تأملات في بعض جوانب التدبير الترابي لجائحة كورونا بالمغرب
جماعة سطات كنموذج
رشيد ملوكي
أستاذ باحث
كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بسطات
مقدمـة
لازمت العديد من المخاطر حياة الإنسان منذ عهد بعيد، ولعل الجوائح والأوبئة تبقى من أبرزها وأقساها، لما لها من تأثير على الفرد والمجتمع ككل. ويعد فيروس كورونا –كوفيد 19- واحدا من أصناف هذه الجوائح، لما شكل انتشاره من أزمة صحية دولية لم يشهدها العالم منذ عقود، فرضت على الدول اتخاذ إجراءات لمواجهة خطر داهم يهدد حياة وصحة الإنسان، فأضحت الحكومات تمارس اختصاصات ومهام استثنائية في إطار قانون الطوارئ.
أما بالنسبة للمغرب، فلم يخرج بدوره عن هذا السياق، حيث بادرت الحكومة إلى اتخاذ مجموعة من الإجراءات والتدابير الاستباقية([1]) من أجل محاصرة الفيروس وحماية صحة وحياة المواطنين. كما صاحب ذلك إصدار مقتضيات تشريعية وتنظيمية، لاسيما المرسوم بقانون رقم 292-20-2 المتعلق بسن أحكام خاصة بحالة الطوارئ الصحية وإجراءات الإعلان عنها([2])، والمرسوم رقم 293-20-2 بإعلان حالة الطوارئ الصحية بسائر أرجاء التراب الوطني لمواجهة تفشي فيروس كورونا كوفيد19([3]).
وإذا كانت للدولة مسؤوليتها في الحفاظ على صحة الأفراد داخل المجتمع، انطلاقا من الدور الذي تقوم به مركزيا وتصريفه عبر قنوات ممثليها على مستوى وحداتها الإدارية اللاممركزة، فهذا لا يعني أنها الوحيدة في هذا المجال، إذ مقابل ذلك، وفي نطاق اللامركزية، يُطرح التساؤل حول وظيفة الجماعات الترابية في مقاربة مجموع القضايا ذات الطابع المحلي، ومن ضمنها محاربة الجوائح والأوبئة، وحماية صحة الأفراد والمحافظة عليها.
إن إشكالية هذا الموضوع وقضيته الأساسية، تندرج ضمن سؤال: أي تدبير ترابي لتداعيات فيروس كورونا المستجد؟ وبصيغة أكثر وضوحا، كيف تعاملت الجماعات الترابية مع الأزمة الصحية الناتجة عن انتشار فيروس كورونا؟ ذلك ما سنحاول مقاربته انطلاقا من محورين، سنبسط من خلال الأول مختلف الأسس الدستورية والقانونية لشرعنة تدخل الفاعل الترابي في مجال حفظ الصحة ومحاربة الأوبئة والجوائح (الفقرة الأولى)، أما المحور الثاني، فسنخصصه لتقييم وظيفة الجماعات الترابية في نفس المجال وآفاق تعزيزها (الفقرة الثانية).
الفقرة الأولى: الدستور والقوانين التنظيمية : أي تأطير لدور الجماعات الترابية في المجال الصحي؟
يبرز دور التأطير القانوني عامة في كونه يضفي مشروعية تدخل الفاعلين في ممارسة المهام والوظائف. ولعل الموضوع الذي نقاربه ضمن هذه المساهمة يقتضي التطرق إلى الدستور والقوانين التنظيمية، كمقتضيات كفيلة بتفعيل تدخل الجماعات الترابية في مواجهة انتشار جائحة كورونا.
أولا: المقتضيات الدستورية وتأطير وظائف الجماعات الترابية
لا شك أن المتتبع لمسار تطور اللامركزية ببلادنا، سيدرك لا محالة حجم التحولات التي شهدتها مختلف أصناف الوحدات الترابية، على مستويات متعددة، منذ حصول المغرب على استقلاله إلى اليوم، وخاصة بالنسبة للمقتضيات والنصوص التي عكست هذا التحول، وهذا شيء طبيعي إذا أخذنا بعين الاعتبار واقع حركية المجتمع في كل مستوياته، السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية والثقافية. والدستور يعد بدوره مظهرا يعكس في جوهره ركنا حاسما ضمن معادلة التحول هذه، لعل أبرز ملامحه التعديل الأخير الذي تم نهاية شهر يوليوز من سنة 2011، وما احتواه من فصول ومقتضيات جعلت الجماعات الترابية تتبوأ المكانة اللائقة بها في مجال النهوض بواقع التنمية وتقوية أسس الديمقراطية الترابية، انطلاقا من كون “التنظيم الترابي للمملكة تنظيم لامركزي، يقوم على الجهوية المتقدمة”([4]).
فحسب الفصل 31 من الدستور، ” تعمل الدولة والمؤسسات العمومية والجماعات الترابية على تعبئة كل الوسائل المتاحة لتيسير أسباب استفادة المواطنات والمواطنين على قدم المساواة من الحق في:
– العلاج والعناية الصحية؛
– الحماية الاجتماعية والتغطية الصحية والتضامن التعاضدي أو المنظم من لدن الدولة؛
– الحصول على تعليم عصري ميسر الولوج وذي جودة؛
– التنشئة على التشبث بالهوية المغربية والثوابت الوطنية الراسخة؛
– التكوين المهني والاستفادة من التربية البدنية والفنية؛
– السكن اللائق؛
– الشغل والدعم من طرف المؤسسات العمومية في البحث عن منصب شغل أو في التشغيل الذاتي؛
– ولوج الوظائف العمومية حسب الاستحقاق؛
– الحصول على الماء والعيش في بيئة سليمة؛
– التنمية المستدامة.
كما أنه تم تخصيص باب مستقل([5]) بعنوان “الجهات والجماعات الترابية الأخرى”، متضمن لاثني عشر فصلا (الفصول من 135 إلى 146)، كلها تؤطر دور ووظيفة مختلف الوحدات الترابية في مجال تدبير قضايا مجالها الترابي، حيث تؤكد الفقرتان الأولى والثانية من الفصل 135 على كون “الجماعات الترابية للمملكة هي الجهات والعمالات والأقاليم والجماعات. الجماعات الترابية أشخاص اعتبارية، خاضعة للقانون العام، تسير شؤونها بكيفية ديمقراطية.”، ويضيف الفصل 136 أيضا كون التنظيم الجهوي والترابي يرتكز على مبادئ التدبير الحر، وعلى التعاون والتضامن، ويؤمن مشاركة السكان المعنيين في تدبير شؤونهم، والرفع من مساهمتهم في التنمية البشرية المندمجة والمستدامة.”، كما “تساهم هذه الجماعات الترابية في تفعيل السياسة العامة للدولة، وفي إعداد السياسات الترابية، من خلال ممثليها في مجلس المستشارين.”([6]) وعلى مستوى الاختصاصات، فقد أكدت مقتضيات الفصل 140 على أن “للجماعات الترابية، وبناء على مبدأ التفريع، اختصاصات ذاتية واختصاصات مشتركة مع الدولة واختصاصات منقولة إليها من هذه الأخيرة. تتوفر الجهات والجماعات الترابية الأخرى، في مجالات اختصاصاتها، وداخل دائرتها الترابية، على سلطة تنظيمية لممارسة صلاحياتها.”، ولأجرأة اختصاصاتها، تتوفر هذه الجماعات على موارد مالية ذاتية، وموارد مالية مرصودة من قبل الدولة([7]).
