تعليق على أول حكم قضائي إداري في المملكة المغربية يقرر المسؤولية في التعويض عن الخطأ القضائي حسب الفصل 122 من دستور 2011
د. الشرقاوي مجيدي
باحث في القانون العام والعلوم السياسية
- الحكم القضائي:
أول حكم قضائي أقر مسؤولية النيابة العامة عن الخطأ القضائي بالمملكة المغربية.
الحمد لله وحده
المملكة المغربية
المحكمة الإدارية بالرباط
أصل الحكم المحفوظ بكتابة الضبط
بالمحكمة الإدارية بالرباط
قسم القضاء الشامل
حكم رقم :
بتاريخ : 25/7/2013
ملف رقم :613-12-2012
القاعدة:
مسؤولية النيابة العامة عن الخطأ القضائي في الإشراف على الشرطة القضائية المتمثل في عدم تنفيذ مقرر المحكمة الزجرية بإحضار المتابعين لجلسة المحاكمة –الإخلال بقواعد المحاكمة العادلة الدستورية والقانونية الوطنية والدولية -خطأ جسيم— قد يرقى إلى معاملة مهينة – تعويض – نعم
– إن تقصير النيابة العامة في الرقابة على الشرطة القضائية بإلزامها على تنفيذ الإجراءات القضائية بإحضار المتابعين أمام المحكمة الزجرية،وتحريك الوسائل القانونية في مواجهتها تدعيما لمبدأ المحاسبة والمسؤولية وتطبيقا للفصول 18 و 37 و 40 و 45 و 364 من قانون المسطرة الجنائية،وعدم تدارك الخطأ،رغم الطلب المتكرر للدفاع والمحكمة لعدة جلسات ،بشكل أصبح التأخير وتأجيل المحاكمة أمرا اعتياديا لا لبس فيه،يرتب مسؤولية النيابة العامة عن الخلل في سير مرفق القضاء وعرقلة نشاطه المعتبر خطأ جسيما، مما جعل صورة المرفق والثقة فيه تتضرر من كثرة التّأجيلات وعبثية إجراءات المحاكمة التي لم يجدى منها شيء للإخلال بجميع مبادئ المحاكمة العادلة في جميع صورها ( المادتين 23 و 120 من الدستور)ولاسيما قرينة البراءة ومبدّأ المحاكمة في أجل معقول، و احترام كرامة الأشخاص المتابعين وحرياتهم ،و الولوج السهل والسريع والشفاف للعدالة ،و هيبة القضاء والدفاع ورجاله إن لم يكن المساس بسمو القانون نفسه وما يفرضه من مستلزمات جودة الخدمة القضائية التي أساسها احترام حقوق وحريات المواطن كان متابعا أو ضحية،وضمان الأمن القانوني والقضائي.
– إن الاتفاقيات الدولية المصادق عليها من طرف المملكة أوجبت على السلطة القضائية صيانة مبادئ المحاكمة العادلة وصونها وعلى أساسها احترام كرامة المتابعين والابتعاد عن مظاهر المعاملة الاإنسانية أو المهينة ( المادة 7 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان ،المادتين 7 و 14 من اتفاقية الحقوق المدنية والسياسية ،المادتين 1 و 16 من اتفاقية مناهضة التعذيب ومختلف ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة المهينة ).
– إن عدم تنفيذ النيابة العامة لمقرر المحكمة بإحضار المتابعين لجلسات المحكمة بالمخالفة للأسس الدستورية والقانونية الوطنية والدولية ألحق ضررا مباشرا ماديا ومعنويا للمدعي تمثل في تفويت فرصة المحاكمة العادلة عليه وبقائه أكثر من سنة بدون محاكمة في حالة “اعتقال احتياطي” غير مبرر مس بمبدأ قرينة البراءة وبحريته ،وما سببه ذلك من آثر نفسي ومعاناة وألم من جراء هذه الإجراءات ،وتحملات مادية عن مصاريف الدفاع ،فقد أرتأت المحكمة تبعا لسلطتها التقديرية في تحديد التعويض المناسب لجبر الأضرار.
–طلب نشر الحكم يندرج في إطار الحق في المعلومة المكرس في الفصل 27 من الدستور ،ولا يتوقف على أمر قضائي لأنه من الحقوق العامة باعتباره آلية للرقابة الشعبية على العمل القضائي ،ومصدر للثقة في عمل القضاة وتقويمه لضمان الأمن القانوني والقضائي
باســــم جــلالة المــلك وطبقا للقانون
بتاريخ الخميس 16 رمضان المعظم 1434 الموافق لـ 25 يوليوز 2013
أصدرت المحكمة الإدارية بالرباط وهي متكونة من السادة :
محمد الهيني…………………………………….رئيسا ومقررا
أمينة ناوني……………………………………عضوا
معاذ العبودي ……………………………… عضوا
بحضور السيد سعيد المرتضي …………………..مفوضا ملكيا
بمساعدة السيدة فاطمة الزهرراء بوقرطاشى …………كاتبة الضبط
الحكم الآتي نصه :
بين:السيد …..
