصت اتفاقية لاهاي الرابعة لسنة 1907 في المادتين 25-27 على تحريم ضرب بعض الأهداف المدنية([3]).

وبالعودة إلي اتفاقيات جنيف سنة 1949 نجدها قد نصت بشكل واضح في المادتين 146-و147 من الاتفاقية الرابعة الخاصة بحماية المدنيين على ضرورة  توفير الحماية العامة للأعيان المدنية بدون تحديد مضمونها([4]).

وباستقراء مبدأ التمييز بين الأهداف العسكرية والأعيان المدنية المشار إليه نجد أن الأهداف العسكرية هي وحدها التي يمكن أن تكون هدفا للعمل الحربي والهجوم من الطرف الآخر ومع ذلك فإن البروتوكول الإضافي الأول لسنة 1977 يشير إلى أنه حتى مع مهاجمة هذه الأهداف فإنه يتعين القيام باتخاذ مجموعة من الاحتياطات اللازمة بواسطة كل طرف عند الإعداد والقيام بالهجوم عليها إذا كان من شأن ذلك الإضرار بالأعيان المدنية([5]).

أولا : مضمون الحماية العامة للأعيان المدنية زمن النزاع المسلح

أن ما جاء في نص المادة 52 من البرتوكول الأول الإضافي لسنة 1977 والتي نص فحواها على انه:

1-لا تكون الأعيان المدنية محلا للهجوم أو لهجمات الردع…

2-إذا ثأر الشك حول ما إذا كانت عين ما تكرس عادة لأغراض مدنية مثل أماكن العبادة أو المنازل أو المدارس أو الجسور..الخ إنما تستخدم في تقديم مساهمة فعالة للعمل العسكري، فإنه يفترض أن لا تستخدم كذلك حيث تفسر حالة الشك لصالح استمرار الحماية العامة للأعيان المدنية([6]).

وهذا ما تتجاهله إسرائيل التي تتعمد تدمير الممتلكات المدنية الفلسطينية.وقتل المدنيين الفلسطينيين واغتيالهم عبر الطائرات بدون طيار المستخدمة منذ فترة طويلة فوق أجواء سماء مدينة غزة الصامدة.

حيث ومن خلال تحليلنا للمادة 52 من البرتوكول الأول سنة 1977.قد لاحظنا أن الحماية العامة تنطبق على الأعيان المدنية الفلسطينية. لاسيما وإنها تمنع الهجمات الموجهة ضد الأعيان المدنية بشكل عام من جهة،وتحظر الأعمال الانتقامية التي يقوم بها جيش الاحتلال الإسرائيلي وسلاحه الجوي والبحري والمدفعي ضد الفلسطينيين في غزة ونابلس وجنين وكل فلسطين من جهة أخري.

ويتبين مما تقدم أن الأعيان المدنية تتمتع بحماية القانون الدولي الإنساني أثناء الحرب وتتجلى هذه الحماية في القاعدة الأساسية المتمثلة في مبدأ الحصانة العامة للأعيان المدنية ، من خلال نص المادتين 48 و52 من البروتوكول الإضافي الأول المشار إليه على واجب أطراف النزاع التمييز بين الأعيان المدنية والأهداف العسكرية، وواجبهم توجيه العمليات الحربية ضد الأهداف العسكرية دون غيرها وهذا ما سنتناوله في المواضيع التالية.

ثانيا : حظر الهجمات العشوائية ضد الأعيان المدنية.

لقد جاءت المادة 52 من البرتوكول الإضافي الأول لسنة 1977 بحظر مطلق لتوجيه الهجمات ضد الأعيان المدنية.5 بما فيها الهجمات العشوائية وقد أورد البرتوكول نفسه تدابير يجب اتخاذها عند توجيه الهجمات ضد الأعيان المدنية. ويتجلي ذلك على النحو التالي:

حظر الهجمات العشوائية ضد الأعيان المدنية بنص المادة 51 من البرتوكول الإضافي الأول لسنة 1977 والتي نصت (تحظر الهجمات العشوائية). وقد عرفتها كتالي:

أ-الهجمات العشوائية التي لا توجه إلي هدف عسكري محدد.

ب-تلك التي تستخدم طريقة أو وسيلة للقتال لا يمكن أن توجه ضد هدف عسكري محدد.

ج-أو تلك التي تستخدم طريقة أو وسيلة لا يمكن حصر أثارها على النحو الذي يتطلبه البرتوكول ومن ثم من شانها أن تصيب في كل حالة كهذه،الأهداف العسكرية والأشخاص المدنيين أو الأعيان المدنية دون تمييز.

وللإشارة فقد تم اعتماد المادة 51 من البرتوكول الإضافي الأول لسنة 1977بموافقة 77 صوت مقابل صوت واحد معارض وكذلك 16 صوتا ممتنعا.

لقد سارت العديد من الاتفاقيات الدولية على نفس نهج المادة 51 في تعريفها للهجمات العشوائية منها المؤتمر الرابع والعشرون للصليب الأحمر لسنة 1981 الذي دعا أطراف النزاعات المسلحة إلى عدم استخدام أساليب ووسائل القتال التي لا يمكن توجيهها ضد أهداف عسكرية محددة،ولا يمكن حصر أثارها([7]). وكذلك نجد التعريف الوارد في البرتوكول الثاني الملحق بالاتفاقية المتعلقة بالأسلحة التقليدية والصيغة المعدلة له في سنة 1996 على: يحظر الاستعمال العشوائي للأسلحة التي تنطبق عليها هذه المادة51([8]).

وهذا ما أكدته المحكمة الجنائية الدولية ليوغسلافيا سابقا في لائحة الاتهام في قضية مارتيش سنة 1996، فقد دققت المحكمة في شرعية استخدام القنابل العنقودية وفقا للقانون الدولي العرفي بما يتضمنه من حظر للهجمات العشوائية التي تستخدم وسائل وأساليب حرب لا يمكن توجيهها ضد هدف عسكري محدد([9]).

وبالعودة للمادة 51 من البرتوكول الإضافي الأول لسنة 1977، إضافة إلي التعريف السابق، هناك أمثلة أخري عن الهجمات العشوائية:

أ-الهجوم قصفا بالقنابل، أيا  كانت الطرق والوسائل التي تعالج عددا من الأهداف العسكرية الواضحة التباعد والتميز بعضها عن البعض الأخر.والواقعة في مدينة أو بلدة أو قرية أو منطقة أخري تضم تمركزا للمدنيين أو الأعيان المدنية،على إنها هدف عسكري واحد.

ب- الهجوم الذي يمكن أن يتوقع منة أن يسبب خسارة في أرواح المدنيين أو إصابة بهم أو أضرار بالأعيان المدنية،أو يحدث خلطا من هذه الخسائر والأضرار،يفرط في تجاوزها ينتظر أن يسفر عنه هجوم من ميزة عسكرية ملموسة ومباشرة([10]).

من هنا وبناءا على تحليلنا للمادة 51 من البرتوكول الإضافي الأول لسنة 1977واستقرائنا للنص فيها نجدها قد أكدت على مبدأ التناسب في توجيه الهجمات ضد الأعيان المدنية، فوفقا للقانون الدولي الإنساني يعتبر مبدأ التناسب هو مقياس تحديد النسبة الشرعية والقانونية من وجهه نظر القانون بين التفوق العسكري الحاصل وبين كمية سقوط الضحايا وسط السكان المدنيين نتيجة الهجوم على المنشات العسكرية.حيث أن المادة 51 لا تستثنى إمكانية القيام بالهجوم على المحاربين والأهداف العسكرية إذا رأى قادة الهجوم أن الأضرار التي يمكن أن تلحق بالسكان المدنيين والمنشات المدنية لا تفوق أو تتجاوز الحد أو المستوى الذي يمكن أن يعتبر نسبة معقولة بين حصول التفوق العسكري المطلوب وبين كمية سقوط الضحايا نتيجة الهجوم.

 

وللإشارة نستعين بنموذج على أرض الواقع في فلسطين حول ما حصل في الاعتداء الإسرائيلي عبر توجيه هجمات عسكرية مباشرة للمنازل المدنية في مدينة غزة أثناء فترة العدوان على غزة في حرب 2008-2009 حيث استهدف سلاح الجو الإسرائيلي وبشكل مباشر ومقصود منزل عائلة السموني في يوم الأحد، 4/1/2009 حيث جمع الجنود الاسرائلين ما يقارب مئة فرد من أبناء عائلة السّموني الموسّعة في داخل بيت عائلة وائل السّموني في حيّ الزيتون في مدينة غزة. وفي صباح الغداة، وأثناء محاولة عدد من أبناء العائلة الخروج من المنزل، أطلق الجيش صوبهم صاروخًا أو قذيفة قُتل على أثره أحد أفراد العائلة وأصيب اثنان آخران. بعد ذلك بثوانٍ أطلق الجيش قذيفتين أو صاروخين إضافيين أصابا البيت إصابة مباشرة فانهار فوق ساكنيه. وجراء ذلك قُتل 21 فردًا من أبناء العائلة منهم 9 أطفال، وأصيب عشرات آخرون من أفراد العائلة. ورغم التوجّهات المتكرّرة من الصليب الأحمر و”منظمة بتسيلم الحقوقية” ومنظمات أخرى لحقوق الإنسان، منع الجيش الإسرائيلي إنقاذ الجرحى حتى يوم 7/1/2009. وبعدها قام الجيش بهدم المبنى فوق جثث القتلى ولم يكن بالمستطاع إخراج الجثث إلا بعد انسحابه، أي بعد أسبوعيْن على الحادثة. وحتى اللحظة لم يتم محاسبة المسئولين عن هذه الجريمة([11]).

المطلب الثاني: الحماية الخاصة للأعيان المدنية زمن النزاع المسلح

يتركز هذا المطلب أساساًً على ضرورة توضيح الحماية الخاصة للأعيان المدنية زمن النزاعات المسلحة الدولية وعلى بيان القواعد والمعايير الدولية المدونة في اتفاقيات جنيف لعام 1949، وبصورة خاصة في الملحقين الإضافيين للاتفاقية لسنة 1977، الصادر بعد اعتماده بالإجماع من المؤتمر الدبلوماسي لتأكيد تطور القانون الدولي الإنساني المطبق في المنازعات المسلحة الدولية، تلك المعايير والقواعد الدولية التي تعد المصدر القانوني للحماية الدولية العامة والخاصة المقررة للأعيان المدنية . والأمر الأخر هو تحديد مدى مراعاة دوله الاحتلال الإسرائيلي  خلال العدوان على غزة سنة 2008-2009 للقواعد والمعايير الدولية المتعلقة بالحماية الخاصة للأعيان المدنيـة الفلسطينية على ضـوء المعلومات والبيانات والحقائق المدونة حول هذه الحرب وما سبقها وتلاها من اعتداءات وهجمات عسكرية ضد الأعيان المدنية.

لقد برزت العنصرية الإسرائيلية أكثر في طغيانها ومجازرها في مجزرة الحرم الإبراهيمي في مدينة الخليل، والتي نفذها مستوطن إسرائيلي، وصفته إسرائيل وقتها بأنه مختل عقليا علنا، لكنها عبرت عن إعجابها به وبما قام خفاء.

