جباية العقارات المبنية كعامل لدينامية الجباية المحلية في التنمية

جباية العقارات المبنية كعامل لدينامية الجباية المحلية في التنمية

الدكتور صديق الحطاب

باحث في العلوم السياسية

مقدمة:

يلاحظ أنه رغم التدابير التي تتخذها الدولة في مجال إصلاح المالية العامة وتعبئة الموارد عبر إصدار عدة قوانين فـي المجـال الجبائي بشكل خاص، إلا أن الموارد الجبائية للجماعات المحلية لا تزال قاصرة عن تلبية متطلبات برامج التنمية المحلية فـي كثير من الأحيان. فهناك العديد من الأسباب التي تكرس هذا القصور، ولعل أبرزها العجز المالي المسـجل والمتـراكم علـى مسـتوى الميزانيات المحلية، إذ يشكل هذا العبء عائقا حقيقيا أمام تحقيق التنمية المحلية المنشودة. ولذلك تعمل الجماعات في كثير من الأحيان على اللجوء إلى الزيادة في التضريب العقاري من أجل تحسين مواردها، لما يشكل الوعاء العقاري المحلي من قيمة اقتصادية سهلة التحديد.

وتعتبر الضرائب على الممتلكات ضريبة محلية بامتياز. ومن وجهة نظر تقنية، فإن قاعدة الضريبة على العقارات قابلة للتحديد بسهولة ومستقرة نسبيا، مما يضمن الموارد العادية للمجتمعات.

كما أنه على المستوى الاقتصادي، تعتبر الضريبة العقارية أيضًا طريقة ملائمة للضرائب المحلية على المنازل والشركات، بشرط أن تكون على أساس القيمة المحددة في وجيبة الإيجار.

وبما أن أساس الضرائب المحلية هو إشراك الملزم بالضرائب في الفوائد التي يتلقاها من الخدمات المقدمة محليا، فإنه يجب ربط القاعدة الضريبية المحلية بنوعية وكثافة الخدمات العامة المحلية والتسهيلات المتاحة له من قبل الجماعة. ومع ذلك، فإن  هذه الأخيرة هي التي تحدد قيمة العقار.

فالضرائب العقارية يمكن أن يكون لها ثلاث وظائف على الأقل. أولاً، كونها تلعب دورًا تمويليًا للجماعات المحلية، ومن الممكن أيضا إضافة وظيفة العدالة الاجتماعية، لأنها تجعل من الممكن إعادة توزيع جزء من الممتلكات والثروة العقارية من خلال الجماعة. وأخيرًا، يمكنها أن تلعب دورًا حافزًا، عن طريق دفع الملاك، خصوصا أصحاب الأراضي القابلة للسكن، إلى الاستخدام الأمثل لممتلكاتهم.

فماهي جدوى الضريبة على العقارات المبنية؟ وإلى أي حد يمكنها أن تساهم في دينامية التنمية المحلية؟

هذا الموضوع يطرح مجموعة من الإشكالات التي سنحاول التطرق إليها من خلال محورين اثنين، الأول سنخصصه لتبسيط جدوى الضريبة على العقارات المبنية. أما المحور الثاني فسنركز فيه على دور الجباية العقارية في تنمية الجماعات المحلية.

المحور الأول: جدوى الضريبة على العقارات المبنية

تشكل الضريبة على العقارات جزء من النظام الجبائي للجماعات الترابية الذي يرتبط ارتباطا وثيقا بالنظام السياسي للدولة وبتنظيمها الإداري والترابي، ويتأقلم، تبعا لذلك، مع مستوى اللامركزية المعتمد[1].

وهذه الضريبة تنسحب على كافة العقارات المبنية المقامة على أرض الجماعة المحلية عدا غير الخاضعة للضريبة، سواء كانت مؤجرة أو يقيم فيها المالك المكلف بأداء الضريبة بنفسه وسواء كانت تامة ومشغولة، أو تامة وغير مشغولة، أو مشغولة على غير إتمام. ويعنى هذا أن كافة المباني القائمة حالياً خاضعة للضريبة سواء كانت فيلات مبنية أو عمارات أو عوامات أو شاليهات، أياً كان موقعها الجغرافي .

كما أن المكلف بأداء الضريبة هو الشخص الطبيعي أو الاعتباري الذي له الحق في ملكية العقار أو الانتفاع به أو استغلاله. أما المستأجر فلا يعد – مكلفا بأداء الضريبة – وإنما يعد متضامناً مع المكلف في سداد الضريبة في حدود الأجرة المستحقة عليه.

 ولذلك فإن الضريبة على العقارات المبنية تتميز بثلاث خصائص يمكن إجمالها كما يلي:

أولا: الضريبة على العقارات المبنية هي ضريبة مباشرة

تقع الأرض المبنية ضمن فئة ما يسمى بالضرائب على العقارات، التي تعتبر كضرائب محلية مباشرة (من حيث الخصوصيات التقنية، والقانونية-الاجتماعية: من حيث العدالة الترابية والمساواة المالية خاصة، والخصوصيات الاقتصادية… إلخ. وهذه الضرائب لم تعد محل خلاف فقهي ولا قانوني. ولذلك فهي، حسب تعريفها، محلية وغير متحركة. وتقدم عائدات مستقرة ويمكن التنبؤ بها للسلطات المحلية.

ويتم اعتبار الضرائب العقارية المحلية، وخاصة العقارات التي تم بناؤها، في كل مكان تقريباً كضرائب تتميز بالعديد من المزايا الضريبية المحلية. وذلك على الرغم من بعض الانتقادات التي يمكن أن تحدث في بعض الأحيان أن يكون هدفًا، كما هو الحال بالنسبة إلى قيمة الإيجار: تقادم التقديرات وأحيانًا، ولكن إلى حد أقل، تجاوز  منطق فرض الضرائب على تأجير الأراضي، وما إلى ذلك.

ففي إطار الضرائب المحلية، تشكل الضريبة العقارية وعاء ضريبيا يمكن تحديده بسهولة، كما تسمح بإمكانية التحكم في المعدل الضريبي وكذا الوعاء. لكن هذا التحكم يتناقص باستمرار، لا سيما من خلال الإصلاحات الجبائية المتوالية.

وإلى جانب ذلك فإن الضريبة العقارية لها ميزة إمكانية فرض الضرائب على عامل الإنتاج الأساسي وهو العقار. وبالتالي فإن الحيز الذي تشغله المقاولات الخاصة والنشاط الجماعي يوفر مقياسًا للقيمة بشكل لا يؤثر على الكفاءة الاقتصادية الكلية، بخلاف فرض الضرائب على عوامل الإنتاج المتنقلة التي تتسم بالتناقض في توزيع الموارد[2].

ويذهب البعض إلى أن الجبايات المحلية على العقار ليست مجحفة من حيث المبدأ، حيث تعتبر الضرائب على الممتلكات العقارية المبنية ضريبة محلية جيدة. من وجهة نظر تقنية، فإن قاعدة الضريبة العقارية قابلة للتحديد بسهولة ومستقرة نسبيا، مما يضمن الموارد العادية للجماعات. وعلى المستوى الاقتصادي، تعتبر الضريبة العقارية أيضًا طريقة ملائمة للضرائب المحلية على المنازل والشركات، بشرط أن تكون على أساس القيمة المستأجرة للإيجار[3].

وفي هذا الإطار، تعتبر الأرض قاعدة ضريبية جيدة لكل الملزمين سواء من الأفراد أو الشركات، وتستجيب خصائصها بسهولة إلى “مبدأ المنفعة المتلقاة”. ومن الناحية الواقعية، فإن إيجار العقار الذي يعكس هذه المنفعة يستفيد من “مزايا وعيوب الموقع”، وبالتالي، يعكس بشكل أفضل مبدأ القيمة الإيجارية في الضرائب المحلية. وهنا يمكن استحضار “نظرية هنري جورج” حول التقدم والفقر، حيث جعل استئجار العقار الأداة المثلى والفريدة لتمويل مشاريع الجماعات المحلية.

ثانيا: الضريبة على العقارات المبنية ضريبة مقبولة من الملزم

مقارنة بالوضع الحالي للضرائب المباشرة المحلية (الجماعات بصفة خاصة)، والتي تمثلت في دعم قوي من جانب جبايات الدولة التي تحدد عادة “الملزمين بالضرائب”، فإنه يمكن الآن التأكيد بصراحة على أن الجباية العقارية هي الضريبة التي تحترم أكثر مبدأ “الرضا الضريبي”، أي المبدأ الذي لقي دفاعا كبيرا من قبل العديد من الباحثين والخبراء والمسؤولين المنتخبين المحليين والوطنيين الذين يرون في هذا الالتزام مقابلا للسلع والخدمات المنتجة التي تقدمها الجماعة التي يصوتون لها. وهذا المفهوم يسمى القدرة الإلزامية للضريبة الذي يعود إلى كل من أرسطو وآدم سميث وجون ستيوارت ميل[4].

والملاحظ في الضرائب المحلية المباشرة، بما فيها الضريبة العقارية، أنها قد أنهت تقريباً كون القدرة الإلزامية تحدد دافعي الضرائب المعينين بشكل قسري، حيث أن هناك بعض التحسينات والإعفاءات التشريعية جعلتها مقبولة بشكل جيد. ومن أهم التحسينات الناتجة عن تعويض الضريبة الحضرية برسم السكن ما يلي:

– تقليص الضغط الجبائي على الأسر من خلال تقليص عدد الأشطر الخاصة بالقيمة الإيجارية الخاضعة للضريبة من سبعة إلى أربعة ورفع السقف المعفى من 3000 إلى 5000 درهم.

– تبسيط وملائمة القواعد الخاصة بالوعاء والتحصيل.

– حذف المقتضيات المتعلقة بالضريبة الحضرية المهنية ودمجها ضمن تلك الخاصة بالرسم المهني[5].

ومنذ سنة 2007، أصبحت ضريبة السكن، التي تشترك في نفس المزايا مع الضريبة على العقارات المبنية، فيما يتعلق بربط الضريبة بالملزمين، بسبب الإعفاءات الضريبية “للدخل” المخصصة للأسر ذات الدخل المحدود. فرغم الايجابيات التي كان يتمتع بها القانون 89.30، الذي كان بمثابة القانون الإطار لجبايات الجماعات المحلية، فإن تطبيقه كان يعرف بعض الصعوبات والاختلالات في منظومة الجبايات المحلية إما ذات طابع عددي أو نوعي. هذا ما أدى إلى التفكير في قانون جديد[6]، وبالفعل صدرت المدونة الجديدة لجبايات الجماعات المحلية لتجاوز الاختلالات المالية التي تعاني منها الجماعات المحلية، والتي تضمنت عدة مقتضيات جديدة تهم الجباية العقارية[7].

ثالثا: الضريبة على العقارات المبنية هي ضريبة جماعية أكثر مما هي إدارية أو جهوية

يمكن القول أن ضريبة العقارات المبنية لها علاقة أوثق، من حيث معدل الضريبة، بالتنمية الاقتصادية، سواء بالنسبة للجماعات البلدية أو باقي الجماعات المحلية الأخرى. ويبدو أن هذا الدور يتضاعف بشكل كبير، أولاً وقبل كل شيء، من خلال صفاتها التقنية، وبالوزن الذي تمثله (أو الذي مثلته منذ فترة طويلة) في ميزانيات البلديات.

وفيما يتعلق بالمجال الترابي لفرض الضريبة على العقارات، فإن فرضها يكون داخل الجماعات الحضرية والمناطق المحيطة بهذه الجماعات والمراكز المحددة المعينة بنص تنظيمي بالإضافة إلى المحطات الصيفية والشتوية ومحطات الاستشفاء بالمياه المعدنية التي يتم تحديد الدوائر التي تفرض فيها بنص تنظيمي. وهذا ما يجعل هذه الضرائب جماعية بامتياز. فالضريبة على العقار المبني، بفضل المزايا الضريبية العديدة التي تمتلكها، تمثل نوعا من التماسك في السياسة الجبائية على مستوى الجماعات الترابية أكثر من جميع الضرائب المباشرة المحلية الأخرى.

وبالفعل، فإن “قيمة المباني تعتمد إلى حد كبير على الاستثمار العام في المنطقة أو البلدية، وقد زاد هذا الاستثمار المحلي مع تبني الدولة لسياسة اللامركزية. فالضرائب العقارية قريبة جدا من كونها عبارة عن تعويض مقابل البيئة المعيشية والخدمات المحلية المقدمة.

وبصرف النظر عن الجانب التقني البحت، يمكن القول أن الضريبة على العقارات المبنية هي رافعة لدينامية مالية الجماعات المحلية أكثر من ضريبة العمل وضريبة الإسكان، أو حتى ضريبة الأملاك على العقارات غير المبنية.

المحور الثاني: دور الضريبة على العقارات المبنية في تنمية الجماعات المحلية

تعتبر الجباية العقارية من أهم موارد الميزانية العامة للدولة والجماعات المحلية، ولذلك فإنها أداة فعالة ووسيلة ناجعة لتحقيق أهداف التنمية، خاصة ما يتعلق منها بالاستثمار المحلي. فهناك مجموعة من التدابير التحفيزية في الجباية العقارية، سواء ما يتعلق منها بالوعاء الضريبي كالإعفاءات والخصوم والإسقاطات، أو ما تعلق منها ببنية الأسعار في هذه الضريبة، تهدف إلى تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية وتشجيع الاستثمار الوطني والأجنبي أو توجيه هذا الاستثمار بهدف النهوض ببعض القطاعات التي تعاني اختلالا في توازنها، أو بهدف تنمية بعض المناطق والجهات إما لموقعها الجغرافي والاستراتيجي في النسق الاقتصادي الوطني أو لتخلفها عن ركب التنمية بالمقارنة مع باقي الجهات.

وفي الواقع، يتم تعريف السياسة الضريبية بأنها “جميع التدابير التي تتخذها السلطات العامة (الدولة، الجماعات المحلية) في المادة الضريبية لتحقيق بعض الأهداف الاقتصادية والاجتماعية”[8]. فأي ضريبة، وبشكل عام أي نظام تمويلي أو جبائي، تسعى عمومًا إلى تحقيق عدة أهداف. فهي تهدف دائمًا إلى توفير إيرادات للسلطات العامة، سواء الدولة أو الجماعات المحلية. كما أنها تسعى في كثير من الأحيان إلى تحقيق هدف إعادة التوزيع للثروات، عن طريق اتخاذ معدل تدريجي يتماشى مع الدخل أو الممتلكات. ويمكنها أيضًا السعي إلى تحقيق هدف تحفيزي، عن طريق اتخاذ شكل أو آخر لاستغلال المجال الترابي[9].

أولا: الضريبة على العقارات المبنية كدعامة للامركزية

عرف المغرب في العقود الأخيرة نمطا متطورا للتدبير المحلي، إذ انتقل من مجرد سلطة إقتراحية إلى أخرى تقريرية، وذلك بفعل التحولات السياسية والاجتماعية والاقتصادية التي عرفها المغرب. فبصدور القانون رقم 78.00 لسنة 2002[10]، تم اﻹرتقاء بالعمل الجماعي من نمط التسيير الإداري التقليدي إلى نمط التدبير الحديث بمفهومه الواسع، المرتكز على مؤشرات الفعالية، النجاعة، الاقتصاد، وذلك في ترجمة للاختصاصات المخولة للمجالس الجماعية على أرض الواقع.

من الطبيعي أن يترافق تعزيز اللامركزية على المستوى القانوني والمؤسساتي بموارد مالية مهمة، كفيلة بتغطية نفقات التسيير واستثمارات الجماعات المحلية، وهي النفقات التي ما فتئت تتزايد من سنة لأخرى (وصلت إلى حوالي 32 مليار درهم سنة 2014) وهو ما يقتضي تعزيز موارد هذه الجماعات والتي تتشكل من موارد ذاتية متأتية خاصة من الجبايات المحلية، ومن موارد مرصودة من الدولة تتكون أساسا من حصص ضرائب الدولة المرصودة للجماعات الترابية، والموارد المحولة في إطار أموال الدعم[11]. والحديث عن الموارد الجبائية يجرنا للحديث عن نظام جبائي قائم الذات بقواعد قانونية ومحاسبية منصوص عليها وواضحة، وهنا يتعلق الأمر بالضريبة على العقارات المبنية.

إن الضريبة على العقارات المبنية، بسبب ميزاتها، خاصة تلك المتعلقة بقواعدها، قد شهدت تطوراً قوياً في الضرائب المباشرة المحلية، والجماعية على وجه الخصوص. وتشكل اللامركزية في إدارة نظام الضريبة العقارية جوهر الإصلاح الضريبي الذي يعتمد من ناحية نقل الاختصاصات الضريبية تدريجياً إلى الجماعات المحلية، ومن ناحية أخرى إعادة فرض الضريبة على العقارات من خلال تبسيط إجراءات استرداد الضرائب من أجل بناء قدرات البلديات من خلال تنفيذ مشاريعها التنموية.

والملاحظ أن التطور الذي بدأت تعرفه اللامركزية الإدارية خصوصا مع بداية القرن والدور التنموي الذي أخذته الجماعات المحلية على عاتقها، لم يصاحبه تطور في اللامركزية المالية، التي ظلت تعاني من مجموعة من الاختلالات سواء فيما يتعلق بالنصوص القانونية المؤطرة للمالية المحلية، أو فيما يتعلق بعدم فعاليتها. ومن اجل مواكبة النظام الجبائي للأهداف التنموية تم إصدار القانون 47.06 والذي حمل بين طياته مستجدين أساسيين، أحدهما يهم الشكل، حيث اعتمد هندسة حديثة في هيكلة النصوص القانونية، حتى يتمكن الإداريون والملزمون وجميع المهتمين من التعامل معه بكل سهولة. كما يتجلى أيضا في تقديم كل الرسوم في نص قانوني واحد وموحد. في حين يتجلى المستجد الثاني في الجوهر من خلال تبسيط الجباية العقارية وتحسين مردوديتها، إضافة إلى تبسيط المساطر الخاصة بالاستخلاص، بتحسين قواعد تأسيس الرسوم هذه الأخيرة التي ستعرف تطبيق نظام الإقرار[12]، كما طال هذا التبسيط قواعد تصفية الرسوم[13]. وقد تم إدماج كل الرسوم المحلية في نص قانوني واحد، سواء تلك التي تقوم بتدبيرها المديرية العامة للضرائب لفائدة ميزانيات الجماعات المحلية، أو تلك التي تقوم بتدبيرها هذه الأخيرة بواسطة مصالحها الجبائية، وذلك لضمان الوضوح المطلوب والاسترسال القانوني للمقتضيات القانونية.

كما تقدم الضريبة على العقارات العديد من المزايا للضرائب البلدية المحلية، حيث تشهد هذه الضرائب ديناميكية كبيرة في العديد من الميزانيات المحلية بالمغرب، وخاصة منذ عام تعديل الميثاق الجماعي. كما يدل اعتماد القانون رقم 06-47 المتعلق بجبايات الجماعات المحلية بشأن التجميع التدريجي للضريبة، الذي قررت الغالبية العظمى من البلديات اختياره في مجال الضرائب المحلية، أن هناك توجها فعليا وعمليا نحو إعطاء نوع من الدينامية للجباية المحلية في تطوير الجماعات الترابية.

فهيمنة الطابع العقاري لهذه الرسوم (58 % خلال سنة 2014 ) مقابل الطابع الثانوي تبين مدى البعد الاقتصادي للضريبة على العقارات في التنمية المحلية (8,13 % خلال سنة 2014).

وعلى غرار بعض دول الاتحاد الأوربي حيث يبقى تضريب الدخل هامشيا، حيث لا تعتمد بلادنا على الضريبة على الدخل المقتسمة إلا في حدود ضعيفة. مما يجعل تصحيح الآثار السلبية والطابع المعاكس لمبدأ التوزيع اللذين تتسم بهما الرسوم العقارية والرسوم المهنية عن فرض الضريبة على الدخل، حلا غير مناسب في ظل التفاوتات الترابية بين الجماعات، بحيث يظل هذا النوع من التضريب جد معقد.

كما يظهر ارتباط الجبايات المحلية بالممتلكات بوضوح من خلال هيمنة الرسوم ذات الطبيعة العقارية. فخلال سنة 2014، شكلت المداخيل ذات الطابع العقاري أو المرتبطة بالممتلكات (الرسوم المدبرة من طرف الجماعات والرسوم المدبرة من طرف مصالح الدولة) حوالي 74 % من الاقتطاعات الضريبية دون احتساب الحصة في منتوج الضريبة على القيمة المضافة لفائدة الجماعات[14].

وعموما فقد شهدت الضريبة على العقارات المبنية، ضمن الضرائب المحلية المباشرة للبلديات بالمغرب، تطورا إيجابيا شاملا. وعلى الرغم من مختلف التطورات والمواقف، يمكن التأكيد على أن هذه الضريبة هي الآن ضريبة يمكن للتقنيين والمسؤولين المنتخبين الاعتماد عليها لوضع سياسات إنمائية. “ففي بلد يكون فيه التنظيم الإداري لامركزي، يجب أن تكون الضرائب المحلية في مقدمة اهتمامات الحكومة”[15].

ثانيا: تأثير الضريبة على العقارات المبنية على التنمية المحلية

إن الإصلاحات الجبائية التي مست في مقتضيات عديدة الجباية العقارية سواء على مستوى الضرائب العامة أو الرسوم والجبايات المحلية لها تأثير كبير على تشجيع الاستثمار داخل الجماعات. غير أن هذا التأثير يبقى جد محدود مع غياب عوامل أخرى خاصة ما يتعلق منها بالمحيط الاقتصادي العام والمناخ السياسي.

 فالتدابير التحفيزية في الجباية العقارية وحدها غير كافية، لأن عملية اتخاذ القرار في ما يتعلق بالاستثمار في جهة معينة يخضع لعدة عوامل منها مدى قدرة البنية التحتية لاستيعاب المشاريع الاستثمارية، إلى جانب مستوى الهياكل الإدارية والقضائية والحوافز الأخرى  المتعلقة بالنفقات الجبائية التي تستغرقها التدابير التحفيزية في الجباية العقارية ومدى تناسبها مع ما يمكن أن يتحقق من الأهداف المرسومة. فالنظام الجبائي العقاري كباقي الأنظمة الجبائية الأخرى يخضع لعدة تطورات بالارتباط مع المناخ السياسي والاجتماعي العام.

كما أن التحفيزات الضريبية في الجباية العقارية وإن كان لها دور مهم حسب الحالات في تشجيع التنمية، فإن هذا الدور يبقى محدود الأثر ما لم تتضافر عوامل أخرى كالمحيط الاقتصادي العام والمناخ السياسي السائد. فلا يتصور أن تحقق سياسة التحفيزات الجبائية الفعالية المطلوبة منها إن لم تكن منظومة كاملة من السياسات الأخرى الواجب تطبيقها، مثل السياسة المالية والنقدية إلى جانب السياسة الاقتصادية والاجتماعية، بالإضافة يجب ربط سياسة التحفيزات الضريبية بخطة التنمية والبعد عن التعقيدات الإدارية.

وعموما تتمثل الاستراتيجية المستحدثة من قبل الجماعات المحلية في تحقيق إيرادات أكثر إنتاجية وكفاءة من الضريبة على العقارات المبنية في سياسة استباقية للتخطيط والتنمية الحضرية موجهة نحو التنمية الحضرية وإعادة تأهيل المناطق التي تواجه صعوبات ودعم تطوير و تنمية المناطق المؤهلة.

وإذا كانت الضريبة على العقارات التي تم بناؤها بلا شك تحظى بالأولوية في جبايات الجماعات المحلية، فمن الواضح أن العقار المعني بالضريبة هو الذي تم بناؤه ككل، وهذا دون تمييز بين ما يسمى “السكن الفردي” وما يسمى “السكن الاقتصادي”.

كما تقوم فلسفة القانون الجديد للجبايات المحلية، والضريبة على العقارات المبنية خصوصا، على مجموعة من الركائز الأساسية وهى صياغة وتطبيق قانون يتماشى مع الأعراف الدولية في شأن الضريبة العقارية سواء في الصياغة أو التطبيق، وإدماج منظومة التشريعات الضريبية ذات العلاقة بالضريبة العقارية ضمــن المنظومة العامة لقوانين الضرائب والتي استهدفت الحكومة إجراء بعض الإصلاحات بها لتواكب التطورات الاقتصادية المحلية والعالمية. كما أنه ينبغي تدعيم مبدأ المساواة الذي كفله الدستور مع تحقيق العدالة الضريبية، وتلافى مشاكل التطبيق العملى للقوانين السابقة وإيجاد جسر من الثقة المتبادلة بين الملزمين بالضريبة ومصالح تحصيل الضريبة، ومراعاة البعد الاجتماعي والاقتصادي والإنساني للمكلفين بأداء الضريبة، وتعظيم موارد الدولة عند تحديد سعر الضريبة وترشيد الإعفاء منها.

