Site icon مجلة المنارة

تدبير الصفقات العمومية بالمغرب في ظل وباء كورونا

تدبير الصفقات العمومية بالمغرب في ظل وباء كورونا

صالح جافور المنصوري

طالب بسلك الدكتوراه

بجامعة محمد الخامس، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية السويسي.

ملخص:

تلعب الصفقات العمومية دورا مهما في عملية التنمية من خلال تنفيذ البرامج الحكومية والخطط والمشاريع التنموية، لذلك عمل المشرع على إحاطتها بمختلف الآليات والوسائل القانونية التي تحتاجها في عملية إنجازها وإبرامها وكذا المساطر التي تمر منها وذلك من أجل توفير كامل الضمانات أمام المتبارين والمتنافسين لنيل الصفقة خصوصا فيما يتعلق بمبدأ المساواة والنزاهة والشفافية، كما عمل المشرع على تفعيل بعض المقتضيات المتعلق بمواكبة التطورات التكنولوجيا والتحولات الاقتصادية والاجتماعية، خصوصا فيما يخص الحالات والظروف الاستثنائية كالكوارث الطبيعية أو الحروب أو انتشار الأوبئة. وهو ما ظهر من خلال وباء كورونا الذي أثر على العديد من الصفقات العمومية مما اعتبر ذلك يدخل ضمن حالة القوة القاهرة التي أقرها المشرع للتخفيف من أثار الجائحة.

كلمات مفتاح: صفقات عمومية، وباء كورونا، مرسوم 20 مارس 2013، حكامة جيدة.

Abstract

Public deals play an important role in the development process through the implementation of government programs, plans and development projects, so the legislator worked to inform them of the various mechanisms and legal means that they need in the process of completing and concluding them, as well as the procedures that pass through them in order to provide full guarantees in front of the competitors and competitors to obtain the deal, especially with regard to It is related to the principle of equality, integrity and transparency, and the legislator has worked on activating some requirements related to keeping pace with technological developments and economic and social transformations, especially with regard to exceptional cases and circumstances such as natural disasters, wars or the spread of epidemics. This was evident through the Corona epidemic that affected many public deals, which was considered to be part of the force majeure state approved by the legislator to mitigate the effects of the pandemic.

مقدمة:

    لا شك أن الصفقات العمومية باتت تحتل مكانة مهمة بالنسبة للإدارة وكذلك بالنسبة للشخص المتعاقد معها، فإن دورها أصبح أساسيا في تحقيق التنمية الاقتصادية و الاجتماعية مما جعلها  تشكل أداة مهمة فيما يتعلق بإنشاء المشاريع الكبرى وتحسين أداء المرافق العمومية كما أن لها أثر كبير على مناخ الأعمال إذ  نجدها تساهم بصفة فعالة في إنعاش و تحديث النسيج الاقتصادي الوطني و تعزيز الرصيد المعرفي والتقني للفاعلين الاقتصادي و ذلك من خلال اعتمادها المقاربة التشاركية في تدبير الطلبيات العمومية بإشراك المقاولات الخاصة لأنها تعد وحدات إنتاجية لتوفير الخدمات و القيام بأشغال أساسية تساعد على الرقي الاقتصادي و الاجتماعي و توفير البنيات التحتية اللازمة و الضرورية و تهيئ الظروف الملائمة لجلب الاستثمار الوطني و الأجنبي[1].

   تعد المناقصات العامة إحدى الدعائم الأساسية التي تسهم في تحديث الدولة، لأنها تعمل على تطوير المرافق العامة باعتبار هذه الأخيرة هي مناط التنمية، فالدولة ما هي إلا عبارة عن مجموعة من المرافق العامة، أو كما قيل إن الدولة جسم خلاياه المرافق العامة[2]. إنَّ الدَّولةَ والأجهزة التابعة لها في الوقت الذي يقع على عاتقها، الكثير من المهام الأساسية بغية تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وتوزيع الخدمات العامة بقصد إشباع الحاجات الضرورية للأفراد وازدهار المجتمع فهي في الوقت ذاته تسعى أيضاً إلى تأمين أفضل مستوى معيشي لأفرادها، هذه المهام والالتزامات لا تتحقق إلا عن طريق تحقيق مشاريع تنموية وخدمات اجتماعية يتم تحقيقها عن طريق الصفقات العامة.

إن ميزة الصفقات العمومية أنها وسيلة تحقق الالتقائية بين القطاع العام المتمثل في الدولة وباقي الأشخاص المعنوية العامة مع الأشخاص المعنوية الخاصة، إذ بات القطاع العام يتعاظم دوره كفاعل مركزي أساسي في تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية وبالتالي خلق فرص عمل تعمل على مواكبة تزايد الموارد البشرية والقوى العاملة ما يهدف إلى تخفيف الضغط على القطاع الخاص بعدما أبان عن محدوديته في استيعاب التحديات المعاصرة.

   لكن سيطرت الدولة على المجال الاقتصادي والاجتماعي وتدخلها المفرط في أوجه النشاط الاقتصادي وتوجيهه في اتجاهات لا تحقق النفع العام، أبانت عن أوجه متعددة من الخلل والقصور مع تدني المردودية والجودة بسبب ضعف الكفاءة الإنتاجية وغياب التنافسية عن المستويات المقبولة فضلا عن الروتين الإداري المعهود، بالإضافة إلى ضعف في الموارد المالية وزيادة النفقات الإدارية غير العادية التي أصبحت تثقل كاهل الخزينة العامة للدولة بأمور لا تحقق تطلعات المواطنين في مشاريع تنموية وبرامج تشغيلية ترفع من أداء الدولة المنوط بها والمفروض عليها أصلا. وبالتالي عجز الدولة وإدارتها عن تمويل مشروعات البنية التحتية. وكذلك فإن تزايد النمو السكاني أدى إلى زيادة متطلبات تقديم الخدمات العامة للمواطنين وإشباع حاجياتهم الرئيسة والضرورية، مما شكَّل عبئاً إضافياً على الخزينة العامة الأمر الذي قَلَّصَ من قدرة الدولة في الإنفاق على إقامة وتشغيل وإدارة المرافق العامة أو مشروعات البنية الأساسية ولاسيما أن هذه المشروعات والمرافق تحتاج لتكنولوجيا متطورة ذات تكاليف عالية يستلزم استيرادها من الخارج.

وتأسيسا على ما سبق، لجأت بعض الدول بتحرير اقتصادها وتنويع مصادره وأشراك فاعلين أخرين على رأسهم الفاعلين الخواص، من أجل النهوض بعبء إدارة بعض المرافق العامة واستغلالها وتسييرها بما يحق أعلى درجات المردودية؛ وذلك من خلال اللجوء لتقنية الصفقات العمومية أو التعاقد مع الخواص لما يمتلكونه من خبرة وكفاءة سواء على المستوى التقني أو البشري. لقد كانت هذه البدائل المتاحة أمام الدولة فعالة من خلال الشراكة بين القطاعين العام والخاص، كأن تعهد الدولة للقطاع الخاص بإقامة أحد مشروعات البنية الأساسية أو المرافق العامة، وإدارة واستثمار تلك المرافق التي تحتفظ الدولة بملكيتها وتتحكم بتنظيمها، وتبقى المرافق، مرافق عامة، تخضع لرقابة وإشراف الدولة، لأجل ذلك فإن الدولة سوف تحتاج إلى جملة من الآليات والأساليب الإدارية والقانونية للقيام بتلك المهام، بما يكفل عدم إهدار رأس المال الوطني المتمثل بوجود هذه المرافق كثروة وطنية لا يمكن التنازل عنها من جهة وإيجاد تقنية اقتصادية فعالة تسهم في عملية التنمية الوطنية الشاملة من جهة أخرى تمثلت في الصفقات العمومية من أجل معالجة أوجه الخلل والقصور ورفع الكفاءة الإنتاجية والإدارية لمرافقها العامة عن طريق الإدارة الخاصة للمرافق العامة الاقتصادية التي تؤدي إلى زيادة درجة المنافسة بين الوحدات الإنتاجية، وتقديم خدمات في مستوى حاجيات المواطنين.

و لقد أصبحت الصفقات العمومية تلعب دورا تنمويا عاما في شتى المجالات، فبعد أن كانت مجرد أسلوب تقني محايد و طريق قانونية مجردة تستخدمها الإدارة من أجل الحصول على حاجياتها، أصبحت أداة من أدوات السياسة العامة و هيئاتها لبلوغ أهدافها التنموية و تنفيذ برامجها الاقتصادية و الاجتماعية .

ولذلك، فإن أهمية الصفقات العمومية تكمن في تعدد أدوارها ووظائفها و اتساع مجالاتها فهي تساهم في خلق الرواج الاقتصادي و تشجيع المقاولات- خاصة منها الصغرى و المتوسطة- عن طريق إشراكها في الصفقات ولو  بالحد الأدنى[3]، كما أنه بفضل هذا النظام تستفيد الدولة من الخبرات و الكفاءات التي تتوفر عليها المقاولات المتنافسة سواء الوطنية منها أو الأجنبية و ذلك بغرض تحقيق الجودة -الكم و الكيف- والكفاءة في الخدمة المقدمة  و من تم بات نظام الصفقات العمومية آلية  لتحقيق التنمية المستدامة نظرا للتقاطع الذي يتجلى فيما هو مسطري و إداري مع ما هو اقتصادي و اجتماعي.

وإذا كان هذا هو الأمر والهدف من الصفقات العمومية في الأيام العادية فإن الأمر يتغير في الظروف الاستثنائية كما فرضتها جائحة كورونا التي ضربت بقوة مختلف دول العالم ولم يسلم من تبعاتها إلا القلة القليلة، حيث فرضت على السلطات العمومية في مختلف دول العالم تغيير سياستها وأسلوب تدبيرها لمواجهة هذه الأزمة غير المسبوقة في سرعة انتشارها وفي أثارها الوخيمة على الصحة والتعليم والاقتصاد… ولمجابهة هذه الوضعية سارعت الدول إلى اتخاذ تدابير مستعجلة للحد من آثارها والحيلولة دون انتشار الجائحة بين الناس.

مشكلة البحث:

إلى أي حد استطاع المشرع المغربي أن يواكب التطورات المستقبلية للصفقات العمومية؟ وما هي تأثيرات جائحة كورونا على الصفقات العمومية؟

خطة البحث:

المحور الأول: تطور تدبير الصفقات العمومية بالمغرب

المحور الثاني: تأثير وباء كورونا على الصفقات العمومية

المحور الأول: تطور تدبير الصفقات العمومية بالمغرب

من المعلوم أن نشاط الإدارة يتحقق بأدوات تسعى من خلالها قضاء الصالح العام، وأهمها القرارات الإدارية التي تتمتع بامتيازات السلطة العامة، وتليها العقود الإدارية التي تحتل مكانة استراتيجية في العمل الإداري، إذ التعبيرات المتداولة بين فقهاء القانون العام، والقانون الإداري خصوصا في مختلف مجالات الحياة الإدارية أو ما يصطلح عليه بـ”الإدارة المتعاقدة[4]، لاحتياج الإدارة ولجوئها إلى أسلوب العقد، كوسيلة لتنفيذ الخطة العامة للدولة، وجرى تعريف العقد الإداري بأنه:

ذلك الذي يبرمه شخص معنوي عام بقصد تسيير مرفق عام أو تنظيمه، وتظهر فيه نية الإدارة في الأخذ بأحكام القانون العام، وآية ذلك أن يتضمن العقد شروطاً استثنائية وغير مألوفة في القانون الخاص، أو أن يخول المتعاقد مع الإدارة الاشتراك مباشرة في تسيير المرفق العام”.[5] 

على أنه من المتفق عليه أنه يجوز إبرام عقود إدارية بين إحدى الجهات الإدارية والأفراد العادية دون أن تعتبر عقودا إدارية بل تبقى عقودا تخضع للقانون الخاص[6]، وتتميز العقود الإدارية كونها تجسيد لإرادة السلطة ذات السيادة والسلطان الملزمة للأفراد الوطنيين، دون الأخذ بمقومات العقد المدني[7]، خصوصا فيما يتعلق بتساوي الإرادات، فالعقود التي تبرمها الإدارة لضمان سير النظام العام، لا تقوم لها قائمة بمعزل عن أركان العقد المدني، الذي تنظمه مبادئ النظرية العامة للالتزام، المنحصرة في الرضا والسبب والمحل.

ولما كان العقد في القانون الخاص، يساوي بين الإرادات، دون تمييز بين الأطراف فإن العقد الإداري يقوم بين إرادتين متفاوتتين إحداهما ملزمة تحوزها الإدارة من خلال السلطة العامة والأخرى خاضعة بالمطلق بتسبيب ولأجل المصلحة العامة، مفاد ما سبق أن المصلحة العامة تبقى ذريعة الإدارة لفرض شروطها بصيغة الإلزام دون الامتثال لأركان العقد كما هي متعارف عليها.

ولقد ترتب على ذلك أن صار العقد الذي تبرمه الإدارة – وهي راعية الصالح العام والساعية لتحقيقه – بين طرفين متفاوتين من حيث قوة التفاوض التعاقدي، في خلاف تام لخصائص العقد المدني، وبهذا يقوم فارق هام وجوهري، بين عقود القانون الخاص، وعقود القانون العام.

فمن تجليات التضارب المومأ سلفا، نجد الإدارة تسير على غير مبدأ واحد، إذ أن كل تمظهرات العمل الإداري في شقه التعاقدي متسمة ومطبوعة دائما بالإذعان، ولا تلجأ الإدارة لقواعد القانون الخاص في تعاقداتها، إلا عندما تنزل منزلة الأفراد متخلية بذلك عن امتيازات السلطة العامة – بمحض إرادتها- أو في حالة تساوق مصلحتها مع هاته القواعد.

ومن هنا صارت العقود التي تبرمها الإدارة، دائرة بين نوعين من التعاقدات، نوع تتمسك فيه بامتيازاتها، مما يجعل إراداتها أعلى من إرادة المتعاقد معها، فيظهر العقد في شكل يخالف شكل عقود القانون الخاص، ومتضمناً شروطاً لا نظير لها في مجال العلاقات الخاصة، ويكون بديهيا أن يخضع هذا النوع من العقود، لنظام قانوني يختلف عن النظام القانوني للعقود في القانون الخاص، ويتمثل النوع الثاني، فيما تعقده الإدارة من عقود، متخلية عن سلطاتها وامتيازاتها، فتكون في موقع مساوٍ لموقع المتعاقد معها، وإرادتها مساوية لإرادته، ومن ثم يخضع العقد في كل منازعاته لقواعد القانون الخاص.

وقد شهد المغرب في سبيل تحديث منظومته القانونية مجموعة من الإصلاحات الجوهرية التي انصبت أساسا على تحديث الإدارة بما يتناسب مع وضع المغرب ومكانته الدولية، إذ همت هذه الإصلاحات مجال الصفقات العمومية باعتبارها مدخلا أساسيا في عملية التحديث والتنمية، من خلال تفعيل مسلسل من التطورات إلى غاية أن توج هذا المسلسل من الإصلاحات بمرسوم 20 مارس 2013.

لم يكن المغرب بمنأى عن التطور الحاصل في مختلف المجالات والتحديات التي بدأ يفرضها الواقع الجديد، وكذا استجابة للتطورات الحاصلة على المستوى الدولي، فكان لابد من الاهتمام بالمنظومة القانونية التي تحكم الصفقات العمومية وذلك تجاوبا لمتطلبات التنمية التي تمنحها تلك الصفقات. فكانت البداية مع اتفاقية الجزيرة الخضراء 17 أبريل 1906 التي حملت بعض الأفكار التي حول الصفقات العمومية[8]. وقد تطور الأمر بعد استقلال المغرب سنة 1956 حيث تم إدخال العديد من الإصلاحات على المنظومة القانونية التي كانت في عهد الحماية، خصوصا تبني أول دستور سنة 1962 الذي فتح المجال لصدور العديد من النصوص التنظيمية المتعلقة به وكذا مجموعة من التشريعات لعصرنة الدولة ومنها صدور مرسوم 1965 وهو أول قانون خاص بتنظيم صفقات الأشغال العمومية المبرمة لحساب الدولة، حيث جعل من المناقصة أسلوبا أساسيا في إبرام الصفقات العمومية، ثم صدر بعد ذلك المرسوم ”14 أكتوبر سنة 1976” المتعلق بصفقات الأشغال أو الأدوات أو الخدمات المبرمة لحساب الدولة[9] ، وقد كان هدف هذا المرسوم تدارك عيوب مرسوم 1965 الذي كان همه الثمن دون التركيز على الجودة، ليقوم هذا الأخير بجملة من التعديلات أهمها: توسيع مجال العمل بطريقة طلب العروض إلى جانب أسلوب المناقصة، مع إعطاء الإدارة إمكانية اللجوء إلى الاتفاق المباشر في اختيار صاحب الصفقة، لكنه هو الأخر عرف محدودية كبيرة كان من لوازمها التخلي عنه لصالح مرسوم 30 دجنبر سنة 1998 المتعلق بتحديد شروط وأشكال إبرام صفقات الدولة وكذا بعض المقتضيات المتعلقة بمراقبتها وتدبيرها[10]، مستجيبا لمطالب التحديث الإداري مركزا على عنصر الجودة في تنفيذ الصفقات العمومية ، ونص على مسطرة طلب العروض كقاعدة عامة ، وحذف مسطرة المناقصة من نظام الصفقات العمومية، وتم استبدال الاتفاق المباشر بطريقة المسطرة التفاوضية، فضلا على إدراجه المراقبة والتدقيق الداخلي[11].

وبعدها تم اعتماد مرسوم 5 فبراير 2007 من نفس السنة والذي يتعلق بتحديد شروط وأشكال إبرام صفقات الدولة وكذا بعض القواعد المتعلقة بتدبيرها ومراقبتها[12] وقد جاءت أسباب اعتماد هذا المرسوم متعددة تتضمن ما يلي[13]:

وفيما يتعلق بالأهداف المتوخاة من هذا المرسوم ، فإنها تتمحور حول المحاور الرئيسية التالية :

وتوج هذا المسار باعتماد مرسوم 20 مارس [14]2013، الذي يعتبر من اللبنات الأساسية في استكمال صرح المنظومة القانونية المغربية، لأن اعتماده وإعداده تم في إطار مقاربة تشاركية من خلال إشراك مختلف الفاعلين الوطنيين والشركاء الدوليين في إعداد مسودة المشروع، وبالإضافة كذلك إلى الملتقى الوطني المنظم خلال شهر أبريل من سنة 2009 من طرف الخزينة العامة للمملكة بمشاركة مختلف الفاعلين والشركاء والمهتمين، وبالإضافة إلى مختلف الدراسات والتقارير حول إشكاليات الصفقات العمومية والتي أصدرها المجلس الأعلى للحسابات والمجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي ومختلف هيئات المراقبة، فقد تم نشر مسودة المشروع خلال شهر فبراير من سنة 2010 بالبوابة الإلكترونية للأمانة العامة للحكومة، لبضعة أشهر، مكنت المواطنين والمهتمين والفاعلين في الحقل الاقتصادي من إبداء رأيهم في العديد من مقتضياته، والتي أخذت الحكومة بالكثير منها[15].

وجاء  هذا المرسوم بمجموعة من المستجدات في إطار سبعة محاور كالتالي[16]:

المحور الثاني: تأثير وباء كورونا على الصفقات العمومية

تشهد الدولة في الحياة الطبيعة نوع من الاستقرار، حيث تحتكم في تنظيم علاقاتها في الظروف العادية لجملة من القواعد الدستورية والنصوص القانونية، بغية السير العادي لمؤسساتها وإداراتها، لكن هذه الحياة الطبيعية للدولة لا يمكنها دائما الاستمرار في نفس الحالة العادية وإنما تتخللها بين الحين والآخر ظروف استثنائية كالحروب والثورات والكوارث الطبيعية والأوبئة وغيرها .وهذه الظروف الطارئة الغير متوقعة الحدوث إلا نادرا قد تشكل درجة كبيرة من الخطورة للدولة يهدد أمنها وسلامة مواطنيها. لذلك تحتاج السلطة التنفيذية باعتبارها المؤسسة المخول إليها دستوريا الحفاظ على الأمن العام وسلامة الأفراد لاختصاصات وصلاحيات استثنائية لمواجهة الحالة الطارئة غير المتوقعة[17].

وهكذا، في ظل التفشي السريع لجائحة كورونا على مستوى دول العالم كله، بادر المغرب باتخاذ مجموعة من الاجراءات والتدابير بشكل استباقي من أجل الحيلولة دون انتشار الوباء في كافة أرجاء البلد مما يصعب معه تلافي أثاره الكارثية على الصحة والاقتصاد…وبالتالي، نجد أن المشرع المغربي نظم حالة الطوارئ الصحية بموجب مرسوم بقانون[18] المتعلق بسن أحكام خاصة بحالة الطوارئ الصحية وإجراءات الإعلان عنها، وكذلك المرسوم المتعلق بإعلان حالة الطوارئ الصحية بسائر أرجاء التراب الوطني لمواجهة تفشي فيروس كورونا -كوفيد 19[19]، وكذلك مرسوم تمديد حالة الطوارئ الصحية[20].

وهذه المراسيم، تجد سندها الدستوري لمرسوم قانون حالة الطوارئ متوفر من خلال الفصلين 21[21] و24 من الدستور، لأن السلطات العمومية من المفروض عليها أن تقوم بواجب حماية سلامة المواطنين من خلال حماية صحتهم وممتلكاتهم وكذلك القيام بما هو ضروري لسلامة التراب الوطني، ومن حقها الحد من حرية التنقل كإجراء لمجابهة وباء الكوفيد 19.

وفيما يخص سند تدخل الدولة في اتخاذ كافة التدابير اللازمة من أجل استتباب الأمن وإعادة الاستقرار لمؤسسات الدولة، فإن الفصل 90 يمنح للسلطة الحكومية السلطة التنظيمية والإدارية لفرض الإجراءات الحمائية الاستثنائية، فضلا عن الفصل 81، الذي يخول الحكومة صلاحية إصدار مراسيم قوانين، باتفاق مع اللجان التي يعنيها الأمر في كلا المجلسين، إلى حين عرضها على البرلمان من اجل المصادقة النهائية عليها خصوصا وأن هذه الظرفية تزامنت مع وجود البرلمان في الفترة الفاصلة بين الدورتين.

   إذا كانت الصفقات العمومية تلعب دورا مهما في عملية التنمية من خلال تنزيل البرامج الحكومية والخطط والمشاريع التنموية، فقد عمل المشرع على إحاطتها بمختلف الآليات والوسائل القانونية التي تحتاجها في عملية إنجازها وإبرامها وكذا المساطر التي تمر منها وذلك من أجل توفير كامل الضمانات أمام المتبارين والمتنافسين لنيل الصفقة خصوصا فيما يتعلق بمبدأ المساواة والنزاهة والشفافية، كما عمل المشرع على تفعيل بعض المقتضيات المتعلق بمواكبة التطورات التكنولوجيا والتحولات الاقتصادية والاجتماعية، خصوصا فيما يخص الحالات والظروف الاستثنائية كالكوارث الطبيعية أو الحروب أو انتشار الأوبئة.

وفي هذا الصدد، تم تفعيل نظرية القوة القاهرة الواردة في الفصل 269 باعتبارها ” هي كل أمر لا يستطيع الإنسان أن يتوقعه، كالظواهر الطبيعية (الفيضانات والجفاف، والعواصف والحرائق والجراد) وغارات العدو وفعل السلطة، ويكون من شأنه أن يجعل تنفيذ الالتزام مستحيلا.

ولا يعتبر من قبيل القوة القاهرة الأمر الذي كان من الممكن دفعه، ما لم يقم المدين الدليل على أنه بذل كل العناية لدرئه عن نفسه.

وكذلك لا يعتبر من قبيل القوة القاهرة السبب الذي ينتج عن خطأ سابق للمدين[22]“.

  وكورونا تمثل قوة قاهرة خصوصا فيما يخص آجال تنفيذ الصفقات العمومية، لأن حالة الطوارئ الصحية وإجراءات الحجر الصحي المطبقة على الأفراد تعتبر من الإجراءات الخارجة عن إرادة المقاولات الحاصلة على الصفقات.

   لكن نظرية القوة القاهرة لا تنطبق عل كل صفقات العمومية، خصوصا صفقات الأشغال، لأنه يجب تقدير كل حالة على حدى، نظرا أن بعض المقاولين قد يتمكنوا من إنجاز الأعمال والأشغال المنوطة بهم، في حين أن بعض المقاولين الآخرين قد يتعذر عليهم إنجاز ذلك، إما لعدم توصله مثلا بالسلع، أو بعدم التحاق العمال نتيجة تدابير الحجر الصحي[23].

ويوضح مرسوم دفتر الشروط الإدارية للعمل لسنة 2016 في المادة 47 أنه ” في حالة وقوع حدث يشكل قوة قاهرة يحق للمقاول الحصول على تمديد معقول لأجل التنفيذ الذي يجب أن يكون موضوع عقد ملحق…يجب على المقاول الذي يتذرع بحالة قوة قاهرة أن يوجه بمجرد ظهور مثل هذه الحالة وخلال أجل أقصاه 7 أيام إلى صاحب المشروع تبليغا بواسطة رسالة مضمونة الوصول تتضمن وصفا للعناصر المؤلفة للقوة القاهرة وتبعاتها المحتملة على إنجاز الأشغال. وفي جميع الحالات، يجب على المقاول اتخاذ جميع التدابير الضرورية لضمان الاستئناف العادي وفي أقرب الآجال لتنفيذ التزاماته التي تضررت بسبب القوة القاهرة. وإذا لم يتمكن المقاول على إثر حالة القوة القاهرة من تنفيذ الأعمال كما هي مقررة في الصفقة لمدة 30 يوما، عليه أن يدرس مع صاحب المشروع في أقرب الآجال التبعات التعاقدية للحوادث المذكورة على سير تنفيذ الصفقة وآجالها والالتزامات التي تأثرت من حالة القوة القاهرة. يمكن فسخ الصفقة بمسعى من صاحب المشروع أو بطلب من المقاول إذا استمرت حالة القوة القاهرة لمدة 60 يوما على الأقل[24]“.

وهو ما تنبهت إليه وزارة الاقتصاد والمالية وإصلاح الإدارة من خلال إعلانها عن مجموعة من القرارات لفائدة المقاولات الحاصلة على الصفقات العمومية، في ظل حالة الطوارئ الصحية، حيث تتضمن هذه القرارات دعوة لأصحاب المشاريع التابعين لإدارات الدولة والجماعات الترابية والمؤسسات العمومية وباقي الهيئات الخاضعة للمراقبة المالية للدولة إلى الموافقة على طلبات المقاولات التي تثير القوة القاهرة، بسبب إجراءات حالة الطوارئ والحجر الصحي المتخذة من قبل السلطات العمومية، دون الأخذ بعين الاعتبار أجل سبعة أيام لتقديم طلباتها في الموضوع.كما عملت الوزارة أيضا، على تفعيل قرار بتمديد الآجال التعاقدية، بواسطة عقد ملحق، سواء بالنسبة إلى صفقات الأشغال أو التوريدات أو الخدمات، وذلك في حدود مدة الطوارئ الصحية[25].

ولاشك أن اعتماد الإدارة الإلكترونية خصوصا في مجال الصفقات العمومية، لها مميزات حاسمة في التخفيف من أثار وباء كورونا المستجد، فقد تبناها المشرع تحت مسمى نزع الصفة المادية عن المساطر في إبرام الصفقات العمومية، من خلال مرسوم 20 مارس 2013 الباب السابع منه، في المواد 147 و148 و149 و 150 و151، والتي تعتبر أول برنامج وطني يوحد جميع إدارات الدولة والجماعات الترابية والمؤسسات العمومية، حيث يتيح للمقاولات الحصول على معلومات شاملة عن الطلبيات التي تقدمها جميع الإدارات العمومية، وقد جاء إحداثها كنتيجة طبيعية لاستعمال تكنولوجيا المعلوميات والاتصال في ميدان الصفقات العمومية. لأن جائحة كورونا أثبتت أن نزع الصفة المادية عن الصفقات العمومية بات من الأولويات الأساسية لتجاوز تعقيدات المساطر الإدارية التي كرستها البيروقراطية في النظام المغربي، حيث يشكل نزع الصفة المادية عن الصفقات العمومية ما بعد جائحة كورونا تكريس قوي لمبادئ الحكامة الجيدة وضمان الشفافية والثقة ما بين الإدارة صاحبة المشروع والمتنافسين، وهو ما يمكن من اختزال الوقت وتسريع وتيرة التعاقد، وإتاحة جو صحي للمتنافسين لتقديم أحسن ما عندهم، وبالتالي، تساهم في تقريب إدارات الدولة والجماعات الترابية والمؤسسات العمومية من المتعاملين معها وربط الاتصال عن بعد دون تكبد عناء التنقل إلى مكان الحصول على المعلومة، وتمكن، كذلك، الاطلاع على النصوص التشريعية والتنظيمية والوثائق التطبيقية، كإعلانات طلبات العروض، ونتائج هذه الطلبات مما سيؤثر إيجابا على الصفقات العمومية من حيث الجودة والنجاعة والمردودية، فالإدارة العمومية ما بعد أزمة كورونا ينبغي أن تواكب تحديات العصر ومتغيراته المستجدة[26].

وختاما نقول، بأن تفشي جائحة كورونا دفع الحكومة المغربية إلى إعلان حالة الطوارئ الصحية بالمملكة واتخاذ تدابير مهمة لحماية السكان. في هذا السياق، قررت الحكومة على وجه الخصوص منع أي شخص من الانتقال خارج منزله، إلا في حالات الضرورة القصوى (على سبيل المثال لاقتناء المنتجات والسلع الأساسية ، للذهاب إلى في مكان عمله، مع مراعاة الإجراءات التي تقررها الجهات الإدارية المختصة). وهو ما أثر على تنفيذ الصفقات العمومية مما سيتضرر معها العديد من المقاولين والشركات.

وفي هذا الصدد، واعتبارًا من 31 مارس 2020، اتخذت وزارة الاقتصاد والمالية تدابير تتعلق بتنفيذ الصفقات العمومية أو سندات الطلب الجارية بتعميم المنشور رقم C9/20/DEPP إلى المؤسسات والمقاولات العمومية  بتاريخ 31 مارس 2020 الذي يسمح لهم بتأكيد حالات القوة القاهرة المنصوص عليها في دفتر الشروط الإدارية العامة السارية لمنح رواد الأعمال الذين يطلبونها فترة إضافية خلال فترة حالة الطوارئ الصحية التي أعلنت عنها السلطات العامة. كما ينص التعميم على أن السلطات المتعاقدة ستمضي قدما في وضع تعديلات تسمح بالتخفيف من أثار الجائحة.

وكذلك، جاء المنشور رقم 2 أبريل 2020 بتبسيط بعض الإجراءات المتعلقة بالصفقات العمومية للدولة والجماعات الترابية التي تسمح للإدارات الوزارية المعنية والجماعات الترابية،” على أساس كل حالة على حدة “، بتطبيق الأحكام المتعلقة بالقوة القاهرة الواردة في مواصفات دفتر الشروط الإدارية العامة المطبقة على صفقات الأشغال وصفقات الخدمات، وبالتالي منح المقاولين المعنيين زيادة معقولة في أوقات التنفيذ.


[1]    عبد القادر العيساوي، دور الصفقات العمومية في التنمية بحث لنيل شهادة الماستر،  جامعة سيدي محمد ابن عبد الله كلية الحقوق فاس، الموسم الجامعي 2014/2013 ص 11.

[2]  ينسب هذا القول إلى مدرسة المرفق العام بريادة العميد ديجي.

[3]  يونس واحلو، الصفقات العمومية و التنمية المحلية، رسالة لنيل شهادة الماستر كلية العلوم القانونية و الاقتصادية و الاجتماعية جامعة المولى إسماعيل  مكناس السنة الدراسية 2007 /2008  ص6.

[4] ثورية العيوني، رقابة القضاء على أعمال الإدارة، دار الجسور، وجدة، 2006، ص: 229.

[5]سليمان محمد الطماوي، الأسس العامة للعقود الإدارية، دراسة مقارنة، دار الفكر العربي، القاهرة،  الطبعة الثالثة، 1975، ص:  50.

[6] سمير صادق، العقد الإداري في مبادئ الإدارية العليا، الهيئة المصرية العامة للكتاب، 1991، ص: 6.

[7] مطيع علي حمود جبير، العقد الإداري يبن التشريع والقضاء في اليمن دراسة مقارنة، أطروحة لنيل شهادة الدكتوراه في القانون العام، نوقشت بجامعة اليمن، سنة 2010، ص: 1.

[8]  توفيق السعيد، الصفقات العمومية بالمغرب، مساطر الإبرام – التنفيذ – الرقابة، مطيعة الخليج العربي، تطوان المغرب، ط2، 2015، ص1

[9]  مرسوم رقم 2.76.479 بتاريخ 19 شوال 1396 (14 أكتوبر 1976)، بشأن صفقات الأشغال أو الأدوات أو الخدمات المبرمة لحساب الدولة، الجريدة الرسمية عدد 3339 بتاريخ 27/10/1976 الصفحة  3269

[10]  مرسوم رقم 2.98.482 صادر في 11 من رمضان 1419 (30 ديسمبر 1998) بتحديد شروط وأشكال إبرام صفقات الدولة وكذا بعض المقتضيات المتعلقة بمراقبتها وتدبيرها، الجريدة الرسمية عدد 4654 بتاريخ 07/01/1999 الصفحة 12

[11]  المادة 86، نفس المرجع السابق.

[12]  مرسوم رقم 388-06-2 صادر في 16 من محرم 1428 (5 فبراير 2007) بتحديد شروط وأشكال إبرام صفقات الدولة وكذا بعض القواعد المتعلقة بتدبيرها ومراقبتها، الجريدة الرسمية عدد 5518.

[13]  نفسه.

[14]  مرسوم رقم 2.12.349 صادر في 8 جمادى الأولى 1434 (20 مارس 2013) يتعلق بالصفقات العمومية، الجريدة الرسمية عدد 6140 الصادرة بتاريخ 23 جمادى الأولى 1434 ( 4 أبريل 2013).

[15] https://www.maghress.com/andaluspress/43092

[16]  حفيظ مخلول، مظاهر حدود مرسوم 2013 للصفقات العمومية،http://almadal2idaria.blogspot.com/2016/02/2013.html

[17]  محسن التوزاني، جائحة كرونا بالمغرب بين حالة الطوارئ وإلتزامات الدولة بالدستور في سن قوانينها، موقع أنفاس، الجمعة 1 مايو 2020

[18]  مرسوم بقانون رقم 292.20.2 صادر في 28 من رجب 1441( 23 مارس 2020 ) يتعلق بسن أحكام خاصة بحالة الطوارئ الصحية وإجراءات الإعلان عنها، الجريدة الرسمية عدد 6867 مكرر، 29 رجب 1441 الموافق ل 24 مارس 2020، ص1782

[19]  مرسوم رقم 293.20.2 صادر في 29 من رجب 1441( 24 مارس 2020 )بإعالن حالة الطوارئ الصحية بسائر أرجاء التراب الوطني لمواجهة تفشي فيروس كورونا – كوفيد 19، الجريدة الرسمية عدد 6867 مكرر، 29 رجب 1441 الموافق ل 24 مارس 2020، ص1783

[20]  مرسوم رقم 2.20.456 صادر في 17 من ذي القعدة 1441 (9 يوليو 2020) بتمديد مدة سريان مفعول حالة الطوارئ الصحية بسائر أرجاء التراب الوطني لمواجهة فيروس كورونا.

[21]  ظهير شريف رقم 1.11.91 صادر في 27 من شعبان 1432 (29 يوليو 2011) بتنفيذ نص الدستور،  الجريدة الرسمية عدد 5964 مكرر بتاريخ 28 شعبان 1432 (30 يوليو 2011)، ص 3600.

[22]  قانون الالتزامات والعقود، منشورات جمعية نشر المعلومة القانونية والقضائية، سلسلة النصوص القانونية، عدد 14، يناير 2009.

[23]  https://m.al3omk.com/537137.html

[24]  مرسوم رقم 2.14.394 الصادر في 6 شعبان 1437 (13 ماي 2016) بالمصادقة على دفتر الشروط الإدارية العامة المطبقة على صفقات الأشغال، الجريدة الرسمية عدد 6470، 26 شعبان 1437 (2 يونيو 2016)

[25] https://www.hespress.com/economie/467635.html

[26]  المحجوبي عبد الرحيم، إبرام الصفقات العمومية في ظل حالة الطوارئ الصحية بالمغرب، مجلة مسارات في الأبحاث والدراسات القانونية، عدد 11، 2020، ص235-236

Exit mobile version