ووقعت المجزرة في 25/2/1994 عندما قام مستوطن يهودي باقتحام الحرم الإبراهيمي الشريف في مدينة الخليل وأطلق الرصاص والقنابل على المصلين في صلاة الفجر، وقام عدد آخر من جنود الاحتلال الإسرائيلي بإطلاق الرصاص على المصلين الهاربين من داخل الحرم، وأسفرت هذه المجزرة عن استشهاد 24 فلسطينياً، وجرح المئات.

هذه ليست الأخيرة وعلى ما يبدو فإن هذه المجازر لن تكون الأولى ولا لأخيرة في تاريخ إسرائيل، فما زالت رمال شاطئ وصرخات هدى غالية تذكر القريب والبعيد بما حل بها وبأسرتها التي قصفتها الزوارق الإسرائيلية.

وفي 12/7/2006 أي في اللحظة التي ابتدأت بها إسرائيل حربها على لبنان، قصفت طائراتها من نوع “أف 16” بقنبلة وزنت طنا من المتفجرات بناية سكنية في غزة، راح ضحية هذا القصف تسعة من أفراد عائلة الدكتور نبيل أبو سلمية في حي الشيخ رضوان، عند الساعة الثالثة فجراً، ودمر الصاروخ المنزل المكون من ثلاث طبقات وأودى بحياة تسعة من أفراد عائلة الدكتور نبيل أبو سلمية، هم الأب والأم وسبعة من أبنائه. ([12])

 

أولا : مضمون الحماية الخاصة للأعيان المدنية زمن النزاع المسلح.

 

لقد لاحظت العديد من الدول بجانب ملاحظات اللجنة الدولية للصليب الأحمر في المؤتمر الدبلوماسي المهتم بتطوير قواعد القانون الدولي الإنساني وذلك منذ فترة 1974 إلي فترة 1977 بضرورة أن تضفي حماية خاصة لبعض الفئات من الأعيان المدنية. وذلك بالنظر إلي طبيعتها ووظيفتها من جهة،وما يمكن أن يترتب عليها اثر الهجمات العسكرية من أضرار كبيرة بالنسبة للمدنيين سواء كانت هذه الأضرار مادية أو معنوية

من هنا وبناءا على أهمية توفير الحماية الخاصة المقررة للأعيان المدنية :

فقد خص البرتوكولين الإضافيين لسنة 1977 فئات معينة من الأعيان المدنية بحماية خاصة وذلك بالنظر إلي ضرورتها للمدنيين. كما لم يغفل البرتوكولين عن حماية الجانب الروحي للشعوب من خلال إقرار حماية خاصة للتراث وللممتلكات الثقافية.

وقد تم النص على بنود الحماية هذه في كل من المواد التالية: 53 والمادة 54 والمادة 55 والمادة 56 من البروتوكول الإضافي الأول. وكذلك في المواد 14 -15-16 من البرتوكول الإضافي الثاني لسنة 1977. وقد تم توفير الحماية إلي 4 أنواع من الأعيان المدنية وهي كتالي:

الأعيان التي لا غني عنها لبقاء السكان المدنيين على قيد الحياة من جانب أول،والأشغال الهندسية والمنشات المحتوية على قوي خطرة من جانب ثاني،والأعيان الثقافية وأماكن العبادة من جانب ثالث. وحماية البيئة الطبيعية من جانب رابع. ولأهمية هذه الفئات الأربعة.

 

ثانيا : حماية الأعيان المدنية والفئات الهشة والمواد التي لاغني عنها لبقاء السكان المدنيين على قيد الحياة

مما لا شك فيه انه غالبا ما تلجأ الأطراف المتحاربة أثناء النزاعات المسلحة إلي أساليب الضغط على العدو أو الطرف الأخر الخصم لتحاول أجبارة على الاستسلام.ومن بين هذه الأساليب التي تمارسها إسرائيل على أرض الواقع ضد الفلسطينيين هي:

أساليب الحصار والتجويع الاقتصادي للمدنيين في قطاع غزة والبالغ عددهم أكثر من مليون ونصف نسمة. تعتبر فئة الأطفال والفئات الهشة من الشيوخ والنساء والمرضي هما الأكثر تضررا من هذا الحصار المفروض عليهم منذ سنة 2006 والمستمر حتى ألان ونحن في عام 2014 حصار غزة هو حصار خانق قامت إسرائيل بفرضه على قطاع غزة إثر نجاح حركة المقاومة الإسلامية حماس في الانتخابات التشريعية في 2006 قبل دخول حماس غزة بعام، ثم عززت إسرائيل الحصار في 2007 بعد سيطرة حماس على غزة في حزيران 2007  يشتمل الحصار على منع أو تقنين دخول المحروقات والكهرباء والكثير من السلع.

وبالعودة إلي جوهر موضوعنا فأن توفير الحماية الخاصة للأعيان المدنية يهدف إلي تحريم توجيه هجمات ضد هذه المنشآت للمحافظة على الكرامة الإنسانية، فقد حظيت هذه الأعيان بالاهتمام في الأعمال التحضيرية للمؤتمر الدبلوماسي لإعادة تأكيد وتطوير القانون الدولي الإنساني أثناء النزاعات المسلحة،حيث سعت اللجنة الدولية للصليب الأحمر من خلال إعدادها مشروع مادة لحماية الأعيان المدنية التي لا غني عنها لبقاء السكان المدنيين،وتقدمت به ضمن مشروع برتوكولي جنيف إلي  مؤتمر الخبراء الحكوميين في دورته الأولي سنة 1971.

وقد تم إدخال التعديلات على مشروع تلك المادة،وتم تقديمها إلي المؤتمر الدبلوماسي في جنيف خلال دورته الثانية المنعقدة بتاريخ سنة 1974 وسنة 1975 تحت عنوان :حماية الأعيان والمواد التي لا غني عنها لبقاء السكان المدنيين على قيد الحياة([13]).

لقد نصت المادة 54 والمادة 14 من البرتوكوليين الإضافيين الأول والثاني على التوالي لسنة 1977 على حظر أسلوب التجويع، والمقصود بها الحرب الاقتصادية كأسلوب من أساليب الحرب والعدوان.وذلك نتيجة ما يسببه من ماسي للمدنيين،إذ  يعد احد أسباب الترحيل ألقصري للمدنيين وما ينتج عنه من مشاكل خاصة بالنازحين واللاجئين في ظل تفاقم هذه المشكلة على المستوي الدولي والتي تسعي كل من اللجنة الدولية للصليب الأحمر والمفوضية السامية لشؤون اللاجئين لمحاولة وضع حل جذري لها([14]).

كما أن الفقرة الخامسة من المادة 54 قد أجازت لطرفي النزاع أو احدهم عدم مراعاة الحظر المنصوص علية في الفقرة الثانية استنادا إلي قاعدة الضرورة العسكرية الملحة،والملاحظ أن هذه الفقرة قد تقلل من أهمية بنود الحماية المقررة للأعيان والمواد التي لا غني عنها لبقاء السكان المدنيين على قيد الحياة،خاصة في ظل إساءة إسرائيل استخدام مبدأ الضرورة العسكرية ضد المقاومة الفلسطينية لتحقيق أهدافها العسكرية من ناحية، ولتبرير عدوانها وانتهاكاتها لقواعد القانون الدولي الإنساني المتعلقة بالأعيان المدنية الفلسطينية زمن النزاع المسلح وأثناء توجيه هجمات حربية لها([15]).

كما أن ما أضافته المادة 54 من البرتوكول الإضافي الأول لسنة 1977 هو نصها في الفقرة الرابعة على حظر هجمات الردع ضد هذه الأعيان، فإذا وجهه احد أطراف النزاع هجماته ضدها فلا يجوز للطرف الأخر الرد عليها بالمماثلة، وذلك نظرا لأهمية هذه الأعيان،فتعد المواد الغذائية أساس الحياة والتي يتطلب توفيرها والمحافظة على المناطق الزراعية والماشية من جهة، وعلى موارد المياه من جهة أخري.

فالماء يعد مصدر الحياة والنعم ورمز الخصوبة، وهو كثيرا ما يثير الأطماع أثناء النزاعات المسلحة، كما يسعي جيش الاحتلال الإسرائيلي دائما إلي منعه على الطرف الفلسطيني في قطاع غزة بقصد إضعاف وإهلاك المدنيين الفلسطينيين وممارسة العقاب الجماعي عليهم بهدف إضعاف المقاومة من خلال إضعافهم وتشديد الحصار عليهم والتحكم في نوعية المواد المسموح إدخالها لهم. كما أن الحظر المتعلق بكل صور الاعتداء ضد الأعيان التي لا غني عنها لبقاء السكان المدنيين، يدخل ضمنة حظر استعمال أسلوب تسميم المياه والذي يقضي على كل مظاهر الحياة([16]).

المبحث الثاني:واقع الحماية العامة للأعيان المدنية الفلسطينية زمن النزاعات المسلحة الدولية.

تعتبر إسرائيل قوة احتلال عليها التزامات ومسؤوليات قانونية وإنسانية اتجاه الفلسطينيين في الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ سنة 1948وحتي اللحظة برغم إخلاء قوات جيش الاحتلال الإسرائيلي لقطاع غزة بتصرف وقرار إسرائيلي أحادي الجانب سنة 2005م، والذي احتفظ الاحتلال الإسرائيلي لنفسه فيه حتى ألان بصلاحيات أمنية واسعة بشكل يؤثر مباشرة على السكان الفلسطينيين بغزة، وبقاء السيطرة الإسرائيلية العسكرية و الاقتصادية على الإقليم الجوي والبحري والبري، والسيطرة الكاملة على معابره الحدودية وإدارة سجل السكان، وإجراءات لم شمل العائلات ودخول البضائع إلى قطاع غزة أو الخروج منه، والتحكم بتزويد غزة بالوقود والكهرباء والغاز ومواد البناء…الخ

من هنا مازالت قواعد حماية الأعيان المدنية الفلسطينية تتعرض للعديد من الانتهاكات الجسيمة والخطيرة زمن النزاعات المسلحة من طرف إسرائيل.

فلا يكاد يمر نزاع مسلح في فلسطين إلا وينتج عنه دمارا هائلا للأعيان المدنية الفلسطينية.إضافة إلي ما يسببه هذا العدوان الإسرائيلي المتكرر على المدن والمخيمات الفلسطينية مثل مدينة جنين وغزة من المساس بحياة المدنيين والأطفال الفلسطينيين المتواجدين بهذه الأعيان المدنية أو بالقرب منها.

إن أبشع الجرائم التي تقترفها إسرائيل هي قيامها بنسف وتدمير منازل الفلسطينيين فوق رؤوسهم بشكل مستمر لتكبيد الجانب الفلسطيني الخسائر ولتدمير البنية التحتية بشكل مدروس وممنهج.

من جهة أخري قد يتساءل البعض : كيف لدولة الاحتلال الإسرائيلي التي هي ليست طرفا في اتفاقيات جنيف الأربعة لسنة 1949 وللبرتوكوليين الإضافيين الأول لسنة 1977.أن يطلب منها الالتزام واحترام وتطبيق قواعد الحماية العامة للأعيان المدنية الفلسطينية أثناء النزاعات المسلحة التي نفذتها كثيرا في فلسطين ومنها العدوان على غزة سنة 2008—2009؟

والإجابة بسيطة، فبالعودة إلي قواعد المتعلقة بالحماية العامة للأعيان المدنية.نجد التأكيد على طابعها العرفي، مما يجعل إسرائيل حتى وان كانت ليست طرفا في البرتوكول الإضافي الأول لسنة 1977 بالتحديد  فهي مجبرة على تطبيقها لكون القاعدة العرفية واجبة التطبيق بسبب شعور أشخاص القانون الدولي بإلزاميتها. وعلية نخلص إلي أن دولة الاحتلال الإسرائيلي واجب عليها احترام قواعد الحماية العامة المقررة للأعيان المدنية الفلسطينية زمن النزاعات المسلحة([17]).

