تأثير العولمة علي النص الدستوري
د. هشام عبد السيد الصافي محمد بدر الدين
محاضر بكلية الحقوق – جامعة حلوان – مصر
helsafy_2012@yahoo.com
مستخلص البحث
تتشابك العلاقات بين حقوق الإنسان والعولمة بشكل كبير حيث تؤثر العولمة بتجلياتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية تأثيراً عميقاً علي حقوق الإنسان في كل هذه المجالات، وقد اتسعت دائرة هذه الحقوق وتشابكت علي المستوى العالمي مما جعل من الصعب معالجة ما يمكن أن تثيره من قضايا علي نطاق أقليمي محدود، وإنما تكون تلك المعالجة علي مستوى كوكب الأرض كله، ومن هنا يمكن القول أن هذه الحقوق أصبحت جزء لا يتجزأ من القانون الدولي، وبالتالي لم يعد أي انتهاك لهذه الحقوق من الشئون الداخلية للدولة بل أصبحت تدخل في اهتمام المجتمع الدولي ككل وتتطلب تدخله وإن كانت معايير هذا التدخل مازالت تثير الكثير من الجدل.
Relations between human rights and globalization significantly interfere where globalization affects the political, economic, social , cultural and environmental Reflections profound impact on human rights in all of these areas, Circle these rights has widened intertwined at the global level, making it difficult to address what can be raised from the issues at the regional scale is limited, But such treatment be at the level of the whole planet Earth, here it can be said that these rights have become an integral part of international law, And thus no longer any violation of these rights in the internal affairs of the state, but it became involved in the attention of the international community as a whole and require intervention and that the criteria for such intervention still raises a lot of controversy.
الكلمات المفتاحية للبحث
- العولمة.
- العالمية.
- السيادة.
- حقوق الإنسان.
مقدمة:
انتشر استخدام مصطلح العولمة في العقدين الأخيرين خصوصاً بعد انهيار الإتحاد السوفيتى السابق في بداية تسعينات القرن الماضي، مثيراً جدلاً واسعاً حوله، فالعولمة في إطارها النظري تدعوا إلي تزايد التبادل وتحقيق الاعتماد المتبادل علي مستوى كوكب الأرض وإدارة المصالح المشتركة للبشرية لصالح البشرية، وبالتالي ستأتي بنظام عالمي جديد يندمج فيه العالم ليصبح قرية كبيرة تلغي فيها الحدود والفواصل الزمنية والموضوعية بين الدول والمجتمعات، وللعولمة شقين أولهما: مادي: جاء نتيجة التطور العلمي والتكنولوجي الهائل وما ترتب عليه من ثورة في وسائل الاتصال والإعلام، وانتشار المحطات الفضائية ومواقع الإنترنت التي تثبث برامجها والأخبار والمعلومات إلي كل انحاء كوكب الأرض، وهذا الشق ليس مطروح للقبول أو الرفض من قبل الدول فهو واقع ليس أمام الدول إلا تقبله والتعامل مع، وثانيهما: قيمى: وهو جاء نتيجة سياسة الاقتصاد الحر وحرية انتقال رأس المال، وهذا الشق يثير الكثير من المخاوف وهو ما جعل البعض يري في العولمة أنها وهم بل فخ أقيم من الدول الكبري للدول النامية لأحكام السيطرة عليها، وهكذا فإن العولمة لم تأتي بغته من اللامكان بل هي قديمة قدم الأمبراطوريات القديمة التي حاولت أن تصبغ الشعوب التي تسيطر عليها بثقافاتها وتوجهها إلي نمط الحياة التي تريدها، وبالطبع للعولمة أثر في مختلف العلوم الاجتماعية والإنسانية والتي منها علم القانون بمعناه الواسع، والعولمة القانونية تعد من أخطر ما يمكن لانها تمس في الدول كيانها ومؤسساتها وعلاقتها بأفرادها، فإلي وقت قريب كانت علاقة الدولة بمواطنيها وتنظيمها لسلطاتها المختلفة من الموضوعات المحجوزة لها، ولم يكن مسموحاً لأي من أشخاص القانون الدولي التدخل في الشأن التشريعي للدولة سواء كان نص دستوري أو قانون عادي أوحتى نص لائحي باعتبار أن هذا الاختصاص يتعلق بمبدأ سيادة الدول؛ إلا أنه مع التغيرات التي شهدها العالم وتنامي الرغبة عند شعوب الدول النامية في تقليد شعوب الدول الكبري والوصول إلي ما وصلوا إليه من ديمقراطيات وحماية لحقوق الإنسان، وتحت ضغوط دول العالم الكبري الاقتصادية علي حكومات الدول النامية، ومع اتساع حقوق الإنسان وتشابكها علي مستوى العالم، وظهور حقوق جديدة ترتبط فكرة العولمة، ومع تشابك المصالح بين الدول وزيادة حاجة كل منهم للأخر في مختلف الميادين ضيق الاستقلال الذي تتمتع به كل منهم تجاه الأخري وتراجع مبدأ السيادة لدي الدول، والتي بدأت تستجيب لتقنين تلك الحقوق في دساتيرها وقوانينها المختلفة، فالدول في ظل العولمة لاتستطيع الانغلاق علي نفسها والانعزال عن بقية دول العالم، ويهدف هذا البحث إلي إلقاء الضوء علي أثر العولمة علي النص الدستوري المصري، وذلك من خلال ثلاثة مباحث:
المبحث الأول: العولمة بين الترغيب والترهيب: نتناول فيه نشأة العولمة والمفاهيم المختلفة لها، والسلبيات والايجابيات المترتبة عليها، مع توضيح تأثر فكرة السيادة القانونية للدول في ظل العولمة.
المبحث الثاني: طرق عولمة النص الدستوري: نخصصه للتعرف علي الطرق والاساليب التي تؤدي لعولمة النص الدستوري.
المبحث الثالث: صور من عولمة النص الدستوري المصري: نعالج فيه بعض صور من النصوص الدستورية المصرية الجديدة التي يظهر منها تأثر المشرع الدستوري المصري بفكر العولمة عند وضعه للدستور، وبعض أحكام المحكمة الدستورية العليا المصرية المؤيدة لهذه الأفكار العالمية التي صيغت في نصوص دستورية محلية.
المبحث الأول
العولمة بين الترغيب والترهيب
قبل الخوض في تأثير العولمة علي النصوص الدستورية وتأثر تلك النصوص بما استقر عليه العالم من أفكار ومبادئ دستورية كان لابد من الوقوف لبرهة لإلقاء الضوء علي جذور مصطلح العولمة، والمقصود بهذا المصطلح، والإيجابيات والسلبيات المترتبة عليه خصوصاً مع انتشار تداوله في وسائل الإعلام والمؤتمرات والمجامع العلمية، وهو ما سنتناوله في الآتي:
أولاً: جذور العولمة: ظهرت العولمة إلي الوجود في عقد السبعينات من القرن الماضي، كأنما جاءت من لا مكان، ومع ذلك فقد بدت كاملة النضج، وكأنما ترتدي ثوباً كامل الأوصاف والمعانى([1])؛ إلا أن هذا المصطلح قد بدأ في الظهور في بعض الكتابات بداية من عام 1944 تحت عنوان Globalism والذي يعنى الكونية أو العالمية وكان يقصد به كوكب الأرض بما عليه من دول ومحيطات وما يعلوها من أجواء أو يدنوه من طبقات أرضية([2])، وكان أول من أطلق هذا المصطلح معرفياً هو عالم الاجتماع الكندى مارشال ماك لوهان عند صياغته لمفهوم القرية الكونية Global Village، في كتابه المشهور “الحرب والسلام في القرية الكونية“ في نهاية ستينات القرن الماضي([3])،أما الآن فيستخدم مصطلحGlobalization بالإنجلزية للدلالة علي العولمة، Mandialisatio بالفرنسية للدلالة عليها([4]).
ثانياً: تعريف العولمة([5]): إن الباحث لتواجهه صعوبات جمة حين يحاول وضع تعريف جامع شامل مانع للعولمة، فهناك عدد من التعريفات المتعددة ظهرت كتعريف للعولمة، كل منها يختلف عن الأخر باختلاف الخلفية الإيديولوجية لصاحب التعريف، فمنهم من يعرف العولمة من منظور اقتصادي ومنهم من يعرفها من منظور سياسي ومنهم من يضع تعريفه من منظور اجتماعي وهكذا كل حسب تخصصه فعرفها البعض بأنها” التداخل الواضح لأمور الاقتصاد والاجتماع والثقافة والسلوك دون إعتداد يذكر بالحدود السياسية للدول ذات السيادة أو انتماء إلي وطن محدد أو لدولة معينة، ودون حاجة إلي إجراءات حكومية”، كما عرفها البعض الأخر بأنها” انفتاح دول العالم بعضها علي البعض الأخر ثقافياً واقتصاديا واجتماعيا، ويساعد في ذلك الانفتاح التقدم التقنى ووسائل الاتصال وثورة المعلومات([6])، وقد عرفها البعض بأنها” تتسم بمجموعة من الخصائص التي تعمل علي تدويل العملية الانتاجية والتقسيم الدولى للعمل وحركات الهجرة البشرية من الجنوب إلي الشمال فضلاً عن تهيئة البيئة التنافسية التي تهئ لذلك كله وبما يتطلبه ذلك أيضاً من أضعاف لدور الدولة”([7])، وعرفها البعض الأخر بأنها” ظاهرة اقتصادية عالمية تؤثر في كافة مناحي الحياة الاجتماعية، والسياسية، والثقافية، والتكنولوجية، والبيئية، والانسانية”([8])، وهناك تعريف مفضل لدينا وهو الذي يري أن العولمة هي” عملية تؤدي فيها التكنولوجيا والاقتصاد والأعمال التجارية والاتصالات، بل والسياسة إلي تقويض حواجز المكان والزمان، التي طالما فصلت بين شعب من الشعوب([9]).
ومن التعريفات السابقة وغيرها يتضح وجود خلط بين مفهوم العولمة ومفهوم العالمية الأمر الذي يجب معه توضيح الفارق بين المفهومين فالعالمية” تعنى الاعتراف بالأدوار بمعنى أن يكون العالم منفتحاً علي بعضه البعض مع احتفاظ كل دولة بخصوصيتها، فهي نزعة انسانية تقوم علي التفاعل والتعاون والتساند والتكامل بين حضارات الأمم المختلفة بحيث يصبح العالم منتدى حضارات بينها مساحة كبيرة من المشترك الإنساني، فهي تشير إلي الطموح وإلي الارتقاء بالخصوصية إلي مستوى العالمية، فهي انفتاح المحلي علي ما هو عالمي، وهو في النهاية طموح مشروع يقوم علي الأخذ والعطاء، فالكي يوصف شئ بالعالمية لابد أن تكون طبيعته ونتائجه صالحه لكل البشر، وهي بالتالي لاتفرض نفسها علي الأخر كبديل بل تترك له حرية الأختيار بما يراه صالح له، أما العولمة فهي تدل علي فعل وليس صفه يراد به محاولة اختراق الأخر وسلبه خصوصيته، فهي تنكر علي الأخر حقه في الاحتفاظ بخصوصيته الثقافية والاجتماعية، فهي أداة الدول الكبري لبسط نفوذها وسيطرتها علي الدول الضعيفة وطمس هويتها([10]).
