Site icon مجلة المنارة

تأثير السجناء المرضى النفسيين على المؤسسات السجنية

تأثير السجناء المرضى النفسيين على المؤسسات السجنية

The impact of mentally ill prisoners on prison institutions

لبنى البدوي Loubna Badaoui

حاصلة على الدكتوراه  في القانون الخاص

She holds a doctorate in privatelaw

كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية

Faculty of Legal, Economic and Social Sciences.

جامعة محمد الخامس الرباط

Mohammed V University Rabat

Email :loubna.badaoui@um5r.ac.ma

ملخص :

اهتمت المواثيق الدولية العامة والخاصة ومنها قواعد مانديلا بالحق في الصحة عموما والصحة العقلية خصوصا؛ باعتبارها من الحقوق الكونية المتأصلة في الطبيعة البشرية والغير قابلة للتنازل عنها أو تجزئتها.

وقد نص الدستور المغربي لسنة2011 على هذا الحق، بينما لم يفرد قانون السجون المغربي إلا مادة واحدة في المرسوم التطبيقي له تقترح ترحيل المدان الذي يتبين أنه مصاب بخلل عقلي أو انهيار عصبي إلى مؤسسة تتوفر على طبيب الأمراض النفسية والعقلية.

وهو ما يلقي بظلاله على أهمية الموضوع من حيث كيف يمكن للمؤسسة السجنية التوفق في الموازنة بين موجبات العقاب ومستلزمات التأهيل في ظل إكراه تواجد السجناء الذين يعانون من أمراض نفسية داخل أسوار هذه المؤسسات؟. ما هي أسباب هذا التواجد؟،  والتي قد تتقاسمها الخبرة الطبية والإجراءات الجنائية، ثم كذلك ظروف الاعتقال، التي قد تنعكس سلبا كعامل نفسي يؤثر على السجين، فيصبح تواجده معيقا للسير العادي لهذه الأخيرة، ويعرض نفسه وزملاءه وموظفي إنفاذ القوانين للخطر، بل قد تقوم مسؤولية الدولة في ضرورة تعويض ضحايا عائلات هؤلاء في حال تعرضهم للخطر أو للمس بسلامتهم الجسدية، وهو ما أكدته قرارات المحكمة الأوروبية.

الكلمات المفتاحية : قواعد مانديلا . الدستور المغربي 2011. المرض النفسي . المؤسسات السجنية . السجناء .

Abstract

Public and private international instruments, including the Mandela Rules, are concerned with the right to health in general and mental health in particular; as an inherent and indivisible cosmic right in human nature.

This right was enshrined in Morocco’s Constitution of 2011, while the Moroccan Prisons Act enshrines only one article in its implementing decree proposing the deportation of a convicted person found to have mental dysfunction or neurological breakdown to a psychiatric institution.

This overshadows the importance of the topic in terms of how can the prison institution reconcile punishment and rehabilitation requirements with the coercion of prisoners suffering from psychiatric illnesses within the institutions’ walls? What are the reasons for this presence?, which may be shared by medical experience and criminal proceedings, as well as by conditions of detention, which may be adversely reflected as a psychological factor affecting the prisoner, making his or her presence obstruct the latter’s normal functioning, endangering himself or his colleagues and law enforcement officials, and may even be the responsibility of the State to compensate the victims of their families if they are endangered or their physical integrity is undermined by the decisions of the European Court.

Keywords :Mandela Rules, Moroccan Constitution 2011.Mental illness .Prison institutions.Prisoners.

المقدمة :

لقد ظل موضوع الحقوق و الحريات الأساسية، حاضرا في صلب الأبحاث القانونية و من المواضيع الحية، التي تحظى باهتمام ليس فقط الأفراد، بل كل الدول التي ارتأت في حماية الحريات واحترام الحقوق؛ مؤشرا حقيقيا لمدى تقدمها ورقيها، منذ أن اقتنع المجتمع الدولي بأن الإنسان أساس تقدم كل مجتمع، وأن الرهان الحقيقي لهذا التقدم لم يعد مناطه فقط التطور التكنولوجي و الاقتصادي، بل الكائن البشري، الذي من خلال احترام كرامته وكافة حقوقه، نجعل منه صانع لحمة و سدى هذا التقدم. فكيف إذا ما تعلق الأمر بحق الإنسان في الصحة عموما، والصحة العقلية خصوصا، باعتبارها عنصراأساسيا  من الصحة العامة للأفراد، بل دعامة وشرط رفاهية وعامل نمو لا غنى أو محيد عنه[1].

على أنه؛ وحتى مع اعتراف منظمة الصحة العالمية بأن الصحة العقلية والجسدية حقان متلازمان إلا أنها لم تعط تعريفا للصحة العقلية بوجه خاص، بقدر ماأوردت في دستورها أن:” الصحة هي حالة من اكتمال السلامة بدنيا وعقليا واجتماعيا، لا مجرد انعدام المرض أو العجز.”[2] و أن التمتع بأعلى مستوى من الصحة يمكن بلوغه، هو أحد الحقوق الأساسية لكل إنسان، دون تمييز بسبب العنصر أو الدين أو العقيدة السياسية أو الحالة الاقتصادية أو الاجتماعية.

بينما تمكن القضاء العربي من إعطاء تعريف للمرض العقلي في قرار صادر عن دائرة التمييز بمحكمة الاستئناف العليا بالكويت،جاء فيه:” إن المرض العقلي و ما في حكمه الذي تنعدم به المسؤولية هو ذاك الذي من شأنه أن يعدم الإدراك أو ما يترتب عليه فقدان القدرة على توجيه الإدارة بصفة تامة، أما سائر الأمراض النفسية التي تنقص أو تضعف من هاتين الملكتين بحيث لا تبلغ الحد الذي يفقد الشخص معه كل إدراكه أو إرادته فلا تعد سببا لانعدام المسؤولية.”[3].

 وهو ما يذعن فكرة أن السجين كإنسان؛ له الحق في الصحة بصفة عامة، ثم الصحة العقلية بصفة خاصة.

أما المهتمين بالمجال الصحي النفسي، فهناك من حاول تعريف المرض العقلي؛”كونه مرض يصيب حياة العلاقات ويتمثل في اضطرابات في الوظائف العليا و العاطفية للشخص المصاب بما يعرقل حياته الاجتماعية و الشخصية.”[4] لذلك كان مناط المسئولية الجنائية تمييز الشخص، الذي بانتفائه تنتفي هذه المسئولية، فيتوجب وضعه في مؤسسات العلاج النفسي، حماية لمصلحة المجتمع عبر تجنب خطورته، ثم حماية له ولحقه في ضرورة تلقي العلاجات النفسية الضرورية.

لهذا يكتسي الموضوع الذي بين أيدينا أهمية سواء من الناحية النظرية، كون الحق في الصحة عموما،بما فيها الصحة العقلية اهتمت بموضوعه المواثيق الدولية العامة و على رأسها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في المادة 20″[5]، ثم العهد الدولي للحقوق الاقتصاديةوالاجتماعية والثقافية في المادة12″[6]، باعتباره من الحقوق الكونية المتأصلة في طبيعتها و الغير قابلة لا للتنازل عنها ولا للتصرف فيها ولا حتى لتجزئتها.”[7]، ثم المواثيق الدولية الخاصة ومنها قواعد مانديلا”[8]، فالمواثيق الإقليمية كما جاء في القاعدة 39 من القواعد الأوروبية للسجون”[9]. ومن بعد ذلك نصت عليه الدساتير ومنه الدستور المغربي في الفصل 31، والذي جاء فيه: ” تعمل الدولة والمؤسسات العمومية و الجماعات الترابية، على تعبئة كل الوسائل المتاحة، لتيسير أسباب استفادة المواطنات والمواطنين على قدم المساواة من الحق في: -العلاج والعناية الصحية…”، لكن قانون السجون المغربي 23.98 لا يفرد أي تعامل خاص مع المعتقلين المصابين أثناء فترة اعتقالهم باضطرابات عقلية[10]، سواء في تمتيعهم بالعلاجات الضرورية تبعا لحالاتهمالنفسية والعقلية، أو لحماية السجناء الأصحاء الذين يجدون أنفسهم مضطرين للتعامل مع زملاء يعانون من  هذه الاضطرابات النفسية والعقلية، بل وحماية موظفي إنفاذ القوانين أحيانا من خطورة هؤلاء، اللهم ما جاء في المادة 101″[11] من المرسوم التطبيقي”[12]. وهو وضع غير صحيينبغي تداركه؛ لأنه يلقي بظلاله على الأهمية العملية للموضوع. من حيث، أن مجتمع السجن باعتباره مواز للمجتمع الحر، ينبغي وبشكل عملي توفير أهمية قصوى لرعايته الصحية لأسباب مهمة يمكن اختصارها في ما هو آت: علم الإجرام أتبث أهمية الصحة أو المرض وعلاقتهما بالجريمة، ثم أن الطابع المغلق للمؤسسة السجنية يجعل منها فضاء أيسر و أسهل لانتشار الأمراض بكل أشكالها، كذلك نجاح برامج التأهيل لا محالة مرتبط ارتباطا وثيقا بنجاح برنامج الصحة عموما جسدية كانت أو عقلية.”[13] كما أن السجين عندما يلج المؤسسة السجنية، يصبح على عاتق هذه الأخيرة  باعتبارها مرفقا عموميا يمثل الدولة، واجب حمايته من كل ما يمكن أن يتعرض له أثناء قضاء فترة عقوبته، ومنه حقه في الصحة العقلية.

لذلك يطرح الموضوع الإشكالية الآتية:

كيف يمكن للمؤسسة السجنية التوفق في الموازنة بين موجبات العقاب ومستلزمات التأهيل في ظل إكراه تواجد سجناء يعانون أعراض نفسية داخل أسوارها؟

المبحث الأول: أسباب تواجد مرضى عقليين أونفسيين داخل  المؤسسة السجنية

يتعارض تعزيز الصحة مع البقاء رهن الاعتقال، والذي يمكن أن يكون سببا في الإصابة بالأمراض، وخاصة ما يتعلق بالصحة العقلية”[14]. لذلك يتقاسم أحيانا ولأسباب تتعدد أوجهها واختلافاتها،مسؤولية تواجد السجين المريض نفسيا داخل المؤسسة السجنية، الإجراءات الجنائية (مطلب أول) ثم الظروف المحيطةبإعطاء الخبرة( مطلب ثان)

 مطلب أول : مساهمة الإجراءات الجنائية أحيانافي تواجد مرضى نفسيين في المؤسسات السجنية

تتعرض نسبة عالية من المخالفين للقانون والذين يعانون من أمراض نفسية للحبس أو السجن، لعدة أسباب : فمنهم من يرتكب الجرم بسبب حالته، ومنهم من يرتكب ذلك بسبب الفقر”[15].لذلك قد نجد الأرقام المرتفعة لسجناء الاعتقالالاحتياطي تأتي نظرا لأن عددا كبيرا من المجرمين، الذين يعانون من اضطرابات شديدة يتم التحفظ عليهم مددا زمنية قصيرة، ثم يطلق سراحهم دون توجيه أي تهم إليهم، أو يظلون في السجن حتى تسنح الفرصة فقط للمحكمة بتحويلهم إلى إحدى المؤسسات العلاجية”[16]. كما أن تدبير قضايا الاعتقالالاحتياطي يكشف دائما عن استمرار عدة إشكالات وصعوبات تتوزع بين ما هو تشريعي وتقني وتدبيري.”[17] بما يجعل منها ظاهرة تؤرق سجون العالم، ومنه السجن المغربي.

فعندما يمثل هؤلاء أمام القاضي الجنائي[18]،-سواء قاضي التحقيق أو قاضي الحكم-، يكون  هذا الأخير مدعوا إلى تفعيل القانون من أجل إثبات أو نفي الفعل الجنائي عن الشخص الماثل أمامه بما يستدعي أحيانا وحسب ما ينص عليه القانون المغربي، عرضه على الخبرة الطبية[19] للتأكد من سلامة قدراته العقلية، وفقا لأحكام مواد القانون الجنائي كما قواعد المسطرة الجنائية وفقاللمادة 88 [20]، والمادة [21]194،التي تحدد كيفية ومتى يمكن القيام بهذا الإجراء.

ويختلف الرأي حول إجبارية أو اختيارية اتخاذ القاضي الجنائي المغربي قرار القيام بالخبرة: فهناك من يرى أنها تبقى أمرا اختياريابالمغرب، عكس بعض الدول الغربية التي تجعله إجباريا كالولايات المتحدة الأمريكية مثلا؛ حيث لا يمكن إجراء محاكمات جنائية دون إخضاع الجاني للخبرة الطبية والشرعية التي تتعلق بحالته النفسية والعقلية[22]. بينما يرجح بعض الفقه إلزامية القيام بها قانونيا، ولكن الأخذ بنتيجتها هو الأمرالاختياري، وأن الّإلزام يخص تعليل الحكم لأنه  يخضع لرقابة قضاء النقض.[23]، وهو نفس توجه اجتهادات القضاء المغربي الذي اعتبر أن طلب إجراء الخبرة طلب جوهري وعدم جواب المحكمة عنه يعتبر نقصانا في التعليل يوازيه الانعدام الذي يترتب عنه نقض القرار و

إبطاله.”[24] بينما نتائج الخبرة لا تلزم قاضي الموضوع الزجري.”[25]

 كذلك إنه؛ وحتى مع اعتماد هذه الخبرة، فغير خفي أن معايير أخرى تتدخل في اتخاذ القاضي الجنائي لقرار الإيداع في المؤسسة السجنية، أوالإيداع القضائي في مؤسسات لعلاج الأمراض العقلية من عدمه، تلك المعايير التي ترجع لاقتناعه الوجداني، ولصعوبة الحكم بهذا الإيداع في جل القضايا، حفاظا على هيبة العدالة. ثم وخاصة، أن مع ارتفاع نسب الإجرام، وبالمقابل نسبة المجرمين، قد يجد قضاة التحقيق أنفسهم تحت ضغط الأيديولوجية المغربية التي ترى أن لا عدالة بدون اعتقال فوري[26]، بما يدفع أحيانا هؤلاء القضاة للجوء للاعتقال ثم النظر فيما بعد في مسألة الصحة العقلية للمعتقل. ثم أن حتى في القوانين المقارنة أصبح هناك تشدد في توقيع المسؤولية الجنائية على الجاني، وتحميله النتائج المترتبة على تصرفه، وتوقيع عليه الجزاء الذي تفرضه القواعد القانونية الجنائية، بسبب خرقه للأحكام التي تقررها هذه القواعد، ودليله المادة 1-122[27] من المدونة الجنائية الفرنسية؛ بما يدعم تزايد في عدد نزلاء المؤسسات السجنية والذين يعانون من اضطرابات نفسية أو عقلية، مع كل ما من شأنه أن يخلق من إشكالات لتواجد هذه الفئة داخل هذه المؤسسات[28].

كما أن حتى مع الحكم بالإيداع القضائي[29] في مؤسسة لعلاج الأمراض العقلية من أجل الملاحظة والعلاج[30]فقد لايتأتى دائما ذلك، لأن المعتقل قد لا يجد له مكانا فيها، وهو ما أكده تقرير قضاة النيابة العامة عقب الزيارات التي تقوم بها لبعض المستشفيات العمومية المغربية، على اعتبار أنها لا تتوفر فيها أماكن شاغرة لإيداع نزلاء جدد، مما يؤدي إلى استمرار إيداع بعض السجناء المحكومين بانعدام المسؤولية الجنائية في السجون، ويتعذر إيداعهم بالمستشفيات رغم عدة محاولات من النيابة العامة.”[31] ينضاف إلى كل هذا، ملاحظة عدم احترام مقتضيات المادة 134 من ق.ج.م المتعلقة بالأشخاص المصابين بخلل عقلي مع قلة الأطباء المختصين في الطب العقلي و النفسي لكي يتيسر تتبع وضعهم الصحي”[32] وهو ما تم الإشارة إليه في مذكرة مشروع القانون الجنائي 10.16، الصادرة عن المجلس الوطني لحقوق الإنسان، بما لا يدعم تجاوز أزمة السجون في ما يخص الأمراض النفسية و العقلية للسجناء داخلها، ويعرقل السير العادي لمهامها، بل ويجعل من السجناء عديمي التمييز في وضع غير قانوني داخل هذه المؤسسات.

مطلب ثاني: دور الخبرة الطبية في تقاسم مسؤولية تواجد سجناء في الفضاء السجني

غير خفي أن الخبرة النفسية هي آلية من آليات تفعيل العدالة وتوجيهها التوجه الصحيح من أجل إحقاق ذوي الحقوق ما يليق بهم من أحكام. فدور الخبرة بالغ الأهمية في مساعدة هذه العدالة في تحديد أو نفي المسؤولية الجنائية عن الأشخاص المعتقلين في قضايا مختلفة، والذين تستوجب أحوالهم الصحية طلب القاضي الجنائي للمساعدة من طرف الخبير النفسي، لاستكشاف حقيقة خباياهم النفسية، ومدى اكتمال أو نقص أو انعدام مسؤوليتهم الجنائية.

بيد أن هذه الآلية ألا وهي الخبرة الطبية النفسية، وحتى تبلغ بالقاضي الجنائي مقصده، فإنه يستوجب تهييئ ظروف وشروط ومعايير لها، ثم وكذلك وقتا كافيا لإنجاحها، وهو ما قد يغيب لأسباب يمكن إجمالها مثلا في:

-أن الخبرة في ميدان الطب العقلي الجنائي تختلف عن الخبرة في غيره من الميادين الجنائية، فالتشريح يكتسي مثلا طابعا فنيا وموضوعيا محضا. كذلك خبرة الخطوط، أما الخبرة الطبية العقلية ففيها اتجاه إلى وشوشة الحل إلى القاضي وإملاء القرار عليه، مادام ذلك القاضي ليست له القدرة الكافية لفك رموز المصطلحات الطبية العقلية، حتى أن البعض يعتبر أن الطبيب العقلي الخبير يتحول إلى قاضي”[33]؛ وإن كنا نرى بأن القاضي الجنائي ينبغي أن يتمسك باقتناعه الوجداني من خلال حيثيات كل قضية على حدة.

-ثم صعوبة عملية التكييف القانوني للواقع[34] التقني الصرف للوقائع، فحين يكتفي الخبير بالتشخيص العلمي للمرض بدون البت في مسألة المسؤولية الجزائية، قد يجد القاضي مشقة في ترجمة ذلك الوصف الوقائعي إلى نتائج قانونية متعلقة بالمسؤولية الجزائية بما يجعل القاضي يطلب من الخبير، في أحيان كثيرة مساعدته على تحديد المسؤولية الجزائية للمتهم.”[35]؛ ثم وأن الأطباء النفسيين يؤكدون أن أحيانا، وخاصة مع الأشخاص الهادئة والصامتة لا تظهر عليهم علامات حقيقية للمرض النفسي، ولا يمكن اكتشافها من خلال الخبرة السريعة، بل الأمر يستدعي الوضع تحت الملاحظة ولفترة.”[36]بينما الإجراءات الجنائية ينبغي أن تأخذ الوقت المحدد لها سلفا من طرف المشرع.

لذلك تظل هذه الأمور من المعوقات  التي تروم إلى الحد من جعل هذه الخبرة وسيلة مساعدة للتخفيف من حدة تواجد سجناء مرضى نفسيين داخل مؤسسات السجون، ينضاف إليها، أولئك الذين يصابون داخل المؤسسات كما سنرى في المبحث الثاني، بما يعيق السير العادي للمؤسسات السحنية، ويؤثر على السجناء الأسوياء.

-أيضا و الأهم من ذلك أن تشخيص المجلس الوطني لحقوق الإنسان، للوضعية الراهنة للمرافق الإستشفائية المغربية، لطب الأمراض العقلية أكد بأن هذه الأخيرة، تعرف عراقيل سواء من حيث التكلفة العالية لهذه الأخيرة، بما يخلق نقص في البنيات الموجودة وعدم ملاءمتها من حيث التوزيع الجغرافي الغير متكافئ، أو نقص في عدد الأطباء المختصين في الأمراض العقلية”[37]، والحقيقة أن حتى الدول المتقدمة  تعاني من نفس الأمر[38]، بما ينعكس سلبا على تقديم خبرات تشخيصية دقيقة، لحالات المعتقلين النفسية، بنقص أو انعدام المسؤولية الجنائية لديهم، وبالتالي نجدهم داخل السجون، وهي ظاهرة بدأت تؤرق عمل هذه الأخيرة، كما سيتم التطرق إليه في المبحث الثاني.

المبحث الثاني: تدهور نفسية السجناء بسبب العقوبة السالبة للحرية يعيق السير العادي للمؤسسات السجنية

تعد المؤسسات السجنية مؤسسات أمنية بطبيعتها، لكن هدفها الأساسي ونبل مهامها يتجسد في إعادة تأهيل وإدماج السجناء، بيد أن هذه الطبيعة الأمنية، مع تنفيذ العقوبة السالبة للحرية، قد تؤثر سلبا على نفسية السجناء (مطلب أول) ثم يصبح هذا التأثير النفسي لهؤلاء معيقا لسير يومياتها بشكل طبيعي ( مطلب ثان) .

المطلب الأول: تؤهل ظروف السجن إلى الإصابة بأمراض نفسية داخله

تستقبل السجون أشخاصا يعانون الهشاشة على المستوى الصحي بحكم انتمائهم إلى فئات محرومة اقتصاديا و اجتماعيا وتربويا قبل أن يتم إيداعهم “[39]. بما يجعل احتمال إصابتهم بمشاكل نفسية، تختلف خطورتها بل قد تزيد من حدتها العقوبة السالبة الحرية.

فالسجين بعد دخوله السجن، نجده يعاني من صدمة منع الحرية عنه، وهي صدمة عنيفة في أيامها الأولى بوضعه بين جدران السجن، ومع جناة من القتلى واللصوص، فيؤرقه ذلك في نومه، وكثيرا ما تحبذ له فكرة الانتحار”[40].

وهكذا تحط المشاكل السابقة لدخول الشخص إلى السجن وتلك اللاحقة عليه، فتثقل فكره وتجعله في عذاب نفسي شديد، قد يفضي إلى إصابته بمرض عقلي أو نفسي[41]، مما يجعله غير مستعد لتلقي برامج التأهيل، كما قد تعتريه أثناء تواجده بالفضاء السجني ظواهر نفسية”[42]، فينتج عن ذلك أحيانا، تدهور الصحة العقلية لهذا السجين-أو السجناء بصفة عامة-إما بسبب غياب العلاج، أو بسبب تعاطي علاج غير مناسب، بل وتعاطي المواد المخدرة”[43]، خاصة عندما يتعلق الأمر بمؤسسات سجنية قد تعرف  نقص في الموارد الطبية للتشخيص، أو كذلك بسبب الاكتظاظ الذي ينعكس سلبا على ولوج وتوفر إمكانيات الصحة والسلامة العقلية، بالرغم من أن قواعد مانديلا تؤكد على ضرورة تولي الدولة مسئولية توفير الرعاية الصحية للسجناء[44]، وكذلك تؤكد على نفس الشيء القواعد الأوروبية في مادتها 39، حيث جاء في التعليق على نفس المادة؛ بأنها تستند إلى المادة 12 من العهد الدولي للحقوق الاقتصاديةوالاجتماعية والثقافية، فتوازيا مع هذا الحق الأساسي الذي ينطبق على جميع الأشخاص، يتمتع السجناء بحماية إضافية بالنظر إلى وضعهم، فعندما يحرم بلد ما أشخاصا من حريتهم، فإنه يتحمل مسؤولية رعاية صحتهم من ناحية ظروف إيداعهم والمعاملة الفردية التي قد تكون ضرورية بسبب هذه الظروف. ولا تتحمل إدارات السجون مسؤولية ضمان فعالية وصول السجناء إلى الرعاية الطبية فحسب ولكن أيضا مسؤولية تهيئة الظروف التي تعزز رفاه السجناء وموظفي السجون”[45]. وهو ما ليس ميسرا في كل المؤسسات.

بل إن حتى مع وجود اهتمام بعلاج هؤلاء فهناك من الأطباء النفسيين، والذين هم ضئيلي العدد في جل دول العالم ومنها المغرب، من يجد تعارضا بين فكرة الاعتقال و العلاج النفسي، كما سنتطرق إليه في المطلب الثاني

المطلب الثاني: المرض النفسي للسجناء يعرقل السير العادي للفضاء السجني

تعيش المؤسسات السجنية بطبيعتها ضغط في العلاقات داخلها بما يجعلها، مؤهبة في كل لحظة لنشوب حادث أمني يستدعي تدخل سريع من موظفي إنفاذ القوانين لإعادة سيرها بشكل آمن، بل إن الشغب والعنف يزيد من تأجج و تفاقم المشاكل الأمنية والصحية أمام انتشار الأمراض لصعوبة عزل النزلاء المصابين عن الأصحاء لضيق المكان من جانب و من جانب آخر للقصور في الخدمات الصحية، لأن الضغط عليها لا يساعد على اكتشاف النزلاء المصابين في الوقت المناسب.” [46]

لذلك فوجود مرضى نفسيين تختلف خطورتهم وشدتها، ينتج عنه أحيانا عواقب تؤثر بشكل أكبر على يوميات السجناء وعلى السير العادي بصفة عامة ليوميات هذه المؤسسة وللمهام الموكول لها تنفيذها والتي على رأسها إعادة التأهيل”[47]. بل قد تؤدي أحيانا إلى أحداث عنف إما من طرف السجناء المرضى نفسيين اتجاه زملائهم[48] أو اتجاه موظفي إنفاذ القوانين، أو قد يتحول الأمر إلى عنف اتجاه أنفسهم. وهو ما أكدته أحكام المحكمة الأوروبية[49]؛ حتى قد يصل الأمر أقصى مداه في الإقدام على

الانتحار. فتقوم مسئولية الدولة في شخص المؤسسة السجنية بضرورة تعويض عائلات هؤلاء نتيجة خرق المادة 3 [50] والمادة[51]13 وهو ما أكدته أحكام المحكمة الأوروبية في العديد من قراراتها، والمغرب على غرار ذلك، حيث قامت المسؤولية الإدارية للمؤسسة السجنية المغربية، في حكم مشابه، نتيجة قتل معتقل سجين مريض نفسيا.

خاتمة:

تعيش المؤسسات السجنية باعتبارها مجتمعا مغلقا مجموعة من الظواهر التي تؤثر سلبا على السير العادي ليومياتها، وعلى الدور المنوط بها؛ ألا وهو إعادة تأهيل السجناء، ومن بين هذه الظواهر نجد ظاهرة السجناء المرضى نفسيين أو عقليين، والذين يفترض فيهم الإيداع بمؤسسات للعلاج النفسي، وحتى يتم تجاوز هذا الأمر الذي يخلق إشكالا حقيقيا ينبغيإعادة النظر في استراتيجية الرعاية النفسية من خلال:

-تعزيز الرعاية الصحية النفسية من خلال تعزيز الخبرة في مجال الصحة العقلية وتعزيز التعاون مع الشركاء الخارجيين من أجل الكشف المتعلق بالطب النفسي وضمان تعزيز الصحة العقلية لجميع السجناء.”[52]

-مساعدة هذه المؤسسات من حيث تجنيبها أصلا وصول هؤلاء إلى فضائها، وذلك عبر جعل الخبرة الطبية العقلية إجراء إجباريا منذ بدء إقامة الدعوى العمومية.

-تحمل شركاء المندوبية العامة لإدارة السجون،مسؤولياتهم اتجاه هؤلاء السجناء الذين يعانون من الاضطرابات النفسية خاصة، وزارة الصحة والحماية الاجتماعية، من حيث ضرورة توفير ظروف إيواء لهؤلاء داخل مؤسسات العلاجية،والرفع من عدد الأطباء والأخصائيين النفسيين، سواء داخل السجون، أو في مؤسسات العلاج النفسي والعقلي، وتحفيز هؤلاء من خلال الدعم المعنوي والمادي، ثم أيضا أن تتحمل الجماعات المحلية مسؤولياتها اتجاه المؤسسات السجنية، خاصة و أن المشرع أوكل لهذه الأخيرة كشريك زيارة السجون، في إطار اللجنة الإقليمية”[53]، وذلك من أجل حماية حقوق هؤلاء السجناء التي من بينها: حقهم في الرعاية الصحية والنفسية.


([1])   الصحة العقلية وحقوق الإنسان الحاجة الملحة إلى سياسة جديدة:  تقرير المجلس الوطني لحقوق الإنسان، ص: 13، تم تحميله على الموقع: www.cndh.maعلى الساعة 13h :45 يوم: 12.04.2022 .

([2])  الفقرة 2 من ديباجة دستور منظمة الصحة العالمية، أقره مؤتمر الصحة الدولي الذي عقد في نيويورك من 19 إلى 22 يونيو 1946.

([3])  عبد اللطيف بن موسى: النظام القانوني للمرض العقلي، مقال، مجلة المنبر القانوني، ع:11، أكتوبر 2016، ص: 164

([4])  Marie-Sophie Filippi : La maladie mentale, Article, Les droits fondamentaux des personnes privées de liberté, Editions mare et martin, 2015, France, P : 353

([5])  تنص الفقرة 1 من المادة 20 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان على أن: ” لكل شخص الحق في مستوى من المعيشة كاف للمحافظة على الصحة والرفاهية له ولأسرته ويتضمن ذلك التغدية و الملبس والمسكن والعناية الطبية وكذلك الخدمات الاجتماعية اللازمة، وله الحق في تأمين معيشته في حالات البطالة والمرض والعجز والترمل والشيخوخة وغير ذلك من فقدان وسائل العيش نتيجة لظروف خارجة عن إرادته.

([6])  تنص المادة 12 من العهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية على أن: ” 1. تقر الدول الأطراف في هذا العهد بحق كل إنسان في التمتع بأعلى مستوى من الصحة الجسمية والعقلية يمكن بلوغه.

2. تشمل التدابير التي يتعين على الدول الأطراف في هذا العهد اتخاذها لتأمين الممارسة الكاملة لهذا الحق، تلك التدابير اللازمة من أجل:

)أ) العمل علي خفض معدل موتي المواليد ومعدل وفيات الرضع وتأمين نمو الطفل نموا صحيا،

)ب) تحسين جميع جوانب الصحة البيئية والصناعية،

)ج) الوقاية من الأمراض الوبائية والمتوطنة والمهنية والأمراض الأخرى وعلاجها ومكافحتها،

)د) تهيئة ظروف من شأنها تأمين الخدمات الطبية والعناية الطبية للجميع في حالة المرض. “

([7]) عبد الجليل عينوسي: مداخلة في ندوة رقمية بعنوان: ” الصحة وحقوق الإنسان في السجون: أي تدبير لجائحة كوفيد 19 بمؤسساتنا السجنية”،للتوسع في الموضوع يرجى الرجوع للموقع : https://www.youtube.com/watch?v=w7gMhqlaPJo تم الاطلاع عليه في : 12.09.2020 على الساعة 12h : 42

([8])  تنص المادة 25 من قواعد مانديلا على: ‘ 1 – يجب أن يكون في كلِّ سجن دائرة لخدمات الرعاية الصحية مكلَّفة بتقييم الصحة البدنية والعقلية للسجناء وتعزيزها وحمايتها وتحسينها، مع إيلاء اهتمام خاص للسجناء الذين لديهم احتياجات إلى رعاية صحية خاصة أو يعانون من مشاكل صحية تعوق إعادة تأهيلهم.

2 – تتألَّف دائرة خدمات الرعاية الصحية من فريق متعدِّد التخصُّصات يضمُّ عدداً كافياً من الأفراد المؤهَّلين الذين يعملون باستقلالية إكلينيكية تامة، وتضمُّ ما يكفي من خبــرة فــي علم النفــس والطــب النفســي. ويجــب أن تُتاح لكلِّ سجين خدمات طبيب أسنان مؤهَّل.”

([9])  تنص القاعدة 39 من القواعد الأوروبية للسجون على أنه: ” يجب على سلطات السجون حماية صحة جميع السجناء الموجودين تحت حراستهم.”

([10])  الصحة العقلية وحقوق الإنسان الحاجة الملحة إلى سياسة جديدة: تقرير بعثة التقصي و البحث حول المؤسسات الاستشفائية المكلفة بالوقاية من الأمراض العقلية ومعالجتها وحماية الأشخاص المصابين بها، منشورات المجلس الوطني لحقوق الإنسان، ص: 36

([11])  تنص المادة 101 من المرسوم التطبيقي رقم 2.00.485 على : ” يمكن اقتراح ترحيل المدان إذا تبين أنه مصاب بخلل عقلي أو انهيار عصبي إلى مؤسسة تتوفر على طبيب للأمراض العقلية والنفسية.

إذا تعلق الأمر بمعتقل احتياطي فإنه يقدم للفحص بأقرب مستشفى للأمراض العقلية بعد إشعار السلطة القضائية المختصة وموافقتها، وفي حالة الاستعجال يتم إشعار السلطة القضائية بعد إخراج المعتقل إلى المستشفى.

يوجه للطبيب النفسي تقرير خاص، ويمكنه طلب الإطلاع على الملف الطبي للمعتقل المقدم إليه.”

([12])   -المرسوم التطبيقي رقم 2.00.485 صادر في 6 شعبان 1421 (3 نوفمبر 2000) تحدد بموجبه كيفية تطبيق القانون رقم 23.98 المتعلق بتنظيم وتسيير المؤسسات السجنية الصادر  بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.99.200 بتاريخ 13 من جمادى الأولى 1420 (25 أغسطس 1999) الجريدة الرسمية عدد 4848 بتاريخ 16/11/2000 ،ص: 3029.

([13]) عيد الجليل عينوسي: من نفس المداخلة في ندوة: الصحة وحقوق الإنسان في السجون: أي تدبير لجائحة كوفيد 19 بمؤسساتنا السجنية

([14])  وضعية السجون في المغرب على ضوء المعايير الدولية والتشريعات الوطنية وضرورة الإصلاح (2016-2020)، تقرير مركز دراسات حقوق الإنسان والديمقراطية، مطبعة البضاوي، الرباط، المغرب ، السنة:2021، ص: 179

([15])   الصحة النفسية في السجون، دليل إرشادي موجز للعاملين في السجون، المنظمة الدولية للإصلاح الجنائي، مكتب الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، عمان، الأردن، ص: 10

([16])  الصحة النفسية في السجون، دليل إرشادي موجز للعاملين في السجون. المنظمة الدولية للإصلاح الجنائي، مكتب الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، عمان، الأردن،-بتصرف-.

([17])  تقرير النيابة العامة لسنة 2020، ص: 407، تم تحميله على الموقع: https://www.pmp.ma/ على الساعة: 20h45 في يوم: 20.05.2022

([18])  ” يتبين أن السادة قضاة التحقيق وهيئات الحكم هي الجهات القضائية التي أوكل إليها القانون أمر إصدار أوامر بإجراء خبرات عقلية ونفسية، ولعل مرد عدم لجوء النيابة العامة إلى استيضاح النواحي العقلية والنفسية للمشتبه فيهم يعود بالأساس إلى طول المدد التي تتطلبها القيام بهذا النوع من الخبرات، في مقابل الفترة الزمنية القصيرة التي يجب خلالها على النيابة العامة إحالة القضايا بمرتكبها على هيئة التحقيق أو الحكم.” عبد الكافي ورياشي: المرض العقلي و النفسي وأثره على المسؤولية الجنائية، ط1، مكتبة الرشاد، سطات، المغرب، السنة: 2019، ص: 134

([19])  يعرف البعض الخبرة بأنها:” مسطرة تستهدف استعمال معارف أخصائي لتسليط الأضواء على مسألة يتوقف حلها على تقنية لا يتوفر عليها القاضي” أو أنها ” إجراء يتعلق بموضوع إلماما بمعلومات فنية لإمكان استخلاص الدليل منه” أو إنها” الاستشارة الفنية التي يستعين بها القاضي أو المحقق في مجال الإثبات لمساعدته في تقرير المسائل الفنية التي يحتاج تقديرها إلى معرفة فنية أو إدارية علمية لا تتوافر لدى القضاة بحكم العمل والثقافة.” عبد الناصر عصامي، عائشة العروسي: الخبرة كدليل إثبات في المادة الجنائية في القانون المغربي، مقال، مجلة المحاكم المغربية، ع 62، فبراير/مارس، السنة: 1991، ص: 61 .

([20])  تنص الفقرة الأولى من المادة 88 من ق.م.ج المغربي على أنه: ” يمكن لقاضي التحقيق أن يأمر في أي وقت باتخاذ جميع التدابير المفيدة وأن يقرر إجراء فحص طبي أو يكلف طبيبا بالقيام بفحص طبي نفساني.”

([21])  تنص المادة 194 من ق.م.ج المغربي على: ” يمكن لكل هيئة من هيئات التحقيق أو الحكم كلما عرضت مسألة تقنية، أن تأمر بإجراء خبرة إما تلقائيا وإما بطلب من النيابة العامة أو من الأطراف.

يقوم الخبير أو الخبراء بمهمتهم تحت مراقبة قاضي التحقيق أو المحكمة المعروضة عليها القضية أو القاضي الذي تعينه المحكمة عند الاقتضاء.=

=إذا ارتأى قاضي التحقيق أنه لا موجب للاستجابة للطلب الخاص بإجراء الخبرة، فعليه أن يصدر في ذلك أمرا معللا للاستئناف، طبق الكيفيات وضمن الآجال المنصوص عليها في المادتين 222و 223.

([22]) عبد الكافي الورياشي:  م.س، ص: 206

([23])  ” يجمع الفقه و القضاء المقارنين على أن ثبوت الخلل العقلي يرجع إلى محكمة الموضوع، فهي وحدها التي لها أن تقرر ما إذا كان الفاعل وقت ارتكابه للفعل في حالة خلل عقلي أم لم يكن كذلك ودون ما رقابة عليها في هذا الشأن من طرف قاضي النقض شريطة أن تؤسس وجهة نظرها في مسألة ثبوت قيام حالة الخلل العقلي من عدمه على أسباب سائغة منطقية، كما أن ذات القضاء والفقه يعتقد بأنه ليس هناك من داع لإلزام القضاء بالالتجاء إلى الخبرة الفنية لتنوير وجهة نظر المحكمة في مسألة انتفاء الخلل العقلي أو ثبوته.” عبد الواحد العلمي: شرح القانون الجنائي المغربي، القسم العام، ط:3، السنة: 2009، ص: 312.

([24])  “طلب الأمر بإجراء خبرة طبية للتأكد من القوة العقلية للعارض وقت ارتكاب الجريمة هو طلب جوهري وعدم جواب المحكمة بالإيجاب أو السلب عم هذا الطلب يعتبر نقصانا في التعليل الموازي لانعدامه الشيء الذي يترتب عنه نقض القرار وإبطاله,” قرار المجلس الأعلى عدد 1315/2007بتاريخ 02/06/2004، منشور بمجلة الملف عدد 10، ص: 210″ الحسن بوعيسي: كرونولوجيا الاجتهاد القضائي في المادة الجنائية، ط:2، مطبعة الجديدة، الدار البيضاء، المغرب، السنة: 2010،ص: 83

([25])  القرار عدد 3/1692 المؤرخ في 03.06.1996 الملف الجنحي عدد 91/24691 .

([26]) ابراهيم شويعر: ” محدودية العقوبة السالبة للحرية القصيرة المدة و إشكالية العود الجنائي،  مقال، مجلة عدالة للدراسات القانونية والقضائية، ع: 2، ط: 1، دجنبر 2019، ص: 48

([27])  l’article 122-1 du Code pénal Français précise que : « la personne qui était atteinte, au moment des faits, d’un trouble psychique ou neuropsychique ayant altéré son discernement ou entravé le contrôle de ses actes demeure punissable » Loi entrée en vigueur le 1octobre 2014

([28])  « L’article a coulé beaucoup d’encre ainsi qu’a ouvert un grand débat sur ses influences sur l’application des peines à l’égard de la proportion grandissante de détenus présentant des troubles psychiques en liaison avec le manque grave de soins offert à ceux-ci, dès leur entrée en prison et leur prise en charge estimé par l’Etat. » pour plus d’information voir : émission Esprit de la justice, sujet : Faire évoluer l’irresponsabilité pénale ? sur le site : https://www.youtube.com/watch?v=w7gMhqlaPJo ; Le Mercredi 19 mai 2021, Vu le 30/04/2022, à 13h : 20

([29])  يعتبر الإيداع  القضائي داخل مؤسسة لعلاج الأمراض العقلية  تدبير وقائي شخصي، نظمته المواد من 75 إلى 77، حيث يتم وضع الشخص في مؤسسة مختصة، بمقتضى قرار من محكمة الموضوع إذا كان متهما بارتكاب جناية أو جنحة أو بالمساهمة أو المشاركة فيها، ولكنه وقت ارتكابه الفعل، كان في حالة خلل عقلي تبث بناء على خبرة طبية، واستوجب التصريح بانعدام مسؤوليته مطلقا وإعفاؤه من العقوبة التي قد يستحقها وفق القانون، أو كان ناقص المسؤولية، فيطبق في حقه المادة 78 من ق.ج.م حيث تصدر في حقه العقوبة السالبة للحرية، لكن يتم إيداعه في المؤسسة العلاجية قبل تنفيذ العقوبة وتخصم مدة بقائه في هذه المؤسسة من مدة العقوبة .” 

([30])  كما يجب التمييز بين المواد من 75 إلى 77 من ق.ج.م، التي تنظم الإيداع القضائي من طرف محكمة الموضوع؛ وبين الإقامة داخل مؤسسة لعلاج الأمراض العقلية أثناء تنفيذ المسطرة والمنظم بموجب المواد 79 و136 من ق.ج.م التي تخول لقاضي الموضوع وقاضي التحقيق، بعد الخبرة الطبية وقف النظر في الدعوى ضد الشخص المتابع لديها بجناية أو جنحة وكان كامل المسؤولية أو ناقصها بالنسبة للأفعال المنسوبة إليه، لكن بسبب خلل في قواه العقلية الذي طرأ أو اشتد عليه جعله غير قادر على الدفاع عن نفسه، فيأمر القضاء بإدخاله في مؤسسة لعلاج الأمراض العقلية ويبقى الأمر بالاعتقال ساريا بالنسبة له حتى يتم إيداعه فعلا.

([31])  تقرير رئاسة النيابة العامة لسنة: 2020، ص: 237

([32])  مذكرة متعلقة بمشروع  القانون 10.16 الذي يقضي بتغيير و تتميم مجموعة القانون الجنائي، تم تحميلها من الموقع الرسمي للمجلس الوطني لحقوق الإنسان، www.cndh.ma، على الساعة 16h :56، يوم 10.08.2022 ، على الساعة:  17h :34

([33]) محمد جوهر: الخبرة الطبية والعقلية والمسؤولية الجنائية، مقال، مجلة الملحق القضائي، ع:32، أبريل 1997، ص: 87

([34])  يقصد بالتكييف القانوني للواقعة: ” تكييف القاضي الجنائي لجريمة معينة وفقا لوصفها القانوني أي طبقا لنموذجها المحدد في القانون، وبالتالي إنزال هذا الوصف القانوني للفعل المجرم على الواقعة المعروضة أمام القاضي.” أحمد أسامة حسنية: التكييف في المواد الجنائية ودوره في تحقيق العدالة الجنائية، مجلة الفقه و القانون الدولية، ع:95، شتنبر 2020، ص:35

([35]) رشيدة الجلاصي: المسؤولية الجزائية للمختل عقليا بين الجمود والتطور، مقال، المجلة القانونية التونسية، مركز النشر الجامعي،  منوبة، تونس، السنة: 2012، ص: 25

([36]) Marion Vacheret et Denis Lafortune : Prisons et Santé mentale, Les oubliés du système : Article, Revue Déviance et Société, Vol : 35, Année :2011/4, P :488

([37])  للتوسع أكثر في الموضوع ، ينظر تقرير بعثة التقصي و البحث حول المؤسسات الاستشفائية المكلفة بالوقاية  من الأمراض العقلية ومعالجتها وحماية الأشخاص المصابين بها للمجلس الوطني لحقوق الإنسان، ص: من 67 إلى 69

([38])  «La question de la présence de détenus souffrant d’un désordre psychiatrique endétention est soulevée depuis de nombreuses années, tant dans les pays nord-américainsqu’européens. » Marion Vacheret, Denis Lafortune : Op.cit, P : 485 

([39]) « Les données scientifiques de prévalence ne sont pas si nombreuses, alors qu’il est reconnu de manière consensuelle que les personnes entrant en détention présentent pour la plupart une santé mentale fragilisée. Les données internationales disponibles sur ce point confirment néanmoins la fréquence de difficultés psychiatriques chez les personnes détenues avant leur incarcération. » Emilie Delaire : Le droit à la santé des détenus, Thèse de doctorat, Faculté de Droit et de Sciences politiques, Université Aix-Marseille, 2Février 2018, P : 50

([40]) سمير عالية: مبادئ علوم الإجرام والعقاب والسياسة الجزائية، أسباب الإجرام ومكافحتها جزائيا: ط1، منشورات الحلبي الحقوقية، 2019، بيروت، لبنان، ص: 329 .

([41]) « Concernant la période carcérale, les résultats des études sont convergents et rendent compte d’une surreprésentation des pathologies psychiatriques. Si les troubles mentaux peuvent déjà exister à l’aube de l’incarcération, cette dernière peut devenir elle-même le déclencheur de troubles mentaux. L’univers carcéral peut en effet conduire à des comportements changeants ,voire dangereux. » Emilie Delaire : Op.cit, P : 50

([42]) ” تم نشر العديد من الأرقام في الصحافة للتنديد بالعدد الكبير للمرضى العقليين في السجون، بيد أنه لم يتم تكريس إلا القليل من الدراسات ذات المصداقية لذلك. وتفيد نتائج بحث نشر سنة 2016، حول المراجعات الممنهجة للصحة العقلية للسجناء بين سنتي 2003 و2015، الذي أشرف عليه الباحث بجامعة أكسفورد سينا فازل وفريقه، ما يلي:

-تتواجد الاضطرابات العقلية بشكل مفرط بين السجناء، وأقوى دليل على ذلك الاضطرابات العقلية الحادة، حيث تقدر البحوث الاستقصائية أن حوالي واحد من كل سبعة نزلاء لديهم ذهان أو اكتئاب.” دليل عملي لفائدة أطباء السجون في مجال الوقاية من التعذيب والرعاية الصحية للسجناء، منشورات مركز دراسات حقوق الإنسان والديمقراطية، ط: 1،  المغرب، مطبعة البيضاوي، س: 2018، ص: 128.

([43])  لاحظ نفس التقرير أن تعاطي المواد المخدرة أعلى بكثير بين السجناء من عامة السكان، حيث يدخل واحد من بين كل خمسة مرضى إلى السجن بسبب الإدمان على المخدرات.” دليل عملي لفائدة أطباء السجون في مجال الوقاية من التعذيب والرعاية الصحية للسجناء، م.س، ص: 128 

([44])  القاعدة عدد 24-1: ” تتولى الدولة مسؤولية توفير الرعاية الصحية للسجناء…”

([45])  الكتاب الدليل للإطار القانوني المتعلق بالسجون في تونس، الطبعة الثانية، السنة : 2021، ص: 404

([46]) شريف زبفر هلالي: واقع السجون العربية بين التشريعات الداخلية و المواثيق الدولية، دراسة مقارنة، سلسلة البحث القانوني وحقوق الإنسان، مركز حقوق الإنسان لمساعدة السجناء، السنة : 2000، ص: 33 .

([47])  “اعتبرت المحكمة الأوروبية أن السجين الذي يعاني من انفصام في الشخصية و الذي تم الحكم بانعدام مسؤوليته في جريمة محاولة القتل العمد سنة 2008، يشكل خطرا على نفسه و على زملائه السجناء و أن وضعه في السجن يخالف المواد 3 و5و 14 من الإتفاقية الأوروبية، لأنه لم يتم إخضاعه لبرتوكول صحي فردي يتلائم وحالته النفسية بما يعرضه لمعاملة لاإنسانية، مهينة وغير لائقة، لأنه كان ينبغي وضعه في مصحة عقلية علاجية وليس مؤسسة عقابية حتى يتجنب خطورته ويتم إعادة تأهيله، كما حكمت له بتعويض قدره 15000 أورو.”

Affaire Strazimiri C. Albanie, Requête n 34602/16, Le 21/01/2020, Strasbourg

([48])  اعتبرت المحكمة الأوروبية  في حكمهما في هذه القضية خرقا للمادة 3  حينما عاتبرت أن: ” السجين  الذي يعاني من اضطرابات نفسية  وتم سجنه سنة 2006 بتهمة محاولة الإغتصاب تحت تهديد بالسلاح. وفي يناير 2007 قتل زميلا له بالسجن، بل فتح صدره ليأكل رئتيه؛ ثم بعد فتح تحقيق في الأمر من طرف سلطات السجن وفق مسطرة تأديبية وأخرى جنائية؛ حيث تمت معاقبته بالسجن 45 يوما في زنزانة التأديب، وعقوبة جنائية وصلت 30 سنة وتدبير وقائي بالعلاج لمدة 8 سنوات.”

       Affaire Cocaign C. France, Requête n 32010/07, Le : 03/11/2001, Strasbourg

([49])  ” ادعت أم سجين كان يعاني من مرض الذهان لعدة سنوات مما كان ينجم عنه أعراض أخرى كالعنف ومحاولة إيذاء النفس، وأن إدارة السجن فشلت في حماية حياة هذا الأخير، االذي انتحر، بما اعتبرته تعرض لمعاملة لا إنسانية، قاسية ومهينة خاصة وأنه لم يتم عرضه على طبيب نفسي مختص . وللإشارة فقد شكل هذا الأخير خطرا على موظفي إنفاذ القوانين حيث تعرض أحدهم للجرح الخطير. وهو ما دفع سلطات السجن لتعريضه لتدابير تأديبية، ووضع في زنزانة التأديب بما أدى إلى انتحاره في زنزانته.

وقد اعتبرت المحكمة أن عدم وجود رقابة فعالة على حالة هذا السجين، وعدم طلب رأي استشاري مستنير طرف طبيب نفسي لتقييم وضعه و الكشف عن أوجه قصور خطيرة في الرعاية الطبية المقدمة له خاصة وأن لديه ميول انتحارية، ثم اتخاد قرار وضعه في الحبس الانفرادي ، وهو ما لم يكن يتوافق وحالته النفسية بما أدى إلى انتحاره و في ذلك خرق للمادة 3.”

Affaire Keenan C-Royaume Uni-, Requête n 27229/95, Le 3/4/2001, Strasbourg

([50])  تنص المادة 3 من الاتفاقية الأوروبية على أنه:” لا يجوز إخضاع أي إنسان للتعذيب ولا للمعاملة أو العقوبة المهينة للكرامة.”، اتفاقية حماية حقوق الإنسان في نطاق مجلس أوروبا، روما في 4 نونبر 1950م.

([51])  تنص المادة 13 من الاتفاقية الأوروبية على أن:” لكل إنسان انتهكت حقوقه وحرياته المحددة في هذه المعاهدة الحق في وسيلة انتصاف  فعالة أمام سلطة وطنية، ولو كان هذا الانتهاك قد وقع من أشخاص يعملون بصفة رسمية.”

([52])  تقرير وضعية السجون في المغرب على ضوء المعايير الدولية والتشريعات الوطنية وضرورة الإصلاح: م.س، ص: 225

([53])  ” تنص المادة 620 من ق.م.ج: ” تكلف في كل ولاية أو عمالة أو إقليم لجنة للمراقبة، يناط بها على الخصوص السهر على توفير وسائل الصحة و الأمن والوقاية من الأمراض وعلى نظام تغدية المعتقلين وظروف حياتهم العادية وكذا المساعدة على إعادة تربيتهم الأخلاقية و إدماجهم اجتماعيا و إحلالهم محلا لائقا بعد الإفراج عنهم.

ويترأس هذه اللجنة الوالي أو العامل أو مفوض من قبله، ويساعده رئيس المحكمة الابتدائية ووكيل الملك بها وقاضي تطبيق العقوبات وممثل السلطة العمومية المكلفة بالصحة ورئيس مجلس الجهة ورئيس مجلس الجماعة اللتين توجد بهما المؤسسة و ممثلو قطاعات التربية الوطنية و الشؤون الاجتماعية و السبيبة والرياضة و التكوين المهني.

تضم اللجنة زيادة على ذلك، أعضاء متطوعين يعينهم وزير العدل من بين الجمعيات أو من بين الشخصيات المعروفة باهتمامها بمصير المحكوم عليهم.” 

Exit mobile version