المطلب الأول: أسباب وتبريرات العدوان الإسرائيلي على غزة سنة2008-2009 وتوجيه هجمات حربية ضد الأعيان المدنية الفلسطينية. (عملية الرصاص المصبوب نموذجا)

تعود مبررات العدوان العسكري الإسرائيلي على غزة إلي أسباب واهية وهي حجة إطلاق صواريخ فلسطينية باتجاه الأراضي المحتلة سنة 1948 أو ما يسمي بأراضي الخط الأخضر. وبررت القيادة السياسية والعسكرية الإسرائيلية، عمليات القصف والتدمير والقتل الجاري تنفيذها على صعيد قطاع غزة خلال عملية الرصاص المسكوب سنة 2008-2009، بضرورات أمنية وعسكرية، اقتضت وحتمت على قوات الاحتلال الإسرائيلي  القيام  بذلك، كما تدعي بأن هذه الأعمال تأتي في سياق الممارسة الطبيعية والقانونية لحق إسرائيل المشروع في الدفاع الشرعي عن النفس بمواجهة الصواريخ الجاري إطلاقها من قطاع غزة صوب التجمعات السكانية الإسرائيلية في إسرائيل.

شرعت قوات الاحتلال الإسرائيلي في بداية العدوان بتاريخ-27/12/2008، في تنفيذ عملية عسكرية واسعة النطاق على قطاع غزة تحت أسم: الرصاص المسكوب،أو كما أطلقت عليها المقاومة الفلسطينية بقيادة حركة حماس اسم: حرب الفرقان… والتي بدأتها إسرائيل بقصف جوي واسع النطاق على مدينة غزة.استهدف أغلب مقار الشرطة الفلسطينية ومقار حركة المقاومة الإسلامية حماس ومقار الوزارات والمؤسسات المدنية الفلسطينية، والذي استمر لمدة 23 يوماً. وهو العدوان الأكثر وحشية في تلك الفترة من طرف قوات الاحتلال الإسرائيلي([18]).

مما أسفر عن استشهاد أكثر من  1500 فلسطينياً، نسبه 83% منهم من المدنيين، أي أن الغالبية العظمى هم من “الأشخاص المحميين” بموجب القانون الدولي الإنساني.  كما أدى العدوان إلى إصابة أكثر من 5300 شخص من النساء والأطفال والشيوخ بجراح متفاوتة.منهم أكثر من مائة وعشرين بجراح خطرة وحرجة، علما بأن اغلب ضحايا اليوم الأول كانوا من الشرطة المدنية الفلسطينية، الذين استهدفهم قصف الطائرات الحربية الإسرائيلية خلال حفل تخريج في أكاديمية الشرطة التي تحمل اسم الرئيس الشهيد- ياسر عرفات. علاوة على الدمار الواسع الذي لحق بالممتلكات العامة والخاصة في أنحاء مختلفة من قطاع غزة([19]).

وفي مساء يوم السبت الموافق 3/1/2009م، أعلنت سلطات الاحتلال الإسرائيلي عن الشروع في بدء تنفيذ عدوانها وهجومها البري على قطاع غزة من عدة محاور، والذي تم التمهيد له بقصف بري وجوي وبحري مكثف للمحاور التي اختيرت لتقدم القوات البرية، علما بأن الفترة الزمنية المحددة للهجوم البري كما هو واضح من تصريحات رئيس دولة الاحتلال الإسرائيلي ورئيس وزرائه،ووزير الدفاع غير محددة بل من الممكن لها أن تطول وأن يشارك فيها عشرات الآلاف من جنود قوات الاحتلال الإسرائيلي ما يعني استمرار نزيف الدم الفلسطيني([20]).

لقد بلغ عدد الهجمات الحربية الإسرائيلية ضد الأعيان المدنية الفلسطينية وأهداف أخري تدعي إسرائيل بأنها عسكرية إلى أكثر من 2500غارة ومليون كيلوغرام من المتفجرات التي سقطت على مدينة غزة أثناء العدوان في عملية الرصاص المسكوب. حيث كشفت القناة العاشرة في التلفزيون الإسرائيلي، النقاب عن أن سلاح الجو الإسرائيلي وحده ألقى مليون كيلوغرام من المتفجرات، منذ شروعه في حملته العسكرية على القطاع آنذاك([21]).

وأشارت القناة إلى أن هذا لا يتضمن ما أطلقته المدفعية والدبابات والمشاة في الألوية البرية والمدمرات وسفن الصواريخ في سلاح البحرية الإسرائيلي. وقال المراسل العسكري للقناة أن طائرات الاحتلال نفذت ما لا يقل عن 2500 غارة خلال الأسابيع الثلاثة فقط للحرب والعدوان على غزة سنة 2008—2009 حيث استمرت العمليات العسكرية الإسرائيلية بتوجيه ضربات وهجمات عسكرية متنوعة من سلاح الجو الإسرائيلي ومن الدبابات والمدفعية الأرضية والسفن الحربية الإسرائيلية حتى لحظة التوصل لاتفاق الهدنة ووقف العدوان والهجمات العسكرية ضد قطاع غزة بتاريخ-18-01-2009 بعد التدخل والوساطة المصرية وضغط جامعة الدول العربية التي عقدت جلسة بشكل عاجل لدراسة خطورة العدوان الإسرائيلي([22]).

وبناءا على هذا التقرير أعلاه،تعد انتهاكات جسيمة للقانون الدولي الإنساني في قطاع غزة بنص المادة 53 من اتفاقية جنيف الرابعة لسنة 1949 فيما يتعلق بالضرورة العسكرية على انه “يحظر علي دولة الاحتلال أن تدمر أي ممتلكات خاصة ثابتة أو منقولة تتعلق بأفراد أو جماعات، أو بالدولة أو السلطات العامة، أو المنظمات الاجتماعية أو التعاونية، إلا إذا كانت العمليات الحربية تقتضي حتما هذا التدمير”. وهو ما قامت به  دولة الاحتلال الإسرائيلي أثناء العدوان على غزة  وما زالت تقوم بانتهاكه يومياً دون أدنى استجابة لدعوات وقف العدوان واحترام تطبيق اتفاقية جنيف الرابعة للعام 1949 لحماية المدنيين وقت الحرب([23]).

أولا : الخسائر الفلسطينية اثر انتهاك إسرائيل لقواعد الحماية العامة للأعيان المدنية الفلسطينية إبان العدوان الإسرائيلي على غزة سنة 2008-2009

يتجلي واقع انتهاك إسرائيل لقاعدة حظر توجيه الهجمات ضد الأعيان المدنية الفلسطينية إبان العدوان على غزة أثناء عملية الرصاص المسكوب سنة2008-2009 …في حجم الخسائر المادية والبشرية حسب إحصاءات لجنة توثيق الحقائق الحكومية والجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني في تقريرها على النحو التالي:

لقد استمرت الهجمات العسكرية الإسرائيلية على مدار 23 يوماً، وسط استهداف عشوائي للمدنيين ولكل من يتحرك في شوارع القطاع الذي كان ينزف دماً ويُراق فيه دماء الأطفال والنساء والشيوخ والشبان، فأصبحت غزة “تحت نار وهدير قذائف الطائرات”.

وارتكب الاحتلال جرائم حرب بحق المدنيين في القطاع خلال الحرب، فاستهدف منازل الآمنين، كمنزل آل السموني على سبيل المثال التي استشهد منهم 17 شخصاً من أفرادها معظمهم من الأطفال والنساء.

وحسب إحصاءات لجنة توثيق الحقائق الحكومية والجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني فقد أدت الحرب الوحشية إلى الخسائر التالية :

استشهاد أكثر من 1500 شهيداً بينهم 1223 ذكراً و 213 أنثى، منهم نحو 410 طفلاً و104 امرأة ونحو 100 مسن، فيما بلغ عدد الشهداء من الطواقم الطبية 14 شهيداً و4 صحفيين.

فيما جرح أكثر من 5400 من بينهم أكثر من 400 إصابتهم خطيرة، وبلغت نسبة الأطفال والنساء من بين الجرحى نحو 50%، بينهم مئات الإعاقات.

وحول الجرائم التي ارتكبتها إسرائيل في قطاع غزة والتي قامت اللجنة بتوثيقها حيث سجلت 253 جريمة قتل المتعمد للمدنيين توزعت على قطاع غزة كالتالي -84 في الشمال، و96 في مدينة غزة، و28 في الوسطى، و24 في خان يونس، و21 في رفح.

أما بشأن الاعتداء على سيارات الإسعاف التي تحمل الإشارة المتعارف عليها دوليا وعلى الطواقم الطبية والدفاع المدني بلغت 12 اعتداًء نصفهم في الشمال والنصف الآخر في غزة، فيما تم توثيق 20 حالة من التعذيب والمعاملة اللإنسانية توزعت(17 في الشمال، 2 في غزة، 1 في خان يونس).

كما ذكرت لجنة التوثيق أن الاحتلال أخذ 20 مواطناً رهائن، منهم -18 في الشمال، و1 من غزة، و1 من خان يونس، في حين استخدم أسلحة محرمة دولياً عدد 21 منها (16 شمال، و3 غزة، و2 خان يونس([24]).

أما بالنسبة للخسائر المادية العامة والخاصة بالأعيان المدنية الفلسطينية:

فقد وثقت اللجنة الحكومية الخسائر المادية التي لحقت بالمنشآت العامة والخاصة، حيث هدم الاحتلال الصهيوني 4100 مسكن بشكل كلي، و17000 بشكل جزئي، فيما دمر 20 مسجداً، و25 مدرسة وجامعة ومستشفى([25]).

أما خسائر المرافق الحكومية، حيث تضرر 173 مرفق تابع لوزارة الأوقاف والشؤون الدينية، منها تدمير 155 مسجداً حيث تم تدمير 45 مسجداً بشكل كلي و55 جزئي، ومثلهم ضرر خفيف.

كما قدرت خسائر مرافق وعقارات تابعة لوزارة الأوقاف 13مرفقاً حيث تم تدمير 6 مرافق بشكل كلي و7 بشكل جزئي، كما تضرر 5 مقابر. حتى الأموات لم تسلم في قبورها من العدوان الإسرائيلي.

وفيما يخص خسائر الأجهزة الأمنية الفلسطينية، سجلت لجنة التوثيق تضرر 62 منشأة، حيث تم تدمير مقار الأجهزة الطبية العسكرية عدد 3 تدمير جزئي، مقار الأمن والحماية- 8 بشكل كلي و6 بشكل جزئي، الأمن الوطني/33 تدمير كلي و 1 تدمير جزئي، الدفاع المدني-2 تدمير كلي و3 شبه كلي و4 جزئي، القضاء العسكري-2 تدمير كلي.