ثالثاً:إيجابيات العولمة وسلبياتها: مهما كان الأمر بالنسبة للمدى الذي قطعته حركة عولمة العالم ، فإن المؤكد الوحيد هو أنها ليست متوازية أو متوازنة، فالعولمة تحتوي بطبيعة الحال على فرص استثمارية ومعرفية واعدة كثيرة ، كما أنها تحتوي على مخاطر تنموية وسياسية وثقافية أكثر، فالفرص والمخاطر جزء لا يتجزأ من حركة العولمة التي أصبح من المشروع النظر إليها كتطور تاريخي إيجابي أو سلبي في التاريخ الإنساني، فالعولمة قد تبدو لبعض الدول نذير شؤم يحمل إليها كل ما هو سلبي؛ كما أنها في وجهة نظر دول أخري تحمل الخير، ومن الطبيعي والأمر كذلك أن يستقبل بعضهم العولمة بحماس وانغماس، وأن يميل البعض الآخر للتوجس والانكماش واتخاذ المواقف الدفاعية منها([11])، وسنحاول إلقاء الضوء علي بعض ايجابيات وسلبيات العولمة بشئ من الإختصار فيما يلي:
- إيجابيات العولمة: تتمثل بعض الجوانب الإيجابية للعولمة في الآتي:
- تفعيل دور التعاون الدولي في تحقيق التكامل بين الدول ومعالجة المشاكل المختلفة التي تواجه الدول وبصفة خاصة النامية منها، وذلك من خلال أمدادها بما تحتاجه من أموال ومساعدات فنية من الأسواق العالمية خصوصاً في ظل قصور التمويل الداخلي لهذه الدول، وفتح أسواق جديدة للدول المتقدمة تستطيع من خلالها خلق استثمارات جديدة، وتصريف فائض منتجاتها([12]).
- سيادة آليات السوق واقترانها بالديمقراطية بدلاً من الشمولية واكتساب القدرات التنافسية من خلال الاستفادة من الثورة التكنولوجية وثورة الاتصالات والمعلومات.
- وجود انماط جديدة من تقسيم العمل الدولي وهو ما يظهر الآن في المنتجات الصناعية الكبري حيث لم يعد بمقدور دولة واحدة مهما كانت قدراتها الذاتية أن تستقل بإنتاج منتج معين منها فنجد أن هناك العديد من المنتجات يشارك في تصنيعها عدد من الدول كل دولة تتخصص في صناعة أحد مكونات ذلك المنتج.
- إضطرار الدول إلي قبول الفكر الديمقراطي وتداول السلطة وقبول اقتسام السلطة داخلها فيما بين مؤسساتها الثلاثة التشريعية والتنفيذية والقضائية فلم تعد السلطات الثلاثة مركزة في يد سلطة واحدة، والسماح لمساحات فيها لحرية التعبير عن الرأي، وتفعيل مبدأ المواطنة باعتبارها مصدر الحقوق ومناط الواجبات، والسماح للأحزاب ومنظمات المجتمع المدني بالعمل جنباً إلي جنب مع سلطاتها التنفيذية([13]).
- مثالب العولمة: تتمثل بعض الجوانب السلبية للعولمة في الآتي:
- انقسام العالم إلي فريقين في إطار العولمة: فريق: يملك عناصر القوة ومغانمها بعيدا عن العدالة الاجتماعية، وفريق آخر: لا يملك ذات العناصر من القوة، وبالتالي لا يملك إلا الخضوع والطاعة للفريق الأول، وبالطبع هذا الانقسام سيؤدي إلي ظهور نوعين من العولمة عولمة الأغنياء، وعولمة الفقراء، وهو ما يحقق نظرية النظام العالمي الجديد التي نشأة عقب الحرب العالمية الثانية والتي مفادها أن حكم العالم يجب أن يكون بأيدي الأمم التي تعيش حالة من الكفاية والتي لا تبغي شيئاَ لنفسها أكثر مما تملك، وأن حكم العالم لو أعطي للأمم الجائعة لحل خطر دائم علي العالم، وهذا الإنقسام الذي أتت به العولمة بين الدول أصاب القانون في مقتل فأصبحنا الأن حيال شرعيتين شرعية دولية للأقوياء وأخري للضعفاء([14]).
- انخفاض درجة السيادة القومية أو الوطنية للدول في ظل العولمة: فالحكومات في ظل العولمة تسعي في تنظيم عملها وفقاً للخطوط التي تسير عليها المنظمات العالمية مما يترتب عليه وهن سلطة الدولة وضعف شرعيتها، ولعل دافع الحكومات لفعل ذلك هو اكتساب ثقة الأسواق العالمية غير أن ثمن هذا التحول في دور الدولة كان باهظاً، فقد نتج عنه تراجع سلطة الدولة في كافة الأنشطة الاجتماعية والثقافية والإنسانية والبيئية للدولة، فمع التقدم نحو العولمة دور الدولة يتقلص لصالح قوى العولمة، وذلك في صنع السياسة الاقتصادية الوطنية للدولة، ومن خلال تحديد معدلات الاستثمار والنمو الاقتصادي ومستويات التشغيل أو البطالة ومستويات الدخل أو الرفاهة وانتعاش أو ركود أسواق المال وأسعار صرف العملات الوطنية([15]).
- تعميم الفقر كنتيجة طبيعية لاتساع الهوة بين الدول المتقدمة والنامية فالعولمة ولدت من رحم التنافس والتنافس لا يكون إلا بين الأقران المتساوين، فهي تحاول فرض نظام اقتصاد عالمي يقوم علي المنافسة الحرة في الإنتاج والتسويق والتجارة العالمية، ومحاولة تهميش أو إلغاء دور الدولة في العملية الاقتصادية، مما يؤدي لإضعاف المؤسسات الإنتاجية بالدول النامية، وزيادة أعبائها المادية، كما أن القاعدة الاقتصادية التي تحكم العولمة تقوم علي فكرة إنتاج أكبر قدر من السلع والمصنوعات بأقل قدر من العمل، وبالطبع ذلك سيؤدي إلي تخفيض فرص العمل، وارتفاع نسب البطالة مما ينذر بحدوث أزمات سياسية([16]).
- محو الهوية الثقافية والفكرية الوطنية للدول ليحل محلها هوية العولمة([17]):، فالعولمة لا تكتفي بتسييد ثقافة ما، بل تنفي الثقافة من حيث المبدأ، وذلك لأنّ الثقافة التي يجري تسييدها تعبر عن عداء شديد لأي صورة من صور التميز، فثقافة العولمة تريد من العالم أجمع أن يعتمد المعايير المادية النفعية الغربية، كأساس لتطوره، وكقيمة اجتماعية وأخلاقية وبهذا فإنّ ما تبقى يجب أن يسقط، وما تبقى هنا هو ليست خصوصية قومية بل مفهوم الخصوصية نفسه، وليس تاريخا بعينه بل فكرة التاريخ، وليس هوية بعينها وإنما كل الهويات، وليس منظومة قيمية بل فكرة القيمة وليس نوعا بشريا، وإنّما فكرة الإنسان المطلق نفسه([18])، ولقد ساهم في ذلك تطور تقنية الاتصال والذي ساعد علي السيطرة علي الإدراك وتسطيح الوعي وشل فاعلية العقل وتعميم الثقافة الغربية – خاصة الأمريكية-([19])، وتعميم ثقافة الإستهلاك فثقافة العولمة لنشأتها الاقتصادية تقوم علي ترسيخ نمط الإستهلاك لدي الجماعات المختلفة وبصفة خاصة لدي سكان الدول النامية وذلك للمحافظة علي قدرة النظام العالمى الرأسمال في تطوير ذاته وتوزيع منتجاته وتأمين استقرار أوضاعه([20]).
- خطورة العولمة سياسياً والتي تتمثل في: كونها نظام يهدف لإفراغ الهوية الجماعية من كل محتوى، ويدفع إلي التفتيت والتشتيت، ليربط الناس بعالم اللاوطن واللاأمة واللادولة، ويغرقهم في أتون الحرب الأهلية، نتيجة إضعاف سلطة الدولة وايقاظ أطر للانتماء سابقة علي الأمة والدولة([21]).
المبحث الثاني
طرق عولمة النص الدستوري
يتم التأثير علي الدول المختلفة لتعديل دساتيرها في ضوء مفاهيم العولمة وذلك من خلال طريقين لا ثالث لهم وذلك أما بالترغيب أو الترهيب.
أولاً: عن طريق الترغيب بالعولمة: ويتم هذا الترغيب بطريق مباشر أو بطريق غير مباشر.
- الترغيب بطريق مباشر: عن طريق احتياج حكومات تلك الدول المطلوب منها الاستجابة لمطالب العولمة بتعديل دستورها إلي من يدعم اقتصادياتها، فعن طريق بعض منظمات الأمم المتحدة والتي تسيطر عليها وتهيمن الدول الكبري وعلي رأسها الولايات التحدة الأمريكية، والإتحاد الآوربي يتم إعطاء مساعدات مالية وجدولة ديون لتلك الدول أو اسقاطها كلياً أو جزئياً، في مقابل قبول العولمة كنهج حياة([22]).
- الترغيب بطريق غير مباشر: بدفع الشعوب للمطالبة بوضع مفاهيم النموذج الليبرالي في دساتيرهم، فمعظم الدول والمجتمعات الآن في مزاج ليبرالي، وأكثر اقتناعاً بجدوى النموذج الفكري والسياسي الليبرالي الحر في تطبيقه لمبادئ الاقتصاد الحر، والتزامه بالديمقراطية، وبالتداول الحر والدوري للسلطة، ومراعاته لحقوق المواطنين في مجال التصويت والترشيح والانتخابات([23])، وقد ساعد علي ذلك استغلال التكنولوجيا الحديثة المتقدمة ووسائل الإعلام، التي أخذت تروج وتبشر بالعولمة في إطار النموذج الليبرالي باعتبارها نوعاً من النفع الخالص لكل شعوب العالم([24])، كما يمكن أن تلعب المنظمات الدولية الحكومية وغير الحكومية دوراً في تحريك الرأي العام العالمي لإجبار دولة ما علي تغيير دستورها وقوانينها لتجنب الصدام مع الراي العام العالمي([25]).
ثانياً: عن طريق الترهيب: ويتم الترهيب عن طريق الوسائل السلمية أو عن طريق الوسائل العسكرية.
- الترهيب عن طريق الوسائل السلمية: وذلك من خلال فرض العزلة الدولية علي الدولة التي ترفض الدخول تحت لواء العولمة وتشمل تلك العزلة منع تصدير التكنولوجيا لهذه الدول والدواء والغذاء والمواد الاولية الازمة لتشغيل مصانع تلك الدول، وتخفيض أو إلغاء المساعدات الاقتصادية التي تقدم إلي هذه الدول، بل والعمل علي تقليل حجم الاستثمارات المالية المستثمرة في المشروعات الإنتاجية عند تلك الدول([26])، وفي هذه الحالة يظهر بوضوح تأثر سيادة الدولة كمفهوم سياسي والتي تعنى القدرة الحقيقية والفعلية للدولة علي رفض الخضوع لأي سلطة أخري غير سلطتها، فالدولة التي لا تستطيع وتعجز عن اشباع احتياجات مواطنيها ورضوخها لضغوط بعض الدول حتي تستطيع ذلك هي دولة منقوصة السيادة([27]).
