شكل موضوع التعمير وإعداد المجال بصفة عامة موضوعا خصبا للعديد من الدراسات والندوات العلمية ،و هذا الأمر لا يبدو غريبا نظرا لملامسة موضوع التعمير لكل مواطن، فمن جهة فهذا الموضوع[1] هو مجال لتدخل السلطات العمومية حسب الاختصاص والمسؤوليات الملقاة على عاتقها ، وهو في نفس الوقت احد الانشغالات الكبرى للمواطن بما تعني توفير سكن أو إصلاحه.
وإذا كانت مجموعة من الدراسات قد ركزت على مسألة وثائق التعمير واختصاص الجهات المتدخلة ومختلف مراحل التخطيط لإعداد التراب الوطني بصفة عامة وفي الجانب النظري على الخصوص ، فإننا نود أن نلامس هذا الموضوع على مستويين مهمين :
الأول : ويتعلق بدراسة سوسيولوجية لشريحة من المواطنين من إحدى الدوائر القضائية عرضت ملفاتهم أمام القضاء بخصوص قضايا تتعلق بالتعمير؛
الثاني : المجهودات المبذولة من طرف السلطات الإدارية والقضائية والإشكالات التي تطرحها سواء على مستوى القانون أو الواقع.
ثم إننا نود أن نؤكد أن مما عزز اختيارنا لهذا الموضوع هو ما تزامن مع ما سمي بفترة الربيع العربي من ثورة على كل قوانين التعمير وازدياد المخالفات بشكل غير مسبوق بمختلف أنحاء الوطن .
وبالرغم من تجند السلطات الإدارية والقضائية لمعالجة هذه الوضعية وعلى الخصوص مخالفات البناء بدون ترخيص ، فانه بعد قيامي بزيارة ميدانية تأكد لي أن وفرة الإجراءات المتخذة لا يقابلها إلا إصرار كبير من المخالفين لتشييد مزيد من البنايات ضربا بعرض الحائط لكل النصوص التشريعية ولكل المبادرات المحلية أو الوطنية وكأنهم في سباق مع الزمن.
مما يؤدي بنا إلى ضرورة التمحيص أكثر حول طبيعة المحاضر المنجزة ،حول الإجراءات المتخذة من طرف السلطات المحلية ، حول تدخل السلطات القضائية ثم حول شريحة المخالفين وذلك بالاعتماد على عينة بحث ضمت 50 حكما قضائيا صادرا عن المحكمة الابتدائية بوادي زم.
الفقرة الأولى : رصد ميداني لمخالفات التعمير
وقد اعتمدنا في هذا الرصد على عينة بحث ضمت 50 حكما صادرا عن المحكمة الابتدائية بوادي زم بتاريخ 16 ماي 2010 يتعلق موضوعها بالبناء بدون ترخيص أي مخالفة الفصلين40 و42 من القانون 90-12 المتعلق بالتعمير وذلك خلال سنة 2010 علما أن الفترة الفاصلة مابين ضبط المخالفة وتاريخ الحكم لا يتجاوز 06 أشهر .
وللإشارة فان جميع الأحكام قضت بمؤاخذة المخالفين من أجل المنسوب إليهم والحكم بغرامة مع الهدم على نفقة المخالف، وقد توخينا من خلال الاعتماد على هذه العينة معرفة شريحة المخالفين وضعيتهم الاجتماعية وكذا منطوق الأحكام و مآلاتها.
أولا: المخالفون حسب وضعيتهم الاجتماعية
وقد عالجنا في هذه النقطة المخالفات حسب مهنة المخالف،جنسه ،سنه و مقر سكنه.
1 – المخالفون حسب المهن :
يعرض الجدول التالي المخالفين حسب مهنهم المدونة بالأحكام الصادرة.
المهنة | مياوم | بدون | أجير | بناء | فلاح | بائع متجول | حرفي | متقاعد | موظف | المجموع |
العدد | 10 | 10 | 8 | 7 | 6 | 3 | 3 | 2 | 1 | 50 |
النسبة المائوية | 20 | 20 | 16 | 14 | 12 | 6 | 6 | 4 | 2 | 100 |
من خلال المعطيات الإحصائية الواردة بالجدول أعلاه يمكن أن نؤكد أن شريحة المخالفين تضم مهنا مختلفة إلا أن القاسم المشترك بين هذه المهن هو تدني مستوى العيش ، وما يؤكد هذه الملاحظة هو أن المحكمة ارتأت تمتيع جميع المخالفين من هذه العينة بظروف التخفيف نظرا للحالة الاجتماعية لهم.
2 – المخالفون حسب الجنس:
انطلاقا من الأحكام نحصل على الجدول الآتي :
جنس المخالف | العدد | النسبة المائوية |
ذكر | 42 | 84 |
أنثى | 8 | 16 |
المجموع | 50 | 100 |
نلاحظ أيضا أنه وإن كان أغلب المخالفين ذكورا فان فئة النساء وصلت الى16 إلا ان ما يجب أن نؤكده أيضا هو أغلب المخالفات بدون مهنة وفي سن متقدم من عمرهن وهو ما يؤدي بنا إلى الاعتقاد على أن المخالف الحقيقي قد يكون ابنا أو زوجا وفي اغلب الحالات موظف على علم بالمساطر االقانونية .
3 – مقر سكن المخالف:
حسب العناوين المستخرجة من أحكام عينة الدراسة حصلنا على الجدول الآتي :
مقر سكن المخالف | العدد | النسبة المائوية |
حضري | 37 | 74 |
قروي | 13 | 26 |
المجموع | 50 | 100 |
ملاحظة أساسية أيضا يجب أن نبديها و تتمثل في أنه إذا كان المخالفون من وسط حضري يمثلون نسبة 74 في المائة ،أي أكبر من المخالفين من الوسط القروي الذين يمثلون26 في المائة، فان هذا يدل على أن الأمر لا يتعلق بمسار عادي للمخالفات و إنما بفترة دروة تزامنت والظرفية السياسية التي عرفها المغرب والعالم العربي اعتبرها المخالفون فرصة سانحة لمخالفة كل ضوابط التعمير والبناء، وما يؤكد هذا الرأي هو أن نسبة من المخالفين تقع عناوينها خارج الدائرة القضائية لمدينة وادي زم ولم تزر هذه المدينة منذ سنوات إلا لتساهم بدورها في خرق القانون.
4 – المخالفون حسب السن :
يوضح الجدول أسفله المخالفون حسب السن .
أقل من 36 سنة | ما بين 36 و50 سنة | أكثر من 60 سنة | المجموع | |
العدد | 21 | 21 | 8 | 50 |
النسبة المائوية | 42 | 42 | 16 | 100 |
يتضح أيضا أن المخالفين من جميع الفئات العمرية وأنه بالرغم من جهود جميع السلطات سواء التشريعية ، الإدارية و القضائية فان هذا الإشكال ظل يهم جميع الفئات وهو ما يجعلنا نعتقد أن الأمر قد لا يتعلق بأزمة سكن بقدر ما يتعلق بثقافة تتوارث جيلا بعد جيل.
ثانيا :رصد لمنطوق الأحكام و مآلاتها
وقد ركزنا في هذه العملية على تحديد منطوق الحكم ، وصفه ومآله.
1 – منطوق الحكم :
ويوضح الجدول التالي الغرامات المحكوم بها حسب المبلغ.
منطوق الحكم | العدد | النسبة المائوية |
بالهدم وغرامة تساوي أو أقل من 5000 درهم | 16 | 32 |
بالهدم وغرامة تفوق 5000 درهم | 34 | 68 |
المجموع | 50 | 100 |
من الملاحظ أن المحكمة الابتدائية بوادي زم أصدرت نفس المنطوق في جميع أحكام عينة البحث حيث قضت بالغرامة والهدم على نفقة المخالف و لم يكن الاختلاف إلا في مقدار الغرامة ، مع الإشارة إلى أن مجموع الغرامات المحكوم بها وصلت إلى 681000 درهما الأمر الذي يجعلنا نتساءل بالأساس عن مآل هذه الأحكام.
2 – وصف الحكم ومآله
من خلال معطيات عينة البحث حصلنا على الجدول الآتي :
وصف الحكم | العدد النسبة | النسبة المائوية |
حضوري | 2 | 4 |
بمثابة حضوري | 48 | 96 |
يبين الجدول أعلاه أن نسبة الأحكام الحضورية لا تتجاوز 4 في المائة وهي نسبة جد ضعيفة ، وبالمقابل نجد أن 96 في المائة صدر الحكم في حقهم بمثابة حضوري ، هذه النسبة المرتفعة تظهر مسألتين :
الأولى: إن الجهات المكلفة بالتبليغ قامت بمجهود مهم وبلغت كل المخالفين .
الثانية : ويهم فئة المخالفين وهو أنه لا اهتمام بالحضور لصدور هذه الأحكام مما يؤدي بنا إلى التساؤل وبكل جدية عن مآلاتها؟
3 – مآلات الأحكام :
انطلاقا من عينة البحث حصلنا على المعطيات الآتية :
طبيعة الحكم | العدد | النسبة المائوية |
مستأنف | 50 | 100 |
منفذ | 0 | 00 |
المجموع | 50 | 100 |
بعد عرض هذه المعطيات والتي توضح انه لم يتم تنفيذ أي حكم من الأحكام الصادرة سواء في الشق المتعلق بالغرامة أو الشق المتعلق بالهدم، يبدو انه من المفيد أن نبرز المجهودات التي بذلت من السلطات المحلية والسلطة القضائية .
الفقرة الثانية – المجهودات المبذولة من طرف السلطات الإدارية والقضائية :
و يمكن إبرازها كما يلي :
منذ البداية لاحظت السلطات المحلية على أن الأمر لا يتعلق بالمسار العادي الذي يعرفة خرق قوانين التعمير وإنما بثورة على كل ضوابط البناء وعلى كل الوثائق التعميرية مما تطلب منها بذل مزيد من الجهد من أجل تطويق الظاهرة.
أولا : المجهودات المبذولة من طرف السلطات المحلية
وتتمثل على الخصوص في :
– عقد اجتماعات لتدارس الظاهرة ؛
– مراسلة السلطة المركزية ؛
– اتخاذ الإجراءات المنصوص عليها بموجب القوانين المنظمة وعلى الخصوص المادة 64 من قانون التعمير التي تفرض أن تتم معاينة المخالفات إما من طرف مفوضي الجماعة أو المفوضين التابعين لإدارة التعمير والمكلفين بهذه المهمة؛
– تحرير محاضر للمخالفات وفق المادة 65 من قانون التعمير؛
– توجيه أمر للمخالف من طرف رئيس المجلس الجماعي بوقف الأعمال في الحال فيما يخص الأشغال التي لازالت في طور الانجاز؛
– توجيه أمر للمخالف لكي يتخذ التدابير اللازمة لإنهاء المخالفة داخل اجل لا يمكن أن يقل عن 15 يوما وألا يتجاوز 30 يوما فيما يتعلق بالمخالفات التي يعتبرها رئيس الجماعة غير خطيرة مع إخبار السيد وكيل الملك وموافاته بنسخة من الإعذار .
فإذا اتخذ المخالف التدابير بإنهاء المخالفة يقع التخلي عن المتابعة ويوجه إلى السيد وكيل الملك .
أما إذا انتهى الأجل ولم ينفذ المخالف التدابير بإنهاء المخالفة فتطبق مقتضيات المادة 68 من قانون التعمير بما في ذلك إصدار قرار بالهدم من طرف السلطة المحلية.
ثانيا : المجهودات المبذولة من طرف السلطة القضائية
بدوره تجند جهاز القضاء ليساهم في الحد من تفشي خرق قانون التعمير كما تم التنسيق مع السلطات المحلية وتم عقد اجتماعات تمحورت بالأساس حول :
– ضرورة استيفاء المحاضر لجميع الشكليات القانونية؛
– ضبط هوية المخالف ومقر سكنه؛
– مساهمة السلطة المحلية في تبليغ الاستدعاءات للمخالفين لحضور الجلسات.
كما تم تشكيل خلية مكلفة على مستوى المحكمة لتتبع القضايا المتعلقة بمخالفات التعمير و اتخاذ الإجراءات بخصوصها على سبيل الاستعجال.
والملاحظ على الأحكام الصادرة بخصوص هذه المخالفات في الشق المتعلق بالغرامة أنها بعد أن كانت تتراوح ما بين 500 درهم و 5000 درهم ارتفعت لتصل إلى ما بين 3000 و20000.
إلا أن سؤالا أساسيا يبقى مطروحا يتمحور بالأساس حول تنفيذ هذه الأحكام وخاصة في الشق المتعلق بالهدم، إذ أن زيارة ميدانية لمكان ارتكاب المخالفات تظهر وكأن لا شيء تم اتخاذه.
ولذلك يكون من المفيد أن نتطرق للإجراءات المتعلقة بالأمر بالهدم وذلك كما يلي :
1 – قرار الهدم المتخذ بموجب قرار إداري :
إذا كانت المادة 68 تنص على انه :” إذا كانت المخالفة تتمثل في القيام ببناء من غير إذن سابق يجب الحصول عليه قبل مباشرة ذلك أو في منطقة غير قابلة بموجب النظم المقررة لان يقام بها المبنى المشيد أو الموجود في طور التشييد أو كان البناء غير مطابق للإذن المسلم في شأنه من حيث عدم تقيده بالعلو المسموح به أو بالأحجام المأذون فيها أو بالمساحة المباح بناؤها أو بالضوابط المتعلقة بمتانة البناء واستقراره أو بالأحكام التي تحظر استخدام بعض المواد أو استعمال بعض الطرق في البناء أو بالغرض المخصص له البناء ، يجوز للعامل بطلب من رئيس مجلس الجماعة أو من تلقاء نفسه وبعد إيداع الشكوى المشار إليها في المادة 66 أعلاه ، أن يأمر بهدم جميع أو بعض البناء المخالف للضوابط المقررة.”
انطلاقا من مقتضيات هذه المادة يبدو واضحا أن الجهة المختصة في اتخاذ قرار الهدم هي العامل أو السلطة المحلية إما بطلب من رئيس مجلس الجماعة أو من تلقاء نفسه أو بطلب من رئيس المجلس الجماعي بعد إيداعه للشكوى المنصوص عليها في المادة 66 .
ومن تم فان قرار الهدم المتخذ من طرف رئيس المجلس الجماعي دون اتخاذه للإجراءات المشار إليها أعلاه يعتبر مخالفا لمبدأ المشروعية الإدارية ومعيبا بعيب الاختصاص وهو ما صرحت به محكمة الاستئناف الإدارية في قرارها 707 وتاريخ 10/10/2007.
النقطة الثانية : تتمثل في أن القانون يلزم العامل أو السلطة المحلية القائد أو الباشا ألا يتخذ قرار الهدم إلا إذا أحيلت الشكاية على السيد وكيل الملك المختص وفق مقتضيات المادة 68 ،وما يؤكد هذه القراءة هو المادة 70 التي تنص بوضوح على انه :” لا يحول هدم البناء دون إجراء المتابعة ولا يترتب عليه انقضاء المتابعة إذا كانت جارية .”
نعتقد أن اتخاذ قرار الهدم بعد تقديم الشكوى وبعد عرض النزاع على السلطة القضائية هو اعتداء على اختصاص السلطة القضائية .
ونرى انه كان من الأولى أن يغل المشرع يد السلطة الإدارية العامل أو الباشا أو القائد في اتخاذ قرار الهدم حول نفس المخالفة بمجرد أن تقدم الشكاية إلى السيد وكيل الملك المختص مع تحديد أجل كحد أقصى لإحالة محضر المخالفة على هيئة الحكم وتحديد أجل كحد أقصى لتصدر المحكمة حكمها في الموضوع .
ومن جهة أخرى وما دام أن قرار الهدم قرار إداري فانه يجب أن يكون محترما لمبدأ المشروعية الإدارية، وبطبيعة الحال فانه يبقى قابلا للطعن بالإلغاء أمام المحكمة الإدارية.
2 – الأمر بالهدم بموجب حكم قضائي
تنص المادة 77 من قانون التعمير على انه :” يجب على المحاكم المختصة في حالة عدم إقدام الإدارة على تطبيق أحكام المادتين 68 و69 أعلاه أن تأمر بهدم البناء أو تنفيذ الأشغال اللازمة ليصير العقار مطابقا للأنظمة المقررة وذلك على نفقة مرتكب المخالفة.
ويجب تنفيذ الأشغال التي تأمر بها المحاكم في اجل 30 يوما يبتدئ من تاريخ تبليغ الحكم النهائي وإذا لم تنفذ داخل هذا الأجل يجوز للسلطة المحلية أن تقوم بتنفيذها بعد مرور 48 ساعة على الإعذار الموجه لمرتكب المخالفة وباتخاذ جميع التدابير اللازمة لبلوغ هذه الغاية ويتحمل مرتكب المخالفة مصروفات الأشغال المأمور بتنفيذها وتبعاتها.”
إن من اكبر الإشكالات التي يطرحا الأمر بالهدم سواء المتخذ بموجب قرار إداري أو المتخذ بموجب حكم قضائي نهائي هو مسألة صعوبة تنفيذه .
وتتمثل هذه الصعوبة في :
– صعوبة صيرورة الحكم نهائيا ؛
– ارتباط مسألة الهدم بالنظام العام وبالجوانب الاجتماعية للمخالفين ؛
– انعدام التنفيذ التلقائي للأمر بالهدم إذ يتطلب التنفيذ من جديد تحريك مساطر قانونية أخرى كالتبليغ والحجز وغيرهما؛
بعد هذا العرض نعتقد بما لا يدع مجالا للشك أن معالجة قضايا المجال وقضايا التعمير بصفة خاصة أمر صعب ؛
– نعتقد أن معالجة قضايا التعمير يجب أن تتم باعتباره احد المقومات الأساسية لتحقيق التنمية ؛
– نعتقد أن للجانب الثقافي والمواطنة الصادقة دورا حاسما في الإسهام والرقي بمختلف قضايا إعداد التراب الوطني وتنظيمه .
نعم نؤكد بأن المقاربة الزجرية والإلزامية ضرورية ، لكن المهم أن ندعم ثقافة المواطنة الحقة لأن المواطنة الحقة تنمية .
[1] – أصل هذا المقال مداخلة تقدمنا بها في ندوة العقار والتدبير العمراني المنظمة يوم 24 مارس 2012 بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية جامعة الحسن الأول بسطات.