لقد ألحق القصف الإسرائيلي المتواصل للمدن والمناطق السكنية في قطاع غزة، أضرارا مادية فادحة بالأعيان المدنية الفلسطينية الخاصة والعامة، حيث تضرر جراء هذا القصف على صعيد قطاع غزة.ما يقارب أكثر من  ” 4000 ” منزلا  منها 280 منزل دمرت بالكامل، كما قصف ودمر حوالي 155 مسجد، وتعرضت 35 مدرسة وجامعة للقصف.إلى جانب تدمير كافة المقار الحكومية من وزارات ومقار أمنية وشرطية([26]).

ثانيا : الملخص التنفيذي لتقرير بعثة الأمم المتحدة لتقصي الحقائق بشأن

انتهاكات إسرائيل أثناء العدوان على غزة سنة 2008-2009

يعتبر اسم تقرير غولدستون هو الأكثر شهرة وشيوعا بصفته تقرير صادر عن مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة والصادر بتاريخ23-09-2009 الـدورة الثانية عشرة، البند 7 من جدول الأعمال.والذي شكل ضربة موجعة لإسرائيل وحاولت جاهدة لمنع تمريره حيث إنه أكد في أكثر من فقرة انتهاك جيشها للقانون الإنساني الدولي وارتكاب جرائم حرب أثناء العدوان على قطاع غزة.وهذا أبرز ما جاء في التقرير:

تطرق التقرير إلى حصار قطاع غزة مؤكدا أنه شمل منع دخول البضائع إلى القطاع وإغلاق المعابر أمام تنقل الناس والبضائع والخدمات، وفي بعض الأحيان ولأيام قطع إمدادات الوقود والكهرباء عن القطاع. وأشار إلى أن الحصار أدى إلى تردي الأوضاع الاقتصادية في غزة وخلق حالة طارئة نتيجة إضعاف قطاعات الصحة والمياه والخدمات الأخرى أثناء الحرب.

كما أشار التقرير إلى عدد ضحايا العدوان الإسرائيلي الذي استمر من تاريخ 27 ديسمبر/كانون الأول 2008 حتى 18 يناير/كانون الثاني 2009.

وقال إن عدد الضحايا تراوح بين 1387 و1417، مشيرا إلى أن السلطات الفلسطينية في غزة أوردت استشهاد 1444 بينما الحكومة الإسرائيلية تقلص هذا الرقم إلي 1166.

وأضاف تقرير غولدستون أنه بناءا على المعلومات التي وفرتها مصادر غير حكومية تثير نسبة المدنيين القتلى قلقا بالغا حول الطريقة التي نفذت بها إسرائيل عملياتها العسكرية في غزة.

وذكر التقرير أن إسرائيل شنت عدة هجمات على مبان وأفراد، وأشار إلى اهتمام اللجنة خاصة بقصف مبنى المجلس التشريعي الفلسطيني والسجن الرئيسي في غزة الذي كان يقطنه معتقلين جنائيين فلسطينيين، وأكد أن لجنة التحقق برئاسة غولدستون ترفض الموقف الإسرائيلي الذي يرى في هذه المنشآت جزءا من “البنية التحتية الإرهابية لحركة حماس” مؤكدا أنه لا يوجد دليل على أن هذه المنشآت استخدمت في العمليات العسكرية من طرف المقاومة الفلسطينية([27]).

وأشار التقرير كذلك إلى توجيه هجمات عبر القصف الإسرائيلي لمراكز الشرطة الفلسطينية المتعددة في قطاع غزة التي أدت لاستشهاد نحو 240 شرطيا في اليوم الأول من العدوان داخل أكاديمية الشرطة التي تحمل اسم ياسر عرفات، وقال إنه بغض النظر عن وجود عدد كبير من أنصار الحركة أو الجماعات المسلحة بين أفراد الشرطة تبقى شرطة غزة “وكالة مدنية لتعزيز القانون”. وأن قصفهم يشكل انتهاكا للقانون الدولي الإنساني.

وبرأ التقرير ساحة المقاومة الفلسطينية في غزة من مزاعم اتخاذ المدنيين دروعا بشرية، وقال إنه ربما لم ينجح المقاتلون الفلسطينيون في جميع الأوقات بعزل أنفسهم عن السكان المدنيين، إلا أن اللجنة لم تجد دليلا على أن الجماعات الفلسطينية المسلحة قادت المدنيين إلى المناطق التي تشن منها الهجمات أو أجبروهم على البقاء في المكان الذي تنطلق منه الصواريخ.

من ناحية أخري أشار التقرير إلى أنه تحقق من أربع حالات استخدم فيها الجيش الإسرائيلي المدنيين الفلسطينيين دروعا بشرية، منبها إلى أن مثل هذا السلوك يعد انتهاكا للقانون الإنساني الدولي ويشكل جريمة حرب.

كما قال التقرير إن اللجنة لم تجد دليلا على مزاعم بأن المقاتلين الفلسطينيين شنوا هجمات من المستشفيات أو أنهم اتخذوا سيارات الإسعاف وسائل لنقل المقاتلين، كما استثنى أن يكون المقاتلون لجؤوا للاختباء في مقار الأمم المتحدة أثناء العمليات العسكرية، رغم إشارته إلى أنهم ربما نفذوا هجمات في محيط هذه المقار أو المستشفيات.

وللإشارة فقد قامت قوات الجيش الإسرائيلي بقصف مقر الأونروا في غزة:

حيث أشار تقرير غولدستون إلى القصف الإسرائيلي لمقر الأونروا، رغم أنه كان ملجأ لما بين 600 و700 مدني، وقال إن تصرف القوات المسلحة الإسرائيلية هذا ينتهك متطلبات القانون الدولي العرفي باتخاذ كل الاحتياطات لتجنب مقتل المدنيين. كما انتقد تقرير غولدستون الهجوم الإسرائيلي على مستشفى الوفاء في مدينة غزة وتقاطع الفاخورة قرب مدرسة تابعة للأونروا في جباليا كانت تؤوي 1300 مدني فلسطيني.

وانتقد التقرير كذلك استخدام إسرائيل لأسلحة بعينها مثل– قنابل الفوسفور الأبيض والقذائف المسمارية، وقال إنه رغم أن القانون الدولي لا يجرم حتى الآن استخدام الفوسفور الأبيض وجدت اللجنة أن استخدامها في المناطق المأهولة كان متهورا بشكل منهجي.

وأشار التقرير إلى تقارير فلسطينيين من المجتمع المدني وأطباء أجانب تفيد إن الجيش الإسرائيلي استخدم قنابل دايم ضد المدنيين، منبها إلى خطورة هذه القنابل رغم أنها غير محظورة في القانون الدولي، كما أشارت إلى مزاعم باستخدام الجيش لقنابل اليورانيوم المخصب وغير المنضب، لكن التقرير قال إن اللجنة لم تواصل تحقيقاتها حول هذه المزاعم.

وفي مكان آخر أشار التقرير إلى هجمات الجيش الإسرائيلي على أسس الحياة المدنية في قطاع غزة، كتدمير البنية الصناعية التحتية والإنتاج الغذائي ومنشآت المياه ومعالجة مياه الصرف الصحي والسكن. وهو ما يشكل -حسب التقرير- انتهاكا للقانون الدولي العرفي، ويمكن أن يشكل جريمة حرب([28]).

ومن جهة أخري:  لقد قابلت إسرائيل تقرير غولدستون بخصوص انتهاكاتها للقانون الدولي الإنساني وارتكابها جرائم تقترب من جرائم الحرب في غزة، بازدراء شديد.حيث وصف احد قادتها الحائز على جائزة نوبل للسلام المدعو- شمعون بريس تقرير غولدستون، بأنه “فعلٌ مخزٍ([29]).

وقد جاء في التقرير المضاد من طرف اللجنة الإسرائيلية الذي حجبه غولدستون(الفقرة 79): تعيد اللجنة التأكيد على الخلاصة التي أتت في تقريرها السابق بأن لا يوجد مؤشر على أن “إسرائيل” قد فتحت تحقيقات في تصرّفات هؤلاء الذين صمموا وخططوا وأمروا وأشرفوا على عملية الرصاص المسكوب.

ولعل هذا دليل جديد يقتفي أثر الاستنتاجات التي تقدّمت بها اللجنة التي رأسها غولدستون وقدّمت تقريرها في سبتمبر/أيلول عام 2009 والتي وجهت اتهامات إلى “إسرائيل” بخصوص ارتكاب جرائم ترتقي إلى جرائم حرب، وهو ما يرتّب مسؤوليات قانونية قد تمتد إلى احتمال المطالبة مجددا بمحاكمة مجرمي الحرب، كما أن مصدر قلق إسرائيل ينجم أيضا عن احتمال تقدم المدعي العام أوكامبو تحت ضغط الرأي العام لاستدعاء بعض المسؤولين الإسرائيليين، العسكريين والمدنيين للتحقيق معهم بشأن الارتكابات الخطيرة تلك([30]).

ومن جهة أخري يؤكد تقرير مقرر حقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية ريتشارد فولك وكذلك التقارير الخاصة بقصف مقرات الأمم المتحدة والأونروا، كلها أجمعت على الفعل العمد من قبل “إسرائيل” وعدم احترام قواعد القانون الدولي الإنساني.

ولعل سبب هيجان “إسرائيل” هو الموقف الذي اتّخذه مجلس حقوق الإنسان الدولي بجنيف في 19 مارس/آذار 2011 القاضي بالمصادقة على مشروع قرار يقضي بإصدار تعليمات إلى المحكمة الجنائية باستخدام تقرير غولدستون من أجل محاكمة جنود وسياسيين “إسرائيليين” شاركوا في عملية الرصاص المسكوب.وهذا ما نتمناه ونوصي كذلك دولة فلسطين بسرعة الانضمام للمعاهدات والمنظمات الدولية وتحديدا المحكمة الجنائية الدولية لملاحقة مجرمي الحرب من ضباط الجيش الإسرائيلي الذين ارتكبوا جرائم ضد الشعب الفلسطيني وضد الإنسانية([31]).

المطلب الثاني :  تكيف جرائم العدوان الإسرائيلي على غزة سنة2008-2009

طبقا للنظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية تعتبرالأفعال التي ارتكبت في العدوان على قطاع غزة في2008-2009 وكذلك العدوان المتكرر 14/11/2012م من حيث قصفت الطائرات الإسرائيلية   قطاع غزة بأكثر من مائة طن من المتفجرات في عدوانها سنة 2009، في اليوم الأول فقط، مستهدفه المباني السكنية والمستشفيات، ودور العلم والمساجد ومؤسسات الدولة الأمنية والإدارية والتشريعية إلى جانب الأهداف التي تعتبرها إسرائيل عسكرية، مما يشير إلى نية إسرائيل بتدمير قطاع غزة قبل غزوها برياً، وانتهاجها لسياسة الأرض المحروقة.

تعتبر هذه الانتهاكات الإسرائيلية أفعال غير مشروعة، وتشكل انتهاكات صارخة للقانون الدولي الإنساني، والقانون الدولي لحقوق الإنسان، وفي نفس الوقت تنطبق عليها من ناحية التكييف القانوني الجنائي الدولي أوصاف بعض صور الإبادة الجماعية، وبعض جرائم الحرب، والجرائم ضد الإنسانية التي ورد النص عليها في القانون الجنائي الدولي، وتحديداً في المواد( 6 و7 و8 ) من نظام روما الأساسي لسنة 1998 الخاص بالمحكمة الجنائية الدولية الدائمة([32]).

وتتجلي أهم الوقائع غير المشروعة التي اقترفتها إسرائيل أثناء العدوان الذي شنته على قطاع غزة في النقاط  التالية:

أولاً: قيام إسرائيل بتجويع المدنيين، وتدمير أو تعطيل الأعيان المدنية

إغلاق معابر الحدود، قبل وبعد عملية الرصاص المصبوب، قد أثر بشدة على قطاع الصناعة، فبعد يونيو/حزيران 2007 بوقت قصير، أغلقت 3750 منشأة صناعية، أي (90%) من إجمالي الكيانات الصناعية، وتمت إقالة 33 ألف عامل، أو( 94%) من عدد العمال المشتغلين في هذا القطاع،وأشارت التقارير بشأن الأضرار التي لحقت بالقطاع الخاص باستثناء القطاع الزراعي إلى أن حوالي(1165) مؤسسة من مؤسسات القطاع الخاص قد دمرت كلياً أو جزئياً نتيجة لعملية الرصاص المصبوب، وكان من بينها(324)، أي ثلثها، مؤسسات صناعية(44%) دمرت كلياً، و(56%) دمرت جزئيا([33]).

وهنا يتجلي  تعمّد إسرائيل استهداف المدارس والجامعات والمستشفيات ومقار وكالة الإغاثة:

أكّدت تقارير عديدة موثوقة المصدر، من بينها: تقرير غولدستون، وتقارير وكالة غوث اللاجئين (الأونروا)، وكذلك تقرير منظمة الصليب الأحمر الدولي.. وغيرها، إن إسرائيل تعمّدت أثناء عدوانها على قطاع غزة استهداف الجامعة الإسلامية في غزة، وقصف بعض المدارس، من بينها مدارس، وأخرى تابعة لوكالة غوث اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) في قطاع غزة

وبين التقرير أن العدوان الإسرائيلي على القطاع أسفر عن تدمير(2114) منزلاً بشكل كلي، تحتوي (2864) وحدة سكنية، وتضم(3314) عائلة قوامها(19592) شخصاً، كما أدت إلى تدمير (3242) منزلاً بشكل جزئي، وتحتوي (5014) وحدة سكنية، وتضم 5470 عائلة قوامه(32250) شخصاً، وفضلاً عن ذلك، تعرض نحو (16000) منزل آخر إلى أضرار مختلفة جراء القصف وأعمال التدمير، بما في ذلك احتراق العشرات منها وفي أحياء مختلفة في مدن القطاع. وعانى نحو (51453) شخصاً حالة من الترويع والترهيب، واضطروا خلالها إلى إخلاء منازلهم قسرياً، وأصبحوا بلا مأوى([34]).

وكذلك استهداف المدنيين والاعتداء على الحق بالحياة والسلامة البدنية أثناء العدوان على غزة:

وفقاً لتوثيق المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان بغزة، فقد قتلت قوات الاحتلال الحربي الإسرائيلي، خلال العدوان أكثر  1500 شخصاً، بينهم 1167 (82.2%) من غير المقاتلين، بمن فيهم 918 مدنياً و 249 شرطياً من غير الضالعين في العمليات الحربية ويحظون بذات الحماية التي يتمتع بها المدنيون وفقاً لقواعد القانون الإنساني الدولي.  وكان بين الضحايا المدنيين 318 طفلاً، أي ما نسبته 22.4% من العدد الإجمالي و34.6% من الضحايا المدنيين، و111 امرأة، أي 7.8% من العدد الإجمالي و12%من الضحايا المدنيين.  وبالتالي فإن الضحايا من النساء والأطفال البالغ عددهم (429) طفلاً وامرأة يشكلون (30.2%) من إجمالي الضحايا و(46.7%) من إجمالي الضحايا المدنيين. ووفقاً لما أعلنته وزارة الصحة في غزة، فإن عدد الجرحى الفلسطينيين بلغ نحو 5300 شخص، من بينهم نحو 1600 طفل (30%) من إجمالي عدد المصابين، و830 امرأة، أي نحو (15.6%) من إجمالي عدد المصابين.  وبكلمات أخرى فإن عدد الجرحى من النساء والأطفال بلغ نحو 2430 امرأة وطفلاً، أي ما نسبته(45.6%) من إجمالي المصابين خلال العدوان الحربي.

كما أسفرت الهجمات الإسرائيلية طيلة فترة العدوان عن تدمير 2114 منزلاً بشكل كلي، تحتوي 2864 وحدة سكنية، وتضم 3314 عائلة قوامها 19592 شخصاً.  كما أدت إلى تدمير 3242 منزلاً بشكل جزئي، وتحتوي 5014 وحدة سكنية، وتضم 5470 عائلة قوامها 32250 شخصاً.  وفضلاً عن ذلك، تعرض نحو 16000 منزل آخر إلى أضرار مختلفة جراء القصف وأعمال التدمير، بما في ذلك احتراق العشرات منها وفي أحياء مختلفة في مدن القطاع.  وعانى نحو 51453 شخصاً حالة من الترويع والترهيب، واضطروا خلالها إلى إخلاء منازلهم قسرياً، وأصبحوا بلا مأوى.

ويعتبر التقرير العدوان سنة 2008-2009 على غزة هو الأعنف والأشرس والأكثر دموية ضد المدنيين الفلسطينيين والأعيان المدنية في تاريخ الاحتلال الإسرائيلي منذ العام 1967.  فقد استخدمت قوات الاحتلال الإسرائيلي خلال العدوان أنواعاً مختلفة من الأسلحة ضد المدنيين الفلسطينيين وممتلكاتهم، وقامت القوات الجوية والبرية والبحرية التابعة لها بإطلاق آلاف الصواريخ والقذائف الموجهة التي يصل وزن الواحدة منها نحو 1000 كيلوغرام، طالت في أحيان كثيرة تجمعات مدنية وأوقعت خسائر في أرواح وممتلكات مدنيين عزل.

كما خلصت تحقيقات المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان إلى أن ممارسات قوات الاحتلال خلال العدوان شكلت خرقاً لقواعد القانون الدولي الإنساني، مثلت مخالفات لكل من مبدأ التمييز والتناسبية في الأعمال القتالية. وكما هو مفصل في التقرير، فقد شنت تلك القوات هجمات عشوائية على مناطق سكانية مأهولة واستخدمت الأسلحة بشكل عشوائي. ويؤكد المركز أن تلك الأعمال تُشكل مخالفات جسيمة لاتفاقيات جنيف الأربعة لعام 1949، وتعتبر أيضاً جرائم حرب.  بالإضافة إلى ذلك، وبالأخذ بعين الاعتبار الدلائل المنتشرة على نطاق واسع في قطاع غزة والتي تؤكد الانتهاكات الإسرائيلية للقانون الإنساني الدولي، من خلال الممارسات الإسرائيلية أثناء العمليات القتالية ربما تشكل تلك الدلائل مؤشراً على ارتكاب إسرائيل جرائم ضد الإنسانية([35]).

كما ينطبق على الممارسات والانتهاكات الإسرائيلية في قطاع غزة مدلول الجرائم ضد الإنسانية و إنزال عقاب جماعي بحق سكان غزة، هو انتهاك لنص المادة (33) من اتفاقية جنيف الرابعة: “لا يجوز معاقبة أي شخص محمي عن مخالفة لم يقترفها هو شخصياً. وتحظر العقوبات الجماعية وبالمثل جميع تدابير التهديد أو الإرهاب أو السلب، وتحظر تدابير الاقتصاص من الأشخاص المحميين وممتلكاتهم”([36]).

وكذلك تنص المادة (75) من البروتوكول الإضافي الأول لسنة 1977 الملحق باتفاقيات جنيف الأربعة لسنة1949. بان الحصار والاعتداءات الإسرائيلية العسكرية تمثل جرائم وردت في المادة الخامسة 5 من النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية International Criminal Court وهي علي سبيل الحصر؛ جريمة الإبادة الجماعية، والجرائم ضد الإنسانية، وجرائم الحرب، وجريمة العدوان([37]).

فجريمة الإبادة الجماعية Genocide جريمة دولية وردت في البند الأول من المادة الخامسة من النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، والمادة السادسة من ذات القانون، وهي جريمة ترتكب “بقصد إهلاك جماعة قومية أو إثنية أو عرقية أو دينية، بصفتها هذه، إهلاكا كلياً أو جزئياً” ومن صورها “إخضاع الجماعة عمداً لأحوال معيشية يقصد بها إهلاكها الفعلي كلياً أو جزئيا” المادة (ج/6)، وهو ما رمى إليه حصار غزة المستمر منذ سنة 2007، حيث توف واستشهد العشرات نتيجة نقص الدواء وضعف الإمكانات العلاجية وإغلاق المعابر، وهو ربما أشد وطأة، لأسباب جيوديموغرافية، ويعد أيضا جريمة إبادة جماعية “قتل أفراد الجماعة” (ج/6)، وهو ما يقوم به جيش الاحتلال الإسرائيلي في هجماته الجوية والبحرية والبرية ضد الأعيان المدنية والسكان الفلسطينيين خلال العدوان على غزة([38]).

أما الجرائم ضد الإنسانية Crimes Against Humanity (ب/5) و (7)، فترتكب في إطار هجوم واسع النطاق أو منهجي موجه ضد أية مجموعة من السكان المدنيين؛ وتشمل أعمال القتل والإبادة وإبعاد السكان أو نقلهم قسراً والسجن والتعذيب والاغتصاب والاضطهاد العرقي والإخفاء القسري للأشخاص والفصل العنصري، وأية أفعال لا إنسانية مشابهة ذات طابع مماثل تتسبب عمداً في معاناة شديدة أو في إلحاق أذى خطير بالصحة العقلية أو الجسدية([39]).

أما جرائم الحرب War Crimes فيقصد بها الانتهاكات الجسيمة لاتفاقيات جنيف الأربع لسنة1949، إلى جانب الجرائم الواردة في المادتين (ج/5) و (8) ومن ذلك القتل والتعذيب وإلحاق تدمير واسع النطاق بالممتلكات، واستخدام الأسلحة والقذائف (مثل القنابل الفوسفورية وقنابل النابالم والقنابل الانشطارية والقنابل العنقودية والقنابل الفراغية، وهي محرمة بموجب اتفاقية الأمم المتحدة لعام 1980) والسموم المحظورة، وإجراء التجارب البيولوجية، وتوجيه هجمات ضد المباني المخصصة للأغراض الدينية والتعليمية والخيرية والمشافي وأماكن تجمع الجرحى، وتعمد شن هجوم مع العلم بأن هذا الهجوم سيسفر عن خسائر تبعية في الأرواح أو عن إصابات بين المدنيين أو عن إلحاق أضرار مدنية أو عن إحداث ضرر واسع النطاق بالقياس إلى مجمل المكاسب العسكرية المتوقعة من الهجوم، أي خرق قاعدة “التناسب” the rule of proportionality([40]).

ومن خلال الاستهداف الإسرائيلي العسكري المفرط تجاه المدنيين الفلسطينيين، يتذرع جيش الاحتلال الإسرائيلي بأن مبدأ “التمييز” distinction بين المقاتلين وغير المقاتلين من المدنين بنص المادة 49 من البرتوكول الإضافي الأول لسنة 1977، وبين الممتلكات العسكرية والمدنية، يعتمد على ركني “القصد” و”النتائج المتوقعة” “intent” and “expected result”.ولكن الخسائر البشرية والمادية في صفوف الفلسطينيين تثبت عكس ذلك([41]).