وانطلاقا من الفصل 145، ضمن فقرته الأولى، يمثل ولاة الجهات وعمال الأقاليم والعمالات، السلطة المركزية في الجماعات الترابية. ثم تضيف الفقرة الثانية على كون هؤلاء الولاة والعمال يساعدون رؤساء الجماعات الترابية، وخاصة رؤساء المجالس الجهوية، على تنفيذ المخططات والبرامج التنموية. وبالنسبة للفصل 146 فقد أحال، بموجب أحد أهم مقتضياته، على القوانين التنظيمية الكفيلة بتحديد الاختصاصات الذاتية لفائدة الجهات والجماعات الترابية الأخرى، والاختصاصات المشتركة بينها وبين الدولة والاختصاصات المنقولة إليها من قبل هذه الأخيرة. فمجموع أصناف هذه الاختصاصات إذن، والمحددة طبقا لمقتضيات القوانين التنظيمية الثلاثة، الصادرة بتاريخ 7 يوليوز 2015، تتضمن العديد من جوانب تدخل الجماعات الترابية، ضمن حدودها، في مجالات متعددة، إذ سنحاول أن نستقي من خلالها ما يرتبط بجانب المحافظة على الصحة العامة، وذلك بالنظر إلى ما تطرحه الأزمة الصحية التي اجتاحت العالم، حيث لا زالت تداعياتها ترخي بظلالها على الكثير من الجوانب السوسيو-اقتصادية وغيرها.
ثانيا- القوانين التنظيمية ومجال التدخل الصحي للجماعات الترابية
-القانون التنظيمي رقم 14-111 المتعلق بالجهات([8])
تشكل الجهة أحد مستويات التنظيم الترابي للمملكة باعتباره تنظيما لا مركزيا يقوم على الجهوية المتقدمة([9])،وهو التنظيم الإداري المرجعي لكل ما يتعلق بإعداد التراب والتنمية الاقتصادية والاجتماعية في الجهة. كما تم تكريس مبدأ التدبير الحر في تسيير مجلس الجهة، الذي يخول في حدود اختصاصاته، سلطة التداول بكيفية ديمقراطية، وسلطة تنفيذ مداولاته ومقرراته، طبقا لأحكام النصوص التشريعية والتنظيمية الجاري بها العمل. وطبقا لمقتضيات الفصل 140 من الدستور، والمادة السادسة من القانون التنظيمي للجهات، تمارس الجهة اختصاصات ذاتية، واختصاصات مشتركة بينها وبين الدولة، واختصاصات أخرى منقولة إليها من لدن هذه الأخيرة. ففيما يخص الاختصاصات الذاتية([10])، فالجهة تقوم بإعداد وتتبع تنفيذ برنامج التنمية الجهوية والتصميم الجهوي لإعداد التراب،فمن حيث التنمية الجهوية، فاختصاص الجهة يشمل:
- التنمية الاقتصادية؛
- التكوين المهني والتكوين المستمر والشغل؛
- التنمية القروية؛
- النقل والثقافة والبيئة؛
- التعاون الدولي؛
كما أن المادة 83 من نفس القانون التنظيمي تلزم مجلس الجهة، خلال مدة انتدابه، على وضع مخطط التنمية الجهوية، يحدد الأعمال التنموية المقرر برمجتها أو إنجازها بتراب الجهة، وكذا تشخيص حاجياتها وإمكانياتها، وتحديد أولوياتها وتقييم مواردها ونفقاتها التقديرية الخاصة بالسنوات الثلاث الأولى.
وفي مجال إعداد التراب، يجب على المجلس الجهوي أن يضع التصميم الجهوي لإعداد التراب، وفقا لتوجهات السياسة العامة لإعداد التراب على الصعيد الوطني، وذلك بهدف تحقيق التوافق بين الدولة والجهة حول تدابير تهيئة المجال وتأهيله، بما يسمح بتحديد توجهات واختيارات التنمية الجهوية.
أما فيما يخص الاختصاصات التي تشترك الجهة فيها مع الدولة، فتشمل العديد من المجالات أيضا، كالتنمية الاقتصادية، والتنمية القروية، والتنمية الاجتماعية، والبيئة، والثقافة والسياحة…([11]) وتمارس هذه الاختصاصات بشكل تعاقدي بين الدولة والجهات([12]).
وفيما يتعلق بالاختصاصات المنقولة من لدن الدولة إلى الجهات، فتحدد مجالاتها بناء على مبدأ التفريع، إذ تشمل قائمتها عددا من الميادين، كالتجهيزات والبنيات التحتية ذات المستوى الجهوي، والصناعة، والصحة، والتجارة، والتعليم، والثقافة، والرياضة، والطاقة والماء والبيئة…([13])، وكلها مجالات يُراعُ عند نقلها مبدآ التدرج والتمايز بين الجهات([14]).
-القانون التنظيمي رقم 14-112 المتعلق بالعمالات والأقاليم([15])
على غرار ما تتضمنه المادة الثالثة من القانون التنظيمي للجهات، فالمادة الثانية ضمن الأحكام العامة للقانون التنظيمي رقم 14-112 المتعلق بالعمالات والأقاليم، تؤكد على أن “العمالة أو الإقليم جماعة ترابية خاضعة للقانون العام، تتمتع بالشخصية الاعتبارية والاستقلال الإداري والمالي، وتشكل أحد مستويات التنظيم الترابي للمملكة.”، إذ تناط بهذه الجماعة الترابية مهام النهوض بالتنمية الاجتماعية، خاصة في الوسط القروي وكذا في المجالات الحضرية، وتعزيز النجاعة والتعاضد والتعاون بين الجماعات المتواجدة بترابها([16]).
وحيث “يرتكز تدبير العمالة أو الإقليم لشؤونها على مبدأ التدبير الحر الذي يخول بمقتضاه لكل عمالة أو إقليمفيحدود اختصاصاتها… سلطة التداول بكيفية ديمقراطية وسلطة تنفيذ مداولاتها ومقرراتها…”([17])،وبناء على مبدأ التفريع المشار إليه ضمن المادة الرابعة، تمارس العمالة أو الإقليم اختصاصات ذاتية، واختصاصات مشتركة بينها وبين الدولة، واختصاصات أخرى منقولة إليها من لدن هذه الأخيرة.
ففيما يخص الاختصاصات الذاتية، فالمادة 79 من نفس القانون ترسم للعمالات والأقاليم جملة من الميادين للتدخل، نذكر منها:
- الاهتمام بالنقل المدرسي في الوسط القروي؛
- إنجاز وصيانة المسالك القروية؛
- وضع وتنفيذ برامج للحد من الفقروالهشاشة؛
- تشخيص الحاجيات في مجالات الصحة والسكن والتعليم والوقاية وحفظ الصحة؛
- تشخيص الحاجيات في مجال الثقافة والرياضة.
كما تعمل العمالة أو الإقليم على تهييئ برنامجها التنموي، يحدد خلال ست سنوات الأعمال التنموية المقرر برمجتها أو إنجازها بتراب العمالة أو الإقليم، لتحقيق تنمية مندمجة ومستدامة.
وفي باب الاختصاصات المشتركة، فالعمالات والأقاليم تعمل مع الدولة في مجالات([18]):
- تأهيل العالم القروي في ميادين الصحة والتكوين والبنيات التحتية والتجهيزات؛
- تنمية المناطق الجبلية والواحات؛
- الإسهام في تزويد العالم القروي بالماء الصالح للشرب والكهرباء؛
- برنامج فك العزلة عن العالم القروي؛
- المساهمة في إنجاز وصيانة الطرق الإقليمية؛
- التأهيل الاجتماعي في الميادين التربوية والصحية والاجتماعية والرياضية؛
أما على مستوى الاختصاصات المنقولة، فقد أوجزتها المادة 89 في مجال التنمية الاجتماعية وإحداث وصيانة المنشآت المائية الصغيرة والمتوسطة خاصة بالوسط القروي.
-القانون التنظيمي رقم 14-113 المتعلق بالجماعات[19]
تشكل الجماعة بدورها أحد مستويات التنظيم الترابي للمملكة، وهي جماعة ترابية خاضعة للقانون العام، تتمتع بالشخصية الاعتبارية والاستقلال الإداري والمالي([20])، ويرتكز تدبير الجماعة لشؤونها على مبدأ التدبير الحر([21]) الذي يخول بمقتضاه لكل جماعة سلطة التداول بكيفية ديمقراطية، وسلطة تنفيذ مداولاتها ومقرراتها.
وبعامل قربها المجالي وحاجات المواطنات والمواطنين اليومية إلى خدماتها، فقد أسند المشرع إلى الجماعات مسؤولية تقديم خدمات القرب([22]). وتحقيقا لهذه الغاية، فقد تم منحها ضمن القسم الثالث، اختصاصات ذاتية، واختصاصات مشتركة مع الدولة، واختصاصات منقولة إليها من لدن هذه الأخيرة.
فمن حيث الاختصاصات الذاتية، فقد خصتها المواد من 78 إلى 86، مُؤطرة بثلاثة فصول كما يلي:
- وضع برنامج عمل الجماعة، الذي يحدد الأعمال التنموية المقرر إنجازها أو المساهمة فيها بتراب الجماعة خلال مدة ست سنوات، ويتضمن تشخيصا لحاجيات وإمكانيات الجماعة، وتحديدا لأولويتها، وتقييما لموادها ونفقاتها التقديرية الخاصة بالثلاث سنوات الأولى([23])؛
- إحداث وتدبير المرافق والتجهيزات العمومية الجماعية؛ وذلك وفق قائمة طويلة حددتها مقتضيات المادة 79، تتعلق بميادين الماء الصالح للشرب والكهرباء، والنقل العمومي الحضري، والإنارة العمومية، والتطهير السائل والصلب ومحطات معالجة المياه العادمة، وتنظيف الطرقات والساحات العمومية وجمع النفايات المنزلية والمشابهة لها، والسير والجولان وتشوير الطرق العمومية ووقوف العربات، وحفظ الصحة، ونقل المرضى والجرحى، ونقل الأموات والدفن، وإحداث وصيانة المقابر، والأسواق الجماعية، والمحطات الطرقية لنقل المسافرين…([24])؛
- مجال التعمير وإعداد التراب؛ حيث تختص الجماعة في الدراسة والمصادقة على ضوابط البناء الجماعية، وتنفيذ مقتضيات تصميم التهيئة ومخطط التنمية القروية، بخصوص فتح مناطق جديدة للتعمير…([25])؛
وفيما يتعلق بالاختصاصات المشتركة بين الجماعة والدولة، فتهم مجالات تنمية الاقتصاد المحلي وإنعاش الشغل، وتشجيع الاستثمارات الخاصة، من خلال إنجاز البنيات التحتية والتجهيزات وإقامة مناطق للأنشطة الاقتصادية وتحسين ظروف عمل المقاولات([26]).
أما على صعيد الاختصاصات الممكن نقلها من لدن الدولة إلى الجماعات، فتُحدد اعتمادا على مبدأ التفريع، حيث تشمل، بصيغة التخصيص، مجالين اثنين، أولهما، حماية وترميم المآثر التاريخية، والتراث الثقافي والحفاظ على المواقع الطبيعية، أما الثاني، فيهم إحداث وصيانة المنشآت والتجهيزات المائية الصغيرة والمتوسطة([27]).
إن التوصيف المتعلق بمجموع المهام والاختصاصات المنوطة بالجماعات الترابية، والتي حددتها مقتضيات القوانين التنظيمية الثلاث (14-111 و 14-112 و 14-113)، يقودنا إلى إدراك اتساع حجمها وتغطيتها للعديد من المجالات، الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، وهي مجالات لا شك أنها تعكس شمول الحاجيات والمتطلبات التي ترتبط بواقع الأفراد والجماعات في نطاق وحداتهم الترابية المختلفة. ولئن كانت الأزمة الصحية التي تمر منها اليوم جميع دول العالم؛ وحتى لا ننسى تداعياتها مستقبلا، قد أعادت طرح العديد من الاستفهامات حول أدوار ووظائف الدولة وباقي الفاعلين الآخرين، في سياق محاصرة زحف جائحة كورونا –كوفيد 19-، والمحافظة على الصحة العامة، فإن ما سجلناه على مستوى التوصيف القانوني السالف، أمرين اثنين هما:
-عدم تخصيص الحيز الكافي لمجال التدخل الترابي للجماعات الترابية لقضايا المحافظة على الصحة العامة؛ وذلك بالنظر إلى المكانة التي أصبحت لهذه الجماعات ضمن ورش الإصلاحات التي تعيشها بلادنا منذ ما يقارب العشر سنوات؛
– عدم الوضوح بما يكفي لاختصاصات الجماعات الترابية عامة، وليس فقط فيما يخص المحافظة على الصحة العامة.
وإذا كانت مقاربتنا لدور الجماعات الترابية في المجال الصحي قد ارتكزت على مقتضيات القوانين الثلاث، فلا شك أن هناك جانب يكتسي أهميته ضمن هذه الترسانة أيضا، ويتعلق الأمر بمجال الشرطة الإدارية، باعتبارها الوسيلة القانونية التي تبيح للإدارة التدخل للحفاظ على النظام العام بمدلولاته الثلاثة؛ الأمن العام، والسكينة العامة والصحة العامة.
– الشرطة الإدارية الترابية وقضايا الصحة العامة
تعد الشرطة الإدارية بمثابة “سلطة عامة تكون الغاية منها هي حماية النظام العام، الذي يُعرف بشكل أوسع بأنه مجموع ما يمس الأمن والسكينة والصحة العامة… وتعتبر سلطة عامة، سواء فيما يتعلق بالأهداف التي ترمي إلى تحقيقها أو فيما يتعلق بالنشاطات التي يمكن تنظيمها.”([28])؛
فبناء على هذا التعريف، نذهب مع بعض الفقه([29]) إلى تميز هذه الشرطة بسمات أهمها:
- ضرورة الشرطة الإدارية لوجود المجتمع، فبانعدامها يختل الأخير ويعم الاضطراب والفوضى؛
- السبق التاريخي لها على القوانين، فليس هناك ما يمنع تدخل الجهات المعنية بالحفاظ على النظام العام، حتى في غياب التشريع؛
- صلاحيات الشرطة الإدارية عامة وغير محددة بشكل دقيق، سواء في الأهداف أو النشاطات. كما يجب أن نذكر أن عمل الشرطة الإدارية هو عمل وقائي، بما يقتضيه من السلطات العمومية لتفادي وقوع ما من شأنه الإخلال بالنظام العام.
واستنادا إلى مقتضيات الدستور، ينص الفصل 90 على أنه “يمارس رئيس الحكومة السلطة التنظيمية، ويمكن أن يفوض بعض سلطه إلى الوزراء”، مما يفيد أن ممارسة الشرطة الإدارية على الصعيد الوطني منوطة برئيس الحكومة، وذلك بواسطة مراسيم وقرارات تنظيمية وفردية.
فكما أن الأمر يخص ممارسة رئيس الحكومة للشرطة الإدارية وطنيا، فإن ممارسة هذه الأخيرة على المستوى الترابي، يعود الاختصاص فيها إلى الأجهزة المنتخبة، كما للسلطة المحلية كذلك.
فبالرجوع إلى مقتضيات القانون التنظيمي للجماعات(14-113)، نلمس توفر رؤساء المجالس على جانب من الاختصاصات في ممارسة الشرطة الإدارية، في ميادين الوقاية الصحية والنظافة والسكينة العمومية وسلامة المرور، عن طريق اتخاذ قرارات تنظيمية أو بواسطة تدابير شرطة فردية، تتمثل في الإذن أو الأمر أو المنع([30]). ويعد المجال الصحي هاما ضمن مجموع التدابير التي تناط برئيس المجلس الجماعي، ومن أهمها:
- السهر على احترام شروط نظافة المساكن والطرق وتطهير قنوات الصرف الصحي وزجر إيداع النفايات بالوسط السكني والتخلص منها؛
- السهر على احترام الضوابط المتعلقة بسلامة ونظافة المحلات المفتوحة للعموم، خاصة المطاعم والمقاهي وقاعات الألعاب والمشاهد والمسارح وأماكن السباحة، وكل الأماكن الأخرى المفتوحة للعموم، وتحديد مواقيت فتحها وإغلاقها؛
- اتخاذ التدابير الرامية إلى ضمان سلامة المرور في الطرق العمومية وتنظيفها وإنارتها، ورفع معرقلات السير عنها، وإتلاف البنايات الآيلة للسقوط أو الخراب، ومنع الناس من أن يعرضوا في النوافذ أو في الأقسام الأخرى من الصروح أو من يلقوا في الطرق العمومية أيا كان من الأشياء التي من شأن سقوطها أو رميها أن يشكل خطرا على المارة أو يسبب رائحة مضرة بالصحة؛
- تنظيم السير والجولان والوقوف بالطرق العمومية والمحافظة على سلامة المرور بها؛
- المساهمة في مراقبة جودة المواد الغذائية والمشروبات والتوابل المعروضة للبيع أو للاستهلاك العمومي؛
- ممارسة شرطة الجنائز والمقابر واتخاد الإجراءات اللازمة المستعجلة لدفن الأشخاص المتوفين بالشكل اللائق، وتنظيم المرفق العمومي لنقل الأموات ومراقبة عملية الدفن واستخراج الجثث من القبور طبقا للكيفيات المقررة في القوانين والأنظمة الجاري بها العمل؛
- تنظيم الأنشطة التجارية والحرفية والصناعية غير المنظمة التي من شأنها أن تمس بالوقاية الصحية والنظافة وسلامة المرور والسكينة العمومية أو تضر بالبيئة والمساهمة في مراقبتها؛
- السهر على نظافة مجاري المياه و الماء الصالح للشرب وضمان حماية ومراقبة نقط الماء المخصصة للاستهلاك العمومي ومياه السباحة؛
- اتخاذ التدابير اللازمة لتجنب أو مكافحة انتشار الأمراض الوبائية أو الخطيرة، وذلك طبقا للقوانين والأنظمة المعمول بها…([31]).
وفي مقابل هذه الصلاحيات المنوطة برئيس المجلس الجماعي، فالسلطة المحلية تتوفر أيضا على جانب محدد للتدخل في مجال الشرطة الإدارية، وهو ما تتضمنه المادة 110 من القانون التنظيمي للجماعات، حيث تنص على اختصاص السلطة المحلية في مجال المحافظة على النظام والأمن العمومي بتراب الجماعة([32])، وغيره من المجالات الأخرى، مثل مراقبة احتلال الملك العمومي الجماعي، والمهن الحرة ورخص الثقة لسائقي سيارات الأجرة، وتأسيس الجمعيات والتجمعات العمومية والصحافة، وشرطة الصيد البري وجوازات السفر ومراقبة الأثمان…إلخ.
إن ما يمكن أن نستشفه، من خلال مقتضيات المادة 110 المشار إليها، هو أن تحديد مجالات اختصاص السلطة المحلية، لا يعني تقليص هامش تدخلها، بل وظيفة هذا الجهاز على مستوى الشرطة الإدارية قد يشكل في الكثير من الأحيان القاعدة، في حين يبقى تدخل الأجهزة المنتخبة هو الاستثناء([33])، وهذا يعود في جانب كبير منه إلى ما يميز عبارة “النظام العام” من عمومية سنرجع إلى توضيحها ضمن محور لاحق.
الفقرة الثانية: واقع تدخل الجماعات الترابية في سياق أزمة كورونا –كوفيد 19-
لا شك في كون الأزمة الصحية التي شهدها العالم، والمتعلقة بانتشار فيروس كورونا، قد شكلت في حد ذاتها صعقة كهربائية أيقظت جميع البلدان لإعادة النظر في العديد من مرجعياتها وأولوياتها في جميع الميادين، كما أنها بالمقابل وضعت كل الفاعلين، بما فيهم الدولة، أمام امتحان عسير، يستلزم استحضار العدة التدبيرية اللازمة والناجعة لمواجهة هذه الجائحة، ليس فقط من حيث جوانبها الرقمية، بل تداعياتها السوسيو-اقتصادية بالأساس.
وبالنظر إلى الدور المحوري المنوط بالجماعات الترابية على مستوى تدخلها الترابي في العديد من المجالات، فإن مسألة تصديها لجائحة كورونا، قد أماط اللثام عن واقع تدبير القضايا الترابية، ومن ضمنها الصحة العامة.
أولا: تدابير التدخل الترابي لمواجهة جائحة كورونا-نموذج جماعة سطات-
تعد جماعة سطات واحدة من الجماعات الترابية التابعة لجهة الدار البيضاء-سطات، وهي الحاضرة الأولى والقلب النابض لإقليم سطات، والتي بدورها انخرطت في سياق مواجهة انتشار فيروس كورونا، كخطر داهم سرعان ما أضحى يهدد السلامة الصحية للمواطنات والمواطنين في مجموع تراب المملكة.
واستحضارا للتوجهات الملكية([34])، في اتجاه خدمة المواطن والاهتمام بسلامته وأمنه، اتخذت جماعة سطات مجموعة من الإجراءات والتدابير الترابية، منذ إعلان السلطات الصحية ببلادنا، يوم ثاني مارس 2020، عن إصابة أول حالة بفيروس كورونا المستجد؛ ويوم العاشر من نفس الشهر عن ارتفاع الإصابات إلى ثلاث وتسجيل أول حالة وفاة.
واستنادا إلى تقرير أعدته مصالح جماعة سطات([35])، يرصد مختلف العمليات والإجراءات التي اتخذتها الجماعة لمحاربة انتشار جائحة كورونا، سنعمل على بسط وتفييئ كل ما يدخل في نطاق موضوعنا، والمتعلق بالاختصاصات العامة المنوطة بالجماعات الترابية، وما له ارتباط أيضا بمجال الشرطة الإدارية المخول لرئيس المجلس الجماعي، وذلك وفق المستويات التالية:
- على المستوى الإداري:
كمرحلة أولى لمواجهة ما يمكن أن يُحتمل من انتشار فيروس كورونا، اتخذت جماعة سطات، ضمن نطاقها الترابي، العديد من الإجراءات ذات الطبيعة الإدارية، من شأنها إعادة ترتيب نمط تقديم الخدمات الإدارية، سواء بمقر الجماعة أو بالملحقات التابعة لها، وذلك من خلال ما يلي:
- تقييد حركة المرتفقين داخل مقر الجماعة، تفاديا للازدحام من خلال احترام التباعد الاجتماعي، مع منع ولوج غير المرتفقين إليها؛
- إلغاء الاجتماعات المبرمجة، والإبقاء فقط على تلك التي لها ارتباط بتدبير الأزمة ومخاطر احتمال انتشار الفيروس؛
- مغادرة مقر العمل بالنسبة لعدد من الموظفين، مع الالتزام بأداء المهام من داخل منازلهم، خاصة العاملين بالأقسام والمصالح التي بإمكانها تدبير وظائفها الإدارية عن بعد، مع ضرورة الحفاظ على مبدأ استمرارية خدمات المرفق العمومي، من خلال الحضور الفعلي لموظف أو اثنين على أبعد تقدير؛
- تأجيل الإجراءات التي ليس لها أي تأثير مالي على ميزانية الجماعة، أو التي ليس لها ارتباط بالآجال أو بأداء المرتفقين للغرامات والجزاءات؛
- تأجيل عمليات تسجيل الولادات والوفيات ضمن مصلحة الحالة المدنية…
-على مستوى الإعلام والتواصل:
كما هو الحال بالنسبة للتدابير ذات الطبيعة الإدارية، اتخذت جماعة سطات عددا من الإجراءات على صعيد الإعلام والتواصل، بقصد المزيد من التوعية والتحسيس بمخاطر انتشار فيروس كورونا والأساليب الوقائية لمواجهته، وذلك وفقا لما يلي:
– توزيع منشورات تحسيسية بفضاء مقر الجماعة وباقي ملحقاتها، متضمنة لإرشادات ونصائح مسداة من السلطات الطبية المسؤولة؛ وذلك في تنسيق مع عدد من فعاليات المجتمع المدني؛
– إعداد خطة شاملة للتوعية والتحسيس لمواجهة كل احتمال لانتشار الفيروس، استهدفت موظفي وأعوان الجماعة (الشباك الوحيد، مكتب حفظ الصحة، سوق الجملة، المجازر، المحجز الجماعي…)؛
– تخصيص سيارات مجهزة بمكبرات الصوت، تجوب شوارع وأزقة بعض الأحياء لتوعية ساكنتها بمخاطر فيروس كورونا، والتعريف بمختلف التدابير التي اتخذتها السلطات العمومية في مجال الحفاظ على الصحة العامة…
–على الصعيد المالي ورصد الاعتمادات:
خصص المجلس الجماعي لسطات غلافا ماليا قُدر بمبلغ 400.000,00 درهما، بهدف تدعيم الجهود الرامية إلى محاربة تداعيات تفشي فيروس كورونا، وقد تم تقسيم هذا الاعتماد إلى جزأين، الأول تم تخصيصه لاقتناء المواد الغذائية، وذلك استجابة للحاجيات الأساسية والمستعجلة للأسر المعوزة والفقيرة من ساكنة المدينة، من خلال توفير 1000 قفة غذائية بقيمة 200.000,00 درهما، تحت إشراف السلطة المحلية. أما الجزء الثاني من الاعتماد المالي، فقد خصص في المقابل لاقتناء معدات ومواد التعقيم والنظافة، مساهمة في الجهود المبذولة من طرف اللجنة الإقليمية للتنسيق واليقظة والسلطات المحلية، تم تخصيص اعتماد مالي له حدد في 200.000,00 درهما.
– على مستوى المرافق والتجهيزات العمومية (عمليات التعقيم لمجموعة من المرافق والمؤسسات:([36])
شملت هذه العملية مجموعة من المرافق التي تعرف حركة مستمرة للمواطنين، ويتعلق الأمر بالإدارات العمومية([37]) ووسائل النقل (سيارات الأجرة الصغيرة والكبيرة) والأسواق، حيث تم تخصيص فرق خاصة بهذه العملية تم تزويدها بمعدات متخصصة([38]). كما استهدفت هذه العملية أحياء المدينة وأزقتها وشوارعها، ولا سيما الأحياء الشعبية التي تشهد كثافة سكانية مرتفعة، زيادة على ذلك، بلور المجلس الجماعي لمدينة سطات برنامجا يعكس مرحلة جديدة للتعقيم، من خلال اعتماده على شاحنات كبرى بحمولة 13 طنا، بعد تجهيزها بمعدات ولوازم التعقيم، حيث باشرت عملها خلال الفترة المسائية من كل يوم، في الأحياء والشوارع، خاصة بعد غبان فترة الطوارئ الصحية التي تصل ذروتها عند السادسة مساء.
– تدابير ممارسة الشرطة الإدارية:
في إطار الاختصاصات المخولة لرئيس المجلس الجماعي في مجال الشرطة الإدارية، والمحددة وفقا لمقتضيات المادة 100 من القانون التنظيمي رقم 14-113، نورد ما يلي:
– إصدار رئيس المجلس الجماعي لسطات قرار ا يقضي “بتوقف انعقاد السوق الأسبوعي ليومي السبت والأحد، ومحطات وقوف السيارات والدراجات التابعة له، المستغل من طرف شركة أسواق الخير، ابتداء من يوم الجمعة 20 مارس 2020″([39])، وذلك إلى حين رفع حالة الحجر الصحي عن البلاد. فهذا المنع جاء في إطار التدابير الاحترازية اللازمة لمواجهة انتشار فيروس كورونا، بالموازاة مع إجراءات بديلة جرى اتخاذها لتمكين المواطنين من احتياجاتهم الأساسية، من خلال تكثيف الجهود لتزويد الأسواق النموذجية بالخضر والفواكه وفق خطة عمل استهدفت الحرص على استمرارية المهام الوظيفية لسوق الجملة لبيع الخضر والفواكه وكذا المجزرة الجماعية. وبتنسيق مع السلطات المحلية، فقد تم إجلاء الأماكن التي تعرف تجمعات تجارية لبعض الباعة المتجولين، بغرض الحد من التقراب الاجتماعي([40]).
– إحداث لجنة مختلطة لمراقبة الأسعار ومضاربة التجار: شملت هذه اللجنة رجال السلطة، وممثلين عن المصلحة الاقتصادية بعمالة سطات، وبعض ممثلي هيأة التجار، تستهدف من خلال عملها مراقبة أسعار، وجودة وظروف بيع المنتجات الغذائية بالمدينة، والوقوف على مدى الالتزام بالإجراءات المتخذة من قبل اللجنة الإقليمية لليقظة([41])، وذلك حفاظا على سلامة وصحة المواطنين.
– إلغاء التظاهرات الرياضية، والثقافية، والاجتماعية والمهرجانات، وذلك تنفيذا للقرارات الحكومية ذات الصبغة الاستعجالية لمواجهة الوضع الاستثنائي المتعلق بخطر تفشي جائحة كورونا، مما جعل جماعة سطات تنخرط ضمن هذا السياق، حيث قامت بتعليق كل التظاهرات المشار إليها، والتي كانت مبرمجة خلال هذه الفترة، وذلك بتنسيق مع السلطات المحلية والإقليمية، ومن ضمنها إلغاء المعرض الوطني للصناعة التقليدية، والسباق على الطريق…
إن مجموع هذه التدابير والإجراءات، لا شك أنها تعكس الاستجابة لعاملين اثنين، أولهما موضوعي يستمد وجوده من سياق الأزمة الصحية التي اجتاحت، ليس فقط المغرب، بل جميع دول العالم، والمتمثلة أساسا في انتشار فيروس كورونا، أما العامل الثاني فهو ذو طبيعة معيارية، يجد أساسه في النص القانوني الذي يضفي على الجماعات الترابية عامة، والجماعات على وجه التحديد، مشروعية تدخلها الترابي انطلاقا من المهام والاختصاصات المنصوص عليها ضمن مقتضيات القوانين التنظيمية لهذه الجماعات، والتي عملنا على تقديمها ضمن هذه المساهمة، وهي ترمي بنا في اتجاه زاوية القراءة، والتمحيص والتساؤل عن تجلياتها وأجرأتها على مستوى الواقع، فإلى أي حد استطاعت هذه الجماعات الترابية أن تعكس بتدخلاتها الأدوار الحقيقة المنوطة بها؟
ثانيا: وظيفة الجماعات في مجال الصحة العامة بين المحدودية وأفق تعزيز التدخل الترابي
لقد حاولنا، ولو بإيجاز، خلال الفقرة الأولى، أن ننتقي بعض العناصر المشكلة لأسس ومرجعيات تدخل الجماعات الترابية في مجال حفظ الصحة العامة وسلامة الأفراد، وخاصة في ظروف انتشار الجوائح والأوبئة، وهي مرجعيات تستقي وجودها، كما رأينا، مما جاء به التعديل الدستوري الأخير (2011)، ومقتضيات القوانين التنظيمية الثلاث، حيث تبرز طبيعة الأدوار التي تؤديها هذه الجماعات، والتي تكتسي شرعيتها بالنظر إلى واقع تنزيلها العملي.
وإذا كان التنظيم الترابي ببلادنا قد قطع أشواطا هامة في سبيل تعزيز النظام اللامركزي، فإن الواقع يعكس مشكل استمرارية البعد عن الأهداف المنتظرة والطموحات المرجوة، ذلك أن تراكمات عمليات إصلاح ترابية متتالية، امتدت أزيد من خمسين سنة، تُبرز أن هذه التجربة لا زالت تشهد العديد من الإكراهات والنقائص، تضع حدودا أمام مسارها الإيجابي. غير أن تناول هذه الحدود، لا يمكن أن يكون هدفا في حد ذاته، بل نعتبره محطة تمكننا من تشخيص بعض مشاكل الجماعات الترابية في مجال مواجهة المخاطر الصحية أولا، من أجل رصدبعض معالم التصور وإيجاد ما يمكن من الحلول ثانيا.
1- محدودية التدخل الترابي في مواجهة المخاطر الصحية
تستقي، حسب تصورنا، هذه المحدودية وجودها، ليس من زاوية واحدة، بل انطلاقا من تكاثف العديد من العوامل التي لا زالت تشكل حجر عثرة حيال قيام الجماعات الترابية بدورها الحقيقي المنوط بها لمقاربة قضاياها الترابية، ومن ضمنها مواجهة الأوضاع الطارئة الناتجة عن انتشار الجوائح والأوبئة، كما هو الحال بالنسبة لفيروس كورونا الذي داهم جميع بقاع العالم. ومن ضمن هذه العوامل نذكر الآتي:
– تفوق مبدأ المركزية على اللامركزية:
إن أبرز العوامل التي أبانت عن جزء من محدودية الجماعات الترابية في مواجهة انتشار هذا الفيروس، تتمثل فيما هو سياسي (هيكلي) مستمد من الأسس التي تقوم عليها عملية ممارسة الحكم وتدبير الشأن الترابي، انطلاقا من واقع التفاعلات الحاصلة فيما بين “المركزية” و”اللامركزية”، سرعان ما يولد هذا الواقع العديد من الحدود التي تعجز معها الجماعات الترابية القيام بوظائفها. ففي اعتقادنا، هناك حدود بارزة تكمن في كيفية تعامل السلطة المركزية مع منظومة اللامركزية، حيث واقع الممارسة يؤكد هيمنة السلطة المركزية، أو بالأحرى ممثليها الترابيين.
فاليوم، وانطلاقا مما لاحظناه على صعيد الفعل التدبيري الممارس لمواجهة فيروس كورونا([42])، يؤكد هذا المنطق الحضور الفعلي والبارز لممثلي السلطة المركزية في التصدي لهذه الجائحة، في مقابل ما تركته الجماعات الترابية من بياضات عكست محدودية الصلاحيات الموكولة إليها في هذا المجال، على الرغم من الاعتراف بوجود شؤون وقضايا محلية، وما يوازيه من اعتراف نصي للجماعات الترابية من استقلالية([43]).
إن استيعاب جوهر هذه المفارقة، يُوجب وضعها ضمن إطار تعامل السلطة المركزية مع فكرة اللامركزية، وذلك انطلاقا من كون الأولى تَعتبر الوحدات الترابية اللامركزية قنوات يتم من خلالها نقل القرارات المتخذة مركزيا، وأداة لتعبئة الساكنة تيسيرا لتنفيذ هذه القرارات([44])، حيث يبقى الإطار الترابي المحلي خاصا بالدولة ومحفوظا لها تنشر ضمنه سلطتها، ومجالا للتنظيم والاندماج الاجتماعي والسياسي([45])، فهو يبقى في نهاية المطاف مجالا لإبراز حاجة المواطن الدائمة للسلطة المركزية.
– ضعف وعدم دقة الاختصاصات الترابية في المجال الصحي:
إذا كانت القوانين التنظيمية قد وضعت لائحة لمجالات تدخل الجماعات الترابية، فإن قراءة تحليلية للنصوص، تثير ملاحظتين أساسيتين، الأولى تتعلق بما يشوب المقتضيات الخاصة بهذه الاختصاصات، سواء الذاتية منها أو المشتركة أو المنقولة إليها من قبل الدولة، من شُح على مستوى ورود المجال الصحي ضمنها، أما الملاحظة الثانية، فتخص عدم التحديد القانوني الدقيق لهذه المهام، بل ما نلمسه هو غموض النص وعموميته، مما يفضي إلى بروز إشكاليتين على مستوى تحديد تدخلات الجماعات على هذا المستوى، تكمن الأولى في غياب التوزيع الدقيق للاختصاصات بين الدولة والجماعات الترابية، وهو معطى تمت إثارته ضمن أشغال المناظرة الأولى حول الجهوية المتقدمة المنعقدة بأكادير يومي 20 و 21 دجنبر 2019([46])، أما الإشكالية الثانية، فتتعلق بصعوبة التمييز وفصل الحدود الدقيقة بين ما هو جهوي، وإقليمي وجماعي، ليس في المجال الصحي فقط، بل ضمن جميع المجالات، مما قد يطرح مشاكل في التنازع فيما يُستقبل من العلاقات بين كل الوحدات المتدخلة في بلورة تنمية ترابية مأمولة، يتبوأ ضمنها مجال المحافظة على الصحة العامة حيزا هاما.
وفيما يهم الاختصاص في مجال الشرطة الإدارية، والذي في الحقيقة حظي باهتمام أكثر، سواء من قبل الباحثين أو الفاعلين الترابيين أو المواطنين، بالنظر إلى ارتباطه بالتدابير والإجراءات المتخذة في ضوء الإعلان عن حالة الطوارئ الصحية([47])، فالملاحظ كذلك في هذا الإطار، هو البروز المُلاحظ لممثلي السلطة المحلية ضمن مختلف المحطات والمواقع، تنزيلا لمقتضيات هذه الأخيرة المعلن عنها بواسطة المرسوم بقانون رقم 292-20-2 ومرسوم رقم 293-20-2،في مقابل نوع من الظهور الخافت، أو بالأحرى البروز المحتشم لرؤساء الجماعات وممثليهم على مستوى التدخل الفعلي لممارسة الشرطة الإدارية ضمن تراب جماعتهم، كما نضيف ملاحظاتنا حول ما جاءت به مقتضيات المرسومين سالفي الذكر، كونهما لم يتضمنا ولو إشارة لانخراط هؤلاء الرؤساء في ميدان ممارسة الشرطة الإدارية، باستثناء ما تم تخويله إليهم بمقتضى المادة 100 من القانون التنظيمي رقم 14-113 المتعلق بالجماعات.
كما أن التحديد الذي يتضمنه هذا القانون التنظيمي في مجال الشرطة الإدارية على المستوى المحلي، يظل مشوبا بنوع من الغموض، “ما فتئ ينعكس على مسألة اختصاص كل من الأجهزة الممثلة للسلطة المركزية والأجهزة المنتخبة”([48])، فالاختصاص في هذا الجانب يعرف الكثير من التداخل، والناتج عن غموض وتناقض النصوص، مما يفضي إلى صعوبة تحديد الجهة صاحبة الاختصاص في العديد من مواضيع الشرطة الإدارية. وهكذا، نجد أن المادة 110 من القانون التنظيمي رقم 14-113، تتضمن، من بين مجموع الاختصاصات، اختصاصا تم إسناده إلى جهتين، الأولى تخص رؤساء المجالس الجماعية،حيث تنص على أنه “يمارس رئيس المجلس الجماعي صلاحيات الشرطة الإدارية الجماعية…”، أما الجهة الثانية، فتهم السلطة المحلية، انطلاقا من نفس المادة التي تتابع قولها “…باستثناء المواد التالية التي تخول بحكم هذا القانون التنظيمي إلى عامل العمالة أو الإقليم أو من ينوب عنه: – المحافظة على النظام والأمن العمومي بتراب الجماعة…”، حيث نذهب مع بعض الباحثين([49]) إلى كون عبارتي “الشرطة الإدارية” و”المحافظة على النظام” تحملان نفس المعنى، فالمقصود من ممارسة الشرطة الإدارية يبقى هو المحافظة على النظام، مما يفضي بنا إلى عدم جواز الفصل بين العبارتين الواردتين ضمن المادة 110 من القانون التنظيمي للجماعات.
فمجموع هذه الملاحظات إذن، والمتمحورة حول واقع التداخل وصعوبة الفصل في مجال الشرطة الإدارية، سواء على مستوى النصوص (الفصلان 100 و 110 من القانون التنظيمي للجماعات)، أو على صعيد الممارسة، تكرس حقيقة، وفي العديد من الحالات، واقع التفوق ورجحان الوضع لصالح ممثلي السلطة المحلية، ولا أدل على ذلك سوى واقع الممارسة الذي أبانت عنه الإجراءات المتخذة لتنزيل مقتضيات المرسوم بقانون المتعلق بالإعلان عن حالة الطوارئ الصحية في مجموع تراب المملكة، وذلك بقصد تطويق ومحاصرة الخطر الداهم من جراء انتشار فيروس كورونا المستجد.
إن مقاربتنا لمجموع الحدود التي لازمت، ولا زالت، وظيفة الجماعات الترابية عامة، وضمن سياق الأزمة الصحية المتمثلة في انتشار فيروس كورونا المستجد على وجه الخصوص، وإن كنا قد استحضرنا من خلالها العاملين السالفين؛ كمظهرين حاسمين يعكسان أزمة الفعل الترابي الناجع، فإنه لا يمكن اختزال هذه الأزمة في ذلك فقط، بل نضيف إليها عناصر أخرى، تتمثل فيما يلي:
– حضور محتشم للمجال الصحي ضمن بنية اختصاصات الجماعات الترابية، المؤطرة بقوانينها التنظيمية الثلاثة (14-111، 14-112، 14-113)، حيث هامش تدخل الفاعل الترابي في المجال الصحي يبقى جد محدود، وهذا ما تمت ملامسته أثناء ظرفية انتشار جائحة كورونا، بالرغم من المكانة التي منحها إياها الدستور؛
– الدور المقيد الذي أبانت عنه السلطات المركزية في إطار تعاملها مع المحيط، أي الجماعات الترابية، وخاصة مراسلة وزير الداخلية بخصوص تعليق انعقاد دورات مجالس الجماعات الترابية خلال شهري ماي ويونيو([50])، الشيء الذي كبل أيدي هذه الجماعات في إطار ما تم التنصيص عليه في الفصل 136 من الدستور، والمواد 4([51]) و 3([52]) و 3([53]) من القوانين التنظيمية، 14-111، و14-112 و 14-113، من أنه “يرتكز التنظيم الجهوي والترابي على مبادئ التدبير الحر، وعلى التعاون والتضامن؛ ويؤمن مشاركة السكان المعنيين في تدبير شؤونهم، والرفع من مساهمتهم في التنمية البشرية المندمجة والمستدامة”؛
2- في أفق تدخل ترابي ناجع في المجال الصحي
سبق أن أشرنا ضمن محاور سالفة، أنه بالرغم من تأكيد الدور التدخلي للجماعات الترابية على عدة مستويات، انطلاقا مما بوأه الدستور لها من مكانة متميزة، وكذلك مقتضيات القوانين التنظيمية المتعلقة بالجماعات الترابية، وذلك على مستوى المهام والاختصاصات المسندة في عدة مجالات، الشيء الذي يجعلها كأداة لتفعيل قضايا التراب المحلي والنهوض بمستوى تنميته. لكن، وبالرغم من هذا الاعتراف بمشروعية التدخل العام وتعدد مجالاته، إلا أن ظرفية الأزمة الصحية التي عرفتها جميع دول العالم، جعلت هذه الجماعات الترابية تكشف عن واقع تدخلاتها، بما يجعلنا نسير في اتجاه كون هذه الجماعات لا زالت تعتريها الكثير من النقائص تحد من فعاليتها، ولا أدل على ذلك سوى حضورها المحتشم في سياق مواجهة المخاطر التي باتت تهدد الصحة العامة من جراء تفشي جائحة كورونا، في مقابل الحضور الفعلي والقوي لممثلي السلطة المركزية ومن ينوب عنهم؛ الشيء الذي يفضي مرة أخرى إلى التساؤل حول مدى التحول وجدواه الذي تشهده منظومة اللامركزية، سيما مع ورود العديد من المبادئ، كالتدبير الحر، والتفريع وغيرهما. وبناء على كل هذا، لا شك في كون إعادة النظر في طبيعة أدوار الفاعلين وتدخلاتهم الترابية، تبقى مسألة ذات أهمية، وضرورة تفرضها خصوصية المرحلة التي عكست هذه الأزمة الصحية، وخاصة بالنسبة لدور الجماعات الترابية في التصدي لتداعيات هذه الأخيرة، إذ في اعتقادنا لا تكفي هذه المقالة لبسط كل معالم التحول، بقدر ما نحاول المساهمة بطرح تصورنا انطلاقا مما يلي:
– إعادة النظر في بعض اختصاصات الجماعات الترابية، التي تبقى مشوبة بنوع من الشح، خاصة في المجال الصحي، فالمواد 83 و 87 و 92 و 100 من القانون التنظيمي للجماعات رقم14-113، و كذا المادتين 79 و 86 من القانون التنظيمي المتعلق بالعمالات والأقاليم رقم 14-112، والمادة 94 من القانون التنظيمي للجهات رقم 14-111، وكذا الصلاحيات الممنوحة لرؤساء هذه الجماعات تبقى ضئيلة وغير كافية في مجال تعزيز المنظومة الصحية الترابية، والوقاية من الكوارث الطبيعية، ومحاربة عوامل انتشار الأمراض؛
– إذا كنا نتفق في المقابل مع مبدأ التحديد الدقيق لهذه الاختصاصات، فقد كان من الأجدر حضور نصوص موازية تفسر وتوضح، تفاديا لكل تداخل قد يحصل، العلاقة التي تربط الجماعات الترابية، سواء مع الدولة أو فيما بين واحدة وأخرى. وهكذا، فالمنتظر من الجماعات الترابية، في إطار الدينامية الجديدة التي تسعى إلى خلقها وترسيخها الجهوية المتقدمة، أن تتجه صوب وضعية أكثر تدخلية لتنشيط وظائفها في مجال المحافظة على الصحة العامة داخل مجالها الترابي، وذلك انطلاقا مما هو منوط بها من أدوار ريادية في هذا المجال؛
– الانخراط في مسار التحولات الرقمية التي يشهدها العالم، فلا يمكن أن تبقى الجماعات الترابية في منأى عن كل تحول رقمي من شأنه المساهمة في الرفع من مستوى التدبير الترابي لقضاياها، فقد لاحظنا الدور الذي لعبه هذا التطور الرقمي في مجال التواصل وإيصال المعلومة، وكذلك على مستوى تأدية الخدمات بالنسبة للموظفين، أو تقديمها للمواطنين، غير أن هذا يتطلب من الجماعة الترابية أن تتوفر على نظام للمعلومات واسع النطاق، تدبره موارد بشرية قارة ومؤهلة، وهنا نفتح بابا آخر يتعلق بالعنصر البشري، حيث أماطت هذه الأزمة الصحية اللثام عن الكثير من البياضات، والتي لم تسعف هذا العنصر البشري على التكيف مع خصوصيات المرحلة، وبالتالي أصبح لزاما على هذه الجماعات بلورة خطط للتكوين وإعادة التكوين، في مجالات متعددة، ومن ضمنها مجال التدبير الاستباقي واللاحق للأزمات الصحية الناتجة عن انتشار الجوائح والأوبئة، كما أن ذلك يستلزم في المقابل إحداث مكتب لليقظة يؤدي وظائفه بتنسيق مع مكتب حفظ الصحة الكائن بمقر كل جماعة.
خاتمة
بقدر ما سينتج عن الأزمة الصحية الناتجة عن انتشار فيروس كورونا المستجد (كوفيد 19) من تداعيات على مستوى بنيات الدولة، السوسيو-اقتصادية والثقافية وغيرها، فقد نعتبرها من جهتنا بمثابة الصعقة الكهربائية التي ربما ستوقظ وعي مختلف الفاعلين لإعادة النظر وصياغة رؤى جديدة تتطلب نوعا من التكيف مع ما أبانت عنه المرحلة من تحديات حيال السلطات العمومية المركزية أولا، ومختلف السلطات الأخرى ثانيا، وعلى رأسها الجماعات الترابية في إطار ما هي ملزمة به، من صياغة، وأجرأة وتقييم سياسات عمومية ترابية تستهدف تلبية مختلف حاجات ومتطلبات ساكنتها، وما التصدي للجوائح والأوبئة، والمحافظة على الصحة العامة إلا عنصرا ضمن عناصر منظومة ترابية شاملة ومتكاملة. فبدون إعادة النظر في بعض الثوابت لا يمكن للجماعات الترابية أن تتوبأ فعليا المكانة التي منحها إياها الدستور، ومن ضمنها إعادة النظر في معادلة مركز-محيط، من خلال العديد من الأوراش، في مقدمتها الورش السياسي القائم على إعادة التحديد الفعلي للسلطات، سواء على المستوى العمودي أو الأفقي.
([1]) من بينها:-إغلاق الحدود البرية والجوية والبحرية؛
-تعليق الدراسة بالمدارس والجامعات؛
-إلغاء التجمعات والتظاهرات الرياضية والثقافية والفنية؛
-تعليق الجلسات بمختلف المحاكم؛
-الإغلاق المؤقت للمساجد…
([2]) الجريدة الرسمية عدد 6867، بتاريخ 29 رجب 1441 (24 مارس 2020)، ص 1782. كما نثير الانتباه إلى كون هذا المرسوم بقانون تمت المصادقة عليه من قبل البرلمان بقانون رقم 23-20، وذلك تفعيلا لمقتضى المادة 81 من الدستور، الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 60-20-1 بتاريخ 5 شوال 1441 (28 ماي 2020)، الجريدة الرسمية عدد 6887 بتاريخ 9 شوال 1441 ( فاتح يونيو 2020)، ص 3336.
([3]) صادر بتاريخ 29 رجب 1441 (24 مارس 2020)، الجريدة الرسمية عدد 6867 مكرر، بتاريخ 29 رجب 1441 (24 مارس 2020)، ص 1783.
([4]) الفقرة الأخيرة من الفصل الأول من الدستور، ظهير شريف رقم 91-11-1 صادر في 27 شعبان 1432 (29 يوليوز 2011)، بتنفيذ نص الدستور. الجريدة الرسمية عدد 5964 مكرر، 28 شعبان 1432 (30 يوليوز 2011)، ص 3602.
([5]) الباب التاسع من الدستور، مرجع سابق، ص 3622.
([8]) ظهير شريف رقم 83-15-1 صادر في 20 رمضان 1436 ( 7 يوليوز 2015)، بتنفيذ القانون التنظيمي رقم 14-111 المتعلق بالجهات، جريدة رسمية عدد 6380، بتاريخ 6 شوال 1436 (23 يوليوز 2015)، ص 6585.
([9]) المادة الثالثة من القانون التنظيمي رقم14-111 المتعلق بالجهات، مرجع سابق، ص 6586.
([15]) ظهير شريف رقم 84-15-1 صادر في 20 رمضان 1436 ( 7 يوليوز 2015)، بتنفيذ القانون التنظيمي رقم 14-112 المتعلق بالعمالات والأقاليم، جريدة رسمية عدد 6380، بتاريخ 6 شوال 1436 (23 يوليوز 2015)، ص 6625.
([16]) المادة 78 من القانون التنظيمي رقم 14-112 المتعلق بالعمالات والأقاليم، مرجع سابق، ص 6638.
([19]) ظهير شريف رقم 85-15-1 صادر في 20 رمضان 1436 ( 7 يوليوز 2015)، بتنفيذ القانون التنظيمي رقم 14-113 المتعلق بالجماعات، جريدة رسمية عدد 6380، بتاريخ 6 شوال 1436 (23 يوليوز 2015)، ص 6660.
([20]) المادة 2 من القانون التنظيمي رقم 14-113، مرجع سابق.
([26]) تراجع المادة 87 المتضمنة لقائمة الأعمال الممكن للجماعة إنجازها تحقيقا لتلك الغاية.
([28](Rousset (M) et autres : « Droit administratif marocain », imprimerie royale, 4éme édition, Rabat, 1984, p58.
([29]) محمد كرامي: ” القانون الإداري” مطبعة النجاح الجديدة، الطبعة الثالثة، 2015، ص 246.
([30]) المادة 100 من القانون التنظيمي رقم 14-113 المتعلق بالجماعات، مرجع سابق.
([32])يطرح هذا التدخل، في نظرنا، إشكالا بخصوص التداخل مع اختصاص الجهاز المنتخب، سنتحدث عن ذلك ضمنمحور: ضعف وعدم دقة الاختصاصات في المجال الصحي.
([33]) محمد كرامي: مرجع سابق، ص 252.
([34])جاء في خطاب الملك بمناسبة ذكرى ثورة المك والشعب (20 غشت 2015) بما يلي: “إذا كنا نعتبر خدمة المواطن هي الغاية من كل السياسات الوطنية، فإننا نضع ضمان أمنه وسلامته، في صدارة انشغالاتنا”.
([35]) لم نتمكن من الحصول على وثائق أصلية تعكس الإجراءات المتخذة من قبل الجماعة، بالرغم من ترددنا على مصالح هذه الأخيرة، باستثناء هذا التقرير المتكون من 52 صفحة، 25 منها تعرضت بشكل مقتضب لمختلف العمليات المشار إليها.
([36]) أشرفت على هذه العملية لجنة المرافق العمومية والخدمات بجماعة سطات بتنسيق مع مكتب حفظ الصحة بنفس الجماعة.
([37]) مقر الجماعة، مقر العمالة، ولاية ودوائر الأمن الوطني، بريد المغرب، محطة القطار، المحطة الطرقية، المستشفى الإقليمي الحسن الثاني…
([38]) خراطيم المياه، مطهرات، آلات الكنس، جرارات مجهزة، مضخات…
([39]) الفصل الأول من القرار رقم 01-2020 بتاريخ 20 مارس 2020، والمتعلق بالتوقبف المؤقت لانعقاد السوق الاسبوعي بجماعة سطات.
[40])) مثال السوق العشوائي الكائن بشارع أغمات بحي سيدي عبد الكريم، والواجهة الأمامية بسوق المسيرة بحي بام.
([41]) همت هذه العملية بعض الجوانب المتعلقة ببيع وتخزين المواد، عرض الأسعار للعموم، الوقوف على المواد الغذائية منتهية الصلاحية، مدى توفر شروط النظافة…
([42]) يمكن القول أن الأدوار التي أنيطت بهذه الجماعات الترابية لم ترق إلى المستوى المرغوب، حيث إن صدور المرسوم بقانون رقم 292-20-2بتاريخ 23 مارس 2020، يتعلق بسن أحكام خاصة بحالة الطوارئ الصحية وإجراءات الإعلان عنها، أفرز على المستوى العملي نمطا تدبيريا عموديا، تمظهر من خلاله استئثار وزارات معينة بجل القرارات الخاصة بتدبير ومكافحة الجائحة، وعلى رأسها وزارة الداخلية، ووزارة الصحة، ثم الوزارة المكلفة بقطاع المالية. هذا النمط عكس واقع عدم استقلالية الجماعات الترابية في اتخاذ قرارها، كون وزارة الداخلية قد استأثرت بكل مداخل القرار الترابي، سواء تعلق الأمر بالتدبير المالي (تعديل في مسطرة فتح وبرمجة وتحويل الاعتمادات، تقليص النفقات)، أو تدبير دورات المجالس (تأجيل انعقاد دورات ماي ويونيو) …
([43])ينص عليه الفصل 136 من الدستور، ما يلي: “يرتكز التنظيم الجهوي والترابي على مبادئ التدبير الحر، وعلى التعاون والتضامن؛ ويؤمن مشاركة السكان المعنيين في تدبير شؤونهم…”
([44])Smires (M) : « Les articulations du discours relatif à l’intervention économique des Collectivités locales au regard de l’expérience de décentralisation(1976-1989) » RDE, N9, 1993, P67 .
([45])Sedjari (A) : « Le développement économique local entre le discours et la Pratique » RDE, N9, 1993, P32.
([46])مما جاء في ورشة “اختصاصات الجهة: رهان في قلب مسلسل تنزيل الجهوية المتقدمة”، أن تدقيق اختصاصات الجهات بشكل أفضل سيمكن من التكريس الفعلي لمبدأ التدبير الحر، كما سيمكن الجهات من المرور إلى مرحلة التفعيل الكامل لاختصاصاتها، من أجل تمكينها من النهوض بالتنمية المندمجة والمستدامة، في أبعادها المتعددة.
([47]) نشير إلى كون عبارة “الطوارئ الصحية” لم تتم الإشارة إليها، سواء من قبل المشرع الدستوري أو التنظيمي، وقد أفضى هذا الأمر إلى نوع من الارتباك، سواء فيما يخص المفهوم أو المرجعية أو التوصيف القانوني.
([48]) محمد كرامي: مرجع سابق، ص 253.
([50]) أثار هذا التعليق مسألتين، الأولى تتعلق بما أشار إليه البعض من عدم دستوريته، أما الثانية فتخص ما تقدم به فريق الأصالة والمعاصرة بمجلس النواب من مقترحات تقتضي تعديل بعض مقتضيات القوانين التنظيمية، وخاصة كيفية انعقاد دورات المجالس واجتماعات اللجان خلال مدة سريان حالة الطوارئ الصحية، ضمانا لاستمرارية عمل المجالس واشتغالها، وسدا للفراغ التشريعي الحاصل في هذا النطاق. يراجع مقال عبد الصمد حيكر:”رأي دستوري في دورية وزارة الداخلية حول انعقاد دورة ماي العادية لمجالس الجماعات” جريدة العمق الإلكترونية، 15 ماي 2020، تاريخ الاطلاع: 24 يونيو 2020، الساعة الثانية صباحا.