عنوانه: سجن عكاشة ///
النقيب الأستاذ عبد الرحيم الجامعي ، المحامي بهيئة الرباط.
من جهــــة
وبين:
الدولة في شخص رئيس الحكومة
وزارة العدل والحريات في شخص الوزير بمكاتبه بالرباط
وكيل الملك لدى المحكمة الابتدائية بعين السبع الدار البيضاء
الوكيل القضائي للمملكة بمكاتبه بالرباط
من جهــة اخرى
الوقائع
بناء على المقال الإفتتاحي للدعوى المقدم إلى هذه المحكمة من طرف المدعي بواسطة نائبه والمودع بكتابة ضبط هذه المحكمة بتاريخ 20دجنبر 2012 والمؤدى عنه الرسوم القضائية والذي يعرض فيه أنه ّأثناء محاكمته جنائيا أمام المحكمة الزجرية بالدار البيضاء سنتي 2011 و 2012 لم تقم النيابة العامة بهذه المحكمة بإحضاره لجلسة المحاكمة ليتمتع بحق المثول أمام قاضي الحكم لعدة جلسات سواء بمفرده أحيانا أو بمعية مجموعة من المعتقلين في نفس الملف مما كان يترتب عنه تأخير الملف لجلسة أخرى ويتم تفويت فرصة المحاكمة عليه باستمرار ،مما تسبب له في عدة أضرار نتيجة الخلل في سير مرفق القضاء تتحمله النيابة العامة بصفة غير مبررة ومقبولة مس بحقه المطلق في المحاكمة والوصول للقاضي والتمتع بالولوج للعدالة وللقانون بالمخالفة للأسس الدستورية والقانونية سواء الوطنية أو الدولية ،أو لما أقره القضاء المقارن في مثل هذه النوازل،والتمس تحميل الدولة المسؤولية الإدارية عن الأضرار المعنوية والمادية الناجمة عن سوء تسيير وتدبير المرفق القضائي والحكم عليها بأدائها لفائدة المدعي تعويضا قدره 100.000.00 درهم مع النفاذ المعجل وبنشر الحكم في جريدتين يوميتين لمرتين متتاليتين على نفقة المدعى عليهم ،مع الصائر.وعضد الطلب بمذكرة إدلائية مؤرخة في 4-4-2013 مرفقة بمحاضر الجلسات
و بناء على المذكرة الجوابية المدلى بها من طرف الوكيل القضائي للمملكة بتاريخ 18 أبريل 2013 يلتمس من خلالها التصريح بعدم اختصاص المحكمة نوعيا لفائدة محكمة النقض لتعلق الطلب بالتعويض عن المسؤولية عن الأعمال القضائية المحددة بنصوص خاصة طبقا للفصل 391 من ق.م.م،والفصل 571 من ق.م.ج
وبناء على الحكم الفرعي الصادر عن هذه المحكمة عدد 1895 وتاريخ 23-5-2013 والقاضي بانعقاد الاختصاص النوعي للمحكمة للنظر في الطلب .
وبناء على عرض القضية بجلسة 18-7-2013،حضر خلالها النقيب نائب المدعي وأكد الطلب،وتخلف الوكيل القضائي عن إبداء الدفوع الموضوعية بعد الحكم بالاختصاص رغم التوصل بالإنذار بالجواب ،فاعتبرت المحكمة القضية جاهزة وأعطيت الكلمة للسيد المفوض الملكي الذي أكدت في مستنتجاته الكتابية فتقرر وضع القضية في المداولة قصد النطق بالحكم الآتي بعده.
وبعد المداولة طبقا للقانون
من حيث الشكل:
حيث قدم الطلب وفقا للشروط المتطلبة قانونا مما يتعين معه قبوله شكلا
من حيث الموضوع:
حيث يهدف الطلب إلى تحميل الدولة المسؤولية الإدارية عن الأضرار المعنوية والمادية الناجمة عن سوء تسيير وتدبير المرفق القضائي والحكم عليها بأدائها لفائدة المدعي تعويضا قدره 100.000.00 درهم مع النفاذ المعجل وبنشر الحكم في جريدتين يوميتين لمرتين متتاليتين على نفقة المدعى عليهم ،مع الصائر
وحيث استنكفت الجهة المدعى عليها عن إبداء دفوعها الموضوعية بعد الحكم بالاختصاص النوعي رغم توصلها بالإنذار .
وحيث إن مرفق القضاء،وما يتفرع عنه من جهاز النيابة العامة ،المعتبر دستوريا هيئة قضائية،وباعتباره من المرافق العمومية للدولة شأنه شأن باقي الإدارات العمومية يخضع لقواعد المسؤولية الإدارية ،ولا يحد من المسؤولية أو يلغيها من حيث المبدأ استقلال القضاء أو خصوصية الأعمال القضائية،لأن السلطة القضائية ليست فوق المحاسبة أو المساءلة ،طالما أن الشرعية أو المشروعية هي عماد المؤسسات وحصنها الأساسي لخضوع الجميع لمقتضياتها،حاكمين ومحكومين،وواجب المحاسبة المكرس دستوريا في الفصل 154 هو المحك الأصلي لإثبات وجودها وفعاليتها حماية لحقوق المتقاضين وضمانا لقواعد سير العدالة المكرسة دستوريا وصونا للأمن القانوني والقضائي .
وحيث نصت المادة 120 من الدستور على حق كل شخص في محاكمة عادلة، وفي حكم يصدر داخل أجل معقول.
وحيث نصت الفقرة الثانية من المادة 22 من الدستور على أنه لا يجوز لأحد أن يعامل الغير، تحت أي ذريعة، معاملة قاسية أو لاإنسانية أو مهينة أو حاطة بالكرامة الإنسانية.
وحيث نصت المادة 122 من الدستور على “حق كل متضرر من خطإ قضائي من الحصول على تعويض تتحمله الدولة “.
وحيث نصت المادة 117 من الدستور على تولي القاضي حماية حقوق الأشخاص والجماعات وحرياتهم وأمنهم القضائي، وتطبيق القانون.
وحيث نصت المادة 37 من قانون المسطرة الجنائية على تولي النيابة العامة السهر على تنفيذ المقررات القضائية .
وحيث إن الثابت من وثائق الملف ولاسيما محاضر الجلسات الجنحية المدلى بها تخلف النيابة العامة عن تنفيذ أوامر المحكمة بإحضار المدعي المتابع لعدة جلسات أو إحضاره مع عدم إحضار المتابعين معه على ذمة نفس القضية( على سبيل المثال لا الحصر -محاضر جلسات :17-1-2012و14-2-2012و1-3-2012 و22-3-2012 و5-4-2012و 17-4-2012 و 29-5-2012 و 14-6-2012و21-6-2012) مما تسبب في تأخير المحاكمة عقب كل تأخير لتنفيذ الإجراء القانوني المطلوب من طرف هيأة الحكم في الملف عدد 4090-2010-المحكمة الابتدائية الزجرية بالبيضاء.
وحيث إن تقصير النيابة العامة في الرقابة على الشرطة القضائية بإلزامها على تنفيذ الإجراءات بإحضار المتابعين أمام المحكمة،وتحريك الوسائل القانونية في مواجهتها تدعيما لمبدأ المحاسبة والمسؤولية تطبيقا للفصلين 128 و 154 من الدستور و للفصول 18 و 37 و 40 و 45 و 364 من قانون المسطرة الجنائية،وعدم تدارك الخطأ،رغم الطلب المتكرر للدفاع والمحكمة لعدة جلسات ،بشكل أصبح التأخير وتأجيل المحاكمة أمرا اعتياديا لا لبس فيه،يرتب مسؤولية النيابة العامة عن الخلل في سير مرفق القضاء وعرقلة نشاطه المعتبر خطأ جسيما، مما جعل صورة المرفق والثقة فيه تتضرر من كثرة التّأجيلات وعبثية إجراءات المحاكمة التي لم يجدى منها شيء للإخلال بجميع مبادئ المحاكمة العادلة في جميع صورها( المادتين 23 و 120 من الدستور) ولاسيما مبدّأ قرينة البراءة والمحاكمة في أجل معقول،و احترام كرامة الأشخاص المتابعين وحرياتهم ،و الولوج السهل والسريع والشفاف للعدالة ،و هيبة القضاء والدفاع ورجاله إن لم يكن المساس بسمو القانون نفسه وما يفرضه من مستلزمات جودة الخدمة القضائية التي أساسها احترام حقوق وحريات المواطن كان متابعا أو ضحية،وضمان الأمن القانوني والقضائي.
وحيث إن الاتفاقيات الدولية المصادق عليها من طرف المملكة أوجبت على السلطة القضائية صيانة مبادئ المحاكمة العادلة وصونها وعلى أساسها احترام كرامة المتابعين والابتعاد عن مظاهر المعاملة الاإنسانية أو المهينة ( المادة 7 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان ،المادتين 7 و 14 من اتفاقية الحقوق المدنية والسياسية ،المادتين 1 و 16 من اتفاقية مناهضة التعذيب ومختلف ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة المهينة ).
وحيث إن عدم تنفيذ النيابة العامة لمقرر المحكمة الزجرية بإحضار المتابعين لجلسات المحكمة بالمخالفة للأسس الدستورية والقانونية الوطنية والدولية ألحق ضررا مباشرا ماديا ومعنويا للمدعي تمثل في تفويت فرصة المحاكمة العادلة عليه وبقائه أكثر من سنة بدون محاكمة في حالة “اعتقال احتياطي” غير مبرر مس بمبدأ قرينة البراءة وبحقه في الحرية وبإنسانيته،وما سببه ذلك من آثر نفسي ومعاناة وألم من جراء هذه الإجراءات الباطلة ،وتحملات مادية عن مصاريف الدفاع ،فقد أرتأت المحكمة تبعا لقواعد العدل والإنصاف باعتباره أساس المسؤولية الإدارية الموضوعية، وتبعا لسلطتها التقديرية في تحديد التعويض المناسب جبر الأضرار اللاحقة بالمدعي في مبلغ 100.000.00درهم .
وحيث إن طلب نشر الحكم يندرج في إطار الحق في المعلومة المكرس في الفصل 27 من الدستور ،ولا يتوقف على حكم قضائي لأنه من الحقوق العامة باعتباره آلية للرقابة الشعبية على العمل القضائي ،ومصدر للثقة في عمل القضاة وتقويمه لضمان الأمن القانوني والقضائي .
وحيث إن طلب النفاذ المعجل غير مبرر مما يتعين معه رفضه.
وحيث إن خاسر الدعوى يتحمل صائرها.
المنطوق
و تطبيقا للفصول 6 و 19و22 و23و27و 110 و 117 و 118 و 128 و 154 من الدستور ،ومقتضيات القانون رقم 90-41 المحدثة بموجبه محاكم إدارية ومقتضيات قانون المسطرة المدنية و الفصول 18 و 37 و 40 و 45 و 364 من قانون المسطرة الجنائية والمادة 7 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان ،المادتين 7 و 14 من اتفاقية الحقوق المدنية والسياسية ،المادتين 1 و 16 من اتفاقية مناهضة التعذيب ومختلف ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة المهينة.
لهذه الأسباب
حكمت المحكمة الإدارية علنيا ابتدائيا وحضوريا :
في الشكل :بقبول الطلب
وفي الموضوع :بأداء الدولة في شخص رئيس الحكومة لفائدة المدعي تعويضا عن الخطأ القضائي قدره (100.000.00درهم ) هكذا مائة ألف درهم والصائر
وبرفض باقي الطلب.
بهذا صدر الحكم في اليوم والشهر والسنة أعلاه .
/II التعليق:
- الوقائع:
من خلال هذا الحكم تم إثبات خطأ جسيم اتجاه النيابة العامة كسلطة إدارية تابعة لجهاز القضاء، وذلك بعدم احضار المتابعين لجلسة المحاكمة، رغم الطلب المتكرر للدفاع وكذا كثرة التأجيلات، وعبتية إجراءات المحاكمة، حسب ما جاء في نص الدفاع ,تعد إخلالا بقواعد المحاكمة العادلة حسب الفصل 23 من الدستور الذي يحدد إجراءات المتابعة[1]، وكذا الفصل 120 الذي يضمن المحاكمة العادلة[2].
وكذا الفصول 18، 37، 40، 45 و364 [3] من قانون المسطرة الجنائية وانتهاكا جسيما لقرينة البراءة، كما أنه يضرب عرض الحائط المواثيق الدولية، والتي قد تسمو على الدستور نفسه، جاعلة من حقوق الإنسان في شكلها الدولي أسمى من القوانين الداخلية للدول، كما تشير إلى ذلك ديباجة الدستور.[4] وبالتالي تقرر اعتبار هذا المقتضى خطأ جسيما وجب معه تعويض المدعي ب 100,000 درهما مع النفاذ المعجل بسبب هذا التقصير الذي ادى إلى إلحاق ضرر مادي ومعنوي بالمدعي، وذاك بإبقائه سنة كاملة بدون محاكمة, وفي حالة اعتقال احتياطي[5]، غير أن المحكمة رفضت النفاذ المعجل.
2– الاستدلال القانوني:
استند الطرف المدعي على أدلة قانونية ذات الطابع الوطني وهو الوثيقة الدستورية خاصة الفصل 23 و120 اللذان، يؤكدان على المحاكمة العادلة وقرينة البراءة وكذا المواثيق الدولية لحقوق الإنسان كما سلف الذكر.
غير أن تغيب المفوض القضائي للمملكة لا يمكن إلا أن يكون حجة عليه مما جعل القاضي الإداري يكون قناعة راسخة لحصول الخطأ الجسيم اتجاه المدعي بناء على ما تقدم من حجج.
3– الإشكالات القانونية المثارة من خلال هذا الحكم النوعي:
أ) يمكن القول إن القاضي الإداري، وضمانا لمحاكمة عادلة جعله يتريث أكثر من الواجب في اتخاذ القرار المناسب، مما يمكن تفسيره لصالحه بعدم التسرع وتمديد الاعتقال حتى يتأتى لهيئة الحكم تكوين قناعة ثابتة لإصدار حكم معين، علما إن فترة الاعتقال تحتسب في مدة السجن ما لم يتبث براءة المدعي.
ب) القضايا المثارة أمام القضاء كثيرة ومتعددة وقد تتطلب وقتا، لتناقض الأدلة أحيانا، أو تداخل عناصر متنوعة وأحيانا متعددة، قد يصعب معها اتخاذ قرار حاسم بإصدار الحكم.
ج) أمام الكم الهائل من القضايا المثارة والعدد الغير المتناسب معها وعدد القضاة، قد يتعذر على القاضي الإحاطة بشكل مستفيض وبسرعة لأجل البث في القضية.
د) الاعتقال الاحتياطي مؤطر بقانون و لا يمكنه أن يمدد أكثر من الوجوب، 10 أشهر في أقصى الحالات،[6] ضمانا لحقوق المتقاضين، وخاصة قرينة البراءة والمحاكمة العادلة.
ه) القاضي الذي سبق له أن تعرض لحالة نصب أو سرقة أو اعتداء من نفس القضية المثارة أمامه قد يسرع في إصدار الحكم على المتابع عكس قاض لم يسبق له أن كان عرضة لنفس الحدث، وهذا ما يتبثه الجانب السيكولوجي ومدى تأثيره في إصدار الحكم.[7]
4– إشكال:
إلى أي حد يمكن اعتبار هذا الحكم نوعيا إذا ما تبث أن المدعي مدان فعلا وتبث في حقه المنسوب إليه بمدة سجنية تفوق السنة وقد تكون أقل، وما هو مآل الاعتقال الاحتياطي لهذه الفترة إذا ما تمت تبرئته بظهور عناصر جديدة في القضية؟
[1] – حسب منطوق الفصل 23 من الوثيقة الدستورية: ” لا يجوز إلقاء القبض على أي شخص واعتقاله أو متابعته أو إدانته إلا في الحالات وطبقا للإجراءات التي ينص عليها القانون ….”
[2] – كما ينص الفصل 120:” لكل شخص الحق في محاكمة عادلة، وفي حكم يصدر داخل أجل معقول، حقوق الدفاع مضمونة أمام جميع المحاكم.”
[3] – حسب الفصل 18 من قانون المسطرة الجنائية: ” يعهد إلى الشرطة القضائية … تقوم بتنفيذ أوامر وإنابات قضاء التحقيق وأوامر النيابة العامة.” كما أن باقي الفصول المشار إليها أعلاه تدخل في إطار اختصاص النيابة العامة”.
[4] – جعل الاتفاقيات الدولية، كما صادق عليها المغرب، وفي نطاق احكام الدستور، وبقوانين المملكة، وهويتها الوطنية الراسخة، تسمو فور نشرها، على التشريعات الوطنية، والعمل على ملائمة هذه التشريعات مع ما تتطلبه تلك المصادقة.
[5] – يمكن الإشارة في هذا الصدد أن الاعتقال الاحتياطي لا يمكن أن يتجاوز 10 أشهر في اقصاه حسب مقتضيات المادة 175، 176، 177 من قانون المسطرة الجنائية.
[6] – سبقت الإشارة إلى هذا المقتضى: فصل 174، 175، 176، 177 من قانون المسطرة الجنائية.
[7] – حسب ما جاء في مداخلة الأستاذ إدريس الضحاك في إحدى مداخلاته بجامعة الحسن I ، سطات ـ 2015، أبريل. بمناسبة ندوة منظمة من طرف شعبة القانون الخاص.