الخاتمة:

إن الحديث عن مالية فعالة للجماعات المحلية لا يمكن أن يستقيم إلا مع إصلاح جبائي يضمن موارد مالية متطورة لهذه الجماعات. وتشكل الضريبة على العقارات المبنية إحدى الدعامات الأساسية للمالية المحلية، حيث تساهم بشكل كبير في تطوير مالية الجماعات الترابية. وبالتالي فإنها تشكل أحد أهم مداخل الإصلاح الجبائي المحلي بشكل يضمن تنمية ترابية فعالة تستجيب لانتظارات المواطن وتمكن صناع القرار العام المحلي من التوفر على الموارد المالية اللازمة لتمويل الخدمات العمومية للقرب وتحقيق التنمية المحلية.


[1]  المجلس الأعلى للحسابات: تقرير حول الجبايات المحلية، ماي 2015، ص:37.

[2] Josselin Jean-Michel et Rocaboy Yvon. Le difficile ancrage de la fiscalité aux territoires In Pouvoirs locaux n° 64 I/2005, pp 57-61.

[3] Carrez Gilles. L’autonomie fiscale des collectivités locales In Revue française de finances publiques, n° 103, septembre 2008, pp 67-84.

[4] Rocaboy Yvon. Qui paie la ville ? Logique et efficacité du système de financement In Revue d’économie Financière n° 86, mai 2006, pp :99-110.

[5]  المجلس الأعلى للحسابات: تقرير حول الجبايات المحلية، ماي 2015، ص:18.

[6]  . 3 – ظهير رقم 195.07 الصادر بتاريخ 19 من ذي القعدة 1428( 30 نوفمبر 2007 )بتنفيذ القانون 06.47 المتعلق بجبايات الجماعات المحلية. الجريدة الرسمية. عدد 5583 بتاريخ 3 دجنبر 2007.

[7]  نادية البلغتي”الإصلاح الجبائي المحلي ورهان التنمية” رسالة لنيل شهادة الماستر. كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية. جامعة المولى إسماعيل. مكناس. السنة الجامعية 2009-2010 .الصفحة 9. 3

[8] Percebois Jacques, Aben Jacques et Euzéby Alain (1995). Dictionnaire des finances publiques », Paris -Armand Collin, p :147.

[9] Renard Vincent. Les enjeux urbains des prix fonciers et immobiliers In « Villes et économie», sous la direction de Jean Claude PRAGER. La Documentation française, Paris, 2003, pp 95-118.

[10]  ظهير شريف رقم 1.02.297 صادر في 25 من رجب 1423 (3 أكتوبر 2002) بتنفيذ القانون رقم 78.00 المتعلق بالميثاق الجماعي، منشور بالجريدة الرسمية عدد 5058 بتاريخ 21/11/2002 الصفحة  3468.

[11]  وزارة الاقتصاد والمالية، مجلة المالية عدد 29 يناير 2016، الافتتاحية، ص:3.

[12] – باستثناء الرسم المفروض على الأراضي الحضرية الغير المبنية، رسم الصيانة، رسم السكن، الرسم المهني، التي ستحتفظ إلى أجل لاحق بنظام الإحصاء.

[13] – اعتماد نظام تسديد مبالغ الرسوم المحلية من خلال الأداء التلقائي على ثلاثة أشهر،ومن اجل تخفيف العبء على الخاضعين لها من جهة، وتمكين الجماعات المحلية من الحصول على السيولة الضرورية بصفة دورية.

[14]  المجلس الأعلى للحسابات: تقرير الجبايات المحلية بالمغرب، ماي 2015، مرجع سابق، ص: 101.

[15] Rocaboy Yvon. Qui paie la ville ? Logique et efficacité du système de financement In Revue d’économie Financière n° 86, mai 2006, pp :99-110.Op.cit.

إقرأ أيضاً

التأطير الدستوري لمقتضيات  الوظيفة العمومية على ضوء دستور 2011

التأطير الدستوري لمقتضيات  الوظيفة العمومية على ضوء دستور 2011 الوعبان لرباس  باحث في سلك الدكتوراه …

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *