تأسيس الرسم العقاري ومسؤولية المحافظ على الأملاك العقارية
نافع عبد الرحيم
باحث في الحقوق.
مقدمـــــة
لا يختلف اثنان في كون النظام العقاري، أصل كل تطور واستثمار بالمغرب عرف تطورات هامة، فقد عرفت الملكيات العقارية الزراعية والرعوية بعدة مناطق كماسة وسبو ودكالة، إذ وجدت بها ملكيات فردية وأخرى جماعية خضعت لأعراف قبلية محلية، وظهرت عدة كتب للعمل، منها العمل القاسي و العمل السوسي والعمل المراكشي إلخ، وكان النظام التعاوني هو السائد بين أفراد القبيلة ومع مرور الزمن تفرعت أصناف الأملاك إلى أملاك الاحباس وأملاك خاصة وأملاك بيت المال وأملاك السلطان. كما تنوعت الحقوق العرفية الإسلامية كالزينة والجلسة والهواء وغيرها.. هذا التنوع أملى حاجة ملحة إلى الكتابة، فبدأت الملكية العقارية بفضلها تعرف تدريجيا نوعا في الاستقرار والحماية بفل التدوين، إلى أن أحس المشرع المغربي بضرورة تثبيت الائتمان العقاري وتسهيل تداول و انتقال الملكية بشكل هادئ ومطمئن، حيث أن نمو الميدان العقاري على المستوى المادي والتقني صار شأنا ذا بال، فقام باستنساخ القانون المعروف بعقد طورنس Act Torrens)) وتبيينه في مغرب الحماية، وهو ما يسمى اختصارا بالتحفيظ العقاري.
ويراد بهذا التحفيظ إجراء عمليات قانونية وتقنية يكون الغرض منها إخضاع العقارات موضوع التحفيظ إلى القواعد والإجراءات القانونية المقررة في القانون وخاصة ظهير 9 رمضان 1991 الموافق (12/08/1913).
وإذا كان المشرع قد توخى تأسيسا سليما للرسم العقاري كأداة لثبوت وتثبيت الملكية، فإلى أي حد ارتقت الحصيلة التشريعية في هذا المجال إلى المستوى المطلوب، وما هو الأثر الذي يحدثه ميلاد الرسم العقاري؟
يميل الفقه القانوني على العموم إلى اعتبار قاعدتي التطهير والصفة النهائية للتحفيظ قاعدتين كافيتين لإسباغ حجية مطلقة على الرسم العقاري، حيث يستفاد من مقتضيات الفصلين 2 و 62 من الظهير للتحفيظ العقاري أن العقار موضوع التحفيظ يتم تطهيره من جميع الحقوق والمطالبات السابقة التي لم تكن محل تدوين بالكناش العقاري سواء أكانت هذه الحقوق قد نشأت إثر عملية تعاقدية أو غيرها في التصرفات والأعمال القانونية.
للإلمام بشكل أكبر بالموضوع، اعتمدنا على مجموعة من الأحكام والاجتهادات القضائية المتعلقة بالرسم العقاري وذلك حتى لا يبقى عملنا أسير الأفكار النظرية، بعيدا عن الحياة العملية، فطبيعة الموضوع تتطلب ربط النصوص القانونية بالواقع العملي مع الإشارة إلى ما تتسم به هذه النصوص من دقة ووضوح أحيانا ومن غموض أو خلل أحيانا أخرى.
ومن أجل ذلك قمنا بتقسيم الموضوع إلى مبحثين رئيسيين: الأول خصصناه لتأسيس الرسم العقاري بدءا من تعريفه وتحديد خصائصه وطبيعته القانونية أما المبحث الثاني فخصصناه للحديث عن آليات ضمان حقوق المتضررين من تأسيس الرسم العقاري، كالدعوى المقامة ضد المحافظ والدعوى المقامة ضد طالب التحفيظ.
المبحث الأول: تأسيس الرسم العقاري
يمكن تعريف نظام التحفيظ العقاري أو التقييد العقاري أو التسجيل العقاري كالقواعد القانونية التي تهدف إلى[1]:
- تحديد هوية كل عقار بحيث توضح بشكل دقيق معالمه و أوصافه ومساحته وحدوده.
- تعريف مالكه وطريقة انتقال العقار إليه.
- تعيين ما على العقار من حقوق عينية.
يعتبر تأسيس الرسم العقاري كتتويج لمسطرة التحفيظ التي تمر بعدة مراحل قد تطول بفعل الإجراءات القانونية التي فرضها التشريع المنظم لعملية التحفيظ العقاري في المغرب لكن لا يمكن أن ينتج عن هذه الإجراءات سوى تأسيس الرسم العقاري أو رفض مطلب التحفيظ.
في مقدمة هذا المبحث سوف نحاول التعريف بمدلول الرسم العقاري و شروطه ثم سنقوم بالتذكير بالمراحل الواجب القيام بها قبل الوصول إلى تأسيس الرسم العقاري وفي مرحلة أخيرة استعراض خصائص هذا الرسم.
المطلب الأول: تعريف وتحديد المفاهيم
أولا : الرسم القاري
لقد أورد ابن منظور في لسان العرب التعريف اللغوي التالي للرسم: الرسم: الأثر، وقيل: بقية الأثر، وقيل: هو ما ليس له شخص من الآثار، وقيل: هو ما لصق بالأرض منها، ورسم الدار: كاف من آثارها لاصقا بالأرض، والجمع أرسم ورسوم. ورسم الغيث الدار: عقاها وأبقى فيها أثرا لاصقا بالأرض”.
أما الرسم العقاري أو ما يسمى رسم التمليك فهو الغرض من إنشاء نظام التحفيظ ودفع كل الاضطرابات التي تحدث حول الملكية العقارية وذلك بجعلها مستقرة في التعاملات التي تطالها.
وللوصول إلى هذه الغاية يتم إقامة رسم عقاري أو خريطة لكل ملكية أدخلت هذا النظام للرجوع إلى ما هو مسجل بها مسجل في حين تم الاحتياج إليها.
لهذا الغرض فالمحافظ العقاري عند انتهاك كل عملية تحفيظ يقيم رسما عقاريا يصير به حق الملكية واضحا للجميع وخاليا من الشوائب.
ويحدد الفصل 52 من ظهير 12 غشت 1913 بشأن التحفيظ العقاري [2] العناصر التي يجب أن يشملها كل رسم عقاري ويتعلق الأمر ب:
- الوصف المفصل للعقار، بحسب نوعه، ومساحته وحدوده المميز له والمحددة لماهيته مع تبيان الأملاك التي تلاصقه وتجاوزه.
- البيان الكافي لاسم المالك أو المالكين للعقار مع التنصيص على محل سكناهم وحالتهم المدنية ومقدار كل واحد منهم إذا كان الملك في حالة الشياع.
- الحقوق العينية المترتبة على العقار، أو المحل بها بسبب إعطائه ضمانة لقرض مثلا، وأصحاب تلك الحقوق والتحملات التي أنشأت لمصالحهم.
كما أن كل رسم عقاري يحمل رقما ترتيبيا واسما خاص به يميزه عن غيره من الأملاك. بالإضافة إلى الخريطة الخاصة بكل ملكية والتي ترفق وجوبا الرسم العقاري الخاص بها، وقد تم الاعتماد على الخرائط للرجوع إليها فيما يتعلق بالعلامات المسجلة بها كلما احتيج لها لوضع حد لكل نزاع أو مطالبة بالحقوق العينية.
ويجب التذكير بأن تحرير الرسم العقاري يمكن أن يتم لفائدة القاصرين أو المحجوزين لكن يجب التنصيص على سن القاصر أو نوع عدم الأهلية في الرسم. وإذا انتهت الأسباب فيمكن الحصول على تعديل للرسم العقاري (الفصل 55 من ظهير 12 غشت 1913).
للمالك دون غيره الحق في أخد نسخة صحيحة تامة من رسم التمليك ومن الخريطة المضافة له. وتكون هذه النسخة اسمية أي تحمل اسم مالك العقار (الفصل 58 من ظهير 1913).
لكن عموم الناس قد يكونوا في حاجة إلى معرفة مدرجات السجل التجاري وهو ما جعل المشرع يلزم المحافظ بتسليم بيانات عامة أو خاصة بقيود السجل التجاري ونسخة أو ملخصا للوثائق المودعة في المحافظة العقارية متى طلب منه ذلك.
كما أن التشريع الجاري به العمل في بلادنا قد نص على إمكانية تنظيم شهادات عقارية أو رسوم عقارية خاصة يسلم نسخة عنها للمعنيين بالأمر.
وقد جاء القرار الوزاري الصادر في 20 رجب 1333 الموافق 3 يونيو 1915 لتحديد الأحكام المتعلقة بهذه الشهادات أو الرسوم العقارية الخاصة ويتعلق الأمر ب:
- يمكن بعد تحفيظ العقار تنظيم رسوم خاصة بناء على طلب المنتفع أو صاحب الإجازة لمدة طويلة أو صاحب حق السطحية أو صاحب حق من الحقوق المتفرغة عن الملكية حسب قواعد الشريعة الإسلامية. مما يتيح تسجيل الحقوق العينية والتكاليف التي تنشأ على الانتفاع أو الإيجار طويل المدة أو السطحية.
- كل صاحب حق من الحقوق المذكورة أعلاه يمكن منحه نسخة صحيحة تامة من الرسم العقاري الخاص الذي طلب تنظيمه. وتخضع الرسوم العقارية الخاصة لأحكام رسوم التمليك.
- إن كل نقل لحق من هذه الحقوق نتيجة تصرف قانوني ينتج عنه ذكر في الرسم الخاص المنظم بشأنها.
ونظرا للأهمية الخاصة للرسوم العقارية فقد أوجد المشرع المغربي الأحكام الواجب إتباعها للحصول على نسخة بدل نسخة رسم التمليك أو الشهادة العقارية في حالة ضياعها أو فقدانها. ويمكن تلخيصها في المراحل التالية:
- إيداع تصريح بضياع أو تلف الرسم العقاري أو نسخة الشهادة العقارية الخاصة مدعمة بكل المعلومات الضرورية.
- يقوم المحافظ بتدوين ما يفيد تسليم نسخة من الرسم في سجل الرسوم العقارية.
ولا يفوتنا في هذا الجزء أن نورد الحالة الخاصة المتعلقة بتجزئة الملك. إذ قد يحتاج مالك العقار إلى تجزئة ملكه المحفظ إلى قطع منفصلة للتصرف في بعض منها. ففي هذه الحالة يجب إعادة مباشرة التحديد لكل قطعة أخدت من الملكية الأصلية، ويقوم المهندس العقاري بتدقيق هذه العمليات في نسخة الخريطة المتعلقة بالرسم. بعد كل ذلك أمكن للمحافظ إنشاء رسم خاص بكل جزء من العقار وتحضير خريطة مستقلة له. وإنشاء عدة رسوم فرعية تؤخذ من الرسم العقاري الأصلي[3]. و بخصوص هذه الحالة الخاصة فقد اعتبر المجلس الأعلى بتاريخ 22 يناير 2002[4] بأن ” لكن حيث إنه وخلافا لما يدعيه الطاعنون فإن رسم الملك الذي تكون له صفة نهائية لا يقبل الطعن ويطهر الملك من جميع الحقوق السالفة غير المسجلة بالصك العقاري، طبقا لمقتضيات الفصلين 2 و 62 من ظهير 12 غشت 1913 المتعلق بالتحفيظ العقاري، إنما هو الرسم الذي يترتب عن مسطرة التحفيظ، واعتبارا لذلك فإن القرار المطعون فيه حين علل بأن الرسم العقاري المستخرج عن طريق التجزئة لا يتمتع بالحصانة المنصوص عليها في الفصلين 2 و 62 من ظهير التحفيظ العقاري اللذين يضفيان الصفة النهائية والقطعية على رسوم التمليك بل يكون قابلا للتغيير وخاضعا بمقتضيات الفصلين 69 و 91 من نفس الظهير كسائر التقييدات اللاحقة لإنشاء الرسم العقاري ويكون نتيجة لذلك معللا تعليلا سليما وغير خارق للفصلين المحتج بخرقهما، والوسيلة غير مرتكزة على أساس”.
كما أن الفصلين 29 و 30 من قرار 3 يونيو 1915[5] يتيحان للمحافظ العقاري تصحيح المخالفات والإغفالات والأغلاط التي قد يكتشفها في الرسوم أو تترتب عن الوثائق وبالخصوص عن التصميمات التي تستعمل لإقامة الرسوم. لكن التسجيلات الأولى تبقى على حالها وتسجل التصحيحات بتاريخ انجازها. ويحق للأطراف المطالبة بإجراء هذه التصحيحات وإذا رفض المحافظ ذلك أو قام بتصحيحات لم يقبل الأطراف بها فإن المحكمة تبت في الأمر بحكم تصدره بغرفة المشورة. وقد أصدرت محكمة الاستئناف بالناضور قرارا عدد 854 بتاريخ 1 يناير 2002 ملف عدد 02/438 (قرار غير منشور) يقضي ب ” حيث إنه كان الفصل 30 المذكور قد سن مسطرة الطعن في قرار المحافظ على الأملاك العقارية في هذا المجال، فإنه أسند الاختصاص للبت في الطعن للمحكمة وهي تبت في غرفة المشورة.
وحيث إنه نظرا لعمومية النص المذكور عندما أورد لفظ المحكمة فإن إعمال مبادئ التنظيم القضائي يقتضي اعتبار المحكمة المختصة هي المحكمة الابتدائية وهي تبت في غرفة المشورة باعتبار أن في إعمال ذلك احترام لمبدأ تعدد درجات التقاضي الذي هو الأصل ومراعاة لسلطان الولاية العامة المخول للمحكمة الابتدائية و تكريس للمبدأ الأصولي الذي يقضي باعتبار العام باقيا على عمومه ما لم يرد نص خاص يقيده.”
كما أن المجلس الأعلى [6] اعتبر ” أن سلطة المحافظ بتصحيح البيانات تلقائيا تتم مراقبتها من طرف المحكمة التي تبت في الأمر بحكم وبالتالي فلا يحتاج قراره بالتصحيح إلى الطعن فيه بالزور واستخلصت المحكمة في نطاف سلطتها لتقييم الحجج بأن ما قام به المحافظ بعد تحفيظ العقار من استثناء بنايات ومقالع لفائدة الغير لا يدخل ضمن التصحيح المسموح به وأنه يمس بقرار التحفيظ اذي يكشف نقطة الانطلاق الوحيدة للحقوق العينية والتكاليف العقارية الكائنة على العقار وقت تحفيظه”.
ثانيا: السجلات العقارية
يقوم المحافظ العقاري عند إقامة الرسم الخاص بالملكية بتحريره وتسجيله بالسجلات العقارية المحفوظة أصولها بمصالح إدارة المحافظة العقارية. وقد تم تحديد شكل ومضمون هذه السجلات والمعلومات الضرورية التي يجب أن تدون فيها عند إجراء أي تصرف أو تعامل على العقار المحفظ. وتم إحداث هذا التنظيم الدقيق ليصعب إحداث أي خلل في المعلومات أو الخصائص أو المس بالضمانات الممنوحة للمتعاملين مع الصالح المحفوظة.
يقيد المحافظ العقاري بعد تأسيس الرسم العقاري كل العمليات التي تنجز بشأنه بمجرد ما يطلب منه ذلك لضبط المعاملات وصيانة الحوق المكتسبة بصفة شرعية وتخويل المتعاملين كل الضمانات المتوخاة من إنشاء نظام السجلات العقارية.
وبذلك يصير ما يقيد في تلك السجلات هو التصرف المعتمد قانونا ولا عبرة بما يمكن أن يطرأ دون تقييده في السجل العقاري يجب عليه أن يعيد تقييده على نظير الرسم الذي يقدم له.
يتم حفظ هذه السجلات بمصلحة المحافظة على الملكية العقارية تحت إشراف ومسؤولية المحافظ على الملكية العقارية الذي يعتبر الضامن الوحيد لصحة ما يتم فيها من تسجيلات وتقييدات.
المطلب الثاني: خصائص الرسم العقاري
تمر عملية التحفيظ بمراحل مختلفة تبتدئ بتقديم طالب التحفيظ لمطلب معزز بجميع الوثائق والحجج تم تمر بمرحلة الإشهار لتمكين ذوي الحقوق من التعريف بأنفسهم عن طريق مسطرة التعرض، وتنتهي إما إلى اتخاذ قرار التحفيظ وإما إلى رفض التحفيظ.
وعليه فإن قرار التحفيظ أهم قرار يتخذه المحافظ على الإطلاق إذ هو أساس نظام التحفيظ العقاري ومرتكزه الرئيسي. فهل يمكن تحديد الطبيعة القانونية لهذا القرار وما هي خصائصه؟
أولا: الطبيعة القانونية لقرار تأسيس الرسم العقاري
يوجد بكل محافظة عقارية محافظ يتم تعيينه بقرار من وزير الفلاحة بناء على اقتراح من المحافظ العام[7]. قبل مباشرة مهامه يكون ملزما بأداء اليمين أمام المحكمة الابتدائية لدائرة موقع المحافظة بها[8]. وبالرغم من إحداث الوكالة الوطنية للمحافظة العقارية والمسح العقاري والخرائطية [9]فقد تم تمديد العمل بكل النصوص التي تنظم التحفيظ العقاري في المغرب.
إن ما لا يمكن أن نجادل فيه هو كون المحافظ سلطة إدارية فهو كما يتبين موظف معين بقرار من وزير الفلاحة ويقوم بتسيير مصلحة إدارية تقوم بنشاط يدخل ضمن ما يسمى بالمرفق العمومي الإداري.
وبالرغم من تنوع القرارات التي يصدرها المحافظ (تحفيظ، تقييد، تشطيب، إلغاء ….) جعلت بعض الباحثين يصفه بقاضي عقاري في النظام الإداري، بل هناك من ذهب أبعد من ذلك واعتبره سلطة قضائية أو على الأقل يمارس سلطات شبه قضائية بالإضافة إلى سلطاته الإدارية[10]. كما أنه وفي اجتهاد للمحكمة الإدارية بمكناس اعتبرت فيه قرارا الحافظ ليست بقرارات قضائية ولا إدارية بل هي من نوع خاص[11].
إن الطابع الإداري لسلطات المحافظ لا يمكن إلا تأكيدها كما أن إضفاء أي طابع قضائي لها لا يرتكز على معطيات واقعية بالنظر للاختلاف الواضح فيما يتعلق بالتعيين والمهام الموكولة له لأن المحافظ لا يفصل في أي نزاع.
أما قرار المحافظ بالنسبة للتحفيظ والذي يهمنا في هذا العرض وإن كان يتميز بعدم قابليته للطعن، فقد أكدت محكمة الاستئناف بالرباط منذ 1927 عندما قضت بأن قرار التحفيظ يعد قرارا أداريا يفصل في قضايا ذات مصلحة خاصة[12].
ثانيا : خصائص الرسم العقاري
ينص الفصل الثاني من ظهير التحفيظ العقاري على ما يلي ” يترتب على التحفيظ إقامة رسم الملكية مسجل بكناش عقاري وبطلان ما عداه من الرسوم وتطهير الملك من جميع الحقوق السالفة الغير المضمونة بالسجل العقاري”.
يتضح أن المقصود بقرار التحفيظ الذي ينتهي إليه المحافظ بتأسيس الرسم العقاري للملك موضوع مطلب التحفيظ بعد اجتياز مراحل مسطرة التحفيظ، فهو إذن قرار تحويل مطلب التحفيظ إلى رسم عقاري متمتع بالحجية القانونية والتطهير اللازم من جميع الحقوق غير الظاهرة وقت التحفيظ.
أولا: أنه قرار نهائي وغير قابل للطعن وهو ما أكدته المادة 62 من ظهير التحفيظ العقاري “إن رسم الملك له صفة نهائية ولا يقبل الطعن وهو يكشف نقطة الانطلاق الوحيدة للحقوق العينية والتكاليف العقارية الكائنة على العقار وقت تحفيظه دون ما عداها من الحقوق الغير مسجلة”.
من بين المشاكل الذي يثيرها تطبيق هذا الفصل هو أنه لا يجوز دستوريا تحصين أي عمل إداري من الرقابة مما جعل بعض الباحثين يشككون في مدى دستورية الفصل 62. إذ أن هذا الفصل منح للمحافظ على الأملاك العقارية سلطة مطلقة لا يعترف الدستور لأي مؤسسة قانونية بمثل هذا الإطلاق[13].
ثانيا: أنه قرار غير معلل لأن المحافظ غير ملزم بالإشارة في الرسم العقاري إلى جميع الإجراءات التي اتبعت لتأسيس هذا الرسم حيث يستنتج من القرار نفسه أن جميع الإجراءات قد احترمت[14].
ثالثا : أن له أثر إنساني : فقد نص الفصل 2 من ظهير التحفيظ العقاري على ما يلي: ” يترتب عن التحفيظ إقامة رسم الملكية مسجل بكناش عقاري وبطلان ما عداه من الرسوم وتطهير الملك من جميع الحقوق السالفة الغير مضمنة بالكناش العقاري” ، كما ولرد في الفصل 62 من نفس الظهير على أن ” إن رسم الملك له صفة نهائية ولا يقبل الطعن وهو يكشف نقطة الانطلاق الوحيدة للحقوق العينية، والتكاليف العقارية الكائنة على العقار، وقت تحفيظه دون ما عداها من الحقوق غير المسجلة”.
فمن خلال هذين الفصلين يتبين أنه يترتب على قرار التحفيظ تطهير العقار من كل الحقوق السابقة واكتساب رسم الملك الصفة النهائية غير قابلة للطعن كيفما كان نوعه.
وفي قرار للمجلس الأعلى [15] قضى بأن “… فإن القرار المطعون فيه باعتماده في قضائه على أنه لا يمكن قانونا التشطيب على رسم عقاري و إعادة إجراء مسطرة التحفيظ، لأن رسم الملك الناتج عن التحفيظ له صفة نهائية ولا يقبل الطعن ولا الإلغاء ولو في حالة التدليس طبقا لما هو منصوص عليه بالفصل 64 من قانون التحفيظ، فإن المحكمة المصدرة له لم تكن بهذا التعليل القانوني بحاجة لاتخاذ أي إجراء من إجراءات التحقيق في الدعوى للبت فيها”.
يجب التذكير أنه وبالرغم من عمومية وصرامة تطبيق هذه الخاصية التي تميز تأسيس الرسم العقاري والتي ينتج عنها عدم الاعتراف بأي حق عيني لم يتم التصريح به في مراحل مسطرة التحفيظ، فهناك بعض الاستثناءات لتطبيق هذه القاعدة . يتعلق الأمر ببعض الحالات الخاصة والتي لا تتم مواجهة الأغيار بنهائية تأسيس الرسم العقاري، هذه الحالات الخاصة نوردها كالتالي[16] :
- الملك العمومي: في الحالة التي يتم فيه تأسيس رسم عقاري للملك عمومي في اسم الغير فهذا الرسم لا ينزع عنه الصبغة العمومية والذي أسس الرسم في اسمه لا يعتبر مالكا له. لقد تم تقرير هذا الاستثناء بناء على عدم قابلية الملك العمومي للحجز أو التقادم.
- أملاك الحبوس: إن عدم القابلية للحجز والتقادم تم تقريرها بالنسبة لأملاك الحبوس بمقتضى ظهير 7 يوليوز 1914 مما يجعلها تستفيد من نفس الاجتهاد القضائي المتعلق بالملك العمومي.
- حقوق الماء: يعتبر الماء من الملك العمومي مع الاعتراف لبعض الحقوق المكتسبة ببعض الاستثناء والتي يمكن الاعتداء بها إلا بعد مسطرة إدارية خاصة، الأمر الذي يجعل أي تسجيل عقاري لهذه الحقوق دون جدوى.
- الحقوق المنجمية: بعد منح رخصة تنقيب منجمي يمكن تأسيس رسم منجمي لهذا الحق، غير أن هذا التسجيل لا يتبع مسطرة التحفيظ ولا يعتبر الرسم نهائيا.
- الأملاك الاستعمارية: لقد حدد الظهير رقم 289.63.1 بتاريخ 26 شتنبر 1663 والذي تممه ظهير 27 يوليوز 1970 المحدد لشروط استرجاع الدولة لأملاك المستعمر، بعض القواعد الخاصة والتي تقضي بكون هذه الأملاك وإن تم تأسيس رسوم عقارية سابقة متعلقة بها فذلك غير نهائي.
- الأراضي الفلاحية المسترجعة: بمقتضى الظهير رقم 213.73.1 والذي لم يعتبر الطابع النهائي للرسوم العقارية التي كانت قد تأسست من قبل.
رابعا: له قوة ثبوتية وحجية مطلقة لأن الحقوق المسجلة في السجل العقاري تكتسب مناعة مطلقة فلا يسري عليها التقادم المسقط. إن هذه الخاصية تعتبر الغرض ال|أسلسي الذي توخاه المشرع من إنشاء نظام التحفيظ العقاري، والذي يهدف إلى دفع كل الاضطرابات التي تحدث بخصوص الملكية العقارية. فالمالك المسجل بالرسم العقاري يبقى هو المالك الحقيقي للعقار ويتمتع بمقتضى النصوص القانونية بحماية تامة.
خامسا: العلانية، بعد تأسيس الرسم العقاري فإن المعلومات التي يتضمنها تكون رهن إشارة العموم( حتى لغير المالك) للاطلاع عليها بإدارة المحافظة على الملكية العقارية، طبقا لإجازة الاطلاع على محتويات الملف دون نقل أي وثيقة إلى خارجها.
المبحث الثاني: آليات ضمان حقوق المتضررين من تأسيس الرسم العقاري
يتمتع الرسم العقاري بحصانة مطلقة فهو القرار الوحيد الذي لا يمكن أن يكون محل طعن أو مراجعة لا من قبل المحافظ ولا من غيره من سلطات الدولة، كما سبقت الإشارة إلى ذلك في المبحث الأول، وقد حاول المشرع الحد من حصانة التي تمنحها له الفصلين 2 و62 من ظهير التحفيظ العقاري من خلال إقرار حقوق شخصية يتحملها المالك صاحب الرسم العقاري أو المحافظ العقاري متى تبثث مسؤوليته وذلك طبقا لما نص عليه الفصل 64 من ظهير التحفيظ العقاري والذي جاء فيه: “لا يمكن إقامة دعوى في العقار بسبب حق وقع الإضرار به من جراء تحفيظ.
ويمكن لمن يهمهم الأمر وفي حالة التدليس فقط أن يقيموا على مرتكب التدليس دعوى شخصية بأداء تعويضات.
وفي حالة إعسار المدلس تؤدي التعويضات من صندوق التأمينات المحدث مع الاحتفاظ للصندوق المذكور بحق الرجوع على المعسر.
وكل ذلك مع مراعاة تطبيق القواعد الخاصة بمسؤولية الدولة وموظفيها كما هي منصوص عليها في الفصول 79 إلى 81 من الظهير المتعلق بقانون الالتزامات والعقود”.
واستنادا إلى النصوص التشريعية والآراء الفقهية، ارتأينا ضرورة التطرق للدعوى ضد المحافظ العقاري في (المطلب الأول )، وللدعوى ضد المستفيد من التحفيظ (المطلب الثاني).
المطلب الأول: دعوى ضد المحافظ العقاري
إذا كان الطرف المتضرر من قرار المحافظ العقاري نتيجة خطأ هذا الأخير أو خطأ موظفي المحافظة العقارية أو تدليسهم فإنه يحق للمتضرر رفع دعوى على الدولة طبقا للفصل 79 و 80 من ق.ل.ع كما يمكنه مسائلة المحافظ بناءا على الخطأ الشخصي.
إن الحافظ العقاري كموظف عمومي يخضع إلى جميع المقتضيات التنظيمية المهنية التي توجبها ممارسة الوظيفة العمومية[17].
كما أن مسؤوليته الجنائية تخضع لنظام قانوني وقضائي مستقل بقواعده على غرار مسؤوليته الإدارية التي في غياب أية إشارة لها في ظهير التحفيظ العقاري يسري عليها كل ما هو مقرر في قانون الوظيفة العمومية.
أما فيما يخص مسؤوليته المدنية فهي مسؤولية تقصيرية تجد سندها في الخطأ المهني الناتج عن عدم القيام بالالتزامات المفروضة عليه قانونا والتي تؤدي إلى إلحاق أضرار بالغير.
فمن الناحية القانونية يمكن أن تتحقق مسؤولية المحافظ على الأملاك العقارية بمقتضى نصين أحدهما عام والثاني خاص.
فبالرجوع إلى قانون الالتزامات والعقود نجده يؤكد من خلال الفصل 80 أن : “مستخدمو الدولة والبلديات مسئولون شخصيا عن الأضرار الناتجة عن تدليسهم أو عن الأخطاء الجسيمة الواقعة منهم في أداء وظائفهم.
ولا تجوز مطالبة الدولة والبلديات بسبب هذه الأضرار إلا عند إعسار الموظفين المسؤولين”.
أما الفصل 97 من ظهير التحفيظ العقاري فهو ينص بدوره على أن : ” المحافظ مسؤول شخصيا عن الضرر الناتج:
1 – عن إغفال التضمين بسجلاته لكل تسجيل أو تقييد احتياطي أو تشطيب طلب بصفة قانونية.
2 – عن إغفال التضمين بالشهادات أو النسخ من الكناش العقاري المسلمة و الموقعة من طرفه لكل تسجيل أو تقييد احتياطي أو تشطيب ضمن بالكناش العقاري.
3 – عن فساد وبطلان ما ضمن بالكناش العقاري من تسجيل أو تقييد أو تقييد احتياطي أو تشطيب ما عدا الحالة الاستثنائية المذكورة في الفصل 73″.
والجدير بالذكر أن المستجدات التي مست جهاز المحافظة العقارية و المتمثلة في تحولها من إدارة الحافظة العقارية والمسح العقاري والخرائطية إلى الوكالة الوطنية للمحافظة العقارية والمسح العقاري والخرائطية، لم تمس في شيء المسؤولية الشخصية للمحافظ على الأملاك العقارية وكذا اختصاص اته، الأمر الذي نلمسه كذلك بوضوح في مشروع قانون التحفيظ العقاري الذي كرس بدوره نفس مبادئ هذه المسؤولية المنصوص عليها ضمن مقتضيات التشريع السابق.
مسؤولية المحافظ قد تكون مبنية على الخطأ الشخصي، ما ستتم معالجته في (الفقرة الأولى) المسؤولية الشخصية، ثم المسؤولية الإدارية – الحلول – في (الفقرة الثانية).
أولا: المسؤولية الشخصية
قد يرتكب المحافظ على الأملاك العقارية أخطاء واغفالات خاصة على مستوى التقييدات، التشطيبات، تسليم مختلف النسخ والشهادات العقارية وكذا نظائر الرسوم العقارية، مما قد يتسبب في إلحاق إضرار بزبناء الوكالة ويجعله موضوع متابعة متى كان الخطأ شخصيا، أما إذا كان هذا الأخير يتسم بطابع مصلحي فإن الدولة هي التي تتحمل المسؤولية وبالتالي تعويض المتضررين.
1 مسؤولية المحافظ بناءا على الخطأ الشخصي
لقد حدد ظهير التحفيظ العقاري من خلال الفصل 97 السالف الذكر حالات الخطأ الشخصي للمحافظ على الأملاك العقارية حيث أعطاه أوصافا تجلت في الإغفال والفساد والبطلان.
وقد عرفه مشيل روسيه[18]، بأنه ذلك الخطأ الذي ينفصل ماديا ووظيفيا و معنويا عن المصلحة أو الإدارة بصفة عامة، إما لأنه ارتكب خارج الأداء الوظيفي أي خارج ممارسته العمل الإداري أو في كونه لا علاقة له إطلاقا بالوظيفة.
كما أكد الإجتهاد القضائي هذا الاختلاف وذلك بتعريف الخطأ الشخصي بأنه هو الخطأ المرتكب من طرف موظف أثناء مزاولته لمهامه عن سوء نية قصد تحقيق منفعته الشخصية. حيث جاء في قرار صادر عن المجلس الأعلى [19] أنه : “… بمقتضى نص الفصل 79 من ق.ل.ع فإن الدولة تكون مسؤولة:
إذا كان الضرر عن الخطأ لا يمكن نسبته إلى شخص معين أو أشخاص معينين بحيث نشأ مباشرة عن تسيير مرفق من مرافق الدولة.
إذا نتج الضرر عن الخطأ المصلحي لأحد موظفيها أو مستخدميها بأن كان الخطأ غير مطبوع بالطابع الشخصي للموظف.
أما إذا كان الخطأ شخصيا بأن كانت له علاقة بعمله الوظيفي أو كان الفعل يندرج ضمن واجبات الموظف إلا أنه على قدر من الجسامة أو صدر عنه عمدا أو بنية الأضرار بالغير وفي هذه الحالات فإن الموظف يكون هو المسؤول ولا تطالب الدولة ألا في حالة إعساره طبقا للفصل 80 من ق ل ع”.
يمكن القول إذن أنه إذا استثنينا مسؤولية الحافظ في إطار الفصل 79 من قانون الالتزامات والعقود فإن أي خطأ يسأل عنه مسؤولية شخصية وذلك حسب ما يستفاد من الفصل 80 من نفس الظهير الذي يحيل عليه الفصل الخامس من القرار الوزيري الصادر ب 04 يونيو 1915.
وقد انقسم الفقه بخصوص ما إذا كانت الأخطاء الواردة في الفصل 97 من ظهير التحفيظ العقاري واردة على سبيل الحصر أم المثال.
حيث يؤكد الأستاذ محمد الكشبور[20] أن هذه الأخطاء محددة على سبيل المثال وليس الحصر.
أما الأستاذ محمد الحياني[21] فيري العكس مبررا ذلك بالقول (أن المشرع لو أراد غير لفعله في نفس الفصل الذي يليه)، كما يضيف أنه وبالرجوع لمقتضيات الفصل 64 من نفس القانون المذكور نجد أن المشرع يتحدث عن حالة التدليس التي يمكن أن يرتكبها المحافظ والذي من صوره كما تنص على ذلك المادة 52 من قانون الالتزامات والعقود، استعمال الحيل والتواطؤ والمتمان… وهي حالات إن وجدت لا يمكن أن تخرج عن نطاق مقتضيات الصل 97 من القانون العقاري.
لقد حدد المشرع معيارين لمسؤولية المحافظ الشخصية وهما التدليس والخطأ الجسيم.
والتدليس هو استعمال الحيل والخداع لإيقاع المتعاقد في غلط يحمله على التعاقد، بحيث لولا هذه الوسائل الاحتيالية لما قام المتعاقد بإبرام العقد.
والتدليس كعمل غير مشروع مرتب للمسؤولية، يجب أن يؤخذ هنا بمفهومه الواسع والعام، ليضم مجموعة من التصرفات كالتي تنم عن سوء نية الموظف و قصده السيئ وهذا ما تم أيضا تكريسه من طرف الاجتهاد القضائي حيث جاء في أحد القرارات الصادرة عن محكمة الاستئناف بالرباط ” إن التدليس الذي يبررا قامة دعوى التعويض عن الضرر في إطار الفصل 64 من ظهير التحفيظ العقاري يجب أن يفهم بمعناه الواسع كما يجب أن يثبت من خلال وقائع دقيقة وجدية ومتعلقة بصميم الموضوع ولا تقبل مجرد الادعاءات الخالية من كل سند”
إلا أنه من الناحية العملية يسجل ندرة حالات المسؤولية الشخصية للمحافظ بناء على التدليس، ويفسر ذلك أساسا بصعوبة إثبات المتضرر وجود التدليس.
أما الخطأ الجسيم فلقد تم التنصيص عليه صراحة من خلال الفصل 80 من قانون الالتزامات والعقود والفصل 97 من ظهير التحفيظ العقاري.
ولقد عرفه الفقه بأنه الخطأ الذي لا يتصور وقوعه إلا من شخص عديم الاكتراث أو الخطأ الذي لا يرتكبه إلا أقل الناس حيطة.
ومن التطبيقات القضائية لمسؤولية المحافظ بناء على الخطأ الجسيم نورد بعض القرارات القضائية.
قرار صادر عن المجلس الأعلى بتاريخ 22/12/1965 ورد فيه : ” إن المحافظ العقاري مسؤول شخصيا عن الضرر الناتج عن نسيان تسجيل سجلاته وعن الأخطاء والتشطيبات الواقعة في السجل العقاري، وإن الدولة لا يمكن متابعتها إلا في حالة إعسار الموظف أو ورثته طبقا للفصل 80 من الالتزامات و العقود”.
كما جاء في قرار آخر صادر عن محكمة الاستئناف بالرباط[22]: “… موضوع الدعوى هو تعويض الضرر الناتج عن السير المعيب لعملية التحفيظ حيث لم يتحقق المحافظ من مطابقة الوثائق على القطعة المراد تحفيظها، فالمحافظ ملزم بالقيام بكافة الوسائل للتحقق من ثبوت حق طالب التحفيظ بما فيه القطعة و حدودها”
وفي إطار مسؤولية المحافظ الشخصية فقد أكد المجلس الأعلى كذلك ” إن المحافظ على الملكية العقارية الذي ينشأ رسما عقاريا لمساحة تحمل أصلا رسما عقاريا يكون قد ارتكب خطأ جسيما لأنه لا يمكن تخصيص رسمين عقاريين لعقار واحد”.
كما جاء في نفس الإطار في حكم صادر عن المحكمة الابتدائية بالدار البيضاء: ” إن المحافظ العقاري مسؤول عن الأخطاء التي أدت إلى إلغاء الرسم العقاري عدد— وبالتالي فهو مطالب بأداء مبلغ 21454250 درهم كثمن لشراء العقار، ومبلغ 200000 درهم كتعويض عن الأضرار اللاحقة من جراء إلغاء الرسم العقاري المذكور”.
وإذا كان الخطأ الشخصي هو الخطأ الذي يرتكبه الموظف قصد تحقيق أغراض لا عاقة لها بالوظيفة أو بالأهداف الإدارية لإشباع رغبات خاصة، فإنه وعلى العكس من ذلك يمكن تعريف الخطأ المصلحي بأنه هو الخطأ الذي ينسب إلى الإدارة حتى ولو كان الذي ارتكبه أحد موظفيها[23].
ولقد عرفه المجلس الأعلى في أحد قراراته[24] مستندا على مقتضيات الفصل 79 من قانون الالتزامات والعقود حيث جاء فيه: ” بمقتضى الفصل 79 من ق ل ع فإن الدولة والبلديات تكون مسؤولة عن الأضرار الناتجة مباشرة عن تسيير إداراتها وعن الأخطاء المصلحية لمستخدميها في حالتين اثنتين:
1 – إذا كان الضرر لا يمكنه نسبته إلى شخص معين أو أشخاص معينين وهي الحالة التي يكون فيها الضرر قد نشأ مباشرة عن تسيير مرفق من مرافق الدولة، فالمسؤولية في هذه الحالة تقوم على نظرية المخاطر، ولا يشترط لقيامها وجود خطأ، بل يكفي حدوث الضرر والعلاقة السببية بينه وبين نشاط مرفق من مرافق الدولة.
2 – إذا نتج الضرر عن الخطأ المصلحي لأحد موظفي الدولة أو مستخدميها وكان الخطأ غير مطبوع بالطابع الشخصي للموظف.
وكخلاصة لما سبق فإن القاضي عند تكيفه للخطأ أنه مصلحي، فكأنما يتجاهل الموظف ويعتبر أن الشخص المعنوي العام هو نفسه الذي ارتكب الخطأ و بالتالي تكون الإدارة هي المسؤولة عن الإخلال بالواجب الملقى على عاتقها كما لا يمكنها الرجوع على الموظف للمطالبة باسترداد المبالغ التي تحملتها نتيجة التعويض عن الضرر.
وفي هذا السياق فإننا نتساءل عن ما هي نوعية الأخطاء التي يرتكبها المحافظ على الأملاك العقارية والتي توصف بأنها أخطاء مصلحية تلقي مسؤولية التعويض عن الضرر الناتج عنها على عاتق الدولة؟
بالرجوع إلى قانون الالتزامات والعقود وكذا ظهير التحفيظ العقاري لا نجد أي تحديد للأخطاء المصلحية على عكس الأخطاء الشخصية الناتجة عن التدليس أو الخطأ الجسيم، كما يمكنه ذلك كل ما كان الخطأ صادرا عن موظف يوجد في حالة تبعية تجاه المرفق العمومي أثناء ارتكاب الخطأ.
ولقد صدر في هذا الإطار حكم صادر عن المحكمة الإدارية بوجدة[25]، جاء ضمن منطوقه ما يلي: “أنه في وجود ما يفيد قيام المحافظ وهو مرفق من المرافق العامة بأداء الخدمة المطلوبة منه بشكل لائق… مما تكون مسؤوليته في هذا الإطار قائمة نتيجة خطئة…”
أخيرا، إن مسؤولية المبنية على الخطأ المصلحي، تجد مرجعيتها عند كثير من فقهاء. القانون العام في سوء اختيار ومراقبة موظفيها، إذ أن الأصل في المسألة هو مراعاة معايير معينة وثابتة ومدروسة في العملية الإدارية برمتها، اختيارا وتعيينا ومراقبة، فإذا لم تختر موظفيها ومستخدميها بعناية ولم تراقبهم أثناء تأدية عملهم وطيلة حياتهم الإدارية، ، فعليها منطقيا أن تتحمل وزر سوء الاختيار و عدم المراقبة الإدارية، وإن كان من قبيل المنطق أيضا حرية الدولة في اختيار موظفيها وقدرة مراقبتهم جميعا وفي كل وقت.
ثانيا: المسؤولية الإدارية (الحلول)
إم منطق الأشياء يقتضي بأن يتحمل كل ذي وزر وزره، وعليه فالمبدأ أن يؤدي المحافظ من ماله الخاص قيمة التعويض إن هي ثبتت مسؤوليته الشخصية، لكن فرضية إعساره تفرض ضمان حقوق المتضرر من قبل من يفترض يسره.
وتفعيلا للضمانات المقدمة للمتضررين من أعمال المحافظ، فقد جعل المشرع مسؤولية الدولة مسؤولية موضوعية بحيث تكون ملزمة بالتعويض ولو بدون ارتكاب أي خطأ مصلحي وذلك بمجرد حصول ضرر للغير ناتج عن تسيير مصالحها ، ولنفس السبب تم إنشاء صندوق التأمين بحيث تخصص نفقاته لتعويض المالكين وأصحاب الحقوق العينية الذين فقدوا حقوقهم وذلك في حالة إعسار المحافظ أو المستفيد من قرار التحفيظ.
ولقد أفرز تعدد الأسس الممكن اعتمادها لمقاضاة المحافظ جدلا حول الجهة الممكن إحلالها، أهي الدولة استنادا لمقتضيات الفصل 80 من قانون الالتزامات و العقود أم صندوق التأمين وفق ما يقرره الفصل 100 من ظهير التحفيظ العقاري.
حيث ذهب بعد الفقه إلى أن صندوق التأمين هو الذي يحل محل المحافظ المعسر في جميع الحالات. وعلى العكس من ذلك هناك من يرى، أنه يجب التمييز بين الحالات التي يتابع فيها على أساس مقتضيات الفصل 97 من ظهير التحفيظ العقاري والتي يحل فيها صندوق التأمين محله.
كما أن الخلاف الواقع بين الفقهاء تجسد أيضا على مستوى القضاء حيث أنه في قرار صادر عن المجلس الأعلى[26]،” تم رفض طلب التعويض الموجه ضد الدولة بسبب خطأ المحافظ العقاري في نطاق أحكام الفصل 97 من ظهير التحفيظ العقاري وذلك على أساس أنه يجب متابعة المحافظ أولا، وفي حالة إعساره هو أو ورثته يمكن عندئذ فقط للمتضرر مطالبة صندوق التأمين وليس الدولة”. كما جاء أيضا في نفس القرار:”…إن الدولة لا تحل محل المحافظ إلا في حالة الأخطاء المصلحية لمستخدميها، طبقا للفصل 79 من قانون الالتزامات والعقود”
ألا أنه في قرار آخر صادر عن محكمة عن محكمة الاستئناف بالرباط[27]، تم التأكيد العكس من ذلك حيث ورد فيه: “… بعد إلغاء الحكم الابتدائي تم الحكم من جديد بمسؤولية الدولة المغربية عن الضرر الحاصل للمستأنفين بسبب التحفيظ المعيب للرسم العقاري”.
وانطلاقا من مقتضيات الفصل 100 من قانون التحفيظ العقاري الذي يشكل الأساس القانوني لصندوق التأمين وكذا الإطار العام لمجال تدخله ولغايته و موارده، فإن المشرع ونظرا لعموميته أردفه بتدخل لاحق حاول من خلاله بسط خطة تنظيمه والمسطرة المتبعة أمامه للحصول على التعويض.
ولقد تمثل هذا التدخل التشريعي التنظيمي في الفصول من 58 إلى 66 من القرار الوزيري الصادر في 04 يونيو 1915، والذي عمل أساسا على التذكير بأن الصندوق يتدخل بالضافة إلى حالة إعسار المحافظ بهدف تعويض كل من حرم من ملك أو حق عيني ناتج عن الدخول في شكلية التحفيظ العقاري[28].
وانطلاقا من مقتضيات الفصل 100 من قانون التحفيظ العقاري فإن الغاية من تأسيس صندوق التأمين هي ضمان أداء المبالغ المالية التي يحكم بها لصالح الطرف المتضرر في حالة عسر المحافظ، وبناء عليه يعتبر ضامنا احتياطيا لا يتدخل إلا بعد ثبوت إعسار المحافظ، والدعوى التي تقام ضده تعتبر دعوى احتياطية لا دعوى أصلية، وبالتالي يمكن القول أنه ينشأ لتغطية مسؤولية المحافظ وإنما لتغطية عسرة حيث يحل في الأداء مع إمكانية الرجوع عليه[29].
ولا يمكن مقاضاة صندوق التأمين بكيفية مستقلة عن الدعوى المقامة ضد المحافظ، بل يتعين إدخاله بصفة احتياطية منذ تقديم المقال الافتتاحي ضد المحافظ، و تسير بالتالي الدعوى المقامة ضد هذا الأخير بصفة أصلية وبكيفية متزامنة مع دعوى صندوق التأمين احتياطيا وكل ذلك في إطار المقتضيات والآجال المنصوص عليها في القرار الوزيري الصادر في 04 يونيو 1915.
وتجدر الإشارة إلى أن صندوق التأمين لا يتحمل التعويض إلا في حدود الثلثين من المبالغ الموجودة فيه يوم إصدار الحكم طبقا للفصل 62 من القرار الوزيري الصادر في 04 يونيو 1915، كما أن مطالبته بالتعويض وحسب الفصل 64 من نفس القرار يجب أن تكون داخل أجل سنة واحدة من تاريخ تخفيض العقار و تسجيل الحق الناشئ الضرر، بقي أن نشير أن الواقع العملي اثبت نذر الحالات التي يقوم فيها صندوق التأمين بالتعويض في حالة عسر المحافظ، إذ أننا لم نستطع التوصل إلا إلى قرار وحيد صادر عم المجلس الأعلى[30] نقض بموجبه القرار الصادر عن محكمة الاستئناف بالرباط[31]الذي اقتصر على تحديد التعويض دون إدخال صندوق التأمين المنصوص عليه في الفصل 100 من ظهير التحفيظ العقاري ويمكن تفسير ندرة القرارات المرتبة لحلول صندوق التامين كضامن لإعسار المحافظ في قلة الدعاوي التي تثير مسؤولية المحافظ، وبالتالي مطالبته بالتعويض، وكذا في جهل المتقاضين إمكانية وإجراءات مطالبة الصندوق بالتعويض.
المطلب الثاني : دعوى ضد المستفيد من التحفيظ
إن أهم إثر من آثار التحفيظ العقاري يتمثل في تطهير العقار من جميع الحقوق السابقة الغير مضمنة بالسجل العقاري، غير أنه وحماية لحقوق المتضررين من نهاية الرسم العقاري يمكن مقاضاة المستفيد من التحفيظ متى ثبتت مسؤوليته إما بواسطة دعوى المسؤولية التقصيرية (الفقرة الأولى) أو دعوى رد الثمن والإثراء بلا سبب (الفقرة الثانية).
أولا: المسؤولية التقصيرية
تجد المسؤولية التقصيرية سندها في الفصول من 77 إلى 80 من قانون الالتزامات والعقود حيث ينص الفصل 77 على أن :” كل فعل ارتكبه الإنسان عن بنية واختيار زمن غير أن يسمح له به القانون، فأحدث ضررا ماديا أو معنويا للغير، ألزم مرتكبه بتعويض هذا الضرر، إذا ثبت أن ذلك الفعل هو السبب المباشر في حصول الضرر.
وكل شرط مخالف لذلك يكون عديم الأثر.”
يتضح من خلال هذا التعريف، ضرورة توفر شروط المسؤولية التقصيرية الثلاث: الخطأ – الضرر – العلاقة السببية. فإذا تمكن المتضرر من إثبات ذلك قام حقه في التعويض والمتمثل في التعويض النقدي فقط.
إن الشخص الذي يقوم بتحفيظ عقار مملوك للغير أو من المفروض أن يؤول إلى هذا الأخير باسمه عن طريق استعمال وسائل التدليس أو الغش ، يمكن أن يسأل في إطار المبادئ العامة للمسؤولية التقصيرية. ودعوى التعويض الناتجة عن تدليس أو غش من حفظ العقار باسمه تجد سندها أساسا في الفصل 64 من ظهير التحفيظ العقاري [32].
وحتى يتمكن المتضرر من التحفيظ من الحصول على تعويض بناء على دعوى المسؤولية التقصيرية ضد المستفيد من التحفيظ يجب عليه أن يثبت أن حق الملكية أو أي حق عيني آخر كان لفائدته قبل تحفيظ العقار، وأنه لم يتضرر سوى بفعل أثر التحفيظ، كما يجب أن يثبت التدليس الواقع من طرف المستفيد.
وهذا أيضا ما تم تأكيده في عدد من القرارات القضائية ومن ذلك قرار صادر من محكمة الاستئناف بالرباط[33] جاء فيه : “أنه عملا بمقتضيات الفصلين 62 و 63 من ظهير التحفيظ العقاري، فإن الحق العيني الذي لم يحتفظ به صاحبه وقت جريان مسطرة التحفيظ لا يخول له إلا حق التعويض وفي حالة التدليس فقط”.
ثانيا: رد الثمن والإثراء بلا سبب
يمكن للمتضرر من نهائية قرار التحفيظ مقاضاة المستفيد من ذلك متى ثبتت مسؤوليته عن طريق دعوى رد الثمن أو الإثراء بلا سبب.
أ – دعوى رد الثمن
استنادا إلى مقتضيات الفصل 70 من ق ل ع يحق للشخص الذي اشترى عقارا أو اكتسب بعوض حقا عينيا على العقار، لكنه فقد هذا الحق نتيجة تحفيظ هذا الأخير في اسم شخص أخر، مشتر كان أو مكتسب حق عيني أن يطالب باسترداد ما دفعه وكذا بالتعويض عند الاقتضاء[34]. فحسب هذا الفصل “لا يجوز استرداد ما دفع لسبب مستقل لم يتحقق، أو لسبب كان موجودا ولكنه زال”، وتبعا لذلك بما أن السبب الذي دفع المشتري أو مكتسب الحق العيني لأداء الثمن وهو الحصول على حق الملكية أو الحق العيني، قد أصبح الحصول عليه مستحيلا نتيجة العقار و تطهيره من كل حق عيني سابق بما فيه حق المشتري فإن سبب دفع الثمن بالضرورة قد زال مما يخول استرداده.
وإذا لم يكن عالما بذلك أو كان ضحية وسائل تدليسية مستعملة من طرف البائع، تحفيظ العقار بعد بيعه إياه وبالتالي الحصول على رسم عقاري باسمه، فإنه له الحق في المطالبة برد الثمن وبالتعويض عن الأضرار اللاحقة به [35] من جراء الوسائل التدليسية المستعملة من جانب المستفيد من التحفيظ[36].
وإذا كانت دعوى رد ثمن الشراء تجد أساسها في مقتضيات الفصل 70 من قانون الالتزامات والعقود، فإن دعوى المطالبة بالتعويضات تتم وفق ما هو مقرر في الفصلين 77 و 78 من نفس القانون ، والمتعلقين أساسا بالمسؤولية التقصيرية عن الفعل الشخصي.
ونرى في هذا الإطار أن من أهم المقتضيات الايجابية التي اقرها مشروع قانون التحفيظ، تلك المتمثلة في وضع الاستثناءات على مبدأ التطهير وذلك من خلال المادة 88 التي جاء :” لا تقبل آية دعوى ترمي إلى المطالبة بحق عيني أو تحمل عقاري وقع تطهيره بفعل التحفيظ، ما عدا في الحالات الآتية:
1 – إذا كان هذا الحق لا يسقط بالتقادم ولا يقبل التفويت أو كان قد استفاد من التطهير بمقتضى تشريع خاص.
2 – إذا كان صاحب هذا الحق قد تضرر بسبب تدليس أو زور أو استعماله، شريطة أن ترفع الدعوى داخل أجل سنة من تاريخ اتخاذ القرار.
3 – إذا كان هذا الحق قد تلقيته من يد المستفيد من التحفيظ.
غير أنه لا يمكن في الحالتين الأخيرتين الإضرار بحقوق الغير المقيد عن حسن نية…”.
كما فتحت المادة 89 من نفس القانون إمكانية المطالبة بالتعويض حيث جاء فيها “يمكن للمتضرر من قرار التحفيظ إذ تعذر عليه استرداد العقار أو الحق العيني طبقا لما هو منصوص عليه في المادة من خلال الفقرة الأخيرة إمكانية الحكم تلقائيا على مرتكب التدليس أو الزور أو استعماله بأداء غرامة تساوي قيمة العقار أو الحق العيني لفائدة صندوق التأمين.
ب – دعوى الإثراء بلا سبب.
قد لا يستطيع الشخص الذي فقد حقه من جراء التحفيظ إثبات سوء نية المستفيد إثبات خطأ من جانب المحافظ، وبذلك لن يأتي له ممارسة دعوى الاسترداد، في الحالة الأولى أو متابعة المحافظ في الحالة الثانية. الأمر الذي يجعلنا نتساءل عن وجود دعوى أخرى تمكنه من الحصول على التعويض؟
وبالرجوع إلى الفصل 66 من ق ل ع نجده ينص على أن : “من تسلم أو حاز شيئا أو آية قيمة أخرى مما هو مملوك للغير بدون سبب يبرز هذا الإثراء التزم برده لمن أثره على حسابه”، كما أن الفصل 67 من نفس القانون يؤكد أن ” من استخلص بحسن نية، نفعا من شغل الغير أو شيئة بدون سبب يبرر هذا النفع التزم بتعويض من أثره على حسابه، في حدود ما أثرى به من فعله أو شيئه”..
إذن فكل من أثرى على حساب غيره دون سبب قانوني يلتزم بأن يرد لمن افتقر قدر ما أثرى به في حدود ما لحق المفتقر من خسارة شريطة تحقق شروط دعوى الإثراء بلا سبب[37].
وانطلاقا مما سبق يمكن للمتضرر من قرار المحافظ بتأسيس رسم عقاري نهائي غير قابل لأي طعن، اللجوء إلى دعوى الإثراء بلا سبب في مواجهة المستفيد من التحفيظ ومطالبته تبعا لذلك بأن يرد له قيمة الحق العيني طالما أن استرداد أصبح مستحيلا مع دفع تعويض مناسب لجبر الضرر الناتج عن فقدان الحق.
ولقد أثير جدل فقهي بخصوص طبيعة دعوى الإثراء بلا سبب، أهي دعوى أصلية أم دعوى احتياطية؟
للإجابة عن ذلك يرى الفقهاء[38] إن هذه الأخيرة هي دعوى احتياطية لأنها غير مستعملة من طرف المتضرر من التحفيظ العقاري في كل حالات التدليس مبررا ذلك بأن شروطها ليست محددة بكيفية واضحة، وإنها عبارة عن طعن لا يلجأ إليه إلا بعد ممارسة الطعون المنصوص عليها في الفصل 64 من ظهير التحفيظ العقاري، في حين هناك من يرى[39] أنها دعوى أصلية وذلك لأن المشرع قد خصها بالتنظيم من خلالها عدد من الفصول إضافة إلى أنه لم يتطرق في أي منها إلى الصفة الاحتياطية وبالتالي فهي تعتبر دعوى أصلية يمكن اللجوء بصرف النظر عن وجود أو انتفاء وسيلة أخرى يستطيع المفتقر بموجبها الوصول إلى حقه.
خاتمــــــــــــــة:
يكاد يجمع معظم الباحثين في القانون العقاري المغربي على ضرورة مراجعة جدرية لكونه صار عائقا أما التنمية الاقتصادية والاجتماعية الشيء الذي حذا بالمشرع المغربي إلى اعتماد مشروع قانون لإعادة تنظيم المجال العقاري، فالإشكالات العقارية وما يكتنفها من تعقيدات بالغة الخطورة أظهرت تهافت العلاقة القائمة بين مصالح المحافظة العقارية وباقي أجهزة الدولة كالقضاة مثلا في استصدار قرار منصف في الشأن العقاري، إن إعادة النظر في محتويات هذا النظام القانوني ضرورة ملحة حتى يصبح منسجما مع الأوضاع العقارية الحالية للمغرب المستقل على أن تستهدف هذه الإعادة تحقيق مبدأين رئيسيين، مبدأ الاستقرار القانوني ومبدأ التوقع القانوني لتجاوز المشاكل العالقة في العقار المحفظ وغير المحفظ على حد السواء وذلك بتوحيد خضوعها لمدونة عقارية واحدة تأخذ بعين الاعتبار ما يلي على سبيل المثال لا الحصر:
أولا: استعمال قاعدة التنبؤ لتوقع الاحتمالات بقصد تلافي المشكلات والفراغات الموجودة في القانون الحالي.
ثانيا: قولبة جميع القوانين التي تنظم العقار وجمع شتاتها بدل خضوعها لعدة مقتضيات كقوانين التجزئات والتعمير، والشريعة الإسلامية والالتزامات والعقود….الخ.
ثالثا: تجاوز ثقل مسطرة التحفيظ والبطء الذي يشوبها بسبب الإشهار والتحديد والتدخل في المسطرة والتعرض…الخ بحيث لا ينفر منها طالب التحفيظ.
رابعا: إشاعة الثقافة القانونية بين أوسع فئات المجتمع حتى يقوم الجميه باستعمال جميع الخدمات التي يوفرها التحفيظ العقاري.
خامسا: العمل على حسم القضايا الخلافية بين التطبيقات المختلفة للمحافظات العقارية خاصة ما يشهده شمال المملكة ذي المرجعية الاستعمارية الاسبانية في هذا المجال.
وأخيرا، ولعله من كل ما سبق يمكن أن نستكشف نظرة متفائلة إلى إصلاحات باتت مرتقبة وضرورية بإلحاح في المادة العقارية، إذ المعالجة العقلانية للمسألة العقارية تبقى المدخل الصحيح الذي لابد منه لتقديم الإجابة الصحيحة و العقلانية لهاجس التنمية المستدامة على المستويات الاقتصادية والاجتماعية و الحضارية.
فهرس:
مقدمة1
المبحث الأول: تأسيس الرسم العقاري3
المطلب الأول: تعريف وتحديد المفاهيم3
أولا: الرسم العقاري3
ثانيا: السجلات العقارية8
المطلب الثاني: خصائص الرسم العقاري8
أولا: الطبيعة القانونية لقرار تأسيس الرسم العقاري9
ثانيا: خصائص الرسم العقاري10
المبحث الثاني: آليات ضمن حقوق المتضررين من تأسيس الرسم العقاري14
المطلب الأول: دعوى ضد المحافظ العقاري14
أولا: المسؤولية الشخصية16
ثانيا: المسؤولية الإدارية (الحلول)21
المطلب الثاني: دعوى ضد المستفيد من التحفيظ 24
أولا: المسؤولية التقصيرية24
ثانيا: رد الثمن والإثراء بلا سبب25
خاتمــــــــــــة29
المراجـــــــع:
– محمد كشبور: بيع العقار بين الرضائية والشكل
– عبد الكريم شهبون: الشافي في شرح قانون الالتزامات والعقود المغري الجزء الأول
– عبد العالي العبودي «نظام التحفيظ العقاري وإشهار الحقوق العينية بالمملكة المغربية.
– ميشيل روسيه: المنازعات الإدارية.
– مأمون الكزبري: التحفيظ العقاري والحقوق العينية الأصلية والتبعية في ضوء التشريع المغربي
– جون ريفيروا: القانون الإداري
– حفيظة مقساوي: مسؤولية المحافظ في التشريع المغربي
– محمد بونابات: قوانين التحفيظ والتسجيل والتجزئة العقارية
– محمد الحياني : المحافظ العقاري والمسؤولية التقصيرية
– محمد النجاري: الطعن في قرارات المحافظ على الأملاك العقارية بين اختصاص المحاكم الإدارية والعادية “مجلة الإشعاع
– أحمد أجعون ” خصوصية الرقابة القضائية على أعمال المحافظ العقاري بعد إحداث المحاكم الإدارية” المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية – عدد 34
– إدريس الفاخوري «نظام التحفيظ العقاري بالمغرب “مطبعة الجسور، 2006. بول ديكرو : قانون التحفيظ المغربي 1977
– سعد بن جاني: “مدى مساهمة الاجتهاد القضائي في تطوير نظام التحفيظ العقاري” رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة 2004/2005
– محمد ابن الحاج السالمي: بعض أنظمة الإشهار العقاري في العالم العربي، مجلة التحفيظ العقاري، نونبر 1998.
[1] – مأمون الكزبري” التحفيظ العقاري والحقوق العينية الأصلية والتبعية في ضوء التشريع المغربي” شركة الهلال، 1987.
[2] – الظهير المؤرخ في 9 رمضان 1331 (12 غشت 1913) بشأن التحفيظ العقاري.
[3] -عبد العالي العبودي “نظام التحفيظ وإشهار الحقوق العينية بالمملكة المغربية”، المركز الثقافي العربي، 2003.
[4] – قرار المجلس الأعلى عدد 285 بتاريخ 22 يناير 2002 ملف عدد 590 1 1 2001.
[5] – قرار وزيري صادر في 20 رجب 1333 موافق 3 يونيو 1915 يقرر تفاصيل تطبيق النظام العقاري للتحفيظ.
[6] – قرار المجلس الأعلى رقم 5247 بتاريخ 17 نونبر 1999 ملف عدد 96 1 1103 ( قرار غير منشور).
[7] – طبقا لظهير 29 دجنبر 1953.
[8] – المادة 6 من القرار الوزيري المؤرخ في 14 يونيو 1915.
[9] – ظهير شريف رقم 125.02.1 صادر في 13 يونيو 2002 بتنفيذ القانون رقم 58.00 القاضي بإحداث الوكالة الوطنية للمحافظة العقارية والمسح العقاري والخرائطية، ج ر عدد 5032 بتاريخ 22/02/2002، 2405.
[10] – أحمد أجعون ” خصوصية الرقابة القضائية على أعمال المحافظ العقاري بعد إحداث المحاكم الإدارية” المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنميةـ عدد 34، أكتوبر 2000 ص 37-60.
[11] – حكم المحكمة الإدارية بمكناس عدد 8/94 بتاريخ 29 يوليوز 1994 ملف رقم 2/94 (الناصري اسماعيل ضد المحافظ العقاري بمكناس) أورده أحمد أجعون مرجع سابق.
[12] – قرار محكمة الاستئناف بالرباط بتاريخ 23/2/1927.
[13] -محمد النجاري “الطعن في قرارات المحافظ على الأملاك العقارية بين اختصاص المحاكم الإدارية والعادية” مجلة الإشعاع العدد 21.
[14] – إدريس الفاخوري “نظام التحفيظ العقاري بالمغرب” مطبعة الجسور، 2006.
[15] – القرار المجلس الأعلى عدد 2212 بتاريخ 1 أبريل 1998 الملف الدني عدد 95 1 1 2164.
[16] -Paul Decroux « Droit Foncier Marocain « K Editions la porte ; 1977.
[17] – قرار المجلس الأعلى عدد 1240/97 صادر بتاريخ 09/10/1994
[18] – ميشيل روسيه المنازعات الإدارية – دار النشر ” لابورت” مطبعة المعارف الجديدة. ص 184.
[19] – قرار عدد 3035 ملف مذني رقم 676/85 بتاريخ 17 شتنبر 1986
[20] – محمد الكشبور، بيع العقار بين الرضائية والشكل، دراسة في أحكام الفقه الإسلامي وفي القانون الوضعي وفي مواقف القضاء، مطبعة النجاح الجديدة البيضاء الطبعة الأولى 1997
– محمد الحياني- المحافظ العقاري والمسؤولية التقصيرية- ص 66.[21]
[22] – قرار الاستئناف بالرباط عدد 3300 بتاريخ 25 مارس 1991.
[23] – جون ريفيرو – القانون الإداري، الطبعة السابعة، “دالوز” 1975، ص 175.
[24] – قرار المجلس الأعلى-الغرفة المدنية- غير مشار إلى رقمه صادر بتاريخ 17 شتنبر 1986.
[25] – إدارية وجدة حكم رقم 29/98 عدد 42/97 بتاريخ 14-10-1998
– قرار عدد 539 بتاريخ 22/02/1965.[26]
– قرار عدد 3300 ملف مدني رقم 1182/89 بتاريخ 25/03/1991.[27]
– إدريس الفاخوري، مرجع السابق، ص 121.[28]
– حفيظة مقساوي، مسؤولية المحافظ في التشريع المغربي، العدد الأول، يناير 2002، ص 87.[29]
– قرار عدد 299 بتاريخ 17 فبراير 2000.[30]
– قرار صادر عن استئنافية الرباط عدد 3300 ملف عدد 1182/79 بتاريخ 25/03/1991.[31]
– محمد الكشبور، بيع العقار بين الرضائية والشكل، دراسة في أحكام الفقه الإسلامي وفي القانون الوضعي وفي مواقف القضاء، مطبعة النجاح الجديدة، البيضاء، الطبعة الأولى، 1997 ص 122.[32]
[33] – – قرار صادر عم محكمة الاستئناف – الغرفة العقارية- عدد 1711، دون ذكر لرقم الملف، بتاريخ 19-03-1996، منشور بمجلة الإشعاع ، العدد 26 دجنبر 2002 ص244وما بعده
[34] – حسن نجيدة، الشهر العقاري في مصر والمغرب، دار النهضة العربية، الطبعة الأولى، ص 101
محمد بونبات، قوانين التحفيظ والتسجيل والتجزئة العقارية ، ص30.
[35] – مأمون الكزبري مرجع سابق.
[36] – محمد ابن الحاج السلمي، سياسة التحفيظ العقاري في المغرب بين الإشهار العقاري والتخطيط الاجتماعي، ص 134.
[37] – لكي ينشأ التزام عن واقعة الإثراء بلا سبب يجب توفر الشروط التالية:
– إثراء الشخص- افتقار مقابل وقع لشخص أخر وسبب إثراء الأول- انعدام السبب القانوني.
أنظر كذلك: عايش رجب مجيب الكبيسي، الإثراء على حساب الغير بلا سبب في الشريعة الإسلامية، دراسة مقارنة بالقانون الوضغي، دار الصحوة للنشر، 1986، ص 434 وما بعدها.
[38] – محمد ابن الحاج السلمي، مرجع سابق، ص 138.
[39] – عبد الكريم شهبون، الشافي في شرح قانون الالتزامات والعقود المغربي الجزء الأول مصادر الالتزامات ، الطبعة الأولى، 1999.