- الترهيب عن طريق استخدام القوة العسكرية: وذلك اما عن طريق زعزعة الثقة في النفس عن طريق استعراض القوة العسكرية والتلويح باستخدامها مما يدفع الدول للخوف من تلك القوة وتنفيذ متطلبات العولمة([28])، أو بالاستخدام الفعلي لهذه القوة وذلك تحت بنود المواثيق الصادرة عن الأمم المتحدة، وهو ما صرح به سكرتير عام الأمم المتحدة كوفي عنان في دورة الجمعية العامة للامم المتحدة 54 عندما صرح بأن سلطة الدولة وسيادتها لم يعد يرجع فقط للشعب بل إلي حقيقية أن الدولة لم تعد عنصراً للفوضي والإضطراب في المجتمع الدولي ، وبالتالي يحق لهيئات وأعضاء الأمم المتحدة التدخل في أي دولة دون الرجوع لمنظمة الامم المتحدة لحماية الوجود الإنساني للأفراد وحرياتهم ضد من ينتهكوه([29])، وهو ما يطلق عليه مبدأ التدخل الدولي لأغراض إنسانية Humanitarian Intervention، ولعل من الأمثلة التطبيقية الحديثة ما حدث من تدخل دولي في العراق لحماية الأكراد والشيعة في شمال وجنوب العراق عام 1991، والتدخل الدولي في الصومال عام 1993 والذي تم تحت شعار إعادة الأمل وإنقاذ الشعب الصومالي([30]).
المبحث الثالث
صور من عولمة النص الدستوري المصري
إننا نمر بمرحلة دقيقة تهدد عالمنا القانون، ألا وهي مرحلة العولمة، وتبدو خطورة هذه المرحلة في محاولة وضع قواعد دولية تحكم التشريعات الوطنية والتي يمثل راسها الدساتير- فالأهداف والمناهج التي تحكم انتشار العولمة لا تتفق بالضرورة مع الأسس التي تقوم عليها الدولة القانونية، والتي ترتبط كل الارتباط بالديمقراطية واحترام الحقوق والحريات واحترام استقلال القضاء([31])، وسنتناول بعض صور تأثير العولمة علي النص الدستور، في الدستور المصري، من خلال تطور نصوصه للتوافق مع مستجدات العصر في مختلف المجالات من سياسية واجتماعية وثقافية واقتصادية وبيئية ، ومن خلال أحكام المحكمة الدستورية العليا التي تقوم بتفسير النصوص الدستورية واستجلاء المفاهيم التي ينبني ويقوم عليها، وسوف نلاحظ في العرض التالي أن الدستور يتطور بشكل تلقائي لمواكبة المستجدات من مفاهيم وقيم خاصة ما كان منها عالمياً ويتعلق بحقوق الإنسان وحرياته.
1-العولمة ومبدأ المواطنة: لم يعرف الدستور المصري فيما مضي نصاً يتحدث عن مبدأ المواطنة([32])، فكانت تتحدث علي مبدأ المساواة في الحقوق والواجبات، وعدم التمييز بين المواطنين بسبب الأصل أو اللغة أو الدين أو الجنس أو العقيدة([33])، وقد تغير الأمر في الفترة الأخيرة فها هي لجنة الشئون الدستورية والتشريعية بمجلس الشعب المصري تطلب من رئيس الجمهورية المؤرخ 26/12/2006 بطلب تعديل المادة الأولي من دستور 1971 بإضافة مبدأ المواطنة للمادة واستبدالها بعبارة تحالف قوى الشعب باعتبار أن المواطنة هي التعبير والتجسيد لمشاركة أفراد الشعب علي السواء في تكوين الإرادة السياسية للشعب باعتباره مصدر السلطات، فيمارس الجميع كافة الحقوق والواجبات المترتبة علي اعطاء السيادة للشعب وحده، فالمواطنة رابطة منضبطة وواضحه إذا تقوم علي أساس الجنسية التي بها يتحدد الشعب وهو الركن الأول من أركان الدولة([34]).
وقد حددت بالفعل المحكمة الدستورية العليا المقصود بمبدأ المواطنة وأهميته بالنسبة للمجتمع في عدد من أحكامها منها أنها قضت بأن “….وحيث إن قيام المجتمع على مزيج من المواطنة والتضامن الاجتماعى يعنى أن الجماعة فى إيمانها بالانتماء إلى وطن واحد واندماجها فى بنيان واحد وتداخل مصالحها واتصال أفرادها بعضاً ببعض حتى يكونوا كالبنيان المرصوص يشد بعضه أزر بعض، ولئن نص الدستور فى المادة 40 منه على حظر التمييز فى أحوال معينة هى المنصوص عليها فى متن هذا النص، إلا أن هذا الحظر لا يدل البتة على الحصر، وآية ذلك أن من صور التمييز التى غفل عنها النص رغم أنها لا تقل عن غيرها وزناً وخطراً، كالتمييز الذى يرتد إلى الجاه أو إلى الثروة أو الانتماء الطبقى أو الميل السياسى أو الحزبى، وبالجملة فإن قوام التمييز التى تناقض مبدأ المساواة أمام القانون، كل تفرقة أو تقييد أو تفضيل أو استبعاد ينال بصورة تحكمية من الحقوق والحريات التى كفلها الدستور أو القانون. لما كان ما تقدم، وكان توكيد السيادة للشعب هو جوهر الديمقراطية، وأن الحق فى الانتخاب والترشيح من الحقوق العامة التى كفلها الدستور وضمن ممارستها، وجعلها واجباً وطنياً يتعين القيام به، وأن هذين الحقين متكاملان لا ينفصلان، ومن غير المفهوم أن يطلق المشرع حق الاقتراع للمواطنين المؤهلين لمباشرة حقوقهم، وأن يتخذ موقفاً معاكساً تماماً من ترشيحهم لعضوية مجالس إدارة الأندية، متى كان ذلك كله، وكان النص الطعين باشتراطه فى المرشح لعضوية مجلس إدارة النادى الذى يضم فى عضويته ألفى عضو، دون النادى الذى يضم أقل من هذا النصاب قد فرق بين أعضاء أندية قد تكون متجاورة وهو ما يقوض حيوية الهيئة التى ينتمون إليها فضلاً عن الوطن الكبير ذلك أن المستبعدين سوف تملأ حقوقهم مرارة الازدراء، وربما يحسون الدونية رغم طاقات هائلة يستطيعون تقديمها لجمعهم هذا الصغير بما ينعكس على المجتمع فى مجموعه بالحق والخير والجمال… “([35]).
2- العولمة والخصخصة والاستثمار: نجحت العولمة في إخضاع النشاط الاقتصادي داخل الدولة المصرية للقواعد القانونية السائدة في أغلب دول العالم، فالدساتير المصرية السابقة كانت تحصر النشاط الاقتصادي المصري في النظام الإشتراكي الذي تمتلك فيه الدولة أدوات الإنتاج وتتحمل أعباء توفير احتياجات المواطن من خلال القطاع العام في جميع المجالات، وهو ما يتعارض مع فكرة الخصخصة([36])، وقد تعرضت المحكمة الدستورية العليا في حكم أثار جدلاً أنذاك لتأييد فكرة الخصخصة والسماح بتداول أسهم شركات القطاع العام في البورصة مما يعنى نقل ملكيتها للقطاع الخاص وزوال سيطرة الشعب عليها، فجاء قضائها بالآتي“… أن النصوص الدستورية لا يجوز تفسيرها باعتبارها حلا نهائياً ودائماً لأوضاع اقتصادية جاوز الزمن حقائقها، فلا يكون تبنيها والإصرار عليها ثم فرضها بآلية عمياء إلا حرثاً في البحر، بل يتعين فهمها علي ضوء قيم أعلي غايتها تحرير الوطن والمواطن سياسياً، واقتصادياً. وذلك أن قهر النصوص الدستورية لإخضاعها لفلسفة بذاتها يعارض تطويعها لآفاق جديدة تريد الجماعة بلوغها، فلا يكون الدستور كافلاً لها، بل حائلاً دون ضمانها …… أن تواصل التنمية وإثرائها لنواتجها – إنما يمثل أصلاً يبلوره الاستثمار العام، ولئن مهد هذا الاستثمار الطريق إلي الاستثمار الخاص، وكان جاذباً لقواه، إلا أنه أسبق منه وجوداً وأبعد أثراً، إذ يمتد لميادين متعددة لا يقبل عليها الاستثمار الخاص أو يتردد في ولوجها، وإن كان تدفق الاستثمار العام لمواجهتها لازماً ضمانا لسير الحياة وتطويراً لحركتها، بما مؤداه أن لكل من الاستثمارين العام والخاص دوره في التنمية، وإن كان اولهما قوة رئيسية للتقدم تتعدد مداخلها، وليس لزاماً أن يتخذ هذا الاستثمار شكل وحدة اقتصادية تنشئها الدولة أو توسعها، ولا عليها أن تبقيها كلما كان تعثرها بادياً، أو كانت الأموال الموظفة فيها لا تغل عائدا مجزياً، أو كان ممكناً إعادة تشغيلها لاستخدامها علي نحو أفضل، ولا مخالفة لذلك للدستور، بل هو تكريس لتلك القيم التي يدعو إليها، وفي مقدمتها أن الاستثمار الأفضل والأجدر بالحماية يرتبط دوما بالدائرة التي يعمل فيها وعلي تقدير أن الاستثمارين العام والخاص شريكان متكاملان، فلا يتزاحمان أو يتعارضان أو يتفرقان، بل يتولي كل منهما مهاماً يكون مؤهلاً لها وأقدر عليها….”([37]).
وقد أكدت التعديلات الدستورية التي لحقت بدستور 1971([38])، وبالدساتير التالية له توجه الدوله إلي نظام الاقتصاد الحر الذي يعد النظام الاقتصادي السائد في أغلب دول العالم الآن، فقد جاء التعديل الدستورى لدستور 2012 في 2014 لينص صراحة علي الزام الدولة بتوفير المناخ الجاذب للاستثمار([39]).
وقد رسخت المحكمة الدستورية العليا لنظام الاستثمار بتوضيح اهميته والمعوقات التي يمكن أن تحد منه بقضائها بأن” …المزايا التى كفلها المشرع للمشروعات الخاضعة لنظام الاستثمار تعطيها مركزاً واقعياً شديد التميز يسوغ الرجوع عنها، من خلال موازنتها بأعباء جديدة يفرضها عليها، فذلك مردود أولا : بأن تقرير هذه المزايا يتصل بضمان تدفق رءوس الأموال العربية والأجنبية إلى مصر لتمويل قاعدة أعرض للتنمية الاقتصادية والاجتماعية، وعلى ضوء تنوع هذه المزايا وأبعادها، تُحدد رءوس الأموال العربية والأجنبية موقفها من الاستثمار فيها، فإذا أتت إليها بعد اعتمادها على تلك المزايا، فإن تقليصها من خلال فرض أعباء جديدة تحد من نطاقها، لا يكون جائزا، وعلى الأخص كلما كان من شأن الأعباء التى فرضها المشرع على المشروعات الاستثمارية، إرهاق نشاطها، فلا يكون تنافسها متكافئا مع غيرها ممن يباشرون معها – وإلى جانبها – ذات مجال نشاطها ، و مردود ثانياً : بأن معدل تدفق الاستثمارية فى بلد معين، يرتبط بالتدابير التى تتخذها وتؤثر فى مداه فكلما كان من شأنها اعتصار عائده، أو فرض أوضاع جديدة لايكون معها مجزيا، كان ذلك مؤثرا فى مجراه، أو مشككا فى جدواه..”([40]).
3-العولمة وحماية البيئة الطبيعة: لم تكن النصوص الدستورية في أغلب دول العالم تهتم بموضوعات تتعلق بحماية البيئة([41])، بما فيها مصر حتى بدأت بإضافة نص دستوري يتعلق بحماية البيئة بداية من التعديلات الدستورية لدستور 1971 التي تم إجازتها في عام 2007، ثم ظل بعد ذلك وجود نص يتعلق بالحق في بيئة نظيفة في النصوص الدستورية التالية لذلك ثابتاً لا يتغير([42])، ويعد هذا النص من المستجدات الواردة علي النصوص الدستورية بفعل العولمة، فالبيئة الإنسانية وحدة لا تقبل التجزئة نتيجة للاتصال المباشر بين عناصرها المختلفة من بحرية وبرية وجوية، فلايمكن فصل بيئة دولة عن دولة أخري ، كما أن التلوث البيئي لا يعترف بالحدود السياسية بين الدول([43])، ويعد الحق في بيئة نظيفة وحمايتها من أعقد القضايا التي استحوذت علي اهتمام العالم كله حتى العالم الثالث منه والذي كان يري أن ذلك الحق من الحقوق المرتبطة بالرفاهية الغير لازمة له في الوقت الراهن؛ إلا أنه أدرك كما أدركت دول العالم أن هذا الحق يرتبط بحقوق آخري أهمها الحق في الحياة والحق في التنمية([44]).
وقد أكدته المحكمة الدستورية العليا في العديد من أحكامها علي هذا الحق فقضت بأن“…القانون قرر مبدأ عام مؤداه حظر إلقاء المخلفات الصلبة أو الغازية أو السائلة أو صرفها في مجاري المياة علي كامل أطوالها، ويندرج تحت مسطحاتها من المياة العذبة كنهر النيل وفرعية والأخوار والترع بكل أنواعها والخزانات الجوفية علي امتداد جمهورية مصر العربية، وكذلك مسطحاتها غير العذبة كبحيراتها وبركها ومصارفها بجميع درجاتها. وسواء كانت تلك المخلفات قد تأتت من عقار أو من عمليات الصرف الصحي أو غيرها – ( واستطردت المحكمة قائلة منددة بتصرفات المواطنين المصريين تجاه نهر النيل وغيره من مجاري المياة) بيد أن اتجاها لتلويثها بدا أول الأمر محدوداً ثم تزايد حدة بمرور الزمن وصار بالتالي محفوفاً بمخاطر لا يستهان بها تنال من المصالح الحيوية لاجيال متعاقبة بتهديدها لأهم مصادر وجودها وعلي الأخص مع تراجع الوعي القومي وايثار بعض الأفراد لمصالحهم وتقديمها علي ما سواها وقد كان للصناعة كذلك مخرجاتها من المواد العضوية الضارة التي تتعاظم تركيزاتها أحيانا ليكون تسريبها للمياة وكائناتها الحية ادما لخصائصها وكان لغيرها من الأماكن مخلفاتها أيضا السائلة منها والصلبة والغازية التي تزايد حجمها وخطرها تبعاً لتطور العمران تطورا كبيرا ومفاجئاً بل وعشوائياً في معظم الأحيان… “([45]).
4– العولمة والحق في التنمية: هناك علاقة وثيقة بين العولمة وبين الحق في التنمية وهو ما أكدته الجمعية العامة للأمم المتحدة في ديسمبر عام 1986، ذلك الحق الذي يمثل بين سائر حقوق الإنسان مفهوماً فريداً، وذلك لأنه حق يجمع بين الحقوق المدنية والسياسية من جانب والحقوق الاجتماعية والاقتصادية والثقافية من جانب آخر([46])، وهذا الحق ورد علي استحياء في دستور 1971 فلم ينص الدستور صراحة علي هذا الحق، بل كان يتحدث عن عناصر التنمية؛ إلا أنه بتعديل الدستور في 2007 بدأ ظهور مصطلح الحق في التنمية بين نصوصه، ثم تأكد ذلك الحق في دستور2012، وتعديله في 2014([47]).
وهو ما أكدته المحكمة الدستورية في أحكام عديدة منها ما يوضح تطور استجلاء المحكمة للمفاهيم الدستورية، وتكييفها لها حسب ما تهدف الجماعة المصرية في الوصول إليه في حقب زمنية مختلفة فكما أيدت الخصخصة في أحكام لها حتى قبل تعديل الدستور للسماح بذلك بسنوات فقد أيدت من قبل سياسة التأميم التي سادت في حقبة زمنية بموجب القانون 117 لسنة 1961 باعتبارها هي التي ستؤدي للتنمية بقضائها بأن” … المشرع هدف من التأميم توسيع قاعدة القطاع العام بحسبانه ضرورة قومية لتوجيه الاقتصاد القومى توجيهاً مؤثراً ومفيداً لخطة التنمية مما يكفل المضي بها قدماً نحو الغايات المقصودة منها مما يقتضي حشد القوى الفنية والامكانيات اللازمة لها- دون ترك أعبائها وتمويل احتياجاتها للقطاع الخاص الذي قد يتجه بجهوده وفق الاحتياجات التي تمليها مصالحه الخاصة وفي ذلك ما يقيم العثرات أمام خطة التنمية..”([48])، ثم أكدت علي أهمية الاستثمارات الخارجية في دفع عجلة التنمية فقضت بأن “.. استثمار الأموال العربية والأجنبية ظل لازما لتحقيق خطة التنمية – سواء في مجال أولويتها أو علي ضوء أهدافها..”([49])، وقضت في حكم أخر مشجعة علي الإدخار باعتباره أداة التنمية بأن” …من أوجه التنمية الشاملة تنمية المدخرات، فعن طريق تنميتها وزيادتها ينهض الاقتصاد القومى ويبعد عن مشاكل التضخم ومساوئه . ولذلك فإن الحاجة العامة تدعو إلي تنمية المدخرات من أجل تنفيذ خطة التنمية والبعد بالاقتصاد القومى عن مشاكل التضخم…”([50]).
5– العولمة والحق في حماية جسم الإنسان: فبسيطرة فكر العولمة علي العالم بأسره ذلك الفكر الغارق في المادية والمعلي لشأن المنفعة أصبح كل شئ في هذا العالم قابل للتجارة فيه بالبيع والشراء وكل شئ له ثمن ،مما أدي لعرض جسد الإنسان نفسه في السوق سواء سوق الرقيق الجديد أو سوق تجارة الأعضاء، مما جعل دول العالم تهتم بوضع تشريعات تفرض حماية لجسم الإنسان باعتباره حق من الحقوق اللصيقة والمرتبطة بحياة الإنسان، بل بحياة المجتمع ككل فكيف يرجي الإزدهار والتقدم في مجتمع عليل، ويقصد بالحق في حماية جسم الإنسان تجريم كل فعل أو امتناع يؤذي سلامة الجسم، وتقوم تلك الحماية علي ثلاثة أركان هي: أولاً: حماية الحق في السير الطبيعي لوظائف الحياة في الجسم: والذي يعني: حق الإنسان في ألا يهبط مستواه الصحي فكل فعل ينقص من هذا النصيب هو مساس بالحق في سلامة الجسم، ومن المتصور أن يحدث هذا عن طريق إحداث مرض لم يكن موجود من قبل أو الزيادة في عرض كان المجنى عليه يعاني منه سلفاً، ثانياً: الحق في التكامل الجسدي: والذي يعنى: حماية جميع أعضاء الجسد الداخلية والخارجية وعدم المساس بخلايا الجسم، ثالثاً: الحق في التحرر من الآلام البدنية: والذي يعنى: عدم جواز المساس بجسم الإنسان أو العبث به بأي صورة تسبب ألم ولو كان ذلك الألم صغير([51])؛ إلا أن المشرع الدستوري المصري لم يتعرض لهذا الحق بشكل صريح فقد تعرض له من منطلق نصوص وأحكام تتعلق بتنظيم الإجراءات الجنائية كعدم جواز الحبس والقبض والتفتيش للإنسان بغير إذن قضائي، أوعدم جواز حجزه أو حبسه في غير الأماكن الخاضعة للقوانين الصادرة بتنظيم السجون، كما لايجوز إيذائه بدنياً ولا معنوياَ، وحرمة الحياة الخاصة؛ إلا المشرع الدستوري قد تنبه وقام بالنص الصريح عليه في التعدل الدستوري لدستور 2012 الصادر في عام 2014([52]).
وكما لم يتعرض المشرع الدستوري المصري للنص صراحة علي الحق في حماية جسم الإنسان كأحد حقوق الإنسان،إلا في تعديل 2014، كذلك لا توجد أحكام صريحة من المحكمة الدستورية العليا تدل علي هذا الحق، بل درجت أحكامها في الحديث عن الحق في حماية جسم الإنسان باعتباره أحد الحقوق المنبثقة ووثيقة الصلة بالحرية الشخصية، بما يحول بين المشرع وتقييدها بوسائل إجرائية أو قواعد موضوعية تنال من الحماية المقررة لها دستورياً، واستخلصت الحق في التعويض الذي قرره الشارع الدستوري لكل من اعتدي علي حق أو حرية له يكفلها الدستور، ومن بينها الحق في حماية جسم الإنسان([53]).
6–العولمة وحرية البحث العلمي والإبداع: بالطبع في زمن العلم والإبداع واللذان اتُخذا أساسا للسيطرة علي العالم، وهما الأساس في تقسيم العالم إلي نوعين من الدول دول متقدمة تسوس، ودول متخلفة تساس، وقد اهتم الدستور المصري بهاتين الحريتين منذ دستور عام 1971 ، ثم أعلن عنهما بشكل أكثر صراحة في دستور 2012 ، وجاء التعديل الدستوري في 2014 معلناً بكل حسم وجزم عنهما([54]).
وقد أكدت المحكمة الدستورية العليا في أحكامها علي الحق في حرية البحث العلمى فقضت بأن” …الحريات الأساسية التي كفلها الدستور للمواطنين كافة هي حرية البحث العلمى، ذلك أن هذه الحرية هي من الحريات التي لا تنفصل ولا تنفصم عن شخص الباحث العلمى، فلا مفارقة بينها وبينه ولا يتصور لها كيان أو وجود استقلالا عنه، وإذا كان جوهر هذه الحرية هو مطلق الحرية علي نحو غير نهائي، لأن أي قيد عليها مهما هان، إن هو إلا نفي لها، وأية عقوبة في طريقها ولو ضؤلت إلا عدوانا عليها…”([55]).
وأكدت كذلك في أحكامها علي الحق في حرية الإبداع فقضت بأن” …لكل مواطن حرية البحث العلمي والإبداع الفني والثقافي مع ضمان وسائل تشجيعها، مؤكدة بذلك أن لكل فرد مجالاً حراً لتطوير ملكاته وقدراته، فلا يجوز تنحيتها أو فرض قيود جائرة تحد منها، ذلك أن حرية الإبداع تمثل جوهر النفس البشرية وأعمق معطياتها، وصقل عناصر الخلق فيها، وإذكاؤها كافل لحيويتها، فلا تكون هامدة بل إن التقدم في عديد من مظاهره يرتبط بها…”([56])، وعرفت المحكمة كذلك حرية الإبداع فقضت بأن“..الإبداع – علمياً كان أم أدبياً أم فنياً أم ثقافياً- ليس إلا موقفاً حراً واعياً يتناول ألواناً من الفنون والعلوم تتعدد أشكالها، وتتابين طرائق التعبير عنها، فلا يكون نقلاً كاملاً عن آخرين، ولا ترديد لأراء وأفكار يتداولها الناس فيما بينهم – دون ترتيب أو تصنيفها أو ربطها ببعضها وتحليلها – بل يتعين أن يكون بعيداً عن التقليد والمحاكاة ، وأن ينحل عملاً ذهنياً وجهداً خلاقاً، ولم يكن ابتكاراً كاملاً جديداً كل الجدة، وأن يتخذ كذلك ثوباً مادياً – ولو كان رسماً أو صوتاً أو صورة أو عملاً حركياً – فلا ينغلق علي المبدع استئثاراً، بل يتعداه إلي آخرين انتشاراً ليكون مؤثراً فيهم..”([57]).
7–العولمة والحق في الحفاظ علي الآثار: علي الرغم من كون الحضارة المصرية من أقدم الحضارات علي وجه البسيطة، إلا أن الدساتير المصرية تعرضت لهذا الحق تحت مسمي الحق في الثقافة ولم تضفي بنص صريح حماية للآثار والتراث إلا من خلال التعديل الدستوري الصادر في 2014([58])، ويعد ذلك الحق من الحقوق الجماعية التي يطلق عليها الجيل الثالث من حقوق الإنسان، ويعنى ذلك أن لكل البشر الحق في الانتفاع والمشاركة العادلة في الفوائد التي تنتج عن استقلال موارد التراث المشترك للإنسانية([59]).
الخاتمة
ليس من الحكمة التعامل مع العولمة بمنطق الرفض المطلق أو القبول المطلق، فهي ظاهرة تاريخية قائمة فعلاً، وهناك في كل دولة من دول العالم وبصفة خاصة النامي منها تيارين فكريين، تيار يؤيد العولمة ويري فيها أنها تحمل الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان للدولة خصوصاً أن هذه الدول يعاني مواطنيها في الغالب من صعوبات في ممارسة الديمقراطية وتردي في وضع حقوق الإنسان فيها، وتيار يري أن العولمة ماهي إلا إحتلال جديد للدول يتناول كل مناحي الحياة في الدولة من ثقافية واجتماعية واقتصادية وبيئية، فيضعف من سلطة الدولة لصالح الدول الكبري والمؤسسات الدولية، والذي أعطي لهذا الإتجاه الأخير القوة الجدلية، هو وجود معايير مزدوجة وانتقائية في العالم للديمقراطية وحقوق الإنسان.
ويجب الاعتراف بأن العولمة تجمع بين التيارين السابقين، فالعالم الآن أكثر ترابطا وتداخلا بين أطرافه، ولا تكاد تستطيع أى دولة أن تعيش بمفردها بعيدا عن بقية المجتمع الدولي، فنحن جميعا فى قارب واحد، وإذا كانت بعض مظاهر العولمة قد تضمنت استغلال القوى للضعيف، «الغنى للفقير» فإن هناك مظاهر أخرى للعولمة أيضا تبين تضافر الجهود لحماية وجود المجتمع البشرى وتماسكه، فالعلاقات الدولية قد تزايدت بشكل كبير، فكان من اللازم وضع الضوابط والمعايير حماية للجميع، ومن هنا جاء التوافق على العديد من القواعد والمعايير الدولية حماية للجميع، والمتمثل في الاتفاقيات الدولية، والتي استفاد منها المواطنين في الدول وعلي الأخص النامية منها فالحقوق السياسية والمدنية لهم قد زادت في عصر العولمة، إلا أن ذلك كان علي حساب الحقوق الاقتصادية والاجتماعية في ظل اقتصاد السوق.
وقد حاولنا في هذا البحث التعرف علي العولمة وجذورها، والفارق بينها وبين العالمية، والمميزات والعيوب التي تترتب علي العولمة، ثم تطرقنا للطرق المستخدمة لدفع الدول لتعديل دساتيرها في إطار المفاهيم العالمية الجديدة عولمة النص الدستوري سواء أكان ذلك بالترغيب أو الترهيب، وتناولنا في النهاية صور ونماذج من النصوص القانونية الدستورية المصرية التي تحمل الفكر العالمي الحالي سواء الاقتصادي والاجتماعي والثقافي والبيئي والسياسي، وما يؤيد تبني ذلك الفكر من أحكام المحكمة الدستورية العليا.
وفي النهاية لابد أن نوضح أن العالم كله في مفترق طرق بسبب العولمة فإما أن تكون العولمة هي الإنقاذ الحقيقي للبشرية بأن تاخذ البعد الإنساني، أو تتجرد العولمة من هذا البعد الإنساني وتكون هيمنة السوق والربح هي المسيطر والمحرك الوحيد للعولمة فتصبح العولمة مرحلة جديدة من مراحل الاستعمار.
وفي الختام أذكر قول الإمام الشافعي عندما قال:
كلما أدبني الدهر أراني نقص عقلي
وإذا ما أزددت علماً زادني علماً بجهلي
([1]) جون رالستون سول: انهيار العولمة وإعادة اختراع العالم، الهيئة المصرية العامة للكتاب، مكتبة الأسرة، عام 2015، ترجمة أ. محمد الخولي، ص24.
إلا أن المتأمل في فكرة العولمة يجد أنها ليست بالجديدة، بل هي قديمة إلى حد كبير فإذا كانت العولمة حركة تاريخية تهدف إلى تقارب شعوب ودول العالم، فالاتجاه الذي يهدف إلى هذا التقارب قديم قدم التاريخ ولا يرتبط بالتطورات العالمية، والتقنية الحديثة، فكلما تصدرت حضارة ما باقي الحضارات تسعي لقيادة العالم بحضارتها، وهو ما حدث مع حضارة الصين والهند وفارس وما بين النهرين وكنعان ومصر القديمة، والحضارة العربية الإسلامية التي قامت كحلقة وصل بين حضارات الشرق وحضارات الغرب عندما كانت مركزاً للعالم ومصدراً للعلم تنقل إبداعاتها من العربية إلى اللاتينية والعبرية، وقامت بذلك مجموعة من الغرب مرة أخرى (اليونان والرومان)، ثم الغرب الحديث منذ ما يسمى بالاكتشافات الجغرافية، راجع د. ميمون الطاهري: عولمة الاقتصاد- عولمة الأزمات: الوجه الحقيقي للقرية الكونية، ص4، بحث منشور علي شبكة الإنترنت:
http://iefpedia.com/arab/wp-content/uploads/2010/12.
وقد مرت العولمة بمراحل ثلاثة : بدأت بمشروع مارشال لإعادة إعمار أوربا بعد الحرب العالمية الثانية، وإعادة تنظيم العلاقات النقدية وتمثل ذلك بظهور البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، ثم المرحلة الثانية وهي مرحلة العولمة الإقليمية والتي بدأت في النصف الثاني من القرن الماضي وذلك من خلال انشاء الأسواق المشتركة وإبرام المعاهدات المشتركة وتكوين المنظمات الإقليمية وشملت تلك المرحلة كل قارات العالم بلا استثناء، ثم المرحلة الثالثة وتسمى بالعولمة الكونية التي نحيا فيها الآن والتي بدأت مابين عامي 1985 -1991 بعد سقوط حائط برلين وتفكك الإتحاد السوفيتي وتسيد العالم قطب واحد وهو الولايات المتحدة الأمريكية وكل الدول تخضع تحت لوائه، أ. شريهان جميل مخامره: تدويل الدساتير، رسالة ماجستير، جامعة الشرق الأوسط، 2012-2013، ص33، 34.
([2]) د. مصطفي أحمد حامد رضوان: الفقر في ظل العولمة دراسة تطبيقية علي الدول المتقدمة والنامية ودول العالم الثالث، الدار الجامعية ،2010-2011، الطبعة الأولي، ص158.
([3]) د. جابر بن خلفان بن سالم الهطالي: العولمة وتأثيرها علي النظم القانونية القطرية ” دراسة تحليلية مقارنة في ضوء التشريع العماني”، رسالة دكتوراه، حقوق القاهرة، 2014، ص11.
Marshall Mc Luhan and Quentin Fiore, War and Peace in the Global Village: An Inventory of Some of the Current Spastic Situations That Could Be Eliminated. By More feed forward, New York; 1969.
وقد أطلق مارشال ماك لوهان هذا المصطلح نتيجة لدراسته للدور الذي لعبه جهاز التلفزيون في أثناء حرب فيتنام التي خاضتها الولايات المتحدة وانتهت بهزيمتها وسحب قواتها. وقد استنتج الكاتب أن الشاشة الصغيرة حولت المواطنين الأمريكيين من مجرد مشاهدين أو مستهلكين للصور إلى مشاركين أو فاعلين في مجريات الحرب، مما أدي إلى اختفاء الحدود بين العسكريين والمدنيين وإلى تحول الإعلام الالكتروني –خارج أوقات الحرب– إلى محرك للتغيير الاجتماعي من جهة أخرى.
([4]) د. مصطفي أحمد حامد رضوان، مرجع سابق، ص158.
([5])العولمة في اللغة تعني: تعميم الشئ وتوسيع دائرته ليشمل العالم كله، ويقال عولم الشئ أي جعله عالمياً، بمعنى نقله من المجال المحدود والمراقب إلي المجال اللامحدود واللامراقب، راجع أ. منى زنودة: الإقليمية والعولمة، محاضرات تم القائها لطلبة الفرقة الثالثة علوم سياسية للعام الجامعي 2011- 2012، كلية الحقوق والعلوم السياسية، جامعة محمد خيضر بسكرة، ص4.
([6]) راجع في هذه التعريفات وغيرها د. فضل الله محمد إسماعيل: العولمة السياسية، دار الجامعة الجديدة، الإسكندرية، 2008، ص14، وما بعدها، أ.شريهان جميل مخامره، مرجع سابق، ص32، وما بعدها، د. ياسر سلامة عبد الحليم أحمد شويته: التأصيل التاريخي والأساس الفلسفي لفكرة عالمية القانون في الفكر القانونى والتشريع الإسلامى، رسالة دكتوراه، حقوق عين شمس، 2014، ص15، وما بعدها.
([7])Baylis & Smith:The Globalization of world politics ,Oxford university press, London,1997,p.15.
([8]) د. مصطفي أحمد حامد رضوان، مرجع سابق، ص162.
وهناك شبه اجماع بين الباحثين أن هناك صعوبة بل استحالة في ايجاد تعريف جامع مانع لمصطلع العولمة، ويرجعون ذلك إلي عدم ثبات ووضوح تلك الظاهرة وبالتالي صعوبة حصر وتحديد العولمة في تعريف واحد، راجع د. ياسر سلامة عبد الحليم أحمد شويته، مرجع سابق، ص20.
([9]) جون رالستون سول، مرجع سابق، ص50.
([10]) راجع في الفارق بين العالمية والعولمة كل من د. جابر بن خلفان بن سالم الهطالي، مرجع سابق، ص 33، ومابعدها، أ. شريهان جميل مخامره، مرجع سابق، ص35، د. ياسر سلامة عبد الحليم أحمد شويته، مرجع سابق، ص28، ومابعدها.
([11]) أ. عبد الخالق عبد الله : عولمة السياسة والعولمة السياسية، بحث منشور بمجلــة البرلمــان العــربي، السنة الثامنة والعشرون – العدد 102 : إيلول (سبتمبر) 2007، متاح علي شبكة الإنترنت علي موقع:
http://www.arab-ipu.org/publications/journal/v102/studies.html
([12]) أ. منى زنودة، مرجع سابق، ص10.
([13]) راجع في هذا المعنى د. محي محمد مسعد : عولمة الاقتصاد في الميزان، المكتب الفني الحديث، 2010، ص13، 14، د. مصطفي أحمد حامد رضوان، مرجع سابق، ص162، 163.
([14]) د. أحمد فتحي سرور: نظرات في عالم متغير، دار الشروق ، الطبعة الأولي،2003 ، ص8، وما بعدها.
([15]) د. مصطفي أحمد حامد رضوان، مرجع سابق، ص165.
فالعولمة تقود العالم في اتجاهين يهددان سيادة الدولة الوطنية بانتزاع سيادة الدولة لصالح كيانات جديدة فوق وطنية أو من خلال تفكيكيها لكيانات عصبية تنتصر لعصبيتها علي حساب الوطنية، راجع أ. شريهان جميل مخامره ، مرجع سابق، ص35.
([16]) د. فضل الله محمد إسماعيل: العولمة السياسية، دار الجامعة الجديدة، الإسكندرية، 2008،ص97، ما بعدها.
([17]) أ. منى زنودة، مرجع سابق، ص11، د. جابر بن خلفان بن سالم الهطالي، مرجع سابق، ص 25.
([18]) د. صالح الرقب: بـيـن عـالـميـة الإسـلام والعـولـمـة، بحث مقدم لمؤتمر التربية الأول والمقام تحت عنوان “التربية في فلسطين ومتغيرات العصر”،المنظم في الجامعة الإسلامية، غزة، فلسطين، 2004، ص19 .
([19]) د. فضل الله محمد إسماعيل، مرجع سابق، ص 151.
([20]) د . جابر بن خلفان بن سالم الهطالي، مرجع سابق، ص 28.
([21]) د. فضل الله محمد إسماعيل، مرجع سابق، ص 153.
([22]) راجع في دور المؤسسات المالية الدولية في تفعيل العولمة بالتفصيل د. عبد الناصر جندلي: الإتجاهات الفكرية المفسرة لمدي تأثير العولمة ومؤسساتها المالية والاقتصادية علي سيادة الدولة في ظل النظام الدولي الجديد، بحث مقدم إلي الملتقي الوطنى الثالث، المنظم بمعرفة جامعة بتانة تحت عنوان: مبدأ السيادة في ظل النظام الدولي الجديد، والمنظم يومي 12-13 مايو 2010، ص5، وما بعدها.
ومن أشهر هذه المؤسسات المالية صندوق النقد الدولي International Monetary Fund ومن بين المهام التي يقوم بها الصندوق تصحيح الإختلالات في موازين المدفوعات للدول الأعضاء وتحقيق استقرار أسعار صرف عملتها، كما يلجاء الصندوق إلى تطبيق بعض السياسات تجاه دول العالم الثالث كسياسة إعادة جدولة الديون، وبالطبع تستسلم دول العالم لسياسات الصندوق من خصخصة الشركات والمرافق العامة، وسياسات التقشف التي يفرضها عليها، والبنك الدولي للإنشاء والتعمير International Bank of Reconstruction and Development، والذي يقوم جنباً إلي جنب مع صندوق النقد الدولي في تمويل مشاريع البناء والتعمير، ومنح القروض للدول المختلفة لتمويل المشاريع، وفض المنازعات المالية بين الدول الأعضاء وتشجيع الإستثمار الخاص، ومنظمة التجارة العالمية World Trade Organization والتي تعد من أخطر المؤسسات الدولية للعولمة، و يتمثل دورها الرئيسي في تحويل الاقتصاديات المحلية المنغلقة علي نفسها إلي اقتصاديات مفتوحة مندمجة فعلياً في النظام العالمي، ويعد الإنضمام لهذه المنظمة من قبل الدول المتخلفة دول العالم الثالث بمثابة الفرصة التي تتيح لهذه الدول وجود مكان لهم في ظل النظام العالمي الجديد للتجارة، إلا أن الدول التي تنضم تتخلي حكوماتها طواعية عن أي شكل يمكن أن تقوم به في حماية ورقابة القطاع الزراعي والموارد الطبيعية والنظم الصحية والتربوية، هذا بالإضافة للدور الذي تلعبه الشركات متعددة الجنسيات Multinational Corporations ، والتي تأتي لدول العالم الفقير لحل مشاكل الإستثمار في تمويل المشروعات التي تحتاج لرأسمال تعجز ميزانية الدولة عن تحقيقة، فرأسمال هذه الشركات يعادل ميزانية عدة دول إفريقية متحدة، بالإضافة لما تتيحه هذه الشركات من فرص عمل لأبناء تلك الدول مما يساهم في حل مشكلة البطالة لديها، وهذه الشركات مملوكة لرعايا الدول القائدة للعولمة ( الولايات المتحدة الامريكية، والإتحاد الاوربي)، وتلعب هذه الشركات دوراً هاماً في انتقال السلع ورأس المال والمعلومات والافكار، وهذه الشركات تجعل الدول الفقيرة تلعب دور مديرة المنزل house keeper بالنسبة لها التي يطلب منها أن تلبي رغبات تلك الشركات دون استفادة حقيقية من عملها فأرباحها وثمارها تذهب لبلاد المنشأ التي بها مركزها الرئيسي، راجع د. جابر بن خلفان بن سالم الهطالي، مرجع سابق، ص171.
([23]) أ. عبد الخالق عبد الله ، مرجع سابق.
([24]) د. كمال الدين عبد الغني المرسي: الخروج من فخ العولمة، المكتب الجامعي الحديث، الإسكندرية ،الطبعة الأولي، 2002، ص25.
([25]) أ. شريهان جميل مخامره، مرجع سابق، ص41.
([26]) د. كمال الدين عبد الغني المرسي، مرجع سابق، ص104.
([27]) د. طلال ياسين العيسي: السيادة بين مفهومها التقليدى والمعاصر دراسة في مدي تدويل السيادة في العصر الحاضر، مجلة جامعة دمشق للعلوم الاقتصادية والقانونية، المجلد 26، العدد الأول، 2010، ص64.
([28]) د. كمال الدين عبد الغني المرسي، مرجع سابق، ص102.
([29]) د. طلال ياسين العيسي، مرجع سابق، ص62، 63.
هذا التصريح الصدمة الذي يعطي الحق لأي دولة بصفة خاصة – الولايات المتحدة الأمريكية – في التدخل في شئون الدول الأخري دون تفويض من أي طرف دولي لأسباب سياسية أو إنسانية ، وهو ما فتح الطريق للولايات المتحدة الأمريكية باعتبارها القوى العظمى الوحيدة في العالم أن تقوم بدور الزعيم الأخلاقي للكون، فهى حامية الديمقراطية والمدافع عن حقوق الإنسان وهي المراقب العام للاضطهاد الديني في العالم” وهو ما يبرر ما قامت به الولايات المتحدة مؤيدة من قبل الإتحاد الآوربي في العراق، وفي أفغانستان من قبل، وفي سوريا وليبيا، وغير ذلك من الدول”، راجع في ذلك د. فضل الله محمد إسماعيل، مرجع سابق، ص151، 152.
وهو ما يتعارض بالطبع مع ما استقر عليه الفقه عند تعرضه لتعريف السيادة فلفظ السيادة أطلقه الفقه للتعبير عن السلطة السياسية للدولة ، ولهذه السيادة وجهان: الأول ذو طابع ايجابي أي تلك السلطة الآمرة للدولة التي تعلو علي جميع الأفراد والهيئات الموجودة علي إقليم الدولة، بحيث تسمو ارادتها وتفرضها علي الجميع داخل الدولة وتلك هي السيادة الداخلية، والثاني ذو طابع سلبي وهو ما يعنى عدم خضوع الدولة لدولة أجنبية أخري، ودورها في هذه الحالة سلبي محض لأن استقلال الدولة وعدم خضوعها لغيرها من الدول لا يعطيها أي حق في اتخاذ أي اجراء ايجابي يمس استقلال أو سلامة أي دولة أخري، وتلك هي السيادة الخارجية والتي لا ينقص منها تقيد الدولة بالتزاماتها كعضو في المجتمع الدولي من خلال المعاهدات والاتفاقيات التي تنضم إليها، ومن خلال القانون الدولي والأعراف الدولية، راجع في ذلك د. محمد جمال عثمان جبريل: النظم السياسية ، دون ناشر، دون تاريخ، ص81، 82.
([30]) د. فضل الله محمد إسماعيل، مرجع سابق، ص29، 30.
([31]) د. أحمد فتحي سرور، مرجع سابق، ص111.
فقد سعت الدول الكبري ( أمريكا والإتحاد الأوربي ) منظمة الأمم المتحدة والهيئات التابعة لها إلي تعزيز الأطر المعيارية والقانونية والمؤسسية التي تتيح العمل بمزيد من الفاعلية لتحقيق الاستقرار الدولي، ولافساح المجال أمام جميع بلدان العالم، ولا سيما أقلها نمواً للإفادة من التعاون الدولي بإشراف هذه المنظمة، وقد استطاعت أن تقوم بفرض بعض السياسات في هذا المجال أحياناً عن قناعة دولية بذلك، وفي اخري فرضاَ علي هذه المنظمة من بعض القوى ذات النفوذ في المنظمة، راجع د. جابر بن خلفان بن سالم الهطالي، مرجع سابق، ص179.
([32]) وتعرف المواطنة citizenshipبأنها عبارة عن صفة تثبت للفرد كنتيجة للعلاقة بينه وبين الدولة استناداً إلي معيار قانونى هو الجنسية كرابط انتماء وخضوع ويثبت له بمقتضاها مجموعة من الحقوق والواجبات المتفردة سعياً إلي بناء ودعم الإطار السياسي والثقافي والاقتصادي للدولة”، راجع في تعريف المواطنة د. محمود علي أحمد مدنى: دور المحكمة الدستورية العليا في استجلاء المفاهيم الأساسية التي يقوم عليها النظام القانوني المصري،” دراسة مقارنة”، رسالة دكتوراه، حقوق حلوان،2015، ص67.
وقد ساهمت العولمة بتجلياتها المختلفة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية في إعادة تعريف مفهوم المواطنة بتكريس مفهوم المواطنة العالمية التي تركز علي الالتزام الحر بمبادئ المدنية الحديثة وقيم الديمقراطية التي تذوب في طياتها الاختلافات العرقية والدينية والطبقية لتصبح الهوية المدنية هي الرابط الذي يضم جميع المواطنين في نظام سياسي عالمي، فالمواطنة أصبحت تمثل في العصر الحديث حجر الزاوية في بناء الدولة الحديثة، وهي المدخل إلي إرساء نظام حكم ديمقراطي تعددى، راجع في تأثير العولمة علي مبدأ المواطنة بالتفصل د. جابر بن خلفان سالم الهطالي، مرجع سابق، ص280، وما بعدها.
([33]) راجع نص المادة 40 من الدستور المصري السابق الصادر عام 1971.
([34]) د. محمود علي أحمد مدنى، مرجع سابق، ص68.
وقد استجابة السلطة السياسية لهذا المقترح وبالفعل في 26 مارس 2007 و تم تعديل المادة الأولي منه بعد التعديل علي أن” جمهورية مصر العربية دولة نظامها ديمقراطي يقوم علي أساس المواطنة”، واستمر التأكيد علي مبدأ المواطنة في الدستور اللاحق لدستور 1971 وهو دستور 2012 والذي نص في المادة 6 منه علي أن” يقوم النظام السياسي علي مبادئ الديمقراطية والشوري والمواطنة….”، ثم جاء النص علي المبدأ في التعديل الدستوري الصادر في 2014 فنص في المادة الأولي منه علي أن” جمهورية مصر العربية دولة ذات سيادة موحدة لا تقبل التجزئة ولاينزل عن شئ منها، نظامها جمهوري ديمقراطي، يقوم علي أساس المواطنة وسيادة القانون..”.
([35]) راجع حكم المحكمة الدستورية العليا في القضية رقم 85 لسنة 28 ق الصادر بجلسة 10- يونيه -2007.
([36]) والتي تعنى: انسحاب تدريجي لهيمنة القطاع العام علي النشاط، وذلك من خلال وقف الدعم الحكومى لشركات القطاع العام، ثم الانتقال في مرحلة تالية لبيع هذه الشركات للمستثمرين، راجع في الخصخصة د. محى محمد مسعد: دور الدولة في ظل العولمة ” دراسة تحليلية مقارنة”، مركز الإسكندرية للكتاب، الطبعة الأولي، 2006، ص75.
وعرفها البعض بأنها: نزع ملكية الوطن والأمة والدولة ونقلها إلي الخواص في الداخل والخارج، وفيها تتحول الدولة إلي جهاز لا يملك ولايراقب ولا وجه، راجع د. فضل الله محمد إسماعيل، مرجع سابق، ص153.
وتعتمد الخصخصة أساساً علي قوى السوق في توجيه الموارد، الأمر الذي يعظم دور القطاع الخاص ويعظم قاعدة نشاطاته ، فهي سياسة اقتصادية عالمية ليست حصراً علي أيدلوجية معينة أو نظام اقتصادي محدد، راجع د. محمود علي أحمد مدنى، مرجع سابق، ص638.
([37]) راجع حكم المحكمة الدستورية العليا في القضية رقم 7 لسنة 16 ق بجلسة 1/2/1997.
([38]) فقد تم تعديل كافة المواد التي كانت تتحدث عن الفكر الاشتراكي من قريب أو بعيد ومن هذه المواد المادة الأولي من الدستور والتي كان نصها قبل التعديل”جمهورية مصر العربية نظامها اشتراكي ديمقراطي يقوم علي تحالف قوى الشعب …”فصار بعد التعيدل” جمهورية مصر العربية نظامها دمقراطي يقوم علي مبدأ المواطنة…”، والمادة الرابعة التي كان نصها ” الأساس الاقتصادي لجمهورية مصر العربية هو النظام الاشتراكي القائم علي الكفاية والعدل بما يحول دون الاستغلال ويهدف إلي تذويب الفوارق بين الطبقات”، فجاءت بعد التعديل” يقوم النظام الاقتصادي في جمهورية مصر العربية علي تنمية النشاط الاقتصادي ، والعدالة الاجتماعية، وكفالة الأشكال المختلفة للملكية، والحفاظ علي حقوق العمال” وكان نص المادة ثلاثون منه ينص علي” الملكية العامة ملكية الشعب، وتتأكد بالدعم المستمر للقطاع العام، ويقود القطاع العام التقدم في جميع المجالات وتحمل المسئولية الرئيسية في خطة التنمية”، وجاء التعديل كالآتي ” الملكية العامة للشعب وتتمثل في ملكية الدولة والأشخاص الاعتبارية العامة”.
([39]) وجاء نص المادة 21 من دستور 2012 علي أن” تكفل الدولة الملكية المشروعة بأنواعها العامة والتعاونية والخاصة والوقف وتحميها؛ وفقا لما ينظمه القانون”، وجري نص المادة 22 منه علي أن” للأموال العامة حرمة، وحمايتها واجب وطنى علي الدولة والجتمع”، ثم نص صراحة في المادة 24 علي أن” الملكية الخاصة مصونة، تؤدي وظيفتها الاجتماعية في خدمة الاقتصاد الوطنى دون انحراف أو احتكار..”
ثم جاءت التعديلات الدستورية في 2014 بالنص في المادة 27 منها علي أن ” …ويلتزم النظام الاقتصادي بعايير الشفافية والحوكمة، ودعم محاور التنافسية، وتشجيع الاستثمار…”، وفي المادة 28 منها علي أن ” الأنشطة الاقتصادية الإنتاجية والخدمية والمعلوماتية مقومات أساسية للاقتصاد الوطنى، وتلتزم الدولة بحمايتها، وزيادة تنافسيتها، وتوفير المناخ الجاذب للاستثمار، وتعمل علي زيادة الانتاج وتشجيع التصدير وتنظيم الاستيراد..”.
وكل هذه النصوص الدستورية تؤكد تحول الدولة نحو للاقتصاد الحر بكل قوة.
ويعرف المناخ الاستثماري” بأنه مجموعة القوانين والسياسات والمؤسسات الاقتصادية والسياسية التي تؤثر في ثقة المستثمر وتقنعه بتوجيه استماراته إلي بلد دون آخر، فإذا كان البلد يتمتع باستقرار سياسي واجتماعي بات مهيئاً لدراسة ظروفه الاقتصادية وملاءمتها مع جذب الاستثمارات الأجنبية وتنشيط الاستثمارات الوطنية “، راجع د. محمود علي أحمد مدنى، مرجع سابق، ص634.
([40]) راجع حكم المحكمة الدستورية العليا في القضية رقم 227 لسنة 21 ق لصادر بجلسة 2/ 12/ 2000.
([41]) فالبيئة هي مجموعة من النظم الطبيعية والاجتماعية والثقافية التي يعيش الإنسان والكائنات الأخري، ويلعب التعاون الدولى في مجال البيئة دوراً حيوياً يضطلع به في وقف ما ينجم عن الأنشطة البشرية من آثار ضارة محتملة علي البيئة، وبدأ الاهتمام الدولي بقضايا البيئة يتخذ شكلاً مؤسسياً تجسد في مؤتمر عقد بمدينة ستوكهوام بالسويد في يونيو عام 1972 في الفترة من 5 إلي 16 يوليو والذي صدر عنه إعلان ضرورة تعاون الدول لتطوير قواعدالقانون الدولي لحماية البيئة، ثم توالت بعد ذلك المؤتمرات والاتفاقات المختلفة الخاصة بالبيئة، وهو ما ظهر من تفاعل عدد كبير من الدول بوضع تشريعات كفيلة بحماية البيئة، والتوقيع علي العديد من الاتفاقيات والمعاهدات المتعلقة بالحفاظ علي البيئة مما جعل تلك المعاهدات والاتفاقيات جزء من نظامها القانوني بعد التوقيع، د. جابر بن خلفان بن سالم الهطالي، مرجع سابق، ص180، وما بعدها.
([42]) فقد تم تعديل دستور 1971 بموجب الاستفتاء الذي أجري يوم الإثنين الموافق 26 مارس 2007 والذي نص في المادة 59 من الدستور المعدل علي أن” حماية البيئة واجب وطنى، ينظم القانون التدابير اللازمة للحفاظ علي البيئة الصالحة”، وقد ورد نص مشابه في دستور 2012 في المادة 63 منه والتي جاء بها أن” لكل شخص الحق في بيئة صحية سليمة، وتلتزم الدولة بصون البيئة وحمايتها من التلوث، واستخدام الموارد الطبيعية، بما يكفل عدم الإضرار بالبيئة والحفاظ علي حقوق الأجيال فيها”، وجاء تعديل ذلك الدستور في 2014 بالنص في المادة 46 منه علي أن” لكل شخص الحق في بيئة صحية سليمة وأن علي الدولة التزام بحماية البيئة وصون مواردها من التلوث، حفاظاً علي حقوق الأجيال القادمة فيها”، وقد سبق ذلك التدخل الدستوري لحماية البيئة تدخل تشريعي وهو صدور قانون البيئة المصري رقم 4 لسنة 1994 والذي عرف البيئة حدد واجب الدولة والمواطنين تجاه البيئة في مادته الأولي بأنها” المحافظة علي مكونات البيئة والارتقاء بها، ومنع تدرهورها أو تلوثها أو الإقلال من حدة التلوث، وتشمل هذه المكونات الهواء والبحار والمياة الداخلية متضمنة نهر النيل والبحيرات والمياة الجوفية والأرض، والمحميات الطبيعية والموارد الطبيعية الأخري”.
([43]) د. ياسر سلامة عبد الحليم أحمد شويته، مرجع سابق، ص383.
([44]) راجع د. محمود علي أحمد مدنى، مرجع سابق، ص407.
([45]) راجع حكم المحكمة الدستورية العليا في القضية رقم 34 لسنة 15 قضائية بجلسة 2/3/1996.
([46]) د. أحمد فتحى سرور، مرجع سابق،ص357.
والجديد في إعلان ” الحق في التنمية ” هو ربط هذه الحقوق صراحة بعملية التنمية بأبعادها الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، واعتبار عملية التنمية ” حقا ” من حقوق الإنسان وليست مجرد ” طلب ” يطالب به الأفراد، قد تستجيب له الحكومات أو لا تستجيب، كما أن الموافقة على ” الحق في التنمية ” من جانب الدول النامية تعني أن هذه الدول أصبحت مسئولة أمام شعوبها عن القيام بالتنمية الاقتصادية وما يتطلبه ذلك من أبعاد اجتماعية وسياسية وثقافية، وكذلك فإن الموافقة على هذا الحق من جانب الدول المتقدمة تعني أن هذه الدول أصبحت مسئولة عن مساعدة الدول النامية التي تفتقر إلي الموارد المالية والفنية الكافية لتحقيق التنمية الاقتصادية. ولقد ذهب البعض إلي الربط بين حقوق الإنسان الاقتصادية والاجتماعية والمساعدات المالية للدول النامية؛ فظهرت دراسات عن ” الحق في المساعدات المالية ” على أساس أن حكومات الدول النامية ليست لديها الموارد المالية الكافية التي تمكنها من القيام بمسئولياتها أمام شعوبها بخصوص حقوق الإنسان. فهذه الدول تحتاج لمساعدات لتتمكن من أن توفر لسكانها الحق في مستوى المعيشة الملائم، وحق العمل، وحق التعليم…….. الخ من حقوق الإنسان المعلنة، راجع بحث د. تامر ريمون: الضمانات الدستورية لحماية الاستثمار، المجلة الدستورية، العدد الثاني والعشرين، السنة العاشرة، أكتوبر2012، ص60.
([47]) فنصت المادة 4 منه بعد التعديل علي أن” يقوم الاقتصاد في جمهورية مصر العربية علي تنمية النشاط الاقتصادي والعدالة الاجتماعية وكفالة الاشكال المختلفة للملكية والحفاظ علي حقوق العمل”، ثم جاء دستور 2012 لينص في المادة 14 منه علي أن” يهدف الاقتصاد الوطنى إلي تحقيق التنمية المطردة الشاملة، ورفع مستوى المعيشة، وتحقيق الرفاه، والقضاء علي الفقروالبطالة، وزيادة فرص العمل والإنتاج والدخل القومى. وتعمل خطة التنمية علي إقامة العدالة الاجتماعية، والتكافل، وضمان عدالة التوزيع، وحماية حقوق المستهلك، والمحافظة علي حقوق العاملين، والمشاركة بين رأس المال والعمل في تحمل تكاليف التنمية، والاقتسام العادل لعوائدها…”، وهو ماجاء به نص المادة 27 من التعديل الدستوري الصادر عام 2014 والذي جاء كالآتي” يهدف النظام الاقتصادي إلي تحقيق الرخاء في البلاد من خلال التنمية المستدامة والعدالة الاجتماعية، بما يكفل رفع معدل النمو الحقيقي للاقتصاد القومى، ورفع مستوى المعيشة، وزيادة فرص العمل وتقليل معدلات البطالة، والقضاء علي الفقر…”.
وجاء نص المادة 39 منه لتصبغ علي أداة التنمية الأولي الإدخار وصف الواجب الوطنى فجري نصها علي أن” الإدخار واجب وطنى تحمية الدولة وتشجعه، وتضمن المدخرات وفقاً لما ينظمه القانون”.
([48]) راجع حكم المحكمة الدستورية العليا في القضية رقم 18 لسنة 1 قضائية بجلسة 5/2/1983.
([49]) راجع حكم المحكمة الدستورية العليا في القضية رقم 227 لسنة 21 ق بجلسة 2/12/ 2000.
([50]) راجع حكم المحكمة الدستورية العليا في القضية رقم 12 لسنة 4 ق تنازع جلسة 19/11/1983.
([51]) أ. خالد بن النوى: ضوابط مشروعية التجارب الطبية علي جسم الإنسان وأثرها علي المسئولية المدنية” دراسة مقارنة”، رسالة ماجستير، كلية الحقوق والعلوم السياسية، جامعة سطيف-2-، الجزائر، 2012-2013، ص30، 31.
([52]) فجاء نص المادة 60 منه بالنص علي أن” لجسد الإنسان حرمة، والاعتداء عليه، أو تشويهه، أو التمثيل به، جريمة يعاقب عليها القانون ويحظر الاتجار بأعضائه، ولا يجوز إجر أية تجربة طبية، أو علمية عليه بغير رضاه الحر الموثق، ووفقاً للأسس المستقرة في مجال العلوم الطبية، علي النحو الذي ينظمه القانون”.
وجاء نص المادة 61 منه لتنص علي أن” التبرع بالأنسجة والأعضاء هبة للحياة، ولكل إنسان الحق في التبرع بأعضاء جسده أثناء حياته أو بعد مماته بموجب موافقة أو وصية موثقة، وتلتزم الدولة بإنشاء آلية لتنظيم قواعد التبرع بالأعضاء وزراعتها وفقاً للقانون”.
وجاء نص المادة 18 منه لتجسد واجب الدولة تجاه هذا الحق فنصت علي أن” لكل مواطن الحق في الصحة وفي الرعاية الصحية المتكاملة وفقاً لمعايير الجودة الشاملة، وتكفل الدولة الحفاظ علي مرافق الخدمات الصحية العامة التي تقدم خدماتها للشعب ودعمها والعمل علي رفع كفاءتها وانتشارها الجغرافي العادل.
وتلتزم الدولة بتخصيص نسبة من الإنفاق الحكومى للصحة لا تقل عن 3% من الناتج القومى الإجمالي تتصاعد تدريجياً حتى تتفق مع المعدلات العالمية.
وتلتزم الدولة بإقامة نظام تأمين صحي شامل لجميع المصريين يغطى كل الأمراض، وينظم القانون إسهام المواطنين في اشتراكاته أو إعفاءهم منها طبقاً لمعدلات دخولهم.
ويجرم الامتناع عن تقديم العلاج بأشكاله المختلفة لكل إنسان في حالات الطوارئ أو الخطر علي الحياة.
وتلتزم الدولة بتحسين أوضاع الإطباء وهيئات التمريض والعاملين في القطاع الصحي.
وتخضع جميع المنشآت الصحية، والمنتجات والمواد، ووسائل الدعاية المتعلقة بالصحة لرقابة الدولة، وتشجع الدولة مشاركة القطاعين الخاص والأهلي في خدمات الرعاية الصحية وفقاً للقانون”.
ويرتبط ذلك الحق بالحق في حق المواطن في طعام وشراب صحي وهو ما جاء به نص المادة 79 من التعديل الدستوري الصادر عام 2014 والذي جري علي أن” لكل مواطن الحق في غذاء صحى وكاف وماء نظيف ، وتلتزم الدولة بتأمين الموارد الغذائية للمواطنين….”.
ويرتبط ذلك أيضاً بالحق في ممارسة الرياضة لضرورة الرياضة للسلامة الصحية، وهو ما ورد بالمادة 84 من التعديل الدستوري والذي جري نصها علي أن” ممارسة الرياضة حق للجميع، وعلي مؤسسات الدولة والمجتمع اكتشاف الموهوبين رياضياً ورعايتهم، واتخاذ ما يلزم من تدابير لتشجيع ممارسة الرياضة”.
([53]) راجع د. محمود علي أحمد مدنى، مرجع سابق، ص400، 401.
([54]) قد نص دستور 1971 علي الحريتين في مادة واحدة وهي المادة 49 منه فنص علي أن ” تكفل الدولة للمواطنين حرية البحث العلمى والإبداع الأدبي والفني والثقافي، وتوفر وسائل التشجيع اللازمة لتحقيق هذه الحرية والنهوض بها”، وقد ورد بدستور 2012 في المادة 59 منه علي أن” حرية البحث العلمى مكفولة. والجامعات والمجامع العلمية واللغوية ومراكز البحث العلمى مستقلة، وتخصص لها الدولة نسبة كافية من الناتج القومى”.
وقد جاء بالمادة 46 منه علي أن” حرية الإبداع بأشكاله المختلفة حق لكل مواطن.
وتنهض الدولة بالعلوم والفنون والآداب، وترعي المبدعين والمخترعين، وتحمى إبداعاتهم وابتكاراتهم، وتعمل علي تطبيقها لمصلحة المجتمع.
وتتخذ الدولة التدابير اللازمة للحافظ علي التراث الثقافي الوطنى، وتعمل علي نشر الخدمات الثقافية”.
فقد جاء التعديل الدستوري في 2014 بالنص إجابة للسؤال الذي يمكن أن يطرح لماذا تلتزم الدولة بتشجيع البحث العلمى؟، وبتحديدبتحديد نسبة معينة تنفق علي البحث العلمى فجاء نص المادة 23 منه بالنص علي أن ” تكفل الدولة حرية البحث العلمى وتشجع مؤسساتها، باعتباره وسيلة لتحقيق السيادة الوطنية وبناء اقتصاد المعرفة، وترعي الباحثين والمخترعين، وتخصص له نسبة من الإنفاق الحكومى لا تقل عن 1% من الناتج القومى الإجمالي تتصاعد تدريجياً حتى تتفق مع المعدلات العالمية.
كما تكفل الدولة سبل المساهمة الفعالة للقطاعين الخاص والأهلي وإسهام المصريين في الخارج في نهضة البحث العلمى”.
ثم جاء نص المادة 66 منه ليؤكد علي ذلك الحق بالنص علي أن” حرية البحث العلمي مكفولة، وتلتزم الدولة برعاية الباحثين والمخترعين وحماية ابتكاراتهم والعمل علي تطبيقها”.
ثم جاء نص المادة 67 ليتكلم عن حرية الإبداع بشكل مفصل غير مسبوق في الدساتير السابقة فجري نصها علي أن” حرية الإبداع الفني والأدبي مكفولة، وتلتزم الدولة بالنهوض بالفنون والأداب، ورعاية المبدعين وحماية إبداعاتهم، وتوفير وسائل التشجع اللازمة لذلك.
ولا يجوز رفع أو تحريك الدعاوى لوقف أو مصادرة الأعمال الفنية والأدبية والفكرية أو ضد مبدعيها إلا عن طريق النيابة العامة، ولا توقع عقوبة سالبة للحرية في الجرائم التي ترتكب بسبب علانية المنتج الفنى أو الأدبي أو الفكري، أما الجرائم المتعلقة بالتحريض علي العنف أو التمييز بين المواطنيين أو الطعن في أعراض الأفراد، فيحدد القانون عقوباتها.
وللمحكمة في هذه الأحوال إلزام المحكوم عليه بتعويض جزائي للمضرور من الجريمة، إضافة إلي التعويضات الأصلية المستحقة له عما لحقه من أضرار منها، وذلك كله وفقاً للقانون”.
وبالطبع حرية الإبداع لكي تتحقق لها الحماية الكاملة كان لابد من وجود نص دستوري يحمى حقوق الملكية الفكرية وهو ما جاء النص عليه في المادة 69 منه والتي جري نصها علي أن” تلتزم الدولة بحماية حقوق الملكية الفكرية بشتي أنواعها في كافة المجالات وتنشئ جهازاَ مختصاَ لرعاية تلك الحقوق وحمايتها القانونية، وينظم القانون ذلك”.
([55]) راجع حكم المحكمة الدستورية العليا في القضية رقم 131لسنة 22 قضائية جلسة 7/7/2002.
([56]) راجع حكم المحكمة الدستورية العليا في القضية رقم 5لسنة 22 قضائية جلسة 13/2/2005.
([57]) راجع حكم المحكمة الدستورية العليا في القضية رقم 2 لسنة 15 قضائية جلسة 4/1/1997.
([58]) والذي نصت المادة 49 منه علي أن” تلتزم الدولة بحماية الأثار والحفاظ عليها، ورعاية مناطقها، وصيانتها، وترميمها، واسترداد ما استولي عليه منها، وتنظيم التنقيب عنها والإشراف عليه. ويحظر إهداء أو مبادلة أي شئ منها. والاعتداء عليها والاتجار فيها جريمة لا تسقط بالتقادم”.
وتنص المادة 50 منه علي أن” تراث مصر الحضاري والثقافي، المادي والمعنوى، بجميع تنوعاته ومراحله الكبري، المصرية القديمة، والقبطية، والإسلامية، ثروة قومية وإنسانية، تلتزم الدولة بالحفاظ عليها وصيانتها، وكذا الرصيد الثقافي المعاصر المعماري والأدبي والفني بمختلف تنوعاته، والاعتداء علي أي من ذلك جريمة يعاقب عليها القانون. وتولي الدولة اهتماما خاصاً بالحفاظ علي مكونات التعددية الثقافية في مصر”.
([59]) د. ياسر سلامة عبد الحليم أحمد شويته، مرجع سابق، ص386.