وهذا ما أشارت له منظمة العفو الدولية في تقريها عن هذه الحرب والانتهاكات الجسيمة بغزة في تقريرها الصادر بتاريخ-21-09- 2009، إلي أن إسرائيل في حربها تعمدت ضرب البني التحتية المدنية في غزة.كما أكدت المنظمة على أن التدمير للمنازل الفلسطينية والضربات التي وجهتها الطائرات الحربية الإسرائيلية للجسور والطرقات والمساجد والمدارس وآبار المياه وخطوط الهاتف وسيارات الإسعاف والعديد من الأعيان المدنية العامة والخاصة.كان جزءا لا يتجزءا من إستراتيجية عسكرية إسرائيلية،ولم تكن مجرد أضرار جانبية ناجمة عن استهداف قانوني للأهداف العسكرية الفلسطينية على سبيل المثال.

وهذا ما أكدت علية النائب التنفيذي للأمينة العامة في منظمة العفو الدولية في تصريحها قائلة : أن نمط الهجمات ونطاقها وحجمها يجعل زعم إسرائيل بان الدمار كان أضرار جانبية يفتقر إلي المصداقية([42]).

وبناءا على تصنيف هذه الجرائم والأفعال والانتهاكات الجسيمة التي ارتكبتها إسرائيل في العدوان على قطاع غزة في 27 كانون الأول/ديسمبر 2008- 2009م، وكذلك العدوان المتكرر سنة 14/11/2012م من حيث قصف الطائرات الحربية الإسرائيلية لقطاع غزة – بمائة طن من المتفجرات في عدوانها سنة 2008- 2009  مستهدفة الأعيان المدنية الفلسطينية والمباني السكنية والمستشفيات ودور العلم والمساجد ومؤسسات الدولة الأمنية والإدارية والتشريعية.

تعتبر أفعال غير مشروعة، وتشكل انتهاكات صارخة للقانون الدولي الإنساني واتفاقيات جنيف الأربع لسنة1949، والقانون الدولي لحقوق الإنسان، وفي نفس الوقت تنطبق عليها من ناحية التكييف القانوني الجنائي الدولي أوصاف بعض صور الإبادة الجماعية، وبعض جرائم الحرب، والجرائم ضد الإنسانية.

كما تعتبر المحكمة الجنائية الدولية سلطة قضائية دائمة يقتصر على الأفراد، وذلك بالنسبة للجرائم المرتكبة بعد دخول النظام الأساسي حيز النفاذ في 2002م، ويمكن محاكمة قادة إسرائيل السياسيين والعسكريين أمامها عن الجرائم التي ارتكبوها بعد عام 2002 حيث أن تلك الجرائم لا تسقط بالتقادم. وإن عملية توثيق جرائم الاحتلال الإسرائيلي له بالغ الأهمية من أجل التمكن من ملاحقة مجرمي الحرب وتحميلهم المسؤولية الجنائية الدولية ([43]).

ثانيا : محاكمة المسئولين الإسرائيليين عن ارتكابهم جرائم الحرب في فلسطين طبقا للنظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية

لقد مارست المحكمة الجنائية الدولية عملها منذ 2003 وكانت القضايا المعروضة عليها هي جمهورية الكونغو الديمقراطية وأوغندا وجمهورية أفريقيا الوسطى، وقد أحيلت من قبل الدول نفسها إلى المحكمة ، وتعد هذه الدول أطرافاً في نظام روما الأساسي .

أما الجرائم المرتكبة في دارفور بالسودان فقد أحيلت من مجلس الأمن الدولي، وكانت ست حالات أخرى عرضت على المحكمة وتخضع لتحليل أولي من  جانب مكتب المدعي العام وهي: أفغانستان، جورجيا، كوت يفوار، كولومبيا، كينيا، وفلسطين. ولم يتخذ قرار بشأن فتح تحقيق في هذه القضايا. ومؤخراً عرضت حالة ليبيا بقرار من مجلس الأمن الدولي ، وينتظر أن تُحال حالة سوريا إليها أيضا([44]).

ومن الأمثلة على الجرائم المعروضة على المحكمة النماذج التالية : أحيلت إلى المحكمة حالة ( أوغندا) من قبل تلك الدولة الطرف في نظام روما الأساسي في 29 كانون الأول 2004 وفتح المدعي العام تحقيقاً بشأن الحالة في 29 تموز 2004، وأصدرت أوامر لإلقاء القبض في 2005 ضد خمسة أفراد من جيش (الرب ) للمقاومة بتهمة ارتكاب جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب وهؤلاء هم ( جوزيف كوني – فنسنت أوتي – أوكوت أوديامبو – راسكالوكويا – دومنيك أونغوين) ([45]).

كما أحيلت إلى المحكمة الحالة في السودان من قبل مجلس الأمن الدولي بموجب القرار رقم 1593 في 2005 وفتح المدعي العام تحقيقاً في الحالة في حزيران 2005 وصدر أمرين بإلقاء القبض على ( أحمد هارون ) و( علي كوشيب ) في 2007 لارتكاب الأول 20 جريمة ضد الإنسانية و22 جريمة من جرائم الحرب أما الثاني فقد أتهم بارتكاب 22 جريمة ضد الإنسانية و28 جريمة من جرائم الحرب..

هذا وأصدرت الدائرة التمهيدية الأولى في المحكمة الجنائية الدولية أمراً بالقبض على الرئيس (عمر حسن البشير) في 2009 لإرتكابه جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية ويشتبه بأن (عمر البشير) مسؤول جنائياً بإعتباره مرتكباً غير مباشر أو شريكاً غير مباشر، عن تعمد توجيه هجمات ضد جزء كبير من السكان المدنيين في دارفور بالسودان وعن القتل والإبادة والإغتصاب والتعذيب والنقل القسري لإعداد كبيرة من السكان المدنيين ونهب ممتلكاتهم، وهذه هي المرة الأولى التي تصدر فيها المحكمة الجنائية الدولية أمراً بالقبض على رئيس دولة حالي، وأشارت الدائرة التمهيدية الأولى إلى أن منصب البشير كرئيس دولة لا يعفيه من المسؤولية الجنائية ولا يمنحه حصانة من المقاضاة أمام المحكمة الجنائية الدولية، والتهم الموجهة ضد البشير هي سبعة ( خمس تهم متعلقة بجرائم ضد الإنسانية وتهمتان متعلقتان بجرائم الحرب)([46]).

وفي كانون الثاني 2009 بدأت جلسة استماع لإقرار التهم الموجهة ضد ( جان بيير غومبو) نائب رئيس جمهورية الكونغو سابقاً ورئيس حركة تحرير الكونغو عن جرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب التي يزعم أنه ارتكبها في جمهورية أفريقيا الوسطى  للفترة من 2002-2003، وأقرت الدائرة التمهيدية الثانية ثلاث تهم بارتكاب جرائم حرب (قتل واغتصاب وسلب ونهب ) وتهمتين بارتكاب جرائم ضد الإنسانية ( قتل واغتصاب ) ووجهت التهم ضد ( غومبو ) باعتباره قائداً عسكرياً .

هذا وخاطب المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية  مجلس الأمن الدولي حول التقدم المحرز في تحقيقاته في أحداث العنف في ليبيا، وقد أعلن المدعي العام إن مكتبه سيقدم طلبات لإصدار مذكرات اعتقال ضد ثلاثة أشخاص لارتكابهم جرائم ضد الإنسانية التي ارتكبت في ليبيا منذ 15 شباط 2011، وبالفعل صدرت الأوامر بالقبض على كلاً من الرئيس الليبي معمر القذافي وأبنه سيف الإسلام ورئيس جهاز الاستخبارات عبد الله السنوسي …الخ([47]).

من هذه الأمثلة نلاحظ أن المحكمة قد عملت بمبدأ قانونية التجريم لأنها تقوم بالتحقيق وإصدار أوامر بالقبض على كل من تجده أرتكب جريمة تدخل باختصاص المحكمة المحدد بالمادة 5 من النظام الأساسي، وأيضا ليس للمحكمة اختصاص على الجرائم المرتكبة قبل سنة 2002.

والسؤال الجوهري الذي يطرح نفسه: ما مدي إمكانية مساهمة المحكمة الجنائية الدولية الدائمة في تنفيذ قواعد حماية الأعيان المدنية ؟

وللإجابة على هذا السؤال يجب علينا العودة للمادة 8 الثامنة من النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية والتي تنص على جرائم الحرب المعاقب عليها.حيث تنص في الفقرة الثانية، في البند الرابع من نفس المادة 8 على اعتبار: إلحاق أي تدمير واسع النطاق بالممتلكات والاستيلاء عليها دون أن تكون هناك ضرورة عسكرية تبرر ذلك ومخالفة لقواعد القانون الدولي الإنساني. تعتبر انتهاك جسيم لاتفاقيات جنيف الأربعة لسنة 1949 وللبرتوكوليين الإضافيين لسنة 1977.

وكذلك الأمر ينص البند الثاني من الفقرة الثانية ب من المادة 8 من النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية أنه: في حال تعمد توجيه هجمات ضد مواقع مدنية والمقصود بها المواقع التي تشكل أهدافا عسكرية .يعتبر ذلك انتهاكا خطيرا لقوانين وأعراف الحرب السارية أثناء النزاعات المسلحة الدولية. كما اعتبر البند الرابع والخامس من الفقرة الثانية نفس المادة 8 أعلاه على أن: تعمد توجيه هجمات ضد المباني المخصصة للأغراض الدينية مثل المساجد أو الكنائس… أو التعليمة أو الفنية أو الخيرية،والآثار التاريخية،والمستشفيات وآماكن تجمع المرضي شريطة أن لا تكون أهدافا عسكرية([48]).

وعلية تتميز المحكمة الجنائية الدولية بطبيعة خاصة تميزها عن كافة المحاكم الأخرى باعتبارها أول محكمة جنائية دولية دائمة ، وأيضًا لاقتصار اختصاصها على الأشخاص الطبيعيين ولتأكيدها على الأولوية القضائية للقضاء الوطني ، بحيث لا يثبت لها الولاية القضائية ابتداءً، وإنما تكمل القضاء الوطني إذا لم تمارس الدولة ولايتها القضائية بموجب الاختصاص الذي كفلته الاتفاقيات الدولية وخاصة اتفاقيات جنيف الأربعة لسنة 1949والبروتوكول الإضافي الأول لسنة 1977، فلم يترك النظام الأساسي للمحكمة الحق في فرض الولاية القضائية الشاملة على الأعضاء في معاهدة روما، وإنما قيدها فيما يتعلق بأشد الجرائم خطورة التي يعتبر ارتكابها مساسًا بالأمن والسلم الدوليين([49]).

من هنا سوف نتناول اختصاص المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية في ملاحقة المجرمين الإسرائيليين على جرائمهم في فلسطين، وكذلك مدي اختصاص مجلس الأمن في إحالة الجرائم المرتكبة أثناء العدوان الإسرائيلي على غزة وفق النقاط التالية:

1- مدي اختصاص المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية في مباشرة التحقيق في الجرائم المرتكبة أثناء العدوان الإسرائيلي على غزة سنة2008- 2009 الذي هو جوهر موضوع دراستنا في الفقرة الرابعة من المطلب الثاني :

تعترف المادة 15 من النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية بالسلطة التلقائية للمدعي العام،المقترنة بقرار التفويض صادر عن الدائرة التمهيدية من أجل إجراء هذا التحقيق .ويجوز لمدعي عام المحكمة أن يشرع في مباشرة التحقيق من تلقاء نفسه فيما يتعلق بجريمة من الجرائم الداخلة في اختصاص المحكمة، إذ يقوم بمباشرة التحقيق من تلقاء نفسه بناء على معلومات بخصوص أي من هذه الجرائم.

وبموجب ذلك يحق للمدعي العام تحريك الدعوى الجنائية من تلقاء نفسه ضد الشخص أو الأشخاص المتهمين بارتكاب أي من الجرائم المنصوص عليها في المادة الخامسة من النظام الأساسي دون أي حاجة لأن يكون هناك إحالة من قبل إحدى الدول الأطراف مثل دولة فلسطين، أو من قبل مجلس الأمن([50]).

ويجوز له تلقي الشهادات الشفوية أو التحريرية في مقر المحكمة، فإذا تأكد المدعي العام من جدية ما تلقاه من معلومات، وخلص إلى وجود أساس مقبول في البدء في إجراءات التحقيق بخصوص إحدى الجرائم، يقوم بتقديم طلب كتابي للإذن بإجراء تحقيق إلى إحدى دوائر المحكمة، ومرفق بالطلب كل ما يؤيده من معلومات ووثائق جمعها بخصوص هذه الجريمة([51]).

والدول التي يجب أن يتم إخطارها في الغالب، تلك التي وقعت الجريمة على إقليمها مثال دولة فلسطين أثناء العدوان على غزة سنة 2008-2009أو التي يحمل الجاني جنسيتها مثال دولة الاحتلال الإسرائيلي.أو التي ينتمي إليها المجني عليه أو المجني عليهم أو التي يقبض على الجاني في إقليمها، وذلك في غضون شهر من تلقي الإخطار للدولة أن تبلغ المحكمة بأنها تجري أو أنها أجرت تحقيقاً مع رعاياها أو مع غيرهم في حدود ولايتها القضائية فيما يتعلق بالأفعال الجنائية التي قد تشكل جرائم تدخل في اختصاص المحكمة الجنائية الدولية، وتكون متصلة بالمعلومات في الإخطار الموجة للدول، ويعد الإخطار الذي يقوم به المدعى العام ضمن الأحكام المترتبة على مبدأ الاختصاص التكميلي للمحكمة الجنائية الدولية.حيث يحق للمدعي العام في المحكمة الجنائية الدولية إن يبدأ ألان في إجراء التحقيق بالجرائم التي ارتكبها جيش الاحتلال الإسرائيلي في غزة سنة2008-2009 وتحديدا بعد أن أصبحت فلسطين دولة عضو مراقب  سنة2012 في الأمم المتحدة. كما يحق لدولة فلسطين الانضمام للمحكمة الجنائية الدولية بعد التوقيع والمصادقة على اتفاقية روما([52]).

2-مدي اختصاص مجلس الأمن في إحالة الجرائم المرتكبة أثناء العدوان الإسرائيلي على غزة سنة 2008-2008

تكون إحالة مجلس الأمن لقضية ما إلى المدعي العام بموجب قرار يصدره وفقا للفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، وهي الحالة الوحيدة التي تمنح فيها المحكمة اختصاصا عالميا إجباريا على كل الدول بما فيها غير المصادقة على النظام الأساسي للمحكمة.

ويلاحظ على هذه الإحالة أنها الحالة الوحيدة التي لم تراعي فيها المادة 12 شرط الاختصاص الإقليمي للدولة التي ترتكب على أراضيها الجرائم محل اختصاص المحكمة، وعلى كل حال فان الإحالة من قبل مجلس الأمن لأي قضية تحمل ذات القيمة القانونية للإحالة من قبل الدول الأطراف، حيث أنها تلزم المدعي العام بمباشرة الدعوى،بل سيكون عليه أولا التأكد من كفاية الأدلة، وكونها تشكل أساسا معقولا للمحاكمة حتى يتمكن من مباشرتها بمعنى التأكد من مدى مقبولية الدعوى أمام المحكمة([53]).

إلا أن مجلس الأمن رفض يوم 4 كانون الثاني/يناير 2009 إدانة العدوان الإسرائيلي وهجومها  البري على غزة. أو الدعوة المحددة إلى وقف إطلاق النار بالساعة واليوم والتاريخ بين الطرفين، واكتفي مجلس الأمن بإصدار قرار بناءا على الفصل السادس وليس الفصل السابع،ولم يكن ملزما إلى إسرائيل([54]).

وبالعودة إلي جرائم العدوان الإسرائيلي على غزة سنة2008-2009 طبقا للنظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية.ومن خلال الرجوع لما ألحقه العدوان والقصف الإسرائيلي من أضرار في قطاع غزة سنة 2008-2009، نجد انطباق وصف القتل العمد لضحايا عمليات القصف الإسرائيلي غير المبرر.

وللأحياء السكنية الفلسطينية وللأشخاص المدنيين كذلك. وأيضا نقف على انطباق وصف التدمير غير المبرر بالضرورة الحربية، للمنازل و للأعيان المدنية الفلسطينية العامة والخاصة أثناء العدوان على غزة. حيث تعد هذه الأعمال استنادا للبروتوكول الإضافي الأول لسنة 1977المكمل لاتفاقيات جنيف الأربع لسنة 1949، وكذلك في النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، بأنها جرائم حرب، مما يستوجب استنادا لأحكام وقواعد القانون الدولي مساءلة وعقاب القادة الإسرائيليين الآمرين بارتكابها ومنفذيها .وضرورة تدخل مجلس الأمن لملاحقة المجرمين الإسرائيليين بإصدار قرار للمدعي العام البدء في التحقيق مثلما فعل المجلس في تحويل قضية جرائم دارفور للمحكمة الجنائية الدولية.وتنفيذ قواعد الحماية للأعيان المدنية الفلسطينية أثناء النزاعات المسلحة ووقف العدوان عليهم([55]).

وتتلخص الأسباب الرئيسية التي تعرقل الوصول إلي محاكمة مجرمي الحرب الإسرائيليين في التالي:

1 – عدم توافر الرغبة والإرادة الحقيقية فيمن يملكون استخدام هذا الحق قانونيا.

2 – التواطؤ العالمي والإقليمي والمحلي علي عدم استعمال هذا الحق من الدول والمنظمات الدولية وعلي رأسها الأمم المتحدة ومجلس الأمن.

3 – الضغوط الدولية علي من يملكون هذا الحق التي وصلت للتهديد العسكري.

4 – نفوذ اللوبي الصهيوني الهائل علي المستوي الدولي وخاصة في وسائل الإعلام العالمية التي تظهر جرائم إسرائيل بأنها دفاع شرعي ضد   النضال المسمي لديهم بالإرهاب الفلسطيني.

كما تبقي محاولات المحكمة الجنائية الدولية في تنفيذ قواعد حماية الأعيان المدنية ضعيفة أثناء النزاع المسلح في فلسطين.أمام جسامة وحجم الانتهاكات الإسرائيلية الخطيرة لقواعد القانون الدولي الإنساني وحماية الأعيان المدنية التي تنتهك يوميا من طرف إسرائيل([56]).

3- الطبيعة السياسية لإجراء التقديم للمحكمة الجنائية الدولية :

قد يصدر أمر قضائي بالتسليم أو تقديم المتهم ولكن لا ينفذ لاعتبارات سياسية إذا أصدرت المحكمة حكماً يجيز التسليم والتقديم فان هذا الحكم لا يلزم السلطة التنفيذية التي يكون لها أن تمتنع عن تسليم الشخص إذا رأت ذلك وهذا هو النظام المعمول به في كل من الولايات المتحدة وانجلترا واليونان

ففي الولايات المتحدة مثلاً قد يعتبر تسليم المجرمين من القرارات القومية التي تخص الأمة الأمريكية وان طلب تسليم شخص إلى دولة أجنبية هو احد الامتيازات التي تتفرد بها حكومة الولايات المتحدة باعتبار هذا الإجراء يمس العلاقة بين شخصين دوليين وهو احد مظاهر تسيير دفة السياسة الخارجية للبلاد . وقد استقر قضاء المحكمة العليا الأمريكية على هذا الاتجاه ومثال للطبيعة السياسية لإجراء التقديم والتسليم نذكر النماذج التالية :

-رفض حكومة جنوب إفريقيا تسليم منجستو هيلا ماريما ديكتاتور اثيوبيا

-رفض السودان تسليم المتهمين بمحاولة اغتيال الرئيس المصري في اديس ابابا

-رفض فرنسا تسليم أبو داوود عقب حادث مقتل الفريق الأولمبي الإسرائيلي في ألمانيا

-رفض العديد من الدول الأوروبية تسليم المتهمين الإسرائيليين للمحكمة الجنائية الدولية بعد رفع دعاوي قانونية ضدهم في ارويا من طرف منظمات حقوقية هناك.

-موافقة حكومة النمسا على قيام عزة إبراهيم نائب الرئيس العراقي بمغادرة فينا في أغسطس 1999 رغم اتهامه بالقيام بالإبادة الجماعية للأكراد بالعراق وذلك كمصلحة سياسية لحكومة النمسا حيث وضعت مصلحتها مع العراق فوق القانون الدولي([57]).

4- الطبيعة القضائية لإجراء التقديم للمحكمة الجنائية الدولية:

يتجلي واقع الأمر أن طلب القبض والتقديم الصادر من المحكمة الجنائية الدولية الدائمة هو طلب ذو طبيعة قضائية لأنه يصدر من دائرة قضائية هي إحدى دوائر المحكمة والتي تعرف بالدائرة التمهيدية وهى ذات تشكيل قضائي ([58]) وهى لا تصدر طلب القبض إلا إذا اقتنعت بما قدم إليها من معلومات وأدلة على ارتكاب جريمة وهذه المعلومات والأدلة يقدمها المدعى العام للمحكمة الجنائية الدولية والذي يرى في أدلته أن هناك أسباب معقولة للقبض على المتهم وتقديمه وان هذا المتهم قد ارتكب جريمة من الجرائم المنصوص عليها في نظام روما الأساسي وان هذه الجرائم على درجة من الخطورة وان المتهم أيضا يشكل خطورة فتقوم الدائرة التمهيدية بإصدار طلب القبض والتسليم وهنا لا يوجد أي مجال لتدخل العوامل السياسية في طلب القبض بل يجب إلا يكون هناك أي تدخل سياسي لأن الدائرة التي تقرر ضرورة القبض وتصدر الأمر دائرة قضائية ولا يجوز التدخل في أعمال القضاء([59]) .

 

([1])-رنا أحمد حجازي: القانون الدولي الإنساني ودوره في حماية ضحايا النزاعات المسلحة، دار المنهل الطبعة الأولى 2009، ص 221

([2])– سهيل حسين الفتلاوي ، القانون الدولي العام في السلم، دار الثقافة للنشر والتوزيع، 2010—ص56.

([3])-المرجع السابق- سهيل حسين الفتلاوي -ص-61 وما بعدها

([4])-شريف عتلم محمد ماهر عبد الواحد. اتفاقيات القانون الدولي الإنساني ط 6-سنة 2005—ص-122

([5])-المرجع السابق-شريف عتلم-ص 128 وما بعدها.

([6])-اتفاقيات جنيف الأربعة المؤرخة في 12 أب/أغسطس 1949م اللجنة الدولية للصليب الأحمر جنيف

([7])-رشيد المزركيوي-الحماية الدولية للمدنيين في النزاع المسلح.أطروحة لنيل دكتوراه الدولة في القانون العام-القانون الدولي- جامعة محمد الخامس.سنة 2001-2002-ص 65

([8])-لويز دوزوالد-بيك-فتوي محكمة العدل الدولية بشان مشروعية التهديد بالأسلحة النووية واستخدامها في القانون الدولي الإنساني- المجلة الدولية للصليب الأحمر-العدد361-سنة 1997-ص-35-55.

([9])-عمر سعد الله ،” تطور تدوين القانون الدولي الإنساني”، دار الغرب الإسلامي، بيروت،ط (1997) 1ص. 242

([10])-جون ماري هنكرتس-ولويز دوزوالد-بيك- القانون الدولي الإنساني العرفي-المجلد الأول-اللجنة الدولية للصليب الأحمر-القاهرة-سنة 2007-ص38.

([11])-Mirimanoff -c.j-protecion de la population et personne civiles contre les dangers résultant  des Operations militaires. r.b.d.i.   vol : v3.1972-i-p.177

([12])-أنظر على سبيل المثال: مركز الأبحاث الفلسطيني، (مؤسسة الحق)، مسؤولية المحتل المدنية الناشئة عن عدوانه على غزة، مقالة قانونية منشورة بتاريخ 18/02/2009،

http://www.alhaq.org/arabic/images/stories/PDF-AR/18%2002%202009%20%20-occupation%20civil%20responsibility.pdf.

([13])-نفس المرجع السابق- محمد عزيز شكري -ص-33.

([14])-فور سايث ديفيد-الحماية الإنسانية-اللجنة الدولية للصليب الأحمر ومفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين- المجلة الدولية للصليب الأحمر-العدد 843-سنة 2001-ص-675-697.

([15])-انظر المادة 54 من البرتوكول الإضافي الأول لسنة 1977- قد أجازت لطرفي النزاع أو احدهم عدم مراعاة الحظر المنصوص علية في الفقرة الثانية استنادا إلي قاعدة الضرورة العسكرية الملحة،والملاحظ أن هذه الفقرة قد تقلل من أهمية بنود الحماية المقررة للأعيان والمواد التي لا غني عنها لبقاء السكان المدنيين على قيد الحياة.

([16])-هايك سبيكر،” حماية الممتلكات الثقافية وفقا لقانون المعاهدات الدولية”، دراسات في القانون الدولي الإنساني مجموعة مقالات من إعداد نخبة من المختصين ، تقديم مفيد شهاب ، دار المستقبل، العربي، القاهرة،1ط  2000-ص-96

([17]) – نفس المرجع السابق- عبد المالك يونس محمد – ص 166.

([18]) – عبد الحميد الكيالي، دراسات في العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة (عملية الرصاص المصبوب/ معركة الفرقان، مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات، بيروت، ط1، 2009.

([19]) – مركز الأبحاث الفلسطيني، (مؤسسة الحق)، مسؤولية المحتل المدنية الناشئة عن عدوانه على غزة-مرجع سابق-الموقع الاليكتروني: http://www.alhaq.org/arabic/images.

([20]) – نفس المرجع السابق-مؤسسة الحق.

([21]) – تقرير مصور عن الحرب على غزة-القناة العاشرة في التلفزيون الإسرائيلي-سنة 2009.

([22]) – نفس المرجع السابق.تقرير مصور.

([23]) – انظر تفاصيل : المادة 53 من اتفاقية جنيف الرابعة لسنة 1949.

([24]) – تقرير لجنة توثيق الحقائق الحكومية والجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني. إحصاءات الخسائر الفلسطينية اثر العدوان على غزة سنة 2008-2009.

([25]) – نفس ا لمرجع السابق- تقرير لجنة توثيق الحقائق حول الخسائر الفلسطينية.

([26]) – المرجع السابق. تقرير لجنة توثق الحقائق.

([27]) – أنظر: الموجز التنفيذي لتقرير بعثة الأمم المتحدة لتقصي الحقائق بشأن النزاع في غزة (تقرير غولدستون)، مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، الدورة الثانية عشرة، البند 27 من جدول الأعمال، 23/9/2009، وثائق الجمعية العامة للأمم المتحدة، الوثيقة رقم:        – (A/HRC/12/48  Advanced 1

([28]) – نفس المرجع السابق-تقرير غولدستون.

([29]) – عبد الحسين شعبان- مقال بعنوان : مفارقات غولدستون…أين الحقيقة؟ الموقع الاليكتروني الجزيرة:

http://www.aljazeera.net/opinions/pages/ca7533c2-db09-4e0d-9467-0fc194d8134f

تاريخ الولوج-04-05-2014    الساعة 16:00

 

([30]) – نفس المرجع السابق- عبد الحسين شعبان- مقال بعنوان : مفارقات غولدستون.

([31]) – نفس المرجع السابق- عبد الحسين شعبان- مقال بعنوان : مفارقات غولدستون…أين الحقيقة؟ الموقع الاليكتروني الجزيرة.

([32]) – انظر : تقرير صادر عن المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان خلال الفترة بين 27 ديسمبر 2008- 18 يناير 2009 هم من المدنيين http://www.icrc.org/eng-المجلة الدولة للصليب الأحمر. -تاريخ الولوج-11-05-2014

([33]) – الموجز التنفيذي لتقرير احتياجات الإنعاش المبكر وإعادة الإعمار – بعد عام واحد-برنامج الأمم المتحدة الإنمائي / برنامج مساعدة الشعب الفلسطيني- القدس أيار /2010،ص18 –الموقع الالكتروني التالي:

http://www.undp.ps/en/newsroom/publications/pdf/other/gazaoneyeararabic.pd

تاريخ الولوج-06-05-2014    الساعة-13:00

 

([34]) – المرجع السابق- : تقرير صادر عن المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان خلال الفترة بين 27 ديسمبر 2008- 18 يناير 2009 هم من المدنيين http://www.icrc.org/eng-المجلة الدولة للصليب الأحمر. -تاريخ الولوج-11-05-2014.

([35]) – تقرير حقوقي صادر عن مركز يافا حول أثار العدوان على غزة سنة 2008-الموقع الاليكتروني التالي : http://yafacenter.com/TopicDetails.aspx?TopicID=1091

([36]) – نص المادة (33) من اتفاقية جنيف الرابعة لسنة 1949.

([37]) – انظر لتفاصيل أكثر للمادة (75) من البروتوكول الإضافي الأول لسنة 1977 الملحق باتفاقيات جنيف الأربعة لسنة1949.

([38]) – انظر تفاصيل : المادة الخامسة 5 من النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية الدائمة.

([39]) – انظر تفاصيل : المادة الثامنة 8 من النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية الدائمة.

([40]) – المادة 49 من البرتوكول الإضافي الأول لسنة 1977- مبدأ بين المقاتلين وغير المقاتلين.

([41]) – نفس المرجع السابق. المادة 49 من البرتوكول الإضافي الأول لسنة 1977- مبدأ بين المقاتلين وغير المقاتلين.

 

([42]) – تقرير منظمة العفو الدولية الصادر بتاريخ-21-09-2014- عن الحرب والانتهاكات الإسرائيلية الجسيمة بغزة سنة 2008-2009.الموقع الاليكتروني : http://www.hrw.org/ تاريخ الولوج-12-05-2014    الساعة 10-00

([43]) – مرجع سابق- تقرير حقوقي صادر عن مركز يافا حول أثار العدوان على غزة سنة 2008.

([44]) – تقرير المحكمة الجنائية الدولية المقدم إلى الأمم المتحدة ، الجمعية العامة ، الدورة 64 ، البند 77 ، رقم الوثيقة A/64/ 356 في سبتمبر 2009،ص1-2.

([45]) – تقرير المحكمة الجنائية الدولية المقدم إلى الأمم المتحدة ، الجمعية العامة ،الدورة 62 ، البند 72 ، رقم الوثيقة A/62/314في 31 August /ِ/2007،ص9.

([46]) – ICC.CPI.20090304-PR394-ARP، لاهاي ، 4 آذار 2009 ص1-2.

([47]) – نشرة تحالف المحكمة الجنائية الدولية ، عدد 20 في 3/ 4 / 2011.

([48]) – انظر تفاصيل أكثر- الفقرة الثانية ب من المادة 8 من النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية

([49]) – عبد الرزاق أمساسي، المحكمة الجنائية الدولية بين الطموحات القضائية وقيود النظام الدولي،رسالة دبلوم الدراسات العليا المعمقة،جامعة محمد الخامس السويسي كلية الحقوق سلا 2006 2007 ص 30.

([50]) – المادة 15 الفقرتين 3و 4 من النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية.

([51]) -عبد الفتاح بيومي حجازي- المحكمة الجنائية الدولية-دار الفكر الجامعي-مصر-طبعة أولي-سنة 2003-ص479 .

([52]) –المرجع السابق- عبد الفتاح بيومي حجازي.ص 481 وما بعدها.

([53]) – سيد مصطفي احمد أبو الخير – مقال-التكييف القانوني لقرار مجلس الأمن رقم 1680 الصادر9/1/2009م-الموقع الاليكتروني: http://www.iccarabic.org/index.php/studies/studies_reserches/6217.html

تاريخ الولوج-25-03-2014   الساعة: 12:30

([54]) – المرجع السابق- التكييف القانوني لقرار مجلس الأمن رقم 1680 الصادر9/1/2009م

 

([55]) – المرجع السابق- التكييف القانوني لقرار مجلس الأمن رقم 1680 الصادر9/1/2009م

([56]) – نفس المرجع السابق- – سيد مصطفي احمد أبو الخير – مقال-التكييف القانوني.

([57]) – عبد الرحمن فتحي سمحان ـ تسليم المجرمين في ظل قواعد القانون الدولي دار النهضة العربية ـ القاهرة –طبعة أولي-سنة 2011 ص103

([58]) – مادة 39 من النظام الأساسي وتقول ” الشعبة التمهيدية تتألف من عدد لا يقل عن 6 قضاة ويعمل القضاة المعينون للشعبة التمهيدية لمدة 3 سنوات ويعملون بعد ذلك إلى حين إتمام أي قضية يكون قد بدأ بالفعل النظر فيها بالشعبة المعنية.

([59]) – مادة 58 من النظام الأساسي وتقول ” تصدر الدائرة التمهيدية في أي وقت بعد الشروع في التحقيق وبناء على طلب المدعى العام أمرا بالقبض على الشخص إذا اقتنعت بما يلي بعد فحص الطلب والأدلة أو المعلومات الأخرى المقدمة من المدعى العام أ ـ وجود أسباب معقولة للاعتقاد بان الشخص قد ارتكب جريمة تدخل في اختصاص المحكمة    ب ـ أن القبض على الشخص يبدو ضروريا لضمان حضوره أمام المحكمة ولضمان عدم قيامه بعرقلة التحقيق أو إجراءات المحكمة.

إقرأ أيضاً

التأطير الدستوري لمقتضيات  الوظيفة العمومية على ضوء دستور 2011

التأطير الدستوري لمقتضيات  الوظيفة العمومية على ضوء دستور 2011 الوعبان لرباس  باحث في سلك الدكتوراه …

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *