تدبير نفقات الجماعات الترابية في زمن الجائحة

تدبير نفقات الجماعات الترابية في زمن الجائحة

د. مدني أحميدوش

أستاذ التعليم العالي

بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية

ظهر المهراز –فاس-

مقدمة

يواجه المغرب، على غرار كل دول العالم، تحديات اقتصادية ومالية خطيرة ما بعد انتهاء أزمة كورونا، في ظل التوقعات الأولية الصادرة عن مؤسسات وطنية ودولية، أكدت تسجيل تراجع كبير في معدل النمو، بالإضافة إلى التأثيرات الخارجية على الاقتصاد الوطني، بسبب انكماش الاقتصاد العالمي، وخاصة البلدان التي تربطها بالمغرب علاقات اقتصادية وتجارية، كل ذلك ينضاف إلى التداعيات الاجتماعية للأزمة، التي فرضت على الدولة نهج سياسة التقشف لتقليص الإنفاق العمومي ودعم القدرة الشرائية للمواطنين،، مع اللجوء إلى الاقتراض الخارجي، للحفاظ على توازنات الميزانية العمومية.

شرع المغرب في تطبيق حالة الطوارئ الصحية مباشرة بعد ظهور الحالات الأولى المصابة بفيروس كوفيد-19، وعمل على اتخاذ سلسلة من الإجراءات للحد من انتشار هذا الوباء؛ ومن أهمها إصدار مرسوم قانون رقم 2.20.292 المتعلق بسن أحكام خاصة بحالة الطوارئ الصحية وإجراءات الإعلان عنها من أجل سد الفراغ التشريعي القائم. كما اتخذت السلطات العمومية مجموعة من التدابير للتخفيف من الآثار الاقتصادية والاجتماعية لتفشي الفيروس على مستوى ميزانية الدولة، كإحداث حساب خصوصي بعنوان: “الصندوق الخاص لتدبير ومواجهة وباء فيروس كورونا”[1]، وتم خلق لجنة اليقظة الاقتصادية لتتبع الوضع القائم، والتي قامت باتخاذ مجموعة من الإجراءات كتأجيل التصريحات وأداء بعض الضرائب وتبسيط بعض المساطر وتعزيز الإدارة الإلكترونية… كما قام رئيس الحكومة بإصدار منشور من أجل التدبير الأمثل للنفقات خلال فترة حالة الطوارئ الصحية، وذلك في ظل السياق الاقتصادي العالمي والوطني المتأثر بالتداعيات السلبية لهذه الجائحة.

بعد القرار الذي اتخذته الحكومة بنهج سياسة التقشف في صرف الاعتمادات المالية المخصصة لنفقات الدولة والمؤسسات العمومية برسم السنة الحالية، وذلك في إطار الحفاظ على توازن الميزانية بسبب تداعيات فيروس كورونا على الاقتصاد الوطني، وجه وزير الداخلية، عبد الوافي لفتيت، دورية لولاة الجهات وعمال العمالات والأقاليم، من أجل التدبير الأمثل لنفقات الجماعات الترابية.

المطلب الأول: تعريف النفقة العامة المحلية وأنواعها

يعرف بعض الفقه المالي النفقة المحلية بأنها ” مبلغ من المال تقتطعه إحدى الجماعات المحلية من أموالها قصد إشباع حاجة عامة محلية”[2] ، ومن الملاحظ هنا أن هذا التعريف تنقصه الدقة لأنه لا يمكن اعتبار النفقة المحلية بأنها مبلغ من المال بقدر ما هي ترجمة للاعتماد إلى نفقة وبذلك يمكن اعتبارها استعمال للاعتمادات، وعليه يمكن اعتبار النفقة المحلية هي عملية استعمال الاعتمادات من طرف شخص عمومي (جماعة محلية) بقصد إشباع حاجات عامة محلية .

وبذلك فالنفقة المحلية تنطوي على عناصر أساسية:

-أنها ذات طابع مالي أو نقدي؛

-أنها تنجز من طرف شخص عمومي ( الجماعة المحلية)؛

-أنها تهدف إلى إشباع حاجة عامة محلية

أما أنواعها فهي تنقسم إلى نفقات إجبارية (التسيير)  وأخرى اختيارية (التجهيز) فالأولى هي التي تخصص للنشاط العادي والطبيعي للجماعات الترابية فالمادة 39 من التنظيم المالي08- 45 حددت نفقات التسيير في نفقات الموظفين والأعوان والصيانة والتوريدات المتعلقة بإرجاع الدين الامدادات الممنوحة والمساهمات في عمليات ذات فائدة محلية أو وطنية أو تحملات أخرى.أما الثانية نفقات التجهيز فهي نفقات غير عادية تتضمن مصاريف استثنائية لا تكرر خلال السنة يرتبط وجودها بتوفر الاعتمادات المالية اللازمة، تمكن أهميتها في محور التنمية المحلية وهي تشمل مجموعة من الاشغال مثلا الماء الصالح للشرب ، التجهيزات الكهربائية، النقل العمومي…..

المطلب الثاني: تدخل سلطة الوصاية وقراءة في وضعية الموارد المالية

الفرع الأول: تدخل سلطة الوصاية في فترة الظروف الاستثنائية

يتعلق الأمر بمختلف التدخلات الصادرة عن سلطة الوصاية في مجال تنفيذ الميزانية، فرغم حضور سلطة الوصاية في كل مراحل إعداد وتحضير الميزانيات المحلية وكذا المصادقة عليها لأجل توحيد السياسات المحلية مع السياسة المركزية وتفادي الاختلالات، إلا أن هذا الحضور يتعدى مراحل الإعداد والمصادقة إلى مراحل تنفيذ النفقات المحلية.

هذا التدخل يطرح إشكال سياسي وأكاديمي وقد كرس التنظيم المالي للجماعات المحلية تدخل سلطة الوصاية على مستوى النفقات انطلاقا من المادة 42 حين نص على: “يجب أن تتضمن ميزانية الجماعات المحلية ومجموعاتها الاعتمادات المتعلقة بالنفقات الإجبارية والموارد الضرورية لتغطيتها.

هكذا تقوم سلطة الوصاية تلقائيا بتسجيل كل نفقة إجبارية لم يتم إدراجها بميزانية الجماعات المحلية أو مجموعتها وتتخذ لهذا الغرض كل تدبير ضروري بما في ذلك نفقة غير إجبارية ولا يجوز أن يباشر تلقائيا بصفة صحيحة أي تسجيل لنفقة إجبارية ما لم يتم دعوة المجلس مسبقا للقيام بذلك بموجب مداولة تتم طبقا للمقتضيات التشريعية والتنظيمية الجاري بها العمل…”

كما يظهر تدخل سلطة الوصاية على مستوى تنفيذ النفقات المحلية، فالمادة 43 تنص على انه ” إذا امتنع الآمر بالصرف عن وضع حوالة خاصة بنفقة وجب تسديدها من قبل الجماعة المحلية أو المجموعة، يمكن لسلطة الوصاية أن تقوم ، بعد طلب استفسارات من الآمر بالصرف، بتوجيه إعذار إليه بوضع الحوالة. وفي حالة عدم التنفيذ في اجل أقصاه 30 يوما بعد تاريخ الإعذار، يمكن أن توضع هذه الحوالة تلقائيا بقرار لوزير الداخلية أو من ينوب عنه.

إذا كانت المالية العمومية تأثرت بفعل فيروس كورونا، مما استدعى تعديل قانون المالية للسنة، فإن المالية الترابية بدورها تضررت بفعل هذا الفيروس، نظرا لارتباط المالية الترابية بالمالية العمومية،وبالوضع الاقتصادي الوطني.

الفرع الثاني : وضعية الموارد المالية لجماعات الترابية أثناء الجائحة

لقد حدد دستور 2011 [3]والقوانين التنظيمية للجماعات الترابية[4] مجموعة من موارد الجماعات الترابية (الجهات والعمالات والأقاليم والجماعات) بالإضافة إلى القانون 47.06[5]،فحسب الفصل 141 من الدستور الجديد نجد أن للجماعات الترابية مواردا ذاتية وموارد مرصودة من قبل الدولة أي محولة من طرفها.

ومع جائحة كورونا عرفت مالية الجماعات الترابية اكراهات متعددة، أثرت بشكل كبير على ميزانية الجهات والعمالات والأقاليم والجماعات،خصوصا أن الجماعات الترابية قبل هذه الجائحة كانت تعاني من محدودية المداخيل وارتفاع النفقات، فبالنسبة للشق المرتبط بالموارد المالية خاصة المنصوص عليها في القانون 06-47 المنظم للجبايات المحلية عرفت تراجعا كبيرا وخطيرا خاصة أثناء فترة تطبيق الحجر الصحي وحتى بعد رفعه التدريجي وبالتالي تعطل تطبيق مجموعة من الرسوم المحلية المستخلصة لفائدة الجماعات الرابية كالرسم المهني” (المادة 5)“الرسم على بيع المشروبات( المادة 64) والرسم على مؤسسات الإيواء السياحي (الفنادق- الأندية الخاصة- النزل- قرى العطل- الإقامات السياحية-دور الضيافة-مراكز وقصور المؤتمرات وكل مؤسسة سياحية أخرى خاضعة لأحكام القانون 61.00[6] المتعلق بالمنشآت السياحية( للمادة 70)و“الرسم على النقل العمومي” المنصوص عليه في المادة 83 من القانون 47.06 فنتيجة منع السفر بين المدن لا يمكن فرض هذا الرسم، وبالتالي نلاحظ أنه بفعل توقف العديد من الأنشطة بسبب فيروس كورونا، نتج مع هذا التوقف إضعاف مداخيل الجماعة، دون أن ننسى الموارد المرصودة من قبل الدولة لها والمتمثلة بالأساس في الضريبة على القيمة المضافة.

كما أن مجالس العمالات والأقاليم تضررت بفعل هذا الفيروس، خصوصا وأنها تستفيد فقط من ثلاثة رسوم حسب ما هو منصوص عليه في المادة الثالثة من القانون 47.06.
أما الجهات والتي اعتبرها دستور 2011 قاطرة للتنمية، هي كذلك تضررت بهذه الجائحة، خصوصا وأنها تتوفر فقط على ثلاثة رسوم ذاتية حسب ما هو منصوص عليه في المادة الرابعة من القانون السالف الذكر، بالإضافة إلى رسمين تستفيد منهما، هما في الأصل من الموارد الذاتية للجماعة، لكنها تستفيد من العائدات، وهما الرسم على الخدمات الجماعية بنسبة 5٪(حسب المادة 37 من القانون 47.06)،والرسم على استخراج مقالع الرمال بنسبة 10٪(حسب المادة 94 من القانون السالف الذكر) ،كما أنه بالرجوع إلى القانون التنظيمي 111.14 المتعلق بالجهات،وبالضبط في المادة 188،نجد أن الجهات تستفيد من الموارد المحولة لها من طرف الدولة، والمتمثلة بالأساس فيما يلي:

-5٪ من الضريبة على الشركات؛

-5٪من الضريبة على الدخل؛

-20٪ من عقود التأمين.

 وبما أن هذه الضرائب الوطنية قد تضررت بفعل جائحة كورونا، فلن تستطيع الدولة تخصيص هذه النسب لفائدة الجهات، مما سينعكس سلبا على البرامج التنموية، خصوصا أن الجهات تعتمد على هذه المداخيل في التمويل نظرا لضعف مواردها الذاتية السالفة الذكر.

المطلب الثالث: تدابير ترشيد نفقات الجماعات الترابية

وأمام هذه الوضعية بادرت الوزارة الوصية إلى اتخاذ قرارات تهم تقليص الإنفاق العام المحلي بدرجة أساسية، خصوصا في المجالات التي تعتبر غير ضرورية في الوقت الراهن، وذلك بسبب تدني مستوى المداخيل العمومية، وهذا يتطلب ترشيد الإنفاق العام مع ضمان الحد الأدنى للنفقات الموجهة لاستمرارية المرافق العمومية. وفي هذا الإطار، أصدر رئيس الحكومة منشورا تحت رقم 2020/03 بتاريخ 25 مارس 2020 يتعلق بتأجيل الترقيات وتأجيل مباريات التوظيف (وإن كان العنوان يتضمن إلغاء التوظيف ويختلف عن مضمون المنشور الذي ينص على التأجيل فقط)؛ وذلك من أجل تخفيف العبء عن ميزانية الدولة وتوفير موارد مالية لمواجهة الجائحة، وإن كان هذا المنشور يخاطب ميزانية الدولة فقد تم اعتماده على مستوى الجماعات الترابية.

لكن إذا كان تأجيل التوظيف منطقيا ويتماشى مع الظروف الاستثنائية حيث لا يمكن تنظيم مباريات التوظيف في الوقت الذي منع فيه كل التجمعات،فإن تأجيل الترقيات يثير تساؤلات مهمة؛ فالتبرير بكونها ستخفف العبء عن الميزانية غير ذي جدوى مقارنة مع بعض مظاهر الإنفاق العام الأخرى.

وفي السياق نفسه، قامت وزارة الداخلية بإصدار دورية أخرى تحت رقم 6578 بتاريخ 15 ابريل 2020 حول التدبير الأمثل لنفقات الجماعات الترابية برسم سنة 2020، وذلك على غرار منشور رئيس الحكومة الموجه للدولة والمؤسسات العمومية، هذا المنشور يحث رؤساء مجالس الجماعات الترابية على تعليق وتأجيل الالتزام بالنفقات غير الضرورية في الوقت الرهان.

لكن مع ضمان تنفيذ النفقات الإجبارية وتلك المتعلقة بمواجهة هذه الجائحة وآثارها، ويلاحظ أن الدورية ركزت فقط على بعض النفقات الإجبارية، خصوصا تلك التي لها علاقة بضمان استمرارية مرفق الجماعة الترابية كرواتب وتعويضات الموارد البشرية، والنفقات المتعلقة باستهلاك الماء والكهرباء والاتصالات وواجبات الكراء، دون أن تتضمن النفقات المتعلقة بالديون المستحقة. وفي هذا الإطار، من المفروض أن يقوم صندوق التجهيز الجماعي على وجه الخصوص بتأجيل تلقي الديون المستحقة له في هذه الظرفية، وإعادة برمجة جداول استهلاك القروض، خصوصا أن مجموعة من المشاريع الممولة ستعرف توقفا وإجراءات استثنائية. ثم الدورية لم تذكر ضمن النفقات الإجبارية النفقات المتعلقة بتنفيذ القرارات والأحكام القضائية الصادرة ضد الجماعة الترابية، في المقابل تم التركيز على النفقات المخصصة لمواجهة جائحة كورونا والمحددة بشكل توافقي بين سلطة المراقبة ورؤساء المجالس المنتخبة.

كما أصدرت وزارة الداخلية دورية تتيح لرؤساء مجالس الجماعات الترابية إدخال تعديلات على ميزانياتها لأجل تغطية النفقات المستجدة الخاصة بمواجهة جائحة كورونا فيروس في ظل حالة الطوارئ الصحية التي اعتمدها المغرب منذ 20 مارس 2020.

وتتيح هذه الدورية، التي تم إصدارها الأربعاء 25مارس2020وتحمل عدد F/1248، لرؤساء ورئيسات مجالس الجماعات الترابية إدخال تعديلات على ميزانيات الجماعات الموكل لهم تدبيرها دون مداولة أو مشاورة مع مجالسهم لاستجابة لنفقات مستجدة بقوة الظرفية الوبائية، التي فرضتها جائحة كورونا فيروس.

وأوضحت الدورية، التي وقعها العامل مدير المالية المحلية، حمزة بلكبير، والموجهة لولاة الجهات وعمال العمالات والأقاليم و موضوعها التصدي لجائحة كورونا فيروس وآثارها الصحية والاقتصادية والاجتماعية، (أوضحت الدورية) أن رؤساء ورئيسات مجالس الجماعات الترابية يُسمح لهم بإجراء تعديلات على ميزانيات الجماعات، التي يتولون تدبيرها، دون الحاجة إلى مداولات مع المجالس. سواء تعلق الأمر بفتح قروض ميزاناتية جديدة بضمانة موارد متوفرة لم تتم برمجتها بعد، أو من خلال تحويل وإعادة برمجة قروض سابقة .

وزادت الدورية موضحة أن هذه التعديلات الميزاناتية، يمكن القيام بها إما عبر أذونات خاصة أو قرارات التحويل موقعة من قبل رؤساء ورئيسات المجالس الجماعية ومؤشر عليها من قبل الولاة والعمال.

المطلب الرابع: تبسيط بعض المساطر المتعلقة بصفقات الجماعات الترابية

أما ما يرتبط بالصفقات العمومية، فقد أتاحت الدورية -المشار إليها أعلاه- للجماعات الترابية إمكانية اللجوء إلى المسطرة التفاوضية لشراء العتاد والتجهيزات وكل التحملات التي تهم مواجهة جائحة كورونا. كما أصدرت وزارة المالية دورية تحت عدد 9 بتاريخ 2 ابريل 2020 تتعلق بتبسيط بعض المساطر المتعلقة بالصفقات العمومية للدولة وللجماعات الترابية، حيث ركزت على التعامل الإلكتروني وعدم تسليم الوثائق والمستندات الورقية، بالإضافة إلى عدم التشديد في المطالبة بالتوقيع الإلكتروني على الوثائق بالنسبة للمقاولات التي تواجه صعوبات في الحصول على الشهادة الإلكترونية.

بالإضافة إلى ذلك، وأمام الصعوبات التي قد تواجه المقاولات الحاصلة على الصفقات العمومية لتنفيذ التزاماتها التعاقدية اتجاه الدولة بشكل عام، واتجاه الجماعات الترابية بشكل خاص، ولتجنب تطبيق غرامات التأخير في حقها، تم اتخاذ مجموعة من التدابير الاستثنائية، وعلى رأسها اعتبار الأثر المترتب عن حالة الطوارئ الصحية وإجراءات الحجر الصحي المطبقة على الأفراد خارجا عن إرادة المقاولات الحاصلة على الصفقات، فيما يخص آجال تنفيذ الصفقات العمومية، ويندرج بالتالي في إطار حالات القوة القاهرة، والموافقة على طلبات المقاولات التي تثيرها دون الأخذ بعين الاعتبار أجل سبعة أيام لتقديم هذه الطلبات، بالإضافة إلى تمديد الآجال التعاقدية بواسطة عقد ملحق بالنسبة لجميع أنواع الصفقات، كما أتاحت التدابير لأصحاب المشاريع إلى اللجوء عند الاقتضاء إلى آليات تأجيل تنفيذ الأشغال أو التوريدات أو الخدمات أو أوامر إيقاف أو إعادة استئناف الخدمة، وكل ذلك في حدود مدة الطوارئ الصحية.

كما قررت الحكومة المغربية إعطاء الأفضلية للمنتجات الوطنية، وذلك من خلال اعتمادها بشكل أساسي في الصفقات العمومية، بهدف التخفيف من آثار تداعيات جائحة كورونا على الاقتصاد الوطني. 

جاء ذلك في منشور لرئيس الحكومة، سعد الدين العثماني، وجهه إلى كُل من الوزراء والوزراء المنتدبين بالإضافة إلى المندوبين السامين والمندوب العام، دعاهم فيه إلى تفعيل الأفضلية الوطنية وتشجيع المنتجات المغربية في إطار الصفقات العمومية.

ويُلزم القرار أصحاب المشاريع، بـ”منح الأفضلية للمواد والمنتجات المغربية، وخصوصاً التقليدية منها أو المصنعة”، إذ يتم تقنين ذلك من خلال التنصيص في دفاتر الشروط الخاصة ودفاتر التحملات المتعلقة بصفقات الأشغال والتوريدات التي تبرمها الإدارات والجماعات الترابية والمؤسسات والمقاولات العمومية على عدد من المقتضيات.

وتتضمن هذه المقتضيات تطبيق المواصفات القياسية المغربية المعتمدة، أو مواصفات قياسية أخرى مطبقة في المغرب بموجب اتفاقيات دولية، وحصر اللجوء إلى المواد المستوردة في الحالات التي لا يتوفر فيها منتج مغربي يستجيب للمعايير التقنية المطلوبة.

وسيكون أصحاب المشاريع، في إطار الصفقات التي تبرمها الإدارات والمؤسسات والمقاولات العمومية، ملزمين بإعداد شهادة إدارية تتضمن التبريرات الضرورية في حالة تطبيق معايير دولية مخالفة للمواصفات القياسية المغربية أو اللجوء إلى المنتوجات المستوردة.

وتنص المادة 156 من قانون الصفقات العمومية في المغرب على تخصيص 20% من المبلغ التوقعي لمبلغ الصفقات والتوريدات والخدمات لفائدة المقاولات الوطنية، في حين أن هذه النسبة لا تتجاوز 10% من المبلغ الإجمالي للصفقات حاليا.

أما التعاونيات والمقاولات الذاتية، وفقا للتعديل الذي أدخل على مرسوم الصفقات العمومية سنة 2019، فقد تم فتح المجال لها لأول مرة للاستفادة من الصفقات العمومية، إذ تم رفع نسبة المقاولات الصغرى والمتوسطة من 20% إلى 30%  .

وسبق لوزارة الصناعة والتجارة والاقتصاد الرقمي، أن شكلت لجنة تعمل على إحصاء المنتجات التي يُمكن تصنيعها داخل البلاد، وذلك في أفق اشتراط ترخيص حكومي مسبق على استيراد نظيراتها من الخارج.

وتأتي هذه الخطوة، في سياق دعم المنتجات الوطنية والتي تحمل علامة “صنع في المغرب”، وحمايتها من المنافسة الدولية. خاصة بعد الخسائر التي مُنيت بها بسبب جائحة كورونا.

وتعمل اللجنة بتنسيق وثيق مع إدارة الجمارك والضرائب غير المباشرة، وأيضاً المديرية العامة للضرائب، بالإضافة إلى الفيدراليات المهنية، على تحديد الآليات الكفيلة بتنزيل هذه الرؤية، وذلك دون خرق المقتضيات التي تنظم عمل منطقة التجارة العالمية.

خاتمة

يمكن القول من خلال ما سبق وتزامنا مع أزمة انتشار وباء كوفيد 19 أنه يلزم منح الجماعات الترابية في إطار تفعيل مبدأ التدبير الحر المنصوص عليه في الفصل 136 من الدستور، الاستقلال المالي والسلطة التقريرية،حتى تتمكن من اتخاذ قرارات مالية مناسبة وملائمة لها سواء قرارات ذات الارتباط بالنفقات أو تلك المتعلقة بالموارد كأن توسع من وعائها الجبائي، وتتخلص من تبعية ميزانيتها للموارد المحولة من طرف الدولة، وحتى لا تلجأ إلى الإقتراض، وبالتالي تكون لها القدرة على مواجهة مختلف الأزمات مثل أزمة جائحة كورونا الحالية، بالإضافة إلى ذلك التنزيل الصحيح لبعض مقتضيات دستور 2011 والتي تؤكد على الجهوية المتقدمة ، فالأمر يقتضي كما سبق الإشارة إلى ذلك توفير الموارد الذاتية الكافية للجهات على الخصوص ومراعاة خصوصيات كل جهة على حدة ، إذ كيف يمكن الحديث عن الجهوية المتقدمة والنموذج التنموي الجديد والحال أن هذه الجهات لا تتوفر إلا على ثلاثة رسوم ذاتية.

ويمكن أن نستشف معظم هذه المعيقات بالنسبة للرسوم الجهوية، من خلال المرتكزات التي انبنى عليها القانون الجبائي رقم 06-47، فرغم أن هذا القانون تميز عن غيره من القوانين السابقة بثلاث مبادئ أساسية إلا أنه لم يعد صالحا لمسايرة التغيرات التي شهدها المغرب، وتتجلى أهم هذه المعيقات في ضعف عدد ومردودية الرسوم المستحقة للجهات.


[1]-مرسوم 2.20.269 المتعلق بإحداث حساب مرصد لأمور خصوصية يحمل إسم الصندوق الخاص بتدبير جائحة كورونا، كوفيد19،الصادر بتاريخ 16 مارس 2020،والصادر في الجريدة الرسمية عدد 6865 مكرر،بتاريخ 17 مارس 2020،الصفحة: 1540.

[2]-بنمير المهدي: الجماعات المحلية والممارسة المالية بالمغرب س،لا، ج ، م 1994 ، ص 150

[3]-ظهير شريف 1-11-91 الصادر بتنفيذ دستور 2011،بتاريخ 29 يوليوز 2011،الصادر في الجريدة الرسمية عدد 5964 مكرر،بتاريخ 30 يوليوز 2011،الصفحة: 3600.

[4]-ظهير شريف 1.15.83 الصادر بتنفيذ القانون التنظيمي 111.14 المتعلق بالجهات،بتاريخ 7 يوليوز 2015،الصادر في الجريدة الرسمية عدد 6380،بتاريخ 23 يوليوز 2015،الصفحة: 6585.
-ظهير شريف 1.15.84 الصادر بتنفيذ القانون التنظيمي 112.14 المتعلق بالعمالات والأقاليم،بتاريخ 7 يوليوز 2015،الصادر في الجريدة الرسمية عدد 6380،بتاريخ 23 يوليوز 2015،الصفحة: 6625.
-ظهير شريف 1.15.85 الصادر بتنفيذ القانون التنظيمي 113.14،بتاريخ 7 يوليوز 2015،الصادر في الجريدة الرسمية عدد 6380،بتاريخ 23 يوليوز 2015،الصفحة: 6660.

[5]-ظهير شريف 1.07.203 الصادر بتنفيذ القانون 47.06 المتعلق بجبايات الجماعات المحلية،بتاريخ 30 نونبر 2007،الصادر في الجريدة الرسمية عدد 5583،بتاريخ 3 دحنبر 2007،الصفحة: 3734.

[6]-ظهير شريف 1.02.176 الصادر بتنفيذ القانون 61.00 بمثابة النظام الأساسي للمؤسسات السياحية، بتاريخ 13 يونيو 2002،الصادر في الجريدة الرسمية عدد 5030،بتاريخ 15 غشت 2002،الصفحة: 2329.

إقرأ أيضاً

التأطير الدستوري لمقتضيات  الوظيفة العمومية على ضوء دستور 2011

التأطير الدستوري لمقتضيات  الوظيفة العمومية على ضوء دستور 2011 الوعبان لرباس  باحث في سلك الدكتوراه …

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *