تأثير الإعلام والرأي العام على العدالة الإجرائية
L’influence des médias et de l’opinion publique sur la justice
procédurale
يوسف تملكوتان
دكتور في القانون الخاص
جامعة عبد المالك السعدي، كلية العلوم القانونية والإقتصادية والإجتماعية، طنجة.
البريد الإلكتروني : [email protected]
ملخص :
أدى التحول الذي عرفته وسائل الاتصال الحديثة إلى اتساع نطاق حرية الرأي والتعبير، إذ تحولت القضايا الجنائية عبر هذه الوسائل إلى محل مناقشة وتداول من طرف الإعلام والرأي العام بشكل ملفت للإنتباه، فنجد أن عينة من الجمهور تنتقد حكم قضائي جنائي أو متابعة جنائية، وعينة أخرى تؤيدهما، مما أدى إلى بروز تأثيرات إيجابية في العدالة الإجرائية من قبيل التوجيه السليم للعدالة بالدفاع عن حقوق المتهمين والمساهمة في الوقاية من الجريمة ومساعدة أجهزة العدالة الجنائية، وفي المقابل برزت تأثيرات سلبية على العدالة الإجرائية، خصوصا عندما يتم نشر وتداول أخبار ووقائع غير كاملة أو كاذبة لها علاقة بقضية جنائية يمكن لها أن تمس بالمتهم، ويمتد هذا التأثير إلى أجهزة العدالة خاصة القضاء الجنائي.
ووعيا منه بأهمية إجراءات العدالة الإجرائية وما تتضمنه من مبادئ للمحاكمة العادلة، وفر المشرع المغربي حماية جنائية لإجراءات البحث والتحقيق والمحاكمة، وأقر عقوبات جنائية في حالة الإخلال بضوابط هذه الإجراءات سواء على مستوى القانون الجنائي أو على مستوى قانون الصحافة والنشر، ويبقى الهدف من توفير هذه الحماية هو التوفيق بين ممارسة حق الرأي والتعبير والحفاظ على مبادئ المحاكمة العادلة باعتبارهما حقوق كونية أقرتها أغلب دساتير العالم ومنها الدستور المغربي.
كلمات مفتاحية : الرأي العام – العدالة الإجرائية – الإعلام – تأثير
Résumé :
La transformation des moyens de communication modernes a conduit à l’expansion de la liberté d’opinion et d’expression, car les affaires pénales ont été transformées par ces moyens en un sujet de discussion et de délibération par les médias et l’opinion publique criminelle d’une manière frappante, nous constatons qu’un échantillon du public critique la décision de justice pénale et un autre échantillon les soutient, ce qui a conduit à l’émergence d’effets positifs sur la justice procédurale tels qu’une bonne conduite de la justice en défendant les droits des accusées, en contribuant à la prévention de la criminalité et en aidant les organes de justice pénale.
D’autre part, un impact négatif sur la justice pénale est apparu, notamment lorsque des informations et des faits incomplètes ou fausses liées à une affaire pénale sont publiées et diffusés, et susceptibles d’affecter l’accusé, en fait cet impact s’étend aux systèmes judicaires et plus particulièrement le système judicaire pénale.
Conscient de l’importance des formalités de la procédure judicaire et des principes équitables qu’elles contiennent , le législateur marocain a prévu une protection pénale des procédures de recherche , d’enquête et de jugement et il a approuvé également des sanctions pénales en cas de manquement aux contrôles de ces procédures que ce soit au niveau du droit pénal ou bien au niveau du droit de la presse et des publications.
L’objectif de cette protection est de concilier l’exercice du droit d’opinion, d’expression et de préserver les principes d’un procès équitable en tant que droits universels approuvés par la plupart des constitutions du monde y compris la constitution marocaine.
Les mots clés : l’opinion publique, la justice procédurale, médias, impact.
مقدمة :
يعتبر حق حرية الرأي والتعبير بمختلف أشكاله، من الحقوق الأساسية التي أجمعت عليه مختلف المواثيق الدولية، وعلى رأسها العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية[1] الذي أقر حرية اعتناق الآراء دون مضايقة، وممارسة الحق في حرية التعبير بشتى الوسائل المتاحة[2].
وكما هو معلوم في وقتنا الحاضر فإن تعدد وسائل الإتصال وحداثتها أدى إلى اتساع نطاق ممارسة حرية التعبير والرأي وتنمية الوعي لدى الجمهور، بل تعدى ذلك التعبير بالدفاع عن الحقوق في شتى المجالات، وحتى في المجال الجنائي.
وإذا كان للإعلام والرأي العام دور إيجابي في الوقاية من الجريمة داخل المجتمع والدفاع عن حقوق المتهمين، إلا أنه يمكن أن يكون في بعض الأحيان وسيلة متعارضة مع هذه الحقوق أثناء قيام العدالة الإجرائية، وذلك عن طريق ما يمكن نشر وتداول من أخبار ووقائع غير كاملة أو كاذبة يمكن لها أن تمس بالمتهم.
ولذلك ظهرت حاجة التشريعات الجنائية في خلق التوازن بين حاجة المجتمع إلى التواصل والإعلام وبين حماية قرينة براءة المتهمين وحقوقهم الشخصية، وكذا ضمان استقلالية القاضي الجنائي أثناء قيام إجراءات العدالة الجنائية.
والمشرع المغربي على غرار التشريعات المقارنة ارتقى بالحق في حرية الرأي والتعبير إلى مرتبة الحقوق الدستورية[3] إلى جانب حرية الصحافة[4]، إلا أنه كما هو معمول به في جميع التشريعات تم إحاطة هذه الحقوق بنوع من القيود لكي لا تتعارض مع بعض الحقوق الدستورية الأخرى كقرينة البراءة مثلا.
وتبقى الصعوبات التي تواجهها التشريعات الجنائية هو كيفية الملاءمة بين ممارسة حق حرية الرأي والتعبير، وبين حماية قواعد ومبادئ العدالة الإجرائية.
أهمية الدراسة :
إن أهمية موضوع هذا المقال تبرز من خلال ما شكلته الطفرة التي عرفتها وسائل التواصل الحديثة من تزايد في تداول قضايا جنائية من طرف الإعلام والرأي العام بشكل ملفت للإنتباه، خاصة وأن البعض يحاول مناقشة وانتقاد حكم قضائي جنائي أو متابعة جنائية.
إشكالية الدراسة :
ولمعالجة هذا الموضوع يتطلب منا طرح الإشكالية الرئيسية التالية:
إلى أي حد استطاع المشرع المغربي التوفيق بين ضمان حرية الرأي والتعبير وحماية حقوق المتهمين أثناء قيام العدالة الإجرائية؟
وتتولد عن هذه الإشكالية الرئيسية الإشكاليات الفرعية التالية :
- ما هي تجليات تأثير الإعلام والرأي العام على العدالة الإجرائية ؟
- كيف واجه المشرع المغربي تأثيرات الإعلام والرأي العام على العدالة الإجرائية؟.
خطة الدراسة:
ولتناول هذه الدراسة والإجابة عن الإشكالية المطروحة يتطلب الأمر تقسيم الموضوع كما يلي :
- المبحث الأول : مظاهر تأثير الإعلام والرأي العام في العدالة الإجرائية.
- المبحث الثاني : الحماية الجنائية للعدالة الإجرائية من تأثيرات الإعلام والرأي العام.
المبحث الأول : مظاهر تأثير الإعلام والرأي العام على العدالة الإجرائية
يلعب الإعلام والرأي العام في مختلف المجالات أدوار مؤثرة، وله انعكاسات تختلف باختلاف الأهداف وباختلاف القضايا، وعلاقة بمجال العدالة الإجرائية فالإعلام والرأي العام يمكن أن يلعبان أدوار إيجابية ويكون لهما انعكاسات إيجابية على العدالة (المطلب الأول)، وفي بعض الأحيان يؤثران فيها سلبا ويكون لهما انعكاسات سلبية عليها (المطلب الثاني).
المطلب الأول : الانعكاسات الإيجابية للإعلام والرأي العام على العدالة الإجرائية
إن للإعلام والرأي العام أدوار مختلفة فتارة يكون موجها للعدالة الإجرائية (الفقرة الأولى) وتارة أخرى يكون الإعلام في خدمة الرأي العام ويقوم بتنويره (الفقرة الثانية) وذلك في الحالة التي يتلقى فيها هذا الأخير وقائع جنائية مغلوطة تؤدي إلى تضليله، كما يقوم بتثقيفه وتنمية وعيه نحو حقائق الأشياء وصحتها.
الفقرة الأولى : التوجيه السليم للعدالة الإجرائية
مما لا شك فيه أن وسائل الإتصال بمختلف أشكالها ومنها الإعلام يؤثر في توجيه الرأي العام في جميع المجالات، ويدافع في بعض الأحيان عن حقوق الأفراد منها السياسية والإقتصادية والإجتماعية وحتى عن حرياته داخل المجتمع.
كما تؤدي دورا اجتماعيا هاما من خلال نشرها للجمهور الأمور التي تهمه، فضلا عن توعيته وتثقيفه، كما أنها تساعد السلطات في الوقوف على رغبات الشعب واتجاهاته وميولاته، الأمر الذي يدفعها إلى توجيه سياستها بما يتفق مع هذه الرغبات والميولات، مما يجعل حكمها أكثر رسوخا وثباتا.[5]
ويعد الإعلام بمختلف أصنافه أبا للرأي العام وملازم للجريمة خصوصا أن الرأي العام لا يعتبر متفرجا على عالم الجريمة بل فاعلا ومؤثرا في فاعلية الإجراءات الوقائية والعلاجية للظاهرة الإجرامية ومتأثرا بالجوانب الإعلامية المقروءة والمسموعة والمرئية منها[6]، وأكثر من ذلك فهو مراقب لإجراءات ملاحقة المجرمين ومحاكمتهم[7].
ولعل إنزال العقاب على من يثبت في حقه ارتكاب الجريمة قد يتعرض في بعض الأحيان لتجاوزات سلطة الضبط والتنفيذ الجنائي، سواء كان ذلك في فترة ما قبل المحاكمة أو أثناء مباشرة المحاكمة أو في فترة ما بعد الإعلان عن الحكم النهائي، وهو الأمر الذي يطرح في نظر الرأي العام المتمسك بالخطاب الحقوقي تحديا في غاية الأهمية لحماية الحرية الفردية والأمن الشخصي للمتهم طيلة أطوار المحاكمة[8]، مما يفرز مجموعات الضغط[9] ترفع شعار التضامن بين أفرادها، وهذا التدخل هو بمثابة توجيه العدالة الجنائية نحو إعمال الحقوق واحترام مبادئ العقاب[10].
وإذا كان للرأي العام دور إيجابي في حماية الحرية الفردية والأمن الشخصي للمتهم أثناء قيام العدالة الإجرائية ومراقبة أجهزة العدالة في إنزال العقاب، فإن هذا الدور يمكن أن يمتد إلى المساهمة في التعاون مع السلطات المختصة بالتبليغ عن أي عمل إجرامي، وقد أثرت هذه المقاربة الإيجابية خلق التعايش السلمي وخلق علاقة شعبية لدى عامة الشعب تنبذ جميع أشكال العنف وتدعو إلى التعايش السلمي وخلق علاقة جديدة بين الفرد والسلطات الأمنية مبنية على الثقة والتعاون من خلال التبليغ عن أشخاص بمجرد الإشتباه في سلوكهم والمسارعة في مشاركة السلطات في إلقاء القبض على المجرمين[11].
ولم يقتصر دور الإعلام والرأي العام في التبليغ عن الجرائم بل له دور فعال في توجيه السلطة التنفيذية على اتخاذ القرارات للوصول إلى نتائج إيجابية داخل المجتمع بل يمتد إلى السلطة القضائية التي تستجيب في بعض الأحيان لمطالب الجمهور[12]، ذلك أن كثيرا من القضايا التي استأثرت باهتمام الرأي العام كانت الصحافة وراء فضحها كقضايا الرشوة ونهب المال العام، ومخالفات التعمير، أو الصفقات العمومية، أو قضايا الإستغلال الجنسي للأطفال، وكان لها الفضل في تحريك المتابعة القضائية بشأنها، وبهذا يكون الإعلام إلى جانب الرأي العام يلعب دورا إيجابيا في تعزيز المساءلة والمحاسبة، فهو يقوم بفضح التجاوزات، وبذلك يعتبر عين القضاء داخل المجتمع ومساعدا له[13].
ولم يكن الرأي العام مساهما مساهمة إيجابية فقط في العدالة الإجرائية فيمكن أن يمتد حتى إلى التأثير في التشريع الجنائي ككل، ويعد الفصل 475 من الأمثلة الرائدة في في ذلك، إذ تبنت جمعيات المجتمع المدني وخاصة النسائية والحقوقية المطالبة بتعديل المادة 475 من القانون الجنائي المغربي، فنجحوا بالفعل في حذف الفقرة الثانية من هذا الفصل المثير للجدل، والتي تقضي بإمكانية تزويج القاصر المغرر بها أو المختطفة، مع ما يترتب عن ذلك من متابعة المختطف أو المغرر إلا بناء على شكوى ممن له الحق في إبطال الزواج، وعدم جواز مؤاخذته إلا بعد صدور حكم بهذا البطلان، ورغم ذلك فقد سارعت بعض الحركات النسائية باعتبار هذا التعديل مجرد تعديل جزئي لا يستجيب لمطالبها الشمولية التي تدين جل أشكال وتمظهرات التطبيع القانوني مع الإغتصاب، والإلغاء الكلي للفصل 475 من القانون الجنائي المغربي.
الفقرة الثانية : تنوير الإعلام للرأي العام
يعتبر الرأي العام إبنا للإعلام وكلما كان الإعلام فاعلا كلما كان وضوح الرأي العام تجاه القضايا المهمة الأكثر تحديدا[14]، فهو يقوم بدور فاعل في تشكيل وتكوين وبلورة الرأي العام وتغييره،[15] إذ أضحى مؤثرا في
العديد من القرارات منها الإجتماعية أو الثقافية أو الإقتصادية.[16]
ويجد الرأي العام أهمية تنويره فيما يتلقاه من ثقافة قانونية ووعي جنائي من وسائل الإعلام بمختلف أشكالها، فالرأي العام هنا يستمد من الإعلام حقائق المواضيع التي ترفع اللبس عن بعض القضايا التي يمكن أن تكون غير واضحة.
ولهذا أصبحت بعض وسائل الإعلام تخصص في موادها معالجة إشكاليات قانونية ووقائع ذات طابع جنائي وتقديم استفسارات قانونية والتعريف ببعض القواعد الجديدة، واطلاع الرأي العام على محتوى النصوص القانونية التي تستند عليها المتابعة الجنائية عبر مشاهد تعنى بالشأن القضائي، وبهذا تكون وسائل الإعلام تتجاوز مرحلة نشر الخبر والتعليق عليه إلى التعريف بحقوق الرأي العام وحثه على القيام بواجباته المفروضة عليه، وخير مثال على ذلك هو ما دأبت بعض القنوات التلفزية المغربية على تقديم برامج متخصصة تعنى بالشأن القضائي في شقه الجنائي في قالب التشويق والإثارة، وهذه البرامج تعرف المشاهد بالمجهودات التي تبذلها السلطات القضائية في البحث لفك لغز الجريمة، وتجسيد أطوار المحاكمة، وتقريب المواطن من الأداء القضائي عبر هاته المشاهد، وتبقى أهم هذه البرامج كبرنامج أخطر المجرمين الذي يعرض على القناة الثانية، وبرنامج “مسرح الجريمة” على قناة ميدي سات، وكذا البرنامج الشهير “مداولة” الذي يعرض على القناة الأولى مرتين في الشهر.[17]
ولا يمكن إنكار الدور الإيجابي لوسائل الإعلام في عدة قضايا جنائية تصدر في شأنها حقائق مغلوطة تؤثر على الرأي العام، فبواسطة وسائل الإعلام يمكن للسلطة القضائية أن تخرج ببيان صحفي تنور فيه الرأي العام تجاه تلك القضايا[18].
وإذا كانت لوسائل الإعلام وللرأي العام انعكاسات إيجابية في توجيه العدالة الجنائية نحو فعاليتها واحترام حقوق المتهمين وحماية المجتمع وتنويره، إلا أنها لا تخلو من انعكاسات سلبية تؤثر على العدالة الإجرائية إذا تم تجاوز الحدود المقررة قانونا لحرية الرأي والتعبير.
المطلب الثاني : الإنعكاسات السلبية للإعلام والرأي العام على العدالة الإجرائية
بالإضافة إلى الأدوار الإيجابية التي ذكرناها بخصوص الإعلام والرأي العام التي تتمثل في التوجيه السليم للعدالة الإجرائية وتنوير الرأي العام نحو حقائق الأشياء وصوابها، فإنه بالمقابل لهما أدوار سلبية تجاه العدالة الإجرائية، ففي بعض الأحيان يتم تداول وقائع على نطاق واسع تمس بقرينة براءة المتهمين (الفقرة الأولى) وفي نفس الوقت تحاول بعض الجهات التأثير على استقلالية سلطة القاضي الجنائي (الفقرة الثانية) مما يؤدي ذلك إلى الإعتداء على الشرف والإعتبار وعدم احترام الحياة الخاصة للمتهمين (الفقرة الثالثة).
الفقرة الأولى : المس بقرينة براءة المتهمين
تعتبر قرينة البراءة من المبادئ التي أقرتها مجموعة من المواثيق والإتفاقيات الدولية[19] وأكدت على ضرورة احترامها، لذلك نصت عليه مختلف التشريعات المقارنة[20]، والمشرع المغربي شأنه شأن هذه التشريعات ارتقى بقرينة البراءة إلى الحقوق الدستورية حيث نص في المادة 119 منه على أنه “يعتبر كل مشتبه فيه أو متهم بارتكاب جريمة بريئا إلى أن تثبت إدانته بمقرر قضائي مكتسب لقوة الشيء المقضي به”.
وتطبيقا لهذا المبدأ أقر المشرع المغربي في قانون المسطرة الجنائية من خلال المادة الأولى على أنه “كل
متهم أو مشتبه فيه بارتكاب جريمة يعتبر بريئا إلى أن تثبت إدانته قانونا بمقرر مكتسب لقوة الشيء المقضي به، بناء على محاكمة عادلة تتوفر فيها كل الضمانات القانونية”.
وإذا كان الدستور المغربي أقر بحرية الرأي والتعبير وبحرية الصحافة إلا أنه في بعض الأحيان تصطدم هذه الحقوق بمبدأ قرينة البراءة، إذ أن الملاحظ على مستوى الإعلام أو على مستوى الرأي العام عبر وسائل التواصل الإجتماعي يتم تداول قضايا جنائية بطريقة مفرطة مخترقة في ذلك حقوق المتهمين أثناء قيام إجراءات العدالة الإجرائية، ذلك أن بعض وسائل الإعلام والرأي العام لا تتورع عن تقمص شخصية القاضي في بعض القضايا لتسمح لنفسها بإصدار الأحكام والتقديرات بالرغم من أن الوقائع لا زالت في مرحلة البحث والتحقيق[21]. ولعل هذا ما يؤدي إلى تكوين قناعة جماعية في غير صالح المتهمين الذين يصبحون مذنبين قبل بداية المرافعات[22]، فيوصف المتهمون بالإجرام ويؤثر ذلك على مركزه الإجتماعي أو سمعته داخل أسرته في حين أن الحكم لم يصدر بعد، وقد يصدر في حقهم أمر بعدم المتابعة لكن بعد أن يكون الرأي العام قد وصمه بالإجرام وانحط في أعين العموم[23].
إن هذه الممارسات السلبية تجعل من المتهم في لغة الإعلام والرأي العام مدان قبل ثبوت إدانته، في حين على الإعلامي أن يتحلى بالحياد والنزاهة في نقل المعلومة الجنائية، لأن نشر وقائع مغلوطة يجعل الرأي العام يحل محل القضاء ويحكم على المتهم، وهذا يكون سببا في هتك المبادئ الجوهرية والقيم الكونية للإنسان ومس بضمانات المحاكمة العادلة وحقوق الدفاع كما هي متعارف عليها دوليا.
ولذلك تتفق التشريعات في مجملها على حماية قرينة البراءة المقررة للمتهم باعتبارها حق من الحقوق الأساسية لحقوق الإنسان، فلا يجب أن تنطوي حرية التعبير والإعلام على المساس بقرينة البراءة وذلك بتجريم كل ادعاء أو الإسناد من شأنه أن يجعل الشخص مدانا قبل صدور أي حكم من الجهة المختصة[24].
الفقرة الثانية : التأثير على استقلالية القاضي الجنائي
يعتبر مبدأ استقلال القضاء مبدأ عالمي أقرته المواثيق والإتفاقيات الدولية[25]، والمشرع المغربي أقره[26] في
الدستور وألزم احترامه[27]، فالمبدأ ذو طابع كوني تعارفت عليه الدول الديمقراطية وسطرت الدساتير والمواثيق الدولية أسسه وبناءه والضمانات الضرورية لوجوده والدفاع عنه.
وكما رأينا أن الحق في الرأي والتعبير والصحافة تعتبر بدورها حقوقا دستورية إلا أنه لا ينبغي أن يمس بحق لا يقل عنه أهمية، ألا وهو حق الأشخاص في محاكمة عادلة[28] وقرارات قضائية مستقلة ومحمية من أي تأثير من أي جهة كانت ولو كانت مادة إعلامية في شكل خبر أو تعليق أو تحليل مرتبط بقضايا لا زالت قيد البحث أو التحقيق أو المحاكمة[29]، وذلك احتراما لاستقلال القضاء كسلطة مستقلة عن باقي السلط في أبهى تجلياته، ألا وهو استقلال القاضي عن كل تأثير وهو يشرف على الأبحاث أو يقوم بها قضاة النيابة العامة وقضاة التحقيق أو يبت في الأحكام قضاة الحكم[30].
وبالرغم من أهمية مبدأ استقلال القضاء إلا أنه يلاحظ تجرؤ بعض وسائل الإعلام على الهيئات القضايا الجنائية حيث توجه لها انتقادات لاذعة وتصف بعض أعضائها بأوصاف قد تنطوي على القذف أو الإتهام المغرض بهدف التأثير على قناعتهم أو إثارة الرأي العام ضدهم وضد أجهزة الأمن من خلال طرح مسألة التعذيب أو الإساءة إلى المتهم خارج ما يسمى به القانون، مما يعطي صورة غير حقيقية وغير مشرفة حول ضمانة الحقوق من طرف الدولة وتزرع خيبة الأمل لدى الرأي العام في تمتيعه بحقه في محاكمة عادلة[31].
إن مثل هذه الممارسات قد تؤثر على استقلالية القاضي من طرف الرأي العام خصوصا وأن استقلالية القاضي الجنائي معرضة للتأثير، وفي صدد هذا التأثير في إجراءات المحاكمة أجريت دراسة ميدانية قام بها الخبير الألماني في علوم الإتصال” هايتاس كيبلينجر” حول تأثر القضاة الجنائيين في ألمانيا، بحيث شملت الدراسة 447 قاضيا و 271 وكيلا للنيابة العامة، وقد أثبتت الدراسة أن 50% من القضاة وممثلي النيابة العامة تأثرت إجراءاتهم بالتقارير الإعلامية و 42% من ممثلين النيابة العامة يفكرون في صدى الرأي العام واعترف ثلث القضاة بأن التقارير الإعلامية تؤثر في حجم العقوبة وتشديدها[32].
ولعل النموذج المغربي مليء بالوقائع التي مارست فيها مجموعات الضغط تأثيراتها على جهاز القضاء الجنائي وحظيت بتغطية إعلامية كبيرة، إذ تهدف هذه المجموعات في التحكم في مسار القضية موضوع الفعل الإحتجاجي والعمل على ضبط إيقاعها، حيث يعمد الطرف المحتج إلى محاولة التحكم في مسار القضية منذ البداية أمام النيابة العامة أو قضاء الحكم وحتى بعد صدور الحكم[33]، والقضاء المغربي تصدى لهذه الممارسات وأبان في مرات عديدة عن استقلاليته وتشبثه بقواعد العدالة والإنصاف.
وصفوة القول أن وسائل الإعلام بمختلف أشكالها تساهم في إيصال المعلومة القضائية للرأي العام وتضمن له حقه في الإعلام، لكن هذا الدور الإيجابي لا يبرر بعض التجاوزات التي تقوم بها بعض وسائل الإعلام في تناول المعلومة القضائية خلال مسار المحاكمة إذ تتحكم بذلك في توجيه الرأي العام نحو التأثير على القضاء بواسطة مجموعات الضغط، والتي تؤدي في بعض الأحيان إلى التشهير بالمتهمين وعدم احترام خصوصياتهم.
الفقرة الثالثة : الاعتداء على الشرف والإعتبار وعدم احترام الحياة الخاصة للمتهمين
إضافة لحق المتهم في ضمانات المحاكمة العادلة يوجد حقه كإنسان في أن يحظى باحترام كرامته التي يعتز بها، وبالتقدير الذي يرى أنه يستحقه من قبل المجتمع في ضوء مكانته الإجتماعية، وهذا ما يطلق عليه قانونا بالحق في الشرف والإعتبار[34]، ويعتبر هذا الحق هو امتدادا لمبدأ قرينة البراءة واحترامه هو احترام للحياة الخاصة.
لكن مع تنوع وسائل التواصل الحديثة اتسعت واختلفت مساحات التعبير لدى الرأي العام والإعلام
بشكل غير مسبوق، وبالمقابل برزت عدة أفعال عن طريق تداول أخبار ووقائع الجرائم ومعلومات عن مرتكبيها، مما يشكل ذلك إساءة للمتهم وفي نفس الوقت جريمة القذف والسب يعاقب عليه القانون.[35]
ووعيا منه بتأثيرات هذه الأفعال على حريات الأفراد اعتبر المشرع المغربي أنه يعد قذفا ادعاء واقعة أو نسبتها إلى شخص أو هيئة، إذا كانت هذه الواقعة تمس شرف أو اعتبار الشخص أو الهيئة التي نسبت إليها[36]، ويعد سبا كل تعبير شائن أو عبارة تحقير أو قدح لا تتضمن نسبة أي واقعة معينة[37].وقد عاقب المشرع المغربي على جريمة القذف والسب العلني بموجب قانون الصحافة والنشر[38].
إن الغرض من هذه المقتضيات القانونية هو احترام خصوصية الأشخاص وتفادي المس بحرياتهم الشخصية غير أن الملاحظ على مستوى تداول القضايا الجنائية هو خرق هذا الحق واستعمال وقائع مثيرة تدل على عن قصد الإساءة[39].
وتعزيزا لحماية الحياة الخاصة للأفراد عمد المشرع المغربي إلى منع ومعاقبة كل من ينشر بأي وسيلة كانت بما في ذلك الانظمة المعلوماتية ببث أو توزيع تركيبة مكونة من أقوال شخص أو صورته دون موافقته أو قام ببث أو توزيع ادعاءات أو وقائع كاذبة بقصد المس بالحياة الخاصة للأشخاص أو التشهير بهم[40].
ولعل هذا المنع يهدف أساسا إلى حماية حتى الأشخاص المتهمين بجرائم والماثلين أمام العدالة، وبالرغم من هذه المقتضيات الزجرية فإنه يتم تداول صور وعبارات وملامح الشخص المتابع وتعمد التشهير به والإساءة إليه، وقد يمتد هذا المساس حتى الضحية[41].
المبحث الثاني : الحماية الجنائية للعدالة الإجرائية من تأثيرات الإعلام والرأي العام
إن التأثيرات السلبية للإعلام والرأي العام على العدالة الإجرائية جعل التشريعات الجنائية تفكر في وضع حماية جنائية لإجراءات البحث والمحاكمة من هذه التأثيرات، والمشرع المغربي شأنه شأن أغلب التشريعات المقارنة أقر حماية جنائية لجميع مراحل العدالة الإجرائية سواء على مستوى إجراءات البحث والتحقيق (المطلب الأول) أو على مستوى إجراءات المحاكمة (المطلب الثاني).
المطلب الأول الحماية الجنائية لإجراءات البحث والتحقيق
لعل من بين أهم وسائل الحماية الجنائية التي يمكن أن تحمي إجراءات البحث والتحقيق من تأثيرات الإعلام والرأي العام هو جعل إجراءات البحث والتحقيق تتسم بمبدأ السرية (الفقرة الأولى) ولتعزيز حماية هذا المبدأ تم ترتيب جزاء الإخلال به (الفقرة الثانية) يطبق على المخالفين له.
الفقرة الأولى : إقرار سرية البحث والتحقيق
من المؤكد أن سرية البحث والتحقيق بشكل عام ترمي إلى تحقيق مجموعة من الأهداف تتعلق بالمصلحة العامة، منها على الخصوص ضمان فعالية ما تقوم به أجهزة العدالة الإجرائية، من مهام التثبت من وقوع الجرائم وجمع أدلة المتابعة والتحقق من هوية المتهم.
ويقصد بالبحث والتحقيق هنا، البحث الذي تقوم به الضابطة القضائية تحت إشراف النيابة العامة سواء في حالة التلبس أو في حالة البحث التمهيدي، وكذا التحقيق الإعدادي الذي يقوم به قاضي التحقيق، كما يمكن أن يضاف إليهما التحقيق التكميلي الذي يقوم به القاضي أو القاضي المقرر عندما تكون إحدى القضايا يعوزها الإثبات وبدا له من الضروري القيام بمزيد من البحث بمكتبه وفي سرية تامة وليس في جلسة علنية[42].
وإذا كانت سرية البحث والتحقيق هو ضمان الفعالية فيما تقوم به أجهزة العدالة فإن التناول العلني لقضايا جنائية كما رأينا من طرف وسائل الإعلام والرأي العام قد يؤثر على المحقق ومبادئه وحتى على السير الطبيعي لإجراءات العدالة الإجرائية الأمر الذي قد يشكل مسا خطيرا بمبدأ المحاكمة العادلة وقرينة البراءة على الخصوص، لذلك تبدو السرية هنا في مصلحة المتهم نفسه إذ قد تضمن له وجود محقق محايد وقاض محايد كذلك، وفي المقابل يمكن لعلنية إجراءات البحث والتحقيق أن تضر بسمعته
في محيطه الخاص.[43]
ومن أجل توفير حماية فعالة لإجراءات البحث والتحقيق نص المشرع المغربي في المادة 15 من قانون المسطرة الجنائية على أنه تكون المسطرة التي تجرى أثناء البحث والتحقيق سرية، وكل شخص يساهم في إجراء هذه المسطرة ملزم بكتمان السر المهني ضمن الشروط وتحت طائلة العقوبات المقررة في القانون الجنائي.
إن العلة من إقرار المشرع المغربي لمبدأ سرية الأبحاث والتحقيقات هي أن يظل المتهم في منأى عن النظرة السيئة من طرف الرأي العام وحتى لا يحكم عليه من طرف الجمهور ويسميه مجرم في حين أنه قد تظهر براءته عند نهاية البحث، بالإضافة إلى ضمان حسن سير العدالة وعدم المساس بإجراءاتها.
ومن خلال مقتضيات المادة 15 يتضح أن الملزمون بكتمان سرية الأبحاث كل شخص يساهم في إجراء هذه المسطرة، لكن هل يعتبر الإعلامي والرأي العام ملزم بعدم نشر معلومات عن مجريات البحث والتحقيق التي يمكن أن تصل إلى علمه، خصوصا في وقتنا الحاضر الذي أصبحت فيه تكنولوجيا الإتصال عموما ومواقع التواصل الإجتماعي تسمح بمساحات واسعة من حرية الرأي والتعبير لأوسع شرائح المجتمع.
فإذا كان الصحفي غير ملزم قانونا بكتمان السر المهني المتعلق بمسطرة البحث والتحقيق لأنه لم يساهم في إنجازها فإنه مع ذلك ملزم بعدم النشر إلى حين إحالة القضية على جلسة الحكم[44]، وبالمقابل لذلك فالمشرع نص من خلال المادة 75 من القانون رقم 88.13 المتعلق بالصحافة والنشر[45] على أنه “يمنع انتهاك سرية التحقيق والمس بقرينة البراءة أثناء مباشرة المساطر القضائية قبل مناقشتها في جلسة عمومية”.
وبهذا يكون المشرع منع حتى على الإعلام تداول معلومات قضائية وإفشاء أسرارها حفاظا على قرينة براءة المتهمين وعدم التأثير في الرأي العام والتأثير في العدالة الإجرائية.
لكن بالرغم مما نص عليه المشرع وفق المقتضيات القانونية المتعلقة بالحفاظ على مبدأ سرية البحث والتحقيق إلا أن الواقع العملي أفرز بعض الممارسات الإعلامية التي تخالف هذا المبدأ حيث تعمد وسائل الإعلام إلى نشر بعض الوثائق المؤثرة بل والحاسمة في النزاع وأحيانا تنشر نسخا من المحاضر التي يحررها قاضي التحقيق والمتضمنة لتصريحات الأطراف والشهود، وهذا ما لا يخدم مبادئ المحاكمة العادلة[46].
وحتى فضاءات التواصل الإجتماعي لا تخلو من تبادل معطيات قضايا جنائية تكون قيد البحث والتحقيق، فالمتصفح لصفحات مواقع التواصل الإجتماعي أو القارئ لتعليقات الزوار بالصحف الإلكترونية، يتجاوز فيها بعض الأشخاص الحدود المسموح بها في حرية التعبير وينغمسون في ارتكاب جرائم للسب والقذف والتشهير في حق الغير[47]، بالرغم من أن القانون الجنائي يجرم ويعاقب على ذلك[48].
الفقرة الثانية : جزاء الإخلال بسرية البحث والتحقيق
إلى جانب الحماية الإجرائية التي أقرها المشرع المغربي لمبدأ سرية الابحاث والتحقيقات أقر حماية موضوعية، وذلك من خلال تجريمه لجريمة إفشاء السر المهني بموجب الفصل 446 من القانون الجنائي حيث نصت على أنه ” الأطباء والجراحون وملاحظو الصحة وكذلك الصيادلة والمولدات وكل شخص يعتبر من الأمناء على الأسرار، بحكم مهنته أو وظيفته، الدائمة أو المؤقتة إذا أفشى سرا أو اودع لديه ، وذلك في غير الأحوال التي يجيز له فيها القانون أو يوجب عليه فيها التبليغ عنه، يعاقب بالحبس من شهر إلى ستة أشهر وغرامة من ألف ومائتين إلى عشرين ألف درهم”.
إن المشرع المغربي على غرار التشريعات المقارنة[49]عند تجريمه لإفشاء السر المهني من طرف كل شخص يعتبر من الأمناء على الأسرار بحكم مهنته أو وظيفته، يكون بذلك وفر حماية موضوعية لسرية البحث والتحقيق فهذه الحماية هي بمثابة امتداد للحماية الإجرائية المقررة بموجب المادة 15 من قانون المسطرة الجنائية والتي نصت في فقرتها الثانية على أنه كل شخص يساهم في إجراء هذه المسطرة ملزم بكتمان السر المهني ضمن الشروط وتحت طائلة العقوبات المقررة في القانون الجنائي، ويدخل ضمن هؤلاء كل من ضباط الشرطة القضائية وقضاة التحقيق والنيابة العامة، وكتاب الضبط، وحتى المحامون.
ومن أجل الحد من تأثيرات الإعلام على العدالة الإجرائية أقر المشرع المغربي عقوبة انتهاك سرية البحث والتحقيق من طرف الصحافة حيث نص في المادة 78 من القانون رقم 88.13 المتعلق بالصحافة والنشر على أنه “يعاقب بغرامة من 5000 إلى 50.000 درهم عن كل مخالفة للمواد 75 و76 و 77 أعلاه”، بمعنى أنه كل ما انتهك سرية التحقيق والمس بقرينة البراءة أثناء مباشرة المساطر القضائية قبل مناقشاها في جلسة عمومية يعاقب بالغرامة المنصوص عليها في المادة 78 المذكورة[50].
وامتدادا للحماية الجنائية لسرية البحث والتحقيق يعاقب المشرع المغربي وفق مقتضيات المادة 303 من قانون المسطرة الجنائية بغرامة تتراوح بين خمسة آلاف وخمسين ألف درهم ومصادرة الآلات والأشرطة عند الاقتضاء كل من استعمل آلات التصوير أو التسجيل أو الإرسال أو الإلتقاط أو الاتصال المختلفة بقاعة الجلسات أو في أي مكان آخر يجري به تحقيق قضائي. كما يعاقب بنفس العقوبة كل من يقوم بأية وسيلة كانت بنشر تحقيق أو تعليق أو استطلاع للرأي يتعلق بشخص تجري في حقه مسطرة قضائية بصفته متهما أو ضحية دون موافقة منه ويعاقب عن هذه الأفعال إذا تم ارتكابها قبل إدانة الشخص المعني بالأمر بحكم مكتسب لقوة الشيء المقضي به، وتجرى المتابعة بناء على شكاية من المعني بالأمر.
إن بالتمعن في هذه المقتضيات القانونية يتبين أن المشرع المغربي توقع لما يمكن أن تثيره أفعال النشر والتداولمن طرف الإعلام والرأي العام من تأثيرات على حقوق المتهم وعلى أطوار العدالة الإجرائية، وبالتالي فإن المشرع هنا أقر حماية جنائية لسرية التحقيق والبحث وللعدالة الإجرائية ككل.
المطلب الثاني : الحماية الجنائية لإجراءات المحاكمة
إعمالا بمبادئ المحاكمة العادلة عمد المشرع المغربي إلى إقرار علنية جلسات المحاكمة مع مراعاة ضوابطها (الفقرة الأولى) مع جعل انعقاد هذه الجلسات بطريقة سرية كاستثناء وبضوابط قانونية (الفقرة الثانية)، وذلك حفاظا على النظام العام والأخلاق العامة وفي نفس الوقت حماية سمعة المتهمين وحياتهم الخاصة.
الفقرة الأولى : علنية الجلسات وضوابطها
لا تتحقق عدالة المحاكمة إلا إذا كانت جلساتها مفتوحة أمام الجمهور الذي يمثل رقابة على القاضي، مما يدفع به إلى تطبيق القانون على الوجه الأكمل ويعزز ثقة الناس فيه[51]، فهي مرحلة حاسمة في الدعوى الجنائية فعن طريقها يتم تصحيح الأخطاء والإنتهاكات التي وقعت أثناء المراحل السابقة[52]، وتعد مبدأ من مبادئ المحاكمة العادلة وضمانة أساسية لها وأحد إجراءاتها الهامة التي يتحقق من خلالها تطبيق القانون الذي يكرس مصداقية القضاء النزيه[53].
وإذا كانت كرامة المتهم وسمعته تستدعي السرية في إجراءات البحث والتحقيق فإن في مرحلة المحاكمة نكون أمام أخطر مرحلة من مراحل الدعوى العمومية من حيث مصير المتهم التي يتم فيها التوفيق بين أدلة الإدانة والبراءة ولكي يتم هذا التوفيق بالمصداقية لابد من إقرار مبدأ علنية جلسات المحاكمة[54].
وخلال مرحلة المحاكمة ترتفع كل قيود السرية على الوقائع التي كانت موضوع البحث والتحقيق، إذ يكون بمقدور أي شخص من العموم حضور جلسات المحاكمة استنادا لمبدأ العلنية الذي يقتضي إجرائها علنا تحت مسمع ومرأى الحضور[55].
لقد أكدت مبدأ علنية الجلسات مقتضيات المادة 300 من قانون المسطرة الجنائية التي نصت على أنه “يجب تحت طائلة البطلان أن تتم إجراءات البحث والمناقشات في جلسة علنية ما عدا في الحالات المنصوص عليها في المادتين 301 و 302 بعده، لا يمكن إثارة هذا البطلان فيما بعد إلا إذا طلب ممثل النيابة العامة أو الطرف المدني أو المتهم تسجيل الإشهاد بعدم علنية الجلسة.
كما أكدت مقتضيات المادة 364 من نفس القانون المذكور من خلال فقرتها الثانية على ضرورة تلاوة منطوق كل حكم أو قرار أو أمر في جلسة علنية، ما لم تنص على خلاف ذلك مقتضيات خاصة.
لعل التنصيص على علنية الجلسات وفق المقتضيات السابقة يدل على نية المشرع في ضمان المحاكمة العادلة للمتهم، وتمكين الرأي العام من حضور أطوار الجلسات وممارسة الرقابة على إجراءات الحكم.
وتعزيزا لمبدأ العلانية سمح قانون المسطرة الجنائية من خلال المادة 303 على إمكانية استعمال آلات
التصوير أو التسجيل أو الإرسال أو الإلتقاط أو الإتصال المختلفة بقاعة الجلسات أو في أي مكان آخر يجري به تحقيق قضائي.
كما سمح القانون رقم 88.13 المتعلق بالصحافة والنشر من خلال المادة 77 نشر ما يجري في الجلسات العلنية للمحاكم شريطة احترام قرينة البراءة وعدم مخالفة الحقيقة مع التقيد بالضوابط القانونية الجاري بها العمل.
بالرغم مما أجازه المشرع من خلال المقتضيات السابقة بخصوص نشر ومتابعة أطوار جلسات المحاكم إلا أنه وفي نفس الوقت فالمشرع قيد هذه الحرية في النشر لما يمكن أن تشكله من تأثير على المحاكمة العادلة وعلى المتهم وإجراءات محاكمته، ويتجلى هذا المنع فيما جاءت به مقتضيات المادة 78 من القانون رقم 88.13 المتعلق بالصحافة والنشر والتي نصت على أنه “يعاقب بغرامة من 5000 إلى 50.000 درهم عن كل مخالفة للمواد 75 و76 و 77 أعلاه”، أي أنه كل من خالف شروط احترام قرينة البراءة ومخالفة الحقيقة وعدم التقيد بالضوابط القانونية الجاري بها العمل يعاقب بالغرامة المنصوص عليها في المادة 78 المذكورة.
وإذا كانت بعض الأفعال المرتكبة من قبل الإعلام والرأي العام يمكن أن تؤثر على إجراءات المحاكمة العادلة فالمشرع المغربي وفق مقتضيات المادة 303 من قانون المسطرة الجنائية عاقب بغرامة تتراوح بين خمسة آلاف وخمسين ألف درهم ومصادرة الآلات والأشرطة عند الاقتضاء كل من استعمل آلات التصوير أو التسجيل أو الإرسال أو الإلتقاط أو الاتصال المختلفة بقاعة الجلسات أو في أي مكان آخر يجري به تحقيق قضائي.كما يعاقب بنفس العقوبة كل من يقوم بأية وسيلة كانت بنشر تحقيق أو تعليق أو استطلاع للرأي يتعلق بشخص تجري في حقه مسطرة قضائية بصفته متهما أو ضحية دون موافقة منه ويعاقب عن هذه الأفعال إذا تم ارتكابها قبل إدانة الشخص المعني بالأمر بحكم مكتسب لقوة الشيء المقضي به، وتجرى المتابعة بناء على شكاية من المعني بالأمر.
بالنظر إلى المقتضيات المذكورة يتضح لنا أن المشرع أقر مبدأ علنية الجلسات وشفوية المرافعات تجسيدا للمحاكمة العادلة وتعزيزا لرقابة الرأي العام والإعلام على إجراءات المحاكمة، لكن في المقابل وفر حماية للمتهم من التأثيرات والتجاوزات التي يمكن أن تمس بقرينة البراءة وباستقلالية القضاء، وبالحياة الخاصة للمتهمين، من طرف الإعلام والرأي العام.
الفقرة الثانية : سرية الجلسات وضوابطها
إذا كان الأصل في انعقاد الجلسات هو العلنية فإن سرية انعقادها يشكل الاستثناء يمكن اللجوء إليه وذلك لاعتبارات أمنية أو أخلاقية وفي حالات أخرى وجود قضايا ذات حساسية[56]، حيث أنه إذا كانت المرافعة علنية يمكن أن يشكل ذلك مساسا بالنظام العام أو الآداب أو حرمة الأسرة وسمعتها عن طريق كشف الجمهور للوقائع ونشرها[57].
ولذلك عمد المشرع المغربي في هذه الحالات إلى جعل انعقاد الجلسات بطريقة سرية إذ نص في المادة 302 من قانون المسطرة الجنائية على أنه “إذا اعتبرت المحكمة أن في علنية الجلسة خطرا على الأمن أو على الأخلاق أصدرت مقررا بجعل الجلسة سرية”[58].
ولم يكن هاجس الأمن والأخلاق وحده الدافع لجعل الجلسات سرية بل اعتبر المشرع المغربي أن قضايا الأحداث هي بدورها تتسم بالسرية[59] إذ نص في المادة 301 من قانون المسطرة الجنائية على أنه ” يمكن للرئيس أن يمنع الأحداث أو بعضهم من دخول قاعة الجلسات إذا ارتأى أن حضورهم فيها غير مناسب”.
ونظرا لما تكتسيه أهمية سرية الجلسات في قضايا الأحداث فقد أكد المشرع المغربي على سرية الجلسات من خلال المادة 479 من قانون المسطرة الجنائية وذلك عندما نص على أنه “يجري البحث والمناقشات ويصدر الحكم بجلسة سرية، ويجب أن يحضر الحدث شخصيا ومساعدا بمحاميه وممثله القانوني، ما لم تعف المحكمة الحدث أو ممثله القانوني من الحضور”، وحفاظا على سمعة الحدث منع المشرع المغربي نشر أية بيانات عن جلسات الهيئات القضائية للأحداث بأي وسيلة من وسائل الإتصال[60].
ويبقى الهدف من هذا المنع هو حماية الحدث من أن يكون عرضة للوصم سواء كان جانحا أو ضحية وكذا للأهمية التربوية القصوى للحدث ودرءا للمهانة ووقاية له من الفعل الذي قد يحدثه النشر من إيذاء لنفسيته.
لكن بالرغم من هذه المقتضيات إلا أن الواقع يثبت أن وسائل الإعلام لا تتعامل مع السرية بالجدية اللازمة، حيث أفرز تحقيق أنجزته اليونسيف حول “الطفل في الصحافة المكتوبة بالمغرب” أن : 9% من المقالات تشير إلى إسم الطفل مما يعرضه للإنتقام، كما أن 5% منها تلجأ إلى استغلال الأطفال كشهود دون إذن من الأبوين، وهو ما يعتبر خرقا سافرا للقانون[61]، وهو ما يعتبر خرقا لمبادئ الحفاظ على سمعة الحدث ولحقوقه الشخصية.
خاتمة :
وصفوة القول وانطلاقا مما تقدم يتبين لنا من خلال تحليل مقتضيات التشريع الجنائي المتعلقة بالموضوع، أن المشرع عمل جاهدا من أجل التوفيق بين حرية الرأي والتعبير الممنوحة للرأي العام وللإعلام وبين والمبادئ والحقوق الممنوحة للمتهمين في إطار المحاكمة العادلة، وكل هذه الحقوق هي حقوق مضمونة دستوريا ومحمية بواسطة التشريع الجنائي.
وعليه فقد مكنتنا المنهجية المعتمدة في تناول هذا الموضوع من الوقوف على المقتضيات القانونية وتحليلها وربطها بنماذج وأمثلة من الواقع المغربي، والذي من خلاله توصلنا لمجموعة من الإستنتاجات، ونذكر منها :
- إنه في ظل اتساع نطاق حرية التعبير والرأي اتسع نطاق بعض الأفعال والسلوكيات شكلت تأثيرا على العدالة الإجرائية، فالإعلام والرأي العام من خلال هذه الممارسات له تأثيرات إيجابية وسلبية على العدالة الإجرائية، ولعل من بين أهم التأثيرات الإيجابية تمثلت في التوجيه السليم للعدالة الإجرائية عبر الدفاع عن حقوق المتهمين والسهر على احترام ضمانات محاكمتهم، والتبليغ عن الجرائم والمساهمة في الوقاية منها؛
- بالإضافة لإيجابيات الإعلام والرأي العام فإنه بالمقابل له انعكاسات تؤثر سلبا على حقوق المتهمين وأجهزة العدالة ككل، وتبقى قرينة البراءة واستقلال سلطة القاضي الجنائي مبادئ متعارضة ومتأثرة من بعض السلوكيات السلبية للإعلام وللرأي العام عند ممارستهم لحقهم المتمثل في حرية التعبير والرأي، الأمر الذي قد يؤدي إلى المساس بالحقوق الشخصية للمتهمين وعدم احترام حياتهم الخاصة.
- إن هذه الممارسات أدت بالمشرع المغربي إلى التوجه نحو توفير حماية جنائية للعدالة الإجرائية من تأثيرات الإعلام والرأي العام في جميع مراحل الدعوى الجنائية؛
- من بين أهم المبادئ التي أقرها المشرع من أجل توفير هذه الحماية مبدأ سرية البحث والتحقيق في قانون المسطرة الجنائية وإقرار عقوبات ضمن القانون الجنائي في حالة الإخلال بالمبدأ، إذ يعد من ضمانات الحماية المقررة للمتهم وللعدالة الإجرائية من تأثيرات الرأي الإعلام والرأي العام؛
- وتبين لنا لأنه لم تقتصر هذه الحماية على إجراءات البحث والتحقيق بل امتدت إلى إجراءات المحاكمة التي أقر المشرع بشأنها ضوابط تنظم انعقادها، ورتب عقوبات في حالة الإخلال بها؛
- كما امتدت مقتضيات الحماية الجنائية للعدالة الإجرائية بموجب قانون الصحافة والنشر، هذا الأخير الذي وضع ضوابط تهم احترام العدالة الإجرائية واحترام قرينة البراءة، واستقلال القضاء، واحترام الحقوق الشخصية والحياة الخاصة للمتهمين أثناء قيام العدالة الإجرائية، سواء في مرحلة البحث والتحقيق أو في مرحلة المحاكمة، وأقر بدوره عقوبات في حالة خرق هذه المبادئ.
وأمام هذه المعطيات وفي سبيل الحد من سلبيات الإعلام والرأي العام على العدالة الإجرائية فإننا نتقدم في هذا الإطار ببعض التوصيات المتمثلة فيما يلي :
- السهر على التكوين المستمر للإعلاميين في المجال القانوني ؛
- التأسيس لعلاقة جديدة بين أجهزة العدالة الجنائية وبين الإعلام والمجتمع وذلك عن طريق انفتاح العدالة على الإعلام والتواصل؛
- تعزيز آليات نشر الحقيقة وإشاعة الثقافة القانونية لدى الإعلام والمجتمع؛
- العمل على تكوين الإعلاميين في مجال العدالة لجنائية من أجل التحسيس بأهمية حقوق المتهمين ومبادئ المحاكمة العادلة، ومن أجل الإرتقاء بالطرح الإعلامي للشؤون القضائية إلى مستوى إعلام قضائي متخصص ومؤهل؛
- توفير المعلومة القانونية للجميع عن طريق التواصل في إطار ما يسمح به القانون؛
- توعية المجتمع بسلبيات مواقع التواصل الإجتماعي وخطورتها في التأثير على الحقوق والحريات.
كل هذا، حتى يتسنى تعزيز التوازن بين حرية الرأي والتعبير من جهة، وحماية الحقوق الأساسية للأفراد وحسن سير العدالة الإجرائية من جهة ثانية.
[1]– اعتمد وعرض للتوقيع والتصديق والإنضمام بموجب قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة 2200 ألف (د -21) المؤرخ في 16 كانون / ديسمبر 1966، تاريخ بدء النفاذ 23 آذار / مارس 1976، وفقا لأحكام المادة 49.
[2]– نصت المادة 19 من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية على أنه ” لكل إنسان الحق في اعتناق الآراء دون مضايقة ولكل إنسان الحق في حرية التعبير، ويشمل هذا الحق حريته في التماس مختلف ضروب المعلومات والافكار وتلقيها ونقلها إلى الأخرين دونما اعتبار للحدود سواء على شكل مكتوب أو مطبوع أو بأي وسيلة أخرى يختارها”.
[3]– ينص الفصل 25 من الدستور المغربي على أنه “حرية الفكر والرأي والتعبير مكفولة بكل أشكالها. حرية الإبداع والنشر والعرض في مجالات الأدب والفن والبحث العلمي والتقني مضمونة”.
[4]– ينص الفصل 28 من الدستور المغربي على أن “حرية الصحافة مضمونة ولا يمكن تقييدها بأي شكل من أشكال الرقابة القبلية. للجميع الحق في التعبير، ونشر الأخبار والأفكار والآراء، بكل حرية، ومن غير قيد، عدا ما ينص عليه القانون صراحة.تشجع السلطات العمومية على تنظيم قطاع الصحافة، بكيفية مستقلة، وعلى أسس ديمقراطية، وعلى وضع القواعد القانونية والأخلاقية المتعلقة به. يحدد القانون قواعد تنظيم وسائل الإعلام العمومية ومراقبتها، ويضمن الاستفادة من هذه الوسائل، مع احترام التعددية اللغوية والثقافية والسياسية للمجتمع المغربي …”.
[5]– زكراوي حليمة، المسؤولية الجنائية في مجال الصحافة المكتوبة، مذكرة لنيل شهادة الماجيستر في القانون الخاص المعمق، جامعة أبو بكر بلقايد، تلمسان، كلية الحقوق والعلوم السياسية، الجزائر، السنة الجامعية 2013-2014، ص: 1.
[6]– محمد سليمان الوهيد، العلاقة بين الرأي العام والجريمة، أعمال الندوة العلمية بعنوان تكوين رأي عام واق من الجريمة المنعقدة بالرياض بتاريخ 24 و 26 يناير 2001،أكاديمية نايف للعلوم الأمنية، مركز الدراسات والبحوث، الرياض، الطبعة الأولى 2001، ص: 77.
[7] – P. Martens, l’humanité comme sujet de droits, in T. Berns (dir), le droit saisi par le collectif, Bruxelles, Bruylant, 2004, p : 226.
[8]– سعد أشغاف، في ظل هيمنة أجواء الديمقراطية المضادة : القانون الجنائي تحت المراقبة والطلب أو الصعود المتنامي للشعبوية الجنائية، مجلة العلوم القانونية والقضائية، العدد 2، السنة 2015، ص: 126.
[9]– تعرف مجموعات الضغط بكونها ” مجموعة من الأفراد تجمعها مصالح مشتركة في سبيل تحقيق هذه المصالح عن طريق الاتصال بمسؤولي الدولة ومؤسساتها ومحاولة إسماع صوتها مستخدمة كل ما تملك من وسائل متاحة وفي مقدمتها أسلوب الضغط”. محمد علي الهيشو، استقلالية القضاء ومجموعات الضغط – نماذج مغربية – المجلة المغربية لنادي قضاة الدار البيضاء، العدد 2، صيف 2013، ص: 209.
[10] – وخير دليل على ذلك هو ما أثاره الرأي العام بخصوص القضية الشهيرة للبستاني المغربي عمر الرداد في الديار الفرنسية، إذ كان للإعلام والرأي العام الفرنسي مساهمة إيجابية في الدفاع عن القضية من خلال تسليط الضوء على الإختلالات التي شابت أطوار المحاكمة.
[11]– رجاء المراحي، معالجة المعلومة القضائية من طرف وسائل الإعلام بالمغرب بين التشريع وواقع الممارسة، التقرير السنوي لمحكمة النقض 2011، مركز النشر والتوثيق القضائي بمحكمة النقض، قسم التوثيق والدراسات والبحث العلمي، حي الرياض، ص: 75.
[12]– صدوقي عبد القادر، أثر الرأي العام في توجيه القضاء الجزائي، أطروحة مقدمة لنيل شهادة الدكتوراه في الحقوق، تخصص حقوق الإنسان، جامعة وهران، 2012-2013، ص: 26.
[13]– رجاء المراحي، مرجع سابق، ص: 75.
[14]– محمد سليمان الوهيد، مرجع سابق، ص: 82.
[15]– ويؤكد ذلك التعريف الذي ورد عن بعض العلماء بخصوص الرأي العام والذي يقول إنه الطريقة التي ينفعل بها الناس تجاه القضايا السياسية والإجتماعية التي توجه دائرة اهتمامهم من خلال وسائل الإعلام عادة. معتصم بابكر مصطفى، أيديولوجيا شبكات التواصل الإجتماعي وتشكيل الرأي العام، مركز التنوير المعرفي- الخرطوم السودان، الطبعة الأولى 2014، ص: 319.
[16]– محمد بهير، علاقة الصحافة بالقضاء على ضوء القانون رقم 88.13 المتعلق بالصحافة والنشر، المجلة المغربية للحكامة القانونية والقضائية، العدد 5، السنة 2018، ص: 49-50.
[17]– رجاء المراحي، نفس المرجع السابق، ص : 75.
[18]– ففي مصر يسمح نظامها للنائب العام بعقد ندوة صحفية في بعض القضايا بعد انتهاء التحقيق فيها. محمد بولمان، الإجراءات الجنائية بين السرية والعلنية، المجلة المغربية لنادي قضاة الدار البيضاء، العدد 2، صيف 2013، ص: 226.
[19]– نص إعلان حقوق الإنسان والمواطن الذي نادت به الثورة الفرنسية سنة 1789 في مادته التاسعة على أن “كل إنسان تفترض براءته إلى أن يحكم بإدانته”، كما نصت المادة 11 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان بتاريخ 10 دجنبر 1948 على أنه “كل شخص متهم بجريمة يعتبر بريئا إلى أن تثبت إدانته قانونا بمحاكمة علنية تؤمن له فيها الضمانات الضرورية للدفاع عنه”، كما أكدت عليه الإتفاقية الأوربية لحقوق الإنسان لسنة 1958 في المادة 6 والتي اعتبرت أن “كل شخص متهم بجريمة يعتبر بريئا إلى أن تثبت إدانته قانونا”، وقد أجمع المجتمع الدولي من خلال العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية المؤرخ في 16 دجنبر 1966 على تبني مبدأ قرينة البراءة بنصه في المادة 14 على أن “لكل فرد متهم بتهم جنائية الحق في أن يعتبر بريئا ما لم تثبت إدانته طبقا للقانون.محمد بهير، مرجع سابق، ص: 54.
[20]– مثال ذلك المشرع الفرنسي الذي نص على مبدأ قرينة البراءة في قانون الإجراءات الجزائية إثر صدور القانون رقم 516 الصادر في 15 جوان 2000 بشأن تدعيم حماية قرينة البراءة وحقوق المجني عليه، حيث أضاف مادة تمهيدية لقانون الجزاءات الجزائية نصت في الفقرة الثالثة منها على أن “كل شخص مشتبه فيه أو متهم برئ طالما لم تثبت إدانته بعد وأي اعتداءات على قرينة البراءة سوف يتم التعويض عنها والمعاقبة عليها”. كما تم تعديل المادة 91 من القانون المدني الفرنسي بهدف توسيع نطاق حماية أصل البراءة في مواجهة التجاوزات الإعلامية وبالتالي أصبح مبدأ أصل البراءة مقدما على الحق في التعبير. خطاب كريمة، قرينة البراءة، أطروحة لنيل شهادة الدكتوراه فرع القانون العام، جامعة الجزائر 1، كلية الحقوق، السنة الجامعية، 2014-2015، ص : 48-49.
وكذلك المشرع المصري نص في المادة 96 من دستور الجمهورية لسنة 2019 على أن “المتهم بريء حتى تثبت إدانته في محاكمة قانونية عادلة، تكفل له فيها ضمانات الدفاع عن نفسه”.
[21]– أحمد مجيب، الحصول على المعلومة القضائية بين الحق وحسن سير العدالة، المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية، يناير – أبريل 2019، ص : 261.
[22]– Jean-yves monfort, la publications interdites et le proces, in droit à l’information du public et justice pénale, Dalloz ° 9, 1997, p : 106.
[23]– بوشعيب عسال، سرية التحقيق الإعدادي، مجلة الملحق القضائي، العدد 40، يناير 2007، ص: 120.
[24]– Yves poirmeur justice et médas, texte maison édition paris, 2012, p : 152-153.
[25]– يعتبر مبدأ استقلال السلطة القضائية مبدأ عالميا مهما وفق ما جاء في الإعلان العالمي لاستقلال العدالة الصادر عن مؤتمر مونتريال في كندا سنة 1983 وكذلك في المبادئ الأساسية بشأن استقلال القضاء الصادرة عن الأمم المتحدة سنة 1985 والتي تعبر الميثاق أو المرجع الدولي بشأن استقلال القضاء حيث نصت في البند الأول على أنه ” تكفل الدولة استقلال السلطة القضائية وينص عليه دستور البلد أو قوانينه ومن واجب جميع المؤسسات الحكومية وغيرها من المؤسسات احترام ومراعاة مبدأ استقلال السلطة القضائية”. ولقد أصبح هذا المبدأ عالميا هاما يشكل التزاما دوليا على جميع الدول. صدوقي عبد القادر، مرجع سابق، ص: 70.
واستقلالية السلطة القضائية تعني أن يؤدي القاضي، سواء قاضي الرئاسة أو قاضي النيابة العامة وظيفته القضائية بمنأى عن أي تدخل من أية جهة كانت، بحيث لا يحكمه سوى ضميره ونصوص القانون والسعي إلى تحقيق العدالة. محمد علي الهيشو، مرجع سابق، ص: 209.
[26]– ينص الفصل 107 من الدستور المغربي على أن السلطة القضائية مستقلة عن السلطة التشريعية وعن السلطة التنفيذية. الملك هو الضامن لاستقلال السلطة القضائية.
[27]– ينص الفصل 109 من الدستور المغربي على أنه “يمنع كل تدخل في القضايا المعروضة على القضاء ولا يتلقى القاضي بشأن مهمته القضائية أي أوامر أو تعليمات ولا يخضع لأي ضغط …”.
[28] – Frédéric desportes, traité de procédure pénale, édition économico, paris, 2012, p : 283.
[29] – Philippeconte et patrickmoistre du chourbon , procédure pénal, 3 eme édition, amand colin, paris 2011, p : 332.
[30]– محمد بهير، مرجع سابق، ص: 50.
[31]– رجاء المراحي، مرجع سابق، ص: 82.
[32]– درعي العربي، ضوابط الحماية الجنائية للخصومة الجزائية من تأثير الإعلام والرأي العام، مجلة حقوق الإنسان والحريات العامة، مجلة دولية محكمة نصف سنوية، العدد 6، يونيو 2018، ص: 223.
[33]– للإطلاع على هذه الوقائع أنظر محمد علي الهيشو، مرجع سابق، ص: 209- 211.
[34]– سعيد الوردي، جرائم السب والقذف عبر وسائل التواصل الإجتماعي والمواقع الإلكترونية، دراسة فقهية قضائية مقارنة في ضوء أحكام القانون الجنائي المغربي والقانون رقم 88.13 المتعلق بالصحافة والنشر والعمل القضائي المغربي والمقارن، مطبعة الأمنية الرباط، الطبعة الأولى 2020، ص : 13.
[35]– وكمثال على ذلك هو بث القناة التلفزية الأولى أخبارا تضمنت عبارات من قبيل “المتورطين” و “عصابة إجرامية” و “مروجي المخدرات” و”شبكات إجرامية”… مما أدى بالمجلس الأعلى للإتصال السمعي البصري المغربي باعتباره هيئة شبه قضائية إلى إصدار قرار بتاريخ 11 يونيو 2015 ينبه من خلاله وسائل الإعلام العمومي، حيث يوصي بمراعاة المبادئ والمقتضيات القانونية الضامنة لشروط المحاكمة العادلة والمتعلقة بكرامة الإنسان خصوصا قرينة البراءة وسرية التحقيق، وقد أصدر المجلس قراره هذا بعد معاينته لعينة من النشرات صادرة عن القناة المذكورة. أحمد مجيب، مرجع سابق، ص: 261.
[36]– الفصل 442 من القانون الجنائي.
[37]– الفصل 443 من القانون الجنائي.
[38]– تنص المادة 85 من قانون الصحافة والنشر على أنه “يعاقب بغرامة من 10.000 إلى 100.000 درهم عن القذف الموجه إلى الأفراد بإحدى الوسائل المبينة في المادة 72 أعلاه. ويعاقب بغرامة من 10.000 إلى 50.000 درهم على السب الموجه بنفس الطريقة إلى الأفراد.
[39]– رجاء المراحي، مرجع سابق، ص: 80.
[40]– الفصل 447-2 من القانون الجنائي.
[41]– رجاء المراحي، مرجع سابق، ص: 81.
[42]– محمد بهير، مرجع سابق، ص: 52.
[43]– محمد بولمان، مرجع سابق، ص: 225.
[44]– رجاء المراحي، مرجع سابق، ص: 78.
[45]– ظهير شريف رقم 1.16.122 صادر في 6 ذي القعدة 1437 (10 أغسطس 2016) بتنفيذ القانون رقم 88.13 يتعلق بالصحافة والنشر، الجريدة الرسمية عدد 6491 بتاريخ 11 ذو القعدة 1437 (15 أغسطس 2016)، ص: 5966.
[46]– رجاء المراحي، مرجع سابق، ص: 78.
[47]-سعيد الوردي، مرجع سابق، ص: 11.
[48]– الفصل 447-2 من القانون الجنائي المغربي.
[49]– وقد ذهب في هذا الإتجاه كل من التشريع المصري والفرنسي بخلاف المشرع الأمريكي على عكس هذه التشريعات فقد أجاز للمحقق عقد جلسات علنية للتحقيق كما هو الشأن بالنسبة للرقابة على أعمال القضاة في الحسابات العمومية التي تكون عادة علنية، بل المحقق في هذا النظام أن ينجز تقريرا حول الموضوع ويوزعه على الصحافة، خاصة في قضايا الموظفين العموميين نظرا لأهميتها بالنسبة للرأي العام بشرط توفر أدلة كافية على المتابعة وذلك لوضع حد لما قد يتولد عن السرية من شائعات تختلف في إخراجها وانتقائيتها، بل تهيئاتها والتي من شأنها بالتأكيد، الإضرار بحياة المشتبه فيه الخاصة والعامة، كما يمكن لها أن تربك سير العدالة في بحثها عن حقيقة الأمور. محمد بولمان، مرجع سابق، ص: 226.
[50]– وقد ذهب المشرع الفرنسي في المادة 1/38 من قانون 1881 المتعلق بحرية الصحافة إلى تجريم نشر أو بث وثائق الإتهام و والوثائق المتعلقة بالجنايات والجنح,
-Auvret patrick, le journaliste le juge et l’innocent, revue de science criminelle et de droit pénal comparé, dalloz °3, 1999, p : 631.
[51]– رمدوم نورة، ضوابط التغطية الإعلامية لحماية السير الحسن للقضاء، مجلة دفاتر قانونية، العدد المزدوج 2و 3، 2017، ص: 64.
[52]– أي في مرحلة البحث التمهيدي والتحقيق الإعدادي.
[53]– رمدوم نورة، مرجع سابق، ص: 64.
[54]-Soyer (J.C), manuel droit pénal et procédure pénale 12 éme édition L.G.D.J paris 1995, p : 373.
[55]– أحمد مجيب، مرجع سابق، ص: 261.
[56]– رجاء المراحي، مرجع سابق، ص: 78.
[57]– رمدوم نورة، مرجع سابق، ص: 68.
[58]– وقد فعلت غرفة الجنايات الإبتدائية لمحكمة الاستئناف بالدار البيضاء في الآونة الأخيرة استثناء السرية في مرحلة مناقشة الملف المعروف بقضية الاتجار بالبشر بحيث لقي قرارها هذا قبولا من البعض الذي رأى فيه حماية الأعراض والأخلاق فيما رأى فيه البعض الآخر مسا بمبدأ العلنية وعدم الرغبة في وصول حقيقة قضية المتهم إلى أوسع شريحة ممكنة من المتابعين.أحمد مجيب، مرجع سابق، ص: 261- 262.
[59]– والمشرع الفرنسي بدوره نص على سرية محاكمة الاحداث حيث نصت المادة 126 من قانون الطفل الفرنسي رقم 12 لسنة 1996 على أنه : “لا يجوز أن يحضر محاكمة الأحداث إلا أقاربه والشهود والمحامون والمراقبون الإجتماعيون ومن تجيز له المحكمة الحضور بإذن خاص”.
– Merle rogeer et vitu André, traité de droit criminel, Tome 11, paris 1989, p : 703.
[60]– نصت المادة 466 من قانون المسطرة الجنائية على أنه يمنع نشر أية بيانات عن جلسات الهيئات القضائية للأحداث في الكتب والصحافة والإذاعة وعن طريق الصور والسينما والتلفزة أو أية وسيلة أخرى، ويمنع أيضا أن ينشر بنفس الطرق كل نص أو رسم أو صورة تتعلق بهوية وشخصية الأحداث الجانحين. دون الإخلال بالعقوبات الأشد التي قد ترد في نصوص أخرى، يعاقب عن مخالفة هذه المقتضيات بغرامة يتراوح مبلغها بين 10.000 و 50.000 درهم. وفي حالة العود إلى نفس الجريمة داخل سنة ابتداء من أول حكم مكتسب لقوة الشيء المقضي به يمكن الحكم بالحبس لمدة تتراوح بين شهرين وسنتين. يمكن للمحكمة علاوة على ذلك، أن تأمر بمنع أو توقيف وسيلة النشر التي ارتكبت بواسطتها المخالفة لمدة لا يمكن أن تتجاوز ثلاثين يوما. يمكن للمحكمة أيضا أن تأمر بمصادرة أو إتلاف المطبوعات أو الأشرطة الصوتية أو الصورة أو غيرها من وسائل النشر كليا أو جزئيا أو بحذف جزء منها، أو تمنع عرضها أو بيعها أو توزيعها أو إذاعتها أو بثها أو تداولها. غير أنه يجوز نشر الحكم من غير أن يبين فيه اسم الحدث ولو بالأحرف الأولى لاسمه أو بواسطة صور أو رسوم أو أية إشارات أخرى من شأنها التعريف به، وإلا عوقب على ذلك بغرامة يتراوح مبلغها بين 1.200 و 3.000 درهم. كما يجوز للمسؤولين عن مراكز حماية الطفولة استعمال وسائل الإعلام لنشر بعض المعلومات المتعلقة بالحدث الذي انقطعت صلته بأسرته قصد تسهيل العثور عليها وذلك بعد أخذ إذن قاضي الأحداث.
[61]– رجاء المراحي، مرجع سابق، ص: 79.